أهم المواقف في كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التي ألقاها في مسجد الحسنين عليهما السلام ـ حارة حريك بالذكرى الثالثة عشرة لاختطاف المجاهد الشيخ عبد الكريم عبيد من قبل الصهاينة الأعداء، بتاريخ 29/7/2002م.
أهم المواقف في كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التي ألقاها في مسجد الحسنين عليهما السلام ـ حارة حريك بالذكرى الثالثة عشرة لاختطاف المجاهد الشيخ عبد الكريم عبيد من قبل الصهاينة الأعداء، بتاريخ 29/7/2002م.
نحي هذه الذكرى لتبيان الحقيقة والمظلومية وهذا جزء مهم في معركتنا وجهادنا. نحن نعرف أننا في عالم مليء بالذئاب كما يقول الإمام السيد موسى الصدر أعاده الله بخير ورفيقيه وكل الأسرى. نعرف أننا في عالم انقلبت فيه المقاييس والموازين ومحكوم بالمصالح المادية وتقاطع هذه المصالح بين الدول والحكومات وحتى الشعوب والأمم، لم يعد للقيم الإنسانية والمظلومية والدماء والجائعين والثكالى واليتامى أي قيمة في عالم يحترم منطق الأقوياء.
لسنا يائسين ولا يمكن أن نيأس من الرأي العام في عالمنا العربي والاسلامي والذي يجب أن تقدم إليه الحقيقة وتبرز له المظلومية، مظلومية الشعبين اللبناني والفلسطيني والمعتقلين والشهداء وأؤلئك الذين تسحق عظامهم من الأطفال والنساء بالمجازر الشارونية.
يجب تقديم هذه الحقائق وأن يسمع الحكام في العالم العربي والاسلامي والشعوب ومعهما ـ إن كان بقية ضمير حي في العالم ـ فليسمع صوت بنات وأبناء المعتقلين، فليسمع صوت أيتام الشهداء وصوت المعذبين في هذه المنطقة بفعل العدوان الصهيوني المستمر.
نحن لا نتوقع من خلال البرامج التلفزيونية والاذاعية أن يتلطف شارون وقادة الصهاينة ويتخذان قرارات مفاجئة بإطلاق الأسرى وهذا ليس واردا على الإطلاق. المعركة ليست معركة المخطوفين وإنما معركة هذه الأمّة وهذه الحكومات وهذه الشعوب التي ترى وتسمع وتشاهد كل يوم ما يجري . لسنا واهمين وأقول لكم أنهم في الغرب يراهنون حتى في قضية المعتقلين والأسرى على الضغوط، يمكن أن يتخيلوا أننا نضعف في لحظة من اللحظات ونقبل بتسويات ليست في مصلحة المعتقلين في السجون الاسرائيلية.
على سبيل المثال، هناك نقاش في أووربا وضغوط عليها لضم حزب الله على لائحة الإرهاب، وتأتي الاتصالات أننا قد نضطر لوضع اسمكم على لائحة الارهاب وأنتم بإمكانكم مساعدتنا لتحاشي وضع اسمكم على هذه اللائحة، ولتقديم صورة مشرقة أخلاقية إنسانية في الغرب وحتى تحولوا دون كتب اسمكم في لائحة الارهاب يمكنكم أن تلجؤا إلى مبادرة إنسانية وهي أن تقدموا المعلومات الموثقة هذا الأمر ليس واردا على الإطلاق، منذ اليوم الأول لعملية الأسر قلنا أننا ولأسباب إنسانية لن نقدم معلومات إلاّ في مقابل أسرى ومعتقلين في السجون الاسرائيلية الكثير منهم مرضى ويعيشون منذ اكثر من عشرين سنة وبينهم نساء وأطفال تحت السن القانوني في هذه السجون. هذا أمر غير قابل للنقاش أن نفرط ما في أيدينا.
