كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في حفل التخرج السادس لجمعية نور لتعليم القراءة والكتابة في مجمع شاهد يوم الخميس 15/3/2012
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في حفل التخرج السادس لجمعية نور لتعليم القراءة والكتابة في مجمع شاهد يوم الخميس 15/3/2012
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا خاتم النبيين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الانبياء والمرسلين، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته .
إنني في البداية أتوجه بالشكر الجزيل إليكم جميعاً على حضوركم ومشاركتكم في هذا الحفل الطيب المبارك، كما يجب في البداية أن اتوجه بالشكر إلى جميع الإخوة والأخوات في هذه الجمعية المجاهدة والمقاوِمة، كما قالت الحاجة قبل قليل، وهذا صحيح.
هذه الجمعية هي موقع من مواقع العمل المقاوم والفعل المقاوم والمشروع المقاوم، أتوجه بالشكر إلى جميع الإخوة والأخوات المشرفين والمدراء والعاملين، وكذلك إلى جميع المعلمين والمعلمات الذين كان لهم الفضل في إنجاز هذا العدد الكبير من الدورات التعلمية حتى الآن.
وأيضاً يجب أن أتوجه بالشكر إلى جميع الإخوة والأخوات الطلاب والطالبات، أولا أشكرهم على التحاقهم، على نيّتهم، على عزمهم، على إرادتهم بالإلتحاق وعلى التحاقهم بهذا النوع من الدورات التعليمية. أشكرهم على تصميمهم على الانتقال من حالة الأمية الى الخطوات الأولى على طريق المعرفة والعلم، وأيضاً أشكرهم على ثباتهم في كل المراحل التي انتهت إلى هذا الإنجاز اليوم حيث نحتفل بتخريج هذه الدفعة من الطلاب والطالبات المثابرين والناجحين والذين أنجزوا المهمة وحققوا الهدف.
طبعاً عندما نتحدث اليوم عن عام 2011 عن 600 طالب وطالبة فهذا رقم مهم جداً وإذا أخذنا المجموع منذ البداية الرسمية ـ كما قال سماحة السيد قبل قليل ـ 6800 طالب وطالبة، هذا يعني أننا نحن أمام 6800 شخص وإنسان وشريف إنتقلوا من حالة إلى حالة، وبالتأكيد أنتم شعرتم أن هذا الامر ينقل الإنسان إلى عالم جديد تنفتح أمامه عوالم جديدة من المعرفة، من العلم، من الاطلاع، تتوفر لديه إمكانات جديدة لم تكن تتوفر في السابق، وهذا بالتاكيد سينعكس بقوة وبإيجابية كبيرة على حياة الانسان، على سلوك الانسان، على نظرته الى قدراته وإمكاناته، على ثقته بنفسه وعلى مجمل حياته وسلوكه.
أنا في البداية أود أن أتحدّث كثيراً عن هذا الموضوع الذي هو موضوع الحفل والمناسبة، وهذه المهمة الشريفة ومنها أدخل بكلمة حول الوضع اللبناني وبكلمة حول الوضع العربي بما يطيقه الوقت وطبيعة المناسبة.
طبعاً، في أيماننا والتزامنا وعقيدتنا وثقافتنا وديننا، وهذا الامر في جميع الاديان الساموية في رسالات الأنبياء عليهم السلام، تأكيد كبير وعظيم على أهمية طلب العلم والتعلّم والمعرفة حتى ورد في العديد من الأحاديث الشريفة أنها فريضة. يعني اليوم بعد 1400 سنة هناك من يتحدث في العصر الحديث عن الزامية التعليم، وحتى الآن ما زال هناك نقاش حول هذا الموضوع، وهناك دول في العالم ما زالت تناقش حول هذا الموضوع. ولكن من 1400 سنة جاء رسول الله (ص) ـ وأعتقد أن هذا هو أيضا توجه ودين الانبياء الذين سبقوا نبينا محمداً (ص) ـ ليؤكد أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
أنا أتحدّث عن أمر واجب، ولا أريد الآن الدخول في بحث فني أو فقهي حول هذا الموضوع لأنه يمكن الوصول إلى هذه النتيجة من طرق عديدة وبحيثيّات متنوعة. إذاً، منذ البداية كان الحديث عن إلزامية التعليم، الزامية التعليم ما هي نتيجتها؟ نتيجتها أن لا يبقى أمي في مجتمع ما يلتزم بهذا القانون، بهذا التوجه، بهذه الثقافة.
حسناً، عندما نتحدّث عن طلب العلم، التعلّم وثواب المعرفة والدراسة، فالخطوة الأولى في طريق طلب العلم هي معرفة القراءة والكتابة، يعني محو الامية، الانتهاء من حالة الامية. من يعرف القراءة والكتابة يمكنه أن يتعلّم، أن يتقدّم، أن يتطور، فتنفتح أمامه كل هذه الافاق.
من نِعم الله سبحانه وتعالى على الانسان بعد أن خلقه وأعطاه في جسده وروحه من طاقات وإمكانات وكمالات وإستعدادات، من جملة نِعم الله سبحانه وتعالى بل من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان هو العقل، أعطاه الله قدرة التفكير، الفهم، التحليل، الاستنتاج، ترتيب النتائج على المقدمات، وبالتالي ترتيب سلوكه وحياته على ضوء هذه النتائج، على ضوء هذه الاستنتاجات.
أيضا الله سبحانه وتعالى مكّن الانسان من أن يتلقّى، يعني "ممكن الواحد بحد ذاته عقله شغّال، ولكن منافذ التلقي مقفلة لديه"، الله فتح له إمكانية التلقي، تلقّي المعلومات من خلال السمع والبصر وكل الإمكانات المتاحة، يتلقّى ويفهم ما يتلقّاه، ويتلقّاه بشكل سليم، بشكل صحيح، وليس بشكل خاطىء أو موهوم أو خيالي.
ثم الله سبحانه وتعالى أعطاه أيضاً قدرة التعبير، بتعبير آخر البيان، خلق الانسان ـ علّمه البيان. نرى في هذه الايام شخصاً لديه الفكرة، لديه الإمكانية بعقله، يصل إلى نتائج معيّنة، ولكن لا يستطيع أن يعبّر، ولا يستطيع أن ينقل هذه الفكرة. هذه حالات فردية، ولكن بشكل عام الإنسان يملك هذه الطاقة، طاقة البيان، أن يبيّن ما يجول في عقله، في فكره، في نفسه.
البيان طبعاً له أشكال مختلفة، منها النطق، التلّفظ، الكلام، التعبير اللفظي، مثل ما نفعله الآن "نحن نتكلم مع بعضنا"، ومنها الكتابة ولذلك الله سبحانه وتعالى في بداية الآيات التي نزلت فيما يذكره عن فضله على الناس: "الذي علّم بالقلم"، القلم هو شكل من أشكال التعبير الذي ينقل فكرة من جهة الى جهة أخرى، الرسم، النحت... كل هذه إمكانات عند الانسان للبيان، لتبيين ما يفكر به، ما يجول في خاطره، ما يريد أن يطلبه من الاخرين، ولهذا كان من أهم شروط التطوّر البشري طوال التاريخ. تاريخ الانسان يتطور لأنه يملك العقل، يعني قدرة المعرفة ولأنه يملك قدرة البيان.
التجارب تنتقل من جيل الى جيل، من شعب إلى شعب، من امة إلى أمة. تتلاقح الحضارات، تتلاقى الحضارات، تتراكم كماً ونوعاً، الثقافات والمعلومات والمعارف الخ....
إذاً الخطوة الأولى تبدأ من هنا، لو عدنا إلى الآيات والروايات التي تحث على طلب العلم وفضل طالب العلم فهناك شيء مذهل وكبير، والوقت الآن لا يتّسع لأن نتعرّض لهذا الجانب.
