كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله خلال الاحتفال المركزي الذي أقامه حزب الله لمناسبة أربعينية الإمام الحسين (ع) في بعلبك.
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله خلال الاحتفال المركزي الذي أقامه حزب الله لمناسبة أربعينية الإمام الحسين (ع) في بعلبك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله، يا بن رسول الله وعلى الارواح التي حلّت بفنائك، عليكم منّي جميعا سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار ولا جعله الله آخر العهد منّي بزيارتكم، السلام على الحسين وعلى علي أبن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
السادة العلماء، الإخوة والأخوات، الأهل الكرام، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته وعظّم الله أجركم وشكر الله سعيكم وبارك الله فيكم وبيّض الله وجوهكم في الدنيا والاخرة لمواساتكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ولمواساتكم لأهل بيت رسول الله (ص) ولإحيائكم هذا الأمر، الذي هو أمر الانبياء والرسل ورسالات السماء والقرآن والسنّة والأمة ولأمجاد الامة وماضيها وتاريخها ومستقبلها ومصيرها وآلامها وأمالها.
إنني أتوجه إليكم جميعاً بالتقدير والتحية والشكر على هذه المشاركة المشرّفة العظيمة والكبيرة. وكثير منكم مشَوا منذ ساعات الفجر الأولى عشرات الكيلومترات، من قرى وبلدات البقاع المختلفة وكثيرون جاؤوا من خارج البقاع أيضاً من مختلف المناطق اللبنانية، الذين مشَوا لساعات في هذا الطقس البارد جداً، تحمّلوا كل هذه المشاق، عبّروا عن بعض المواساة لتلك القافلة الجهادية الحسينية الزينبية، التي مشت مئات الكيلومترات، من الكوفة إلى الموصل إلى نصيبين إلى الرقّة إلى حلب إلى حماه إلى حمص إلى بعلبك إلى دمشق، ولم ينل طول السفر وصعوبة الطريق ومشاق الأحوال والغربة والوحدة والمظلومية والأحزان، لم ينل من عزمها ومن إرادتها ومن حضورها.
أنتم اليوم تعبّرون عن إيمانكم، عن عشقكم وعن صدق بيعتكم لرسول الله (ص)، لأهل بيت رسول الله وصحابة رسول الله، لمسلمي صدر الإسلام الأوائل، لحفيد رسول الله أبي عبد الله الحسين (عليه السلام). وعندما قلتم له في يوم العاشر، بأعلى الاصوات ناديتموه وقلتم له لبيك يا حسين، ها أنتم في يوم الأربعين تمشون المسافات الطويلة في بعضِ تجسيدٍ لصدق هذه البيعة وصدق هذه التلبية من خلال هذه المواكب والقوافل وفي هذا المكان بالتحديد، في مدينة بعلبك، وعند مشهد رأس الحسين في مرجة رأس العين. تجددون ذكرى تلك القافلة المجاهدة الشريفة المظلومة من أبناء وبنات رسول الله صلى الله عليه وآله من جماعة بقيّة السيف في كربلاء، من حَمَلة راية الحسين ودم الحسين وصرخة الحسين التي ستبقى مدوية في التاريخ والوجود إلى قيام الساعة.
هنا في مدينة بعلبك وعند هذا المسجد المبارك نزلت القافلة وإمامها زين العابدين(ع)، وفيها زينب وأخوات زينب والبقية الباقية من العطرة الطاهرة.
وعند هذا المشهد، وُضعت الرؤوس، رؤوس الحسين(ع) والعبّاس وعلي الأكبر والقاسم وحبيب وزهير بن القين وبقية الشهداء من الآل والأصحاب.
ونحن نحتشد في هذا المكان اليوم، لنقول للشهداء في كربلاء وللسبايا في موكب الأحزان والإباء، نقول لهم: أنتم الأحياء حقاً فينا، في فكرنا وثقافتنا ووعينا ووجداننا وقلوبنا وعقولنا وعواطفنا وإرادتنا وعزمنا وعشقنا وحبنا وشوقنا.
أنتم يا ساداتنا، أنتم دماؤنا التي تجري في العروق ودموعنا في المآقي والعيون، أنتم دقّات قلوبنا ونسيم حياتنا وكل كرامتنا، ونحن على خطاكم لن نحيد ولن نتردد وسنواصل المسير حتى نلحق بكم وتكون لنا في دنيانا إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة.
