كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في احتفال تكريم أبناء الشهداء الذي أقامته مؤسسة الشهيد في قاعة مجمع شاهد طريق المطار.
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في احتفال تكريم أبناء الشهداء الذي أقامته مؤسسة الشهيد في قاعة مجمع شاهد طريق المطار.
(...) هناك من يقول اليوم، إنَّهم في حزب الله مأزومين، مربكين، لا يعرفون ماذا سيفعلون، أيامهم صعبة، من هذه السوالف. هم يقيسون على أنفسهم وعقولهم وقلوبهم ومعنوياتهم وخلفياتهم ومبانيهم الفكرية والثقافية والنفسية، لكن المقاومة غير ذلك. منذ بداية الانطلاقة المقاومة غير ذلك، ودائمًا كانت تعيش في الصعوبا، وتواجه الصعوبات.
في حرب تموز، كانت حرب كونية، اصطف العالم كله، لكن اليوم على الأقل هناك روسيا والصين في هذه الجهة ودول البراكس كلها أو أغلبها في هذه الجهة، لكن بشكل أساسي روسيا والصين من يملكان الفيتو في مجلس الأمن. وهناك دول إقليمية في هذه الجهة، وهناك دول في تلك الجهة، وهناك دول "لا بالعير ولا بالنفير". لكن في حرب تموز حتى روسيا والصين ومجلس الأمن، دول البراكس، دول الثمانية، الدول العشرين، كلهم أصدروا بيانات وأدانوا المقاومة في لبنان وحملوها مسؤولية ما يجري، وغطوا الحرب العدوانية التي كان هدفها سحق هذه المقاومة في لبنان، وافترض البعض أنَّ المقاومة تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي كانت في أعلى مرحلة من مراحل التجوهر وتلألأ هذه الأنفاس الطيبة والمباركة.
كثيرون ظنوا أن المقاومة تبكي على أيامها الأخيرة في الوقت الذي كانت تتحدث فيه المقاومة عن الانتصار التاريخي وعن إلحاق الهزيمة بالعدو.
اليوم، أنا أحب أن أطمئن القلقين علينا في هذه المناخات الموجودة في المنطقة، لا ، المعركة الآن مختلفة. الظروف والمعطيات المحلية والإقليمية والدولية لا يمكن أن تقاس بما كان عليه الوضع في حرب تموز، لا وضع الصديق ولا وضع العدو، ولا طبيعة التحالفات ولا طبيعة الظروف. نعم، المنطقة كلها تعيش ظروف صعبة وقاسية، ولكن الأمر مختلف.
أقول لكل الذين ما زالوا يواصلون الطريق، ولكل الذين ما زالوا يراقبون هؤلاء الذين يواصلون الطريق، ولكل الذين يعنيهم ما يجري، أقول لهم: إنَّ إيماننا بالله وباليوم الآخر وبوعد الله سبحانه وتعالى، يعطينا القدرة على الصبر والثبات أيًا تكن التضحيات..
هذا الايمان هو الذي يعطينا القدرة على التضحية حتى بكل عزيز، سواءً كان هذا العزيز هو النفس التي بين جنبينا أو الابن أو الأخ أو الأب أو الزوجة أو البنت .. هذا الايمان هو الذي يعطينا الأمل بالنصر وبالفوز. نحن لا نقاتل ولا نصمد ولا نثبت ثبات اليائسين بل ثبات الواثقين بالنصر والغلبة والفوز على هؤلاء المعتدين والمتجبرين. هذا الإيمان هو الذي أعطانا القدرة على الصبر والثبات خلال ثلاثين عاماً ولو قل الناصر وكثر العدو، وهو الذي كان يعطينا وضوح الرؤية. المسألة ليست كم نملك من السلاح أو العتاد أو العديد أو الإمكانات المادية، هذه عناصر مساعدة، العنصر الأساسي الذي نبني عليه هو هذه الروحية العالية التي يتمتع بها المجاهدون.
اليوم نحن نواجه حرباً أخرى، يسميها سماحة السيد القائد "الحرب الناعمة". العدو ولا اقصد فقط العدو الاسرائيلي، الإسرائيلي هو مقاتل في مشروع العدو، من يدير هذا المشروع في العالم هي الادارة الاميركية. هؤلاء أدركوا جيداً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (قده)، وإنطلاق هذه الصحوة الإسلامية العارمة في العالم، وجاء نموذج حركات المقاومة الإسلامية أيضاً في منطقتنا، بدأوا يفتشون ويحللون : أين سر القوة. كما الحديث عن إيران، 8 سنين شباب إيران، رجال إيران يقاتلون في جبهة في ظل أسوأ حصار عالمي. في الحرب خلال 8 سنوات لم تكن إيران قادرة على استيراد حتى "الدبوس"، حتى شريط حديد عادي خشية أن يأخذوه إلى الجبهة ويصنعوا منه أسلاكاً شائكة. إيران التي كان يحاربها ويحاصرها العالم كله قاتلت ثمانية سنوات. (..)
