كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في الإعتصام التضامني مع مصر والذي أقيم في حديقة بلدية الغبيري ـ الجناح 7/2/2011
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في الإعتصام التضامني مع مصر والذي أقيم في حديقة بلدية الغبيري ـ الجناح 7/2/2011
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.
في هذا اليوم نلتقي وهدفنا واضح، نحن نجتمع هنا لنعلن تضامننا ووقوفنا إلى جانب شعب مصر وشبابها ومن قبل إلى جانب شعب تونس وشبابها، ولكن قبل أن أتطرق إلى بعض النقاط اللازمة وأنا حريص جداً على وقتكم وعلى عدم تكرار ما تفضل به السادة الخطباء قبلي فقد أجادوا في كل ما قالوا.
أود في البداية أنّ أتوجه إلى شعب تونس والآن إلى شعب مصر بالاعتذار لأننا تأخرنا بضعة أيام عن هذه الوقفة، لا لِتَرَدُّدٍ ولا لِحَيْرَةٍ ولا لتأمّل، ونحن في الأحزاب التي لها كل هذا التاريخ في مقاومة المشروع الأمريكي الصهيوني في لبنان وفي المنطقة لا يمكن أن نقف على التل عندما يكون الصراع بين حقٍ وباطل وبين مظلوم وظالم، وإنما الحرص عليكم وعلى ألا تُتَّهموا ـ وقد اتهمتهم الآن ـ هو الذي دعانا إلى التريث الأيام الماضية.
لو قامت هذه الحركة وهذا التضامن وهذا الوقوف ـ ونتحدث الآن عن مصر، وتونس قد تجاوزت بشكل كبير هذه المواجهة ـ كان سيقال إنّ المعتصمين في ميدان التحرير والمتظاهرين في مدن مصر العديدة تحركهم خلايا تابعة لحزب الله أو لحماس ـ كما بدأوا يقولون الآن ـ أو للحرس الثوري الإيراني، وسيتحول هذا التحرك الوطني الأصيل الحقيقي إلى متهم بأنه يخدم أجندة خارجية، ولنا تجربة مؤلمة مع النظام في مصر لأنّه عندما اعتقل أحد إخواننا ـ أخ واحد فقط ـ وكان يتعاون مع عدد من الشباب المصريين والفلسطينيين في خدمة أهلنا في غزة سُمِّيَت بخلية حزب الله واتهمت بأنها تعمل من أجل إسقاط النظام في مصر وتغيير صورة مصر وتحويل مصر إلى التشيّع، وتتذكرون حجم التهم التي ألقيت على أخٍ واحد ٍ يتعاون مع عدد قليل من المصريين والفلسطينيين في عملٍ له طبيعة لوجستية في دعم المقاومة في غزة. فلذلك نحن تريثنا، أمّا الآن ـ وأنا لا أخفيكم أيضا نحن منذ الأيام الأولى قمنا بعملية استشارة واسعة مع كثير من أصدقائنا المصريين الموجودين في الساحة وهم نصحوا أيضاً بالتريث، لأنّ الجميع يعرف أنّ في مصر حساسية بالغة في هذا الموضوع. يعني أن يتهم أحد في مصر بأنّه يصغي إلى الخارج أيّا يكن هذا الخارج ولو كان داعماً متضامناً محقاً محباً أخاً عزيزاً أو أن يُثار شُبهة التدخل في الشأن الداخلي المصري،هناك حساسية خاصة ونحن أردنا أن نراعي هذه الحساسية.
اليوم انتهى كل شيء، وأنا في الأيام القليلة الماضية سمعت في بعض التلفزيونات الرسمية التابعة للنظام وبعض الشخصيات التابعة للنظام كلمات (تقول) ما كنّا نخشاه وبدأوا يقولونه، ولكن كل هذه الاتهامات ستسقط أمام إرادة المصريين وأصالة تحرك المصريين.