في يوم العاشر من كل عام نقف لنكرر صرخة الحسين (ع) وموقف الحسين(ع) الذي تختصره جملة، وأنا أعشق هذه الجملة وأكررها وأعيدها في كل عاشر وفي كل يوم أو مناسبة فيها للحسين (ع) ذكرى وذكر، لأنها خلاصة الموقف، جوهر ديانات الأنبياء ورسالة السماء وحقيقة الدين والعبودية لله وحده "ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة وهيهات منا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وأنوف حميّة ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
وفي يوم الأربعين يمكننا أن نأخذ جملة من زين العابدين(ع) لنجعلها موقفاً وشعاراً وحقيقةً ثابتةً ودائمة، ويمكننا أن نأخذ موقفاً من كلام للسيدة زينب (ع). ومن خلال الموقفين نحدّد، كما في يوم العاشر، خيارنا وطريقنا ورؤيتنا وموقعنا ونظرتنا إلى المستقبل.
أما الموقف من زين العابدين (ع) في مجلس ابن ازدياد، عندما استضعف ابن زياد هذا الجمع القليل، المقتول أحبابه وسادته وقادته، ثم شعر بالقوة والكبرياء والجبروت. وفي مواجهة زين العابدين (ع) هدّد الإمامَ زين العابدين بالقتل، هذا الإمام الذي كانت تقيّده السلاسل وتهزّه الحمى ويرى من حوله عمّاته وأخواته والسبايا والأطفال. ماذا كان جوابه في مقابل التهديد؟ قال كلمته الشبيهة بـ "هيهات منا الذلّة" والتي كانت وما زالت شعارنا وروحنا وحقيقة موقفنا، ونجدّدها اليوم : أبالموت تهدّدني يا ابن الطلقاء، إن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.
نحن أيضاً نقول في هذا اليوم، وأمام كل ما يجري في المنطقة، وكل ما يجري في العالم، وما نسمعه في كل يوم وفي كل ساعة، من تهديدات أميركية وإسرائيلية وعملاء أمريكا وإسرائيل في المنطقة من وعيد وتهديد وتهويل في الليل وفي النهار، نحن أيضاً نقول لهم، وفي وضع مختلف: أبالموت تهددوننا، ونحن أبناء الحسين وزين العابدين، نحن أبناء رسول الله وآل رسول الله وصحابة رسول الله، نحن أبناء بدر وخيبر وحنين وكربلاء، القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة. بهذه الروح واجهناكم من العام 1982 وما زلنا نملأ الساحات.
وفي موقف زينب(ع) في مجلس يزيد الذي ظنّ كما قالت له زينب أنه قد سيطر على الأمة والأرض وجاء زمانه واستحكم أمره وهو ينكث بعصاه ثنايا أبي عبد الله الحسين عليه السلام، ذلك الرأس الموضوع في قصره وبين يديه، وقفت زينب، وفي أي حال، زينب المسبيّة، الغريبة، الوحيدة، التي لا ناصر لها ولا معين، لكن ماذا قالت ليزيد في خطبتها الطويلة الواضحة القويّة المتينة، ولكن أنا أريد أن أخذ الجملة التي ننظر من خلالها إلى المستقبل كما نظرت إليه سيدتنا زينب (ع) عام 61 للهجرة، ونحن الآن في عام 1433 للهجرة، مع كل هذا الفاصل، من 61 للهجرة، وفي ذلك الحال، وفي مجلس ظاهره غلبة يزيد، ماذا قالت زينب (ع): فكد كيدك واسعَ سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحونا ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد".
ونحن اليوم أيضاً نقول لكل المتآمرين على هذه الأمة، على مقدساتها وعلى شعوبها وعلى خيراتها وعلى دينها وعلى مقدراتها، والذين يكيدون لها في الليل وفي النهار، ويتربّصون بمقاوميها ومجاهديها وشرفائها، نقول لهم ولسنا في حال كحال زينب في قصر يزيد، بل نحن حشودنا تملأ الساحات ورجالنا تملأ الجبهات في أكثر من جبهة وبلد فيه للمقاومة جبهة وللممانعة محور وللموقف رجال، نحن نقول لكل طواغيت هذا العالم: فكيدوا كيدكم واسعوا سعيكم وناصبوا جهدكم، والله لن تمحوا ذكرنا ولن تميتوا وحينا ولن تدركوا أمدنا، وهل رأيكم إلا فند وأيامكم إلا عدد وشملكم إلا بدد.
