نص الكلمة المتلفزة التي ألقاها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عبر شاشة المنار مساء الثلاثاء 30-4-2013
نص الكلمة المتلفزة التي ألقاها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عبر شاشة المنار مساء الثلاثاء 30-4-2013
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الاخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
في البداية أتوجه إلى الجميع بالتهنئة والتبريك، أولاً بمناسبة ذكرى ولادة بنت رسول الله، بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام. وثانياً، أتوجه إلى العمال في لبنان والعالم، بالتهنئة في مناسبة عيدهم، عيد كدحهم وتعبهم وعرقهم وجهدهم وجهادهم.
في الحقيقة، اليوم أحببت أن أتحدث في الوقت المتاح، الآن في لبنان كل شيء خاضع للتحليل، من المفترض، إن أبقانا الله على قيد الحياة، أن أتحدث في إحتفال إذاعة النور في الذكرى التأسيسية بعد أيام، ولكن كنت أراقب الموضوعات، طبيعة الوقت في الاحتفال والمساحة المتاحة لن تسمح بتناول موضوعات عديدة وحساسة وخصوصاً بعد انقطاع عنكم لمدة من الزمن. فرأيت أن أقسم الموضوعات، ما هو في بالي، بعض هذه الموضوعات أطرحها الليلة، وبعض الموضوعات نطرحها بالاحتفال إن شاء الله، فإن شاء الله لليلة وإن شاء الله للأيام المقبلة.
العنوان الأول الذي أود أن أتحدث عنه، وسأحاول أن أتحدث قليلاً بسرعة حتى أستفيد من الوقت، لأن الموضوعات دقيقة وحساسة ويجب أن نتابعها جميعاً وأن يواكبها الرأي العام أيضاً في لبنان وفي المنطقة، لأنها تعني مصيرنا جميعاً، سواء في ما يعني الوضع الاقليمي أو الوضع المحلي.
أولاً، في العنوان الأول العنوان الاسرائيلي، أهم ما لدينا في العنوان الإسرائيلي هو ما حصل قبل أيام، حيث "ادعى" الإسرائيليون أنهم أسقطوا طائرة من دون طيار يدّعون أنها دخلت من الأجواء اللبنانية إلى أجواء فلسطين المحتلة وتم إسقاطها بالقرب من مدينة حيفا، من ساحل حيفا.
طبعاً، وسائل الإعلام الإسرائيلية والمحللون الاسرائيليون والمراقبون اتهموا مباشرة، إتهمونا بأننا نقف وراء هذا الشرف الذي لم ندعيه. وبحسب متابعة الجهات المعنية في حزب الله لم يصدر من ذلك الوقت إلى اليوم أي اتهام رسمي من قبل مسؤولين رسميين إسرائيليين لحزب الله سوى في الدقائق الأولى، نائب وزير الحرب الاسرائيلي وجه اتهاماً من هذا النوع على العجالة، ولكنه لم يكرر هذا الموقف لاحقاً.
طبعاً، مباشرة هناك جهات لبنانية أيضاً حمّلتنا مسؤولية إطلاق الطائرة من دون طيار، يعني ما يدّعى أن هناك طائرة من دون طيار، وبدأت تعزف على المعزوفة والألحان التي تعرفونها. حزب الله، أولاً لأنه فعلاً لم يقم هو بإرسال طائرة من هذا النوع، ثانياً إدراكاً منه لحساسية الوضع في المنطقة، أصدر بياناً دقيقاً، يعني سطر واحد وليس سطرين، "لا مقدمات ولا نتائج": ينفي حزب الله أن يكون قد أرسل طائرة من دون طيار إلى أجواء فلسطين المحتلة، نقطة على أول السطر.
طبعاً لماذا كان النص كذلك، الآن عندما أتقدم بالتعليق أشير إلى هذا الأمر. حسناً، أصبح السؤال الكبير أنه إن لم يكن حزب الله هو من أرسل هذه الطائرة، فمن إذن؟
هذه الوقائع، طبعاً في الوقائع حتى هذه اللحظة لم يقدّم الاسرائيليون فيلماً أو مشاهد مسجلة، من المفترض أن تكون مسجلة لديهم، حول إسقاط طائرة مدّعاة من هذا النوع، وحتى الآن لم نعرف، أو لم يطرح في الإعلام بشكل جدي، هل عثروا على حطام الطائرة المدّعاة أو لم يعثروا، أين هو هذا الحطام، هذا أيضاً في الوقائع.
عندما أذهب الى التحليل، أولاً الكل يعرف أن حزب الله يملك شجاعة أن يتحمل المسؤولية وأن يتبنى أي عمل يقوم به، وخصوصاً إذا ما كان يعني العدو الاسرائيلي.
نحن نملك هذه الشجاعة، ونفتخر بعمل شجاع من هذا النوع إذا قمنا به ولا يقلقنا أو يزعجنا الكثير من الاتهامات أو التحفظات أو القراءات المختلفة إذا أُحسن الظن. وما قيل عن هذه الطائرة، هو ليس أهم ولا أخطر من أن يتبنى حزب الله مسؤولية طائرة أيوب التي دخلت إلى جنوب فلسطين المحتلة واقتربت من مفاعل "ديمونا".
فإذن أولاً حزب الله، في كل صراعه مع العدو الاسرائيلي، ليس هناك سابقة أن يقوم بعمل ثم ينفي، يوجد لدينا تاريخ. إذا كان هناك أناس معتادون على الكذب فنحن هذا تاريخنا، واحد وثلاثين سنة من الصراع مع العدو الاسرائيلي، ما نقوم به نعترف به ولا نتنكر له ونعتز به أيضاً، بعد ذلك من شاء أن يصدق فل يصدق ومن لا يصدق فلا يصدق، من لا يريد أن يصدق هذا شأنه، لا نريد أن نشغل بالنا في هذا الموضوع.
ثانياً، أنا أحب أن أقول للبنانيين وللرأي العام، ليس هناك ما يؤكد الحادثة أساساً، حتى هذه اللحظة، أنا لا أنفي حصولها، لا أقول لم تدخل طائرة من دون طيار، لكن ليس هناك ما يؤكد أن هناك طائرة من دون طيار قد دخلت إلى شمال فلسطين المحتلة، ليس هناك ما يؤكد، لم يقدّم دليل حتى الآن، لم يُرَ حطام حتى الآن، وحتى قوات اليونيفيل قالت: نحن لم نتثبّت من أمر من هذا النوع، (وكذلك) الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية.
إذن هناك فرضية يجب أن نأخذها بعين الاعتبار وهي أن يكون كل الذي قيل هو مختلق وليس له أي أساس من الصحة.
ليس لدي ما أثبت هذه النظرية، ولكن حتى الآن لم يُقدَّم ما ينفي هذه الفرضية. حسناً، لو فرضنا أصل الحادثة، لو فرضناها مسلّمة، وأن هناك طائرة من دون طيار بالفعل دخلت من الأجواء اللبنانية، والاسرائيليون ضائعون، بعضهم يقول هدفها إستطلاعي، بعضهم يقول هدفها مجرد خرق الأجواء، بعضهم يقول إنها مسلّحة وكانت تستهدف ما تستهدف، لو فرضنا أصل الحادثة أنها مسلّمة، من ممكن أن يكون (أرسلها)؟ الإسرائيليون حتى الآن، وهم يملكون أجهزة ردارات قوية وأجهزة معلومات قوية ويستعينون بمخابرات دولية وبقوات كبيرة موجودة أيضاً في البحر الأبيض المتوسط، حتى الآن لم يستطيعوا أن يحددوا من أين انطلقت هذه الطائرة وما هو المسار الذي مشته، وهذا أمر غريب، أو في الحد الأدنى لم يعلنوا عن شيء من هذا حتى الآن. ولذلك حتى هذه اللحظة لا يبدو أن هناك اتهامات رسمية إسرائيلية، نعم في التلفزيونات الاسرائيلية، في القنوات، الصحفييون، المحللون، خبراء متابعون يتحدثون عن فرضيات.
