كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لانتفاضة الأقصى المبارك ، وانتصاراً للحق المقاوم في لبنان وفلسطين.
بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لانتفاضة الأقصى المبارك ، وانتصاراً للحق المقاوم في لبنان وفلسطين نظم حزب الله مسيرة جماهيرةً حاشدة دفاعاً عن الحق الفلسطيني المقاوم وتأكيداً على رفض التهديدات الأميركية والصهيونية المستمرة، تقدمها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله وقيادة الحزب ومسؤوليه ، وعدد كبير من النواب ورؤساء وأمناء عامين أحزاب لبنانية وفلسطينية وشخصيات رسمية وسياسية وعسكرية ونقابية وعلمائية وبلدية واجتماعية ...
انطلقت المسيرة من مستديرة القدس حارة حريك ، وسلكت شوارع الحارة ، الغبيري ، المشرفية ، وصولاً إلى شارع الشهيد أحمد قصير في بئر العبد حيث احتشدت الجموع وألقى سماحة السيد نصر الله الكلمة التالية:
إنني في البداية أرحب بالسادة العلماء والنواب ورؤساء وممثلي الأحزاب والوطنية والإسلامية اللبنانية والفلسطينية وممثلي البعثات الدبلوماسية. وأرحب بالأخ الأمين العام للمؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة في فلسطين سماحة السيد علي أكبر محتشمي. أرحب بالأخوة الجرحى وعوائل الشهداء وجميع أهلنا من إخوة واخوات الطيبين الذين لبوا نداء النصرة في هذا اليوم. واسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منكم سعيكم وصبركم ونصرتكم لإخوانكم المجاهدين وللشعب المضحي والأبي في فلسطين الذي هو اليوم رمز كرامة وشرف وعنفوان هذه الأمة .
أيها الأخوة والأخوات ، أن اجتماعنا الكبير اليوم بعد كل هذا التهويل وهذا التهديد من قبل الشيطان الأكبر له دلالة ، وان يكون اجتماعنا بعد مضي عامين من انطلاقة الانتفاضة والمقاومة في فلسطين المحتلة، وبعد الانتصار المبارك في لبنان ، له أيضاً دلالات ودلالات.
ها هي الانتفاضة تدخل عامها الثالث بعنفوان ، بحضور شعب فلسطين الدامي في الليل والنهار، في الساحات والميادين والشوارع والمساجد والكنائس ، وفي العمليات الاستشهادية والنوعية أقوى من الحصار ومن التجويع ومن اليأس ومن طبول الحرب التي تقرع في كل أنحاء العالم بأيدي الطواغيت والمستكبرين.
أن ندخل إلى العام الثالث ، هو رسالة للعالم كله ولكل أبناء هذه الأمة أيضاً ، أن هذه الانتفاضة تسير نحو الانتصار وليس نحو الهزيمة . إن بقاء الانتفاضة وتصاعدها واستمرارها حتى اليوم هو بحد ذاته انتصار كبير ، وإنجاز تاريخي للشعب الفلسطيني وللأمة ، لأننا هنا، نتحدث عن مواجهة شاملة بين شعب أعزل وبين دولة تملك أقوى جيش وسلاح جو ومدرعات وأحدث تكنولوجيا وأقوى أجهزة أمنية واقتصاد في المنطقة وتستحوذ على أقوى حماية دولية شاملة من الغرب ومن وطواغيت هذا العالم .
هذه المواجهة غير المتوازنة والمتكافئة هي دليل أن بقاء الانتفاضة اليوم هو انتصار وإنجاز أشبه بالمعجزة يسجل في الأمة برسم أولئك الذين سارعوا في الأشهر الماضية للحديث عن الهزيمة ، ووقفوا من على شاشات التلفزة ليقولوا للفلسطينيين وللعالم العربي والإسلامي : لنعترف أننا هُزمنا . هؤلاء هم جزء من آلة الحرب النفسية الإسرائيلية وإن كانوا عرباً ومسلمين. هؤلاء مخطئون ، يمارسون جريمة سياسية ونفسية كبرى بحق الشعب الفلسطيني وبحق الأمة .