حتى تنفيذياً، في سيرة رسول الله (ص) في أول معركة حصلت مع عبدة الأوثان والأصنام من مشركي قريش وهي معركة بدر والتي انتهت بانتصار المؤمنين والمجاهدين، ووقع عدد من الاسرى، ماذا كان طلب رسول الله (ص)؟ هل كان طلبه المال. لم يكن المال أولوية بالرغم من أن هؤلاء كانوا فقراء وكانت ممتلكاتهم مصادَرة في مكة، ولكن قال كل أسير من هؤلاء إذا كان يعرف القراءة والكتابة فليعّلم عشرة من المسلمين القراءة والكتاية ويطلق سراحه، بدأ موضوع محو الأميّة من ذلك الوقت. حتى المعركة العسكرية، ونحن نتحدث عن مناخ في معركة بدر، يعني معركة مصيرية، يعني كان ممكن للهزيمة فيها أن تؤدي إلى انتهاء المشروع بالكامل، في معركة مصيرية من هذا النوع يبقى الأولوية عند رسول الله (ص) في التعاطي مع نتائج وآثار هذه المعركة في جانب منها وهو موضوع الأسرة، حضور مسألة التعلم القراءة والكتابة للمسلمين الذين كانوا جزءاً من المجتمع العربي الذي هو بأغلبيته الساحقة كان مجتمعاً أميّاً.
اليوم نحن في لبنان، انطلاقاً من هذا الهدي، انطلاقاً من هذه الفكرة، نحن أيضا نعتبر أن لدينا هذا الالتزام وهذه المسؤولية. بالتأكيد بالدرجة الأولى هذه مسؤولية الدولة، الحكومة، الوزارات، الإدارات الرسمية، يجب أن نضع هدفاً على المستوى الوطني ونقول لدينا في لبنان من لا يعرفون القراءة والكتابة.
عندما نعود للوضع العربي في هذا الجانب، هناك مؤتمرات نُظّمت قبل أشهر في الأونسكو وفي أماكن مختلفة من بيروت، وجهات رسمية ومنظمات عربية ولبنانية تحدثت عن نسبة 16 بالمئة من اللبنانيين هم أميون، في بلد مثل لبنان 16 بالمئة رقم كبير، 16 بالمئة في بلد مثل لبنان رقم كبير جداً. نعم من الممكن أن تقول لي في بعض البلدان الأخرى، في إفريقيا أو في آسيا، في مجتمعات لديها ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية مختلفة ربما لا يكون رقماً كبيراً، لكن في لبنان هذا رقم كبير.
في كل الأحوال، يجب أن نضع هدفاً، ونقول إنه على المستوى الوطني يجب أن تتضافر الجهود لتحقيق هدف وهو أن لا يبقى أمي في لبنان. هذا يحتاج للتعاون والعمل على خطين:
الخط الأول الوزارات والإدارات والبلديات، جمعيات المجتمع المدني. الجمعيات الأهلية عليها أن تهتم بهذا الموضوع وتباشره وتنظمه وتدعمه وتعمل به بجدية، وهذه الجمعية هي جزء من هذا التركيب. نحن لا نستطيع أن ندّعي ونقول إن هذه مسؤوليتنا وحدنا ويجب أن نتحملها وحدنا. لا هذه واحدة من باقي الشؤون الموجودة في البلد التي طالما تحدثنا بها سابقاً، أحيانا بعض الجمعيات الأهلية أو بعض القوى السياسية تتصدى لملفات، لو تصدّت لها الحكومة لما أُسِّست من أجلها جمعيات أهلية ولا تصدّت لها قوى سياسية.
بالأصل هي مسؤولية الدولة، الدولة مسؤولة عن هذا الأمر، لكن الوضع في لبنان معروف منذ زمن، لذلك نحن نتحدث عن تعاون، والحمد لله هذا التعاون موجود في الملفات التي سبقت، لكن ما نودّ التأكيد عليه هو تعاون الوزارات المعنية والإدارات المعنية، البلديات وجمعيات المجتمع المدني، القوى السياسية في كل المناطق، التواصل والتنسيق، حتى لو كانت هذه الجمعيات تنتمي إلى اتجاهات سياسية مختلفة.
هذا الموضوع موضوع مقدّس، موضوع إنساني وأخلاقي ووطني، وبالتالي التواصل في هذا الجانب يجب أن يتجاوز الحدود أو الحساسيات السياسية، انتقال التجارب، التعاون، توزيع الأدوار، توزيع المهام، الإستفادة من الامكانيات المتبادلة، هذا أمر يجب أن نضعه جميعاً نصب أعيننا.
والخط الثاني: هو تشويق وتشجيع الذين هم جزء من ال19 بالمئة، يعني الأميين، على الالتحاق بالدورات. لذلك أنا في البداية بدأت بشكر الإخوة والأخوات الذين ينتمون إلى نسب عمرية متفاوتة أنهم أخذوا القرار وجاءوا واشتركوا وحضروا على مقاعد الدراسة لمدة ستة أشهر حتى أنجزوا هذه المهمة. هناك كثر موجودين في البلد، يمكن أن تؤمن لهم المقعد الدراسي والمبنى والأساتذة المتخصصين، ولكن هم ليسوا جاهزين للمجيء. هذه مشكلة تحتاج إلى حل، وبالتالي نحن بحاجة إلى حملة توعية وطنية على هذا الصعيد، أن نقول لهؤلاء إن من مصلحتكم الشخصية، من مصلحتكم الدنيوية، لأنه في الدنيا الشخص يدخل للمتجر ليشتري ما يحتاجه، يقرأ ويكتب، يتعلم، يقرأ الصحف، يرى ما تعرضه التلفزيونات، "قد يقول لي لا والله أريَح مولانا أن لا يقرأ هذه الأيام". مصلحتكم الدنيوية، مصلحتكم الدينية، مصلحتكم الأخروية، مصلحتكم الشخصية، العائلية، الاجتماعية والوطنية هي في أن تتعلموا. (المطلوب) حثّ وتحريض هذه الشريحة من الناس لتأتي.
طبعاً هناك مشكلة تعاني منها هذه الشريحة الكريمة هي أحيانا مشكلة الخجل، خصوصاً عند كبار السن، إنه انا بعد هذه الشيبة أعود لاجلس على الطاولة وأتعلم بالطبشورة واللوح، يأتي استاذ ويقول لي ألف باء؟ انتهت الحكاية؟ لا.
إذا نظرنا في بعض الأحاديث نراها تقول: "أطلب العلم من المهد الى اللحد". إن كان شخص بعد ثلاث أو أربع ساعات أو أقل من ساعة يعلم أنه سيتوفّاه الله، حتى هذه النصف ساعة يبقى استحباب طلب العلم فيها قائماً، لأن آثار التعلم هي أخروية ودنيوية وليست دنيوية فقط. لا بالعكس عندما تكبر بالسن أنت صرت محتاجاً، إن كنت لا تُحسن القراءة والكتابة الآن وقتها، تقرأ القرآن، تقرأ دعاء، لديك وقت لتزداد معرفة، تزداد علماً، تراجع اخطاءك السابقة وتعمل على معالجتها. هناك أعمال كثيرة يمكن أن تساعد على تصحيح الماضي للقدوم على الله سبحانه وتعالى بوجه أبيض تتوقف على معرفتك بالقراءة والكتابة. يجب أن لا نخجل، بالعكس، بكل شجاعة بكل جرأة، بكل فخر، مثلما رأينا بعض الوجوه قبل قليل انا جئت لأتعلم، أنا أود أن أنتهي من هذا الوضع الذي فرض عليّ لعدة أسباب: الظروف الاجتماعية، الفقر، الحرمان، الأهمال، الصعوبات هي التي فرضت هذا الواقع عليّ. أنا أودّ التغلب على هذا الواقع وأتجاوزه ولا أود الاستسلام له.
