كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في احتفال المولد النبوي الشريف الذي أقيم في مجمع سيد الشهداء مساء الجمعة 25-1-2013
كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في احتفال المولد النبوي الشريف الذي أقيم في مجمع سيد الشهداء مساء الجمعة 25-1-2013:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الظاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
إخواني وأخواتي، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته وأرحب بكم أجمل ترحيب في هذا الحفل المبارك، في هذه الذكرى المجيدة والعزيزة والعطرة، وأبارك لكم جميعاً ولجميع مسلمي هذا العالم بولادة رسول الله الأعظم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد الخلق والمرسلين وخاتم النبيين، وأيضا أبارك لكم هذه الايام التي أعلنت منذ ثورة الإمام الخميني (قدس سره) أسبوعاً للوحدة الإسلامية، للتقارب بين المسلمين، للسير سوياً نحو الله سبحانه وتعالى، وتحت راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأبارك لكم ذكرى ولادة حفيده العظيم والكبير الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام).
وفي هذه المناسبة، أو في هذه الكلمة، أود أن أتكلم كالعادة، بدايةً الفهرسة، بدايةً كلمة في المناسبة، كلمة في المشهد العام، كلمة مختصرة حول الإنتخابات الإسرائيلية وكلمة حول الوضع اللبناني.
إذا أردنا أن نقيّم أي شخصية أو نحكم عليها إيجاباً أو سلباً أو أردنا أن نحدد درجة الإيجابية أو درجة السلبية، نعطيها علامة، هناك معايير معتمدة، لكن في مقدمها ومن أهمها معياران:
المعيار الأول هو ما تملكه هذه الشخصية من مميزات ذاتية وشخصية على مستوى عقلها وروحها ونفسها وخلودها، ما نسميها بالمميزات والمَلَكات والقدرات الشخصية، سواء كانت جيدة أو سيئة لنحكم إيجاباً أو سلباً.
المعيار الثاني هو عمل هذه الشخصية، نتاجها، آثارها، تأثيراتها، إنجازاتها، ما تركته، ما صنعته للناس أو تركته للناس من إنجازات أو من مصائب أو كوارث.
بالمعيار الأول: نجد أن رسولنا الأعظم محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) لديه من الكمالات العقلية والمعنوية والروحية والنفسية وعلى كل صعيد ما بلغ به وفيه القمة.
المديح الوارد في كتاب الله عز وجل لهذا النبي العظيم وما ورد أيضاً على لسان الأنبياء السابقين وكل أولئك الذين عاصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سواءَ آمنوا به كصحابته وأهل بيته، أو كانوا أعداء له وخصوماً له، كانوا يعترفون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الكمالات.
عندما يوصف هذا النبي العظيم من الله سبحانه وتعالى بأنه لعلى خلق عظيم، عندما يتحدث عن رحمته، عن لينه، عن أخلاقه، عن تواضعه، عن عاطفته، عن إنسانيته، وعن كل كمالاته.
هذا الأمر يعترف به الجميع: الصدق، أداء الأمانة، الوفاء بالعهود والمواثيق والمعاهدات، ولذلك نجد أن أخصامه وأعداءه لم يجدوا فيه منقصة واحدة في شخصيته، ولا ثغرة واحدة ولا عيباً واحداً، ليتسللوا من خلاله. يمكن أن يعتبر البعض مثلاً أنه قد تكون هناك ملاحظة، مثلاً لأنه أمي، هذه نقطة قوة وليست نقطة ضعف، هذه معجزته، هذا دليل اتصاله بالله سبحانه وتعالى، هذا دليل علمه الإلهي، إذاً هذه شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وحتى اليوم، يُشهد لهذه الشخصية العظيمة ـ دعوا موضوع الإساءات جانباً، سأعود إليه ـ من مفكرين مسلمين ومسيحيين وفلاسفة وكبار ونخب على مستوى العالم الذين يقاربون شخصيات تاريخية بإنصاف وبعدل وبشكل علمي وموضوعي. لا أعتقد أنه يوجد شخصية توفر لها هذا المستوى من الإجماع ومن المديح ومن التقييم والتبجيل والتعظيم.
لو أتينا إلى المعيار الثاني: في المعيار الثاني، نعم ما تركه، ما صنعه، ما أنجزه، هذه التحولات الفكرية والثقافية والروحية والمعنوية والاجتماعية والسياسية والحضارية التي أوجدها هذا الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال حركته ودعوته، الأمة التي أسسها والتي أطلقها في التاريخ والمستمرة إلى اليوم، وعلى أسس إنسانية وإيمانية، من أهم الجوانب التي يجب التذكير بها اليوم أيها الإخوة والأخوات، من أهم الجوانب هو أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) أعاد البشرية في ذلك الزمن ومنذ ذلك الزمن إلى الأساس الإنساني الأول، بل أكثر من ذلك، أعلى من شأن هذا الجانب الانساني. يعني في مجتمع شبه الجزيرة العربية بل في كل العالم في ذلك الحين، سواء العالم الذي كانت تسيطر عليه الإمبراطورية الرومانية أو الإمبراطورية الفارسية، عالم كان محكوماً بالتمييز، يسوده التمييز، التمييز على أساس الجنس بين الذكر والأنثى، وحالة المرأة لم تكن فقط في شبه الجزيرة العربية هكذا، في كل العالم، على أساس اللون، أبيض وأسود وأصفر وأحمر، على أساس العِرق، عرب وعجم، وغيره، على أساس القبيلة، قريش وغير قريش، على أساس النسب، بنو فلان وبنو فلان وبنو فلان.
جاء هذا الرسول الإنساني العظيم ليقول لكل الناس: كلكم لآدم وآدم من تراب، جاء ليقول لهم: الناس سواسية كأسنان المشط، الناس يعني الإنسان، جاء لينقل اليهم كلام الله (عز وجل) "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى"، يخاطب المجتمع الذي كان يحط من قدر المرأة ويدفنها وهي طفلة، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
إذاً، الذكر والأنثى لهما قيمة إنسانية واحدة، العرب والعجم قيمة إنسانية واحدة، الأبيض والأسود والأصفر والأحمر قيمة انسانية واحدة، السيد والعبد ـ لأنه في ذلك المجتمع كان رق وعبيد ـ قيمة انسانية واحدة.
كيف يتحمل هذا المجتمع هذا الخطاب، نظرتهم الدونية للعبيد الأرقاء، ولكن هذا الدين وهذا الرسول جاء بهذا الخطاب الانساني الذي كان يعاكس كل ما هو سائد في التقاليد وفي الثقافات وفي الأعراف وفي الوجدان الشعبي السائد في تلك المرحلة.
نعم، قال لهم أنتم من الناحية الإنسانية لكم قيمة واحدة ولكنكم تتمايزون، ليس بالجنس ولا باللون ولا بالقبيلة ولا بالنسب ولا بالعرق، وإنما تتمايزون بالعمل الصالح، بفعل الخير، بالفضائل، باجتناب الرذائل، باجتناب الآثام، والقبائح والمعاصي.
خيركم خيركم لأهله، أحب خلق الله إلى الله أنفعهم لعياله، وضع هذا المقياس.
