كلمة سيد الشهداء السيد عباس الموسوي في الذكرى الثالثةَ عشرة لاختفاء السيد موسى الصدر
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
نتوجه أولاً بالتحية لأبي عبد الله الحسين (ع)، ونتوجه بالتحية والسلام لإمام عصرنا وزماننا الإمام المهدي (عج)، ونتوجه بالتحية إلى الإمام المظلوم المغيب الإمام موسى الصدر، ونسأل الله (تبارك وتعالى) أن يعيده إلى ساحة جهاده بخير.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في البداية، وباختصار، سوف أتحدث عن نبذة قليلة من سيرة هذا الإمام، الإمام موسى الصدر، إبتدأ كأي عالم من العلماء المجاهدين، إبتدأ عمله وجهاده كعالم في مدينة صور أسس في هذه المدينة حوزة علمية لتخريج العلماء والمبلّغين، وانطلق يبلّغ رسالة الإسلام في هذه المدينة. هذه كانت النواة الأولى لعمل الإمام موسى الصدر. ثم انطلق باهتماماته ليشمل الجنوب بكامله. أذكر في تلك المرحلة كنا في حوزة صور، كنا نرى بأمّ أعيننا إهتمامات هذا الرجل العظيمة، أذكر على سبيل المثال بعض مشكلات الفلاحين، حيث كانت توجد مشكلة كبيرة في تلك المرحلة، مشكلة سعر الدخان، وكانت هذه المشكلة مشكلة كل الفلاحين في جنوب لبنان، تحوّل الإمام موسى الصدر - وهو لا يزال في بدايات جهاده في الجنوب - تحوّل إلى ضمير كل الفلاحين. إلتف حوله الفلاحون في تلك المرحلة واعتبروه الأمل. ثم أخذت تتوسع اهتمامات الإمام موسى الصدر لتبلغ، كما سوف أذكر أمثلة على هذه المسألة، لتبلغ العالم الإسلامي بكامله.
إهتمامه على مستوى المحرومين في لبنان هذه مسألة أعتقد أنها مرئية ومعروفة للجميع، كل المناطق المحرومة في لبنان، كما عرف ذلك سماحة مولانا الشيخ أحمد الزين، وهو صاحب الإمام موسى الصدر، يعرفه جيداً. كل المناطق المعروفة كان يعرفها الإمام موسى الصدر ويزورها دائماً. أنا أسمع هذه المسائل من الفلاحين في جرود الهرمل وبعض المناطق كيف كان يفاجئهم الإمام موسى الصدر بزياراته، ثم أخذت - كما ذكرت - تتوسع إهتماماته لتشمل الأمة الإسلامية بكاملها. سوف أذكر لكم ثلاثة أمثلة قد يكون بعضها معروفاً وبعضها خفياً. إتصالاته بالقيادة الإسلامية في العراق، صِلاته بالشهيد السعيد المرجع الديني الكبير السيد محمد باقر الصدر كانت صِلات عملية، لم تكن صِلة محبة أو قرابة، أذكر من جملة الأعمال التي نسّقها الإمام الشهيد (رضوان الله عليه) مع الإمام موسى الصدر، أعاده الله علينا بخير، عندما اشتدت الأزمة في العراق بعد قيام الحكومة العراقية بمنع المسير إلى كربلاء حيث كانت توجد عادة هي السير على الأقدام لزيارة أبي عبد الله الحسين (ع)، الناس يأتون من البصرة من النجف الأشرف ومن بغداد لزيارة الإمام الحسين (سلام الله عليه)، أراد الحكم البعثي في العراق منع هذه العادة وقمعها، وطبعاً حصل إشكال واسع جداً إستخدمت فيه الدبابات، أذكر في وقتها إستخدم النظام العراقي ما لا يقلّ عن 160 دبابة في مواجهة هذه المسيرة. في هذا الموضوع الخطير جداً كان هناك عملية تنسيق واضحة، أنا اطلعت عليها بنفسي، لأنني كنت واسطة بين الشهيد الصدر (رضوان الله عليه) وبين الإمام موسى الصدر. وفي نفس الوقت، المثال الآخر صِلة الإمام الصدر بأستاذه الكبير الإمام الراحل الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، أيضاً الصلات لم تكن صِلات مرجعية فقط وإنما كانت صِلات عملية، يعني كان هناك عملية تنسيق عملي على مستوى الثورة الإسلامية في إيران، على مستوى ساحة العمل الجهادي في لبنان، على مستوى ساحة الجهاد ضد العدو الإسرائيلي، هذه الأمور كانت منسّقة بشكل واسع وكبير.
