
كلمة سيد الشهداء السيد عباس الموسوي في الذكرى التاسعة لتغييب السيد موسى الصدر
باسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
نتوجه أولا بالتحية لأبي عبدالله الحسين (ع) ونتوجه بالتحية والسلام لإمام عصرنا وزماننا الإمام المهدي (عج) نتوجه بالتحية إلى الإمام المظلوم المغيب الإمام موسى الصدر ونسأل الله تبارك وتعإلى أن يعيده لساحة جهاده.
كثر الكلام وبالأخص في الآونة الأخيرة عن مسألة الخطوط، هذا يدعي أنه خط الإمام الخميني وذلك يدعي خط الإمام موسى الصدر وثالث يدعي خطا ثالثا وهكذا. هذه الخطوط المختلف عليها عندما نراجع الخط الذي أراده الله تبارك وتعإلى نجد أن كل اختلافاتنا وكل حوارنا ونقاشنا باطل، الخط الذي أمر به الله تبارك وتعإلى هو الخط الذي نسميه نحن كمتدينين بخط الأنبياء والرسول والأئمة يعني هناك خط واحد.
هذا الخط نستطيع أن نقرأه من خلال قراءة هادئة في كتاب الله العزيز نقرأ خطا واحدا للأنبياء والأئمة دون أن تشعر مع كل الاختلاف والمسافات الزمنية بين الأنبياء، دون أن تشعر بأدنى خلاف أساسي بين نبي ونبي أو بين إمام وإمام.
من هذا المنطلق سأحاول ومن خلال الكتاب العزيز أن أقرا هذا الخط. اقرأوا قصص كل الأنبياء ابتداءاً من نبي الله آدم وانتهاء بخط الإمام المهدي (عج) تروا أن هناك نهجا واحدا وهو نهج البراءة من أعداء الله ومن الطواغيت والمستكبرين. تقرأ قصة ابراهيم(ع) تجد أكثر عناصر القصة عناصر مواجهة ضد الطاغية النمرود. تقرأ قصة موسى تجد أيضا أن أكثر عناصر هذه القصة المقاومة والمواجهة لفرعون. حتى المسيح عيسى بن مريم الذي يحاول أصحابه وأتباعه أو من يدعون اتباعه يحاولون تصويره بالتسامح، حتى هذا النبي كل حياته كانت المواجهة والمقاومة ضد طواغيت عصره وإلا كيف نستطيع أن نفسر ما يقوله حتى المسيحيين أنفسهم بأنه صلب وأنه طورد، لماذا طورد؟ ولماذا صلب؟ حسب ادعائهم لو كان عيسى كما يدعون رجل منعزل عن الحياة يعيش في كهف بعيدا عن الناس، يعيش حياة رهبانية، لماذا يفكر بمواجهته الظالمون؟ لماذا يطاردوه ؟.
كل نبي من الأنبياء تقرأ قصة المواجهة الحقيقية في حياته ولذلك عندما نقرأ حياة رسول الله وسيرة رسول الله محمد (ص) نقرأ جزءا أساسيا من حياته قصة البراءة من الذين أشركوا.
عام البراءة من المشركين سورة حملها رسول الله إلى الناس إسمها سورة "براءة"، هذا معناه أنك لا تجد نبي ولا تجد إماما في تاريخ البشرية إلا وهو على خط المواجهة ونهج المقاومة. من هذا المنطلق أصبحنا كشيعة في التاريخ بشكل خاص، كمسلمين أصوليين ملتزمين بإسلامنا أصبحنا نتميز بخط خاص هو خط الرفض للظالمين والمواجهة للظالمين. وجسد هذه المسألة بشكل أساسي أبو عبدالله الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام. أنت تقرأ عاشوراء، تقرأ تاريخ كربلاء تجد كل كلمة من كلمات الحسين، كل ممارسة مارسها الإمام الحسين هي مواجهة للظالمين دون اكتراث لأي شيء حتى إنك ترى في سطور حياة الإمام الحسين عدم الحساب لأي شيء على مستوى المواجهة ضد الظالمين والطواغيت حتى الناس وقفوا في وجه الحسين عمليا، لم تقف السلطة وحدها ضد الحسين، حتى الناس الذين يدعون الإنتساب إلى رسول الله وجد الحسين نفسه وجها لوجه معهم في كربلاء ولذلك عندما كان يخاطبهم الحسين كان يذكرهم برسول الله لأنهم كانوا يدعون الإرتباط برسول الله، كان يقول لهم ألست ابن بنت نبيكم؟ كانوا يقولون بلا، ألست حفيد رسول الله؟ أليست هذه العمامة هي عمة رسول الله؟ أليس هذا السيف الذي أحمله هو سيف رسول الله؟ كانوا يرددون بلا نعرف. هم أبناء الإسلام حسب ادعائهم، رأى الحسين نفسه وجها لوجه مع من يدعون الإسلام والإنتساب إلى الإسلام وكان جوابهم الحاسم والأخير نعرف كل ذلك يا أبا عبدالله لكن لن ندعك حتى تموت أو تذوق الموت عطشا.