بل أكثر من ذلك، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أكد على البعد الإنساني حتى في الحركة تجاه الآخرين، مثلا في موضوع الأيتام، الفقراء، المساكين، المعوزين، من لا معيل له، الخائفين، الملهوفين، اللاجئين. الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أكد على مساعدة هؤلاء، ولكن ليس فقط مساعدة هؤلاء مادياً، ليس توفير الملاذ الآمن لهم، ليس فقط هذا، الفقراء والمساكين والأيتام والملهوفون، هم ليسوا فقط جهة يمكن للإنسان أن يستفيد من وجودها دنيوياً، مثلاً أن يأتي ليساعد الفقراء والمساكين من أجل أصواتهم في الإنتخابات أو حتى أخروياً من أجل الحصول على أجر الآخرة، على مقعد في الجنة، على درجة في الجنة، لم يكتفِ هذا الرسول بهذا المستوى، بل قال: يجب أن تحملوا مشاعر إنسانية تجاه هؤلاء الأشخاص، تجاه هذه الفئات، مشاعر الحب، مشاعر الأخوة، مشاعر الإحترام، مشاعر التقدير، ولذلك كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجلس مع الفقراء ويجالسهم ويُؤكلّهم ويحادثهم ويتواضع لهم ويعيش عيشتهم تأكيداً على هذا البعد الإنساني في العلاقة. يمكن أن يكون الشخص غنياً ولديه أموال طائلة ويوزع أموالاً على الفقراء والمساكين كما تريدون، لكن إذا جاء فقير ليسلّم عليه يجفل، أن يجلس مع الفقراء ليأكل أمر لا يناسب مقامه، هناك فارق في الموضوع.
بل أكثر من ذلك، رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمل على أن ينقل الإنسان الأناني، الذي كان يفكر في حدود مصالحه الشخصية أو في حدود مصالح عشيرته أو قبيلته، ليصبح إنساناً إنسانياً وإنساناً عالمياً، يحمل هموم الناس، يتألم لآلام الناس، يفرح لأفراح الناس، يفكر بإنقاذ الناس، يمد يد العون إلى الناس، وهذا تأكيد إنساني كبير وعظيم جداً.
للأسف، في هذه الأيام، هناك حملة مدروسة ومشبوهة للإساءة إلى هذا الرسول العظيم وللطعن في إنسانيته وفي انسانية دينه ودعوته، وهذا بالتأكيد اليوم من أهم تحديات الأمة الإسلامية وعلماء المسلمين جميعاً.
هنا سأبدأ بالدخول إلى المشهد العام، رويداً رويداً، نحن نواجه إساءة كبعض الأفلام أو الرسوم أو الكتب أو المقالات التي هي في الحقيقة لا تناقش فكرياً وعلمياً. نحن لا نمانع أن يناقشنا أحد بالدليل وبالحجة وبالبرهان في عقيدتنا وفي فكرنا وفي ديننا وفي نبينا، لا يوجد مشكلة، بل قرآننا دعا إلى هذا الحوار وإلى هذا النقاش وإلى الحكمة والموعظة الحسنة والحوار بالتي هي أحسن، لكن الإساءة والشتيمة والإهانة لا يقبلها أحد لأيّ من مقدسات أحد.
بالتأكيد يجب أن نعبّر عن غضبنا وسخطنا وإدانتنا، ولكن ما يجب أن نقوله اليوم أيضاً في ذكرى مولد هذا النبي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن من مسؤولياتنا أيضاً العمل الإيجابي، تعريف العالم بهذا النبي، بسيرته، بميّزاته، بكمالاته، بدينه، بدعوته، بكلماته، هناك أمور تنسب إلى رسول الله ظلماً وعدواناً، هناك أمور تفترى على دين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجب أن توضح هذه الأمور.
إذا كان لأحد شبهات يجب أن يجاب على هذه الشبهات، ولكن يجب أن يتم تعريف العالم بهذه الشخصية التاريخية الإستثنائية العظيمة.
وعلى قاعدة وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، ربما نحن عموماً، الحركات الإسلامية، علماء المسلمين، أتباع المذاهب الإسلامية، على اختلاف اتجاهاتنا، خلال عقود من الزمن، ويمكن خلال قرون من الزمن، كل واحد كان يحاول أن يتحدث عن إئمة مذهبه، عن علمائه، عن فقهائه وعن جماعته، وعلى قاعدة: لا مشكلة حول رسول الله، هناك إجماع، لنبذل الجهد في تعريف من نختلف عليهم.
ولكن الآن، وأمام هذا التحدي، بمعزل عما إذا كان "صح أم خطأ"، الآن هناك مسؤولية على جميع المسلمين، على جميع أتباع المذاهب الإسلامية، أن يعطوا الأولوية للتعريف بنبيهم الذي يُجمعون على نبوّته واحترامه وتقديره، ويشكّل جامعهم الكبير، تعريف هذا النبي للعالم، هذه المسؤولية يجب أن تبذل في طريقها جهود فكرية وعلمية وثقافية واعلامية وبحثية ودعائية.... والخ، ولا يجوز أي إهمال أو تقصير، لأن الطرف الآخر مستمر في هذه المعركة، وما حصل من إساءة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس موضوعاً عابراً ولا فلتة شوط ولا اجتهاد شخصي، وإنما تقف وراءه جهات تدرس جيداً ماذا تريد من هذا، وهو كما قلنا، كما في مناسبات سابقة، إيقاع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، وإيقاع الفتنة بين المسلمين، وجرّ المسلمين إلى ردود فعل قد لا تكون مناسبة أو محسوبة أو أو أو.... أهداف كثيرة لهذا الأمر الذي يجري، وهذا يجب أن يواجه.
من التحديّات الكبرى الآن في المشهد العام، عندما ننظر إلى منطقتنا، نجد ارتفاع وتيرة النزاعات، الصراعات، الصدامات، الانقسامات موجودة الآن في كثير من (بلدان) العالمين العربي والاسلامي، وهذا الأمر قائم سواء على المستوى الطائفي ـ إذا تكلمنا بين المسلمين والمسيحين، كما يجري في بعض بلدان العالم الاسلامي، مثلاً نيجيريا، أو يمكن أن يأخذ بعداُ مذهبياً "الشيعة والسنة"، ولكن أنا أحب أن ننظر إلى الأمور بواقعية أكثر، ونقول، حتى لا نعطي أيضاً الأمور أكثر من حجمها، لأن طبيعة الصراعات القائمة الآن تتجاوز هذا العنوان الطائفي أو المذهبي، هناك الآن دول عربية، يمكن أن يكون البلد فيها كل مواطنيه مسلمون ولا يوجد مسيحيين، وممكن أن يكون من مذهب واحد، أي أن لا يكون هناك شيعة، وحتى يمكن أن يكون في داخل الإطار السني من مذهب فقهي واحد، ومع ذلك الآن هناك أضطرابات ومشاكل، لانه في كل البلدان العربية والاسلامية، يوجد لدينا تيّارات وطنية وإسلامية، ولدينا صوفي وسلفي، ولدينا شرق وغرب، وعندنا شمال وعندنا جنوب، وعندنا قبيلة وعندنا ... وعندنا شأن إجتماعي واتجاهات متفاوتة ومتنوعة. وبالتالي، الفوضى والاضطراب أو التحديات القائمة الآن في المنطقة ليس صحيحاً أن نقتصرها على أنها مشكلة طائفية، أو مشكلة مذهبية، ليس صحيحاُ أن نعتبر أن الذي يجري نختصره بهذا، بل هو أبعد من هذا بكثير.