اليوم نعلن تضامننا، وأحد أوجه التضامن هو الدفاع عن هذه الثورة وعن هذه الإنتفاضة وعن هذه الحركة الشعبية التاريخية العظيمة والعارمة، وأحد مسؤوليات الدفاع عن هذه الثورة هو تبيين صورتها الحقيقية كما تؤكده كل المعطيات الميدانية. تارة نتحدث عن آمالنا وأحلامنا وما نتوقعه، تارة ننطلق من نظريات نحن نفترضها، وتارة نتصل بالميدان، بالساحات، بالشارع، بالكبار والصغار ونتحدث إليهم ونستمع إليهم وإلى شعاراتهم وإلى أناشيدهم وأغنياتهم، إلى كلماتهم وتصريحاتهم، إلى ما تنقله الفضائيات ووسائل الإعلام ووسائل الإتصال، هم الأقدر على أن يشرحوا لنا حقيقة ومضمون وشكل وطبيعة وأهداف وآمال ثورتهم وانتفاضتهم.
أنا في الوقت المتاح أود أن أقوم ببعض الواجب بالنيابة عنكم أيضا ولأشرح للرأي العام كله الذي يستمع إلينا أو يؤذن له بالإستماع إلينا أن أوضّح بعض هذه الجوانب من حقيقة هذه الثورة التاريخية.
أولاً: نحن أمام ثورة شعبية حقيقية مصرية وطنية، يشارك فيها المسلمون والمسيحيون ويشارك فيها تيارات إسلامية وعلمانية ووطنية وقومية وفكرية متنوعة وتحضر في ساحاتها كل فئات الشعب. من الصغار والكبار والنساء والرجال والشيوخ والعلماء والمثقفين والنخب والعمال والفلاحين، لكن العنصر الأهم والأقوى في هذا الحضور هو عنصر الشباب. إذن نحن من هذه الزاوية أمام ثورة كاملة.
ثانياً: هذه ثورة إرادة هذا الشعب وتصميمه وعزمه، هو الذي يتظاهر، هو الذي يقدم الشهداء والجرحى، هو الذي يبيت في العراء في هذا الطقس الشاتي وهو الذي يقرر ماذا يريد وماذا يفعل وإلى أين يريد أن يصل وأي نظام يقبل وأي صيغة حل يتبنى وهو صاحب القرار في كل ما يقول ويفعل ويتطلع إليه. وكل الاتهامات بالتبعية للخارج، أيّاً كان هذا الخارج، عدواً لمصر أم صديقاً لمصر هي اتهامات ستسقط وسقطت أمام عظيم إرادة شعب مصر وشبابها الشجعان، وهذا ما سأعود له بعد قليل.
ثالثا: جوهر ومضمون وماهية هذه الثورة والانتفاضة، هل هي انتفاضة خبز وجوع أم انتفاضة عدالة اجتماعية، أم انتفاضة حرية وديمقراطية، أم انتفاضة سياسية وبما له صلة بسياسات النظام الخارجية وموقع مصر في المنطقة والامة والعالم. سمعنا الكثير من التفسيرات والتحليلات، وكلّ يحاول أن يأخذ الأمور باتجاه محدد.
وأصدقاء إسرائيل وأمريكا من المثقفين والنخب والقيادات السياسية ووسائل الإعلام تريد أن تقنع العالم أن ما يجري في مصر هي ثورة خبز وجوع وطعام. الحقيقة يقولها للعالم كله المعتصمون في الميدان وفي الساحات، تقولها شعاراتهم ودماؤهم وبسماتهم وغضباتهم ومواقفهم وهي تقول لنا إنها كل ذلك، هذا يعني أننا أيضاً أمام ثورة كاملة في المضمون والجوهر والماهية، هي ثورة الفقراء وثورة الأحرار وثورة طلاب الحرية وثورة رافضي المهانة والذل الذي أُركز به هذا البلد بفعل الاستسلام لإرادة أمريكا وإرادة إسرائيل، هي ثورة سياسية إنسانية اجتماعية وهي ثورة على كل شيء على الظلم والفساد والقمع والجوع وهدر إمكانيات البلد وسياسات النظام في الصراع العربي الإسرائيلي.
رابعاً: من واجبات التضامن مع ثورة مصر الشعبية تنزيه هذه الثورة، تنزيهها عن كل ما يريدون أن يلصقوه بها من تهم. ومن أسوأ التهم التي سمعناها منذ البدايات وقد سمعناها أيضاً في ثورة تونس ممّا قدمه بعض الجهابذة في عالمنا العربي أن هذه الثورة هي صنيعة الإدارة الأمريكية وأن أجهزة المخابرات الأمريكية والبنتاغون ووزارة الخارجية الامريكية هي التي حركت هؤلاء الشباب وهي التي دفعتهم وهي التي حرّضتهم وهي على تنسيق كامل معهم وهي التي وقّتت وهي التي تقود وتدير هذه الثورة.