ويقولون أن حكومات الغرب والمجتمعات الغربية لا تتفهّم هذا الموقف وغير قادرة على فهمه وقلنا لهم طبيعي لأنّ الحكومات والمجتمعات الغربية التي تتفهم كل مجازر إسرائيل منذ قيامها إلى اليوم ولأنّ الغرب الذي يتفهم اعتقال الالآف من اللبنانيين والفلسطينيين في السجون، ويتفهم قيام عصابات من شذاذ الآفاق بإقامة دولة على أرض شعب له حق تاريخي في هذه الأرض، لا يمكن أن نتوقع منه أن يتفهم شيئ وفي الماضي لم يتفهم مقاومتنا في لبنان ، ولذلك من أجل أن نربح محاولة تفهم منقوصة من غربي أو شرقي لا يمكن أن نضحي بأيّة فرصة يمكن أن نستفيد منها لاطلاق سراح أسرى ومعتقلين .
نحن حريصون أن نشرح موقفنا وأن نوضح مظلومية أهلنا، وقلت يهمنا بالدرجة الأولى أن تستوعب حكوماتنا وشعوبنا في العالم العربي هذه الحقائق عسى أن تتحرك الوطنية أو القومية أو الحس الإسلامي في مكان ما في هذا العالم العربي والاسلامي الذي بحاجة لأكثر من كربلاء ولأكثر من مأساة ولأكثر من مجزرة حتى يستفيق فيه الكثير من الصامتين والساكتين في هذه الأمّة.
إلى جانب إبراز المظلومية يجب امتلاك القدرة والقوة وأن نتسلح بها، الذي يجعل الصورة مكتملة والمشهد مكتملا على المستوى المعنوي في ساحة المواجهة أن نبرز المظلومية وأن نمتلك ونتعاطى بقوة، وأن يفهم العالم أننا لسنا ضعافا وأننا أقوياء.
إنّ الحديث الأمريكي والاسرائيلي أننا نملك صواريخا يزعج البعض، والبعض منا يجد نفسه مضطرا أن ينفي، علما أننا غير معنيين بالنفي أو الاثبات، هذا جزء من الحرب النفسية. نحن لم نقل شيئا من هذا القبيل بل هم يقولون أننا أقوياء وهذا الأمر يوفر الكثير من الجهد المادي والسياسي.
في عالم تملك فيه المظلومية والقوة يكون لك مكان في أمّتك وفي أحاسيسها ومشاعرها، وبالقوة تمتلك مكانا في أمّتك وفي عيون عدوك وفي عيون هذا العالم.
في قضية المعتقلين في سجون العدو كان العالم ساكتا عن الأسرى اللبنانيين والآلاف من المعتقلين الفلسطينيين الذين هم في غياهب السجون، وفي غياهب النسيان في العالم العربي والاسلامي وفي كل العالم، لو اجتمعنا لنصرخ بقضيتهم لن يسمعنا أحد، لكن يكفي أن تعطي إشارة إلى وسائل الاعلام العالمية بأنك ستتحدث بشيء له صلة عن جندي إسرائيلي ستتراكض وسائل الاعلام الأجنبية.
عاد العالم إلى قضية الشيخ عبد الكريم عبيد وأبو علي مصطفى الديراني ليسن من بوابة الحق والمظلومية وأنهم شرفاء مقاومين عن أهلهم ووطنهم، بل من بوابة الأسرى الأسرائيليين لدى حزب الله. إذا المظلومية وحدها لا تكفي ويجب أن نكون أقوياء لنستمر ونكون ملاذا لكل مستضعف ومظلوم وإلاّ سنكون مسحوقين وهامشيين في مثل هذا العالم.