إذا أردنا أن نمشي مع الذي قاله الاسرائيلي، أو ما يمكن أن نفترضه ـ أنا لا أتكلم بهذا الشكل، لا لترف فكري ولا لشيء، وإنما هذا موضوع حساس وقد تترتب عليه آثار في المرحلة المقبلة ـ هناك عدة فرضيات:
الفرضية الأولى ذكرها محللون إسرائيليون وهي أن يكون الحرس الثوري الإيراني هو الذي أطلق هذه الطائرة، وأنه ـ صدقاً ـ حزب الله ليس له علاقة. أنا اقول لكم هذه الفرضية غير صحيحة وغير واقعية، غير واقعية وغير ممكنة وغير صحيحة.
ثانياً، الفرضية الثانية أن نأتي ونفترض "نحسن الظن"، ونقول بشكل جدي إن هناك جهة صديقة في لبنان موجودة على الأراضي اللبنانية، فلسطينية أو لبنانية، امتلكت قدرة أن ترسل طائرة صغيرة ـ لأنهم تحدثوا عن طائرة صغيرة وليست بحجم طائرة أيوب ـ إلى أجواء فلسطين المحتلة، حتى الآن، ممكن هذا الأمر ولكن ليس لدينا أي معلومات ونحن في الحقيقة نبحث عن هذه الجهة إذا كانت جهة صديقة لنتعاون وننسق في ما بيننا في هذا الأمر. هذه فرضية ولكن ليس لها أي مؤشر، لكن الاحتمال موجود.
الفرضية الثالثة هي أن تكون جهة غير صديقة، لا أريد أن أقول عدوة أو ما شاكل، غير صديقة وغير إسرائيل، وبدون علم حزب الله والدولة اللبنانية وبدون علم إسرائيل أيضاً، وقامت باطلاق طائرة من هذا النوع، إما من الأراضي اللبنانية أو من غير الأراضي اللبنانية وأدخلتها الى فلسطين المحتلة بخلفية ـ هنا نريد أن نسيئ الظن ـ أن الإسرائيلي سيسارع إلى اتهام حزب الله، وفي وضع حساس من هذا النوع، سيقوم الاسرائيلي برد فعل عسكري مباشر، سيقوم حزب الله برد دفاعي مباشر وبالتالي يكونون قد دفعوا لبنان إلى مواجهة بين اسرائيل وبين المقاومة في لبنان وفي التحديد مع حزب الله في هذا التوقيت، الوضع في المنطقة متوتر. وهنا تدخل ـ عندما نتكلم عن سوء الظن ـ احتمالات البعض أن حزب الله مشغول في سوريا وحزب الله ـ هم طبعاً يفترضون أنه ـ مرتبك وقلق وقد لا يملك إرادة المواجهة وما شاكل، في هذا التوقيت دعونا نأخذ لبنان والمنطقة إلى حرب بين حزب الله وبين إسرائيل أو بين إسرائيل وبين حزب الله.
هذه الفرضية أيضاً موجودة، ليس هناك مؤشر يدل عليها. لكن إن فسد الزمان فمن حسن الفطن أن تسيئ الظن، وتقول نعم هذه الفرضية موجودة.
الفرضية الرابعة، التي يتحدث عنها، ولماذا لا نستبعد هذا الامر، وهي أن تكون إسرائيل نفسها هي التي أدخلت الطائرة إلى الأجواء اللبنانية وهي التي أعادتها إلى الأجواء الفلسطينية وقامت باسقاطها، "وتعمل جو معين" وترسل تهديدات معينة وتحقق مجموعة من الأهداف النفسية والمعنوية والردعية والسياسية والإعلامية، ويمكن أن نتحدث طويلاً في أهداف أو نتائج متوخاة من هذه الفرضية. أي أن الإسرائيلي يُدخل طائرة إلى لبنان ثم يقوم بإرسالها، يدخلها عبر الجو يدخلها عبر البحر، بلد مفتوح، يعني تعرفون الشبكات الاسرائيلية شغالة وعلى الشواطئ شغالة، وهذا أمر ممكن بدرجة كبيرة جداً.
إذاً هذه الفرضيات..
اللبنانيون معنيون أن يدققوا بهذه الفرضيات، والآن يوجد أناس يرتاحون ليقولوا إن حزب الله هو الذي أرسلها ولا نريد أن نعذب أنفسنا ولا نريد أن نناقش وهذا خطأ، وأنا أقول لكم هذا خطأ.
المسؤولون في الدولة، المسؤولون في الأجهزة الأمنية، القوى السياسية في لبنان، أتمنى خصوصا على القوى السياسية التي تصنّف نفسها في موقع الخصم أن كل شيء متعلق بإسرائيل أن لا نأخذه إلى موقع المزايدات ولا نأخذه إلى الخصومة، لأننا هنا بدأنا نتحدث في المنطقة الخطرة، في المنطقة الحساسة، في المنطقة التي لا تحتمل المزاح ولا تحتمل الخصام ولا تحتمل الأحقاد.
أحياناً نشعر بأن بعض الرجال، نتيجة الخصومة والحقد، لديهم عقول أطفال في هذه المسألة. لذلك نحن نتمنى التدقيق في هذا الأمر ونحن بالتأكيد سنتابع. نعم هناك مؤشرات مقلقة في المنطقة بشكل عام، هذا صحيح. الاستنفارات وبعض الحشود وبعض الاستدعاءات باتجاه شمال لبنان التي يتحدثون عنها، وقبل قليل الناطق الرسمي باسم جيش اسرائيل قال شيء من ذلك، نحن ما زلنا نقدّر أن هذه الامور مرتبطة بالتطورات في سوريا أكثر مما تعني لبنان بشكل مباشر. وبمعزل عن سوريا، نعم هناك مؤشرات مقلقة باتجاه غزة، قيل هذا في وسائل الإعلام وما يزيد هذا القلق هو الأخبار عن مساع أميركية عربية خليجية جديدة لتسوية ما في الموضوع الفلسطيني وفرض شروط جديدة على الفلسطينيين أو حلول لم يقبل بها الفلسطينيون سابقاً. نعم هنا هذا مجال خشية، لأنه عادة عندما يتم اللجوء إلى تسوية ما أو فرض شروط سياسية على الفلسطينيين معاً، يجب أن يسبقها، عادةً يسبقها عدوان ما لهزّ إرادة شجاعة وصلابة الفلسطينيين، وفرض هذه الشروط عليهم، ولذلك أنا من موقع الأخوّة ووحدة ورفقة السلاح مع حركات المقاومة في فلسطين، وخصوصاً في غزة، أدعوهم في هذه المرحلة إلى التنبّه والحذر، خصوصاً في حركة القيادات العسكرية، ومتابعة هذا الأمر.
لكن ما أود أن أختم به العنوان الإسرائيلي القول: إذا كان هناك أحد في الإقليم أو في لبنان أو في مكان ما في العالم يتوهم أو يظن أن المقاومة في لبنان الآن وفي هذه المرحلة، ونتيجة ما يجري في سوريا وما يجري في العراق وما يجري في المنطقة والضغوط التي تتعرض لها الجمهورية الاسلامية في إيران وما يجري في فلسطين، من يتوهم أن المقاومة في لبنان قد تكون في لحظة ضعف أو في لحظة وهن أو في لحظة ارتباك أو في لحظة عدم وضوح، يعني ضبابية، فهو مشتبه جداً وخاطئ جداً. وأنا أحذّر العدو الإسرائيلي ومن يقف خلف العدو الاسرائيلي من ارتكاب أي حماقة في لبنان وباتجاه لبنان، لأن المقاومة رغم كل ما يقال عن انشغالات هنا وهناك، يقظة (فاتحة عينها وعقلها وقلبها) ويدها على الزناد وتملك الإرادة والعزم والتصميم على الدفاع عن لبنان وعن أرضه وعن شعبه وعن كل الانتصارات والإنجازات التي حققها الشعب اللبناني والمقاومة اللبنانية والجيش اللبناني خلال 30 عاماً في مواجهة العدو الاسرائيلي ونحن سنواجه أي عدوان بأعلى درجة مما يتصوره أحد من شجاعة ووعي وكفاءة وقدرة وإمكانات، وسننتصر بأي مواجهة مقبلة إن شاءالله، لذلك في هذه النقطة أدعو الجميع أن لا يحسب أحد حسابات خاطئة على هذا الصعيد.