اليوم، ومن هذه الساحة، ساحة مشهد رأس الإمام الحسين عليه السلام وملتقى سباياه، الساحة التي شهدت في العصر الحاضر الانطلاقة الجهادية الشعبية للإمام القائد السيد موسى الصدر، وكذلك شهدت انطلاقة المقاومة الإسلامية في لبنان، وكذلك شهدت أول عرض للمقاومة بالسلاح في يوم القدس العالمي في أول ذكراه، هذه الساحة التي لطالما احتضنت أجساد الشهداء العائدين من أبناء هذه المنطقة الأبيّة، العائدين من الجنوب والبقاع الغربي، أو شهداء القصف الإسرائيلي على بعلبك ودورس ومخيمات التدريب في جنتا وعين كوكب، من هذه الساحة، نؤكد اليوم وبشكل حازم وقاطع وبيقين ليس بعده يقين، تمسّكنا بخيار المقاومة، بنهج المقاومة، بطريق المقاومة وبسلاح المقاومة، لأن هذا الخيار، هذا الطريق، هذا السلاح، إلى جانب الجيش والشعب، هو الضمانة الوحيدة لأمن لبنان وحماية لبنان وكرامة لبنان وسيادة لبنان.
أنا بالأمس شعرت بالسعادة عندما استمعت إلى الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كيمون وهو يقول إنه قلق من القوة العسكرية الخاصة بحزب الله.
هذا يطمئننا، أقول له: قلقك، يا حضرة الأمين العام، يطمئننا ويسعدنا. ما يهمّنا هو أن تقلق وأن تقلق أمريكا من ورائك وأن تقلق إسرائيل معك. هذا لا يعنيننا على الإطلاق. همّنا أن يطمئن أهلنا وشعبنا ونساؤنا واطفالنا وكبارنا وصغارنا أنّ في لبنان مقاومةً لن تسمح بسبيٍ جديد ولا باحتلال جديد ولا بانتهاك جديد للكرامة. هذا هو الذي يُسعدنا ويطمئننا.
وأنا أقول له ولكل العالم: هذه المقاومة الجهادية المسلّحة باقية ومستمرة ومتصاعدة في قوتها وقدرتها وجهوزيتها، وتزداد إيماناً ويقيناً بصوابية خيارها، ونحن أصحاب التجربة في لبنان وفي فلسطين وفي العراق وفي كل المنطقة التي عاشت الاحتلال. وما زالت فلسطين تحت الإحتلال، خلال عقود من الزمن. ما كانت نتيجة الرهان على جامعة الدول العربية وعلى أغلب الأنظمة العربية وعلى منظمة المؤتمر الإسلامي وعلى منظمة الأمم المتحدة، وعلى مجلس الأمن وعلى الاتحاد الأوروبي وعلى وعلى وعلى...
ما هي النتيجة؟
النتيجة أن فلسطين ما زالت تحت الاحتلال، أن أكثر من عشرة آلاف فلسطيني وفلسطينية ما زالوا في السجون، أن ملايين الفلسطينيين ما زالوا مشرّدين خارج بلادهم وديارهم، وأنّ قدس المسلمين والمسيحيين يدنّسها الصهاينة ويهوّدونها في كل يوم.
أما المقاومة في لبنان التي آمنت بالله، وراهنت على سواعد رجالها، واحتضان نسائها وشعبها، أنجزت التحرير. المقاومة في غزة أنجزت التحرير. المقاومة في العراق أنجزت التحرير.
في هذا الزمن، في بدايات عام 2012، من الغريب بعد كل هذه الانجازات التاريخية لخيار المقاومة ولطريق المقاومة وإنجازات عظيمة جداً في لبنان وفلسطين والعراق، يأتي من يناقشنا في المقاومة، في جدوى المقاومة، في نهج المقاومة. ما هو بديلك، ما هو خيارك، ما هو طريقك؟
اليوم نحن نؤكد على هذا المعنى.