في يوم التضامن يجب أن نقول أن هذا ظلم كبير. أي إنسان عربي أو مسلم أو حر في مكان ما من العالم يمكن أن يفكر بهذه الطريقة تجاه شباب تونس او تجاه شباب مصر هو أولاً يرتكب ظلماً كبيراً وعظيماً وثانياً يوجه إهانة كبيرة لعقول وإرادات ووعي وثقافة وفهم هؤلاء الشباب وهذه الشعوب.
من منا أيها الإخوة والأخوات يمكن أن يصدق بأن أمريكا تأتي أو تعمد إلى إسقاط نظام يؤمن لها كل ما تريد من خدمات ويعمل صادقاً مخلصاً في حماية مصالحها ومشروعها على مستوى المنطقة والعالم، هذا كلام غير منطقي وغير عقلائي على الإطلاق.
لو استمعنا إلى الأمريكيين ـ وبعد قليل نتحدث عن الإسرائيليين ـ لو استمعنا إلى القادة الأمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي وما كالوه من مديح لرأس النظام وما ذكروه من خدمات عظيمة وإستراتيجية قدمها النظام المصري للمشروع الأمريكي في المنطقة، هل يمكن أن يعتقد أحد أن أمريكا التي تقيّم وترى وتفهم هذا الرئيس وهذا النظام بهذه الطريقة هي تذهب وتعمل على إسقاط هذا النظام. هذه اللغة نفسها سمعناها عام 1979 في الثورة الإسلامية العظيمة في إيران كثيراً ما قيل في ذلك الحين إن أمريكا هي التي تدير الثورة في طهران ومشهد وأصفهان وتبريز وأن الإمام الخميني تابع لل"CIA". طبعاً الرجل كان مظلوماً بشكل كبير لأن أناساً كانوا يقولون إنه تابع للـ CIA وأناس آخرون كانوا يقولون إنه تابع للـKGB . أناس يقولون إن أمريكا هي التي تحرك الثورة في إيران من أجل أن تفرض على الشاه المزيد من التنازلات والامتيازات والمكاسب، وأناس يقولون إن الاتحاد السوفياتي الذي كان موجودا عام 79 هو الذي يحرك الثورة في إيران لأنه يريد إسقاط النظام الأمريكي ويريد أن يصل إلى المياه الدافئة. والحقيقة التي كشفها الانتصار والأيام والسنون والعقود من الزمن أن الإمام الخميني كان الإمام المخلص الصادق الوطني الإسلامي الوفي لشعبه وأمته وتاريخه وتطلعات وأماني هذه الأمة. وهذا هو حال شعب تونس هذا اليوم، وهذا هو حال شعب مصر وشباب مصر هذا اليوم.
نعم، الأمريكيون يحاولون ركوب الموجة، يحاولون استيعاب الثورة، يحاولون احتواءها، يحاولون تحسين صورتهم البشعة في عالمنا العربي والإسلامي وتقديم أنفسهم كمدافعين عن الشعوب وحقوقها وإرادتها وحرياتها بعد عقود من الزمان من الحماية المطلقة لأسوأ ديكتاتوريات شهدها العالم في منطقنا وهذا هو الخطر الأكبر والأهم الذي يجب أن تتنبه له الشعوب الثائرة وحركات المقاومة في منطقتنا.
أيها الإخوة والأخوات: في الأساس ومنذ سنوات عديدة ونحن نقرأ هذا في الصحف والمجلات والكتب، نتابع هذا من خلال وسائل الإعلام ومن خلال تحرك الجامعات الأمريكية "جامعات الدراسة، الاكاديمية" في كثير من بلدان العالم الإسلامي. الإدارة الأمريكية قامت بالكثير من الدراسات واستطلاعات الرأي في منطقتنا خصوصا في العالمين العربي والإسلامي وكانت تريد أن تعرف اتجاهات الرأي العام لدى شعوب هذه المنطقة، كيف يفكر هؤلاء، وما يقبلون وما يرفضون، إلى ماذا يتطلعون؟ وقد جاءت النتائج واضحة، هذه النتائج لا تحتاج لمعلومات خاصة، هذه منشورة في الصحف والمجلات، خصوصاً تلك التي تناقش الشؤون الإستراتيجية، في المداولات، في المؤتمرات. ولكن كما هي العادة، نحن شعوب متهمة بأننا لا نقرأ. هذا كان في الزمن الماضي. مجمل الدراسات واستطلاعات الرأي أوصلت إلى النتائج التالية:
إن الأغلبية الساحقة من شعوبنا العربية والإسلامية تعادي السياسات الأمريكية وترفضها، وهذا ليس عداء للشعب الأمريكي. ربما مع الوقت سنكتشف بأن الغالبية من الشعب الأمريكي هم أناس مساكين لا يعرفون ماذا يجري في هذا العالم واهتماماتهم وأولوياتهم مختلفة تماماً.