المثل الثالث والذي أظن أنه غائب عن أكثر المحبين للإمام موسى الصدر: عندما هُزِم العرب هزيمتهم الكبيرة عام 1967، طبعاً تلك المرحلة كانت نكبة على الجميع شعر معها العرب والمسلمون في كل العالم، شعروا معها بالمذلة أنّ "إسرائيل" إستطاعت أن تقتحم ثلاث دول عربية وتحقق نصراً كبيراً على هذه الدول العربية مجتمعة! الإمام موسى الصدر بادر في تلك المرحلة لأنه كان يعتبر أنّ الجيش المصري هو ميزان المواجهة في تلك المرحلة، توجه فوراً إلى مصر وبقي لغاية شهر في قناة السويس مع الجيش المصري يعبئهم جهادياً وقتالياً حتى لا يكون الإنهيار كاملاً وشاملاً بالنسبة للأمة أمام العدو الإسرائيلي. هذه الأمثلة أردت من خلالها أن أطلّ على شخصية الإمام موسى الصدر، مَن هو هذا الرجل؟ توجهاته؟ إهتماماته؟ القضايا التي كان يؤمن بها ويعتقد بها؟ هذه الأمثلة التي ذكرتها لكم أقل دلالاتها أنّ الإمام موسى الصدر كان يعتبر نفسه جزءاً من أمّة يؤمن بأمّة كاملة ويؤمن بقضايا أمّة، يعني مرةً الإنسان يتصرف على مستوى ساحة ضيقة وهي ساحة، قد تكون هذه الساحة ضيقة جداً كمدينة صور مثلاً أو قد تكون أكثر سعة كلبنان، يتحرك على مستوى قضايا لبنان، القضايا الضيقة والصغيرة، ومرةً الإمام موسى الصدر يحمل قضايا أساسية هذه القضايا كلها تعتبر قضايا الأمة الإسلامية، علاقته بالمرجعية الدينية في العراق، علاقته بالثورة الإسلامية في إيران، علاقته بالجيش المسلم المصري في مصر، مضافاً إلى علاقاته الواسعة التي تعرفونها جميعاً. يعني في مرحلة كان يعجز الكثيرون من الناس عن اقتحام الجدار الكبير والسجن الكبير الذي كان مفروضاً على الناس في الإتحاد السوفياتي، حيث كان ممنوعاً على الناس أن يتصلوا بالمسلمين هناك، الإمام موسى الصدر إقتحم هذا الجدار ودخل إلى المسلمين زارهم هناك وتفقد أحوالهم وقضاياهم في تلك المرحلة. حتى لا يتشتت هذا الموضوع كثيراً سأحاول أن أحصر هذا الموضوع في مسألتين: مسألة لها علاقة بالساحة اللبنانية، ومسألة لها علاقة بالقضية الكبرى للأمة الإسلامية وهي قضية فلسطين قضية القدس.
كيف كان يتعاطى الإمام موسى الصدر على المستوى الداخلي في لبنان؟ ما هي نظرته؟ ما هي طموحاته؟ ما هو جهاده في هذا المجال؟ كذلك الحال بالنسبة للقضية الأولى للمسلمين وهي قضية فلسطين، نظرة الإمام موسى الصدر، كيف تعاطى ميدانياً مع هذه المسألة؟
بالنسبة للموضوع الأول، في الواقع لا أستطيع أن أجد إنساناً على مستوى الساحة في لبنان تعاطى بروحية عالية تم فيها تجاوز كل العقد اللبنانية، كل تعقيدات الوضع اللبناني، سواء التعقيدات الطائفية أو الحزبية أو العشائرية أو كل التعقيدات والإعتبارات الإجتماعية في لبنان، لا أظن أنً هناك رجلاً استطاع أن يتجاوز كل هذه العقد كما استطاع الإمام موسى الصدر في هذا المجال. ولذلك كنت ترى الإمام موسى الصدر على مستوى الشيعة يمثل أملاً من آمالهم، على مستوى السنّة كان يشعر الجميع من إخواننا السنّة بالإحترام الكبير بالنسبة للإمام موسى الصدر يحترمونه ويقيمون معه العلاقات والصداقات وإلى ما هنالك، كذلك الحال بالنسبة للمجتمع المسيحي بشكل عام كانوا يكنّون له كل احترام وتقدير، وهكذا. فعلاً تشعر وأنت تقيّم شخصية هذا الإمام أنك أمام رجل يستوعب الجميع ويشعر الجميع بأبوّته وحنانه