العنوان الثاني هو العنوان السوري الأشد اهمية وخطورة وحساسية، ليس في سوريا فقط، وإنما للبنان، لفلسطين، لكل شعوب ودول المنطقة، ومن يحاول أن يهرب من هذا الملف تحت أي عنوان من العناوين أو الادبيات المستخدمة في لبنان وفي غير لبنان هو يختبئ خلف إصبعه. في هذا العنوان يوجد عدد من المسائل أتحدث بها الواحدة تلو الاخرة، وإذا كنت قد خصصت "فهرس" إلا أنني لن أذكرالفهرس لأنه في حال ضاق الوقت سوف أؤجل بعض المسائل إلى لقاء آخر.
أولاً: قبل أن أدخل إلى الموقف العام والرؤية العامة مما يجري في سوريا وينسحب على ذلك بعض القضايا التفصيلية التي تمس بشكل مباشر اللبنانين والشأن اللبناني، يجب أن أوضح وأقول مقدمة: أنه خلال الاسابيع الماضية قيل الكثير وتم استنفار إعلامي وسياسي واسع جداً، يعني لم يتركوا (أي) سياسي، صحفي، شاعر، كاتب، عالم دين، رجل دين، شيخ، سيد، حجة، أستاذ، كل شيء ممكن خلال الأسابيع القليلة الماضية أن يقال قيل من الآخرين وليس منا، الآن ستتركون لنا المجال لنتحدث قليلاً، كل ما يمكن أن يكتب كُتب، كل ما يخطر في البال وما لا يخطر في البال.
أيضاً قيل، وأحيانا بطريقة حادة وقاسية، ونحن كنا نستمع إلى كل هذه الأجواء وإلى كل هذه الأقاويل وكل هذه المناخات وكل ما حصل هو محاولة بكل الأحوال للمس بموقفنا، برؤيتنا، بموقعنا، بحركتنا، بسلوكنا، بإرادتنا، بوعينا، بأعصابنا، بعواطفنا، بعقولنا، ولكن كله فشل وسيفشل.
وهذه ليست هي المرة الأولى التي نواجه فيها حرباً نفسية من هذا النوع في موضوع كهذا وفي قضية كهذه، نحن منذ ثلاثين عاماً نعيش في قلب الحرب النفسية، في كل يوم وكل ساعة وكل لحظة، كما نعيش في قلب الحرب الأمنية في كل يوم وكل ساعة وكل لحظة، نعم، والمواجهات العسكرية بين الحين والاخر.
ومن جملة الأمور التي تم التركيز عليها وأود أن اشير فقط إلى هذه الجزئية إلى أن أعود إلى موضوعي الأساسي لأن هذه من الاكاذيب التي يظنون أنها يمكن ان تؤثر، هو الحديث عن قوافل الشهداء وأعداد الشهداء. في الأسابيع الأخيرة بعض اللبنانيين، بعض وسائل الإعلام اللبنانية والعربية فتحوا مزاداً علنياً، واحد يقول خمسين شهيد، واحد مئة، مئة وثمانية وثلاثون، مئة وثلاثة وثمانون، مئتين، ثلاثمائة، خمسميئة.
امس لوحدها فقط قناة العربية نقلاً عن مصادرها قتلت لنا 30 شهيداً، أنا جمعت ما تقوله ـ خصوصا قناتا العربية والمستقبل ـ وما تذكره قنوات اخرى ومواقع الانترنت خلال أشهر قليلة ـ لانه لديهم معدل يومي، يقتلون منا ثلاثين وأربعين وخمسين وتحدثوا أيضاً عن مقابر جماعية وعن إخفاء لاجساد الشهداء وتشييع بالتقسيط ـ أنا جمعت العدد، يعني ما لايقل ـ كما يفترضون ـ نحن خلال هذه المدة لدينا ما لا يقل عن 1000 شهيد، يا أخي اقسمهم إلى النصف، 500 شهيد، بالله عليكم انتم لبنانيون تعرفون هذا البلد بلد صغير ما فيه شيء مخبأ، الإعلام موجود حتى ضمن القرى وحتى في الزواريب، من يستطيع أن يخفي 500 شهيد أو 1000 شهيد أو 100 شهيد أو 50 شهيدا؟ من يستطيع أن يخفي هؤلاء عن شعبه وعن مجتمعه وعن أهل القرى وعن عائلاته، نحن ليس لدينا سوابق من هذا النوع. لم نخفِ في يوم من الأيام شهداءنا ثم نشيعهم بالتقسيط. أنا اقول لكم بكل صدق وجدية أن أي أخ من إخواننا عندما يسقط شهيداً في أي مكان من الامكنة عائلته تأخذ علما ويشيّع في اليوم التالي، وأحياناً عائلته تأخذ علماً قبل أن نعرف نحن، لأنه موجود في هذه الأيام التلفونات والانترنت وكله مفتوح
هذا أمر سخيف وهذا أمر استخدم كجزء من الحرب النفسية وكل الذين تحدثوا بهذا الأمر تحدثوا بلا علم ـ إذا أردت أن أحسن الظن ـ أو مشتبهين. ولكن كلا، هناك كذب متعمد في هذا السياق، والقاعدة التي تسير في هذا الوضوع وفي غيره اكذب اكذب اكذب، عندما يكذبون في الليل وفي النهار قد يصدقهم بعض الناس، وإن كانت قواعدنا وعوائلنا وجمهورنا لا يصدقون الكذب، وهم اعتادوا على كذبهم أيضاً خلال سنوات طويلة جداً، من يستشهد منا نشيّعه علناً، كل من سقط شهيد منا في أي مكان من الأمكنة وخصوصاً هؤلاء الشهداء في الأسابيع الأخيرة ومن سبقهم من إخوانهم نعتز بهم، نحن لا نخجل بشهدائنا، لا نستحي بشهدائنا، نحن نعتز بهم، نرفع رؤوسنا بهم كما تفعل عائلات الشهداء، وكل هذه الأجواء التي افتعلت هي أجواء غير صحيحة. وانا هنا بالمناسبة أود أن أتوجه إلى عائلات الشهداء الكرام والعظام والذين زارهم إخواني في قيادة حزب الله ومسؤولين مختلفين ونقلوا لي رسائلهم ومشاعرهم، أنا اشكرهم على موقفهم، على صبرهم، على بصيرتهم، على وعيهم التاريخي، وهذا هو أملنا بهم، وكل ما نقل عن آباء الشهداء وأمهات الشهداء وعوائل الشهداء يزيدنا يقيناً وعزماً على مواصلة الطريق.
أحببت أن أشير إلى هذه الجزئية قبل أن أنتقل إلى الموقف العام، في الموقف العام في الموضوع السوري لانني منه سأنتقل لبعض التفاصيل، مثل ريف القصير ومثل السيدة زينب ومثل موضوعات عديدة يمكن أن نتحدث عنها قليلاً
خلال عامين في الموقف العام:
أ- أهداف ما يجري في سوريا باختصار شديد يجب أن نعلق عليها، إذا أخذنا بعين الاعتبار خلال عامين مجريات الميدان والوقائع والأحداث وأيضاً المواقف الدولية الأمريكية والأوروبية، المواقف الإسرائيلية الواضحة، مواقف القوى الاقليمية، مواقف القوى المعارضة السورية والجماعات المختلفة التي تقاتل في سوريا ومجمل الأحداث والتطورات، يصل الانسان إلى استنتاج قاطع أن ـ عندما نريد ان نبني موقف يجب أن نبني على رؤية على فهم على تحليل ـ الهدف مما يجري في سوريا لم يعد فقط إخراج سوريا من محور المقاومة، هذا ما كنا نقوله في البداية، الموضوع أصبح أكبر من ذلك، لم يعد فقط إخراج سوريا من محور المقاومة ومن معادلة الصراع العربي – الاسرائيلي، وأيضا لم يعد الهدف فقط اخذ السلطة بأي ثمن من النظام الحالي والقيادة الحالية، بل يمكن القول بشكل قاطع إن هدف كل الذين يقفون خلف الحرب في سوريا هو تدمير سوريا كدولة وشعب ومجتمع وجيش.