إن الأغلبية الساحقة من شعوبنا هي ضد السياسات الأمريكية لأسباب واضحة ومتعددة: تبني أمريكا المطلق لإسرائيل ولحروب إسرائيل منذ قيام هذا الكيان الغاصب، الى حرب غزة 2008، إلى حرب لبنان الثانية 2006. تبني أمريكا المطلق لأنظمة ديكتاتورية وفاسدة ومتحالفة معها، حروب أمريكا نفسها وجرائمها في العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها في عالمنا العربي والإسلامي. انكشاف النفاق الأمريكي أمام كل الشعوب في ازدواجية المعايير في كل شيء، في موضوع حقوق الإنسان، الحريات، الديمقراطية.
وتبين من خلال الدراسات واستطلاعات الرأي للأمريكيين أن هناك تحولات كبرى قادمة في المنطقة، وهذا ما أشارت له كلينتون قبل أسابيع، وتيقنوا بان الأنظمة المتحالفة معهم، المتعاونة مع إسرائيل، الخارجة على إرادة شعوبها في الموقف من أمريكا وإسرائيل لن تستطيع الصمود طويلاً أمام إرادة الشعوب التي ضاقت ذرعاً بكل هذا الواقع. وكشفت استطلاعات الرأي أيضاً أن هذه الأنظمة وزعماءها ورموزها لا يملكون أي شعبية وأي احترام وأي قيمة لدى شعوبهم، في الوقت الذي كانت تقدم استطلاعات الرأي زعماء وشخصيات أخرى لتحتل المرتبة الأولى والثانية والثالثة نتيجة موقف هؤلاء الزعماء أو الرؤساء أو القيادات من القضية الفلسطينية ومن المشروع الأمريكي، ولذلك عبرت الإدارة الأميركية عن قلقها.
هذا لا يعني أنها خططت أو تعمل لإسقاط نظام يعمل في خدمتها ولكنها تحضرت وتهيأت وانتظرت، فإذا ما تحرك شعب ما في بلد ما دخلت الإدارة الأمريكية لتقف في الوسط مستفيدة من تجربتها في مواجهة الثورة في إيران ومستفيدة من كل تجاربها السابقة، لا تذهب إلى دعم القمع والمواجهة الميدانية الدموية لأنها تعلم أن نتائج المواجهة الدموية مع الشعوب ستكون كارثية على أمريكا وحلفائها وعملائها وخدمها القدامى وخدمها الجدد أيضاً، ولذلك تقف في الوسط، تحاول أن تقدم نفسها بطريقة مختلفة أنها حامية للشعوب ولخيار الشعوب وتحاول أن تؤمن انتقالا ما إلى سلطة تحافظ في نهاية المطاف على علاقتها وعلى تحالفها وعلى مشاريعها ومصالحها.
وهنا أن أعيد كلاما أقوله بشجاعة، بالنسبة للإدارة الأميركية ما يهمها في المنطقة هو مصالحها ومصالح إسرائيل، ليس مهما من يكون في السلطة، من يكون في السلطة يمكن أن تتخلى عنه في أي لحظة، حتى لو كان إسلامياً، فالامريكيون لا فيتو عندهم على أحد، لا إسلامي ولا حركة إسلامية ولا يسار ولا يمين ولا وطني ولا قومي علماني ولا ديني، ولا سماحة الشيخ ولا سماحة السيد ولا غبطة البطريرك ولا سيادة المطران، لا شغل لها بالهوية الأيديولوجية والفكرية والعقائدية للبديل، المهم في البديل الموقف السياسي، هل يلتزم مصالح أميركا، هل يلتزم مصالح إسرائيل، وإذا كان يقدم هذا النوع من الالتزام فلا مشكلة على الإطلاق.