وعطفه، هذه القضية جعلت من الإمام موسى الصدر رجلاً منفتحاً على قضايا الناس جميعاً، جعلته قريباً من قلوب المستضعفين في لبنان جميعاً، ولذلك نجد أنّ الإمام موسى الصدر اصطدم مع كل الذين يحملون العقد الأساسية في لبنان يعني الطائفيين والمتعصبين لأحزابهم الزعماء التقليديين المتعصبين لمناصبهم كل هؤلاء تحولوا إلى جبهة لمواجهة الإمام الصدر. كانت أبرز هذه المسائل العقدة التي تحكم هذا البلد منذ فترة طويلة من الزمن - ولا تزال - وهي العقدة المارونية بشكل خاص والتعصب الماروني هذا التعصب الذي لا أتصور له علاجاً سهلاً. هذه حالة كيف الكثير من أبناء الطوائف بما فيها حتى الطائفة اليهودية تعيش عقد خاصة، عقدة العظمة، عقدة الشعور بالهيمنة.. هذه العقدة مستحكمة في الموارنة في لبنان هذه المسألة إصطدم معها الإمام موسى الصدر بقوة. ذكرت أنّ الجبهة التي اصطدم بها الإمام موسى الصدر هي كل المعقّدين بعقد الساحة اللبنانية والوضع اللبناني، لكن هذه العقبة الأكثر خطراً التي واجهت الإمام موسى الصدر. حاول الإمام الصدر أن لا يعطي هذه المسألة صفة الصراع المسيحي المسلم، حاول جهده أن يبتعد عن هذه الصفة وأراد أن يعطي هذه المسألة صفة الصراع مع دولة تحمل نفَسَاً طائفياً وتحاول أن تهيمن باسم الطائفة لا علاقة لها بعيسى (سلام الله عليه) ولا علاقة لها بالقيم المسيحية، وإنما تحاول أن تستغل المسيحية وتستغل المسألة الطائفية في هذا البلد من أجل المزيد من الهيمنة والتحكم. هذا الموضوع لم يشعر بخطره الإمام الصدر وحده بل كان شعوراً لدى كل إنسان محروم، الفلاح في أرضه كان يشعر أنه مهان، الجندي اللبناني في الجيش اللبناني كان يشعر بالإهانة بأنّ هناك مواقع لا يستطيع أن يصل إليها مهما كانت كفاءته عالية، وهكذا كل فرد محروم ومستضعف في هذا البلد كان يشعر بخطر هذه العقدة المارونية وكان الإمام موسى الصدر يشعر بمسؤولية خاصة تجاه هذه العقدة يشعر بضرورة مواجهتها والقضاء عليها تحرك الإمام الصدر بحركة شعبية واسعة، أنتم تتذكرون جيداً المهرجان الكبير الذي أقامه في مدينة بعلبك أيضاً، المهرجان الكبير الذي أقامه في مدينة صور وكان يهدد بإقامة نفس هذا المهرجان في بيروت، وكان يهدد أيضاً أنه بعد هذا المهرجان سيتم احتلال كل القصور، كل القصور كانت مهددة بالإحتلال من قِبل الناس بأمر من الإمام موسى الصدر في تلك المرحلة.
إذاً العقدة التي تعيشها الدولة وجعلت منها دولة لا تستطيع إلاّ أن تعيش على الهيمنة باسم الطائفة ضد الآخرين، أنا أذكر لكم مفردات على هذه المسألة: الدولة اللبنانية كيف تتعاطى مع قضية الإمام موسى الصدر؟ يعني بتصوركم لو كان المغيّب رمزاً من رموز المارونية في لبنان كيف ستتعاطى هذه الدولة مع القضية هل ترسل وفداً إلى ليبيا؟ هل تقف موقف المتفرج على هذه القضية؟ إذا كانت المسألة أنّ هذه الدولة مسؤولة عن مواطنين ليعتبروا أنّ الإمام موسى الصدر مواطناً عادياً، نحن نرى أنه لم يكن أي مستوى من الإهتمام، لا سابقاً ولا حاضراً، ولا نتوقعه أيضاً لاحقاً. الإمام موسى الصدر هذا الرجل الذي أخلص لهذا البلد والذي صدق مع هذا البلد ومستضعفي هذا البلد، الرجل الذي أثبت أنه أكثر المواطنين احتراماً لهذا البلد، هذا الإنسان تتعاطى معه الدولة بالطريقة التي ترَونها هذه مفردة.
