خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في يوم الشهيد الاثنين 12-11-2012
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.. السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
إنني في البداية أرحب بكم جميعاً وأشكركم على هذا الحضور، ولا بدّ في يوم الشهيد أن نوجّه التحية بشكل خاص إلى عوائل الشهداء الذين قدّموا فلذات أكبادهم وأحبائهم في سبيل الله سبحانه وتعالى، وتجمعنا اليوم ذكرى هؤلاء الأحبة.
بالوقت المتاح لي، إن شاء الله، سوف أحاول أن أتناول العديد من النقاط والموضوعات ذات الصلة، وأبدأ بما يتصل بالذكرى مباشرة، بذكرى 11-11يوم الشهيد.
طبعاً الكل يعرف أن في مثل هذا اليوم في الحادي عشر من الشهر الحادي عشر تشرين الثاني سنة 1982 كانت العملية الاستشهادية النوعية التي نفّذها أمير الاستشهاديين أحمد قصير. قلنا في العام الماضي إن هذه العملية كانت الأقوى. بعد مضي عام،اليوم نعيد ونقول إنها ما زالت الأقوى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، الأقوى في النتائج، الأقوى في الآثار، الأقوى في التأسيس. وهذه العملية كسرت حواجز الخوف، عندما نعود إلى 1982 ومناخات ال82، كسرت حواجز الخوف وحطمت قيود اليأس وبدّلت المشهد تماماً وكذلك بدّلت الوجوه، أي وجوه الناس، وهناك وجه شارون وحلفاء شارون، وأعلنت بداية زمن جديد بدأ يلوح في الأفق، زمن هزائم العدو وزمن انتصارات المقاومة.
في مثل هذا اليوم من كل عام، تجمعنا الذكرى مع كل شهدائنا دفعة واحدة، في هذا اليوم نستحضر كل الشهداء، ترتسم أمامنا وجوههم وابتساماتهم، فتحضر في عقولنا وقلوبنا وذاكرتنا ووجداننا كلماتهم وذكرياتهم والوصايا، يغمرنا جميعا خليط من المشاعر: حزن وفرح، حزن طبيعي لأننا بشر، حزن على فراق الأحبة، الأب والإبن والأخ والعم والولد والزوج والزوجة، وفرح بعد ثلاثين عام على الإنجاز، على الانتصارات التي صنعوها بدمائهم، فرح لأدائهم الواجب الجهادي منذ الطلقة الأولى والانطلاقة الأولى، فرح أيضاً لوصول أحبتنا إلى النعيم الدائم وجوار ملك الملوك ورب الأرباب ويأخذ بأزمّة عقولنا وقلوبنا، وتصميم وعزم وإرادة على أن نواصل طريقهم وأن ننجز أهدافهم وأن نحفظ وصاياهم وأن نصدق كما صدقوا ونخلص كما أخلصوا ونضحي كما ضحوا وأن نهزأ بالمصاعب كما هزأوا، وأن نعشق من عشقوا وكما عشقوا وأن وأن...حتى يختم الله تعالى لنا بما ختم لهم من عظيم الكرامة والسعادة.
للشهداء نوجه تحيتنا والسلام: السلام عليكم يا شهداءنا وأحبتنا، وأعزتنا السلام على أرواحكم وأجسادكم، السلام على وجوهكم وأسمائكم، السلام على دموعكم ودمائكم، السلام على آهاتكم وصرخاتكم، السلام على آلامكم وآمالكم، السلام على قيامكم وصيامكم، السلام على صبركم واحتسابكم، السلام على صدقكم وإخلاصكم، والسلام على صفائكم ونقائكم، والسلام على عاقبتكم الحسنة وخاتمتكم الحسنة الشريفة، حشرنا الله معكم ورزقنا شفاعتكم وشفاعة سادتكم محمد وآله الطاهرين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
في يوم الشهيد، أيها الإخوة والأخوات، في هذا العام تكون المقاومة الاسلامية أكملت من عمرها ثلاثين عاما عدا ونقدا، أي نحن نتحدث في 11-11-1982 الآن في 11-11- 2012، ثلاثون عاماً، طبعاً أنا أتحدث عن تاريخ المقاومة الاسلامية، طبعا هناك مقاومة وحركات مقاومة أقدم منّا وأكبر منّا سنّاً، نحترمها ونجلّها، وأيضا الإسلام يعلمنا أن نحترم من هو أكبر منّا في السن والتجربة، لكن نحن نتكلم اليوم عن الشاب الخاص بنا، نقول إن عمره ثلاثين سنة، يجب أن نتوقف قليلاً عند هذا الماضي الذي سوف ندخل من خلاله إلى الحاضر، ثلاثون عاماً من العمل والسهر والجد والاجتهاد والتعب، من الدماء والدموع، القلق والمخاطر والصعوبات، وأيضا ثلاثون عاماً من الإنجازات والانتصارات. طبعاً نحن نتحدث عن ثلاثين عاماً أي الكثير من شباب هذه المقاومة، سواء من مضى منهم شهيداً أو ما زال على قيد الحياة، في البدايات ماذا كانت أعمارهم؟ 18 سنة و19سنة و17سنة، الشهيد أحمد قصير 18 سنة، واليوم ذكراه، وهكذا الكثير من الشهداء والمجاهدين الذين ما زالوا أيضاً في الساحة، ويحق فيهم ما كان يقوله أمير المؤمنين(ع) عن نفسه في خطبة الجهاد: نهضت بها وما بلغت العشرين، وهأنذا ذرفت على الستين، وهذا الحال اليوم الذي وصل اليه جماعة المقاومة وإخواني الكثيرين الذين شابوا وقد شبنا معهم، لكن هذه المقاومة كانت دائماً تعبّر عن جيل متجدد ومتجدد ومتجدد... اليوم هناك أبناء الستين وهناك أبناء ال17 و18 و19 سنة.. هذه قوة وحيوية هذه المقاومة.
طبعاً نحن نتمسك بهذا الماضي، حين نضع أمامنا ثلاثين عاماً من التجربة كاملة، وتجربتنا وما جرى في بلدنا خلال ثلاثين عاماً، المواقف والقوى والأحداث والتطورات، من حزيران 1982 إلى اليوم، نتمسك بهذا الماضي وبهذا الجزء من تاريخنا، لأن الحاضر هو نتاج الماضي، وهو الذي يؤسس للمستقبل. الماضي بالنسبة لكل إنسان هو مصدر إلهام، مصدر إعتبار وإتعاظ، يستفيد من نقاط القوة ومن نقاط الضعف، من أخطائه، صوابه، من حسن عمله، من سوء عمله، إذا كان إنساناً عاقلاً يتعظ بتجربته وبتجارب الآخرين، ويمكن من خلال الاستفادة من الماضي وعبَر الماضي أن نفهم الحاضر ونبني المستقبل.
البعض يريدنا أن ننسى هذا الماضي، ماضينا. البعض يريد للبنانيين وشعوب الدول العربية والاسلامية أن تنسى ماضينا أيضاً، وهذا البعض نفسه يريد لنا أن ننسى مضيه، وأن ينسى اللبنانيون والعرب ماضيه من أجل أن نكون أمام حاضر يحكمه خداع وتزوير وانقلاب في العناوين والمعايير، فيصبح المقاوم التاريخي عميلاً أو في الحد الأدنى متهماً في وطنيته ولبنانيته، ويصبح العميل التاريخي وطنياً ولبنانياً يطلب منه أن يوزع شهادات في الوطنية، ليصبح الحريص والملتزم قاتلاً ومجرماً لمجرد التهمة السياسية، ويصبح الذي تاريخه مليء بالقتل والجرائم والارتكابات في وضح النهار ولا تحتاج لا إلى أدلة ولا إلى قضاء إنسانياً شريفاً أخلاقياً يحاضر في العفة.
إذا أردنا أن لا نقبل بهذا الواقع وأن لا نكرس هذا الواقع، يجب أن يبقى هذا الواقع حاضراً أمام أعيننا.