تعقيباً على هذا الواقع، ونحن سنحاول مقاربة هذا الواقع، نحن في لبنان جزء من هذه المنطقة، نحن في لبنان لدينا مشاكلنا أيضاً، ونحن جزء من العالم العربي والاسلامي الذي يتأثر بما يجري في العالمين العربي والإسلامي، شئنا أم أبينا، وما يجري في العالم أيضاً، بل قد يكون لبنان هو البلد الأكثر تأثراُ بما يجري في محيطه. حسناً، بمقاربة هذه التطورات في المنطقة، أريد أن اقول بعض النقاط:
أولاً، إنه إذا وجدنا أن في المنطقة نزاعات وغليان وصراعات، "فما تنوهلوا، ولا يعمل أحد علينا تهويل جميعاً" ، هذا الأمر كان موجوداً، هناك خلافات وصراعات ونزاعات كانت موجودة طوال التاريخ، كان هذا موجوداً في تاريخ المسلمين، وغير المسلمين أيضاً، بين المسحيين أيضاً كان موجوداً، بين أتباع ديانات كان موجوداُ وبين أتباع عرقيّات ، كان موجوداً في تاريخ العالم منذ أن خلق الله آدم إلى اليوم، يجري ما تحدّثت عنه الملائكة، "أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء" هذا تاريخ البشرية، طالما أن البشر بشر، ولديهم أطماع ورغبات وضيق صدر، و"يضيق خلقهم" وإلى آخره... هذا يحدث بشكل طبيعي.
إذاً، المصيبة الأهم والأخطر هي أن لا نعرف كيف نتعاطى مع هذه الازمات، يعني أن نفقد إزاءها الوعي، أن نفقد إزاءها ترتيب الأولويات، أن نفقد إزاءها الأعصاب وقدرة اتخاذ القرار، أن نفقد إزاءها زمام المبادرة وهذا الخطير، أما إذا تعاطينا كلنا بوعي، بمسؤولية، تحملّنا كلنا المسؤولية، ولم "ننوهل" ولم ننصدم، وقررنا أن نعالج هذا الأزمات وهذه الصراعات وهذه الخلافات، بشكل حكيم وبشكل مسؤول، نستطيع أن نتجاوز أو نقلّل الكثير من السلبياتالتي يمكن أن تقع على كل حال. هذا أولاً.
ثانياً، أيضاً بالمقاربة، حتى في البلاد التي يوجد فيها تعدد أتباع أديان، أو تعدّد أتباع مذاهب، ليس الصراع دائماً في حقيقته وجوهره هو طائفي ومذهبي.
سنتحدث أيضاً بالأرقام في هذا الموضوع، لا أريد أن أقول إن كل الصراعات والحروب والنزاعات التي حصلت، أنا لا أتكلم عن خلاف فكري وعقائدي وديني وفقهي، لا، أنا اتكلم عن صراعات ونزاعات وحروب وإنقسامات، والناس تشن هجوم على بعضها وتقتل بعضها إلخ.... أغلب هذه الحروب التي حصلت وهذه الصراعات، هي ذات خلفية سياسية، وذات أهداف سياسية ترتبط بالسلطة، بالسيطرة، بالإمساك بمقدرات الامة، ليس لها علاقة لا بالدين ولا بالشيعة ولا بالسنة، ولا بالإسلام ولا بالمسيحيية، الكثير من الحروب وأنا لا أقول كلها، الأغلب من الحروب.
لا يوجد وقت لأستعرض، ولكن سوف أعطي مثلين أو ثلاثة: مثلاً من أكبر الحروب في تاريخ المسلمين هي: بين بني أميّة وبني العباس، هذه الحرب خلّفت وراءها عشرات الآلاف ومئات الآلاف من القتلى في تلك التحولات، فما هي علاقة السنة والشيعة ودين الاسلام ونبي الاسلام بالمعركة بين بني العباس وبني أمية، كانت معركة على السلطة، كانت معركة على من سيمسك إدارة وقيادة الامة.
حسناً، بعد ذلك، بين الأمين والمأمون العباسيين، حرب طويلة عريضة، دامت لسنوات أيضاً قتل فيها عشرات الآلاف، فما دخل السنة والشيعة؟ وهذا لكي لا يحسب علينا البعض أمور، فالسنة والشيعة ليس لهم دخل بهذا، وهناك من اختلف على السلطة وقاموا بحرب داحس والغبراء، ودمّروا الأمة من أجل السلطة. حسناً، في زمن العبّاسيين، حكومتهم استمرّت مئات السنين، حروب الأمراء والوزراء، يقتّلون بعضهم البعض، ويشنّون الحروب ويجتاحون مدن، فما دخل السنة والشيعة في حرب الامراء والوزراء؟ مئات السنين، كان يمكن أن يتم استغلال الدين والمذهب والطائفة ولكن ليس هذا حقيقة المعركة التي كانت تحصل.
حسناً، سوف نتكلم بتاريخ أقرب، أي قبل 500 سنة، حرب العثمانيين والمماليك، ما هي علاقتها بالسنة والشيعة؟ ما هو دخل الدين؟ ما هو دخل الاسلام؟ بالعكس، لما أتى العثمانيين وطحنوا المماليك، كان المماليك قد سجّلوا إنتصاراً قومياً كبيراً جداً، ثم قام العثمانيون بطحنهم، الموضوع أن لا نأتي ونقول هذا صراع مذهبي، لا ليس هكذا. ممكن بعض الصراعات كانت (على أساس مذهبي)، وهي الأقل، ولكن الأعم الأغلب لم يكن كذلك.
حسناً، قبل بعض السنوات، من أخطر الحروب التي حصلت في منطقتنا، وأسست لمرحلة سياسية وأمنية جديدة بالكامل، أتت بالأميركيين والأساطيل إلى المنطقة، هي حرب صدام حسين على الكويت، هل هي حرب دينية؟ حرب سنة وشيعة؟ ما دخلنا؟ ما هو دخل السنة والشيعة في هذه الحرب؟ هذه كانت حرب سيطرة على النفط وعلى الأرض، هذه حرب سلطة. نعم كما قلت، أحياناً، من الممكن أن يستغل أحد هذا الموضوع، على سبيل المثال: إذا كانت الحرب بين العثمانيين والمماليك كانت حرب سلطة، ولكن إذا كانت بين العثمانيين والصفويين أو بين الصفويين والعثمانيين، صارت الحرب بين السنة والشيعة، كلا يا أخي لم تكن حرب سنة وشيعة، بل كانت حرب سلطة، وأنا لا أريد أن آخذ موقفاً لا من العثمانيين ولا من الصفويين. هنا الآن نحن لا نتكلم كبحث تاريخي ولكن أنا فقط أتكلم عن شاهد.