اليوم هم يدركون جيداً أنهم عاجزون عن اجتياح أرضنا واحتلال أرضنا لذلك يريدون اجتياح عقولنا وقلوبنا واحتلال نفوسنا لنسقط من الداخل، حتى لا يكون هناك سواعد تحمل هذه البنادق أو هذه الصواريخ. إذا قسنا ما عندنا من صواريخ ومن سلاح وما لدى الجيوش العربية من صواريخ ومدافع وأسلحة وطائرات وبوارج! اليوم تجلس وتراقب الإعلام الإسرائيلي، كل همه وغمه حزب الله وصواريخ حزب الله ، وخوفه من انتقال الصواريخ من سوريا إلى حزب الله وأن تصل الأسلحة الكيمائية لحزب الله؟ ما هو الفرق؟ هل هو قصة عدد؟ أو أشكال؟ لا، الموضوع له علاقة بالإيمان والإرادة.
اليوم تشن علينا حرب ناعمة وكبرت هذه الحرب بعد حرب تموز. كل ما نؤمن به ونحترمه ونقدسه ويشدنا إلى الأمام ويقوينا ويملأ قلوبنا وأرواحنا بالطمأنينة يريدون إسقاطه وتدميره وتشويهه. كل مقدس ننظر إليه بقداسة يريدون إسقاطه، وبالتالي مطلوب أن نتخلى عن كل هذه القيم والمفاهيم لأننا إذا تخلينا عنها لا يعود هناك نفع لا للصاروخ ولا للمدفع ولا للتنظيم.
اليوم للأسف الشديد، هناك مليار و400 مليون مسلم والقدس محتلة والمسجد الأقصى محتل والآلاف في السجون، والإسرائيلي يهدد بهدم ثماني قرى فلسطينية جديدة وأميركا تنهب خيارتنا وتستبيح بلادنا ومقدساتنا ولا احد يحرك ساكناً.
الموضوع هو النيل من قيمنا، والاستهزاء من كل شيء. اليوم لا يوجد في الفضائيات والصحف والمقالات والانترنت نقاش فكري، هناك استهزاء وسخرية وتوهين وتسقيط لكل القيم بحيث يأتي يوم عندما تقول جهاد ومقاومة وشهادة وشهيد وعوائل شهداء وجرحى وأسرى ومحررين يستهزئون بك.
بعد حرب تموز هناك وسائل إعلام وفضائيات ينفق عليها عشرات ملايين الدولارات "شغلتها 24 ساعة " أن تطعن وأن تشوه وأن تحطم وأن تدمر كل المقدسات والقيم التي تؤمنون بها.
آلاف مواقع الانترنت، صحف ومجالات وكتّاب، اليوم المطلوب هو أن نشتم ونشتم ونشتم وأن تشتم هذه القيم. وفي السياق نفسه، اليوم ما يجري في لبنان في كثير من المناطق، هذه الفوضى ، هذا القتل الذريع، هذا الإفقار؟ أنا أقول هذا إفقار متعمد من حكام، كثير من هؤلاء الحكام أدوات صغيرة وحقيرة عند الأميركي، إفقار متعمد لأنه "ما ذهب الفقر إلى مكان إلا وقال له الكفر خذني معك"، إفقار متعمد حتى تبقى شعوبنا العربية والإسلامية تبحث عن لقمة العيش وعن الخبز.
قد يسأل البعض: مولانا لماذا لا تحدثنا عن سلسلة الرتب والرواتب، عن إضراب الموظفين في الدولة، عن غلاء الأسعار؟ المطلوب أن ننشغل بهذه الأمور. المطلوب في العالم العربي والإسلامي أن نبقى لاهثين وراء لقمة الأكل وشربة الماء والغرفة التي نسكن فيها والكهرباء ؟ هذا مطلوب أصلاً. هذا متعمد، وصولاً إلى تدمير بيئتنا اجتماعياً وأخلاقياً. هذا عالم المخدرات ليس بالصدفة. هذه الأفلام الإباحية التي تباع على الطرقات بأسعار زهيدة وتافهة. هناك من يمّول هذه الأفلام. المطلوب أن يأتي يوم لا يكون الولد مع أبيه على المنصة الصاروخية وإنما والعياذ بالله أن يكون في الكباريه أو في غرف الليل وليس من جملة اهتماماته لا الجنوب ولا لبنان ولا فلسطين ولا القدس ولا الكرامة ولا العزة. المهم شهواته وترفه، هذه هي الثقافة الغربية.
انظروا إلى مستويات القتل والاغتصاب والجرح والنهب في المجتمعات الغربية! ومع ذلك بين الفترة والأخرى يسلط الأضواء على بعض الأحداث في لبنان. لبنان الآن على الرغم من كل ما فيه وكل ما يجري الحديث عنه هو أكثر أمناً من واشنطن ومن نيويورك.
نحن هنا نحتاج إلى مقاومة لهذا التحدي، مقاومة من نوع آخر، مقاومة فكرية، ثقافية، أخلاقية، روحية، نفسية، حتى يبقى إيماننا هذا ، لأن هذا الإيمان هو سبب خلاصنا وقوتنا وفوزنا في الدنيا والآخرة. طبعاً، هذا يعود بدرجة أساسية إلى إرادتنا وإلى عزمنا وليس فقط بالفهم والمعرفة.
هناك الكثير من الناس ضد إسرائيل والاحتلال مثلنا وترفض القتال وهم لديهم المعرفة والفهم لكن لا يريدون القتال، لذا نحن بحاجة إلى إرادة وعزم لعدم الاستسلام للحرب الناعمة وان نملك عزم وإرادة المواجهة.