اليوم عزيز علينا أن يأتي أحدهم ليطلب من الذي قاتل وضحى وتشظى جسده، أن يطلب من العائلات التي قدّمت فلذات أكبادها، أن يطلب من الرجال الذين قضوا زهرة شبابهم في مقاومة الإحتلال، أن نطلب من هؤلاء المقاومين الذين حرروا لبنان وأعزّوا لبنان ودافعوا عن لبنان وعن كرامة اللبنانيين جميعاً وأنقذوا لبنان من المؤامرة الإسرائيلية والعصر الإسرائيلي، أن نطلب لهم شهادات بالوطنية ممن كان 1982 وعلى مدى سنوات طويلة حليفاً لإسرائيل، عميلاً لاسرائيل، متعاوناً مع إسرائيل، يقاتل إلى جانب الإسرائيليين، يقتحم معها المدن اللبنانية والقرى اللبنانية والمخيمات الفلسطينية ويسفك الدماء، ويعمل جاسوساً عند الاسرائيلي وسجاناً عند الإسرائيلي.
مؤلم جداً أنه عام 2012 هذا هو حال البلد والمنابر مفتوحة لهؤلاء حتى هم يوزعوا شهادات، بل يعز علينا ـ وهذه سأؤسس عليها نقطة لاحقا ليس فقط من باب التعبير عن مشاعر لا أؤسس عليها موقفاً ـ أيضا يعز علينا أنه نحن من سنوات مطلوب ان نأتي ونجلس على الطاولة حتى يناقشنا آخرون في الإستراتيجية الدفاعية وكيف ندافع عن شعبنا وعن أهلنا وعن أعراضنا وعن بلدنا وعن خيرات بلدنا وعن سيادة وطننا وبعض هولاء الآخرين له كل هذا التاريخ، عزيز علينا.
ولذلك أنا أقول ـ ونحن الآن نريد أن ندخل إلى الحاضر ـ عندما نريد أن ندرس الحاضر، أن نقيّم أحداثه وأن نقيّم شخصياته، يجب أن يبقى الماضي حاضراً، نحن لا نريد أن نبقى متمسكين بالماضي ولا جامدين عند الماضي ولا نود تخريب بلدنا من أجل الماضي. لا ولكن لا يجوز أن نغفل هذا الماضي عندما نقيّم الشخصيات والمواقف والأحداث والخلفيات، وعندما نريد أن نفهم إلى أين يُدفع هذا البلد، وإلى أين يُراد الوصول بلبنان من خلال الأوضاع الداخلية وأوضاع المنطقة. إذا أقفلنا هذا الماضي سوف نخطئ في التشخيص وفي الفهم وبالتالي سوف نخطئ في اتخاذ الموقف. وأنا هنا أتحدث مع الشعب اللبناني كله وأتمنى أن أكون قادراً على مخاطبة الشعب اللبناني بأكمله من خلال هذا المنبر. سأعود إلى هذه النقطة لاحقاً وأود التأسيس عليها.
أدخل لنقطة المقاومة، وهي كيان وإطار وسياق ومشروع هؤلاء الشهداء، لأؤكد اليوم في يوم الشهيد أننا مستمرون في عملنا في المقاومة، في جهوزيتنا، في تصعيد هذه الجهوزية للدفاع عن بلدنا، في تطوير إمكاناتنا وخبراتنا ومقدراتنا البشرية والمادية، وعلى كل صعيد نحن مستمرون في العمل دون أي توقف، دون أي ملل. لا يتصور أحد، لا الصديق ولا العدو، أن ما يقال في لبنان وفي المنطقة وما يجري وما يثار، أن هذا ربما يؤثر على إرادتنا وعزمنا وتصميمنا وعملنا في الليل وفي النهار بموضوع المقاومة. هذا بحث آخر. وأيضاً برؤية واضحة وبأمل كبير جداً بالمستقبل وصلنا اليوم إلى نقطة في المقاومة، ببركة دماء هولاء الشهداء، وصلنا الى نقطة أن العدو يعترف بواقع وحقيقة الردع الذي أوجدته المقاومة في لبنان. انا لا يهمني بعض اللبنانيين أن يعترفوا أن هناك ردعاً او لا ردع. إن اعترفوا فهذا جيد. أنا يهمني العدو، أن يشعر أنّ هناك ردعاً أو لا ردع، لأن الهدف هو حماية لبنان، حماية شعب لبنان. أنا أود حماية بلدي وأن أحمي شعبي وأهلي كواحد من هؤلاء الأهل. هذا واجبي الديني والأخلاقي والوطني والإنساني والقومي "اللي بدكم اياه". المهم هو هل العدو يعترف بهذه الحقيقة أم لا؟
أستطيع أن أقول لكم، بكل وضوح وبكل صراحة، بعد حرب تموز، بعد كل التطورات التي حصلت بعد حرب تموز، من خلال المعادلات الجديدة التي تم طرحها والإسرائيلي يعلم بها بشكل أو بآخر، أو تم الكشف عنها: نعم الإسرائيلي اليوم يسلّم بحقيقة الردع مع المقاومة في لبنان. هذا منجز وانتهينا منه، وهذا الأمر يجمع عليها القادة السياسيون، القادة العسكريون والأمنيون والاحزاب والإعلاميون والخبراء والرأي العام الإسرائيلي. اليوم لا يوجد أحد في الكيان الإسرائيلي يقول لا، لا يوجد ردع مع لبنان. لا، هناك ردع، هناك ردع بالطرفين. إسرائيل لديها قدرة ردع، هذا ليس جديداً، هذا منذ العام 48، تردع كل العرب وكل المسلمين.
الجديد أن لبنان أوجد معادلة ردع، هذا هو الجديد. بعض يقول لك إن لبنان مردوع. هو مردوع منذ قبل أن أولد، من قبل ولادة كل هؤلاء الشهداء الذين نحيي ذكراهم اليوم. لبنان مردوع والمنطقة مردوعة من قبل الإسرائيلي. الإستراتيجي الجديد في المعادلة هو أن المقاومة في لبنان استطاعت أن توجد معادلة ردع جديدة. هذه المعادلة، معادلة الردع الجديدة تتكرس وتتثبت وتترسخ من خلال معادلة جيش وشعب ومقاومة.
في هذا السياق، طائرة أيوب كانت خطوة متقدمة في هذا الطريق، وشاهد جديد على هذا العزم وعلى هذا التصميم. الكل يعلم، جنرالات العسكر يعرفون، والآن كل الناس يعلمون أهمية المعلومات في أي معركة عسكرية. إذا أتيت بجيش وبإمكانات ضخمة، لديه سلاح جو ودبابات ومدافع وقدرة صاروخية هائلة ولا يملك معلومات عن العدو، يصبح كالفيل الأعمى، يخبط يمنة ويسرة، يضيّع إمكاناته وقدراته وجهده في المكان الخطأ. من أبسط المسائل في أي معركة أن يكون من يقاتل في جبهة، أن يكون لديه معلومات دقيقة وواضحة وصريحة وصحيحة. اليوم المقاومة في هذا العالم تتقدم خطوات جبارة إلى الأمام. العدو الإسرائيلي يفهم ماذا يعني أن يصبح لدى المقاومة معلومات صحيحة ودقيقة من هذا النوع. قد لا يعرف هذا المعنى من لا يريد أن يعرف، لكن نحن في معركة مع العدو تجعله يعرف، وهذا يزيده ارتداعاً.
البعض يقول لك: ما هي مدخلية طائرة أيوب بالردع؟ مدخلية طائرة أيوب بالردع انه عندما يكون لك قوة صاروخية معينة، وتقول المطار مقابل المطار، والميناء مقابل الميناء، ومحطة الكهرباء مقابل محطة الكهرباء، وتل أبيب ليس فقط مقابل بيروت، لا بل مقابل بيروت والضاحية، وانه انا كمقاومة أستطيع أن أضرب أهدافاً نقطوية، الإسرائيلي يفهم إذا لديك صاروخ وليس لديك معلومات فهذا كلام بلا فائدة، اذا لديك صاروخ وليس لديك إحداثيات دقيقة فهذا كلام "بلا طعمة".
من يكمل الصاروخ هي المعلومات الدقيقة، من تأتي بمعلومات دقيقة هي أيوب وأخواتها وإخوانها ومصادر أخرى. هنا مدخلية طائرة أيوب في معادلة الردع.
البعض يقول لك أرسلتم طائرة استطلاع، فهل هذا ردع؟ لا، هذا جزء من منظومة متكاملة تؤدي للردع مع العدو. طيب لكن لو أخذنا هذا التطور، لأعلق عليه قليلاً وأضيفه للنقطة الأولى التي ذكرتها.