النتيجة الميدانية، أولاً حتى لا تكون في سوريا دولة قوية مركزية، الجيش قوي، حتى تصبح سوريا دولة فاشلة، دولة عاجزة، حتى عن أن تأخذ قرارات ترتبط بنفطها أو غازها أو بحرها أو أرضها أو حدودها أو سواحلها، كما يحصل الآن في بعض دول ما يسمى بالربيع العربي، ولا أريد أن أدخل في الأسماء، ويمكنكم أن تتابعوا تصريحات قيادات كبيرة في الدولة الحالية وفي المعارضات السابقة، ويتحدثون عن دول محددة تمنع قيام جيش، تمنع قيام دولة مركزية. الصورة الفضلى في أي بلد هي وجود جماعات مسلحة، كل جماعة تقتطع جزءاً من هذه الأرض، هيكل دولة، شكل دولة ضعيفة هشة، وهذه الجماعات المسلحة كل واحدة منها موصولة بجهاز مخابرات وبدولة عربية أو غربية وتتحكم بمصير تلك الدولة ونفطها وغازها وخيراتها، وتترك شعب تلك الدولة للتقاتل والتناحر والخصومات وعدم الاستقرار الامني، هذا أولاً.
وأنا أحب من من يسمع من السوريين ومن لا يسمع أن يعرفوا أن المطلوب أن لا تقوم لهم دولة مركزية قوية في المستقبل، بمعزل عن الحكومة التي تدير بلدهم في المستقبل، القيادة الحالية أو غيرها. وأبعد من ذلك هم يريدون أيضاً تدمير سورية حتى تشطب من المعادلة الإقليمية. بعض الدول العربية دائماً كانت تتهم سورية أنها تمارس دوراً إقليمياً أكبر من حجمها الطبيعي، هذا لم يكن صحيحاً.
المطلوب الآن هو شطب سوريا من المعادلة الإقليمية ومن التأثير الإقليمي، سوريا التي كانت بشكل أو بآخر شريكة بما يحصل أو بتداعيات ما يحصل أو برسم خطوط أو توجهات على مستوى المنطقة، في لبنان، في فلسطين والعراق وأماكن أخرى من المنطقة، يراد لها أن تتحول إلى سورية المهشمة الجائعة المدمرة المتقاتلة والتي يصبح فيها كل سوري لا يملك وقتاً أو "نفساً" ليفكر بما يجري بالاقليم، هذا هدف ما يجري الآن في سورية، بمعزل عن الاستهداف وتشخيص الهدف، طبعاً (قد يسأل البعض) أن بعض مّن المعارضة السورية يعرفون هذا، نعم كثيرون منهم يعرفون هذا، كثيرون منهم قد يسيرون مع هذا الهدف من حيث يعلمون أو لا يعلمون.
بمعزل عن الاستهداف، ما يجري الان في سورية هو مستمر، يحمل الكثير من الأخطار والتحديات والتهديدات والاذى لسورية نفسها، للقضية الفلسطينية كما كنا نقول في الأيام الأولى، الآن ما يحاك للقضية الفلسطينية، ما يعدّ في مرحلة التعب والضبابية ومجهولية المستقبل لدى الفلسطينيين، في مرحلة العتوّ الاسرائيلي، وعودة الأميركيين بقوة إلى المنطقة بفعل الفتنة التي أشعلها البعض، القضية الفلسطينية اليوم تواجه خطر تصفية رسمي حقيقي، انعكاسه على لبنان، "ما نتخبى وراء اصبعنا في لبنان"، على لبنان والعراق الاردن وتركيا وكل المنطقة، ولا يجادل في هذا إلا مكابر، فيما تتربع اسرائيل على عرشها وتستنفر قواتها وتنتظر أن تأخذ زمام المبادرة لتجني الثمار، وعلى مرأى ومسمع منا جميعاً،
ثالثاً: منذ البداية إلى اليوم، هذه سورية يوجد صراع فيها، من هو خارج سورية أو حتى داخلها من أصدقاء أو مؤيدين سواء كنا أصدقاء أو مؤيدين ـ طبعاً تحتها خطين ـ للطرف الآخر الذي يقاتل النظام والذي يعارض النظام، أو الأصدقاء والمؤيدون الذي يقولون إنهم لا يوافقون على إسقاط النظام في سورية ولا يوافق على القتال في سورية ونحن جزء من هؤلاء، كان يوجد دائما اتجاهان:
الاتجاه الأول ذهب إلى أبعد مدى، إسقاط النظام. ولهذا الامر، ذهب إلى الخيار العسكري، وكان يعلق آمالاً كبيرة على الخيار العسكري. القتال والقتل والاستنزاف وابشع أنواع القتال أيضاً من ذبح وقطع رؤوس وإلقاء من على الأسطح، وصولا إلى استدعاء التدخل الدولي العسكري، استدعاء سياسي وميداني، وما لعبة السلاح الكيمياوي في الأيام الأخيرة إلا محاولة أيضاً جديدة لاستدعاء تدخل خارجي، ليأتي هؤلاء ويدمروا سورية، كما دمرت من قبل دول أخرى. يؤيد هذه الإتجاه أو جزء من هذا الاتجاه علماء وقيادات وجماعات، وهناك من أصدر فتاوى حادة، ما زالت تذاع حتى الآن على الفضائيات وموجودة في مواقع الإنترنت بالصوت والصورة. حتى بعض ممن يعدّون من كبار العلماء ويصنفون في خانة الاعتدال أصدروا فتاوى غريبة عجيبة، حتى بالمنطق الشرعي، وأنا لا أريد أن أدخل بنقاش فقهي أو تخصصي في هذا الأمر، يُسأل أحد هؤلاء العلماء الكبار، هل يجوز استهداف من يؤيد النظام السوري؟ حتى يُسأل كل العسكريين يجوز قتلهم؟ مع أنه يوجد عسكريون قد يفكرون بالانشقاق ولم تتح لهم الفرصة، حتى هؤلاء المساكين صدرت الفتوى فيهم، فيأتي الجواب : "كيف أعرف؟ من أين أعلم؟ الذين يعملون مع السلطة يجب قتالهم جميعاً، عسكريين ومدنيين، علماء جاهلين كلهم"، ثم يقول: "الذي يكون مع هذه السلطة الظالمة الجائرة المتجبرة ـ الأمانة العلمية تقتضي أن انقل كامل النص ـ المتجبرة في الأرض التي قتلت الناس بغير حق هو ظالم مثلها يأخذ مثلها حكمها فكل من يقاتل يجب أن يقاتل هؤلاء"، يعني علماء مدنيين عسكريين جاهلين كلهم، صدرت الفتوى بالجميع، وبعد ذلك اذا كان هناك أناس مظلومون يدخلهم الله إلى الجنة. هكذا نحن واجهنا خلال عامين سيلاً من الفتاوى، سيلاً من إعلانات الجهاد، لم يكن جديداً. منذ عامين هناك فتاوى وبيانات تصدر ودعوات إلى الجهاد، وتحريض على "الجهاد" وهذا ليس امراً جديداً، ليس له علاقة باتهام حزب الله أنه يتدخل أو لا يتدخل في سورية، هذه الفتوى التي أنقلها هي منذ بدايات الأحداث، يعني الموظف في الدولة السورية التي يريد أن يصلح الكهرباء نتيجة الانقطاع في هذه المحافظة أو تلك، الآن يقتل بهذه الفتوى، اذا عامل بلدية ينظف الطريق يقتل لأنه يعمل مع النظام السوري، إذا كان انسان مدني يعمل بمستشفى أو مركز صحي أم مهندس زراعي، انتهى، نحن نعرف هذه الفتاوى، يقولون لك، كل موظف في هذه الدولة الظالمة دمه مباح، حسناً، العلماء يقتلونهم ويخطفونهم، رجال الدين الناس العاديين، يجدون فتوى لكل هؤلاء، حسناً إلى أين يؤدي هذا الاتجاه؟ إلى تدمير سورية.