مفردة ثانية: مؤتمر السلام، هذا المؤتمر الذي تعرفون جيداً ماذا يعني بالنسبة لنا يعني إذا كانوا بقضية الإمام موسى الصدر تجاوزوا مشاعر الناس والمظلومين، أنا لا أقول إنّ الدولة في لبنان عندما تصرفت بالطريقة التي تصرفت بها تجاوزت مشاعر طائفة واحدة، أي الشيعة، بل تجاوزت مشاعر كل المحبين للإمام موسى الصدر، كل الناس الذين يشعرون بالإحترام والتقدير لهذا الإمام ولقضية هذا الإمام تم تجاوز مشاعرهم ومواجهة مشاعرهم وعواطفهم وضمائرهم أيضاً على مستوى مؤتمر السلام. الدولة ألا تعرف ما هو رأي الناس بهذا المؤتمر؟ نحن نرى في عصرنا الحاضر الكثير من الدول حتى الدول التي لا تدين بدين، لكن بالحد الأدنى تتطلع إلى رأي الناس وتستفتي الناس حتى "دولة إسرائيل" التي نكرهها ونبغضها إلى العمى لكن نشعر أنّ هذه الدولة تحترم أبناءها ومواطنيها، تحاول أن تستفتي الرأي العام اليهودي. أمريكا التي نعتبرها الشيطان الأكبر نرى أنها تنظر ماذا يقول الناس فيما لو تصرفت الحكومة الأمريكية بالطريقة الفلانية أو أخذت الموقف الفلاني، هذه الدول لا تدين بدين ولا تؤمن برسالة إلهية لكنها تنطلق من الناس والرأي العام، ما هو رأي الناس في مؤتمر السلام. هنا فعلاً تتجسّم المأساة أنّ رجلاً واحداً، في مصر بينه وبين وزير الخارجية الأمريكية دون مشورة حتى الحكومة اللبنانية وافق على مؤتمر السلام. كل هؤلاء الناس لا قيمة لهم، هذا مؤتمر السلام، مؤتمر المصير بالنسبة للبنان والمنطقة وبالنسبة لقضية فلسطين والصراع على مستوى الوجود بين اليهود والعرب واليهود والمسلمين. هذه القضية الكبرى القضية، الأمّ بالنسبة لنا جميعاً تُحسم من خلال جلسة مع أحد وزراء الشيطان الأكبر. ليس هناك أي إعتبار للناس وآرائهم، هذه مسألة ثابتة.
مفردة ثالثة: الآن مَن لا يشعر بعميق الإحترام وعظيم التقدير؟ مَن لا يتمنى أن يقبّل يدي مقاوم مجاهد يحمل سلاحه ليقاتل "إسرائيل" هذه أمنية شائق، أمنية محبّ، هذه الحالة الجهادية العالية التي حررت بيروت من الوجود الأمريكي والمتعدد الجنسيات وحررت أكثر بقاع الجنوب من الوجود الإسرائيلي المحتل ثم تكمل جهادها وعمليات التحرير. ما هو رأي الدولة بهذه المسألة إننا لا نسجل غياباً فقط للدولة نسجل مواجهة، الدولة تواجه هذه الحالة لا تريدها، ليس أنّ هذه القضية لا تعنيها فقط ثم نجلس جانباً، بل هي تعمل بكل إمكاناتها وبكل قراراتها من أجل أن تتوقف هذه المقاومة تحت عناوين مختلفة، تارة باسم سياسة نزع الذرائع، الآن يوجد لغة جديدة نخشى على الناس من التهجير، يوجد قرى قد تتعرض للتهجير. هنا أذكّر بالمسالة التي كانت تشكّل موقفاً قوياً وحكيماً للإمام الصدر.
