أبرز ما جاء في مقابلة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله مع محطة "أم بي سي" العربية 12-7-2002
س :ما هو برأيكم سبب تصعيد الحملة الأميركية ضد حزب الله في هذه المرحلة ؟
ج :لو أردنا أن نحدد المشكلة الحقيقية في نظر الولايات المتحدة بالنسبة لحزب الله ، يمكننا أن نفهم أسباب هذه الحملة سابقا ولاحقا .منذ سنوات طويلة الإدارة الأمريكية تتهم حزب الله بالإرهاب حتى في الفترة التي كانت تدعم فيه الفصائل المجاهدة في أفغانستان وتمدهم بالمال والسلاح والخبرة ، كان حزب الله متهما بالإرهاب . هذه الحملة تصاعدت في الفترة الأخيرة خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ،المشكلة الرئيسية هي أن حزب الله يقاتل إسرائيل ويواجه المشروع الصهيوني في لبنان والمنطقة. هذه هي جريمة حزب الله في المفهوم الأمريكي ،وكل هذه الضغوط سابقا وحاليا ومستقبلا هدفها إخراج حزب الله من هذه المعركة، فليتجه حزب الله إلى الداخل ويهتم بالشؤون السياسية وليترك الصراع العربي الإسرائيلي جانبا ليغادر هذا الملف نهائيا، سوف تحل المشكلة ولو حتى إشعار أخر .المسالة الرئيسية هي هنا أن أمريكا تريد أن تحل مشكلة إسرائيل.وإسرائيل تريد أن تعالج مشكلتها.
في ما يعني الاتهام في العلاقة بين حزب الله وتنظيم القاعدة ، بدأ هذا الأمر في اليوم الأول من الحادي عشر من أيلول .وسائل العلام الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى لعمليات 11 أيلول، اتهمت بشكل واضح وصريح حزب الله بأنه هو الذي يقف خلف هذه الهجمات ،وطرحت العديد من أسماء قيادييه.
لكن في تلك الأيام كان للإدارة الأميركية حسابات مختلفة ، فلم تقبل بهذه الاتهامات. وسائل الإعلام الأمريكية أشارت الى هذه الاتهامات لكن لم تتبناها ، وكان التوجه نحو تنظيم القاعدة والتركيز على أسامة بن لادن وبدأت هذه الحملة .
بعد أيام ، بدأ الإسرائيليون يركزون على خطاب جديد ، ويتحدثون ان هناك تنسيق بين حزب الله وتنظيم القاعدة ، وان حزب الله متورط في الهجمات في 11 أيلول ،وانه قام بتدريب وتجهيز وتسليح وتمويل هذه العمليات ، واستمرت هذه الحملة .
بالخلاصة ، أقول بان تهمة حزب الله الرئيسية في نظر الإدارة الأمريكية هي مقاومته للاحتلال الإسرائيلي وإصراره على القيام بهذا الواجب .
بعد الحادي عشر من أيلول، تلقيت شخصيا رسائل أمريكية ، وان كان السفير الأمريكي في بيروت نفى ذلك ، وهو لا يعلم لأنها لم تكن عن طريق السفارة الأمريكية في بيروت وإنما من خلال قنوات أخرى ، ونعرف أن الأمريكيين ،كل القنوات في خدمتهم في العالم : "انه نحن حاضرون أن نشطب اسمكم عن لائحة الإرهاب، وان نتجاوز عن كل الماضي بمعزل عن تقييمنا لهذا الماضي ، بشرط أن تتخلوا عن القتال ضد إسرائيل وان تخرجوا من الصراع العربي الإسرائيلي " ، يعني لا مقاومة ، لا مساندة للانتفاضة ، ونحن في المقابل ،ليس فقط نشطب اسمكم من لوائح الإرهاب ،بل نعترف بدوركم السياسي وانتم حققتم إنجاز سياسي ضخم .نحن نعترف بدوركم الاجتماعي والإنمائي والثقافي وندعم حضوركم السياسي في إطار مؤسسات الدولة ومشاركتكم في الحكومة اللبنانية .
القصة كلها مفهومة ، وهي ليست قصة علاقة مع تنظيم القاعدة ، وهم يعلمون أنه لا توجد أي علاقة من هذا النوع لا سابقا ولا حاليا ، وليس لأسباب دينية وعقائدية وإنما لأسباب سياسية وهذه مسالة ترتبط بالأولويات. القول بأنه حزب الله هو شيعي وتنظيم القاعدة سنيا ولذلك لا يمكن أن تقوم علاقة بينهما، هذا غير صحيح ، وليس هذا هو السبب . يوجد علاقة بيننا وبين الفصائل الفلسطينية على اختلاف اتجاهاتها، وهي فصائل بعضها إسلامي وبعضها وطني وهي على المستوى المذهبي سنية. وهنا يتضح أن المسألة ليست مسألة شيعي أو سني ، وإنما ترتبط بالبرنامج السياسي وأولويات المعركة والرؤية للصراع ومسالة الأداء وما شاكل.