الاتجاه الثاني، والذي نعتبر أنفسنا جزءاً منه، هو الدعوة منذ اليوم الأول، التنبيه منذ اليوم الأول إلى خطورة ما يجري في سورية، على سورية وشعبها، على مسلميها ومسيحيها جميعاً، على لبنان، على القضية الفلسطينية، على العراق والأردن وتركيا والمنطقة، وكنا ندعو دوماً إلى الحوار السياسي، الحل السياسي والتسوية السياسية، وأنا أريد أن أسألكم جميعاً، هل يوجد في هذا الاتجاه، من علماء هذا الاتجاه الثاني، سواء كانوا شيعة وفيهم شيعة أو سنة ومنهم سنة أو مسلمون أو مسيحيون، هل يوجد من أطلق فتوى تقول إن كل من يعمل مع المعارضة السورية وكل من يؤيد المعارضة السورية دمه مباح؟ اقتلوهم؟ عسكريين مدنيين علماء جاهلين، فلتأتوا لي بعالم أصدر فتوى من هذا النوع، لأن هذه فتوى ليس لها علاقة لا بالدين ولا بالفقه ولا بالشريعة ولا بمصالح المسلمين ولا بمصالح الأمة. وإنما كان هذا الاتجاه الثاني دائماً يدفع باتجاه الحوار والحل السياسي.
أصحاب الاتجاه الأول، كانوا دائماً يرفضون الحوار والحل السياسي، ويصرون على إسقاط النظام، ويقومون بحسابات خاطئة.
حتى في هذه النقطة يوجد أصدقاء سورية، ممن يسمي نفسه بأصدقاء سورية، ويدفع بالمزيد من المال والسلاح والتحريض والدعوة إلى التدخل العسكري الدولي، وحتى إذا كان يوجد أحد في المعارضة السورية يفكر بالحوار السياسي يقمع، وأنا اعرف ذلك وعندي أسماء ومعطيات، وفي مرحلة من المراحل لم يكن أحد من العارضة السورية ـ خصوصاً من الموجودين في الخارج ـ يجرؤ أن يتحدث عن حوار سياسي، لا يجرؤ، يخاف من هذه الدول التي ترعى الحرب ومن الجماعات المسلحة التي تدير هذه الحرب.
هناك نوع ثانٍ من أصدقاء سورية، منهم إيران وروسيا والصين ودول البركيس ودول أخرى، وهي تدعو من اليوم الأول من الحوار وتدفع باتجاه الحوار.
رابعاً، وتحت هذا العنوان أيضا في الوقائع الميدانية حصلت حسابات خاطئة ورهانات خاطئة على الوقائع الميدانية، وأنا لا أتكلم كتحليل، كثيرون من الذين التقوا برؤساء وأمراء وشيوخ ووزراء خارجية دول تحارب الآن في سوريا بالواسطة، سمعوا تقديرات واضحة تقول إن النظام يصمد شهرين وبعد ذلك جددوا له شهرين وبعد ذلك ثلاثة أشهر وبعد ذلك قالوا شهر رمضان الذي مضى قبل أن يقولوا شهر رمضان الحالي الذي مضى منذ بضعة أشهر، وكل جمعة أو جمعتين يطلون على الفضائيات العربية ويقولون معركة الحسم في دمشق، والأمور لا تسير هكذا.
حسناً مر عامان على الحرب والقتال الدامي في سورية، إلى أين ستؤدي الوقائع الميدانية؟ هناك من يضغط، وخصوصاً في الأشهر القليلة المقبلة، فلنكن صريحين، بعض الناس ينتظر أن قمة اوباما بوتين وتندفع الأمور إلى أسوأ مرحلة من أجل فرض وقائع سياسية من خلال الوقائع الميدانية، حسناً إلى أين يمكن أن تصل سورية في هذه الحالة؟
أنا أحب هنا أن أخرج بالموقف حتى لا أبقى في مناقشة الرؤيا، بناءً على هذه الرؤيا أنا أستطيع أن أقول لهم، أنتم لن تستطيعوا أن تسقطوا دمشق، أنتم غير قادرين على إسقاط النظام عسكريا،ً المعركة طويلة ونحن لا ندعو وكل اتجاهنا وفريقنا الدولي والإقليمي والمحلي والإسلامي والشيعي والسني والدرزي والمسيحي والعلوي والذي تريدون، لم نكن في يوم من الأيام ندعو حتى النظام إلى حسم عسكري لو كان يقدر على الحسم العسكري ولا نحرض في اتجاه من هذا النوع أيضاً لأسباب لها علاقة بالرؤيا والموقف الشرعي، ولكن نحن نقول لكم أنتم بالقدرة العسكرية غير قادرين على إسقاط النظام عسكريا.
بعد مضي سنتين ومن خلال وقائع الميدان ـ ولا تلتفتوا إلى ما يحكى في الفضائيات العربية ولا بالعالم التي تكذب على بعض ـ من خلال الوقائع ـ المعلومات والمعطيات الميدانية لا قدرة فيها على هذا الموضوع. مع العلم أنكم ما زلتم تقاتلون الذي يقاتلونكم وتقاتلونه ـ وأيضا دفعاً لبعض ما يقال في الإعلام ـ هو الجيش السوري والقوات الشعبية الموالية للنظام في سوريا، حتّى هذه اللحظة لا توجد قوات إيرانية في سوريا والكل يعرف هذا، ولم يدّع أحد ذلك إلاّ بعض الفضائيّات العربية للأسف، ولو كان هناك معطيات لدى الأمريكيين أو الإنكليز أو الفرنسيين أو الأوروبيين لكانوا أثاروا هذا الموضوع وصنعوا منه "قصّة طويلة عريضة"، الكل يعرف أنّه لا توجد قوات إيرانية في سوريا، وقد يوجد بعض الخبراء بعدد قليل موجودون في سوريا منذ عشرات السنين قبل هذه الأحداث. مَن تقاتلونهم هم الجيش السوري والقوات الشعبية الموالية للنظام وما يقال غير ذلك من قوات وتدخلات إمّا أساساً غير صحيح أو مبالغ فيه كثيراً.
إذا كان هذا هو واقع الحال حتى الآن فكيف إذا تدحرجت الأمور في المستقبل إلى ما هو أخطر ومِمّا قد يضطر دولاً أو قوى أو حركات مقاومة إلى التدخل الفعلي في المواجهة الميدانية في سوريا.
الموقف الذي أريد أن أقوله أمران:
الأول بالخط العريض ـ ومثلما يقولون ويكتبون في آخر البحث العلمي : فافهم وتأمّل وتدبّر ـ إنّ لسوريا في المنطقة والعالم أصدقاء حقيقيين لن يسمحوا لسوريا أن تسقط في يد أمريكا أو في يد إسرائيل أو يد الجماعات التكفيرية، لن يسمحوا، كيف؟ هذا تفصيله وتفسيره يأتي لاحقاً، وأنا عندما أقول هذا أقوله من موقع المعلومات والمتابعة التفصيلية وليس من موقع التكهن والتحليل والأماني.