وفي المقابل عندما ننظر إلى الساحة الإسرائيلية ، سوف نجد تلك الساحة تتحدث عن هزائمها وآلامها ومآزقها وتداعيتها الصعبة ومشاكلها التي لا تجد لها حلولاً . صحيح أنه في الطرف الفلسطيني هناك آلام وتضحيات، ولكنه شعب أعزل يواجه دولة تملك كل مقومات الحرب والتحدي والمواجهة.
في الأشهر القليلة الماضية، كان البعض يقترح أن على المقاومة الفلسطينية أن تنفذ في كل يوم عملية استشهادية ؟؟ هذه أوهام . من الطبيعي ان تهدأ المقاومة لأيام أو أسابيع ، وهي تواجه أحياناً ظروفاً قاسية وصعبة . ولكن مع ذلك ، بعد عملية السور الواقي التي قال شارون وبن اليعازر بعدها أن الانتفاضة في فلسطين انتهت ، نفذ الفلسطينيون أكثر من 15 عملية استشهادية ، وقتلوا أكثر من 177 إسرائيلياً .
في الزمن الذي كان فيه بعض السياسيين وبعض النخب وبعض وسائل الإعلام تتحدث عن الهزيمة في فلسطين ، كان الإسرائيليون يقولون ما يلي : خلال عامين فقط _ ويمكنكم أن تستحضروا الحروب العربية الإسرائيلية وأشكال المقاومة على مدى عقود من الزمن الماضي _ نفذ الفلسطينيون 14463 عملية جهادية . 96 % من هذه العمليات في الضفة وفي القطاع، و4 % فقط في أراضي 48 . مع ذلك كانت خسائر الصهاينة في اراضي 48 نسبياً كبيرة وضخمة . وقتل 630 إسرائيلي وجرح أكثر من 4560 ، وجزء كبير من هؤلاء القتلى والجرحى هم من الجيش وقوى الأمن. ولحقت بالاقتصاد الإسرائيلي أضرار بقيمة 25 مليار دولار ، وتدهور سعر الشيكل 20 % ، وتقلصت موازنة حكومة العدو عشرات مليارات الشيكلات مما ادى إلى أزمات اجتماعية وسياسية خانقة. ويقول رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي : إن الاقتصاد الإسرائيلي لن يصمد طويلاً امام الاحتياجات الأمنية التي ترتبها انتفاضة الفلسطينيين. 77 % من المستوطنين لا يشعرون بالأمن الشخصي . 25 إلى 30 % من الصهاينة يفكرون بالرحيل .
وبالرغم من هذه العمليات الاستشهادية الناجحة ، يقول قادة المؤسسات الصهيونية أنهم تمكنوا من تعطيل 97 % من العمليات ، وأن 3 % منها فقط _ بحسب تقديرهم _ أدت إلى هذه النتائج المميزة . هذا يعني أن الانتفاضة التي تؤدي إلى مثل هذه النتائج في عامين ، هي انتفاضة منتصرة تمشي خطوات سريعة نحو الانتصار الحاسم ، وهذا مما لا شك فيه.
اليوم ، يجب أن يعترف الجميع بعظمة هذا الانجاز الذي حققته الانتفاضة والمقاومة في فلسطين ، وعلى البعض في هذه الأمة أن لا يعيدوا ارتكاب بعض الأخطاء التي حصلت في لبنان أيضاً . اليوم نسمع في فلسطين أصوات تقول أن ردات الفعل الإسرائيلية على الناس أو على المباني أو المنشآت هي بسبب عمليات المقاومة. كان هذا الكلام يقوله بعض الناس في لبنان ليحملوا المقاومة مسؤولية أن تقصف إسرائيل محطة كهرباء أو جسر أو ما شاكل . هذا المنطق هو منطق احباطي وانهزامي . إسرائيل محتلة ، هي تتحمل مسؤولية كل الجرائم التي ترتكبها . والمقاومة في فلسطين كما المقاومة في لبنان ، ليست سوى المدافع والحامي عن الرخاء والأطفال والشعب والأرض والمياه والوطن والكرامة . مشتبه ، بل خائن من يحاول أن يحمل المقاومة مسؤولية ردات فعل العدو الإسرائيلي ، لأن هذا التحميل يعني أن تقف المقاومة ، وأن تقف المقاومة يعني أن يبق الاحتلال والمزيد من الاستعباد والقهر بلا أي أفق أو أمل أو مستقبل.