حسناً، إذا تقاتل الأيوبيون والمماليك مثلاً، فهذه حرب سلطة، أما إذا تقاتل الأيوبيون والفاطميون فيصبح الصراع مذهبياً، ولكن في عمقه هذا ليس صراع مذهبياً ، بعمقه هذا صراع سلطة.
إذاً كثير من الحروب التي جرت وكثير من الصراعات والنزاعات التي هي موجودة الآن، أنا لا أريد أن أتكلم في التاريخ، ولا أن أقف عند التاريخ، أنا أتكلم لأقول الآن، أن عمق الكثير من النزاعات والصراعات هو سياسي، لا علاقة له لا بالمذاهب ولا بالأديان، لا بالإسلام ولا بالمسيحيّة، ولا بالتشيّع ولا بالتسنن. حسناً، أيضاً مثلاً الحرب التي شنّها صدام حسين على الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي دامت أكثر من ثماني سنوات، حسناً "كثّر خيره" أنه لم يعطِ الصراع بعداً مذهبياً، لم يكن باستطاعته أن يعطي الصراع بعداً مذهبياً، لسبب عملي وطبيعي اسمه، انه يوجد جزء كبير من ضباط وجنود الجيش العراقي الذي يقاتل في أيران، هم من الشيعة، فكيف كان سيقول إن معركته معركة مذهبية؟ فقال إن معركته هي معركة بين العرب والفرس، لكن للأسف الشديد، بعض الأنظمة العربية الحالية التي لا تسال لا عن تسنن ولا عن أهل السنة، ولا تسأل عن أهل فلسطين، وعندما نأتي ونرى الإحصاءات في العالم العربي، وأغلب العالم العربي سني، نرى عشرات الملايين من الجياع وعشرات الملايين من الأميين وعشرات الملايين من العاطلين عن العمل وعشرات الملايين وووو.... ويوجد أنظمة لديها مئات المليارات من الدولارات مكدسة ولا تفعل شيئاً لأهل السنة، ولكن عندما تأتي وتدخل في نزاع مع إيران يصبح النزاع "سني ـ شيعي". لا يا أخي، النزاع ليس سنياً- شيعياً، حتى في الحرب الايرانية العراقية، إيران لم تتعاطَ بأن هذه معركة سنية ـ شيعية، هذه معركة صدام حسين، وبعض الأنظمة التي وقفت إلى جانبه وقدمت مئات مليارات الدولارات في تلك الحرب وفي تلك المعركة المدمية. طيب، دعونا نأتي ونقول، بناءً على هذه القراءة، نأتي ونقول، ما هو المطلوب منا؟
مطلوب منا، أولاً، إبقاء أي نزاع أو صراع في لبنان أو غير لبنان، في سوريا، في العراق، في البحرين وفي اليمن وفي مصر وتونس وليبيا، مسلمين، مسيحين، شيعة وسنة، إتجاهات مختلفة، وطنية، إسلامية، إذاً النزاع نظرتنا له نظرة سياسية، وليس نظرة مذهبية، هذا يلزمه أن نتجنب الخطاب المذهبي والطائفي، وأن نتجنب أيضاً التعبئة المذهبية والطائفية.
لأنه يوجد أناس ممكن "أن يطلعوا المارد من القمقم" ولكن لا يقدرون أن يعيدوه، ويوجد شواهد كثيرة على هذا الموضوع، ممكن أنت أن تصنع حية، أفعى نتيجة خطابك الطائفي والمذهبي، وبعد ذلك لا تستطيع أن تضبطها فتقتلك أنت. يجب أن نكون حذرين جداً، ولذلك اليوم، أي خطاب طائفي أو مذهبي ككلمة خبيثة، ممكن أن تدمر كل شيئ وممكن أن تخرب كل شيئ.
ثانياً، حصر المشكلة في حدودها، أين يوجد مشكلة في البلد العربي الفلاني نحصرها هناك، بين جهتين فلانيتين، نحصرها هناك، لا نأتي ونعمم، نفتح كل الملفات مع بعض ونربط الملفات ببعضها البعض، لأنه يصعب علينا حله.
ثالثاً، أن نذهب يا أخواننا ويا أخواتنا، ويا عالمنا العربي والاسلامي، ويا مسيحيين ومسلمين، ويا سنة وشيعة، ويا وطنيين وإسلاميين. للأسف يوجد جماعات متصادمة ببعضها "كسر عضم"، وهم أولاد الثورة نفسها، يوجد (ذلك في) أكثر من بلد عربي على سبيل المثال.
طيب، هذا الى أين يوصل؟ الحل الوحيد هو أن "يطوّل العالم بالهم" على بعض، حلم وسعة صدر وحوار، أفضل من المسارعة إلى الصدام، حتى في المكان الذي يوجد فيه صدام يجب أن نعود الى الحوار، يجب أن نبحث عن تسوية، يجب أن نبحث عن علاج وعن حل، وهذا ما ندعو اليه اليوم مجدداً، في كل الساحات، من سوريا إلى البحرين إلى اليمن إلى تونس إلى ليبيا إلى العراق، مع المستجدات القائمة، وإلى لبنان حتى لا يذهب أحد الى صدام.
في النهاية، كل الناس لديهم كلام، كل الناس لديهم منطق، كل الناس ممكن أن يكون لديهم حق وحقوق، يجب أن نصغي إلى بعضنا البعض ويجب أن نحاول أن نعالج مسائلنا بهذه الطريقة المعقولة ولو طال الوقت قليلاً، أفضل من أن نذهب إلى الصدام الذي ندمر فيه بلداننا ومجتمعاتنا وشعوبنا، والغرب وإسرائيل جالسون ينظرون إلينا ويشمتون فينا وبالتالي يتخلون حتى عن من ورثوهم في معركة هنا أو معركة هناك، وهذا شواهده كثيرة.
الاصل أنه يبقى عندنا، وأنا أتذكر سماحة الامام موسى الصدر أعاده الله بخير، تعلمون في السبعينات أقام مهرجاناً ضخماً في بعلبك، أقام مهرجاناً ضخماً في صور، تكلم عن حقوق المحروومين، لكن عندما بدأت الحرب الاهلية في لبنان أوقف كل شيء ، قال إن الدولة "عم تروح"، البلد يتدمر، إننا نريد بلداً نعيش فيه ودولة نطالبها بالحقوق، لا يوجد أحد يدمر بلداً ويدمر دولة من أجل حقوق أو إصلاحات، طيب يجب أن يبقى هناك بلد، يجب أن يبقى هناك دولة حتى يطالبها بحقوق ويقوم بإصلاحات، وهذا لا يتحقق إلا من خلال الحوار والنقاش والتسوية، وحتى لو يوجد مواجهة، فلتكن مواجهة سلمية وتجنب أي شكل من أشكال الصدام والقتال.
اليوم مسؤولية النخب في عالمنا العربي والاسلامي، العلماء، القادة، السياسيين، الكتاب، مفكرين، مؤسسين، وسائل الاعلام، مسؤولية كبيرة جداً، لأن الناس يصغون الى هؤلاء ويتبعون هؤلاء ويطيعون هؤلاء، وبالتالي مسؤوليتهم الدنيوية والأخروية أكبر من أي زمن مضى.
حسناً، أتكلم كلمة في الانتخابات الاسرائيلية.
باختصار تعطي الانتخابات الاسرائيلية الخلاصات التالية: الآن إذا العالم، إذا يوجد الكثير من الناس ليسوا معنيين ولا يتابعون ما يحصل على مستوى الكيان، فنحن نعتبر أنفسنا معنيين، مهما كانت مشاغل لبنان ومهما كانت مشاغل المنطقة، لأنه أصل المشكلة هناك، القصة بدأت من هناك، من إستحداث هذا الكيان وإيجاد هذا الكيان والكثير مما جرى وما يجري في المنطقة بسبب هذا الكيان ولمصلحة استمرار وبقاء هذا الكيان.
أنا لا أريد أن أدخل في تحليل، فقط سأقول الخلاصة، يسجّل تراجع الأحزاب القائدة والمؤسسة في الكيان مثل حزب العمل وحزب الليكود، التراجع لديهم واضح. غياب حزب قائد قوي، هذا الذي كان يدعو إليه نتانياهو"أن إسرائيل تحتاج الى حزب قوي يقود إسرائيل"، الانتخابات لم تنتج حزباً قوياً ليقود إسرائيل أو هذا الكيان.
(يسجّل) غياب قيادات مركزية وأساسية، تتذكرون يوم من الايام، "في الحقيقة لم تكن من عندي"، يوجد شخص قال لي: إنه عندما كان شارون يهدّد ويرعد و"مفزّع" العالم العربي كله والمنطقة كلها، وقتها قال لي أحد ما أن لا تخافوا من شارون "ما بيطلع من أمره شيئ"، وشارون هو آخر ملوك إسرائيل، وقتها أنا قلتها في خطاب من الخطابات، آخر ملوك إسرائيل،" مبيّن آخر ملوك إسرائيل"، أين، بعد شارون ماذا يوجد؟
نعم قبلوا بتنياهو من باب أنه لا يوجد أحد بديل، يعني هذا بالنسبة لهم خير الموجودين، لكن أزمة الثقة واضحة بالنسبة لنتانياهو.
إذاً، غياب قيادات مركزية وقيادات كبيرة، ثبات الاحزاب الدينية المتطرفة ما بعد التقدم، إزدياد أعداد الأحزاب والكتل النيابية، بالتأكيد هذا يعقّد الإدارة ويعقّد اتخاذ القرار السياسي، مجمل ما جرى في الانتخابات يعبّر بشكل واضح عن أزمة قيادة في الكيان، عن أزمة أحزاب وعن أزمة ثقة وبالتالي عن أزمة كيان.
لكن الامر الذي يجب أن لا نخدع به لا سابقاً ولا حالياً ولا مستقبلاً، هي حكاية يمين ويسار ووسط ووسط الوسط و"ما بعرف شو" ويمين اليمين.
في ما يتعلق بالقدس، في ما يتعلق بفلسطين، في ما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، في ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين، في ما يتعلق بالقضايا والحقوق العربية من الجولان إلى لبنان إلى سيناء إلى مصر، في ما يتعلق بالأطماع الإسرائيلية، في ما يتعلق بالتهديد الاسرائيلي لحكومات وشعوب المنطقة، اليمين واليسار والوسط ووسط الوسط ويسار اليسار، كلهم مثل بعضهم.
التجارب قالت لنا إن أغلب الحروب الاسرائيلية شُنّت في زمن حكومات اليسار الإسرائيلي، ولذلك هنا لا أحد يأخذ التحليل "لا شمال ولا يمين"، مثل بعضهم، يأتي يمين أو يأتي يسار أو يأتي وسط أو حكومة وحدة وطنية، بالنسبة لهذا الجانب من المواجهة الأمور لا تختلف، نعم بطبيعة الحال عندما تكثر الطباخين ـ كما قلت ـ سيكون هناك صعوبة في القرار السياسي، صعوبة في الأداء، ولكن في المشروع وبالرؤية وبالعداء وبالأطماع وبالتهديد لا يتغير شيء، ولا يجوز لنا أن نراهن على شيء على هذا الصعيد.
ضمانة غزة هي قوة المقاومة في غزة، ضمانة فلسطين والشعب الفلسطيني والحقوق الفلسطينية، هو المصالحة الوطنية وتماسك الشعب الفلسطيني وتمسكه بخيار المقاومة.
ضمانة لبنان ـ أياً يكن الحاكم في اسرائيل، نتنياهو أو شارون أو شيمون بيريز أو باراك أو لابيد أو "ما بعرف مين" ـ ضمانة لبنان هي هذه المعادلة التي طالما تحدثنا عنها، وهي معادلة الجيش ـ الشعب ـ المقاومة. قوتنا الوطنية هي التي تحمي لبنان، بعناصرها المتنوعة. لا يفرق من وسط يمين يسار، هو ينظر إلى لبنان: عندك قدرة عندك امكانية تستطيع خلق توازن ردع؟ هذا يحمي. ساعتها تنقب عن النفط وعن الغاز وتحمي بلدك وحدودك إلى آخره، غير ذلك ليس له أي معنى، تجربة عشرات السنين مع العدو الاسرائيلي تقول هذا.
وكذلك على مستوى المنطقة، ولذلك أنا اقول: أهم رد على الانتخابات الاسرائيلية أيا يكن الاستنتاج والتحليل هو الدعوة إلى المزيد من التمسك بالمقاومة، يجب أن نتعاون جميعاً أن يكون الفلسطيني قوياً في غزة، في الضفة، في فلسطين، وفي خارج فلسطين.
يجب أن نتعاون جميعاً لتبقى المقاومة قوية ونزداد قوة في لبنان ويجب أن نتعاون جميعا لتفكيك الألغام الموجودة الآن في محيطنا العربي. هذا هو الرد على الانتخابات الاسرائيلية.
بالوضع اللبناني أيضاً:
اليوم في لبنان الموضوع الذي يحوز أهمية كبيرة ويسيطر على المشهد السياسي بدرجة كبيرة هو موضوع الإنتخابات النيابية وقانون الانتخابات.
أنا سأتكلم قليلا عن هذا الموضوع لأننا ما زلنا على مستوى الحزب ممتنعين عن إجراء المقابلات الصحفية، وبالتالي لسنا مشتركين كثيراً في السجالات والنقاشات، وما زلنا مصرين حتى الآن على هذا الإتجاه، لأنه للأسف الشديد، في جزء كبير من المشهد السياسي والإعلامي ليس هناك لا نقاش علمي ولا نقاش موضوعي ولا حتى نقاش محترم، وانما كيل شتائم وسباب. والإنسان ينأى ـ وهنا النأي بالنفس جيد ـ ينأى بنفسه عن السجالات التي تنحط إلى هذا المستوى، للأسف الشديد.
موضوع قانون الانتخاب هو دائماً موضوع حساس، بالنسبة للبنانيين ولكن أعتقد أنه بهذا التوقيت حساس أكثر. ولعل كل القوى السياسية اللبنانية وكل "الطوائف اللبنانية" ـ لأن هذا الواقع موجود ـ قد تنظر لقانون الانتخاب بهذه المرحلة بحساسية أكثر من أي زمن مضى، نتيجة الظروف التي مرّ فيها البلد، المخاوف والهواجس التي مرّ فيها البلد، الانقسامات الحادة، وأيضاً ساعد على ذلك ما يجري في المنطقة.
يعني، على سبيل المثال، اذا تكلمنا مسيحيين ومسلمين، اليوم المسيحيون بالتأكيد هواجسهم أكبر، ليس فقط لأسباب لبنانية، وإنما أيضاً لما يحصل في المنطقة.
لا نقول إن بعض المسيحييين يبالغون. عندما يرى المسيحيين ما يحصل للمسيحيين في العراق، وما يحصل للمسيحيين في سوريا، وماذا يحصل في أماكن اخرى وفي نيجيريا وماذا يحصل كذا كذا كذا .. حقهم أن يخافوا، بمعزل عمّن يحمل المسؤولية، وأنا الآن لا أوزع مسؤوليات ولا أحاكم، وإنما أوصّف الواقع .
إذاً، التطورات في المنطقة أضافت تعقيدات على النقاش اللبناني وعلى النظرة اللبنانية لقانون الانتخاب.
إن النظرة لهذا القانون ليست على أساس أنه قانون انتخاب عادي، ولا أنه سيأتي بمجلس نيابي عادي. هناك نظرة مصيرية، يمكن بالنسبة للبعض الجدال القائم هو كأننا نعود لنقسم لبنان من جديد ولكن بقانون انتخاب. يعني (نعود إلى) ما كنا نهرب منه، ولما أنا في يوم من الأيام تكلمت عن مؤتمر وطني تأسيسي، والكثر "قاموا الدنيا وما قعدوها"، لكن أنا أؤكد لكم أن الكثيرين في لبنان يناقشون الآن قانون الانتخاب بعقلية تأسيس، وهذا حقهم وأنا أقول هذا حقهم الطبيعي.
لذلك نتيجة حساسية وخطورة المرحلة والوضع الإقليمي والوضع الدولي، نحن اللبنانيين يجب أن "نطوّل بالنا على بعضنا أكثر" ويجب أن نناقش أكثر و"بدنا نحاول نوصل لتطمين مختلف الهواجس" وإن كان هناك ناس تكون هواجسهم ومخاوفهم أكثر.
في هذا السياق، أهم شيء هو أن نضع الاتهامات جانباً، وهذا لا يقدّم ولا يؤخّر. بالعكس، أحياناً تكون الاتهامات مهينة.
يعني على سبيل المثال:أنا سمعت قيادات سياسية ونواب بعضهم مسيحيون وبعضهم ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة، عندما يتكلمون عن اقتراح اللقاء الارثوذكسي المعروض يقولون هذا أصلاً مشروع حزب الله، ولا أعيد ماذا قالوا، إنه مشروع بشار الأسد، وقانون دولة الرئيس إيلي الفرزلي ـ وبالنهاية الرئيس ايلي الفرزلي هو جزء من اللقاء الارثوذكسي ـ يعني هذه الطريقة بمقاربة نقاش قوانين حساسة ومصيرية ويتم من خلالها بناء بلد وتحديد مصير بلد يمكن لأربع سنين أو اكثر، لا تقارب بهذا الحقد. يعني ان مشروع قانون اللقاء الأرثوذكسي هو مشروع حزب الله، وحزب الله هو الذي أملاه على حلفائه المسيحيين، وجاء وفرضه على العماد عون وفرضه على الوزير فرنجية وفرضه على حزب الطاشناق وهم الحلفاء المسيحيين، ماذا يفعلون، فُرض عليهم هذا المشروع، وذهبوا بشكل أو بآخر اقنعوهم به، دخل الوضع المسيحي بمزايدات، فـ "مشيت" بكركي و"مشيت" القوات والكتائب وكل الناس.
هذا الكلام فيه إهانة لكل المسيحيين في لبنان، وفيه إهانة لبكركي ولكل القيادات المسيحية، يعني لكل قوى المسيحية، سواء أن نتفق معهم أو نختلف معهم، ولكن هذا لم يُقَل في مقابلة، في مقال صحفي، لا ، هذا "انشغل عليه" وما زال لغاية الآن يكتب تصريحات وبيانات ومقالات (على أساسه)، وأنا أسمّي هذا إسفافاً، يعني ليس هناك أي قدر من المسؤولية في مقاربة هذا الموضوع. هذا أولاً افتراء وكذب وغير صحيح ومبالغة أيضاً.
الآن، اذا كان لهذا الحد بدا معكم أن حزب الله قادر على الإملاء على حلفائه المسيحيين، و"يمشّي المسيحيين" كلهم بالمشروع الذي يريده، لبكركي وحتى لـ 14 آذار، "ما خلص سلمونا البلد وارتاحوا"، ما هذه المبالغة؟
ولكن الأهم من المبالغة هو إهانة المسيحيين بهذه اللغة.
لا، الموضوع ليس هكذا. بالعكس نحن من الأول لمّا عُرض علينا بالنقاشات مشروع اللقاء الأرثوذكسي نحن (اتخذنا موقفاً) "أنا نسيان ما إذا كان الجواب الذي عند الاخوان أو رفض أو تحفظ) موقفنا كان بالحد الادنى التحفظ. لكن نعم، بعدها جاء حلفاؤنا، حكوا معنا، شرحوا، قدّموا الهواجس، المعطيات، الظروف... قبلنا، وهذا الصحيح وهذا الذي حصل.
إذاً، هذه المقاربة لهذا الملف بهذا المستوى من الحساسية غير صحيح.
ثانيا: نأتي لنناقش بالنوايا، دعوا النوايا جانباً، الآن هناك نوايا طبيعية. مثلاً: "واحد" يريد أن يفتّش عن قانون انتخابات يحافظ على حجمه، "إذا كان آخذ حجمه"، أو واحد يفتش عن قانون انتخابات يعطيه حجمه الطبيعي اذا كان غير حاصل على حجمه، وكل هذا من حقه. من يكن يعمل قانون انتخابات ليحافظ على حجمه أو يحقق حجمه الطبيعي بحسب اعتقاده، بل أكثر من هذا اذا "واحد" كان يناقش بقانون انتخابات لكي يأخذ أكثر من حجمه الطبيعي فهذا حقه، بالنهاية هذا اسمه عمل سياسي وعملية سياسية، لكن أنا لا أناقش القانون بحسب النوايا، تعال وقل لي ما هو القانون؟؟؟
تأخذني إلى مكان أخر في النوايا، حركة أمل أيدت اللقاء الأرثوذكسي، العماد عون، والوزير فرنجية يسيرون باللقاء الأرثوذكسي لأنهم يخططون لتطيير الانتخابات، هذا الحكي تافه.
نحن لدينا عدة خيارات، لدينا عدة مشاريع، إذاً لا نناقش بالنوايا ولا نتكلم بلغة الاتهامات. ولكي نقارب الموضوع بشكل علمي موضوعي، بالنسبة لنا، بالنسبة لحزب الله، المبدأ الأساسي بأي قانون انتخابات نتطلع إليه هو النسبية، لماذا؟ بمعزل عن حجمنا وماذا يعطينا، من الممكن أن يخرج من يقول اليوم إن النسبية تعطيكم الأغلبية كفريق سياسي، ومن الممكن أن لا تعطينا النسبية الأغلبية كفريق سياسي غداً، أنتم تعلمون أن هذا البلد تتبدل فيه التحالفات والناس تعادي بعضها البعض وتتغير الأمزجة وتتأثر بوضع المنطقة ومن الممكن أن تحولنا النسبية إلى أقلية، الموضوع ليس ماذا يعطينا هذا القانون بل يجب أن ننصف ونعدّل صحة تمثيل لكل التيارات السياسية في لبنان التي هي قوى داخل طوائف أو عابرة للطوائف، خيارها الوحيد لكي تتمثل في المجلس النيابي هو قانون انتخابي قائم على أساس النسبية، هذا كلام حق بمعزل عما تعطينا النسبية، الباقي تفصيل بالنسبة لنا.
نحن الآن نقبل بلبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية، ليس لدينا أي مشكلة وأن شئتم لتتكلوا على الله، نقبل بلبنان على أساس النسبية محافظات، نقبل بلبنان دوائر موسعة، نقبل بمشروع الحكومة الذي تقدمت به إلى مجلس النواب، أي النسبية على 13 دائرة، نقبل باقتراح اللقاء الأرثوذكسي. هذا تفصيل، لكن بالنسبة لنا في كل هذه الطروحات نقطة الجذب بموقفنا هي تبني أي طرح من هذه الطروحات للنسبية.
لماذا نتبنى النسبية؟ نقول لأن هذا يعطي الجميع فرصة للتمثيل في المجلس النيابي، كل القوى السياسية التي لديها حد أدنى من الوضع الشعبي يعطيها فرصة للحضور في المجلس النيابي، من خلال النقاش بالنسبية، بالحقيقة حتى الآن ـ ومن الممكن أن تكون معلوماتي ليست كاملة، لكن بحسب متابعتي ـ لعل الإشكالية الأساسية إن لم تكن الوحيدة ـ وهنا سوف أحتاط وأقول الأساسية ـ التي يقولها الفرق الأخر في موضوع النسبية هو السلاح، ويرفعون شعار "لا نسبية مع السلاح"، لكن هذا ليس صحيحاً. هل هناك من مجال لكي يتكلم الجميع بهذا الموضوع ونتناقش قليلاً:
أولاً: هذه المقاومة موجودة منذ العام قبل العام 1992 وفي هذا العام دخلنا الانتخابات وشاركنا فيها، وفي العام 1996 ، 2000، 2005، 2009، أين تم استخدام السلاح في أي دائرة انتخابية لفرض خيارات انتخابية ؟ أليس هذا الدليل وهذا واضح!! تتكلم بالنوايا، نتكلم بالوقائع، هذه وقائع منذ العام 1992 هل من دائرة انتخابية استخدم فيها السلاح كخيارات انتخابية.
ثانيا: السلاح الذي تشكو منه انه يعمل ضغطاً بالانتخابات، هذا اليوم لم يعد سلاح المقاومة، كل الناس لديهم سلاح، الآن من أجل إحدى القرى التي تريد أن تفرض عليها خياراً انتخابياً معيناً بالسلاح تريد أن تستخدم صاروخ "زلزال" أو نريد "فجر خمسة" أو تريد طائرة أيوب، لست بحاجة ألا لـ "كلاشن كوف" من أجل أن تفرض خياراً انتخابياً على من تشاء من خلال التخويف والإرعاب والترهيب والتهويل على الناس و"الكلاشن كوف" موجود حيث تريد، مع كل اللبنانيين، عند أغلب اللبنانيين، وعند أغلبيتهم الساحقة في كل المناطق اللبنانية.
ثالثاً: السلاح إذا كان له تأثير في الانتخابات، فتأثيره في القانون الأكثري أكثر من القانون النسبي، لأنه في الأكثري يكفي أن أحصل على خمسين بالمائة زائد واحد، بينما من خلال النسبي مهما كان الضغط على الناس فلا بد أن ينجو نسبة معينة تتعدى العتبة ويمكنها أن توصل نائباً للبرلمان. رأيي أن إشكال السلاح مع الأكثري أكبر بكثير من إشكال السلاح مع النسبي، وبالتالي الكلام عن موضوع السلاح هو كلام غير صحيح ولا أريد أن أوصفة بشكل آخر وأريد أن أقول إن ذلك غير صحيح.
المشكلة ليست هنا على الإطلاق، بل أقول أكثر من ذلك، أنا لا أسلّم بأن السلاح يتدخل في الانتخابات، لا عندنا ولا عند الآخرين، وأنا لا أدافع عن حزب الله فقط، حتى عند الآخرين لم نرَ في يوم من الأيام أحداً جاء واستخدم السلاح لفرض خيارات انتخابية، رغم ان السلاح موجود في لبنان.
لكن الأخطر من هذا الأمر هو سلاح المال. أنا سمعت ـ وقد يأتي اليوم الذي أقول من ـ من مسؤول معني أساسي داعم لأصدقائنا في الفريق الأخر، قال لي مباشرة: نحن في العام 2009 دفعنا ثلاثة مليارات دولار أميركي في الانتخابات النيابية، هذا في لبنان الصغير. في تلك الآونة قلت له ممازحاً، قلت له: لو أننا عرفنا بذلك لقلنا أعطونا "الثلاث مليارات" وخذوا الانتخابات، على سبيل المزاح.
مَن الأخطر، المال أو السلاح؟ الإعلام الذي يدخل إلى كل بيت على مدار الساعة، والذي ـ للأسف الشديد ـ جزء منه غير منصف ومضلل، وجزء منه مفترٍ ويحيك القصص والحكايات عن أحداث ليس لها أي أساس وليس لها أي واقع ويستخدم للتحريض.
من هنا، من أخطر: المال أو السلاح؟ الإعلام أو السلاح؟ من تأثيره أكبر في الانتخابات.
نحن نحب أن نستمع إلى نقاش علمي وموضوعي، على طريقة أنني أتفهم هواجس الحجم، أنا أقول وأحترم هذه الخلفية وليس لدي أي مشكلة فيها، إن الذين يرفضون الخيار النسبي حتى الآن مشكلتهم أن الخيار النسبي يعطي القوى السياسية أحجامها الطبيعية، لا يظلمها، لا يعطيها أكثر من أحجامها ولا يعطيها أقل من أحجامها، يعطيها أحجامها الطبيعية.
هناك من يعتبرون أن ضمانتهم أن يكون عندهم حجم أكبر من حجمهم الطبيعي، أنا أحترم هذا الهاجس، لكن يجب أن نقارب الأمور بطريقة تراعي كل الهواجس.
اليوم، وبكلمة أخيرة في موضوع اللقاء الارتوذكسي، أقول إن المسحيين اليوم عندهم هذا الهاجس. انا أعتقد واضحاً ومن أجل الخروج من أجواء المزايدات لأن هناك من يزايد: هل سيصوت حزب الله وحركة أمل، نحن عندما نقول للآخرين إننا قبلنا، عندما يعرض الموضوع على التصويت نحن نصوّت بما قبلنا به، الآن بالحد الأدنى نحن الاثنين أخذنا هذا الموقف، أنا أتكلم عن حزب الله بالحد الأدنى.
الآن غداً صباحاً إذا عقدت جلسة للمجلس النيابي، رغم ان بعض حلفائنا الآخرين لهم تحفظات، بعض الشخصيات التي نحترمها جداً لديها تحفظات على اللقاء الأرثوذكسي، لكن غدا إذا عقدت جلسة للمجلس النيابي، هيئة عامة، وتطرح القوانين للتصويت، إذا تم طرح قانون الحكومة نصوّت عليه، أو إذا تم طرح قانون لبنان دائرة انتخابية واحدة نصوت عليه، وإذا تم طرح اللقاء الأرثوذكسي نحن نصوت عليه، وهذا كلام واضح. ولا يقولنّ أحد أن حزب الله وأمل يزايدون ويناورون ويعملون على الإيقاع بين المسحيين. كلا، نحن صادقون، صادقون ومقتنعون.
المسيحيون يعتبرون اليوم بأغلبيتهم الساحقة أن هذا القانون يمكن أن يتيح الفرصة لما يسمونه صحة التمثيل، لما يسمونه المناصفة الحقيقية، لأنه من خلال تفسير المناصفة الحقيقية هناك خلاف في البلد.
فلنعطِ، نحن المسلمين جميعاً، بكل طوائفنا اللبنانية، نعطي المسيحيين هذه الفرصة، ونذهب لمجلس نيابي وإلى انتخابات لا يعتبر (فيها) أحد أنّه يأخذ أقل من حجمه ـ والذي يأخذ أكثر من حجمه ولم يستطع أن يفعل ذلك هذه المرة، ليست مشكلة، فليتواضع في هذه المرحلة ـ مجلس نيابي يعتبر فيه الناس أنهم أخذوا أحجامهم الطبيعية، وفي مجلس نيابي لا نقاش في صحة التمثيل ولا نقاش بالأحجام الطبيعية ولا نقاش في المناصفة الحقيقية ولا يوجد شكوك ولا هواجس. قد يشكل مجلس النواب المقبل فرصة تاريخية أن يعود الناس وينظرون كيف يحققون إصلاحاً في النظام وتطويراً في النظام، وبالتالي لا يحتاجون إلى تشكيل أطر إلى جانب المجلس النيابي كي يتلاقوا أو يتحاوروا أو يتجادلوا أو يتناقشوا. كلا، اللبنانيون كلهم في نظام تمثيل صحيح ممثلون في هذا المجلس النيابي ويتحدثون إلى بعض ويسنون قوانين ويوافقون على سياسات الحكومة وما شاكل. هذه فرصة "ليش لأ".
بالنسبة لنا نحن لسنا منغلقين ولم نقفل باب النقاش أبداً، مثلما يوجد في الطرف المسيحي هواجس عند بعض الأطراف، أيضا عند المسلمين يوجد هواجس، يجب أن ننظر وأن نقدر أن نتوصل إلى شيء، ولكن هذا المسار الذي نحن مقتنعين فيه.
(...) أنا أدعو اللبنانيين أن يناقشوا قانون إنتخاب، وعلى أساس قانون انتخاب منصف وعادل تفضلوا امشوا إلى الإنتخابات النيابية و "شيلو من راسكم" انتظار ما يجري في سوريا، خصوصا من كان ينتظر أن تسقط دمشق، وخصوصا من كان ينتظر تغييراً دراماتيكيا في سوريا، وخصوصاً من كان ينتظر تحولا من هذا النوع يريد الإستقواء به على بقية اللبنانيين. هذا الموضوع دعوه على جنب، من الواضح أنّ المعطيات الميدانية والمعطيات السياسية والمعطيات الإقليمية والمعطيات الدولية، كلها تؤكد أنّ الأمور وصلت إلى مكان لم تتحقق فيه أحلام كثيرين كانوا يبنون على واقع معين أحلاماً معينة...
لا أريد الدخول إلى الموضوع السوري وموقفنا فيه واضح كثيراً، لكن أريد القول: دعوا هذا الموضوع على جنب، لا نريد نحن الإستقواء بسوريا على أحد ولا أحد يستقوي بالوضع السوري على أحد، دعوا هذا الموضوع على جنب وتعالوا نتحدث. هذا بلدنا وهؤلاء ناسنا وهذه مشاكلنا وهذه أزماتنا وهذه طوائفنا ولدينا قوى عابرة للطوائف، لكن أيضا هذه هي طوائفنا وهذه هي قوانا السياسية وهذه هي المخاوف وهذه هي التطلعات، كيف يمكن أن "نلم حالنا".
لذلك أتمنّى على الجميع أن لا يتصرف أحد مع قانون الإنتخاب أنّه فقط قانون انتخاب، الكل يتعاطى أنّه يعمل على قانون انتخاب لمرحلة، حتى لو لم يقولوها بألسنتهم، الكل يتصرف أنّه موضوع تأسيسي لمرحلة طويلة نحن مقبلون عليها.
يبقى أنّ انشغالنا بالقانون الإنتخابي لا يجب أنّ يبقي الحكومة متغافلة عن المطالب الحياتية ولا عن الحوار الجدي والمسؤول والمنتج مع هيئة التنسيق النقابية ولا عن ملف الجامعة اللبنانية ولا عن ملف النازحين، عموم النازحين، ولا عن الوضع الأمني ولا حتى عن ملف السجون والموقوفين في السجون، وطبعا أنا هنا أضم صوتي لكل الذين يقولون... نعم هناك قضية محقة، الموقوفون الإسلاميون ـ وموقفك منهم لا أساس له هنا ـ الأساس أنّه يوجد أناس موقوفون منذ أربع أو خمس سنوات، عملتم قاعة وصار هناك قاعة خلصنا، تفضلوا خذوهم إلى القضاء وحاكموهم، أمّا الإستمرار في سجن هؤلاء الناس لسنوات إضافية فهذا غير منصف وهذا (أمر) ظالم، بمعزل عن موقفك أو موقفي من هؤلاء الموقوفين الإسلاميين إيجاباً أو سلباً.
عندما يكون هناك قضية فيها حق يجب أن نقف كلنا ونقول هذا حق وهذا عدل يجب أن يتحقق، ولا نقول "طلعوا العالم" كيفما كان بل نقول حاسبوا العالم، لكن أن تبقوهم خمس سنين دون حساب وليس فقط المسجونين الإسلاميين، أي مسجون في السجون اللبنانية، القضاء اللبناني ومن خلفه الحكومة اللبنانية تشجيعاً وتشويقا ـ وهذا إذا قلنا أنّهم لا يتدخلون في القضاء ـ هذا الموضوع من المفترض أن يعالج.
هذه الملفات كلها يجب أن نستمر في معالجتها كلبنانيين وكحكومة لبنانية، ولا يجوز أن يشغلنا القانون الإنتخابي، لكن تمنياتنا أن نقارب القانون الإنتخابي بهذه الروحية عسى أن نتمكن من الوصول إلى نتيجة معينة ومفيدة لبلدنا ولحاضره ومستقبله.
مجددا، كل عام وأنتم بخير وبارك الله لكم هذه الذكرى الطيبة وهذا المولد العظيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.