الأمر الثاني : إعادة توجيه نداء وليس كلام جديد، إلى الشعوب العربية وإلى الشعوب الإسلامية وإلى الدول العربية وإلى الدول الإسلامية وإلى السوريين جميعاً، من يريد إنقاذ سوريا ومن يدّعي أنّ قلبه يحترق على الشعب السوري بمختلف طوائفه ومن يحزن كل يوم على الدماء التي تسفك في سوريا، من لديه عقل وأخلاق ودين وقيم، من لا يريد أن تضيع القضية الفلسطينية في مشاريع التصفية الجديدة، من يريد مصلحة لبنان من اللبنانيين والعراق من العراقيين والأردن من الأردنيين وتركيا من الأتراك وكل شعوب المنطقة، من يحمل هذا الهم وهذه القناعة، يجب أن يعمل لإيجاد حوار سياسي وتسوية سياسية وحل سياسي، هذا هو الطريق الوحيد، من يريد أن يحل مشكلة ومأساة النازحين ـ الأردن تطلب اجتماعا لمجلس الأمن ولبنان يصرّخ ـ كل الوعود لم يحقق منها شيء، لبنان ينوء بمليون نازح، الحل الجذري لمشكلة النازحين هو أن يعودوا إلى قراهم وبلادهم وبيوتهم أعزاء كرماء شرفاء أحراراً، هذا طريقه التسوية السياسية، والواجب الشرعي والسياسي والقومي والوطني والأخلاقي هو أن يعمل الجميع لتسوية سياسية ولحل سياسي.
وأما استمرار الرهان، وأنا لا أقول هذا لأنّ بعض الناس يمكن أن يفهموا الأمور خطأ كلا ، نحن منذ اليوم الأول ندعو إلى هذا واليوم ندعو أيضا له ونؤكد أن الرهانات على الخيارات العسكرية هي مغامرات كبرى ولن توصل إلى مكان وستؤدي إلى المزيد من الأضرار والنزف بشعوب المنطقة وبكل مصالح الأمةّ من مسلمين ومسيحيين، من يفكر بالمسلمين ومن يفكر بالمسيحيين ومن يفكر بالشيعة والسنة يجب عليه أن يعمل ليكون هناك حل سياسي وتسوية سياسية حقيقية في سوريا وبأسرع وقت ممكن.
ما أعرفه في هذا السياق أنّ النظام أعلن منذ وقت طويل استعداده للحوار والتسوية السياسية، وما أعرفه أيضا أنّه قد أبلغ أيضا الجهات الروسية أسماء الوفد السوري الممثل للنظام في الحوار، لكن الطرف الآخر ما زال يرفض الحوار ويرفض التسوية السياسية ويضع شروطا معطلة لأي حوار ويدفع الأمور باتجاه المواجهة الكبرى والتدخل العسكري الدولي، وكلنا شاهدنا رئيس الإئتلاف المستقيل في اليوم الأول عندما أعلن استعداده للحوار كيف تمّ تخوينه والهجوم عليه بقساوة لأنه فقط تحدث بمفردة الحوار.
الحل اليوم الذي يحقق مصالح سوريا وشعبها وجيشها ومستقبلها وحاضرها وموقعها الإقليمي ومصالح اللبنانيين ومصالح الفلسطينيين وشعوب المنطقة هو هذا الإتجاه، وأي إصرار على رفض الحوار وعلى رفض الحل السياسي ودفع الأمور هو طبعاً... بماذا نحكم على أناس يفكرون بهذه الطريقة. هذا في الموقف العام وفي الرؤية العامة، هكذا كنّا نرى الأمور وما زلنا نرى الأمور، لم يصدر من كل هذا الإتجاه المؤيد فتاوى تستبيح دماء الناس، وللأسف الشديد في الإتجاه الآخر دول وحكومات ومشايخ وحتى سياسيين أصدروا فتاوى إباحة الدماء بناء على موقف سياسي وعلى رؤيا سياسية.
بموضوع ريف القصير، تحدثت سابقا حول هذا الأمر، وذكرت أنّ هناك ما يزيد عن ثلاثين ألف لبناني موجودين في عدد من البلدات وبينهم مسلمون ومسيحيون، فالموضوع ليس فقط أبناء طائفة واحدة، وقلت إنهم مستهدفون وأنهم استهدفوا وتعرضوا لحرق بيوتهم ولإحتلال بعض الضيع والقتل والخطف ومنعهم من الذهاب إلى أعمالهم وإلى حقولهم ومهددون بأصل وجودهم في تلك القرى، وهذا التهديد لم أخترعه وهو موجود في الهواتف والرسائل ومواقع الأنترنت وبما كان يشن من حروب نفسية على هؤلاء السكان في تلك المنطقة. زاد في الأمر خطورة في الأشهر القليلة الماضية أنه نتيجة الوقائع الميدانية هناك اضطر الجيش السوري إلى إخلاء بعض المناطق أو الإنكفاء منها وبالتالي صار هؤلاء الناس وجها لوجه أمام الجماعات المسلحة.
في كلام سابق أيضاً أنا قلت: نحن دائماً كنا ندفع بسكان هذه البلدات وهذه القرى إلى الاتفاق مع الجوار، إقامة هدنة ، وكلما كانت تعرض هدنة أو مصالحة كنا ندفع ونؤيد بهذا الاتجاه، ولكن كانت تأتي الجماعات المسلحة وتسقط أي اتفاق هدنة وأي مصالحة تحصل بين السكان في تلك المنطقة، لأن مشروعهم شيء آخر. هم ليس لديهم مشروع محلي.
خلال الفترة الماضية تصاعدت وتيرة الاعتداءات على هذه القرى، بل أكثر من ذلك، هناك معلومات قطعية وأكيدة ويمكن أن يأتي يوم نقول فيه الأسماء والأرقام والتفاصيل، وبعض اللبنانيين متورط في هذا الأمر، وهو تحضير أعداد كبيرة من المقاتلين للسيطرة على هذه البلدات التي يسكنها اللبنانيون، وكان من الطبيعي أن يقوم الجيش السوري والقوات الشعبية المؤيدة له وسكان هذه المنطقة وأن تقدم لهم أيضاً المساعدة المناسبة أو الممكنة لمواجهة هذا التهديد فحصل ما حصل في الأسابيع الماضية في ريف القصير ولم ينتهِ بعد، لأنه ما زالت هذه القرى وهذه المناطق تتعرض أيضاً للاعتداءات وللقنص وللقصف وللعمليات. على كل، فحصل ما حصل وانقلب السحر على الساحر.
قام الصراخ في البلد هنا، وحصل كلام كثير، طبعاً، جزء من الكلام الذي صدر قدّر بأن هذا رد فعل، هناك أناس خرجت تفتي بالجهاد وتدعو إلى إرسال مقاتلين إلى القصير وإلى سوريا، وأنا أحب هنا (أن أذكّر) "حتى ما حدا يربح حدا جميلة" في لبنان منذ سنتين كل من يستطيع أن يعطي فتوى، يقدر أولا يقدر، الفتاوى والخطابات والتحريض وإرسال المال وإرسال السلاح وإرسال المقاتلين ليس فقط عبر الحدود، وإنما عبر تركيا وعبر الأردن وعبر العراق، كل شيء يستطيعون أن يعملوه في لبنان في سوريا عملوه. لا أحد يقدّم نفسه أنه مدني وحضاري ولديه موقف سياسي وهو ناءٍ بنفسه، وإن كنتم تحبون في يوم من الأيام، نجلب لكم التفاصيل وأرقام وأسماء وهذا الأمر يأتي وقته.
الذي حصل بعد ريف القصير أنه ـ نعم ـ بعض ما كان يقال في غير العلن قيل في العلن، وإلا هناك لبنانيون قاتلوا في السابق، وشاركوا أيضاً في الاعتداءات على اللبنانيين في ريف القصير.