الإسرائيلي كيف تعاطى مع موضوع طائرة أيوب؟ أنا منذ ذلك الوقت لم أتحدث.
أول ما حدث الحدث وفي نفس اليوم والساعة خرج ناتنياهو وباراك، قالوا إن هذه حادثة خطيرة جداً وسنعاقب ونرد على من قام بها. طبعا كانوا ينتظرون في اليوم الأول والثاني والثالث حتى يعلموا من أين هذه، وكان هناك عدة فرضيات واحتمالات. لكن للوهلة الأولى كانوا يفترضون أنها قادمة من غزة أو قادمة من سيناء، لذلك رفع نتنياهو السقف. لماذا؟ لأن غزة تتعرض كل يوم لعدوان وقصف وضرب وهي الآن تتعرض، وخلال هذه الأيام، إلى مزيد من الإعتداءات، وتقدم شهداء وجرحى. قال "نذهب ونفش خلقنا بغزة". عندما لم يظهر لديه معطيات من أين وخرجنا نحن وأعلنا المسؤولية ـ "مش هو حملنا المسؤولية:، نحن قلنا نحن مسؤولين "مش غزة" وليس المقاومة في غزة نحن مسؤولون عن الطائرة ونحن نتحمل مسؤولية الطائرة ـ ماذا قال الإسرائيلي، ماذا فعل؟ لا شيء. مثلما هم يستخدمون العبارة: "ضب ذيله ومشي". لماذا؟ لأنه اليوم هناك واقع مختلف مع لبنان اسمه الردع، اسمه أنه ليس ببساطة يستطيع الإسرائيلي أن يأتي إلى لبنان ويقصف ويدمر ويعتدي ويهجم. لم تعد الأمور بهذه البساطة، والإسرائيلي نام على الموضوع. بالعكس التعليقات الإسرائيلية كلها ذهبت لتقدييم هذه الخطورة وهذه الطائرة وخلفياتها وماذا تريد منها المقاومة وإلى أين وصلت وتحدثت عن الإخفاق الإسرائيلي وكيف تسللت وانتهى الموضوع.
لكن لبنانيا ماذا حصل؟ هنا العبرة أيضا لبنانياً. جماعة الرابع عشر من آذار بدأوا بالبكاء واللطم و"النديب"، وقاموا يندبون و(يصدرون) بيانات جماعية وبيانات فردية، و"جمعة وأسبوعية وعملوا اسبوع وعملوا أربعين" للإسرائيلي، وهو "خلّص"، والعزاء عنده انتهى والعزاء عندهم لم ينتهِ؟
بالعكس ما هي اللغة (التي استخدموها)؟ هذا خرق للقرار 1701، هذا اعتداء، هذا توريط للبنان، هذا يعطي الحق.. بدأوا هم يقولون إن هذا يعطي الحق. الإسرائيلي لم يقل إن هذا يعطينا حقاً أن نضرب. قاموا هم وقالوا إن هذا يعطي الحق للإسرائيلي أن يشن حرباً على لبنان.
على ذمتي، وهذا يوم شهيد، لا أود أان أشمل الجميع، بعضهم كانوا من حشاشة قلبهم يدعون: يا الله "خلي الإسرائيلي يعتدي ويضرب". وخيّب الإسرائيلي أملهم، وليست المرة الأولى التي يخيّب فيها الإسرائيلي آمالهم، لأن الإسرائيلي يعمل بمشروعه وليس "خزمتشي" عند الرابع عشر من آذار. هو يعمل لمصلحته ولمشروعه. في تموز بعد عملية الأسر، هذا كان مشروع الامريكي عمله الإسرائيلي، ولاحقاً تبين هذا في الوثائق والكتب، وحتى لم يكن مشروع الإسرائيلي، كان مشروع الإمريكي، شغلوا فيه الإسرائيلي ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد.
هذا الموقف من فريق لبناني أمام تطور لبناني على مستوى الدفاع والردع كيف تفسره؟ كيف تفهمه؟
نحن كلبنانيين بدل أن يكون (إطلاق الطائرة) مدعاة للإفتخار والاعتزاز، و(أن يقولوا) طيب عظيم، الله يبارك فيكم، عقلكم، جديتكم، جهدكم، اذا احد اعطاكم أيضا ممنونين، لكن يا شباب اعملوا معروف هذا يحتاج لكلام وطاولة حوار ويحتاج لاستراتيجية دفاعية، ماشي. لكن أن يكون تطور في المقاومة اللبنانية موضوع إدانة وحزن عند فريق لبناني فهذا أمر ملفت.
طبعاً هذا يؤكد يوماً بعد يوم أن هذا الفريق أصلاً لا يؤمن بالمقاومة، وما آمن بها في يوم من الأيام، واسمحوا لي أن أقسمهم قسمين: هناك قسم لم يؤمن بها وكان الى جانب الإسرائيلي وحليف الإسرائيلي، وهناك جزء كان حليفاً لسورية واصبح حاليا في الرابع عشر من آذار، هو لم يؤمن بالمقاومة حتى عندما كان حليفا لسورية، وانما هو مع الواقف، يبدّل جلده كما تتغيير الظروف والأوضاع.
هذه الحقيقة، نحن أمام فريق لا يؤمن بالمقاومة.
من يأتي ليناقش في استراتيجية دفاعية أصلا هو لا يؤمن بأن إسرائيل عدو، لا يؤمن بخيار المقاومة لبنانياً للعدو، وإنما يؤمن بالخيار الآخر: التفاوض مع الإسرائيلي، والخضوع لشروط الإسرائيلي، 30 سنة يتحدثون هكذا، ربما يقول واحد يا سيد من أن تأتي بهذا الكلام، 30 سنة؟ اجمعوهم، المواقف والسيرة الذاتية للأشخاص والقوى السياسية والأحداث والتطورات تقول هكذا.
بناء على هاتين النقطتين أخذ التاريخ، الثلاثين سنة بعين الإعتبار، موضوع المقاومة، موقف المقاومة، نأخذها بعين الاعتبار.
أنا أريد أن أطرح نتيجتين: النتيجة الاولى،نتيجة التي هي فكرة التي هي خيار التي من الممكن أن يقول أحد، يا أخوان تعالوا لنرَ، يعني ماذا سنفعل؟ أول نتيجة لكل اللبنانيين ـ أنا أقول لهم ـ خذوا ثلاثين سنة من 82-2012، ضعوا هذه الثلاثين السنة أمام أعينكنم، وماذا حصل فيهم بالنسبة للموضوع الاسرائيلي، المشروع الاسرائيلي، الاحتلال الاسرائيلي، الهيمنة الاسرائيلية، وصولاً للمقاومة، وصولاً ل17 أيار، الانسحاب من بيروت، الانسحاب من صيدا وصور والنبطية والبقاع الغربي وصولاً للشريط الحدودي، وصولاً لسنة 2000 وصولاً لسنة 2006 حتى اليوم. كتجربة لبنانية، هذه تجربتنا، إننا لا نحكي لا عن تجربة إخواننا الفلسطينيين أو السوريين أو الاردنيين أو المصريين أو حرب تشرين أو ما شاكل، إننا نحكي تجربتنا نحن كلبنانيين، هذه التجربة نحن قمنا بها، بعرقنا، بدمنا، بتعبنا، بسهرنا، ببيوتنا التي تهدمت، بحقولنا التي زرعت، بجلدنا الذي انسلخ، بسياط الإسرائيليين والعملاء في معتقل الخيام والسجون الأخرى، هذه تجربة نحن قمنا بها جميعا، خذوها بعين الاعتبار، بانجازاتها، بانتصاراتها، بما حققته من تحرير للبنان ودفاعا عن لبنان وقوة للبنان.
وانظروا على كل ما جرى في المحيط وما يجري الآن، "حتى لا أطوّل السيرة"، ما يجري الآن، هذه غزة تقصف في كل يوم، يسقط شهداء في كل يوم، عشرات الشهداء، عشرات الجرحى، إذن ما هي المعادلة؟ وبعدها آخذ على نفس القياس، أين هي جامعة الدول العربية؟ الآن يعودون ويقولون لنا: الاستراتجية العربية الموحدة، نفس الكلام الذي قيل سنة 82، لو انتظرنا جامعة الدول العربية كان اليوم يوجد مستعمرات ليس فقط في الشريط الحدودي بل في جبل لبنان أيضا، أين جامعة الدول العربية، أين منظمة التعاون الاسلامي، أين المجتمع الدولي، أين الدول العربية، أين الدول الاسلامية.