إذاً، هذا الخط يحتاج بطبيعة الحال إلى جهد جماعي وإلى تحريض هذه الشريحة الكريمة بكل الوسائل المناسبة. هناك من تتحدث معه بالدنيا وآخرون بالسياسة وبعضهم تتحدث معهم بالدين والآخرة وجزء من هؤلاء تتحدث معهم بالعنفوان. لا مشكلة، أي طريقة حلال ومشروعة لتحريض هذه الشريحة يجب أن تستخدم.
إذاً، هذا الملف وهذه القضية الوطنية يجب أن نُبقيها نصب أعيننا ونعمل لها بتعاون وبتكامل وبتكافل وبجهد متواصل كما تفعلون أنتم إن شاء الله ويجب أن نحقق هذا الهدف في أقرب وقت ممكن.
هذا ليس من الأهداف البعيدة المنال التي تحتاج إلى عشرات السنين. لا، خلال سنوات، إذا حصل تعاون وطني حقيقي وجدّي، وحدث تجاوب، أنا أعتقد أننا قادرون على صنع إنجاز سويّاً في لبنان اسمه: لم يبقَ في بلدنا أمّي واحد، ونأمل إن شاء الله أن يتحقق هذا الهدف.
أعتقد أن التضحيات المطلوبة في هذا الطريق هي أقل بكثير من التضحيات لتحقيق اهداف مشابهة.
تعرفون، في يوم من الأيام، قلنا يجب أن لا يبقى أسير لبناني في السجون الإسرائيلية، نتحدث من موقع المسؤولية الوطنية. وإلا نحن نعتبر كل أسير وكل سجين في السجون الإسرائيلية هو أسير ويجب العمل على إطلاق سراحه. لكن في البعد الوطني اللبناني عملنا على هذا الموضوع. صحيح أنه لدينا بعض الملفات ما زالت عالقة، نحن ندّعي ان هؤلاء الشباب هم ما زالوا أسرى على قيد الحياة، والعدو يدّعي شيئاً آخر، لكن في من هم محسوم وضعهم ليس هناك وضعية نقاش. نعم استطاع اللبنانيون من خلال المقاومة أن يستعيدوا جميع الأسرى الذين هم خارج دائرة النقاش وبتضحيات كبيرة وجسيمة.
عندما نضع هدفاً أن لا يبقى أي أسير في سجون العدو نستطيع أن نحقق هذا الهدف. الكلفة أبسط بكثير، أقل بكثير، إن وضعنا هدفاً أن لا ينبغي أن يبقى أمي في لبنان، نعم نحن نستطيع أن نحقق هذا الهدف، لكن نحتاج إلى جهد إن شاء الله.
وفي هذا السياق أقف عند هذه الظاهرة في العالم العربي. لن أتحدث عن كل العالم الإسلامي، سأتحدث فقط عن العالم العربي، لأنه يوجد بين أيدينا بعض الاحصاءات. هناك شيء مذهل مثلاً هذه المؤتمرات أيضاً هذه المؤتمرات التي عقدت في بيروت وأعلنت بعض الإحصاءات الرسمية تتحدث أن أرقام عام 2011 تشير إلى 57 مليون مواطن عربي أمي لا يعرف القراءة والكتابة. التقرير الموجود يقول إنهم ثلث العرب، لا أعرف إن كان أقل أو أكثر، لكن رقم الـ 57 مليون رقم رسمي،هذه كارثة.
نحن الأمة التي تقول إنها "أمة اقرأ"، الأمة التي أول آية في قرآنها "أقرأ باسم ربك الذي خلق"، فيها 56 مليون أمي؟ هذه الأمة التي تملك الكثير، بعض دولنا العربية من أغنى دول العالم، تعرفون أنه بعض الدول العربية وخصوصاً الخليجية، بعض هذه الدول لديها إيداعات في البنوك الأمريكية والأوروبية، إيداعات بآلاف مليارات الدولارات آلاف مليارات الدولارات مودعة في البنوك الأمريكية والغربية.
وعندما تحدث مشكلة لنظام معين تظهر مئات المليارات المودعة في أمريكا وفي باريس وفي لندن، آلاف مليارات الدولارات، وهناك 57 مليون مواطن عربي أمي؟ لماذا يحتاج هؤلاء؟ لأساتذة ومعلمات ومدارس وبعض برامج التشويق بالحد الأدنى يمكننا أن ننتهي من الأمية؟ لكن لا يوجد تحمل مسؤولية.
طبعاً، عندما نذهب لملفات مشابهة مثل البطالة، كيف تعالج البطالة؟ تعالج بتأمين فرص عمل. هناك أمور لا تحتاج لكثير فلسفة وتعقيد. هناك أمور كثيرة بسيطة، مواجهة الأمية خطتها بسيطة، البطالة، تأمين فرص عمل، كيف نؤمن فرص عمل أمر اساسي في العالم ودراسته واضحة، أهم شرط فيه الإمكانيات المالية الضخمة وهذه الدول العربية لديها إمكانات مالية ضخمة قادرة على إنهاء البطالة في العالم العربي وفي ثلاثة أرباع الكون، لكن الأموال مودعة في البنوك.
آخر إحصاءات منظمة العمل العربي تتحدث عن 18 إلى عشرين مليون عربي عاطل عن العمل. رقم مذهل. والملوك والامراء والرؤساء والشيوخ والحكام جالسون ليتفرجوا، بعضهم يخرج وينظّر بحقوق الانسان ويظهر عاطفته، هذه شعوبكم، هذه ناسكم، هذه أهلكم، أميون، عاطلون عن العمل.
عندما نأتي لنسب الفقر والمرض وكل هذه الملفات امر مذهل، هل حكوماتنا ودولنا العربية عاجزة؟ لا هي قادرة مالياً وقادرة إدارياً وقادرة ومقتدرة، وتستطيع أن تحدث تحوّلات نوعية هائلة على هذا الصعيد، لكن هناك موضوع المسؤولية، إذا لم نرد الذهاب إلى الإتهام أن هناك أنظمة وحكومات من مصلحتها أن تبقي شعوبها أميّة، من مصلحتها أن تبقى شعوبها غير قادرة على معرفة ما يجري حولها، من مصلحتها أن تبقى شعوبها فقيرة، عاطلة عن العمل، مريضة، حتى يبقى الإنسان منذ استيقاظه صباحاً وحتى ما بعد النوم همّه وغمّه رغيف الخبز وحبة الدواء. ليس لديه وقت وإمكانية ليفكر بأي شيء آخر، لا بقضايا قومية ولا بقضايا عربية ولا بقدس ومقدسات ولا بفلسطين ولا بديمقراطية ولا بحريات ولا بكرامة أو أي شيء. وأنا أستطيع في الحد الأدنى ـ وكي لا نشمل ـ أن أقول نعم، إن هناك العديد من الحكام والحكومات هي متهمة على هذا الصعيد وليست فقط هي مقصرة.
إذاً نحن أمة تستطيع ليس فقط أن تمحو الأمية، نحن أمة تستطيع أن تنتج العلم.
سماحة الأمام الخامنئي، في العشرين سنة الماضية، كان رفع هذا الشعار في إيران: نحن لا نريد فقط أن نتعلّم ونستفيد نحن نريد إنتاج العلم.
حتى الآن هناك نقاش في العالم العربي وحتى داخل الحركات الإسلامية، هذا نقاش موجود ثقافياً وفكرياً حول الموقف من الحضارة الغربية. يأتي شخص ويقول لك نرفض هذه الحضارة بالمطلق وآخر يقول لك عندهم إيجابيات وعلم وتقنية وتكنولوجية نأخذها ولديهم عادات وتقاليد غير مناسبة نهملها، مازال هناك نقاش.