نحن لا نلمح بهذه الدولة أي أمل، أنا أتمنى أن يقوم أخ أو أخت يقول لي لا! يوجد تحرك جيد للدولة هو كذا وكذا.. قولوا لي طبعاً، هنا أسجل أننا لسنا مع أن تسود الفوضى في هذا البلد، لسنا مع فرط العقد بالنسبة لهذا البلد، لكننا نريد العدالة، نريد المساواة، نريد الحد الأدنى من المواطنة وحقوق المواطن في هذا البلد، وإلاّ كيف أستطيع أن أتوقف حتى عند قضية أذكرها لأنها واقعة الآن نعيشها كمأساة الآن: باص كان متوجهاً إلى إيران لزيارة الإمام الرضا (ع)، إخواننا فبل وصولنا من إيران باشرت بالإهتمام بهذه المسألة وأتصل بكل أشكال الإتصالات حتى نؤمن ولو طائرة، الدولة تعلن عجزها عن أن توفر طائرة لنقل هذه الجثث الطاهرة المؤمنة. الإنسان يتساءل ماذا يفعل؟ نحن نستطيع الآن أن نلجأ إلى فعل سلبي كل الجماهير جاهزة أن تنزل إلى الشوارع وتطالب بقوة بهذه المسألة، وقد نلجأ لذلك، ولكن أذكر هذا الموضوع على سبيل المثال، هل يجوز لدولة تحترم نفسها أن تتعامل مع مواطنيها بهذه الطريقة؟ هؤلاء مواطنون أم لا؟ إثنا عشر رهينة في لبنان أقامت أمريكا والغرب الدنيا ولم تقعدها بالنسبة لهم، مع أنها ظالمة بذلك، بينما آلاف المواطنين كانوا معتقلين في المنطقة نُقلوا إلى فلسطين وإلى الشريط الحدودي ولم تتحرك الدولة بكلمة واحدة، معركة كبيرة في موضوع الأسرى والرهائن. هل سمعتم من رجل واحد على مستوى الدولة إهتماماً بسيطاً، يعني الشيخ عبد الكريم عبيد ليس مواطناً لبنانيا؟ ألم يؤخذ من بيته مظلوماً؟ ألم تُظلم زوجته ويُظلم أولاده؟ كل الأسرى الموجودين في فلسطين وفي الخيام، وبعضهم من أخواتنا المؤمنات، هؤلاء ليسوا مواطنين. قد يعترف بمواطنيتهم لكن من الدرجة الثالثة أو الرابعة لو كانوا مواطنين من الدرجة الأولى لكنت رأيت الدنيا قامت ولم تقعد، بينما الإمام موسى الصدر بالعكس مسألة لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد.
مع كل هذه الأسباب الإمام موسى الصدر كان يقف بكل قوة في مواجهة الهيمنة المارونية بكل أشكالها، وكان الموارنة في لبنان وكانت الدولة تضع كل العراقيل وكل العقبات في وجه الإمام موسى الصدر. أنا أذكر حتى المهرجانات التي أقامها في مدينة بعلبك ومدينة صور الدولة صنعت المستحيل من أجل تفشيل هذين المهرجانين، كل الوسائل قامت بها الدولة لمنعهما.
الإمام موسى الصدر غُيِّب لأنه كان معارضاً عنيداً وقوياً، كانوا يعرفون في هذا الرجل صلابته وقوّته وإيمانه بالإنسان، هذا على مستوى الداخل اللبناني.
أما على مستوى القضية الأمّ، قضية فلسطين، هذه القضية الإمام موسى الصدر لم يكن يرى أنّ هناك خطراً بسيطاً اسمه الخطر على الشعب الفلسطيني وحده، كان يرى أنّ نفس وجود "إسرائيل"، "إسرائيل" بأصل وجودها، تشكّل شراً كبيراً على مستوى المنطقة، يعني مثلاً قفوا قليلاً عند العبارة الحكيمة للإمام موسى الصدر "إسرائيل شر مطلق"، ما معنى هذه العبارة وفلسفتها؟ نحن مثلاً نقول على المستوى العقائدي والكلامي "الله خير مطلق" يعني لا يمكن أن نتوقع الشر من الله أبداً مجرد الإحتمال للشر في ساحة الله (عز وجل) غير متصور. عندما يقال "إسرائيل شر مطلق"، يعني لا خير متوقع من "إسرائيل" أبداً، مستحيل أن نتوقع الخير من "إسرائيل" لأنها بأصل وجودها شر، عندما يكون الشيء بأصل وجوده شراً لا يكون له علاج إلاّ الإستئصال لأنه (أعاده الله علينا بخير) يتناغم بالكامل مع التكليف الشرعي الذي ألزمنا به الإمام الخميني (قده) - يجب أن تزول "إسرائيل" من الوجود - يعني لا يمكن أن يكون هناك