الاسرائيليين يقولون أنّ حزب الله يخطط لخطف صهاينة وأنه يستدرجهم إلى أوروبا أو أنّه يخطط لاختطاف وزراء سابقين، يمكن أن يكون لهذا صلة بالحرب الاعلامية بتقديمنا إلى العالم أننا نخطف ونحتجز حرية الآخرين لاسيّما أفراد من واحة الديموقراطية "إسرائيل" بنظر الغرب. لكن هذا أيضا نابع من مخاوف حقيقية لدى الاسرائيليين ونعرف بالْتَتَبُّع منذ عملية الأسر الماضية أنهم قاموا بإجراءات شديدة جدا لمنع مثل هذه العمليات ويتعاطون معنا كقوة معتد بها.
حكومة العدو تتعاطى مع ملف الأسرى بشكل سياسي وليس بشكل إنساني، حكومة إيهودا باراك ماطلت أشهرا دون الدخول في مفاوضات جدية ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي ولحاجة باراك إلى أصوات ناخبة مساعدة له جاءت الوساطات لتقول : هل أنتم مستعدون لمفاوضات يومية حثيثة على طرفي الحدود لإنجاز عملية تبادل؟ وطلبنا من أجل إثبات الجدية إطلاق عدد من الاخوة وبالفعل تم لنا ذلك، لكن هل يمكن أن يقنعنا الرأي العام الغربي بأن خلفية باراك إنسانية، كلا كانت خلفية سياسية.
بالنسبة لنا حاضرون للتفاوض من أجل إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، في كل المفاوضات التي جرت لم تكن لنا للحظة مآرب سياسية، نحن لا ترهقنا اللحظة السياسية ولا يكن أن تثير أعصابنا فنخطيء بالحسابات، وفي المفاوضات ليس هناك أي شيء يمكن أن يجعلنا نخطيء في الحسابات ولن نسمح لأنفسنا أن نخطيء، ونحن نتحدث عن كرامة أمة ومستقبل معركة وأنا أعرف حجم الآمال المعقودة على حزب الله وحجم الآمال الفلسطينية والعربية علينا.
لأشهر طويلة، وفي المفاوضات مع آرييل شارون كانت هناك مماطلة وهو لا يريد أي تقدم في عملية التفاوض لإطلاق الأسرى لأنّ ذلك سيكون عونا كبيرا وسندا للإنتفاضة في فلسطين المحتلة، وشارون لا يهتم بصورته في العالم من أجل القضاء على هذه الانتفاضة فهل يكون حريصا على بعض عوائل الأسرى الإسرائيليين الأربعة أو عائلة الطيار رون آراد؟، لكن في اللحظة السياسية المناسبة له يحرك المفاوضات وفي توقيت معين.
قبل أسابيع قيل أن حكومة العدو عرضت على حزب الله مشروعا يقضي أن يطلق العقيد ألحنان تتنباوم وتكون إسرائيل حاضرة لإطلاق كل اللبنانيين بما فيهم أبو علي الديراني والشيخ عبد الكريم عبيد واللبنانيين الباقيين والباقي من الفلسطينيين وضجت وسائل الاعلام، وعلّقت حينها دون إبداء الرفض أو الموافقة وقلت إنّ العرض لم يعرض علينا من خلال الوسطاء وإنما عرفناه من الصحف، ولكنّا صوتنا لم يكن مسموعا في دول العالم وأمريكا والدول الأخرى حتى بعد أن نفيت ذلك.
أقول الآن، إذا كان العرض جديا فلنتجاوز وسائل الاعلام ولن أعلق على قبوله أو رفضه في وسائل الإعلام وليقدموه عبر الوساطة المعتمدة لنقاشه وإعطاء الجواب المناسب. التفاوض في الإعلام دليل عدم جدية وغالبا هدفه تسجيل نقاط وخدمة أهداف سياسية وإعلامية معينة.
اليوم مطالبنا واضحة ومحددة والضغوط لن تجدي نفعا ونحن أشد إصرارا وتصميما على تحقيق أفضل نتيجة من خلال المفاوضات، والمراهنة الإسرائيلية على ضغط عوائل الأسرى علينا، أقول أنهم متضامنون ومحتسبون. وإذا كانوا يراهنون على ضغط الاخوة من داخل السجون فأؤكد أن الأسرى يثقون بقيادة حزب الله.