صدر كلام آخر يقول إذا أحد ساعد في ريف القصير من كلفكم أنتم؟! هذه مسؤولية الدولة. نحن نقول دائماً هذه مسؤولية الدولة، لكن ماذا فعلت الدولة؟ وحتى لا أحمّل الدولة اللبنانية ما لا تطيق، أصلاً ماذا تستطيع الدولة أن تفعل؟ فلنكن موضوعيين، هل تستطيع الدولة اللبنانية أو الحكومة اللبنانية السابقة أو الآتية أن ترسل الجيش اللبناني إلى القرى السورية في داخل الأراضي السورية التي يسكنها لبنانيون؟ دولة أخرى قد تفعل ذلك، ولكن الدولة اللبنانية بحسب طبيعتها وتركيبتها لا تستطيع أن تفعل ذلك. أقصى ما تستطيع أن تفعله الدولة اللبنانية هو أن ترسل احتجاجاً إلى جامعة الدول العربية. "ما" جامعة الدول العربية هي التي تسلح وهي التي تموّل وهي التي تحرض وهي التي تدير هذه المعركة؟ لمن نتوسل، للجلاد؟ من الطبيعي، من حق هؤلاء كما قلنا سابقاً أن يدافعوا عن وجودهم وعن أنفسهم وأن يقوموا بكل ما يلزم ليثبتوا بقائهم وحضورهم، وأن يحصلوا على المساعدة المناسبة وهذا لا يحتاج إلى قرار من أحد، هذا أمر أخلاقي وإنساني، وهنا نحن لا نتحدث عن لبنانيين من طائفة معينة، نتحدث عن كل اللبنانيين الذين يسكنون في قرى وبلدات في ريف القصير.
في هذه النقطة، أختم وأقول : بعيداً عن كل الضوضاء، نحن بوضوح لن نترك اللبنانيين في ريف القصير عرضة للهجمات وللاعتداءات القائمة من الجماعات المسلحة، ومن يحتاج إلى المساعدة أو المساندة لكل ما يلزم لبقائهم وصمودهم لن نتردد في ذلك.
في النقطة الأخرى التي فيها حساسية أيضاً، موضوع منطقة السيدة زينب (عليها السلام)، لأعطي فكرة عامة، أو أن ألفت عناية الجميع، لأنه أحياناً هناك مشهد كبير ومعقد، لكن تكون فيه تفاصيل حساسة وتفاصيل قد تكون ليست بهذا المستوى من الحساسية. هذه التفاصيل الحساسة خطيرة وكبيرة.
في دمشق هناك منطقة موجودة اسمها منطقة السيدة زينب عليها السلام تحتضن مقاماً منذ مئات السنين للسيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب عليهما السلام . هذا الأمر ليس مهماً كيف تفهمه أنت، المهم كيف يفهمه آخرون. التسامح في هذا الأمر، منذ مدة ضمن الأولويات التي كانت يعمل عليها أن المعارضة المسلحة تأخذ الغوطة الشرقية والغوطة الغربية وتحكم الحصار على دمشق. استطاعت المعارضة المسلحة والجماعات المسلحة أن تسيطر على بعض القرى في الغوطة الغربية في محيط بلدة السيدة زينب (عليها السلام) ، والآن ، وليس الآن منذ أشهر، هناك جماعات مسلحة موجودة في نقاط تبتعد مئات الأمتار فقط عن مقام السيدة زينب (عليها السلام) في الشام. هذا واقع بمعزل من يتدخل ومن لا يتدخل. في حساسية الأمر، نعم هذا أمر له حساسية مفرطة جداً وبالغة جداً. لماذا؟ لأن هذه الجماعات المسلحة، خصوصاً التي تنتمي إلى الاتجاه التكفيري هي أبلغت رسائل واضحة وهددت وحتى على المواقع الأنترنت أنه "إذا دخلنا وسيطرنا على هذه البلدة سندمر هذا المقام". هل يصدقون؟ نعم يصدقون، لأن هم لديهم مشكلة عقائدية وفقهية في هذا الموضوع، وشاهدنا في مالي ورأينا في ليبيا ورأينا في تونس وفي مصر وفي الصومال، هؤلاء عندما يدخلون إلى بلد قبل أن يبحثوا كيف يحققون للناس الأمن والسلام والاستقرار والماء الصحي ولقمة العيش ورغيف الخبز والكرامة الانسانية يبحثون أين يوجد ضريح أين يوجد قبر أين يوجد مقام ويعتبروها أصناماً وأوثاناً ويقومون بهدمها، وهذا الأمر قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة جداً.
لا يقول أحد ما إننا نبالغ، في السابق قام التكفيريون في العراق بتفجير مقام الإمامين العسكريين في سامراء، وكلنا نتذكر تلك الأيام السوداء مما أدى إلى تداعيات خطيرة في العراق وفي خارج العراق، وهنا في لبنان لولا الجهد المضاعف والمكثف من قبل الشيعة والسنة والعلماء والقيادات والسياسيين لاستيعاب الموقف كان يمكن أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة. في السيدة زينب لا أحد يختبئ خلف أصبعه، إن قيام أي جماعات تكفيرية بتفجير أو هدم هذا المقام ستكون له تداعيات خطيرة جداً وستخرج الأمور عن سيطرة الجميع، لا أنا ولا أنت نستطيع أن نفعل شيئاً.
ولذلك، أنا أقول هنا عدة مسؤوليات:
المسؤولية الأولى على جماعات المعارضة السورية، لا يكفي الائتلاف السوري المعارض أو جهات سياسية معارضة أن تصدر بيانات وتقول نحن نرفض ونحن ندين التعرض لهذا المقام أو للمقدسات لنا أو لغيرنا في سوريا ، هذا الحكي أين يصرف، لا يصرف في مكان، لأن الجماعات المسلحة الموجودة على الأرض هي لا تصغي لكل هذه الائتلافات الموجودة في الخارج.
الدول التي تقف خلف هذه الجماعات التكفيرية والتي تمولها والتي تسلحها هي تتحمل مسؤولية، وهي التي يجب أن تمنع هؤلاء من الإقدام على خطوة خطيرة بهذا الحجم وبهذا المستوى، هذا هو الموقف المطلوب.
وفي المقابل هناك من يدافع عن هذه البقعة، ومن يستشهد دفاعاً عن هذه البقعة، وهؤلاء هم الذين بدفاعهم ودمائهم وشهادتهم يمنعون الفتنة المذهبية، وليس هم الذين يفتحون الباب للفتنة المذهبية، هم الذين يمنعون الفتنة المذهبية. نعم، هذا المقام الشريف هو لكل المسلمين هو للسنة وللشيعة، ونحن لا نتهم السنة أبداً. أنا الشيعي لا أتهم السنة، في حادثة تفجير مقام الإمامين العسكريين (عليهما السلام) تذكرون جيداً نحن قمنا بتظاهرة ضخمة في لبنان وأنا وقفت خطيباً وقلت للشيعة في لبنان وللشيعة في العالم، المشكلة ليست عند إخواننا أهل السنة، لأن مقام العسكريين كما هو مقام السيدة زينب هو في رعاية وحماية وعناية أهل السنة منذ مئات السنين، ولكن مشكلتنا هي مع الجماعات التكفيرية التي تقتل وتدمر وتذبح السنة والشيعة، أضرحة السنة وأضرحة الشيعة، وتكفّر السنة والشيعة. هؤلاء ما هو السبيل لمنعهم من أن يدفعوا السنة والشيعة إلى الفتنة وإلى القتال، هو أن نقف في وجههم جميعاً، من موقع علمي، من موقع فتوائي، من موقع سياسي، وحتى إذا اضطر الأمر من موقع ميداني بأن يقف مجاهدون شرفاء ليمنعوا سقوط بلدة السيدة زينب أو مقام السيدة زينب وإقدام التكفيريين على هدم هذا المقام لأن له تداعيات ومخاطر كبيرة جداً.