وفي مسألة الحوار الوطني أنا لم أقل يوم العاشر من محرم إننا نرفض الحوار، أنا قلت، وكنت محدداً وواضحاً، إن هناك من لا يريد من الحوار إلا نزع السلاح، وأنا قلت له: لن تستطيع أن تحقق هذا الهدف، واليوم في يوم الأربعين أقول له: هذه أوهام، هذا سراب، لن تستطيع أن تحقّق هذا الهدف.
أما الحوار الوطني من أجل وضع استراتيجية دفاعية وطنية لحماية لبنان، فنحن أهل الحوار، نحن دعاة الحوار، نحن جاهزون لهذا الحوار، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى ثنائي أو ثلاثي أو رباعي.
دائما كنا نقول: نحن أهل الحوار، لأننا نملك المنطق والبيّنة والدليل والحجّة القويّة والتجربة والانجازات الحاضرة، نحن عندما نتحدث عن جدوى المقاومة لا نتحدث عن تجارب مئات السنين أو شعوب أخرى في العالم نتحدث عن تجربة صنعها شعبنا، أهلنا، رجالنا، نساؤنا، أطفالنا وكبارنا والصغار، صُنعت هنا، في الجنوب والبقاع وبيروت والضاحية والجبل والشمال، هنا صُنعت وإنجازاتها شاهدها العالم بعينيه، ولذلك نحن أولى الناس بالحوار، لأننا أهل الحجة والمنطق والبيّنة والرؤية الواضحة المستدلة، ولسنا أهل شعارات وحماس وجمل غير مفيدة أو غير مفهومة.
أيضا هنا يجب أن نذكر إمام المقاومة المغيّب الامام السيد موسى الصدر، أعاده الله بخير، ونذكر أخويه سماحة الشيخ محمد يعقوب والأستاذ السيد عباس بدرالدين، ونؤكد تأييدنا لخطوات الحكومة اللبنانية والبعثة اللبنانية الرسمية التي ذهبت إلى ليبيا في هذه الأيام، ونشكر الأخوة في ليبيا على استعدادهم للتعاطي مع هذا الملف بالجدية المطلوبة ونطالبهم بذلك، خصوصاً أن تبذل جهود في إطار تحقيق مشترك لإيصال هذه المسألة إلى خواتيمها الطيّبة التي تتمناها عائلة الأمام الصدر، عائلة الشيخ يعقوب، عائلة السيد بدرالدين، وكل محبيهم في هذا البلد، وهم كثر.
في الموضوع الأمني، قبل الموضوع الحكومي، أنني أود أيضا أن أؤكد في هذا اليوم، ومن مدينة بعلبك، حرصنا على السلم الأهلي، على الاستقرار الأمني في البلد، حرصنا على أن لا يتحول أيّ خلاف سياسي، وهذا التزامنا هذا خطنا هذا موقفنا هذا ديننا، أن لا يتحول أي خلاف سياسي حول أي مسألة من مسائل لبنان وحتى من مسائل المنطقة، سواء اختلفنا على سورية أو العراق أو إيران أو فلسطين أو البحرين أو أي مسألة من مسائل المنطقة، أن لا يؤدي الخلاف السياسي في لبنان إلى أي تصدّع في الوضع الأمني أو شرخ في الاستقرار والسلم الأهلي.
أؤكد التزامنا الشديد، أدعو إلى هذا الالتزام، وأيضا أؤكد على المسؤولية بحفظ الأمن الداخلي، الأمن الاجتماعي، مواجهة اللصوص، مواجهة القتلة، مواجهة المعتدين في كل المناطق اللبنانية. هي مسؤولية الدولة، هي مسؤولية الحكومة، مسؤولية الجيش والمؤسسات الأمنية. ليست مسؤولية أي جهة، لا المقاومة ولا أي جهة حزبية، ونحن نرفض أن يُلبسنا أحد هذا القميص، أو أن يحمّلنا أحد هذه المسؤولية، هذه مسؤولية الجيش والمؤسسات الأمنية.
أي إنجاز أمني يحسب لهم، وأي تقصير أمني يحسب عليهم، ونحن من خلال موقعنا في الحكومة وفي البرلمان وفي الشارع وفي الساحات، نجدد المطالبة للجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية بأن تتحمل مسؤوليتها كاملة عن أمن جميع المناطق اللبنانية، وليس هناك أي عذر أو حجة للتخلّف عن تحمّل هذه المسؤولية.