نحن في فلسطين وخارج فلسطين ، مطالبون في هذه المرحلة أن نبتعد عن كل كلمة وكل موقف وكل ممارسة وكل شعار يمكن أن يحبط شعبنا ومجاهدينا أو يمزق الصفوف أو يفت من عزيمة هؤلاء الصامدين بصلابة ، وخصوصاً ونحن نواجه اعتى حرب إعلامية ونفسية شعواء تشنها إدارة الشيطان الأكبر وحكومة العدو على حكومات ودول وشعوب هذه المنطقة.
نسمع في هذه الأيام بعض النادمين على عسكرة الانتفاضة ، نقول لهؤلاء لو استمرت الانتفاضة مدنية ماذا كان يمكن ان تنجز وتحقق ؟؟ الانتفاضة المدنية تنفع في عالم يوجد فيه مكان للقيم والقانون والاخلاق والضمير، أما في عالم محكوم بالوحشية وبقلوب الذئاب لا يمكن أن ينفع إلا السلاح .
يجب أن نتوحد في وجه هذا العدو وأن تجتمع كل السواعد وكل البنادق وكل القلوب في مواجهة هذا التحدي .
في فلسطين ، عندما يتعرض أي فصيل فلسطيني لتصفية قياداته كما يجري مع حماس او الجهاد أو كتائب شهداء الأقصى ، أو أن يزج بجزء كبير من أفراده وأمينه العام ونائب أمينه العام وعدد كبير من كوادره وأعضائه كالجبهة الشعبية في السجون ، يجب أن نتضامن مع الجميع . وعندما تحاصر قوات الاحتلال المقاطعة في رام الله يجب أن نتضامن مع كل أولئك المحاصرين في رام الله ، مع ياسر عرفات ومع كل الذين يتواجدون في داخل الحصار . قد نختلف في المسارات ، في الخيارات ، في الرهانات ، ولكن في المعركة يجب ان نكون جميعاً يداً واحدة وصوتاً واحداً في مواجهة استهداف أي فصيل وأي قائد وأي كادر وأي رجل وأي امرأة من الشعب الفلسطيني أو من أبناء هذه الأمة .
مع بداية العام الثالث ، يكبر رهاننا على الشعب الفلسطيني ، وتبقى الأمة ، الحكومات والشعوب مطالبة ومطالبة بالمساندة وبالدعم بالمال والإمكانيات والسلاح وبالحضور بالشارع .
من أهم الأسلحة التي استخدمتها شعوب أمتنا في العامين الماضيين سلاح مقاطعة البضائع الأميركية الذين نجدد الدعوة إليه والذي له أثر تربوي ونفسي هام .
نحن نقاطع بضائع تلك الدولة التي توظف اليوم مئات مليارات الدولارات لشن الحروب على منطقتنا وعلى عالمنا العربي والإسلامي. الحروب التي لن تقف عند حدود العراق ، وستطال سوريا ولبنان وشعب فلسطين وإيران وكل دولة عربية أو إسلامية يمكن ان تسول لها نفسها أن تناقش في رغبات الإدارة الأميركية . نحن مدعون إلى تفعيل سلاح المقاطعة من جديد بقوة وأقصى فعالية ممكنة .