لم تكن معاناة الإمام الحسين أنه يواجه سلطة، المعاناة الحقيقية التي كان يواجهها الإمام الحسين في عصره معاناته مع الناس، مع الناس الذين طبلوا وزمروا ليزيد وبايعوا يزيدا مع العلم أن يزيد كان متجاهرا على رؤوس الأشهاد في تحدي المشاعر الدينية، كان يجاهر في شربه للخمر، كان يجاهر في قتل النفس المحترمة، كان يجاهر في معاداة أهل البيت، كان يجاهر في قتل الأصحاب والشرفاء والأخيار. مع كل ذلك الأمة قبلت بيزيد وتحول الحسين في حياتها إلى رجل غريب لا يتمكن حتى من أداء مناسك الحج. تصور الحسين وهو حفيد رسول الله لم يتمكن من أداء مناسك الحج، اضطر أن يقطع مناسك الحج ويتوجه إلى منسكه في كربلاء.
هذا هو خط الأنبياء والرسل وهذا الخط ليس مبهما أيها الناس، خط واضح، أولا لأنه عميق في التاريخ في تاريخ المتدينين والأنبياء والرسول والديانات السماوية، وثانيا لأنه كان يعمَّد باستمرار بدماء الشهداء والأنبياء والأبرار، هذا الخط نتيجة وضوحه اعتبره الإسلام مسالة بديهية ولذلك الآن أنت كإنسان مسلم لو فرضنا آمنت بمحمد بن عبدالله (ص) وبكل الأئمة وآمنت بكل الأنبياء ثم استثنيت نبيا واحدا هو عيسى يقال عنك كافر لأنه لا يجوز أن تفرق بين نبي ونبي لأن هؤلاء كلهم على خط واحد ولذلك كانت سيرة الأنبياء والأئمة تأكيد هذه الحقيقة، فكان النبي السابق يؤكد على النبي اللاحق والإمام السابق يؤكد على الإمام اللاحق وهكذا والإمام اللاحق يؤكد على الإيمان بالإمام والنبي السابق. يعني هذه المسألة مسألة واضحة لا يجوز انكارها على الاطلاق.
أمام هذه الحقيقة الواضحة لا يجوز لأحد إلا أن يقول أنا على خط الأنبياء والرسل فقط والأئمة. من هنا مستعدون أن نطل على كل الشخصيات الأخرى، على الإمام الخميني، على الإمام الصدر وعلى الجميع من خلال هذه المسألة. يعني الإمام الخميني عندما يؤكد ويقول خطنا هو خط الرسل والأنبياء نقول له جيد نحن معك أيها الإمام، ومن هنا كان نص الإمام الصدر الذي تعرفونه وتحفظونه جميعا "خطنا ورسالتنا وحركتنا هي استمرار لخط الأنبياء والأولياء والأئمة الصالحين"، أمام هذه الحقيقة لا يجوز لأحد على الاطلاق أن يدعي أن هناك خطاً يخصه، أن يخص شخصا من الأشخاص أو شخصية من الشخصيات مهما كانت تلك الشخصية كبيرة. من هذه الزاوية كم هي المواجهات التي واجه بها الإمام الخميني الإستكبار العالمي، مع ذلك لم يلن، والآن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، الإستكبار العالمي في تحديه للجمهورية الإسلامية في إيران أصبح بمستوى خطير تجمعت كل القوى الغربية والشرقية وعلى رأسها أمريكا تجمعوا الآن بكل امكاناتهم وبكل أساطيلهم لمواجهة الإسلام. هل لان الإمام؟ هل خضع الإمام؟ كانت كلمته التي وجهها إلى حجاج بيت الله الحرام "إني اعلن للعالم وبكل حزم أنه إذا ما أراد السلطويون دنياهم والناهبون الدوليون الوقوف أمام ديننا فإننا سنقف بوجههم ولن نستكين". عندما نقرأ هذه الكلمة نفهم أن الإمام الخميني لا يزال على الخط، لو استكان أو ضعف لرفضناه لأننا لا نؤمن بالإمام الخميني بشخصه، نؤمن به كنائب لإمامنا المهدي (عج) والإمام المهدي نعرف من هو، الإمام ولأي هدف سيخرج. أليس كل واحد منا استقر في قعر ذهنه، استقرت هذه القناعة في عمق نفسه أن الإمام المهدي اذا خرج سيملئ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا. كيف تملئ عدلا وخيرا؟ تملئ من خلال المسبحة واستخدام حبات المسبحة، تملئ من خلال التلواة والصلوات، تملئ من خلال الجهاد والمواجهة من قبل المصلين العابدين.