في الشأن الحكومي، نحن حريصون على بقاء هذه الحكومة واستمرارها، وتصرّفنا على هذا الأساس. نأمل من رئيسها ووزرائها أن يبذلوا جهوداً أكبر، أن تكون الحكومة فعالة أكثر، أن تعطي الأولوية لقضايا الناس المعيشية والاجتماعية والحياتية، وهذا هو ما يجعل هذه الحكومة شعبية وتحظى باهتمام الناس وبدعم الناس.
في مسألة أجور العمال والمعلمين والموظفين، آن لهذه المسألة أن تُحسم وأن تنتهي، ويبدو للوهلة الأولى أنها لم تعد مسألة روتين ونقاش قانوني. أستطيع أن أقول: بدأنا ننظر إليها في دائرة الشبهة، وكأنه هناك من لا يريد لهذه الحكومة بالتحديد أن تنجز أمراً مهماً وحياتياً وحساساً بهذا المستوى.
على مستوى الوضع في المنطقة
بالنسبة لسورية، ونحن في لبنان البلد الأكثر تأثر بما يجري في سورية شئنا أم أبينا. كل تنظير عن النأي، صحيح نحن نحاول في لبنان ان ننأى بوضعنا السياسي والأمني والحكومي والرسمي عما يجري في سورية، لكن نحن أكثر بلد في المنطقة يتأثر بما يجري في سورية كلبنانيين، لذلك نحن ومن موقع الحرص والمحبة لسورية لشعبها وجيشها وأهلها وقيادتها وكل من فيها وما فيها ندعو المعارضة السورية في الداخل والخارج إلى الاستجابة لدعوات الحوار من قبل الرئيس الأسد والتعاون معه لإجراء الإصلاحات التي أعلن عنها، وهي على درجة عالية جداً من الأهمية، والتي تنهض بسورية وتعالج مشاكلها. كما ندعو بكل صراحة إلى إعادة الهدوء والاستقرار وإلقاء السلاح ومعالجة الأمور بالحوار.
وأقول لكل الدول، لأننا سمعنا كثيراً في هذه الأيام تصريحات وبيانات ونصائح، هناك من يحذّر من حرب طائفية في المنطقة انطلاقا من سورية.
أنا أدعوهم وأقول لهم إن سلوككم أنتم، أنتم هذه الدول وهذه الحكومات، إن سلوككم السياسي والإعلامي والتحريضي والميداني هو الذي يدفع الأمور في هذا الاتجاه، ولا يجدي التحذير. إذا كنتم صادقين في تحذيركم وفي حرصكم على تجنيب سورية ومنطقتنا حرباً طائفية وحروباً اهلية، ما عليكم إلا أن تبدأوا من أنفسكم وأن تعيدوا النظر بهذا السلوك السياسي والإعلامي والدبلوماسي والميداني. ولتجتمع كل الجهود، جهود الدول العربية وجامعة الدول العربية ومعها دول إسلامية مؤثرة في المنطقة وفي مقدمتها الجمهورية الإسلامية في إيران وتركيا، للمساعدة على إنهاء الأزمة السورية، وليس على تسعير النار وعلى حشر الناس في الزاوية وعلى دفع الأمور إلى الانفجار والمساهمة في معالجة عقلانية حقيقية وأنا أعتقد أن الكل في سورية حريص على بلده، على شعبه، على موقعه الاستراتيجي في المنطقة وهو في موقع الاستجابة.
في العراق، يجب أن ندين بقوة وبشدّة التفجيرات التي استهدفت الزوار، اليوم أيضا وخلال الأيام القليلة الماضية، والتي أدت إلى سقوط مئات الشهداء ومئات الجرحى، وأنا أدعو مجدداً علماء الأمة وحكوماتها وحركاتها وأحزابها وخصوصا الإسلامية إلى إدانة كل هذا النوع من التفجيرات الإنتحارية خصوصاً والتي تستهدف المدنيين بسبب خلاف فكري أو ديني أو مذهبي أو سياسي سواء في العراق أو أفغانستان أو باكستان أو سورية أو الصومال أو نيجيريا والتي تستهدف مسلمين ومسيحيين.