في إيران جاء الأمام الخامنئي وقال: نحن لا نريد فقط أن نتعلم ونستفيد من كل الحضارات الموجودة في العالم وليس فقط أن نتلقى بل يجب أن نتحول من أمة مستهلكة للعلم إلى أمة منتجة للعلم. وبالفعل الآن مشكلة العالم مع إيران، ما هي؟ إنه يا جماعة خصّبتم اليورانيوم بنسبة 20%، حسناً ما المشكلة؟ هذا حقنا الطبيعي ويضمنه القانون الدولي والاتفاقيات الدولية تضمنه، فيقولون هذا الأمر خطير، لماذا خطير؟ يقولون أنتم لديكم مشروع عسكري، فتحوا لهم كل المنشآت ولم يجدوا مشروعاً عسكرياً.
أنا أقول لكم بصدق إن الأمريكيين والإسرائيليين والأوروبيين كلهم مقتنعون أن لا وجود لمشروع عسكري، ممّ يخافون، هم يخافون من أن تمتلك العلم الذي يمكّنك من ذلك لأنهم يقولون لك إن الشعب أو الجهات العلمية التي تستطيع أن تخصّب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة امتلكت القدرة العلمية على أن تصنع سلاحاً نووياً، نحن لا نريد أن نصنع سلاحاً نووياً وسماحة الإمام الخامنائي قال لهم عدة مرات إن هذا حرام فقهياً. بالنسبة لهم أنت ممنوع من أن تمتلك علماً يمكنّك في يوم من الأيام من أن تنهض وأن تستقلّ وتقف على قدميك وأن تصبح قوة. إذن هناك إمكانية لأن نعود أمة تنتج العلم، ونحن كنا أمة تنتج العلم في عصور الإسلام الأولى وأمة تصدّر العلم إلى العالم، لكننا اليوم أصبحنا أمة فيها 57 مليون عربي أمي، هذه مسؤولية من؟
في الحد الأدنى نحن نحمل هذه المسؤولية في لبنان لنرى إلى أين سنصل.
بالدخول إلى الوضع اللبناني، أنا لا أريد أن أتكلّم كثيراً في التفاصيل اللبنانية لأن الوقت وطبيعة المناسبة لا يتحمّل الكثير من الكلام، ولكن أيضا نتكلّم في المنهج، اليوم نحن في لبنان لدينا ملفات من هذا النوع، نتكلم عن الأمّية ونتكلم عن البطالة في لبنان، يتبين أن هناك نسب عالية وأنا غير متأكد منها مائة في المائة، وما قرأته خطير ومذهل، فمثلاً إحدى النسب التي قرأتها هي 25 % من البطالة، وفي مجتمع لبناني صغير هذا رقم ضخم.
في كل الأحوال لدينا ملف الجريمة التي لا علاقة لها بالأمن السياسي، هناك من يسرق ومن يقتل ويعتدي، ولدينا الملف الذي ظهر في الأيام الأخيرة وهو ملف الأطعمة الفاسدة واللحوم الفاسدة وهو ملف مرعب، فهذا الأمر يدخل إلى كل بيت ولا يوجد فيه تصنيف طائفي ومذهبي ومناطقي، فهذا طعامنا، يتبين أنه حتى طعامنا في لبنان مستباح نتيجة الإهمال. يمكنك أن تفهم أن هناك مشكلة بين جهتين أو هناك عدو يطلق النار عليك أو تطلق النار عليه، والبعض يقتل والكثيرون يبقون على قيد الحياة، ولكن هذا القتل يدخل إلى كل بيت والى كل شخص.
لدينا ملف المخدرات واجتياح المخدرات للمدارس وللجامعات والثانويات.
هذه ملفات حياتية مصيرية ترتبط ببيوتنا وعائلاتنا وأفرادنا وأشخاصنا، وهي من الملفات التي من المفترض أن لا تكون خلافية، لذلك نحن نتكلم بالمنطق وبالمنهج.
يوجد في لبنان منطقان: هناك منطق، ونحن معه ونؤيده، ولا نقول إنه منطقنا لوحدنا، ولكن نحن ممن ينتمي إليه، وهنا أنا أوجّه خطابي إلى اللبنانيين وللطرف الآخر. هناك منطق يقول إن هناك نوعين من القضايا والملفات، هناك ملفات لا نقاش فيها ولا نقاش في خطورتها بين أحد من اللبنانيين، وليس فقط بين 14 آذار أو 8 آذار ولا بين موالاة ومعارضة ولا بين مسيحيين ومسلمين، لا يوجد نقاش بين اثنين من اللبنانيين على خطورتها وأهميتها وعلى وجوب معالجتها، منها الملفات التي تكلمت عنها قبل قليل، الأمن الإجتماعي، الجريمة، الأطعمة الفاسدة، المخدرات، الأمّية، البطالة، لا نقاش في أنها ملفات خطيرة جداً ويجب مواجهتها ومعالجتها، وهناك أيضا أمثلة كثيرة. هناك نوع ثان من الملفات فيها خلاف بين اللبنانيين، تبدأ من الخلاف على العدو ـ وهناك من يقول إننا متفقون على أن إسرائيل عدو وهذا ليس صحيحاً، نحن لا زلنا مختلفين على العدو ومختلفين على الصديق ـ ونحن مختلفون على قانون الانتخابات، ونختلف على العديد من القضايا.
هذه المنهجية تقول تعالوا إلى القضايا التي نتفق على أهميتها وإلحاحها ووجوب مواجهتها ولنتعاون في القضايا التي نختلف فيها، تعالوا لنتحاور ونحاول أن نصل إلى نتيجة في الحكومة، في المجلس النيابي، في طاولة الحوار، في أطر رسمية أو غير رسمية فلا مشكل. ما يمكننا الاتفاق عليه فنحلّه وما لا يمكننا الاتفاق عليه نؤجّله لمصلحة هذه الأولويات الداخلية، لكن لا يجوز إذا ما اختلفنا على ملف واحد أو ملفين أن نعطّل البلد أو نعطّل ملفات الناس وقضاياهم، نحن نؤمن بهذا المنطق.
هناك منطق آخر يقول إن هناك عدة ملفات خلافية إما تسيرون كما نريد أو يعطّل كل شيء ويُشلّ البلد، يطرحون موضوعات، مثلاً يقولون لك هناك موضوع سلاح المقاومة، يعني كأنه لا يمكن بناء دولة في لبنان إلا بحلّ موضوع سلاح المقاومة ولا يمكن مواجهة الأمّية في لبنان إلا بعد حلّ سلاح المقاومة، ولا يمكن حلّ مشكلة البطالة ولا المخدرات ولا اللحوم الفاسدة ولا الفساد الإداري و لا الأمن الاجتماعي إلا إذا عالجتم سلاح المقاومة.
هذا ليس إنصافاً وهذا أمر غير منطقي وليس واقعياً، بل هناك أحد ملتزم مع الأمريكي والغربي ـ ولا أريد أن أقول مع الإسرائيلي ـ أنه سيحلّ هذا الموضوع في لبنان ولو على حساب كل شيء، حسنا نحن نقول إننا مختلفون في هذا الملف، حسناً ضعوه على الطاولة، أما بقية الأمور فتفضّلوا لنتعاون فيها.
المنطق الآخر يضع ملفات ويرهن البلد بأكمله بها وهذا خطأ، وفي نفس السياق يأتي ويتكلم عن الآخر والاعتراف بالآخر، الاعتراف بالآخر أيها اللبنانيون ليس شعارات بل ممارسة.
يمكنني أن أتكلم من الصباح إلى المساء بموضوع الاعتراف بالآخر والحوار مع الآخر والتعاون معه، لكن في الممارسة ما الذي يحصل؟
نحن في الممارسة نأخذ تجربة عام 2005، كانت 14 آذار أكثرية نيابية وشكّلوا الحكومة ونحن كحزب الله وحركة أمل دخلنا إلى الحكومة وبقية الأطراف في المعارضة كانت مستبعدة ولم نكن ثلثاً ضامناً ولا معطلاً ولا أغلبية ولا شيء بل كنا أقلية في الحكومة ودخلنا إلى الحكومة، حكومة ترأسونها أنتم، أغلبيتها لكم، وكنا مستعدين أن نتعاون وتعاونّا في كل القضايا التي طرحت على مجلس الوزراء، ولم يكن لدينا عقدة في الموضوع وكان كل طموحنا أنه من خلال الحكومة يتحقق استقرار وأمن في البلد ويتم مسك وضع البلد خصوصاً بعد خروج القوات السورية والخوف من وقوع فتن في البلد، وكان هناك تحديات كبيرة وأن تقدر الحكومة من أن تتجه إلى أولويات الناس والملف المالي والاقتصادي والمعيشي والاجتماعي وكل هذه الملفات التي نتكلم عنها. وبقينا سوياً.
نعم نحن اختلفنا على موضوع المحكمة الدولية، لأنكم لم تكونوا حاضرين لا للحوار ولا للنقاش ولا لبحث الموضوع في الحكومة بل أردتم القيام بتهريب هذا الموضوع، عندها اعتكفا أو استقلنا، وبعد الدوحة شاركنا في 2008 بحكومة الوحدة الوطنية أيضاً وكانت الرئاسة لكم والأغلبية لكم، وأيضا بعد انتخابات 2009 شاركنا بالحكومة وكانت الرئاسة لكم والأغلبية لكم، هل هناك اعتراف بالآخر واستعداد للحوار وللتعاون مع الأخر أكثر من ذلك؟ أن تقبل أن تكون في حكومة يرئسها خصمك السياسي وأغلبيتها لخصمك السياسي؟
يمكنكم الرجوع لكل التجربة من 2005 إلى الآن وتسألوا رؤساء الحكومات السابقين من 2005 إلى الآن، هل كان وزراؤنا متعاونين، جادّين، إيجابيين ويتعاطون بنفس وطني أم لا؟
هذا هو الاعتراف بالآخر، وليس الموضوع شعارات، وكل يوم يمكن أن نقيم احتفالات ونقول اليد ممدودة، انظر داخل اليد الممدودة ماذا يخبّأ لي فيها؟
كنا معاً في الحكومة وأنتم ترتّبون فخّ المحكمة الدولية وكنا جالسين مع بعضنا على طاولة الحوار وكانت تُجهّز الحرب علينا لسحق المقاومة في لبنان، ولذلك الناس عندما تذهب إلى أية طاولة حوار مجدداً يجب تفتيشهم ماذا يخبئون تحت طاولة الحوار. لا يحلّ مشكلة البلد المزايدة بالحوار وبالكلام عن الاعتراف بالآخر، وليس مهماً الكلام بل المهم الممارسة.
في الممارسة نحن مارسنا هذا الموضوع ولكن انتم كيف مارستم؟ عندما كانت تُشكل الحكومة الحالية دعيتم إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، رفضتم المشاركة ولم تعطوا هذه الحكومة فرصة من أول يوم بل أعلنتم الحرب عليها منذ أول يوم وذهبتم إلى تحريض الدنيا عليها، هل هذا ما يسمى بالاعتراف بالآخر والتعاون الوطني؟ هل هذا يسمى أولويات الناس وملفاتها.
أنا أقول للبنانيين دعونا نخرج من التعصّب والعصبية المذهبية والحزبية والتنظيمية والمناطقية ونجلس لنقيّم جديّا.
يقولون إن القادر على بناء الدولة هم 14 آذار، وكل يوم نسمع هذا الكلام، بأي نفس ونفسية وروحية وعقلية ومنهجية انتم قادرون على بناء الدولة؟ هل أنتم أولاً قادرون على بناء أحزابكم وتياراتكم ومؤسساتكم لكي تبنوا دولة؟ لا تُبنى دولة على حذف الآخر وشطبه وإلغائه، وإنما بالتفاهم وبالتعاون والتواصل والحوار وبتقديم الأولويات والعمل بما يُتفق عليه، وما يُختلف عليه يتم إيجاد علاج له أو يتم تأجيله، هناك إمكانية للتأجيل، كما هو موضوع سلاح المقاومة، إذا اتفقنا يمشي الحال وإذا اختلفنا فيُؤجل، حتى لو لم نتفق على أن يؤجّل فهو مؤجل بنفسه، من هو قادر على نزع سلاح المقاومة بالقوة فليتفضّل..
نحن جاهزون للحوار في أي لحظة، إستراتيجية دفاعية جاهزون، إستراتيجية دفاعية نناقش.
إذاً هذه المنهجية اليوم مطلوبة في لبنان، كي نواجه كل التحديات والأخطار المقبلة القائمة في لبنان وفي المنطقة، ومجدداً أنا أدعو إلى هذه المنهجية، إلى هذا المنطق، إذا أردنا أن نكون جديين. نستطيع أن نزايد على بعضنا في الإعلام ونوجّه لبعضنا خطابات وشتائم وشعارات، ولكن المنطق الفعلي الذي نستطيع من خلاله أن نبني دولة وننتقل بالبلد إلى وضع مختلف، نستطيع ان نواجه ملفات بروح التعاون الوطني، هو هذا المنطق.
بإختصار شديد أريد ان أتكلم عن فلسطين. طبعاً الأحداث الأخيرة للأسبوعين الماضيين كانت أحداثاً لها مشهدان:
- مشهد مؤلم جداً: سقوط شهداء وجرحى، بينهم أطفال ونساء، عشرات الشهداء والجرحى في العدوان الإسرائيلي السافر
- مشهد آخر، من الواجب باستمرار أن نبقى نشاهده، هو مشهد إرادة المقاومة في قطاع غزة، صلابة المقاومة، رد المقاومة. أي إنه حين جاء الإسرائيلي ليقصف وليعتدي، (معتبراً) أن الناس قد رفعوا العشرة أو استسلموا أو لهثوا خلف تهدئة بأي ثمن. كلا وإنما شهدنا بأم العين رجال ثبات ومقاومة وقدرة. بحيث أنه استطاعت هذه المقاومة، وبالرغم من إمكانياتها المحدودة، ولكن بإدارة جيدة وشجاعة عالية أن تفرض على مليون ونصف مليون إسرائيلي البقاء في الملاجئ.
هذه طبعاً معادلة مهمة جداً، معادلة ممتازة جداً، طبعا هذا من جهة ومن جهة أخرى لم يقدّم شيء جديد وإنما له طابع تذكيري. أي نحن الشعوب العربية والإسلامية نعود لنتذكر من خلال مجريات الأسبوعين الماضيين أنه هذا هو الأميركي يتعاطى بهذه الطريق أي كيف تعاطت أميركا؟ مجلس الأمن؟ أمين عام الأمم المتحدة؟ والمؤسسات الدولية جميعها؟ أوروبا، الإتحاد الأوروبي، والمجتمع الدولي؟
هذا هو المنهج منذ ستين سنة وأكثر، وهذا مستمر. أي ما جرى في غزة هو من حيث النتيجة هو إعادة تذكير بالكثير من النفاق والكثير من تعدد المكايل والمعايير في التعاطي مع الأحداث.
تبقى نقطة أريد أن أتوقف عندها وقد شاهدتها عند بعض الإعلام اللبناني للأسف الشديد، إنهم كانوا يحمّلون الأحداث في غزة للمقاومين في فلسطين، كانوا يحمّلون المسؤولية، مع أن هذا خطأ، ومع أن هذا ليس بصحيح، هذا كذب.
الذي حصل هو أنه كان هناك تهدئة في قطاع غزة، قطاع غزة هادئ، لا أحد يقصف أو يطلق النار. الإسرائيلي هو ابتدأ وقام بشن غارة جوية أدت إلى استشهاد الأمين العام للجان الشعبية الشهيد زهير القيسي وأخ آخر من الأسرى المحررين. بدأت ردود الفعل، أنجرّ الموضوع إلى المزيد من القصف ومزيد من الشهداء.
الذي بدأ هو الإسرائيلي، الذي اعتدى هو الإسرائيلي، ثم نجد بعض الإعلام اللبناني وبعض الإعلام العربي ـ وهذا بعض الإعلام اللبناني ينتمي إلى جهات كانت على علاقة وطيدة مع إسرائيل، والأن يقولون لم يعد لدينا علاقة، لكن هذا النفس ماذا يوحي؟! ـ جاء يحمل المقاومة في غزة مسؤولية الأحداث الأخيرة، وبعضهم ذهب إلى القول إن المواجهات التي حصلت في غزة كانت بقرار إيراني، وهذا الظلم أكبر، والبعض ذهب إلى القول بأن ما جرى في غزة قامت به جهات وفصائل هدفها صرف النظر عن ما يجري في سوريا.
هذا ظلم كبير، مثل يوم حرب تموز، ماذا قالوا في حرب تموز؟ أن حزب الله قام بالحرب من أجل النووي الإيراني والمحكمة الدولية لأنه في وقتها لم يكن قد طرح موضوع سوريا هذا ظلم. جماعة محاصرون ـ وما زالوا محاصرين رغم الذي حصل في مصر ما زالوا محاصرين ومظلومين ومعتدى عليهم ـ ثم يقف بعض الإعلام اللبناني والعربي ليقدمهم كمعتدين من أجل مصالح إقليمية معينة. وهنا تقاطع الإسرائيلي مع بعض هذا الإعلام العربي واللبناني حين خرج الإسرائيلي ليقول ويقدم المشهد أن حربه على غزة هي جزء من حربه على إيران، هذا أيضا تضليل وهذا كذب وهذا افتراء، الحرب على فلسطين والحرب على غزة هي منذ أن كانت إيران في زمن الشاه حليفة لإسرائيل، قبل النووي الإيراني وبعد النووي الإيراني ومع النووي الإيراني. الحرب على غزة وعلى فلسطين وعلى شعب فلسطين هي مسألة قائمة بذاتها، ليس لها علاقة بأي طرف آخر. ولكن من أجل التضليل، من أجل إستفراد الفلسطينيين في غزة، انسجاماً مع البعض المحاولات الرسمية العربية بتقديم إيران كتهديد، وهذا الجو الموجود، الفتنة الموجودة في المنطقة.
هذه حرب مع إيران، وليس حرب مع أهل غزة، وليس مع أطفال غزة ونساء غزة، بل هذه حرب مع إيران، هكذا الإسرائيلي يحاول أن يقدم الموضوع ويلاقيه بعض الإعلام اللبناني والعربي ليقول إن الفلسطينيين هم الذين بدأوا بالقتال بأوامر إيرانية وسورية، وهذا الموضوع أيضاً يجب أن نضيئ عليه ونكون واضحين فيه.
طبعاً نحن نقف بإجلال واحترام كبيرين أمام شهداء الشعب الفلسطيني، تضحياته، ثباته، وشجاعته وإراداته التي عبّر عنها خلال الأيام القليلة الماضية، حتى حين ذهب إلى التهدئة ذهب بشروط. الآن الإسرائيلي يريد أن ينكر، هذا بحث أخر، لكن الفلسطيني ذهب بشروط، لا يريد تهدئة كيفما كان.
كذلك كلمة مختصرة بالملف السوري كي لا نتجاوزه. منذ بداية الأحداث نحن رهاننا وأملنا أن تتمكن سوريا من تجاوز هذه المحنة بما فيه مصلحة شعبها العزيز وموقعها القومي.
منذ البداية نحن ننطلق من مخاوف لأننا نرى ما يجري في كامل منطقتنا العربية، أي إنه حينما نتكلم عن مخاوف التقسيم لا نتحدث عن أحلام، عن أوهام، عن حرب نفسية. نحن نتحدث عن وقائع على الأرض.
حسناً، هذه السودان. من حيث المساحة يقال إنها أوسع وأكبر دولة عربية، قاموا بتقسيمها. وحتى بعد التقسيم كثيرون جاءوا وقالوا إن شاء الله بعدما يعترف السودان بجنوب السودان كل المشاكل تحل، ولم يحلّ أي شيء ولا شيء، والضغط على السودان ما زال قائماً وسيبقى قائماً.
اليوم الدعوات إلى الفدرالية، إلى الانفصال، الدعوات إلى التقسيم، وهي موجودة في أكثر من بلد عربي، هناك جهات تطمح إلى ذلك، بعضها بدأ يعبّر وبعضها لا يعبّر.
إذاً، حين نتكلم عن مخاطر التقسيم في أي بلد عربي أو إسلامي فهي مخاطر حقيقية، ليست أوهاماً نحن نخترعها لنختبئ. ليس هذا.
نحن خائفون على سوريا، وبالتالي على المنطقة من التقسيم. خائفون من الحرب الأهلية، من الفوضى، من إضعاف سوريا، بما تمثّل من موقع قومي في الصراع العربي الإسرائيلي، ومن سند حقيقي لحركات المقاومة في المنطقة، ولذلك من اليوم الأول دعونا إلى أن لا تكون هناك مواجهة مسلحة، أن لا يحمل أحد السلاح، أن يذهب السوريون إلى الحل السياسي بآليات الحل السياسي، وكلنا مع الإصلاح وكلنا مع الديمقراطية وكلنا مع احترام حقوق الإنسان وكلنا نأسى ونحزن ونتألم لأي قطرة دم تسقط من إنسان سوري أو مصري أو طفل، وهذا من الأيام الأولى.
قلنا ذلك وما زلنا نقوله وسنبقى نقوله، اليوم مضت الآن سنة على المحنة في سوريا. بعد هذه السنة وما حصل فيها من تجارب تم اللجوء فيها إلى خيارات. نحن ندعو الجميع إلى مراجعة، مراجعة تؤدي بكل موضوعية إلى النتيجة التالية: يا جماعة في سوريا ليس هناك إلا حل سياسي. تفضلوا اعملوا حلاً سياسياً، يعني إلقاء السلاح بشكل متزامن وضمن آلية متفق عليها للدخول في حل سياسي واضح وممنهج. وغير ذلك سيكون المزيد من النزف والمزيد من التعب والمزيد من الإرهاق ومن يريد أن يدمر سوريا أو أن يسقط النظام بأي ثمن لم يستطيع أن يفعل ذلك، وقد شاهدتم خلال سنة كل الخيارات التي تم اللجوء إليها.
الحل في سوريا هو هذا طبعاً. ما هو مضمون الحل السياسي؟ ما هي آليات الحل السياسي؟ هذا شأن سوري وهم معنيون أن يتفاهموا وأن يتفقوا وأن يتعاونوا.
للأسف عندنا في لبنان بعض الناس يتعاطى على أساس أنه قوة عظمى ويبدأ بتكوين جداول وخارطة طريق ويضع بنوداً، ويجب أن يفعلوا هذا. ليس لنا علاقة بهذا الموضوع نحن كلبنانيين أذا ما تكلمت من أجل مصلحتنا كلبنانيين. نحن كشعب لبناني وكوطن وبلد نحن مصلحتنا أن يكون هناك هدوء واستقرار وأمن وحل سياسي في سوريا، أما آليات الحل السياسي، مضمون الحل السياسي، مجالات الإصلاح السياسي المطلوبة، فهذا شأن يتفق عليه السوريون. هم معنيون أن يقبلوا أو لا يقبلوا، يرفضون أو لا يرفضون، هم يرسمون خطوطاً حمراً لبعضهم البعض وليس نحن اللبنانيين نريد ان نرسم خطوطاً حمراً للسوريين، ما يقبلون وما لا يقبلون. ويخرج منا أحد لينظّر على السوريين سواء في آليات الحل السياسي أو في مضمون الحل السياسي.
نعم نحن معنيون كجيران، كإخوان، كعرب، كأهل منطقة، كمصير واحد أن نقول لإخواننا في سوريا شعباً ونظاماً ودولة وجيشاً وأحزاباً وقوى سياسية: دمائكم دماؤنا ومستقبلكم مستقبلنا وحياتكم حياتنا، أمنكم أمننا، مصيرنا واحد، لذلك يا إخوان "اعملوا معروف" حاولوا أن تحلوا هذا الموضوع في السياسة ونقطة على أول السطر. لكن كيف يحلون هذا الموضع بالسياسة، هذا ليس من شأننا كلبنانيين، خصوصا نحن اللبنانيين، لسنا قادرين أن نحل مشاكلنا نحن لا بالسياسة ولا بغير السياسة، وكل يوم لدينا مشكل وصراع وسجال.
شيء متعب هذا المستوى السياسي الموجود في البلد والأداء السياسي والعقل السياسي، هناك مشكلة حقيقية، هناك مشكلة بالمضمون والشكل، وحتى المقامات لم يعد يوجد احترام لها، لم يعد يوجد كرامات لم نعد نجد ضوابط بالخطاب السياسي، لم نعد نجد ضوابط بالتعبيرعن الخلاف السياسي.
البلد اليوم "سوق وفلتان".
نحن في موضوع سوريا هذا الذي آمنا به منذ اليوم الأول، البعض استحسن موقفنا والبعض الآخر لم يستحسنه. هناك قوم انتقدونا، وهناك قوم يحاولون استغلال الموقف الذي نحن نراه موقفاً وطنياً وقومياً وإسلامياً وانسانياً للتصويب علينا. نحن ليس لدينا مشكلة، نحن نقول الحق الذي نراه. نحن نسعى بصدق لنعرف الحق، نحن نسعى بصدق لنقف مع الحق، ونسعى بصدق لنعبّر عن الحق أياً تكن التكلفة، لذلك أنا قلت سابقاً أن يخرج بعض الناس ليشتم ويتحدث، هذا لا يقدم ولا يؤخر شيئاً، عندما يكون لدينا رؤية ونرى هذه مصلحة شعبنا وبلدنا وأمتنا المركزية ، نحن نعبّر عن هذه الرؤية، سواء أعجبت البعض أو لم تعجبه. هناك أناس يقبلون وهناك أناس يرفضون، هناك أناس تصفق لنا وهناك أناس لا تصفق. لا توجد مشكلة في هذا الموضوع. لذلك نحن في موضوع سوريا اليوم، نحن نؤكد ونقول التطورات الأخيرة تثبت أن الرهان على سقوط النظام، على انشقاق الجيش، على حرب طائفية، على تدخل عسكري خارجي، حتى على العقوبات الاقتصادية، كل هذه الرهانات من الواضح أنها لم تؤد إلى نتيجة.
اليوم الجماهير التي نزلت والتي رأيناها في الساحات في دمشق وحلب واللاذقية ودير الزور والرقة وغيرها هي تعبير. لكن أن يأتي شخص ما ويقول لك أنت لا تقف مع الشعب السوري أنت مع النظام. قل لي من هو الشعب السوري! هناك انقسام شعبي، صحيح، لكن هناك جزء معتد به من الشعب السوري هذا خياره، وهناك جزء لديه خيار ثانٍ. من قال إن الشعب السوري هو الذي أنت تقف معه وليس الذي أنا أقف معه. يعني أننا نحن وهم مع الشعوب العربية إلا في سوريا. هناك شعب في سوريا يريد الإصلاح ولا يريد التقسيم ولا يريد حرباً أهلية ولا حرباً طائفية ولا يريد مطحنة ولا يريد أن يكون عرب خيانة ولا يريد أن يكون عرب اعتدال ويريد أن يبقى مقاوماً وممانعاً ووفياً لفلسطين.
نحن مع هذا الخيار.
هناك أناس يرون أن أوباما وكلينتون والأميركيين الذين حرقوا القرآن وقتلوا من تظاهر من أجل القرآن والذي يعتبر كل يوم أن تحالفه مع إسرائيل مقدس وأمن إسرائيل مقدس وتفوّق إسرائيل مقدس، ويعتبر أن ساركوزي وبريطانيا، ويعتبر أن الذين باعوا فلسطين وشعب فلسطين والجولان ولبنان على مدى عشرين سنة أن هؤلاء حلفاؤه، وخشبة الخلاص بالنسبة له. هو حر أن يعتقد ما يريد، نحن أيضاً أحرار في أن نعتقد ما نريد ونأخذ الموقف الذي نريد.
لذلك اليوم في هذا المقطع المختصر بكل صراحة نصيحتنا لإخواننا السوريين جميعاً: وضع السلاح جانباً، الذهاب إلى آليات حل سياسي. النظام في سوريا، القيادة في سوريا، جاهزة لأن تعمل إصلاحات، هذا الدستور- دلوني على دستور عربي اليوم مثل هذا الدستور الذي أنجز- لنتحدث في هذا الموضوع، إحكي هل القصة صراخ دعونا نحكي وقائع، جيئوا بدساتير الدول العربية كلها وضعوا الدستور الذي أنجز ، وتطبيق الدستور يجب علينا التفاهم والتعاون، بالقتال وبالمواجهات وبالحروب وباستجلاب التدخل العسكري الخارجي لا يعالج الموضوع.
يجب أن يقف نزف الدم. طبعاً المشاهد التي شاهدناه على التلفزيونات في الأيام الأخيرة لا يقدر أحد إلا أن يدينها. أي شكل من أشكال المجازر، استهداف المدنيين واستهداف الأبرياء هو موضع ادانة. طيّب، المعارضة تتهم النظام، والنظام يتهم المعارضة. هذه واحدة من مسؤوليات النظام اليوم أن يقدّم الحقائق للناس، والذي عنده حقيقة يجب أن يقدّمها، لكن توجيه الاتهام شمالاً ويميناً هو أمر سهل ويسير، لكن أصل الموضوع هو موضع إدانة الجميع معاً.
يجب العمل ألا تحصل المجازر، يجب العمل ألا تسقط قطرة دم واحدة، الموضوع ليس فقط موضوع مجازر، يعني ما الفرق بين أن يُقتل المئات بشكل متفرق أو يُقتل خمسون دفعة واحدة، هذا قتل وهذا قتل. كل أشكال القتل يجب أن تتوقف، والذي يدفع الامور باتجاه الخلاص هو: تعالوا .. أنتم العرب والمجتمع الدولي كنتم تنظّرون على اللبنانيين عندما تقولون: يا جماعة، بالسلاح لا يحل شيء، تفضلوا على طاولة الحوار. بعد 7 ايار 2008 جاءت وفود عربية ونظّروا علينا كلنا انه بالسلاح لا يحل شيء وبالمواجهة لا يحل شيء والناس يفترض أن تعيش مع بعضها وجلبوا طائرة وأخذوا العالم كلها إلى الدوحة وبقوا ثلاثة ايام هناك وحتى تفاصيل التفاصيل جلسنا واتفقنا عليها. اذاً يجب استخدام هذا المنطق لسوريا أيضاً ولغيرها، هكذا الأمور تعالج.
كلمة قبل الختام أيضاً، موضوع البحرين، شهدنا الأسبوع الماضي التظاهرة الضخمة التي وجه إليها سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم، واستجاب لها مئات الآلاف من أهل البحرين. طبعا التظاهرة سلمية أكدت على الخيار السلمي، على مطالب الشعب البحريني، واثبتت أن هذه المعارضة شعبية حقيقية عريضة واسعة وليست شرذمة كما تقول الحكومة ويقول الملك، وأيضاً انها معارضة سلمية حريصة على أمن البحرين، على استقرار البحرين، على دماء أهل البحرين، حتى على دماء خصومها، ومن يعتدي عليها. طيب هذا مشهد حضاري، وأيضاً يعبّر عن الثبات والإرادة. يعني الرهان على ملل هؤلاء الناس، على تراجع هؤلاء الناس هو رهان خاسر.
والعجيب هنا أن هناك شعباً يواصل تحركه السلمي غريباً في هذا العالم، فلا أهل الربيع العربي يعترفون أن أهل البحرين جزء من الربيع العربي، ولا جامعة الدول العربية تعترف بوجود مشكلة في البحرين ولا مجلس التعاون الخليجي يعترف بوجود مشكلة في البحرين ولا المجتمع الدولي ولا مجلس الامن الدولي ولا مجلس حقوق الانسان ولا أحد. ولكن هذا لم يثنِ هذا الشعب عن المطالبة بحقوقه وبالطرق السلمية، وهو يرفض ويأبى ان يكون أداة يعبر من خلالها أحد إلى البحرين وإلى مستقبلها وإلى مصيرها أيّاً من يكون هذا الاحد، وهذه حقائق تثبت وثابتة يوماً بعد يوم، ولذلك نحن أيضاً نعود ونوجّه ـ أنا لا أتدخل في أسقف الشعب البحريني ـ ولكن خيارات الشعب البحريني واضحة وطريقه واضح ومن الواضح أن لديه إرادة لا تنكسر وأن الرهان على الوقت هو رهان خاسر وهذا الأمر أيضاً يجب أن يحظى باهتمام عربي وعالمي ودولي لإغلاق هذا الملف.
في الختام أحب ان أقول نحن يا إخوان في لبنان والمنطقة، نحن مدعوون الى المزيد من الوعي ويلزمنا الكثير من الوعي وكثير تثبّت مما يقال. اليوم نحن في زمن "وكالات الأنباء قالت هيك".. "التلفزيونات قالت هيك".. "البيانات قالت هيك".. "مواقع الانترنت قالت هيك".. هذا ليس كافياً، لانه اليوم بالحقيقة وصلنا إلى مرحلة يمكن للشخص أن يقول إنه لو هناك أصل للخبر، سواء صدق الخبر أو كذب الخبر يجب أن تذهب وتتأكد من أن هذا الخبر صادق أو كاذب. لكن من الذي رأيناه في الآونة الأخيرة يقدر الشخص أن يصل إلى نتيجة بقوله الأصل هو الكذب، أحيانا يشاهد الإنسان نشرة أخبار ثلاثة أرباعها كذب على غيرنا وعلينا، نحن نعرف من حالنا.
أنا يومياً عندما يجمع الشباب التقرير اليومي من الانترنت والصحف والتلفزيون، أي خلاصات، تقرأها فيتبين ان 90% مما يقال عنا هو كذب، مثلاً أحد يقول عنا "مرتبكين"، أين الارتباك، نحن مرتاحون جدا "ومادّين إجرينا"... نحن عندنا قراءة مختلفة للمنطقة "الارتباك القلق الانقسامات الداخلية الضياع ...ال.." انتم تحكون أحلامكم، هذه ليست وقائع. الخبر يجب أن ينقل الوقائع، ليس ما أراه في الحلم وماذا أحب أن أرى في الأحلام، ليس هكذا.
ما يجري في المنطقة اليوم هكذا يقدم، يصاغ الخبر على ضوء الأهواء والبرامج السياسية والمخططات وليس على ضوء الوقائع، بل يتم تزييف الوقائع لمصلحة هذا الهدف، لذلك نحن نحتاج إلى الكثير من التثبّت، حتى عندما نرى المشاهد على التلفزيونات نحتاج إلى الكثير من الهدوء حتى لا ننفعل ولا نغضب ولا نستفز. هناك اليوم من يعمل على توتير وعلى استفزاز الناس وعلى تحريض الناس حتى يسارعوا إلى الوقوع في الفخ، ندوس على الألغام، نخرب بلدنا، ونخرب بيوتنا نتيجة انفعالات.
مثلاً في بلجيكا "فلان الفلاني" حرق مسجداً وقتل إمام المسجد، لماذا قال لأنه غضب من أجل سوريا. وما دخل إمام المسجد والمسجد، وهذا من يتحمل مسؤوليته؟ القاتل الذي حرق المسجد، أو تتحمل وسائل الإعلام التي ليس عندها حدود للتحريض وليس لها حدود للكذب وليس عندها حدود للافتراء، فنحتاج الى الكثير من الهدوء ونحتاج إلى الكثير من الثبات في مواجهة الحرب النفسية والمخاوف التي تحكى. بثبات، بهدوء، بوعي، بتثبّت نقدر أن نواجه كل المرحلة القادمة، الذين يخططون هم الأمريكان والإسرائيليون وأدواتهم وخدمهم وعملاؤهم في المنطقة. وهناك أناس ملتبس عليهم الموضوع، وليس كل الناس عملاء لا ، أعوذ بالله، نحن لا نتهم الناس هكذا، هناك أناس ملتبس عليهم الموضوع، هناك أناس يمكن أن يكونوا مظلومين، لكن أضاعوا الأولويات، غير منتبهين أن مظلوميتهم أين يتم استخدامها، هذه أمور كلها تتطلب وعياً وقراءة.
لكن الذي يخططون له هو تقسيم المنطقة وتفتيت المنطقة، فوضى عارمة وشاملة في المنطقة، إشغالنا ببعضنا البعض، توتيرنا وتحريضنا على بعضنا. هذا العنوان وهذا الذي يحصل الآن تحت عناوين مختلفة. من هو المستفيد من هذا الأمر وهل هكذا تعالج الأمور؟ لا ليس هكذا.
نعم إذا ذهبنا نحو التوتر ونحو العصبية والاستفزاز على التسرع والتعجل سنخرب بيوتنا بأيدينا في لبنان في العالم العربي وفي العالم الإسلامي، في الوقت الذي نرى فيه الفرصة متاحة اليوم أمام شعوبنا وأمام امتنا لاستعادة حقوقنا واستعادة سيادتنا على أراضينا وعلى نفطنا وعلى مياهنا، استعادة فلسطين، استعادة القدس، لأن "اليوم الأمريكان نزول (يضعفون) وبكل شيء نزول" بالهيبة وبالعسكر وبالمال وبالاقتصاد، و"الغربي اليوم نزول"، وإذا وضعنا قراءة إستراتيجية فإن كل داعمي إسرائيل وكل الطامعين في بلادنا وخيراتنا هم نزول، لكن لأنهم هم نزول يريدون إنزالنا معهم، اذا كانوا هم نزول ونحن بقينا واقفين وثابتين ومتماسكين ومعنوياتنا عالية وحريصين على بلادنا ووحدتنا وتماسكنا، نعم أمتنا ـ في هذا العقد لا أتكلم عن بعد 100 سنة، في هذه العشر سنوات، أمام فرصة تاريخية استراتيجية لإيجاد تحولات هائلة في أوضاعنا خصوصاً على المستوى القومي. لكن هذا مطلوب أن يضيع.
من الأمية في القراءة والكتابة يجب أن نعمل على محوها أيضاً في السياسة، ممكن أن يكون أحد في السياسة يدرس علوم سياسية ولكن هو أمي لأنه لا يقرأ الوقائع ولا يعرف تحليلها ولا يعرف ربط الامور مع بعضها البعض، يشتبه عليه الأمر.
اليوم نحن مدعوون إلى محو كل أشكال الأمية لنكون أمة عالمة، أمة تنتج العلم وفي نفس الوقت أمة مقتدرة وقادرة على مواجهة كل التهديدات والأخطار وأن تفرض وحدتها وتماسكها ومصالحها واستقلالها وكرامتها وعزتها على كل العالم .
(...)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..