نحن في المكان الذي نثق فيه بربنا وأنفسنا ومجاهدينا وبعائلات أسرانا وبشعبنا في لبنان وفلسطين وبالتالي لا يخيفنا أي قول بأننا إرهابيين، المهم عندنا وعند شعوبنا أن لا يتزلزل إيماننا بحقنا وأن لا نهن ونضعف وهدف هذه الحملة الإعلامية المركزة والقوية والضاغطة والحديث الدائم عن اتهامات باتجاه حزب الله بتورطه بأعمال انتفاضة في فلسطين المحتلة أو اعتقال اخوة منسوبين إلى حزب الله أو أننا نتجسس على القوات الاسرائيليية، كل هذه الملفات لا تخيفنا، ما كان منه صحيحا نعتز به والذي كان غير صحيحا فنقول أنّه من الثناء الجميل الذي نثره الله على ألسنة أعدائنا.
كلبنانيين وفلسطينيين وعرب ومسلمين يجب أن نفهم أنه لن يُرْضَى منّا بالقليل خاصة بعد 11 أيلول، كل عربي ومسلم في نظر الولايات المتحدة الأمريكية تهديد محتمل لها وبالتالي لن يقبلوا منهم إلاّ الكثير من التنازلات ويريدون كل شيء حتى الكرامة والشرف .
نحن واعون وبالتالي إننا في حزب الله لن نقول "أ" لأنّها سَتُتْبَع بأحرف الأبجدية، في هذه القضية نحن أصحاب حق، ونحتجز الاسرائيليين بحق وطني وقانوني وإنساني وبالتالي لسنا مترددين ولا شاكين وسنتابع هذه القضية.
عندما نشهر سلاح المقاومة ونقف إلى جانب الانتفاضة نحن أصحاب حق وحاضرون لتحمل التبعات، ونحن بالتأكيد لا نمارس هذا الحق عشوائيا ومشروعنا الحقيقي في مسألة التفاوض هو إطلاق الأسرى، ومشروعنا الحقيقي في المقاومة هو الانتصار، وبالتالي نحن نعمل لما يمليه هذا الهدف علينا من خطوات ومواقف في التوقيت والزمان والكم والكيف وكل ما يرتبط بأدوات وعناصر هذه المعركة.
أقول لعائلات الأسرى أن يكونوا على ثقة أنه سوف يأتي اليوم ولعله يكون قريبا، نحن متوكلون على الله وسوف يعود أحباؤكم ليكونوا بينكم أعزاء شرفاء أحرارا كما عادت أرضنا إلينا ولم يتمك أحد أن يمن علينا بإعادتها، بل أعدناها بفضل الشهداء والمجاهدين وعوائل الشهداء والمجاهدين والمناطق التي كانت تتعرض للقصف، ولذلك عندما زارني كوفي أنان والمسؤولين الغربيين لم يستطيعوا أن يقولوا كلمة واحدة، بل نحن قلنا أننا قدمنا شهداء واسترجعنا أرضنا وأنتم أصدرتم قرارات عجزتم عن تنفيذها.
الأسرى والمعتقلين سيعودن دون منّة أو جميل من أحد ببركة هذه السواعد وهذا العزم وهذا التصميم. الشيخ عبد الكريم سيعود إماما لبلدة جبشيت صادحا بالحق كما تصدح اليوم الأصفاد في يديه كما ينطق لسانه بقوة الحق الذي يملكه. وكما قال الشيخ إن إسرائيل غدّة سرطانية ليس لها أي شرعية ولا تستند على أي أساس قانوني أو أخلاقي، ومشروع الأمّة أن يزول هذا السرطان من الوجود ولن تستطيع أسلحة الصهاينة أن تحول دون هذا القدر الذي يعبر عنه الشيخ في سجنه وكل مجاهد.