أكثر من ذلك، أحب أن اقول لكم، اليوم ما يجري في غزة هو امتحان عسير لدول الربيع العربي، الله يعينهم، الآن هم أمام امتحان، كيف سيتصرفون؟ كيف ستتصرف مصر، ليبيا، تونس،الحركات الإسلامية والوطنية والقومية والتحررية التي هي أصبحت الآن مكان الأنظمة، كيف ستتصرف مع هذا الموضوع؟
هذا امتحان صعب وموقف صعب ،هذه غزة. نأخذ مثلاً آخر، السودان، دولة عربية ذات سيادة، عضو في جامعة الدول العربية، عضو في منظمة التعاون الاسلامي، فيقوم الإسرائيلي ويقصف الخرطوم، مصنع عسكري، "خير ان شاء الله"؟، أنه خرق سيادة عربية "شو هالقصة"، قصف، "شو هالقصة"، دمّر مصنع عسكري عربي شو هالقصة، يوجد أناس قد استشهدوا وجرحوا "شو هالقصة"، أليس كذلك، أين جامعة الدول العربية؟ أين منظمة التعاون الاسلامي؟ أين مجلس الامن الدولي؟ دولة، كيان غاصب، هم يعتبرونه دولة، يعتدي على دولة ذات سيادة، أين رد الفعل، لا يوجد شيئ. إذهب أبعد قليلا، كل يوم نسمع عن مجازر بحق المسلمين في بورما، الذين ينتمون الى عرقية معينة، ماذا تبيّن؟ بيانات، "خير ان شاء الله"، وقفت المجازر؟ لا، وقفت التهجير؟ لا، حموا العالم من الطرقات والمجازر؟ لا.
أين العالم العربي؟ أين العالم الاسلامي؟ أين جامعة الدول العربية؟ أين الامة؟ هذا كله أين؟هذا سؤال؟.
أكثر من ذلك، نبي الاسلام أهين، ماذا فعلوا؟ جامعة الدول العربية ماذا فعلت؟ منظمةالمؤتمر الاسلامي ماذا فعلت؟
نعم، الأمريكان خافوا من الناس، خافوا من ردة فعل الشعوب، الآن أعطوا لبعض الأحداث عناوين أخرى، لكن الامريكي لم يكن خائفا في أي لحظة من الحكومات والدول والمؤسسات الإقليمية والدولية، كان خائفاً من الناس الذين غضبوا، أن هؤلاء كيف يمكن أن يتصرفوا؟ هذا لا يعطينا عبرة، عندما نأخذ الماضي كله، هنا لا نحكي عن مسائل خلافية، لم آتي لأقول أين جامعة الدول العربية في موضوع البحرين؟ طيب، يوجد خلاف في موضوع البحرين. أين جامعة الدول العربية في موضوع سوريا؟ بالعكس جامعة الدول العربية جالسة تعمل ليلاً نهارا في موضوع سوريا، لكن ماذا تعمل في موضوع فلسطين؟ ماذا تعمل في موضوع غزة؟ ماذا فعلت للسودان؟ ماذا فعلت لبورما؟ لا يوجد شيء. إلى أين سوف أصل في النتيجة؟ إلى نتيجة كنا دائما نقولها، لكن اليوم في يوم الشهيد سوف نعاود تثبيتها:أيها اللبنانيون،أليس يقول المثل "ما حك جلدك إلا ظفرك"، أريد أن اقول لكم: ما حمى جلدك إلا ظفرك، هذا الذي تعمل أميركا وأسرائيل والغرب و 14 آذار كي يقصّوه، و"فشروا" أن يقصوه.
الذي يحمي لبنان، الذي يحمي شعب لبنان، الذي يحمي أرض لبنان، دولة لبنان، سيادة لبنان، حدود لبنان، كيان لبنان،هو اللبناني نفسه، المقاومة والجيش والشعب.
إذا اللبناني لا يريد أن يحمي بلده، لا أحد يحميه، أصلا "ما حدا سائل عن لبنان" ولا عن اللبنانيين لا أحد سائل، لم يكن أحد سائل ولا الآن أحد سائل. ولذلك هنا خيار المقاومة والتمسك بالمقاومة وبسلاح المقاومة هو خيار إنساني، هو خيار عقلي عقلائي، خيار أخلاقي، والتخلي عن هذا الخيار هو جنون، هو انتحار، هو تخلٍّ عن الواجب، هو تخلٍّ عن قيم الانسانية، هذا هو التشخيص.
هذه أول نقطة، النقطة الثانية، نحن اللبنانيين نبقى نقول إننا معنيين لماذا؟ استراتجية دفاع وطني،عظيم.
بناء على صورة الثلاثين سنة، بناء على النقطة الاولى التي تكلمت عنها،اليوم يوجد طاولة حوار تناقش الاستراتجية الدفاعية، بمعزل أن هناك اناس يقاطعونها و يأخذون موقف.
كلنا نعرف ان هناك ظروفاً معينة فرضت تشكيل هيئة الحوار الاولى، ويوجد ظروف معينة فرضت تشكيل هيئة الحوار الحالية لما توسعت، وبالتالي يوجد أطراف تجلسعلى الطاولة اليوم، وعنوان النقاش على الطاولة هو استراتجية دفاع وطني.
أنا أريد أن اطرح سؤالين:
السؤال الاول، هو،هل من الإنصاف والعدل أن يكون بعض الناس جالسين على الطاولة ممن لهم هذا التاريخ الذي تكلمنا عنه من ثلاثين سنة، هؤلاء يريدون أن يجلسوا ويناقشوا في المقاومة والاستراتجية الدفاعية وكيف نحمي لبنان من اسرائيل.
الظروف السياسية في البلد فرضت أن تكون طاولة الحوار كذلك، هذا على ماذا يدل؟ بكل وضوح أنا أحب ان أقولها لكم، هذا يدل على ترفع المقاومة، يدل على كرم أخلاق المقاومة، يدل على حرص المقاومة، أنه يا جماعة لا نريد مشكلا في البلد ولا نريد انقسامات ولا نريد توترات، حتى هؤلاء الذين هذا تاريخهم في الصراع مع اسرائيل وفي العلاقة مع اسرائيل، حسناً دعهم يأتون الى الطاولة، لذلك أحب اليوم ان اقول لبعض هؤلاء الذين يضعون شروطاً ليأتوا الى طاولة الحوار، أو كما يقولون في العامية "يتبغددوا" ليأتوا الى طاولة الحوار ويقاطعوا طاولة الحوار: لا يوجد داعٍ لا لأن "تتبغددوا" ولا لأن تضعوا شروطاً، في الحقيقة نحن من كرم أخلاقنا اننا موافقون أن نجلس معكم على طاولة الحوار، من كرم اخلاقنا ومن ترفعنا أننا موافقون أن نناقش معكم المقاومة واستراتيجية الدفاع عن لبنان، هذا كرم اخلاق منا، طالما بعدها أخلاقنا كريمة سوف نرى ماذا يحصل بعد ذلك.
فليس هناك داعٍ أن يجلس أحد و"يتبغدد" ويضع شروطاً، عندما تحبون أن ترجعوا إلى طاولة الحوار "يا هلا"، عندما لا تريدون أن ترجعوا، "الله معكم"، لا يوجد مشكلة في هذا الموضوع.
يظنون أن العالم لن تنام الليل لأن فلاناً وفلاناً قاطعوا طاولة الحوار، لا والله، لا أحد يشتبه، لا أحد يعتبر أن هذه نقطة ضغط، نضغط بها،لا تضغطوا بها على أحد، اضغطوا بها على انفسكم.