أنا رأيت بعض التلفزيونات في لبنان أجرت حوارات تفيد أن المدفونة في الشام ليست السيدة زينب، السيدة زينب مدفونة في مصر. الآن ليس وقت هذا الترف الفكري، هل هذا يغير شيئاً في المعادلة؟ هذا لا يغير شيئاً في المعادلة. تجري تحقيق علمي وتحقيق تراثي، هناك وجدان عند مئات الملايين من المسلمين يتعاطون مع هذا المقام على أنه مقام شريف ومبارك ومقدس. "بلا هذا اللعب وتضييع الوقت". إذا أحد في لبنان أو غير لبنان يحمل مسؤولية هناك دول لن أسميها الآن، يأتي وقت ونسمّي. هناك دول تمول وتسلح وتطلب أيضاً من هذه الجماعات التكفيرية الإقدام على خطوات من هذا النوع، عليها أن تردع هؤلاء، وهناك أيضاً في الميدان من يردعهم، وهذا الأمر لا يأخذ إلى فتنة مذهبية، هذا هو الذي يحمي الجميع من الفتنة المذهبية. الفتنة المذهبية تفتح أبوابها إذا تساهلنا بهذا الامر واكتفينا بكلمات وبأدب وبشعر وبترف فكري من هنا ومن هناك.
كلمة أخيرة في موضوع مخطوفي أعزاز وأختم، يوجد بعد نقطتين أؤجلهم، اللبنانيات نحكيهم إن شاء الله بعد عدة ايام.
في موضوع مخطوفي أعزاز، طبعاً إستمرار هذه القضية إلى اليوم مؤلم جداً، مشهد الأهالي والنساء والأطفال ينتقلون في إعتصامهم من شارع إلى شارع ومن مكان إلى مكان، أيضاً مؤلم جداً.
الدولة حتى الآن لم تصل إلى نتيجة، الامر الذي يستدعي التوقف هو ان من يخطف أشخاصاً ويبقيهم على قيد الحياة، يعني هو خطف، هو لا يريد أن يقتل، هو يفعل فعل الخطف من أجل هدف معين، ما هو هدف هؤلاء الخاطفين؟
واقعاً حتى الآن لا يوجد فهم في لبنان ورؤية في لبنان لهدف هؤلاء الخاطفين. ماذا يريد هؤلاء؟ هل يريدون فدية، هل يريدون مال، هل يريدون تبادل على سجناء في سوريا، هل يريدون ضغط سياسي.
إذا كان المقصود ضغط سياسي، هذا فشل منذ الايام الاولى. نحن نتيجة موقفنا في سوريا الذي ينطلق من رؤية وطنية وقومية وإسلامية ورؤية إستراتيجية لها علاقة بكل المنطقة، لا يستطيع أحد أن يضغط علينا أو على موقفنا من خلال هذه الممارسات غير الانسانية.
طيب، ماذا تريدون؟ تريدون مالاً ، قولوا نريد مالاً، ممكن أحد أن يخرج ويقول هم قد طلبوا مالاً، ممّن طلبوا مالاً؟ وهل هذا الطلب الذي نقل هو طلب صحيح أو غير صحيح نحن لا نعلم. تريدون سجناء، سمعنا في الايام الماضية أو الاسابيع الماضية أنهم يطلبون السجينات في السجون السورية، طيب أنا إتصلت بمسؤولين في الدولة اللبنانية قلت لهم تأكدوا، "شيّكوا هذا الموضوع"، إذا هذا الموضوع صحيح، أنا حاضر، أنا أذهب إلى دمشق وأتحدث مع القيادة السورية في هذا الامر لإنهاء هذا الملف، لكن بعد ذلك يظهر في الاعلام نفي أنهم لم يطلبوا. طيب، أنتم ماذا تريدون؟ ما هو طلبكم؟ إلى أين تريدون أن تصلوا بالامور؟ التظاهر والاعتصام هنا وهناك قد لا يحل مشكلة، تفاوض الدولة اللبنانية على مدى أشهر طويلة وسعيها مع السعودية وقطر وتركيا ودول أخرى، حتى الآن لم يؤدّ إلى نتيجة. هل تتصورون انه نحن نستطيع أن نبقى ننتظر هكذا ونشاهد النساء والاطفال ينتقلون من شارع إلى شارع وتستمر هذه المأساة دون أن نحرك ساكناً. هل تتصورون ذلك، إلى أين يراد دفع الامور في هذا الملف، هل.. هنا في الحقيقة تأتي فكرة معقولة، وتقول هناك من لا يريد للخاطفين أن يقدموا مطلباً يمكن تحقيقه وإنجازه و هناك من لا يريد للخاطفين أن يطلقوا المخطوفين اللبنانيين بإنتظار توقيت سياسي مناسب، ضعوا تحتها "شحطين"، نتكلم "بعدين" أكثر، هذا معيب، إذا يوجد كذلك فرضية، هذا معيب، أخرجوا المخطوفين اللبنانيين في إعزاز من الصراع السياسي، هؤلاء زوار لا جريمة لهم ولا ذنب لهم، كما كان يقال في الماضي نحن الذين تدعون أننا نقاتلكم تقاتلوننا ونقاتلكم، لكن هؤلاء الزوار لا ذنب لهم ولا جريمة. كذلك عندما نتحدث عن بقية المخطوفين من اللبنانيين، من آل المقداد، هناك عائلات لبنانية فقدت أيضاً مخطوفين في داخل الأراضي السورية وهذا ينعكس أيضا على رجال الدين المخطوفين في سوريا، على المطرانين اللذين خطفا في الآونة الاخيرة. في كل الاحوال هذا ملف يجب أيضاً ان نجد له خاتمة ونهاية.
في كل الاحوال، أنا أود أن أختم بكلمة وأقول للبنانيين ولكل من يسمع، نحن لا نريد "مشكل" في لبنان ولا نريد أن ينتقل الصراع إلى لبنان، وأنا أقول لكم أكثر من ذلك، نحن نعرف مجموعات لبنانية إعتدت على اللبنانيين في ريف القصير، نعرفهم بالاسماء ونعرف المجموعات ونعرف من أرسلهم، ولكن لم نحرك ساكناً في لبنان لأننا إلتزمنا منذ البداية، يجب تجنيب لبنان أي مواجهة أي صراع أي قتال، حرصاً لا خوفاً، حباً لا طمعاً، من موقع المسؤولية الوطنية والشرعية والاخلاقية والاخوية، لكن أريد أن أقول للجميع ما يجري في سوريا هو يعنينا جميعاً، وانتهى الوقت أو كاد أن ينتهي الوقت الذي يكتفي فيه اللبنانيون وغير اللبنانيين بالتمنيات وبالتعبير عن العواطف وبإبراء الذمة من خلال إصدار بيان.
الشعب اللبناني، القوى السياسية اللبنانية، المسلمون والمسيحيون على حد سواء، الدولة والحكومة، كل من له علاقات خارج لبنان مع دول مع حكومات أجنبية وعربية، يجب أن يسمعوا جميعاً صوتاً واحداً، وهو يجب أن يقف ما يجري في سوريا، يجب أن تقف الحرب في سوريا. ومن المعيب إذا قام رجل دين كبير بالتعبير عن هذا الموقف، سواء كان مسيحياً أو مسلماً، أن يتهم بأنه سفير للنظام السوري، كل من يعبر عن هذا الموقف، مسلماً كان أو مسيحياً، هو يعبر عن القيم والدين والاخلاق والمصالح القومية والوطنية، وكل من يريد أن يأخذ سوريا ومنطقتنا إلى الدمار هو الذي يجب أن يتهم في عقله و في دينه وفي خلفيته وفي موقعه باتجاه ما يجري في هذه الامة.
وأختم بالقول لا تراهنوا، لا تراهنوا على الميدان، الدفع بالميدان إلى اتجاهات خطرة لن يقف عند حدود، من كان حريصاً على الدماء والاموال والاعراض والمصائر والمصالح الوطنية والقومية يجب أن يذهب ويتحمل مسؤوليته في إيجاد الحل السياسي الكبير الذي ستنعم ببركاته سوريا ولبنان وكل المنطقة. والبقية تأتي لاحقاً إن شاء الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.