هذه الاتهامات هي اتهامات غبر صحيحة مهما تصاعدت. حتى الآن لم تتمكن الإدارة الأمريكية أن تقدم نصف دليل أو شبه دليل على وجود علاقة من هذا النوع . المسالة تأتى في إطار الضغط المتواصل لإنهاء قيام حزب الله بوظيفته التي يعتقد أنها وظيفته الأساسية .
س : تحت شعار ما يسمى مكافحة الإرهاب اصبح كل جهة لا تندرج ضمن المخطط الأمريكي توضع في هذه الخانة ضد الولايات المتحدة ومصالحها ،انتم كحركة مقاومة كيف تتعاملون مع هذا الواقع الجديد ؟
ج :لا شك أن الواقع الجديد فرض صعوبات إضافية على حركات المقاومة في المنطقة ، وعلى مجمل الصراع العربي الإسرائيلي. بل، أستطيع أن أقول انه فرض واقعا صعبا على كل حركات التحرر في العالم ، واصبح من السهل اليوم ضرب أي حركة مقاومة أو حركة تحرر أو حتى حركة اعتراض سياسية ، بتهمة الإرهاب . والواقع الجديد جعل كل القيم التي كانت تتغنى بها أمريكا والغرب تحت أقدام محاربة الإرهاب . مثل حرية التعبير عن الرأي والمعتقد والموقف ، لديمقراطية الحقيقية ، الانفتاح ، والحوار ، كل هذا لم يعد له أي قيمة .كله اصبح له ما يغطيه وما يدعمه ويقدم له الذرائع الأخلاقية والإنسانية بحجة محاربة الإرهاب .
لكن بالنسبة لنا نحن منذ البداية عندما انطلقت حركتنا في لبنان سنة 1982 انطلقت أساسا في ظروف صعبة وقاسية جدا ،العالم كله كان ساكتاً ولم نشهد أي تحرك عربي رسمي، أمريكا بالرغم من الحرب الباردة كانت صاحبة النفوذ الأقوى في منطقتنا ،ومع ذلك تعايشنا مع هذه الظروف وتغلبنا عليها ، لأننا انطلقنا من قاعدة : أننا أصحاب حق أولاً . وثانياً لا يوجد خيار أمامنا. قدرنا هو أن نقاوم وندافع عن شعبنا وامتنا وان نحمل السلاح لأنه لو أردنا أن نتسول أو نتوسل كما يقول البعض على أعتاب المؤسسات الدولية لن نحصل على أية نتيجة .
إذاً ، نحن ولدنا في ظروف صعبة ، واستمرينا في ظروف صعبة . واجهنا أحداثاً وتطورات، كل واحدة منها، كانت كافية أن تقضي على وجودنا وحركتنا .ولكن بعون الله والثبات والصبر ،تجاوزنا هذه الأحداث .
اليوم هذه الصعوبات قد تكون زادت من جهة ، ولكنها خفت من جهة أخرى ، لأن الانجاز الذي تحقق في لبنان كان له تأثيره الكبير على المستوى الثقافي والسياسي والتعبوي في العالم العربي ، وفي تغيير الكثير من النظرات والمعادلات الاستراتيجية في الصراع العربي – الإسرائيلي . وهذا ما تحدث عنه القادة الإسرائيليون قبل القادة العرب .
نحن من الذين يؤمنون بان أمريكا ليست إلها يُعبد من دون الله ، ونعتقد أنها ليست قادرة على فعل كل ما تريد ، أيضاً أمامها صعوبات ، هي لم تصبح الحاكم المطلق في هذا العالم .ونعتقد أن هذا المستوى من العلو الأمريكي لن يدم طويلا ،ونتوقع خلال سنوات قليلة جدا، سوف يحدث كثير من المتغيرات التي لن تسمح للإدارة الأمريكية بأن تستمر في هذا التسلط والهجوم الكاسح على العالم كله بحجة مكافحة الإرهاب .