هؤلاء الذين يُقتلون في العراق اليوم، كل ذنبهم أنهم مشوا لزيارة حفيد رسول الله، إنما ينتقمون منهم، والقتلة ينتقمون من روح المقاومة العراقية، التي هزمت الاحتلال وأجبرته على الخروج، ولكن أنا أقول للقتلة، أياً كان هؤلاء القتلة، إن القتل لا يُجدي نفعاً، لن يوقف هذه المسيرة الإيمانية النبوية الكادحة إلى الله، فلا القتل في كربلاء أنهى هذا الأمر، وحسم هذه المعركة، بل زادها قوةً وضراوة، ولا القتل في لبنان ولا القتل في فلسطين ولا القتل في العراق ولا القتل في إيران. إن قتل العلماء النوويين في إيران لن يوقف تطور إيران العلمي وصعود إيران التكنولوجي، وأخذ إيران بأسباب القوة العلمية والإقتصادية.
يقتلون العلماء النوويين لماذا؟، لأنهم يريدوننا في العالم العربي، لا تؤاخذونني، ربما هذا الكلام ليس لائقاً في هذه المناسبة، يريدون لنا أن نكون مطربين ومغنين وراقصات ولاهين، ممن يضيّعون أيامهم ولياليهم، ويتسابقون في اللهو والترف. أما أن نكون علماء في كل مجال، في الفيزياء وفي الكيمياء وفي الطب، في كل مجال من المجالات، أن نكون أمة تنتج العلم، لا تستورد العلم ـ الإمام الخامنئي دعا إيران إلى إنتاج العلم، وهي تنتج العلم اليوم ـ أن نكون أمةً تنتج العلم، وتصدّر العلم كما فعلت في القرون السابقة، هذا أهم سبب من أسباب القوة، وهم لا يريدون لهذه القوة أن تتوفر.
في البحرين نجدد دعوتنا للسلطة في البحرين إلى الإستجابة إلى مطالب الشعب، والبدء في الإصلاحات المطلوبة والحقيقية، والدخول في حوار جدي وحقيقي مع المعارضة، وعلى الأسس التي تحقق رغبات وتطلعات هذا الشعب العزيز.
وفي يوم الأربعين لا يمكن أن ننسى فلسطين، قبلة المقاومين والمجاهدين والشرفاء. ويوماً بعد يوم، يثبت لشعب فلسطين أن لا طريق سوى المقاومة، وأن أعداء هذه الأمة لا يريدون لشعب فلسطين أن يتصالح وأن تتوحد فصائله، ودائماً يضغط ويخرّب أي مسعى للمصالحة بين حماس وفتح، ومختلف الفصائل الفلسطينية، لأن مشروعهم الدائم هو تمزيق شعوبنا في فلسطين، تمزيق شعبنا في لبنان، تمزيق الشعب في سوريا، في العراق، في كل بلداننا العربية.
أيها الإخوة والأخوات، في لبنان وفي فلسطين وفي سوريا وفي العراق وفي كل المنطقة، إن طريقنا إلى العزة والكرامة والإستقلال والحرية والقوة والمنعة والإزدهار والأمن والكرامة هو الوحدة، تجنّب الفتن والصراعات، ومعالجة الأمور بالحوار، والتمسك بالمقاومة وخيار المقاومة وروح المقاومة. وأثبتت تجارب التاريخ ومنها هذه المناسبة العظيمة الجليلة، أننا بروحنا الرافضة للذل والعاشقة للشهادة والواثقة بالمستقبل والمتيقنة من النصر في نهاية المطاف، نستطيع أن نعبر بأمتنا في هذه المرحلة الخطيرة إلى برّ الأمان، حيث الوحدة والقوة والسلامة والعزة والإنتصار.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبدالله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك، عليكم مني جميعاً سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعلَه الله آخر العهد منا لزيارتكم.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين. ومجدداً عظم الله أجركم وشكر الله سعيكم، يا أهلنا وأحباءنا، أيها الرجال والنساء والصغار والكبار، وبيّض الله وجوهكم في الدنيا والآخرة، وجعلنا وإياكم من أنصار الحسين في الدنيا، وحشرنا وإياكم مع الحسين وجد الحسين وأب الحسين وأم الحسين في الآخرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.