نحن في مواجهة التهديدات الأميركية في هذه الأيام لسوريا ولبنان وحزب الله والانتفاضة في فلسطين ، يجب ان يسمعنا العالم بوضوح أننا لسنا خائفون أو مترددون على الإطلاق ، لو هددونا بالقتل والدمار ، ولو استخدموا كل وسائل الإرهاب والترهيب في مواجهتنا ، نقول لهم : إن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة . كما نقول للولايات المتحدة لأميركية ، ولشارون الذي يهدد لبنان في كل يوم بالحرب أو الذي قد تسول له نفسه فكرة تنفيذ مشروع تهجير الفلسطينيين ولكل الطواغيت الذين يهددونا بالموت أو يضعونا امام خيار حياة الذل ، نحن قوم نردد منذ مئات السنين شعار إمامنا الشهيد في كربلاء "هيهات منا الذلة ". وكما وقفنا في يوم عاشوراء وقلنا لكل الذين يتربصون بأمتنا الخطر والشر والإذلال نحن منذ انطلاقة هذه المقاومة هناك دم يجري في عروقنا ونداء يتردد في صدورنا وفي قلوبنا وفي حناجرنا ، وهناك ساعة عشق للشهادة ولقاء الله والأحبة . نحن قوم ننتظركم في كل ساحة وسوف نبقى ننتظركم في كل ساحة وسيبقى الصوت "لبيك يا حسين" . والحسين هنا، هو كل مظلوم ومعذب في لبنان وفلسطين وفي المنطقة . نحن أبناء هذه المعركة ونحن عشاق الشهادة وصناع النصر ، ولذلك عندما نتكلم عن الجهاد والصبر والشهادة والثبات في فلسطين ولبنان ، نحن نتكلم عن الانتصار وهزيمة اليهود والصهاينة. نتكلم عن اليوم الآتي لا محالة الذي سوف يجمع فيه الصهاينة في فلسطين ثيابهم وأموالهم ليعودوا من حيث أتوا .
أعلن مجدداً في هذا اليوم ، وأناشد كل شعوبنا العربية والإسلامية أن نراها غداً وبعد غد في الساحات والشوارع كشكل من أشكال التضامن والتعبير عن انتصار الانتفاضة وبقائها وخيارها ورهانها، ليكون الصوت مدوياً في آذان كل أولئك المهزومين الذين ينظرون للهزيمة ويستعجلونها .
أعلن أمامكم أننا باقون في ساحات الجهاد ، مصممون على استعادة حرية كل اسير ومعتقل ، مصممون على تحرير أرضنا ومقدساتنا واستعادة مياهنا وأن نشرب من مياهنا دون منة من أحد ، لا من أميركي ولا من غيره . وليفعل شارون ما يشاء وليهدد بما يشاء ، أن كل قطرة ماء في لبنان سنحميها ونفديها بقطرة دم من عروقنا المجاهدة. نحن مصممون في الدفاع عن بلدنا وكرامتنا ومواصلة مساندتنا للانتفاضة المباركة في فلسطين . ونجن عند كل وعد قطعناه على أنفسنا في مساندة هذه الانتفاضة بما يقويها ويضمن بقائها واستمرارها ومصلحتها دون أي تردد . هذه الثوابت لن تزلزلها التهويلات ولن نحيد عنها بفعل التهديدات . ونحن باقون هنا، عداؤنا للشيطان الأكبر عداء مطلق ، ونقول لكل الذين يراهنون على الإدارة الأميركية انتم مشتبهون وانتم مخطئون في لبنان أو في فلسطين أو في أي مكان آخر في هذا العالم . أمريكا زاحفة للمنطقة لمزيد من النهب والاستعباد . هم يستعبدون حكومات وشعوب المنطقة وينهبون خيارتها ، لكنهم آتون للمزيد من الاستعباد والنهب . حتى في لبنان أقول للذين يراهنون على إسرائيل ، كفى رهاناً . وأقول للذين يراهنون على أمريكا ، أمريكا قد تستفيد من أصواتكم ومعارضتكم ومواقفكم، فقط ، لخدمة أهدافها في المنطقة ، وبعد ذلك ستتخلى عنكم ، ليس لكم أي قيمة في الحسابات الكبرى والاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية .
يجب أن تسقط كل هذه الرهانات مع بداية العام الثالث . يجب أن يكون رهان شعوب وحكومات هذه المنطقة ، المزيد من الصبر والثبات والمقاومة والتمسك بخيار الجهاد والانتفاضة والتلاحم مع الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات التي تواجهنا في كل يوم .وسوف يبقى شعارنا المدوي : الموت لأمريكا.