في النهاية ، العالم لا يمكنه أن يستسلم ، هناك قوى كبرى في العالم : الاتحاد الأوروبي ، الصين ، روسيا التي تحاول أن تستعيد عافيتها ، العالم العربي والإسلامي ، قوى إقليمية أخرى أيضاً لها حساباتها. الولايات المتحدة في الكثير من هذه المواقع سوف تصطدم على مستوى المصالح مع قوى أخرى، إضافة للمغامرات الأميركية في العالم ، وللمشاكل الداخلية التي بدأت تطفو على السطح مثل انهيار شركات مالية ضخمة ، وظهور فضائح قد تطال بعض الموجودين في الإدارة فضلاً عن إمكانية حصول أمور أخرى نحن لا نتوقعها في هذا العالم المليء بالمفاجآت …
س: أنتم تعهدتم بتقديم جميع أشكال الدعم للشعب الفلسطيني والانتفاضة بما في ذلك الدعم العسكري (…)، البعض يرى أن مثل هذه المواقف لحزب الله ومثل هذه التصريحات رفعت سقف التوقعات لدى الشعب الفلسطيني بشكل ربما أكثر مما الشعب الفلسطيني مستعد له ، ما رأيكم بذلك ؟
نحن منذ البداية كان واجبنا أن نقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وأن نقول له ذلك. لكن بطبيعة الحال ، الحركة باتجاه الداخل الفلسطيني هي حركة معقدة، وأنت لا تستطيع أن تقول في وسائل الإعلام وللناس كل شيء . ليس لمصلحة الانتفاضة ولمشروع المواجهة والمقاومة أن تقول كل شيء ، وخصوصاً أن بعض هذه الأمور قد تستخدم لإدانتك أو لإدانة الانتفاضة . هناك أمور يتحدث عنها العدو ، قد تكون صحيحة أو قد لا تكون ، أنا لست هنا في وارد النفي أو الإثبات . ولكن ، أستطيع أن أؤكد ، مع الأخذ بعين الاعتبار التعقيدات والموانع والصعوبات، كل ما يستطيع أن يفعله حزب الله من أجل مساندة الشعب الفلسطيني على كل المستويات قام به على أحسن وجه ، دون أن يعلن عن كثير من هذا الذي قام به ، وليس هناك مصلحة أن نتحدث عنه بالتفصيل كما لسنا بصدد أن نقدم تقرير.
وفيما يتعلق بفتح الحدود ، تحدثت عنه في فترة سابقة ، وقلت : أي حركة نريد أن نقوم بها يجب أن تكون واقعاً تخدم مصلحة الانتفاضة والمقاومة في فلسطين . بعض الناس قد يتصورون أن بعض الأعمال في توقيتها الآن تخدم مصلحة استمرار المقاومة ، وهي في واقع الحال قد تكون تضر بالانتفاضة والمقاومة . لكن قد يكون هذا العمل صحيحاً في توقيت آخر .
نحن حريصون أن لا نتحرك بانفعال ، أي ، لا نبحث عن مديح، ولا يحزننا أو يجعلنا في موقع رد الفعل بعض الانتقاد . نحن في معركة حقيقية ، فيها دماء وأعراض وأموال ومستقبل كل الصراع القائم ولسنا في منافسة انتخابية . وبالتالي حساباتنا هي حسابات دقيقة جداً . وما يفعله حزب الله بشكل دائم ينطلق من خلال هذه الزاوية.
الآن ، مشكلة إسرائيل الأساسية : هي حضور حزب الله القوي على الجبهة الشمالية (…) والطلقة الأخيرة التي يمكن أن يتوقعها أحد منا هي أن ندخل المعركة بشكل شامل ، ولكن دخول المعركة بشكل شامل يجب انتخاب الوقت الصحيح له والذي يخدم مصلحة الصراع ، لا أن تنطلق من حيثيات عاطفية أو انفعالية أو حسابات سياسية خاطئة.
(…) س: بعد سقوط مخيم جنين هل كان لتداعيات زيارة كولن باول إلى لبنان دور في تحديد عمليات المقاومة ؟
ج : هناك عمليات حصلت بعد زيارة كولن باول ، وأيضاً حتى بعد الالتباس الذي حصل نتيجة تصريحات وزير الخارجية الإيراني الدكتور خرازي استمرت العمليات لعدة أيام بعد ذلك. وإذا عدنا إلى تاريخ تلك المرحلة سنجد أن الضغط اليومي في مزارع شبعا استمر طالما أن المواجهة العسكرية المفتوحة في داخل الضفة الغربية كانت قائمة.
ليست هناك موانع سياسية من العمليات ، يمكننا أن نقوم بعمليات متى نشاء ولكن نحن نريد أن ننتخب الوقت المناسب .