علاج لا لقضية فلسطين فحسب بل لقضية فلسطين ولبنان ومصر والأردن وسوريا والمنطقة بكاملها والإستقرار على مستوى العالم، لأنّ "إسرائيل" بأصل وجودها عامل لاإستقرار. "إسرائيل" بأصل وجودها تهدد السلام العالمي، يعني عندما تنبري الدولة لتقول أنا أريد أن أبني دولة كبرى في المنطقة من النيل إلى الفرات، يعني الآن العراق كدولة طموحات صدام ماذا فعلت بالعالم، طموحه بأرض واحدة هي أرض الكويت ماذا صنع بالعالم جعل العالم على مشارف الهاوية، هدد العالم بحرب عالمية، أوقف العالم على شفير الهاوية بسبب طمعه بالكويت. تصور دولة تريد أن تأخذ لبنان وسوريا والأردن ومصر والعراق، تصوروا دولة تريد أن تتمدد في كل هذه الإتجاهات كيف ستكون ستصبح على حدود الجمهورية الإسلامية في إيران فعلاً. "إسرائيل" بأصل وجودها تهدد السلام العالمي فضلاً عن تهديدها للأمن والسلام للمنطقة، وطالما أنّ هناك سكوتاً على "إسرائيل" سيتصاعد التهديد يوماً بعد يوم. هذه الهجرة اليهودية مقدمة وبناء المستوطنات مقدمة لإقامة دولة "إسرائيل الكبرى". عندما تتحرك "إسرائيل" في هذه المشاريع وإقامة "دولة إسرائيل الكبرى"، يعني تسير بشكل دائم في تهديد السلام العالمي كيف ستكون نظرتنا لهذا العدو: نسكت؟ نوقّع سلاماً معهم؟ نجلس ونتفاوض معهم؟ الآن أقول لكم بكل صراحة ووضوح: أمريكا التي تغطي الوجود الإسرائيلي والمصالح الإسرائيلية بالكامل، أمريكا لن تقبل إلاّ بأن تشرك "إسرائيل" حتى بلقمة طعامنا، حتى بشربة الماء، إنتظروا هذه النتيجة إذا تم السكوت على الفعل الإسرائيلي والوجود الإسرائيلي.
بالأمس تهدد أمريكا تقول: أنا لا يمكن أن أشارك في مؤتمر تركيا حول المياه إذا لم تحضر "إسرائيل"، فيكونوا مستقبلاً شركاء بالمياه والنفط والأرض بكل شيء. أمريكا التي تريد أن تفرض "إسرائيل" كقوة عظمى على مستوى المنطقة تشاركنا حتى في شربة الماء كيف ستتصورون مواجهتها. إذا كان هناك أمّة مستعدة لتحمل مسؤولياتها تشعر بالمسؤولية في عمق صغيرها تشعر بالخوف على مستقبل أجيالها وأمتها، إذا كان هناك أمّة عددها مليار مسلم لديها هذا الشعور لا يجوز أن يبقى رجل واحد أو امرأة إلاّ ويحمل السلاح لقتال "إسرائيل". الأمّة يجب أن تهبّ هبّة الرجل الواحد. كان الإمام موسى الصدر يدرك هذه المسائل جيداً، كان يدرك مخاطر أن تستمر "إسرائيل". الآن إذا عاد الإمام الصدر إلى البلد إلى المنطقة هو شاهد جيشاً مصرياً منهاراً، قفز إلى مصر ليعيش مع الجنود المصريين لعلّه يستطيع أن يعيد إليهم بعض معنوياتهم، كيف إذا جاء إلى هذه الأمة المنهارة معنوياً على امتداد الوطن الإسلامي والعربي. أمّة لا تريد إلاّ السلام والتفاوض مع "إسرائيل"، طبعاً نحن نذكر عنوان "السلام" على سبيل حكاية ما يقال، وإلاّ العنوان الحقيقي هو "الإستسلام" للإرادة الأمريكية والإرادة الإسرائيلية ولكل المشاريع الخيانية، على مستوى العالم الإسلامي وعلى مستوى المنطقة وعلى مستوى قضيتنا الأساسية قضية فلسطين.
أختم هذه الكلمة ولا أنسى أن أذكّر بسيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، الذي نعيش ظلال ذكراه المباركة وذكرى شهادته المباركة. الإمام الحسين بتضحياته وجهاده، أصحاب الحسين (ع) بتضحياتهم وجهادهم، هذه التضحيات التي يجب أن تتجسد أمامنا دائماً كقدوة وكمثل أعلى لنستمر بروحية أبي عبد الله الحسين (ع) وبروحية الإقتداء بالسيدة زينب (ع) وبأبطال كربلاء، لنستمر بروحيتهم مجاهدين في سبيل إعلاء كلمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.