الإمام الخميني نعتبر أنه لا يزال على الخط ولذلك آمنا به والشرف الكبير أن نوفق للشهادة بين يديه. كذلك الإمام موسى الصدر عندما كان في لبنان كان أول من اعلن مواجهة السلطة اللبنانية، قبله لم يعلن المواجهة الجماهيرية والشعبية أحد، فكانت الجماهير المحتشدة في البقاع والجماهير المحتشدة في مدينة صور كلها تردد وراء الإمام حقوق المظلومين ومواجهة الظلم والاستكبار في لبنان ثم كان من الإمام موسى الصدر أن قالها بملء فم أنه إذا فعلتها اسرائيل ودخلت إلى لبنان سأخلع ردائي وسأتحول إلى رجل فدائي، يعني سأحمل السلاح وسأقاتل اسرائيل. كان معروفا الإمام موسى الصدر بصلابته بموضوع اسرائيل والمسألة الإسرائيلية.
عندما نقرأ هذه السيرة العطرة في حياة الإمام موسى الصدر نعرف أن هذا الإمام خطه هو خط الأنبياء والرسل ولذلك نلتزم. لماذا كل هذه الاختلافات والكل يريد أن يبرر ما عنده من قناعات من خلال هذه المسائل، هذا خط لفلان وهذا خط لفلان، دعونا من كل هذا الحوار نحن مع خط الأنبياء والرسول والأئمة والاوصياء.
من هذا المنطلق ندعو أمتنا الإسلامية في هذه اللحظات الصعبة والحرجة، ندعوها إلى تحمل مسؤولياتها الإسلامية الكبيرة لأننا لم نشهد هجمة شرسة بهذا المستوى الخطير على الإسلام كما نشهده في هذه الأيام طبعا، نحن مطمئنون إلى النتائج لأن الله قال والعاقبة للمتقين، مطمئنون إلى هذه النتيجة، مطمئنون إلى نصر الله لكن النصر لا يكون إلا من خلال أسبابه وأنتم أيها الناس أسبابه.
المسألة الأخيرة التي أحذر منها على مستوى ساحتنا الإسلامية في لبنان، الإستعمار أيها المسلمون والمسلمات أدرك من خلال تجربته الطويلة مع هذه الساحة الإسلامية في لبنان أدرك أنها أعظم قوة اسناد للجمهورية الإسلامية ولذلك وهو يصعد في الخليج ليوجه ضربته لجمهوريتنا الإسلامية واعتداءه على جمهوريتنا الإسلامية يعمل بكل الوسائل والإمكانات لإرباك الساحة اللبنانية، لإرباكها بأجواء الجوع، بأجواء الفوضى بكل أشكالها وأنواعها كي لا تتمكن هذه الساحة من الوقوف بقوة إلى جانب الجمهورية الإسلامية.
من هنا نحذر من الوقوع في فخ الإستكبار العالمي، يجب أن نتعالى عن جوعنا ونتعالى عن جراحاتنا من خلال تعاون الأغنياء مع الفقراء، من خلال وضع كل امكاناتنا الشعبية من اجل معالجة الكثير من الويلات والمشاكل الاقتصادية حتى نبقى قوة اسناد حقيقة لجمهوريتنا الإسلامية.
لذلك ونحن نحي ذكرى إمام مغيب مظلوم نتوجه باسمه ونتوجه باسمنا وباسم الإسلام، نتوجه إلى الجميع بحق رسول الله، نتوجه لتحمل مسؤولياتنا لأن الاستعمار لم يعد لديه أي رادع عن الولوغ بدمائنا ودليله مجزرة مكة المكرمة، أرادوا أن يثبتوا فظاعة الجريمة التي يستعدون لارتكابها بحق الأمة الإسلامية، أرادوا أن يقولوا للأمة الإسلامية مستعدون أن نجزر بكم في كل مكان حتى ولو كانت في الكعبة المشرفة الآمنة.
هكذا يخطط أعداء الله، يجب أن نتوجه لتحمل مسؤولياتنا بين يدي الله تبارك وتعالى، فعلينا أن نوحد صفوفنا، يتعاون الغني مع الفقر، نتعاون جميعا مع علمائنا وقادتنا وجمهوريتنا الإسلامية من أجل إعزاز الإسلام ورفع كلمة لا اله الا الله والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله.