كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في مهرجان الوفاء للقادة الشهداء مساء الخميس 16-2-2012
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في مهرجان الوفاء للقادة الشهداء مساء الخميس 16-2-2012
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
إخواني وأخواتي جميعاً السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته وأرحب بكم وأشكر مشاركتكم في هذه الذكرى السنوية التي نحيي بها ذكريات ومواقف وتاريخ وأمجاد وشهادة ثلّة من قادتنا، قادة المقاومة، سماحة شيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشيخ راغب حرب، سماحة سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي، والقائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية.
لكن اسمحوا لي قبل أن أدخل إلى موضوعات الحديث والخطاب، أن أعبّر عن حزننا وتسليمنا في الوقت نفسه لمشيئة الله سبحانه وتعالى وقضائه وقدره، إذ أننا نفتقد اليوم ـ وللمرة الأولى منذ عشرين عاماً ـ حضور السيد العزيز والمبارك والطاهر السيد أبو حسين الموسوي، والد الشهيد القائد السيد عباس الموسوي (رضوان الله تعالى عليه)، وهو في الوقت نفسه عم السيدة أم ياسر الشهيدة سهام الموسوي. هذا السيد الجليل الذي يكفي أنه أبو ووالد سيدنا وأستاذنا وقائدنا وحبيبنا وعزيزنا وأميننا العام السيد عباس الموسوي (رضوان الله تعالى عليه) وفي حرجه تربّى هذا القائد المجاهد الكبير. هذا السيد الجليل السيد أبو حسين بعد شهادة نجله وفلذة كبده كان دائماً حاضراً في كل ساحات المقاومة. رغم كبر سنه كان يذهب إلى المحاور، منذ تلك الأيام 1992 وبالتحديد بعد استشهاد السيد عباس، وهو كان يعاني من بعض الأمراض وأنا قلت له يا سيد لا تتعب نفسك. كان يقول: لا. عندما أذهب أنا الكهل كبير السن المريض كوني والد السيد عباس وأحضر عند الشباب في المحاور، آكل معهم، أنام عندهم، أبرد كما يبردون، أعطش كما يعطشون، هذا فيه تقوية لمعنوياتهم وروحيتهم.
تفقده لعوائل الشهداء للجرحى، حضوره في كل المناسبات، رغم ظروفه الصحية، أنا أشهد أن هذا السيد المبارك لم يترك فرصة كان في مقدوره أن يساهم (من خلالها) في الحفاظ على هذه المقاومة ودعمها وتقويتها وعدم الإذن بالنيل منها أو أضعافها إلا وقام بذلك.
واليوم ومن لطيف التقديرات الإلهية ـ لأنه لا يوجد شيء اسمه صدفة، كل جزئية، كل صغيرة وكبيرة في هذا الوجود، وفي هذا الكون خاضعة للمشيئة الإلهية ـ من اللطيف، من التقدير والقضاء أن يرحل السيد ابو حسين عن هذه الدنيا في اليوم نفسه الذي استشهد فيه نجله وعزيزه السيد عباس.
نحن إن شاء الله نعاهد روح هذا الوالد العطوف والرحيم والروؤف ـ والذي كان حزنه في قلبه والنكتة اللطيفة دائماً على لسانه والبسمة في وجهه ـ أننا سنحفظ روحه وعهده ووصية نجله، ونواصل الطريق. وفي هذه المناسبة أتقدم من عائلة آل الموسوي جميعاً وخصوصاً الأقارب المباشرين، من إخوته، من أبنائه، من بناته، من أحفاده جميعاً من أقاربه ومن عموم أهل بلدة النبي شيت ومن أهلنا في البقاع، ومن كل محبي السيد عباس وهذه المقاومة وأنصاره بالتعزية والمواساة في هذه المناسبة الأليمة، وإلى روحه الطاهرة نهدي ثواب الفاتحة مع الصلوات.
في ذكرى القادة الشهداء، في مثل هذا اليوم من كل سنة، نتحدث عنهم، عن مقاومتهم، عن قضيتهم، عن جهادهم، عن انجازاتهم.
طبعاً الحديث عن المزايا الشخصية هو حديث يطول، لأن كل واحد منهم، الشيخ راغب، السيد عباس، الحاج عماد، حقاً وإنصافاً، كل واحد منهم لديه مزايا شخصية راقية، وحقاً وإنصافاً أيضاً، كانوا أشخاصاً استثنائيين في أكثر من اتجاه وفي أكثر من بعد. لكن تعوّدت أنا في بعض المناسبات، الذكريات السابقة في 16 شباط، أن أذهب إلى بعض المزايا المشتركة بين هؤلاء الشهداء القادة. وسابقاً تحدثت عن العديد من المزايا المشتركة. في العام الماضي قلت إن من المزايا المشتركة لهؤلاء الشهداء القادة أنهم مؤسسون في هذه المقاومة، في هذه المسيرة، في هذا الحزب بالتحديد، حزب الله. إنهم مؤسسون ومن الأوائل الذين ساهموا وشاركوا وعملوا على تشييد هذا البنيان الكبير والعظيم والذي كان لله عز وجل وأُسِّس على التقوى من أول يوم، ولذلك كان ينمو ويكبر وينتصر ويحقق الانجازات.
اليوم أريد أن أضيف في المزايا المشتركة أن هؤلاء الشهداء القادة كان لهم تأثير كبير جداً جداً في تثبيت أسس وقواعد وأصول ومبانٍ وثقافة وعقلية ـ وبتعبير جامع منهج ـ لهذه المقاومة ولهذا الحزب. وهؤلاء الشهداء القادة كان لهم فضل كبير إلى جانب الكثير من الإخوة الأحياء الذين لا نغفل عن فضلهم، ولكن نحن عادة في مسيرتنا نتحدث عن فضائل الشهداء، أما الأحياء فيترك أمرهم لما بعد.
هذه الثلّة من القادة الحقيقة استطاعت أن تثبت هذا المنهج والذي ما زال يلتزم به حزب الله وسيبقى يلتزم به حزب الله، وهذا أحد الأسباب المهمة لثبات هذه المسيرة، لثبات مسارها، لثبات سيرها، لثبات مواقفها، لثبات تحالفاتها، لثبات رؤيتها، لثبات استراتيجياتها. الآن التكتيك والتفصيل هذا من الهامش المتاح والمسموح الذي يتبدل بحسب الظروف والأوضاع، وتبدل الساحات والمتغيرات.
إخواني وأخواتي: كلنا يعلم أن أي بيت ـ بكل تبسيط ـ إذا بنينا بيتاً على شاطئ البحر على الرمل بدون أساسات، أيّ موجة تزيله، إذا بنينا بيتاً بأساسات ضعيفة وواهنة أيّ هزة خفيفة تجعله ينهار. إذا بنينا بيتاً بأساسات قوية ربما يصمد في وجه الأعاصير القاسية والرياح العاتية والعواصف الكبيرة.
في مثل بلدنا، ومنطقتنا التي هي دائماً على خط الزلزال السياسي والعسكري والأمني طوال التاريخ، يجب دائماً أن نشيّد بنياناً قائماً على أسس قوية وراسخة ومتينة وصلبة، حتى يتمكن هذا البنيان من الصمود، من حماية أهله وسكّانه من الحفاظ على كراماته وعلى طمأنينتهم وعلى راحتهم وعلى استقرارهم.
ما ينطبق على المباني هو نفسه الذي ينطبق على الجماعات البشرية، سواء كنا نتحدث عن عائلة أو عن فئة، عن قبيلة، عن عشيرة، عن طائفة، عن مكوّن في شعب، عن شعب، عن مجتمع، عن حكومة، عن دولة، عن حزب، عن تنظيم، عن حركة، عن تيار سياسي، نفس الكلام. أي جماعة بشرية تتشكل وتتكون ولا يكون لها منهاج واضح وأسس ثابتة وقواعد صلبة، وكذلك أي مجتمع، أي شعب، أي دولة، سوف يصبح في مهب الريح أمام أي متغيّر، أمام أي متغيّر محلي أو إقليمي أو دولي، أمام أي عاصفة، أمام أيّ هزة خفيفة أو قوية سوف نجد أن هذه الجماعة البشرية انهارت أو سقطت أو تراجعت عن حقيقتها وماهيتها وانحرفت أو أصبحت شيئاً آخر.
هذه من السنن والقوانين الإلهية الحاكمة في التاريخ وفي المجتمعات البشرية. ما ليس له أصول وأسس ومبانٍ وثوابت يؤسس عليها رؤيته وحركته ومساره وخطابه يصبح حاله كالهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح.
ببركة هؤلاء القادة الشهداء، بتضحياتهم وحياتهم وأقوالهم وأفعالهم وجهادهم ومقاومتهم ودمائهم وشهادتهم تم تكريس أسس وقواعد صلبة وثابتة لهذه المقاومة، ولذلك وجدتم وستجدون إن شاء الله أن هذه المقاومة بعد ثلاثين عام من انطلاقتها، وفي المستقبل أيضاً هي مقاومة قوية صلبة راسخة ثابتة واضحة على درجة عالية من اليقين وعنوانها هو عنوان هذا الإحتفال: "القادة الشهداء إرادة لا تعرف الهزيمة". هذا هو عنوان المقاومة التي أسّسها هؤلاء القادة والتي ثبّتوا منهاجها وقواعدها ومبانيها.
ونحن عندما ننطلق في كل المسائل التي سأتحدث عنها الآن، وكنا نتحدث عنها دائماً، لا ننطلق من أمزجتنا "انه والله شو مزاجنا نأخذ موقف، نزعل نكسر تحالفات، نرضى نبني تحالفات" لا من مزاجاتنا ولا من انفعالاتنا ولا من عواطفنا ولا من مصالحنا الشخصية ولا من مصالحنا الفئوية ولا من مصالحنا الحزبية أو الطائفية وإنما دائماً تحضر أمامنا المصلحة الكبرى، مصلحة الأمة ومصلحة الوطن ومصلحة الناس الذين ندافع عن كرامتهم وعن عزتهم وعن سيادتهم واستقلالهم، نحن جزء منهم.
في رأس هذه الأسس أو الأصول أو المباني أو القواعد ـ سمّوها ما شئتم ـ أو المنهج مسألة الموقف من المشروع الصهيوني في المنطقة.
أولاً فهم هذا المشروع، حقيقته، خلفيّاته، منطلقاته، أهدافه، أبعاده، مخاطره، مخططاته، مرتكزاته الداخليّة والخاريجية، نقاط قوّته، نقاط ضعفه، حاضره، وبيئته الحالية، أفقه، ومستقبله، وهكذا. أولاً فهم، بعد ذلك ترتيب المواقف.
ونحن نفهم أن إسرائيل الكيان الغاصب لفلسطين المحتلة هي كيان هذا المشروع وهي دولة هذا المشروع وهي جيش هذا المشروع وهي أداة هذا المشروع الصهيوني الكبير والخطر في هذه المنطقة، ونحدّد الموقف على ضوء هذا الفهم. الموقف نحدده بناءً على انتمائنا الإنساني والأخلاقي والإيماني والعقائدي والوطني القومي، ونذهب إلى مساحة الفعل المقاوم في مواجهة هذا المشروع العدواني.
وهنا نقطة يجب أن إلفت إليها أيضا أيها الاخوة والاخوات: إن خطر المشروع الصهيوني الذي تمثله إسرائيل في هذه المنطقة، خطره يشمل المنطقة كلها، وعندما نأخذ من هذا المشروع ومن كيانه ومن جيشه ومن دولته هذا الموقف العدائي المطلق:
أولاً: لأن هذا المشروع هو الذي يحتل اليوم فلسطين، ومقدسات المسلمين والمسحيين في فلسطين، ويعمل على تهويد مدينة القدس، وهو الذي ألحق كل هذه الظلمات والمصائب والالام بالشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وما زال يفعل. هذا أولاً .
ثانياً: أيضاً لاننا نعتقد ونؤمن، والوقائع تثبت صحة هذا الإيمان وهذا الاعتقاد، أن المشروع الصهيوني خطر على هذه المنطقة، على دولها، على حكوماتها، على شعوبها، على كل مكونات شعوبها، مهما كان انتماؤهم الديني، مسلمين ومسحيين، أيّاً يكن عرقهم، عرب أتراك تركمان فرس عجم، مهما يكن، أيّاً يكن إنتماؤهم الحضاري، هو خطر على هذه الحكومات، على هذه الدول، على هذه الشعوب، وبالتالي علينا جميعاً أن نواجه هذا الخطر وأن نواجه هذا المشروع وأن نسقط هذاالمشروع.
وفي الحقيقة، إن كل مقاوم في أي بلد في هذه المنطقة، في لبنان أو فلسطين أو سوريا أو مصر أو الاردن أو العراق أو إيران أو في أي بلد وخصوصا في دول الجوار، عندما يقف في وجه إسرائيل ويقاوم الصهاينة، إنما يدافع عن كل الأمة. وقادتنا الشهداء وكل المقاومين والشهداء الذين سقطوا في لبنان هم كانوا يدافعون عن فلسطين، يدافعون عن لبنان، يدافعون عن سوريا، عن الاردن عن مصر عن كل بلد عربي ومسلم في هذه المنطقة يتهدده المشروع الصهيوني العدواني الخطير.
لا يوجد داعٍ لمعاودة الكلام عن هذا المشروع، لأنه معروف لكم ومنذ ثلاثين سنة نتكلم حوله. أريد أن أستفيد من الوقت لبقية النقاط. إذاً هذا هو المعيار الأساسي والميزان الأساسي الذي من خلاله نقيّم وندرس ونصحح ونبادر ونقيم تحالفاتنا ونأخذ مواقفنا، هذا من أهم المعايير التي ننطلق منها في هذا المجال، على هذا الأساس أولا نقيم سلوكنا، نحن حزب الله أبناء هذه المقاومة الفصيل أو من الفصائل الاساسية في هذه المقاومة في لبنان. سلوكنا، أداؤنا، تحالفاتنا، خطابنا، حركتنا تخدم هذا الاتجاه، هذه القضية، هذه الأولوية، هذه المحورية أولاً، على هذا الأساس أننا نزين ونصلّح، إذا في مكان ما في التفصيل في التكتيك، ذهبنا خارج السياق، وثانياً أيضاً من خلالها نستطيع أن نقيّم وأن ننظر الى الاخرين سواء كانوا شخصيات مؤسسات، أحزاباً تيارات ـ لنترك الدول سنتحدث عنها بعد قليل ـ في لبنان أو في المنطقة العربية أو في العالم الاسلامي، أن هؤلاء ما هو موقفهم من فلسطين، ما هو موقفهم من القدس، ما هو موقفهم من المشروع الصهيوني وكيف يتصرفون إزاء هذا الموقف. هذا معيار حاكم، ولكن في هذا الزمن، اسمحوا لي أن أقول، هذا المعيار الأول أيضاً للأحزاب الاسلامية والحركات الاسلامية الصاعدة اليوم في العالم العربي، أن تقيّم نفسها من خلاله، وأن نقيّم أنفسنا من خلاله، وأن تقيّمنا شعوبنا العربية والاسلامية من خلاله، بالخصوص عندما أكون إسلامياً، أو حركةً إسلامية، هناك أمور قد يكون من المقبول تأجيلها، قد يكون من المقبول أن لا نعبّر عنها بوضوح، أن ندوّر فيها الزوايا. ولكن قضية الأمة، قضية فلسطين، قضية القدس، خطر المشروع الصهيوني على هذه الامة، على دين هذه الأمة على مسلمي هذه الأمة كما هو خطر على المسيحية وعلى المسيحيين، لا يمكن أن أكون أنا حركة إسلامية في أي بلد عربي أو إسلامي ولا يكون موقفي واضحاً حاسماً قاطعاً لا لبس فيه باتجاه فلسطين والقدس والمقاومة في فلسطين وباتجاه إسرائيل والمشروع الصهيوني في المنطقة.
وكذلك الأمر عندما نأتي الى الدول والحكومات، لنقيّم أو نقيم علاقاتنا أو نتّخذ مواقفنا باتجاه هذه الانظمة والحكومات. خلال أكثر من ستّين عاماً من قيام هذا الاحتلال الغاصب باحتلال فلسطين، في عالمنا العربي والاسلامي أنظمة وحكومات، بعض هذه الانظمة والحكومات كان في الحقيقة متواطئاً مع الأميركي والغربي والاسرائيلي على فلسطين وعلى مصالح الامة، ساعد على بقاء هذا الكيان، على دفع الامور ياتجاه تيئيس الأمة من إمكانية تحقيق انتصار على هذا الكيان، حاول أن يقنع الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة بالقبول بالتسوية بالشروط الاميركية والاسرائيلية، وأستطيع أن أقول إن بعض الأنظمة والحكومات العربية وفي العالم الاسلامي، كانت مخلصة وصادقة للأميركي والاسرائيلي وبذلت كل ما تستطيع من جهود لتحقيق أهداف هذا المشروع، للأسف الشديد هناك صنف آخر من الحكومات والأنظمة العربية الاسلامية ـ بمعنى في البلاد الإسلامية ـ أخذت منحىً حيادياً أي إبتعدت، انشغلت في قضاياها الداخلية وكانت خارج هذا الصراع،وهذه أيضاً تتحمل مسؤولية خذلان فلسطين وخذلان شعب فلسطين وخذلان لبنان وخذلان سوريا وخذلان مصر، والأردن الذي كان له أرضٌ محتلة ولا يزال.
وهناك صنف من الحكومات والأنظمة، منذ اليوم الأول كان لهم موقفهم المقاوم والممانع والرافض، الذي تحمّل بسبب هذا الموقف الرافض والممانع تبعات ومخاطر وحصارات وعقوبات ومؤامرات كبيرة وجسيمة.
عندما أنتمي إلى ذلك المنهج وإلى هذه القضية وإلى هذا الفهم وإلى هذا الفكر، سواء كنت مسلماً أو مسيحياً، وسواء كنت إسلامياً بمعنى الإتجاه الفكري أو وطنياً أو عروبياً أو قومياً، هل من الحق والإنصاف والعدل أن أُساوي في النظرة والموقف والتقييم بين أنظمةٍ فعلت المستحيل لتبقى إسرائيل وتنتصر إسرائيل وبين أنظمةٍ فعلت كل ما تستطيع لتبقى فلسطين ولتنتصر المقاومة؟! كيف؟
ثم تنقلب الدنيا رأساً على عقب فيصبح من سكت وباع وتخاذل وحاصر وترك وتآمر هو المدافع عن شعوب وكرامات هذه الأمة والعكس كذلك، كيف؟
نحن نحتاج لهذا المنهج لنفهم ما يجري من حولنا،ونتخذ الموقف الصحيح، في زمن الفتن. يا أيها الأخوة والأخوات، هي لماذا يسمونها فتنة؟ لو كانت حقاً واضحاً وبيّناً وصريحاً لما كانت فتنة، لأن الناس يتبعون الحق الواضح والصريح والبيّن، لو كانت باطلاً صريحاً وواضحاً وبيّناً لما كانت فتنة، ولكن يؤخذ من الحق ويؤخذ من الباطل فيخلطان، فينظر قومٌ لجهة الحق فيتخذون موقفاً، وينظر قومٌ من جهة الباطل فيتخذون موقفاً مناقضاً، والصحيح أن يضع المرء القضية كلها وينظر إليها بعمق وبموضوعية، ودون إنفعال ودون تعصب، ودون مواقف مسبقة.
إنطلاقاً من هذا المنهج أود أن أدخل إلى أوضاع المنطقة قليلاً، وأختم الحديث بتعقيب عن ما سمعناه في هذه الأيام، ومنه أريد أن أدخل إلى الوضع اللبناني، وأختم بالتعليق أيضاً على موضوع التفجيرات التي حصلت هذه الأيام في الخارج والتي إستهدفت أهدافاً إسرائيلية.
عندما نريد أن ندخل إلى أوضاع المنطقة وما يجري فيها في أكثر من بلد، من الزوايا الصحيحة التي يجب أن ننظر من خلالها أو ندخل من خلالها، أولاً هو موضوع إسرائيل نفسها، إسرائيل وواقعها الحالي ، بيئتها إستراتيجية، كيف تقيّم التهديدات وكيف تقيّم المخاطر، وكيف تتصرف، وماهي الفرص التي تنظر إليها، أين هي إسرائيل، يا إخواني وأخواتي، ويا كل من يستمع؟، أين هي إسرائيل مما يجري اليوم في المنطقة؟ خصوصاً في مصر وفي سوريا وفي العراق وفي لبنان وفي فلسطين أولاً وأخيراً.
طبعاً هذه الزاوية هي زاوية سليمة للنظر إلى المسائل في المنطقة، الشعوب العربية والحكومات العربية اليوم كلها منشغلة عن فلسطين وعن ما يجري في فلسطين للأسف الشديد، لكن الآن الحدث الذي يسيطر على الإهتمامات بالدرجة الأولى هو سوريا.
طبعاً لا أقول البحرين، لأن البحرين شعب متروك لمصيره، لا جامعة دول عربية تسأل ولا منظمة مؤتمر إسلامي تسأل، ولا أمم متحدة ولا مجلس أمن دولي، لا أحد يسأل، هذا أحد أوجه المظلومية الكبرى. في أول الأحداث وفي أول الإهتمامات، ما يجري في سوريا وما يجري في مصر، حساس وكبير جداً. لنرَ الإسرائيلي، نحن اليوم مشغولون عنه لكن هو يكمل مشروعه في داخل فلسطين، تهويد القدس ومصادرة المنازل وإقامة حدائق في القدس الشرقية، وتهجير المقدسيين، هذا أمر مسموح، معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، الآن أعداد كبيرة منهم مضرب عن الطعام، الأسير خضر عدنان الذي مضى على إضرابه عن الطعام أكثر من ستين يوماً، وهو يواجه خطر الموت من خلال هذا الموقف وهذا التحدي، أين جامعة الدول العربية وأين العالم العربي؟
لو كان خضر عدنان إسرائيلياً هل كان العالم تصرف بهذه المسألة كما يتصرف الآن مع شابٍ ومع رجلٍ معرضٍ للموت، وهو يطالب بأمور محقة، لو كان خضر عدنان إسرائيلياً لما كانت الحكومات العربية الرسمية وعلى اعلى المستويات تتدخل؟ لو كان إسرائيلياً أسيراً عند فصيل من فصائل المقاومة، لما تدخل ملوك وأمراء ورؤساء عرب لدى حركات المقاومة من أجل توفير الضمانات للإطمئنان على صحة هذا الأسير الإسرائيلي؟ أليس هذا أيضاً من الأمور التي يجب أن تهز الوجدان، هذا الآن مستمر. لكن لو ذهبنا أبعد من ذلك في العقل الإسرائيلي فإننا سوف نجد أن القلق وعدم الوضوح والغموض بالحد الأدنى، لا أريد أن أُبالغ في التقييم ، القلق والغموض والإرتباك هو المسيطر على العقل الإسرائيلي حول تطورات المنطقة، وهذا عبّر عنه المسؤولون الإسرائيليون السياسيون والعسكرييون والأمنيون في أكثر من مناسبة.
قبل أيام كان هناك مؤتمر سنوي يعقد أسمه مؤتمر هرتزيليا، ويخطب فيه كبار القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين وخبراء إستراتيجيين في إسرائيل ومن خارجها، وللأسف شارك فيه بعض العرب، وهذا موقف مدان ومؤسف ومخزٍ، تحدث هؤلاء والوقت لا يتسع لأنه لدي عدد من النقاط، لكن يكفي أن أقول لكم إن العنوان العريض هو القلق، القلق ليس القلق الإسترايجي أو القلق الأمني، وإنما القلق الوجودي. يكفي أن أستشهد ببعض الشواهد السريعة، في هذا المؤتمر خطب إيهودا باراك وزير الحرب، وقال: إن التحديات السياسية والأمنية التي تواجهها إسرائيل أكثر مصيرية من التحديات التي واجهت الآباء المؤسسين أثناء بناء الدولة، أي في أول قيام دولة إسرائيل، بن غوريون وغيره من الآباء المؤسسين، هي أخطر من تلك المرحلة ومن تلك التي واجهت قادتنا، خلال فترة حرب 67 وتلك التي واجهتهم في حرب يوم الغفران 1973، يعني في أهم ثلاث محطات مصيرية في تاريخ"إسرائيل"، باراك يعتبر أن الوضع الآن هو أخطر والتهديد أكبر من ذاك الزمن، في الوقت الذي كان من المفترض أن إسرائيل تسير في إتجاه المزيد من القوة والمنعة.
طبعاً إسرائيل اليوم تتحدث عن القلق والخطر الوجودي، طبعاً ليس نتيجة الشعر والأدب والأغاني والحفلات الفنية، وإنما نتيجة الفعل المقاوم والجهادي والسياسي والصمود والإرادة والمقاومة والشهداء والتضحيات.
نتنياهو شاهد آخر، نفس هذا المعنى تكلم عنه أيضاً في ذاك المؤتمر رئيس أركان جيش العدو، لكن قبلها كان سبق نتنياهو بعد حرب 2006، كان لم يسقط بعد نظام حسني مبارك ولم ينسحب الأميركان من العراق، ماذا قال وقتها؟، قال: إن حرب 1967 شكلت بالنسبة لإسرائيل إنتقالاً من دولة كان أصل وجودها موضع تساؤل، هل إسرائيل تبقى أم لا تبقى، التي تأسست منذ 48، حرب ال 67 نقلتها إلى دولة من الغير الممكن التغلب عليها، إذ بعد نتائج هذه الحرب وبعد حرب الغفران73،تغلغل في وعي جزء من العالم العربي بأن إسرائيل لا يمكن هزيمتها، النصر والردع الإسرائيليان شكّلا عاملاً حاسماً كي تصل الدول عربية إلى فهم وجوب الإعتراف بوجود "دولة إسرائيل" وإقامة سلام معها، وهكذا تم التوصل إلى إتفاقيات سلام، مع مصر اوالأردن وإلى مؤشرات تسوية مع الفلسطينيين، ولكن (أسمعوا) ولكن، خصوصاً كل العالم العربي ولكن (أسمعوا) ـ خصوصاً كل العالم العربي وخصوصاً الشعب اللبناني وخصوصاً 14 آذار ـ ولكن بعد الانسحاب الأحادي من لبنان والانسحاب من قطاع غزة، (طبعاً بفضل من حصل هذان الإنسحابان؟)، وبعد حرب لبنان الثانية يعني تموز2006، انقلب الإتجاه وبات واضحاً الآن، هذا نتنياهو الذي يرئس احكومة العدو الآن (يتحدث)، وبات واضحاً الآن أن إسرائيل لم تعد دولةً لا يمكن التغلب عليها، وعاد التساؤل حول بقائها يلوح من جديد، ليس فقط لدى أعداء إسرائيل، وإنما أيضاً لدى أصدقائها. هذا الكلام قبل سقوط حسني مبارك وانسحاب أمريكا من العراق، فكيف الآن؟
إذاً، عنوان القلق هو العنوان المسيطر على العقل الإسرائيلي، بشكل منطقي وطبيعي لان هناك ـ وأنا لا أريد ان أبالغ ـ هناك تراجع في مرتكزات القوة لإسرائيل والمشروع الصهيوني.
من مرتكزات القوة ـ طبعا هذا وحده يتطلب حديثاً (مطوّلاً) ولكن بشكل سريع ـ التبني والدعم الأميركي والغربي، استخدام النفوذ الأميركي السياسي والأمني والعسكري والمالي في دعم إسرائيل.
اليوم أميركا والغرب إلى تراجع في منطقتنا وحتى في العالم.
من المرتكزات التسوية التي كانت متقدمة وكانت سوف تكتمل، الآن هذه التسوية بحكم المنتهية والمعدومة.
من مرتكزات القوة هو وجود أنظمة قدّمت خدمات جليلة للإسرائيلي وأخرجت أكبر دولة عربية من الصراع ـ وهو نظام حسني مبارك ـ ولكن اليوم هذا النظام رحل وقلت سابقا أيا يكن الوضع بعد نظام حسني مبارك لن يكون بسوء ذاك الوضع، ولذلك أقاموا العزاء، وانظروا: عزاء على حسني مبارك وفرح وبهجة لما يجري في سوريا، العراق كان سداً منيعاً يحمي البوابة الشرقية، ليس للعرب، كان يحمي البوابة الشرقية لإسرائيل.
نتنياهو يقول: اليوم العراق تحوّل الى حليف لإيران ولمحور المقاومة، الهيبة العسكرية الاسرائيلية سقطت في لبنان وفي غزة. القوة العسكرية من مرتكزات القوة الاسرائيلية ولكن هذه القوة العسكرية تراجع الرهان عليها ، أثبتت حرب لبنان وحرب غزة أن القوة الجوية التي يملكها العدو ـ هي أقوى سلاح جو في الشرق الأوسط ـ غير قادرة على حسم معركة، وأن القوة البرية أيضاً عاجزة عن حسم معركة وهي التي وقفت لأيام تقاتل أبطالاً في جنوب لبنان وفي محاور غزة.
من مرتكزات قوة العدو دائماً كانت ضعف هذه الأمة، ضعف أنظمتها، ضعف شعوبها، العدو اليوم يتحدث عن عناصر قوة في هذه الأمة، عن قوة المقاومة، عن قوة دول مقاومة وممانعة، خصوصاً عندما يتحدث عن الصواريخ.
"مائير داغان" من أهم الشخصيات الأمنية في إسرائيل رئيس الموساد، لما سلّم، وهذا الخبر أعيد نشره منذ يومين، هو قال للصحافيين في دردشة، قال لهم إن حزب الله يملك من القدرة الصاروخية ومن القدرة النارية ما لا تملكه 90% من دول العالم. هذا رئيس الموساد لا وزير خارجية ولا نائب بالكنيست ولا صحفي ولا خبير استراتيجي، هو رئيس الموساد ، الآن صح أم خطأ، الله اعلم، الله اعلم، لكن يكفي ان يؤمن الاسرائيلي بان المقاومة اللبنانية تملك قوة نارية لا تملكها 90% من دول العالم حتى يشكل هذا رادعاً للعدوان وحامياً لهذا البلد.
من عناصر قوة العدو كان التماسك الداخلي، العقيدة، الثقافة، الاستعداد للتضحية، هذا كله في تراجع، ورأينا حجم المشاكل الداخلية.
أمام الاسرائيلي اليوم هناك تهديدات كبيرة تحدّث عنها، لكن عنده فرص. ما زال لديه فرص. عندما أتكلم عن الفرص فليس لتعبئة الوقت وإنما لنمنع استفادة الاسرائيلي من هذه الفرص. هم يقولون ـ ليس أنا من يحلّل عنهم ـ إن الفرصة الوحيدة التي بقيت متاحة أمامهم في مصر هي أن ينتخب رئيس جديد وأن يقوم تحالف بين الجيش والرئيس لتعطيل الإرادة الشعبية وإلا الفوضى.
أيها المصريون الأحباء الأعزاء الكرام: في كل حادث أمني، في كل فوضى، في كل اضطراب، في كل إثارة طائفية ومذهبية ومناطقية تجري الآن في مصر فتشوا عن الاسرائيلي، فتشوا عن الأميركي .
في العراق أيضا فرصته هي الفوضى والاقتتال الداخلي بعد أن فشل الأميركي في البقاء في العراق.
لديه فرصة كبيرة يتحدث عنها في سوريا وهي إسقاط النظام ، هنا أحيل بعض "المحللين الأشاوس" إلى كلام أيهود باراك: "يقول: القيادة ليست دائماً بين خيارين، بين سيء وجيد، قد تكون بين خيارين: بين سيء وأسوأ، فتختار السيئ على الأسوأ".
واليوم هناك إجماع في إسرائيل ان أي خيار في سوريا هو أفضل أو أقل سوءاً من بقاء نظام بشار الأسد. هذه فرصتهم. اليوم إسرائيل تنتظر، تراهن، وتعتقد أن البيئة الاستراتيجية التي تكوّنت في المنطقة هي على حساب إسرائيل. الأمل الوحيد الآن المتاح أمامها لقلب الطاولة والبيئة الإستراتيجية هي إسقاط النظام في سوريا. البعض يقول إن إسرائيل غير مطمئنة للبديل. أي بديل في سوريا بالنسبة لإسرائيل هو أقل سوءاً إن لم يكن أفضل، الله اعلم ماذا يوجد من اتفاقات وسفارات وصفقات وسمسرات، لأن المعارضة أو الجماعة أو الجهة التي يصبح راعيها هو الأميركي والغربي والعربي المعروف تاريخه والإسرائيلي تدفع المرء إلى القلق.
يا إخواني وأخواتي، يا أيها المسلمون والمسيحيون أيها الناس جميعاً: قليلاً من التأمل، وقليلاً من اللحظات الهادئة، طيب لماذا هذا الإصرار من العالم كله على إسقاط هذا النظام، لماذا؟
أليس من الغريب والعجيب أن تصطف في جبهة واحدة أميركا وأوروبا وإسرائيل ودول ما يسمى بالاعتدال العربي التي تتحمل مسؤولية كل الكوارث التي لحقت بفلسطين وبالأمة وبالعراق وبإيران وبشعوب المنطقة خلال عقود من الزمن، وتقف الى جانبهم أيضا "القاعدة" كيف؟ كل هؤلاء يجمعهم هدف واحد وإصرار على تحقيق هدف واحد وهو إسقاط النظام.
بالنسبة إلينا، انطلاقا من المنهج الذي آمنا به، نعم نحن الآن نقف ووقفنا وأنا قلت بداية هذا الكلام في "النبي شيت" عند السيد عباس، هل يستطيع أحد أن يناقش أن النظام في سوريا هو نظام ممانع؟
على كلّ، الآن الذي يعجبه أو لا، لكننا نتحدث عن حقائق ووقائع، هذا النظام لم يستسلم، لم يخضع للشروط الاميركية والإسرائيلية، ما باع المقاومة بلبنان، ولا باع المقاومة في فلسطين، ولا المقاومة في العراق.
عندما جاء كولن باول ومعه لائحة طويلة عريضة، من جملة مطالبه كان أن المطلوب من الرئيس بشار الأسد أن يسلّم الأخ العزيز خالد مشعل والأخ العزيز الدكتور رمضان عبدالله والأخ العزيز أبو جهاد جبريل والاخ العزيز فلان وفلان وفلان، كان مطلوباً منه خطوات تجاه المقاومة في لبنان وتجاه المقاومة في فلسطين واتجاه العراق واتجاه ايران. في أي بلد عربي قد يلجأ إليه مقاوم، من يأمن من هذا النظام أن لا يسلّمه في يوم من الأيام، وليس إذا طلب ذلك كولن باول، بل إذا حكى معه فيلتمان؟
هذا النظام وقف في وجه المشروع الأميركي الاسرائيلي في المنطقة، دعم حركات المقاومة.
نعم هناك سلبيات في النظام، قيادة النظام تعترف بذلك، ولكن هذا دعوه جانباً، الآن نعود له.
أقصى ما يمكن أن يقال في النقاش ان النظام لم يفتح جبهة الجولان، أياً يكن جواب القيادة السورية على جبهة الجولان، انتم الذين تطرحون هذا الإشكال هل فتحتم جبهة؟ هل قاتلتم الإسرائيلي؟ هل قاومتم؟ هل دعمتم حركات المقاومة؟ أم أغلقتم الأبواب عليها وحاصرتموها وقطعتم عنهم المال وحتى جمع التبرعات منعتموه؟
إذن نحن أمام نظام من هذا النوع، هذا النظام يحتاج إلى الإصلاح؟ الكل ينادي بالإصلاح بمن فيهم أهل النظام أنفسهم.
منذ البداية جاءت قيادة هذا النظام وقالت إنها جاهزة للإصلاح وبدأت بالإصلاح وأصدرت قوانين، قانون أحزاب، قانون إعلام، قانون إدارة محلية، قوانين أخرى، وشكلت لجنة لتعديل الدستور بكامله، وأنا أذكر في تلك الأيام عندما كنت أحضر في المناسبات أنا وإخواني وحتى في اللقاءات الداخلية كنّا على ثقة بأن القيادة السورية تريد الإصلاح وستقدم على خطوات إصلاحية كبيرة جداً. في بعض اللقاءات القيادية مع بعض القيادات في لبنان والعالم العربي البعض كان يناقشني ويقول إنه لن يفعل شيئاً، هل سيلغي المادة الثامنة؟ كنت أقول نعم وأنا واثق، وهذه معلومات وليس تحليلاً، وهم يقولون لي أنت واهم وأنا أقول لهم إنني واثق بأنه سيلغي المادة الثامنة أي قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، هل سيقبل بأن يصبح موضوع رئيس الجمهورية انتخاباً وليس استفتاءً؟ نعم، هل سيقبل بتحديد ولاية الرئيس؟ نعم، هل يذهبون إلى الإصلاح بشكل جديّ؟ نعم.
منذ البداية قال النظام نحن جاهزون للإصلاح وللحوار، وذهب بعيداً، وهل كان المطلوب بالإصلاح أكثر مما حصل؟ هناك الآن دستور جديد وخلال عشرة أيام سيتم الاستفتاء وبعدها إلى الانتخابات النيابية. لكن في المقابل (نرى) الإصرار على المواجهة المسلّحة وعلى رفض الحوار وإسقاط النظام. ما هو المنطق؟ لماذا هذا الإصرار؟
من المفارقات الكبرى التي أدعو الجميع للتأمل فيها،هذه الحكومات العربية، لا علاقة لنا بإسرائيل والغرب دعوهم جانباً، الحكومات العربية تقول لهم ما الحل مع إسرائيل يقولون (إن الحلّ) سياسي، لا خيار عن التفاوض مع إسرائيل، حسناً، هل هناك سقف زمني؟ لا، عشرات السنين وهم يتفاوضون مع الإسرائيلي المحتلّ والمغتصب والقاتل، ويتحدثون عن مبادرة سلام عربية طُرحت بعد العام 2000 ونحن في العام 2012 ولا زالت على الطاولة. أين هي؟ ما زالت على الطاولة؟ الإسرائيلي لا يقبل.
مع إسرائيل يفاوضون لعشرات السنين والخيار هو الحل السياسي، ويرفضون الحل السياسي في سوريا فيقولون: لم يبقَ هناك وقت وفات الأوان، اشرحوا لنا، فلنفترض أن النظام في سوريا مثل إسرائيل، انتم تقبلون حلاً سياسياً مع إسرائيل وحواراً وتفاوضاً وتسويةً معها، لماذا مع نظام عربي له الكثير من الايجابيات ولديه سلبيات مرفوض الحل السياسي؟ دلّوني على المنطق، أنا سأقول لكم ما هو المنطق، ولا يقولنّ لي أحد يا سيد أنت تذهب بعيداً في هذا الموقف، أنا لا أتخذ موقفاً عاطفياً، بعض الناس يقولون هذا وفاء، نعم هذا وفاء ولكن ليس فقط وفاءً، هذه رؤية وهذا منهج ومصلحة الأمة، وستأتي الأيام ونرى ونسأل بعضنا البعض.
مُنع السلاح عن المقاومة في فلسطين وفي لبنان لكن في لبنان وصل، بينما في فلسطين مُنع السلاح، وحُوكم من يهرّب السلاح، لكن في سوريا يدفعون المال علناً ويرسلون السلاح ليقاتل السوريون بعضهم بعضاً، لماذا؟ لأجل من وخدمةً لمن ولعيون من؟ هذا الإصرار العربي الغربي الأمريكي الإسرائيلي على عدم الحلّ السياسي في سوريا وعلى القتال في سوريا وإسقاط النظام ألا يدعو إلى التوقف؟
حتى في البحرين، بالمنهجية التي لديكم إذا كنتم مع الشعوب كيفما كان لماذا لستم مع الشعب البحريني؟ تبعاً لمنهجيتنا فشعب البحرين هو شعب مؤيدٌ للمقاومة والقضية الفلسطينية وملتزمٌ بها وملتزمٌ بمواجهة المشروع الصهيوني، أذكّركم عندما بدأت الحرب على غزة، أول من نزل إلى الشارع في العالم العربي والإسلامي كانوا أهل البحرين تضامناً مع غزة، وأي شيء يمكن أن يفعله شعب البحرين لفلسطين أنا أعرف أنه جاهز لكي يفعله. وعندما كانوا يتظاهرون لأجل فلسطين ومن أجل القدس كان يُطلق عليهم الرصاص الحي من قبل السلطة البحرينية، يمكنكم الرجوع أيضا إلى الأرشيف، ولو قُدّر في يوم من الأيام أن يكون في البحرين حكومة منتخبة من الشعب البحريني ستجدونها تقف بالمطلق إلى جانب شعب فلسطين، أما النظام في البحرين والسلطة في البحرين فكلنا نعرف موقفها من إسرائيل وماذا يوجد في السرّ والعلن وما هي اللقاءات التي حصلت على التلفزيونات، ومع ذلك يُترك شعب البحرين لمصيره ويتم الدفاع عن نظام البحرين، دلّوني تبعاً لأية منهجية وبأي عقلية؟
أختم الوضع في المنطقة وأدخل إلى الوضع اللبناني،
اليوم من أجل فلسطين ومن أجل القدس ومن أجل لبنان وسوريا ومصر والأردن والعراق وكل المنطقة فإن فرصة إسرائيل الكبرى هي الفوضى والفتنة التي يُراد لها أن تنتقل في أجواء التحريض والشتائم والأكاذيب وما شاكل، هل نعطي إسرائيل هذه الفرصة وهي التي تعيش قلقاً وجودياً حقيقياً؟
طبعاً التطور الإيراني يقلق إسرائيل كثيراً بالموضوع النووي، وإن كان موضوعاً سلمياً مائة في المائة، لكن الإسرائيلي يفكّر لما بعد 20 و30 و50 سنة، أن امتلاك إيران للقدرة النووية السلمية ماذا يعني عسكرياً وماذا يعني في معادلات المنطقة؟ هكذا يفكّر الإسرائيلي، ونحن يجب علينا أن نبحث عن حل سياسي في سوريا ومصر ولبنان والعراق وفي أي بلد عربي، حتى في البحرين نحن نبحث عن حل سياسي، يجب أن نضيّع الفرصة على الإسرائيلي وأن لا نفتح أبواب بلادنا على الفتنة.
ما أقدم عليه حتى الآن الرئيس بشار الأسد والقيادة السورية من إصلاحات وما اتخذ من قرارات وأجرى من تعديلات هل يمكن أن يقدم عليه ملك أو أمير أو شيخ أو رئيس في أي نظام عربي حالي؟ بل لو أقدم أي منهم على بعض الإصلاحات الشكلية سوف نجد العالم كلّه يصفّق له ويرحّب به وأولهم الأمريكيون وقد رأينا ذلك، أما عندما يكون هناك إصلاحات جديّة يسخر منها الأميركيون لأنهم لا يريدون إصلاحات، يريدون تدمير سوريا وتخريبها ويريدون تدمير مصر والعراق، لأن هكذا تبقى إسرائيل وهكذا تستعيد أمريكا سيطرتها أو تثبت سيطرتها على المنطقة بعد أن ضعفت ووهنت.
في لبنان قبل يومين مرّت ذكرى عزيزة على جميع اللبنانيين هي ذكرى استشهاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري وعدد من الشهداء.
في تلك الحادثة، وطبعاً نحن دائماً نعبّر عن مواساتنا وعزائنا لعائلته ومحبيه وإدانتنا لكل هذا النوع من الإغتيالات والأحداث، مع الوقت تحولت المناسبة إلى ذكرى يُحتفل بها ويقام احتفال وكلمات ومواقف، ويمكن للبعض أن يقول "قطعو يعني نحكي بشي تاني، كلا". احتراماً، نحن أهل حوار وأهل منطق ونحترم عقول اللبنانيين ونحترم الطرف الآخر مهما كانت أدبياته ولغته، بالنهاية نحن لسنا إلغائيّين ولا حذفيّين ولا شطبيّين، نعترف بالآخر وبوجوده ونتحدث مع بعض ونتحدث بالإعلام، وسوف أعقّب على موضوع الحوار ...
هناك رأي عام نسمعه ويسمعنا ويجب أن يسمع وجهتي النظر للوصول إلى نتائج مطلوبة، وأنا سأعرض لبعض النقاط سريعاً بشفافية وبوضوح:
أولاً: أي دعوة للحوار الوطني بدون شروط مسبقة هي دعوة جيدة وطيبة ومقبولة ونحن نؤيدها وندعمها ونشارك فيها.
لكن لأكون دقيقاً، أي دعوة للحوار الوطني بدون شروط مسبقة نحن نؤيدها وندعمها ونشارك فيها، في أي حوار وطني أطراف الحوار تتفق على جدول أعمال ولا أحد يفرض نقاطاً على أحد ولا أحد يفرض شروطه على أحد، وإذا قبلوا فنحن جاهزون لنقاش النقاط وتفضلوا للإجتماع ونذهب للحوار إلى أبعد نقطة. أمّا إذا كانت الدعوة إلى حوار هي دعوة بشروط فهذا ليس دعوة للحوار بل شيء آخر، تسجيل نقاط ... أنا لا أريد أن أفرض فهمي لما سمعته في ذكرى الإحتفال، فهل هو حوار بشروط أو حوار بلا شروط، لأنّ الدعوة ملتبسة، أتمنّى أن أسمع جواباً واضحاً، هل الحوار بلا شروط أو الحوار بشروط، الحوار بدون نتائج مسبقة، أو الحوار مع نتائج مسبقة يراد فرضها من خلال الحوار، الثاني ليس حواراً والأول نحن معه بكل تأكيد.
ثانياً: قوى 14 آذار في الإحتفال، وأنا معني أن أجاوب لأنّ جزءاً كبيراً من الهجوم تركز على حزب الله ووجّه النداء والخطاب، وهناك جزء كبير تركز على سوريا والقيادة السورية والنظام السوري، وَبِبَعض أدبيات الخطاب ـ ومعليش حتّى لو بدّي سمّي ـ عندما بدأ الدكتور (سمير) جعجع بالتحدث وبدأ يَعُد أسماء المجازر، لو أن شخصاً غيره كان يعدّد أسماء المجازر كان أحسن، لو كلفوا عميد الكتلة الوطنية كارلوس إده كان أحسن. لا أريد أن أدخل في هذا النوع من النقاش، لكن حتى ذِكِر ثكنة فتح الله هو لنا وليس علينا، التذكير بشهداء فتح الله وبمجزرة فتح الله هو لنا وليس علينا، وهي تؤكد أنّ علاقتنا مع سوريا هي علاقة استراتيجية وأنّ رؤيتنا هي رؤية استراتيجية. وحتى عندما أخطأ بعض الضباط السوريين معنا و"صفّونا على الحيط" وقتلونا بالرصاص، لم نقاتل سوريا، (وذلك) من أجل فلسطين ومن أجل القدس ومن أجل لبنان. أمّا الذين قتلتهم ميليشيات وقوات بعض المتحدثين عن المجازر، فمن أجل مَن قُتلوا ولماذا قُتلوا؟ هذا بحث آخر. كنت أتمنّى أن لا نفتح هذا الباب.
ركزتم هجومكم العنيف والقاسي جداً على سوريا، من الخطباء الثلاثة، وطبعا الخطيب الرابع، ماذا يقولون! نسيت المثل اللبناني! إذا أول طلوع وهلال المجلس الوطني السوري الإسطنبولي أن يكون الناطق الرسمي باسمهم هو فارس سعيد فهذه "بداية طيبة جداً" ـ عادة لا أدخل بالتسمية لكن أريد تلطيف الجو قليلا لأنّ الحديث دائما بالإستراتيجيات فوق متعب ـ ركزتم هذه الحملة وفق أي قاعدة ؟ هل هي حقيقةً هذه هي مصلحة لبنان والشعب اللبناني؟ هل هي مصلحة المسيحيين في لبنان ومصلحة المسلمين في لبنان؟ سأعود قليلا إلى الماضي. يجب أن يكون لقوى 14 آذار منهج وأن يكون هناك وحدة معايير، وهم يتهموننا أنه لا يوجد عندنا وحدة معايير. كلا، وأنا حاضر للنقاش، أنا عندي معيار واحد، منه أنظر إلى مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا والبحرين والعراق وإيران وموسكو والصين وباريس ولندن وواشنطن أيضا، (لكن) أرني معيارك الواحد؟
قبل أقل من سنة خطبتُ بموضوع الثورات العربية وتحدثت بموضوع البحرين، طبعا قامت قيامة 14 آذار (...) وقد جلب لي الإخوان نصاً من جريدة النهار وليس من جريدة أخرى، أيضا بالأسماء: الرئيس سعد الحريري ـ الله يشفيه ويعافيه ـ يومها يهجم علينا ويقول: "قبل أيام صدرت مواقف عن قيادات رئيسية عن حزب الله خصصت لزج لبنان في خضم التحركات التي تشهدها بعض البلدان العربية الشقيقة، معتبراً أنّها مواقف تعتمد إزدواجية في المعايير، واعتبر الحريري أنّ موقف حزب الله هو الوجه الآخر لفكرة تصدير الإنقسام في الوطن العربي وتصدير الفتنة إلى الساحة الإسلامية. ورأى أنّ الجمهوري اللبناني عموماً والجمهور الإسلامي تحديداً بجناحيه السني والشيعي لن يقف عند هذه الترددات والدعوات الخطيرة ولن يسمح بفتح الأبواب أمام أي مغامرة ـ والكلام لـ سَعْد واسمعوا جيداً ـ بمصالح لبنان وعلاقاته مع أشقائه العرب. هذه السياسة مرفوضة من أكثرية اللبنانيين التي لا تريد للبنان أن يغرق في سياسات المحاور، معتبراً أن دعوة قيادة حزب الله لا تتوقف عند حدود التدخل في شؤون البحرين، ولكنها تؤسس لزج اللبنانيين أو فريق منهم في أدوار خطيرة تُصدر الفتاوى بشأنها من مراكز قرار "كذا". إنّ التضامن ـ يضيف الشيخ سعد ـ مع الشعوب العربية شيء وصب الزيت على نار الخلافات العربية شيء آخر، ولبنان لن يكون جسراً تعبر منه الخلافات إلى أي بلد عربي شقيق". صحيفة النهار بتاريخ 23 آذار 2011.
هذا الكلام ضعوه وضعوا خطابات الـ "البيال"، أين هذا المنطق وأين المنهاج وأين وحدة المعيار وأين الأساس، لماذا تصدرون الفتاوى وترسلون السلاح والمال وتقاتلون بالإعلام وبالسياسة وأنتم 14 آذار كلكم متورطون بالمال وبالسلاح وبالإعلام وبالموقف في تسعير القتال والصراع في سوريا. تتهموننا، ماشي الحال ضعوا اتهامنا على جنب، لكن أنتم لماذا هذا المنطق؟
أيضاً عندما اعتقل أخ عزيز لنا في مصر وكوّن ملفاً اسمه خلية حزب الله في مصر، تذكرون سخافة ذلك الوقت، من اتهام الشباب بإسقاط النظام وتغيير بنية الحكم ونشر التشيّع في مصر وغير ذلك من "السوالف"، والموضوع هو موضوع تهريب السلاح والذخيرة إلى قطاع غزة، (يومها) قامت الدنيا بـ 14 آذار ولم تقعد، حزب الله يورط لبنان وحزب الله يزجه بالصراعات وحزب الله يحمل لبنان وشعب لبنان ما لا يطيق...
أيضا آخُذ شاهداً آخر، ونخفف عن الشيخ سعد ونأخذ الحكيم، أيضا أنظروا للنص وحاكموه على خطاب 14 شباط، يتحدث عن هذه الحادثة وموضوع عناصر حزب الله وإلى آخره ، وأضاف أنّ: "هذه الواقعة لا يمكن أن تمر عرضياً في أي دولة مهما كانت النوايا حسنة، كما أنه لا يجب لأي حزب أن يسمح لنفسه بمخالفة قوانين الدول الأخرى بغض النظر عن موقف هذا الحزب أو ذاك من سياسة هذه الدول أو قوانينها"، هل قوانين سوريا تسمح لك ولـ 14 آذار بأن تدخلوا السلاح والمال وتحريض السوريين على بعضهم البعض؟ إذا كان إيصال السلاح إلى المقاتلين المقاومين الشرفاء المظلومين الذين يقاتلون عدو هذه الأمة بالإجماع ولا غبار على مظلوميّتهم مداناً فكيف تفعلون ذلك في قضية بالحد الأدنى فيها التباس وفيها فتنة وفيها شبهة وتحتاج إلى تأمل، لذلك أنا أدعوكم إلى الهدوء وإلى محاسبتنا على نفس معاييركم...
النقطة الثالثة وهي أيضا من باب النصح، أقول لهم
أنتم في 14 شباط ربطتم خياراتكم برهان واحد، ربطتم كل شيء برهان واحد، في الحقيقة لم يكن لديهم شيء ليقدموه، ليس هناك فعل يقدمونه، هناك نقطة يستفيدون منها هي بعض الوهن، بعض الضعف في الحكومة، وهذه هي حال الحكومات في لبنان. لكن أنت ماذا لديك؟ كما في السابق رهانات على تطورات خارجية! واضح، الخطاب كله، "ناطرين سوريا وحاسمين بأن النظام سيسقط في سوريا" كما حسموا في رهانات سابقة أخرى "وما زبطت معهم"، أليس من الخطأ الآن أن تزجوا أنتم، أنتم الذين تتحدثون عن الحياد ولبنان أولاً، أنا لا أقول لبنان أولاً وإنما أنا لدي لبنان أولاً لكن معه ثانياً وثالثاً ورابعاً، ليس لبنان أولاً ونقطة على أول السطر، نعم، لبنان أولاً و..، لكن لبنان أولاً ونقطة على السطر لا، ولم نكذب في أي يوم على الناس. أنتم الذين تتحدثون عن الحياد، حتى مع إسرائيل طالبتم بالحياد، مع إسرائيل، وتحدثتم عن اتفاقية الهدنة والحياد وأن لبنان بلد ضعيف ولماذا عليه أن يحمل أعباء الصراع العربي – الإسرائيلي! فلماذا في موضوع سوريا لا تقفون على الحياد؟! قفوا على الحياد. نحن نرتكب أخطاء، دعونا نرتكب أخطاء. لقد ربطتم كل شيء بأمر وحيد، هو اسقاط النظام. هناك فرضيتان واقعيتان، فماذا حضّرتم لهاتين الفرضيتين اللتين لهما انعكاس حتمي على لبنان، ماذا حضّرتم، جمهوركم، قواعدكم، البلد الذي تقولون إنكم حريصون عليه. هناك فرضية أن النظام والقيادة السورية والشعب السوري أن يحصل تجاوب في الإصلاحات وأن تعالج الأمور ويتم تجاوز هذه المحنة. على ماذا ستراهنون بعدها وكيف ستتصرفون؟! في نهاية المطاف، هذا العداء، وهذا الصراع وهذا التحريض وهذه المشاركة الميدانية لن تترك أثرها على مستقبل العلاقات اللبنانية – السورية؟! هذا من جهة.
الفرضية الثانية، لا سمح الله والعياذ بالله، انزلقت الأمور إلى حرب أهلية في سوريا، طبعاً، أنا أرجح الفرضية الأولى وأستبعد الفرضية الثانية، لم يعد هناك نظام ولا نظام بديل، ذهب البلد إلى حرب أهلية، وهذا ما تريده أمريكا وإسرائيل وتعملان له في الليل وفي النهار، أقول لكم ماذا حضّرتم للبنان الذي تتهموننا وأنا أقول لكم غير صحيح، لكن أنتم تزجون به في أتون هذه الحرب، فلماذا تتجاهلون هاتين الفرضيتين، وماذا حضّرتم لهما.
من شروط الحوار الشفافية والوضوح، نحن الجالسون على الطاولة أو الذين سنجلس على الطاولة، في النهاية لا يوجد خيار امام اللبنانيين سوى الجلوس مع بعضهم على الطاولة "منيح أن نكون نعرف بعضنا جيدا، كل واحد يعبر عن نفسه بصدق وشفافية وبماذا يفكر وماذا يريد"
انا سأتحدث عن مثلين: المثل الأول في الموضوع المالي:
أنا في الأسبوع الماضي خطبت وقلت سأتحدث بشفافية ووضوح، وهذا زمنه، نحن بصراحة جماعة واضحون: سلاحنا ودعمنا من الجمهورية الإسلامية في إيران، مشكورة مصحوبة بالصلاة على محمد وآل محمد. قام البعض في الرابع عشر من آذار واعتبر ان في هذا الموقف إدانة وهذا اعتراف عظيم. طيب انتم شو. اموالكم من أين يا شباب من أين منذ العام 2005 وحتى الآن قوى الرابع عشر من آذار انفقت على نشاطاتها وفعالياتها واحزابها وقياداتها وشخصياتها والانتخابات النيابية ما يزيد عن ثلاثة مليارات دولار، وإن أرادوا في يوم من الأيام نظهر لهم التفصيل، كل واحد كم وصله و"أدّيش قابض".
هذه الثلاثة مليارات دولار من أين؟ عيب شوفيها؟ أنا أقول من إيران. أنتم قولوا. لا أود القول انا من أين. طيب ما هي المشكلة؟ قولوا. كن صادق مع نفسك مع ناسك مع البلد "ما بطلع انا غير قانوني وانت قانوني ما شاء الله ومكتّر" طيب من أين هذا المال كله ومن أجل أي شيء هذا المال.
أود القيام بتبصرة: إيران لم تعطِ المال لحزب الله أو السلاح لأنه حزب سياسي لبناني أبداً، بل لأنه حركة مقاومة للاحتلال الإسرائيلي ودعم حركات المقاومة بالمال والسلاح هو أمر قانوني وعرف دولي وتاريخ البشرية كله قائم على هذا، والدول في العالم تدعم حركات الشعوب المقاومة، أما انتم تنظيم سياسي، حزب سياسي ليس لكم علاقة بقتال إسرائيل. لماذا ثلاثة مليارات دولار وما زلتم. توقفت الحنفية قبل مدة ولا أعرف إن عادت للعمل.
إن هذه مشاريعكم الاقتصادية "ما مبيّن"، ان هذه ورثتموها عن آبائكم واهاليكم، غير واضحة هذه النقطة.
ثانياً موضوع السلاح. لمَ لا نكون واضحين. نحن واضحون: "يا ناس في عنا سلاح اعملوا عليها قصيدة".
وفي أكثر من مناسبة قلنا نحن نزداد تسلحاً وفي كل وقت يمكننا أن نأتي بالسلاح نأتي به وكمّاً نزيد كمّاً ونوعاً نزيد نوعاً.
وهناك سلاح معروف وهناك سلاح مخفي وغير معروف أيضاً. طبعاً مخبأ وغير معروف ليس لأننا نستحي به، بالعكس لأننا نريد أن نحمي بلدنا ويجب أن نخفي للإسرائيلي دائما المفاجآت، لهذا فقط.
لننتهِ من هذا الأمر، تعالوا انتم تتحدثون عن السلاح، وما السلاح، وقولوا انكم تمتلكون السلاح واعترفوا بإمتلاككم للسلاح الذي ظهر على التلفزيونات وفي الجبهات والشوارع وفي القتال وفي المناسبات.
ثم يخرج أحد القادة في الرابع عشر من آذار ويقول إن حزب الله يتحدث عن سلاح الآخرين لتبرير سلاحه، هذا كذب كذب، اتوا لي بواحد من حزب الله تحدث بهذه اللغة وهذا المنطق. أبدا ولا يوم.
نحن عندما نتحدث عن سلاح المقاومة لدينا تبرير وحيد هذا السلاح للدفاع عن لبنان، لتحرير الأرض، لمواجهة العدوان الإسرائيلي والتهديد الإسرائيلي. بقية اللبنانيين عندهم سلاح أو لا يملكون السلاح هذا شأن آخر، لو لم يكن لدى أي لبناني قطعة سلاح واحدة فنحن متمسكون بسلاحنا حتى إشعار آخر من أجل الدفاع عن لبنان، إذاً لا نبرر سلاحنا بوجود سلاح لدى الآخرين، نبرر سلاحنا بحماية بلدنا، والذي لديه شاهد غير ذلك ليقدمه.
تعالوا قولوا نعم عندنا سلاح، وما الذي يمنع بناء الدولة؟ صاروخ زلزال الذي يصيب تل أبيب أو كما تحدثت سابقا الرشاش والآربي جي والبي كا سي والقنبلة اليدوية التي يسرق بها ويقتل بها وتصنع بها الفتنة ويتقاتل الناس بها؟ هذا الذي يهدد الاستقرار في البلد ويمنع قيام الدولة أو الصاروخ المنصوب ليحمي بيروت مقابل تل أبيب بل ليحمي الضاحية الجنوبية مقابل تل أبيب؟ لذلك في موضوع السلاح أعلنوا بصدق وشفافية عن امتلاككم للسلاح، ونأتي بهذا السلاح لنناقش ونرى في الاستراتيجية الدفاعية سلاحكم ينفع أو لا ينفع، سلاحنا ينفع أو لا ينفع ونبتّ مصير هذا السلاح.
هل أنتم مقتنعون وتريدون اقناع الناس أن الربيع العربي انطلق أو ولد من رحم ثورة الأرز "عن جد"؟ الربيع العربي خرج ضد الأنظمة التي تديرها كوندوليزا رايس والسيدة كلنتون وفيلتمان. نفس الذين كانوا يديرونكم عام 2005 وما زالوا قبل سقوط نظام حسني مبارك. كلكم ذهبتم بالصف ـ والأرشيف موجود ـ بالصف ذهبتم وبعضكم تجول طويلا مع وزير الخارجية السابق أبوالغيط في وزارة الخارجية. أنتم أسقطتم نظام حسني مبارك وجلبتم الربيع العربي في مصر؟
طيب سؤال: لو نجحت الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006 والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008 ونجحت امريكا في ضرب المقاومة العراقية وقام الشرق الأوسط الجديد الذي كنتم جزءاً منه هل كان سيولد الربيع العربي؟
هل كان سيحل على بلادنا العربية خريف وشتاء قاسٍ في كل البلدان العربية.
وأخيراً يا قادة الرابع عشر من آذار لستم في موقع من يضع الشروط أو يملي الشروط.
إذا كنتم تبنون على قراءة إقليمية معينة ورأيتم أنفسكم منتصرين وأن القصة قصة أيام وأتيتم لتملوا الشروط (فأنتم) مشتبهون. طالما أمليتم الشروط في عدوان 2006 وانتهت الحرب دون شروطكم.
ثانياً أيضاً، يا قادة 14 آذار مع احترامي لمن كانت نيّته صادقة وخالصة في الشأن الوطني، لستم في موقع من يعطي الضمانات في لبنان أمام التغيرات القائمة، لأن اللعبة في المنطقة أكبر منكم بكثير، فهل القرار عندكم حتى تعطوا ضمانات؟
وثالثاً، كل حريص على منع الفتنة بين السنة والشيعة يجب أن يعمل من الآن على إسكات نوابه وإعلامه وحلفاءه ومواقع الأنترنت التي تحرّض بلغة طائفية بغيضة في الليل وفي النهار.
مع الأخذ بعين الاعتبار هذه النقاط، أعود وأقول: نحن مع الحوار بلا شروط، لا توجد مشكلة. فليرتّب هذا الأمر، ونحن جاهزون للحوار، لدينا منطق ودليل وحجة، جاهزون للإنفتاح، وخيار اللبنانيين أن يكونوا مع بعضهم البعض وأن يناقشوا مع بعضهم، وأيضاً نحن مع الاستقرار السياسي والأمني في هذا البلد بالرغم من كل ما يجري في المنطقة، وأيضاً نحن مع استمرار الحكومة الحالية ومعالجة أزماتها ونقاط ضعفها، لأنه لو لم يكن إيجابية أو انتاجية لهذه الحكومة سوى الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي في هذه المرحلة فهي إيجابية كبيرة جداً وتستحق على المستوى الوطني أن يحافظ عليها.
في موضوع التفجيرات في الخارج، أنا أستطيع في موضوع التفجيرات التي حصلت في الهند وجورجيا وتايلند والتي جرى الحديث عنها في الإعلام، أستطيع أن أجزم لكم أننا نحن حزب الله ليس لنا علاقة، ليس خوفاً ولا طمعاً. أستطيع أن أبقى صامتاً وأدع للناس أن تسرح في خيالاتها أن حزب الله بدأ يزحزح نفسه في قضية الحاج عماد؟ ليس لنا علاقة. من له علاقة؟ ما هو التحليل؟ لا أعرف، ليس لدي معلومات ولا داع لأن نضيّع وقتنا في التحليل.
في هذه النقطة أنا أحب أن أذكّر بشيء كنت أقوله سابقاً والآن أعود وأكرره، نعم، سوف تبقى دماء الشهيد القائد الحاج عماد مغنية تلاحقهم، في وعيهم، في يقظتهم وفي أحلامهم، وهذا الدم لن يسكن.
أما ثأرنا فهم يعرفون أين، ثأرنا ليس في مجندين إسرائيليين أو دبلوماسيين إسرائيليين أو إسرائيليين عاديين. أصلاً، أنا أقول لكم: من المهين لحزب الله أن يثأر لقائده الجهادي الكبير ويقتل أناساً إسرائيليين عاديين أو دبلوماسياً هنا أو دبلوماسياً هناك.
أما من هم في دائرة الاستهداف فهم يعرفون أنفسهم ويقومون بإجراءات ويختبئون وعندما يسافرون إلى العالم يقومون بإجراءات كبيرة وخطيرة في السفر. وانا أقول لهم ابقوا كذلك لأنه ما دام هناك رجل أو شاب أو إمرأة أو طفل أو دم يجري في عروق أحدنا في حزب الله سوف يأتي اليوم الذي نثأر فيه لعماد مغنية ثأراً مشرفاً.
بين ثأر قريب غير لائق وثأر مشرّف بعيد، نفضل الثاني.
وأما الكلمة الأخيرة، سأرد فيها على كلام قيل في هذه الأيام وأختم أقولي في الموضوع الإسرائيلي، وكنت متردداً في أن أجيب أو لا أجيب، لكن البعض نصح وقال على كل حال بطريقة معينة قارب هذا الموضوع، وبه أختم: البعض كوّن صورة في المنطقة سوداوية كثيراً واعتبر أن المنطقة سوف تتغير لمصلحة أمريكا وإسرائيل، ودائماً كان يحصل هذا في المنطقة ودائماً كانوا هكذا يحللون وأن الدنيا ستنقلب، وقوموا يا جماعة 8 آذار وبشكل خاص يا جماعة المقاومة يا جماعة الحزب انظروا ماذا ستصنعون بأنفسكم،وطالعة مع بعضهم أن هناك من يفكر في حزب الله أمام المتغيّرات في المنطقة والحصار والظروف الصعبة التي سوف تأتي ـ وبرأينا "مش هيك" ـ أنه سوف يلجأ ويستعين بالإسرائيلي. طبعاً، هذا كلام معيب، هذا كلام مؤذ، وأريد أن أذكّر وأقول إن شيخ الشهداء الشيخ راغب حرب قُتل لأنه رفض أن يصافح، هذا شيخنا. السيد عباس والحاج عماد وكل قادتنا وإخواننا سقطوا شهداء لأن هذه المقاومة رفضت أن تساوم وقد عرض عليها أن تساوم، وذكرت لكم سابقاً في 2000 و2001 و2002 والأمريكيون الآن جاهزون للمساومة.
لكن في 2006، فقط كشاهد، أسوأ من الظروف التي مرت في 2006 لن يأتي. العالم ضدنا، الدول الثماني في العالم، حتى روسيا والصين أدانونا، أغلب الدول العربية ضدنا، الحكومة في لبنان ضدنا وإن كنا موجودين فيها لكنها كانت ضدنا. ثلاثة أرباع الإعلام العالمي والدولي ضدنا، الداخل هناك جزء منه ضدنا، والقصف، أغلب شعبنا هجر من بيوته، مناطق بكاملها، وبعد أيام لم يبقَ مركز أو بيت لحزب الله إلا وقصف بالطيران وقيل: لا يوجد خيار أمامكم إلا ان تستسلموا أو تسحقوا.
أحد الزعماء الوطنيين في لبنان، مخلص ومحب، في الحقيقة حاول أن يقوم بوساطة مع بعض الدول العربية، يا جماعة اعملوا، اضغطوا وأوقفوا الحرب. فقالوا له لا تعذب نفسك هناك قرار دولي عربي بسحق حزب الله. في هذه الأجواء اتصلوا بنا، طبعاً بعض قيادات 14 آذار في الحكومة وخارجها، قالوا هناك حل : إما أن تدمر إسرائيل كل شيء وتسحقكم، وإما الحل هو القبول بتسليم السلاح، القبول بتسليم الأسيرين الإسرائيليين، القبول بانتشار قوات متعددة الجنسيات في الجنوب وفي بيروت وفي المطار وفي الميناء وعلى امتداد الحدود اللبنانية – السورية، فعندها تقف الحرب، هذه الشروط الثلاثة تقبلون بها فتقف الحرب.
أنا لأول مرة أتحدث في العلن، في لقاءات داخلية واسعة مع الشباب لها طابع تعبوي أنا قلت للأخوة: أنا واحد من الناس منذ صغري عندما صعدت إلى المنبر وكان عمري يومها 15 سنة، صعدت وخطبت، من يومها أقرأ وأتابع وأدرس، وعندنا موضوع الإمام الحسين (ع) وكربلاء وعاشوراء، فكل سنة نحن الشيعة نندب الإمام ولدينا موسم، ونتحدث عن الإمام الحسين (ع) وعن كربلاء، وأنا لا أدّعي الآن أني فهمت بشكل صحيح وكامل، لكن قلت لإخواني والآن أقول لكم: لم يمر في حياتي يوم اقتربت فيه من فهم الإمام الحسين(ع) وكربلاء إلا في الأيام الأولى من حرب تموز. لماذا؟ لأنهم جاءوا وقالوا: عندك خياران: إما أن تستمر الحرب وتسحق، وإما أن تستسلم، تسلم سلاحك، تتخلى عن الأسرى، تتخلى عن فلسطين، تتخلى عن سيادة بلدك، تتخلى عن أمن واستقرار شعبك وأهلك، تتخلى عن كرامة شعبك، تقبل باحتلال جديد تحت اسم المتعددة الجنسيات، أي مثلما كان موجوداً في العراق، فإما الاستسلام الذليل وإما السحق، الموت العزيز.
في تلك اللحظة، لماذا أنتم ترون في كل سنة وفي كل موسم أقف عند هذه الجملة، حقيقةً في تلك اللحظة، قبل أن أتشاور مع إخواني وأرد الخبر، الذي حضر في وجداني وفي عقلي وفي قلبي مباشرة يوم العاشر عندما وقف الإمام الحسين (ع) وقال: "ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة".
أقول لهذا القائل : أنت تعرفنا أكثر من غيرك ولكل من يخطر في باله هذا الوهم، أنت تعرفنا، تاريخنا، عقليتنا، ثقافتنا، إرادتنا، هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت ونفوس أبية وأنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام. ولذلك كان شهداؤنا بمستوى عباس الموسوي وراغب حرب وعماد مغنية، نحن أهل هذه المقاومة، أقول لكم : باقون هنا، مستمرون هنا، في هذا النهج، في هذه الرؤية، في هذا الوضوح، في هذه الثوابت، ولا تقلقوا على المستقبل. القلِق اليوم هو الإسرائيلي والأميركي، الضعيف اليوم هو الأميركي والإسرائيلي، هذه الفتنة، هذه الفرصة لإسرائيل سنتمكن جميعاً من مواجهتها بالوعي بالثبات بالإرادة التي لا تعرف هذه الهزيمة.