السؤال الثاني: هل من الانصاف والعدل أن يكون هؤلاء على طاولة الحوار وفصائل اخرى قاومت، أتكلم عن فصائل لبنانية، قاومت وقاتلت وقدمت الشهداء من قادتها وكوادرها ومجاهديها ومناضليها تكون خارج طاولة الحوار حول استراتجية الدفاع الوطني. مرّة تتكلمون حول تشكيل حكومة لبنانية وتأتي وتقول لي إن هؤلاء لديهم نواب أو ليس لديهم نواب، إذا كنت تتكلم عن استراتجية دفاع وطني، أول ناس يجب أن يجلسوا على الطاولة هم الفصائل التي قاتلت اسرائيل على مدى ثلاثين عاماً،إنهم معروفون، طبعا لا أستطيع أن أعد كل الاسماء، لكن كي لا يقولوا إنني أشد إلى جماعة 8 آذار، الحزب الشيوعي اللبناني، حزب مقاوم لا يوجد نقاش، لماذ الحزب الشيوعي اللبناني لا يكون على طاولة الحوار، ليناقش استراتجية دفاع وطني، جيد، يوجد احزاب دخلت إلى طاولة الحوار لم تكن سابقاً.
الجماعة الاسلامية في لبنان، التي هي الآن خارج خطنا السياسي، بالعكس هي قد أتت وجلست معكم في لقاء الوسط، لكن الانصاف يقول إذا نريد أن نناقش استراتجية دفاع وطني نضع الجماعة الاسلامية في لبنان لتأتي وتجلس على طاولة الحوار، ويمكن أن يكون رأيهم مختلف عن رأينا، لكني أتكلم عن الانصاف. حركة التوحيد الاسلامي من حقها أن تأتي وتجلس على طاولة الحوار لأنها قاتلت وقدمت شهداء، التنظيم الشعبي الناصري من حقه أن يأتي ويجلس على طاولة الحوار لأنه قاتل وقدم شهداء، وهكذا، اذا كنا نريد أن نعد فاللائحة طويلة ،فلا احد يزعل مني من الجالسين في الامام.
طيب يوجد ناس ناصريون والبعثيون السوريين وكثير من القوى الوطنية والاسلامية قدمت شهداء وقاتلت جهات اسلامية ومجموعات اسلامية، اننا نعمم.
أؤلئك يجلسون على طاولة الحوار ويناقشوا المقاومة واستراتجية الدفاع الوطني وكيف نحمي البلد وهؤلاء ممنوع أن يكونوا على طاولة الحوار، ما هذا الانصاف؟ ما هذا العدل؟
على كلّ، باعتبار أن هذا الموضوع لم أناقشه مع إخواني، إن شاء الله أعرضه على قيادة حزب الله وعلى حلفائنا ممكن: مثل ما الآخرون يحق لهم أن يضعوا شروطاً حتى يعودوا إلى طاولة الحوار لماذا نحن لا يحق لنا أن نضع شروطاً، لماذا؟
من هنا أريد أن أنقل للاحداث والتطورات الأخيرة، الأمنية والسياسية، وصولاً لموضوع الحكومة وأختم بكلمة في الوضع الاقليمي.
الآن لبنان اخواتي واخواتي، لبنان دائما يعيش في أزمات متتابعة ومتلاحقة، يوجد ناس يأتون ويقولون لك: يوجد أزمة وطنية في لبنان، طول الوقت يكون هناك أزمة وطنية في لبنان، ويفتش لها عن حل وعن حلول ومعالجات.
ما يجري منذ سنوات هو تلاحق وتتابع لأزمات وأحداث وتطورات.
لا شك أن جريمة التفجير في الاشرفية التي أدت إلى استشهاد اللواء وسام الحسن قبل أسابيع أدخلت لبنان إلى مشهد جديد وليس أزمة جديدة، إلى مشهد جديد، لأن الأزمة قائمة ومستمرة، تشتد من الانقسام الحاد، والتوتر الشديد.
طيّب، عندما يصبح هناك أحداث بهذا الحجم أو أحداث بهذا المستوى، ما هو المطلوب؟ مطلوب من كل القيادات السياسية، الدولة أو على المستوى الحزبي أو الشعبي، أن يتصرفوا بمسؤولية وطنية لأن أي تصرف خاطئ ممكن أن يفجر البلد.
هناك شيء يجب على الجميع أن يضعه في رأسه على مستوى الدولة، على مستوى القوى السياسية، على المستوى الشعبي، أنا لا أفرضه، هذا واقع، أن اليوم يوجد منطقة متوترة، جوارنا كله متوتر، في سوريا هناك حرب دامية، في كل ساعة وفي كل لحظة وفي كل يوم، المنطقة كلها متوترة ولبنان أصلا متوتر، لما كانت المنطقة هادئة لبنان كان متوتراً، لما كانت سوريا ومصر وليبيا والمنطقة كلها هادئة، كان لبنان متوتراً، اليوم لما نرى المنطقة كلها متوترة ولبنان متوتر ويقع أي حدث، إذا لم نتصرف بمسؤولية دقيقة، يمكن أن ينفجر البلد،
أنا أوصّف، لا يمكن لأحد أن يقول إنني أهدد بتفجير البلد، أبداً، نحن أشد الناس حرصاً أن يبقى البلد متماسكاً ومستقراً وآمناً، ولكن أنا ألفت وأنا أنبّه، هذا يتطلب التصرف بمسؤولية استثنائية، وليس بانتهازية، انه يوجد هذا الحادث لنأخذه ونوظفه بلا تحفظات ولا حدود، بلا ضوابط لمصلحة هدف سياسي معين، ولو كان يؤدي إلى انفجار البلد.
للأسف الشديد، يوجد في لبنان فريق يتصرف على هذا النحو.
حسناً، لا نريد أن نتكلم عن الأحداث الماضية، سنتحدث عن الأحداث الاخيرة.
بعد جريمة اغتيال اللواء وسام الحسن، طبعاً بعضهم أخذ الاتهام رسمياً باتجاه سوريا وليس لديهم دليل، وليس لديهم معطى ولا أي شيء، ولكن هم متعودون على الاتهام السياسي، جاء من يقول لهم "يا جماعة فلتضبطوا أنفسكم، الوضع صعب، خذوها على سوريا". ولكن يوجد أناس لديهم مشروعهم، لا يستطيعون إلا أن يأخذوها إلى داخل لبنان، ثم عادوا وتفلتوا وبدأوا يقولون "حزب الله حزب الله..."، وهذا يعني أننا عدنا إلى نفس الحكاية ، لأنني هنا أريد أن أتكلم عن موضوع الشيعي السني، أن أكبر ضابط أمني في الدولة اللبنانية سني "هم يعتبرون هكذا" من الاحترام للمدير العام لقوى الامن الداخلي، ولكن هم وصّفوا الأمور هكذا، قُتل وقاتله شيعي، حسناً، هذا الذي قال من الساعة الأولى أو ساعتين إن حزب الله هو الذي قتل اللواء وسام الحسن، إلى أين يريد أن يصل ؟
وأنا أتكلم وأحب أن يسمع السنّة قبل الشيعة، هذا إلى أين يريد أن يصل؟
واذا كان من الوجوه الذي كنت أتكلم عنها قبل قليل، تاريخ وعلاقة واسرائيل ومخابرات، لمَ هذا بالتحديد، هؤلاء بالتحديد يقولون هذا، إلى إين يريدون إن يصلوا؟
هل لديك دليل؟ أين هو؟ فلتعطِهِ الى التحقيق، هل لديك معطى حسي، عندك دليل، ولو دليل ظرفي؟ فلتتفضل.
هل لديك تحليل سياسي؟ يوجد ألف تحليل سياسي، إذا كان يوجد القليل من المنطق والعقل عندها يستطيع أي أحد أن يقول: "بالتحليل يوجد فرضيات". أنا لا أسلّم، لا أقبل حتى أن يقال إن حزب الله هو فرضية، ولكن دعنا نقول إنها فرضية، يمكن لأي أحد أن يضع فرضيات "فيه فرضية انه حزب الله، فيه فرضية انه الاسرائيلي (انتم تقولون انه فكك 35 شبكة تجسس اسرائيلية)، فيه فرضية انه لعبة مخابرات دولية، في فرضية انه يوجد في العالم من يرى أن السنيين والشيعيين في أكثر من بلد في العالم محضرون للفتنة فقرر أن يدخلهم في فتنة بين بعضهم، ويوجد فرضية القاعدة ويوجد فرضيات أخرى.
حسناً فلتقل إن هناك خمس فرضيات أو ست فرضيات واحدة منهم حزب الله، ممكن أن اقول، إنك رجل عاقل ومنصف. ولكن العجيب أن الرجل من الساعة الاولى لمقتله، لم يتهم أحد اسرائيل، هذا يعني أن هؤلاء متعهدون للدفاع عن اسرائيل، ومن (الذي يتهمونه بقتله)؟ حزب الله!
حسناً، على أي أساس؟ الإخوان كانوا يقولون إنه يجب رفع دعوى قضائية على كل الذين يتهموننا ويسيئون لنا، ولكن المشكلة أننا إذا أردنا أن ننتظر القضاء اللبناني كما يفعل غيرنا عندما يرفع دعاوى ينتظر 50 او 60 سنة، حسناً، خيارنا أنه يجب ان نتحمل، لكن الأهم ليس ان نتحمل نحن ولكن على الناس ان تنتبه.
حسناً، اخذوا الاتهام منذ البداية الى الاتهام السياسي، استبعدوا كل الاحتمالات، استبقوا التحقيق، وجهوا الاتهام، ويوجد شخص "شاطر" قال إنه يوجد صور وأفلام لأشخاص، حسناً، فلتسلمهم للتحقيق، طالما انهم موجودون عندك، رُتبت الآثار السياسية على الاتهام، اتهموا رئيس الحكومة، أصبح هو القاتل، الحكومة قاتلة، طالبوا باسقط الحكومة، قاطعوا طاولة الحوار، قاطعوا المجلس النيابي.
حسناً، هذا موقف انتهازي، لأن الحكومة، ومن اللحظة الاولى لتشكليها، انتم اجتمعتم وأعلنتم الحرب عليها، وطالبتم الرئيس ميقاتي بالاستقالة، وعملتم على اسقاطها، وعملتم اجتماع وشكلتم وفود لاقناع المجتمع الدولي بمقاطعتها، وحرضتموه عليها، انها هذه حكومة حزب الله،
ولا يوجد أحد في المجتمع الدولي مقتنع بان هذه الحكومة هي حزب الله
ولا أحد في الحكومة مقتنع بأن في هذه الحكومة هي حكومة حزب الله
و"بحياة اللي خلّفني وخلّفكم" ولا حتى أنتم مقتنعون بان هذه هي حكومة حزب الله
هذا جزء من الكذب والتضليل الذي هو وسيلة سياسية عندكم، وانتم تمتهنوها.
حسناً، ذهبتم الى الاتهام السياسي ورتّبتم آثاراً، هذا طبيعي ومتوقع، حسناً، لا يوجد وقت لاقول، تريدون ان تغلقوا المجلس وانتم اغلقتموه، يوجد الكثير من الفرق بين الحكومة الحالية والحكومة السابقة، لا يوجد وقت الآن لأن هذا الموضوع بحاجة الى الحوار اكثر مما يحتاج الى الخطاب السياسي، الاخطر انكم ذهبتم الى لعبة الشارع، حسناً، حقن طائفي، حقن مذهبي، تفلتت وسائل الاعلام والمنابر من أجل حشد أكبر عدد ممكن في تشييع الشهيد، حسناً لم تنجحوا، ولكنكم حقنتم البلد، قام مسلحون بقطع الطرقات، ليس صحيحاً أن يقال إن أهل السنة هم من قاموا بقطع الطرقات في لبنان، لان من قطع الطرقات هم بعض الاشخاص، العشرات "عشرة هنا، عشرين هناك، ثلاثين هناك..." فلتعدوهم، كلهم مع بعضهم البعض حولي المائتين الى ثلاث مئة شخص.
يستطيع أي أحد أن يأتي بمئتين الى ثلاثمئة شخص وأن يقطع بهم الطرقات، ويحمّلهم سلاح ويحرقون اطارات، وصولا الى سؤال عن هوية راكبي السيارات، حسناً، الى أين تريدون أن تأخذوا البلد؟ وصولاً الى قتال في طرابلس واستدراج قتال في طريق الجديدة ووطى المصيطبة والشياح، لمصلحة من؟
طبعاً في المقابل يوجد جزء كبير من الشعب اللبناني انكفأ، سواء كان من جماعة 8 اذار أو غير 8 اذار، جلس يترقب، لم يشارك، لم يقطع طرقات، لم يشارك بتجمع، كان من المفترض أن يكون تشييع لشهيد، حوّلوه الى مناسبة سياسية، وصولاً الى اقتحام السراي، ولكن كان يوجد انضباط كبير في الشارع الآخر، لانه الذي حصل على مدى ثلاثة أيام من قطع طرقات واعتداءات واطلاق نار، واستدراج لمواجهات، لا يطاق.
وانا هنا أريد أن أنوّه وأشيد بوجود الوعي الكبير والشديد لكثير من هؤلاء الناس، الذين استطاعوا أن يستوعبوا حوادث الثلاثة ايام، والذي لا يقاس بهم بعض هؤلاء القادة السياسيين الانتهازيين، وفوّتوا فرصة تفجير البلد. هذا الوعي عند الناس فوّت فرصة تفجير البلد، ليس فقط القيادات السياسية في الفريق الآخر، بالعكس يوجد اناس في فريق ال الرابع عشر من آذار كانوا ينتظرون ليروا كيف ستندلع المعارك في طرابلس كلها وفي بيروت وفي صيدا وفي طريق الجنوب، ويقومون بحساباتهم.
حسناً، تمّ تفويت هذه الفرصة بالوعي، اليوم كل الوقائع والمعطيات السياسية والامنية والميدانية تؤكد انه هناك جهات سياسية في لبنان، بالتواطؤ مع قوى خارجية تريد دفع البلد الى الانفجار، ليس سوريا، اسمحوا لي، ولا 8 اذار، في الفريق الآخر، ولا أريد أن أقول جميعه، في الفريق الاخر هناك من يدفع لبنان الى الانفجار. وهنا يصادف انه يوجد اختلاف مع الاميركي والفرنسي والغربي والبريطاني، يوجد اختلاف، ليس لأن هؤلاء مع حكومة حزب الله، لا، هم يعرفون بأن هؤلاء ليسوا مع حكومة حزب الله، الاميركي والغربي لا يريد تفجير البلد لانه بدراساته وحساباته أن هذا يخدم النظام في سوريا، حسناً فليحسبوا بهذه الطريقة، ولكن يوجد اناس في لبنان لديهم حسابات أخرى، أن الانفجار في لبنان يخدم في أكثر من اتجاه. حسناً، الانفجار بين من ومن؟
ايضاً "لنتكلم ارضي وشفاف مثلما بدأنا"، يريدون انفجاراً شيعياً سنياً.
اليوم يوجد من يتحدث عن الفترة السابقة، ويقيّمها ويعيد النظر فيها، فلتسمعوني، يوجد اناس يريدون أن يأخذوا إلى فتنة سنية شيعية، وبالتحديد بعض مسيحيي 14 اذار. تريدون وضوحاً اكثر من هذا؟ طبعاً هناك بعض الناس داخل تيار المستقبل، يقولون إنه يوجد احتقان في البلد ويوجد احتقان في المنطقة وهذه فرصتنا، لندع السنة والشيعة يذبحوا بعضهم، ولذلك ترتفع وتيرة التحريض الطائفي والمذهبي، أمام أي حادث بسيط، بدل ان يأتي شخص ويتعاطى بعقل مثل ما تعاطت المرجعيات الدينية، من سماحة المفتي الى غبطة البطرك الى المواقع الدينية الاخرى، أنه "على مهلكم انتم على أي أساس تسوّقون للاتهام السياسي يخرب البلد؟ فلتصبروا قليلاً، ولننتظر التحقيق ولنرى؟ هل لديكم معطيات؟" يوجد أناس يريدون أن يدفعوا هذه الأمور بهذا الاتجاه ويستغلون أي حادث، أي حادث له علاقة بأحد أو ليس له علاقة، يستغل كله في سياق هذه المعركة.
طبعاً ما جرى بالامس في صيدا لا أريد أن أقف عند تفاصيله، ولكن أشارة عامة في هذا السياق:
صيدا عاصمة الجنوب والتي سوف تبقى عاصمة الجنوب
صيدا عاصمة المقاومة وستبقى عاصمة المقاومة
صيدا مدينة العيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين على اختلاف مذاهبهم
صيدا مدينة الشهداء الكبار والقادة الكبار والعلماء الكبار
صيدا التي احتضنت وما تزال وستبقى تحتضن فلسطين والقضية الفلسطينية وشعب فلسطين اللاجىء في المخيمات،
هذه صيدا هناك من يريد أن يأخذها إلى فتنة، لمصلحة من؟
وكل يوم يخترع معركة، ويخترع عنواناً ويخترع شعاراً، وفي ظل صمت كثيرين، وشبه تخلٍّ من الدولة عن مسؤولياتها، حتى لا اقول إنه تخلٍّ كامل، هناك من يصرّ على دفع الامور بهذا الاتجاه في صيدا أو في غير صيدا، في كل لبنان.
هنا طبعاً المسؤولية تقتضي في يوم الشهيد، يوم المقاومة، يوم فلسطين، يوم لبنان، هذا يعني يوم الشهيد، يوم الكرامة، يوم الوحدة، يوم الحب، يوم الإيثار، يوم التضحية، يوم الوفاء، تقتضي انه اضافة خطاب كل اللبنانيين الذين كلهم معنيون في هذا الحادث وليس فقط سنة وشيعة، ولكن أريد أن أخص السنة والشيعة بالامر، هذه المرحلة حساسة جداً، وتحتاج الى مستوى عالٍ من الوعي والتنبّه والتبصر والالتفات، أولاً، لا يستطيع أن يأخذنا أحد لا بالعصبية ولا بالتحريض، ولا بالأضاليل ولا بالاكاذيب ولا بالاشاعات، اليوم اكثر من اي وقت مضى "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" لأن هذا النبأ يخرّب بلد.
لكن تثبتوا أولا وتأكّدوا وانظروا ما هي صحة المعطيات وابنوا وخذوا موقفاً على أساس ذلك، لكن تثبّتوا أولا وتأكدوا أولا ولا يأخذكم أحد بالشائعات والأكاذيب. عدم الإنسياق مع حملات التحريض، التناصح والتواصل (بين) القيادات والعلماء والقوى السياسية، محلياً في الضيعة والمدينة، (بين) المخاتير ورؤساء البلديات والفاعليات والمفاتيح الإجتماعية، يجب أن يتواصلوا مع بعضهم البعض وأن نتحدث كلنا مع بعض، ونفتح الهاتف ونجلس ونحاول معالجة الامور، هنا مشكل، نعالجه، وهنا لغم، نفكه، هنا كمين نحاول أن نحاصره. اليوم كلنا كلبنانيين يجب أن نتصرف هكذا، لكن بالخصوص الشيعة والسنة.
وهذا أيضا يلزمه صبر وتحمل وضبط النفس، حتى لو كان هناك أخطاء، يخرج أحدهم يسبّك ليلاً نهاراً اًو يسب زوجتك ليلاً نهاراً، ويسب عائلتك ليلاً نهاراً ويسب شهداءك ليلاً نهاراً ويسب مقدساتك ليلاً نهاراً، ماشي الحال، وأنا قلت لكم المرة الماضية اصبروا، واليوم أقول لكم المطلوب هو الصبر والتحمل، وإذا كان هناك أخطاء من الشيعة أدعو السنة إلى الصبر والتحمل وإلى معالجة الامور مع بعضنا بالتعقل. شيعة وسنة يجب أن نتواصل وأن نتناصح ويجب أن نتأكد وأن نتثبّت وأن نصبر وأن نتحمل وأن نعالج الأمور، والدولة هي التي يجب أن تتحمل مسؤولياتها، أحدهم يقفل الطريق على الدولة أن تفتحه، أحدهم يهجم عليك على الدولة أن تدافع عنك، ونحن نصر على أن تتحمل الدولة المسؤولية. مع هذا النوع من الأحداث الذي حصل، مع أي شيء يمكن أن يحصل في المستقبل، هذه المنهجية التي ندعو إليها.
في الموضوع الحكومي، واليوم هناك دعوات إلى حكومة حيادية أو حكومة تكنوقراط أو حكومة جديدة أو ما شاكل، أنا أقول على طريقة المنهج: يا اخواننا ويا أخواتنا وأيها اللبنانيون ـ ولنتحدث منذ العام 2005 إلى اليوم وشو بدنا قبل الـ 2005 ـ هناك منهجان، وهنا لا يوجد سوريا لتقول لي إنّ سوريا رتّبت وشكّلت وعملت، نحن اللبنانيون الموجودون في البلد وفي المجلس النيابي وخارجه... يوجد منهج يدعو إلى الشراكة الوطنية في أوسع دائرة ممكنة وهناك منهج إقصائي وإلغائي. هذا ادعاء ودليله: عندما نأتي إلى الفريق الآخر، أنا اتهمه وأقول: هو صاحب منهج إقصائي وإلغائي، عام 2005 شكّلتم حكومة وجرى تحالف رباعي ولم يكن خماسياً ولا سداسياً واختلفنا على الحليف المسيحي، أنتم أغلبية شكلتم حكومة ودخل إليها أمل وحزب الله، ولكن لم نكن نشكّل الحكومة، بل أنتم ولم يكن هناك شيعة غيرنا تدخلونهم، ونحن واقع موجود في البلد فقلتم تفضلوا، لكن بالحكومة، بعد كل الذي جرى في لبنان، كان يجب في العام 2005، إذا كان هناك عقل وطني أن يحقق أوسع شراكة ممكنة. تمّ استبعاد التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون، مع العلم أنّه أثبت في انتخابات عام 2005 أنّه الزعيم المسيحي الأول وما زال الزعيم المسيحي الأول بحسب كل المعطيات، وأنا لا أنصّبه بل المسيحيون ينصبونه، واستبعدتم كل حلفاء سوريا من مسيحيين وسنة ودروز وشكّلتم حكومة إقصاء، وكنّا نحن جزءاً منها، لكن لم نكن جزءاً من الإقصاء بل جزء من الحكومة التي بعد حرب تموز خرجنا منها وأكملت من دوننا، خلافا لوثيقة الوفاق الوطني والميثاق الوطني، وهنا الفرق مع هذه الحكومة الحالية، وأكملتم ولم تسألوا عن أحد، الشيعة كلهم خارج السلطة ولم تسألوا عن أحد، مكوّنات أساسية بالبلد خارج السلطة، أنتم أكملتم... إلى أنّ جاء اتفاق الدوحة وأنتم بالقوة قبلتم أن تنضموا إلى حكومة وحدة وطنية وليس بـ "المليح" لأنّ ليس هذا قناعتكم ولا عقلكم ولا فكركم السياسي.
شُكّلت حكومة وحدة وطنية في لبنان، الأولى والثانية، وانتهى الأمر إلى الإشكال الذي انتهى إليه، وسقطت الحكومة ولا يوجد وقت لنستحضر كل هذه الأحداث، وكُلّف دولة الرئيس ميقاتي بتشكيل حكومة جديدة.
من أول يوم، فريقنا السياسي ماذا قال: نحن موافقون على حكومة وحدة وطنية، وموافقون على شراكة، أنتم لم تقبلوا، وبقي الرئيس ميقاتي شهراً ونصف يحكي معكم ويجلس معكم ـ وما شاء الله باله ما أطوله ويمكن أنّ ذلك من المواصفات النفسية الملازمة للمواصفات الجسدية، بسطة في الجسم وطول البال ـ جلس "الزلمي" شهراً ونصف ومفاوضات و"رايحين وجايين وتفضلوا" لكن أنتم لم تقبلوا وأنتم لا تريدون مشاركة أحد: أنتم أو لا أحد، أليس كذلك، عام 2005 تصرفتم هكذا عندما كنتم تشكلون الحكومة وعندما أتى الرئيس ميقاتي لتشكيل الحكومة تصرفتم هكذا.
أمّا نحن في الدوحة فقد طالبنا بحكومة وحدة، شراكة وطنية، ومع الرئيس ميقاتي قلنا له: الله معك واتكل على الله، بحكومة شراكة وطنية وحكومة وحدة وطنية، أنتم تريدون الإقصاء، وأنتم عندما كنتم في الحكومة قاطعتم الحوار، واليوم أنتم الآن في المعارضة قاطعتم الحوار، أنتم لا تريدون حواراً يصل إلى نتيجة.
إذا لدينا نهجان في البلد، وهذا موجود وواقع، وحتى اليوم ماذا يقول لك: نحن 14 آذار عندما نأخذ الاغلبية في الإنتخابات المقبلة سنشكل حكومة 14 آذار، تأكيد على الإقصاء والإلغاء وأن لا شريك في البلد. نحن لم يكن لدينا مشكلة ولا لحظة أن تشكل حكومة شراكة، وحدة وطنية، وحكومة وحدة وطنية. طبعا بين هلالين هناك ناس قالوا في اليومين الماضيين: نحن 14 آذار نربح في أي قانون انتخابات، عظيم "إذا كل هالقد واثق من نفسك" تفضل إقبل بالنسبية وبالدوائر مثل ما قدمتها الحكومة اللبنانية، يا "قبضاي" ويا "واثق"، إذا على ماذا نحن مختلفون وأنتم رابحون بأي قانون انتخابي، لماذا تسببون مشكلة في قانون الإنتخاب.
بالمنهجية، هناك نموذجان أيها الإخوان والأخوات وأيها الشعب اللبناني، وأنا أتحدث عن رئيسَي حكومة سنة، هناك رئيس حكومة ـ ومن دون تسمية ـ ينزل مليون متظاهر ويقولون له "فِلْ" ويعتصمون بمئات الآلاف وبعدها يصير عشرات الآلاف وآلاف ومئات إلى أن ينتهي الأمر، ماذا يقول؟ أنا لا يَرِفْ لي جفن، "هلقَدْ متمسك"، وهناك رئيس حكومة يرى أنّ هناك حادثاً في البلد وهناك أناس يشيّعون وهناك أناس حزينون ومتألمون فيقول : أنا لست متمسكاً بمنصبي، اذهبوا اتفقوا على أي حكومة تنقذ البلد، حكومة وحدة وطنية برئاستي أو من دون رئاستي، أنا لا مشكلة لدي. هذا منهج وذاك ومنهج، هذه عقلية وتلك عقلية، اللبنانيون يجب عليهم أن ينتقوا، أي عقل يوسّط ويحمي البلد ويحمي الأمن ويحمي الإستقرار داخلياً وخارجياً ويطوّر البلد ويأخذ البلد إلى الأمام هو عقل الشراكة، أمّا العقل الإقصائي الإلغائي المستعد لأن يدمّر كل شيء من أجل أن يكون في السلطة هو عقل لا يؤتمن لا على بلد ولا على عرض ولا على مال ولا على استقرار ولا على أمن وقد جربناهم بالإقتصاد أيضاً.
بالوضع الحالي نحن نقول ما يلي: هناك حكومة موجودة، قانونية، دستورية، لا غبار عليها، هي تعمل وتستمر في العمل. الكلام في لبنان عن حكومة حيادية هو كلام لا معنى له، ولا يوجد في لبنان حياديون، لبنان كله سياسة، حتى الأولاد الصغار سياسة والفوتبول سياسة والفن سياسة وكله صار سياسة.
حكومة التكنوقراط في لبنان حكي ليس له معنى فلا يوجد تكنوقراط في لبنان وكل التكنوقراط سياسي، هذا بلد سياسي للنخاع، كبيره وصغيره، لا يمشي في البلد إلا حكومة سياسية. الآن الحكومة موجودة، البعض يتحدث عن حكومة جديدة أو حكومة وحدة وطنية، تفضلوا إلى طاولة الحوار، نجلس هناك ونتحدث، وكل واحد يقول رأيه، ونحن نقول رأينا: هل هناك داعٍ لتغيير الحكومة أو لا داعي، وإذا كان هناك داعٍ ما هي طبيعة وماهية الحكومة البديلة، أمّا غير ذلك، فكل واحد يقدر على قول الذي يريده والحكومة تستمر في العمل كما تفعل في العمل ويجب أن نتعاون جميعاً لتخطّي هذه المرحلة، لكن كل هذه التجارب بالنهاية يجب أن تثبت لنا هذا الواقع.
في موضوع سوريا، نؤكد صوابية الموقف الذي دائما كنّا نعبّر عنه خلال كل الفترة الماضية، وجوب الحل السياسي في سوريا والتسوية في سوريا ووقف القتال في سوريا هي مصلحة الشعب السوري ومصلحة سوريا.
بالمقابل، الآخرون بأي اتجاه يدفعون الأمور؟ كلينتون تخرج وتقول إنّ المجلس الوطني السوري ـ اسطنبول ـ لم يعد يمثّل، اذهبوا وفتشوا عن إطار أوسع، ويخرج جماعة المجلس الوطني و"يهدّون" ويرعدون ويؤكدّون أنّ قرارهم مستقل. عظيم، جمعوا كل العالم في الدوحة وحبسوهم في الأوتيل سبعة أيام وعملوا إطاراً جديداً مثل ما رأت السيدة كلنتون. فلنقرأ الرسالة من أولها وليس من آخرها، خلص (طلبت) إطار جديد، حسناً عملوا إطاراً جديداً وقيادة جديدة وعنواناً جديداً، لكن الأخطر في هذا الجديد أنّ أطراف المعارضة المجتمعة في الدوحة تُجمع على رفض الحوار وتُجمع على رفض الحل السياسي، يعني إلى أين يريدون أن يذهبوا؟ إلى المزيد من القتال والمزيد من الدمار، مصلحة مَن ، أمريكا وكلينتون التي هي الآن "فالّة" (مغادرة) وإسرائيل وبعض الحقد العربي وبعض الطموحات الإقليمية. هذه هي مصلحة الشعب السوري؟ المزيد من القتال والدماء في سوريا، أو الذهاب إلى حل سياسي وإلى تسوية سياسية؟
على كلٍّ، نحن ما نؤكد عليه هو الدعوة بهذا الاتجاه، هذا كان موقفنا وما زال موقفنا.
طبعاً في موضوع البحرين، الناس المتروكون المظلومون، تنفجر عبوة فيقال أصابع حزب الله وبصمات حزب الله، إلى هذا الحد بصماتنا تصل إلى هناك، طبعاً، نحن أصدرنا بياناً وقلنا إن هذه بصمات المخابرات البحرانية.
السلطة في البحرين لديها مشكل حقيقي مع سلمية المعارضة البحرانية، يعني بمقدار ما قيادة المعارضة البحرانية وشعب البحرين الذي يتظاهر "باله" طويل، السلطة "ضاجت"، السلطة تبحث عن ذريعة لضرب، لقتل، لاعتقال، لسجن هؤلاء المعارضين، لأن المعارضة السلمية أحرجتهم، مع العلم أن هدف المعارضة واضح ومفهوم ومعلن.
الآن بدأوا يلجأون لنزع الجنسية، يعني إضافة للتغيير الديموغرافي الذي كانوا يحدثونه من خلال التجنيس، ابن البحرين تنزع جنسيته، ولا يدعون شخصاً من بنغلادش أو من باكستان أو من الهند أو من أفريقيا الوسطى أو الجنوبية إلا ويأتون به ويمنحونه الجنسية وكامل حقوق المواطنة. هذا أيضاً يحتاج إلى موقف.
نحن على كل حال، في الإطار العام ، نحن ندعو، في لبنان، في المنطقة، أمام ما يجري في غزة، أمام ما يجري في سوريا، أمام ما يجري في لبنان، أمام ما يحضّر لكل منطقة: المزيد من الوعي، المزيد من التبصر، المزيد من الهدوء، عدم الاستعجال في التحليل، عدم الاستعجال في اتخاذ المواقف، ولنعلم أننا في زمن الفتن التي أقبلت وتقبل كقطع الليل المظلم. في زمن الفتنة ليس صحيحاً أن يدسّ الانسان رأسه في التراب ويقول أنا لست معنياً.
الصحيح أن يفتح عينيه وأذنيه وعقله ويكون صادقاً ويكون مخلصاً ويحاول أن يميز الحق من الباطل والطيب من الخبيث ليدفع أمته، أهله، وشعبه باتجاه ما فيه صلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم. هذه مسؤوليتنا جميعاً خصوصاً في هذه المرحلة.
نجدد عهدنا مع شهدائنا، مع شهدائنا القادة، مع السيد عباس، مع الشيخ راغب، مع الحاج عماد، مع الإمام المؤسس الإمام موسى الصدر، نجدد عهدنا ووعدنا معكم جميعاً على أننا باقون في مواقع المقاومة والصبر والاحتساب والثبات والحرص على الوحدة حتى يختم الله لنا بإحدى الحسنيين أو كلا الحسنيين، النصر أو الشهادة، وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.