هنا أريد أن أختم هذا العنوان لأقول: يجب أن ننزّه الثورة المصرية ولا يجوز أن يستدل البعض بالموقف الأمريكي الوسطي ظاهراً، بأنه هو الذي كان يقف خلف هذه الثورة وهو يديرها وهو يحركها، على الإطلاق.
خامساً: يجب أن نبيّن وأن يتأكد شعب مصر وشبابها من عظمة وتأثير هذه الثورة الشعبية على معادلات العالم والمنطقة، فقد فرضت نفسها خلال أيام قليلة حدثاً عالمياً أول بامتياز على القوى الكبرى وعلى دول المنطقة وعلى الرأي العالم العالمي، يكفي لشعب مصر وشبابها وشهدائها أن يشهدوا هذا الارتباك الشديد لدى إدارة القوة العظمى الوحيدة في العالم وحلفائها الغربيين والتخبط إزاء فهم هذه الثورة وكيفية التعاطي معها، والأهم لنا في لبنان وفلسطين وسوريا هو الموضوع الإسرائيلي. أنظروا إلى ما أحدثته فقط أربعة عشر يوماً من تحرك الشعب المصري والشباب المصري السلمي، ماذا لدينا في فلسطين المحتلة على مستوى إسرائيل؟
هلع إسرائيلي حقيقي، ذعر، قلق كبير، دعوات إلى المراجعة الإستراتيجية، وأنا لا أريد أن أوصف النظام الذي يتحداه شعبه اليوم ويطالب بإسقاطه، وإنما أقول انظروا إلى الإسرائيليين ماذا يقولون بالإجماع، ليس هناك خلاف في إسرائيل حول تقييم النظام وما قدّمه من خدمات إستراتيجية لإسرائيل من كامب دايفد إلى اليوم، واسمعوا عندما يتحدثون عن موقع النظام المصري في نظريات الأمن القومي الإسرائيلي، وقد بدأت اليوم دعوات للمسارعة لإعادة النظر في استراتيجيات الأمن القومي والاستراتيجيات الدفاعية، حتى على المستوى التفصيلي سارع نتنياهو للدعوة إلى بناء الجدار الالكتروني على الحدود مع مصر، هناك دعوات لإعادة السيطرة على الحدود بين مصر وقطاع غزة، هناك دعوات لتشكيل فرق عسكرية كانت قد حُلّت بعد كامب دايفيد، إسرائيل اليوم تتحدث بحزن شديد عن خسارتها لآخر حليف استراتيجي قوي لها في المنطقة بعد أن خسرت الشاه في إيران سنة 1979 وبعد أن خسرت بنسبة كبيرة تركيا بفعل عدوانها على لبنان وغزة وسياسيات القتل وجرائمها في أسطول الحرية، اليوم إسرائيل تندب حظها الاستراتيجي عندما تتحدث عن آخر حليف قوي لها في المنطقة. هناك إجماع إسرائيلي على حماية هذا النظام ورأسه وهناك انتقاد إسرائيلي شديد للإدارة الأمريكية على ترددها وارتباكها.
الإسرائيليون أعلنوا بكل وقاحة وفجاجة أن الذي يحمي إسرائيل في المنطقة هي الدكتاتوريات وليست الأنظمة الديمقراطية، وقالوا للأمريكيين ماذا تفعلون بنا، أنتم تلعبون لعبة خطرة جداً يمكن أن تنال من أصل وجود دولة إسرائيل.
اليوم، نحن أمام مشهد واضح وجلي نضعه أمام الشعوب العربية والإسلامية وشرفاء العالم، قبل أن أوجه الكلمة الأخيرة لشعب مصر وشبابها، هناك نظام تريد إسرائيل بالإجماع وتعمل في الليل والنهار وتضغط على دوائر القرار السياسي في العالم من أجل حمايته والحفاظ عليه والدفاع عنه.
هذا جزء من المشهد وهناك جزء آخر، هناك نظام يريد شعبه إسقاطه وقد ملأ الساحات بالملايين وقدّم حتى الآن مئات الشهداء وآلاف الجرحى.
السؤال اليوم، للمرجعيات الدينية في كل العالم العربي والإسلامي والعالم، لعلماء الدين، للمؤسسات الدينية، للمثقفين والنخب في كل المجالات، للشعوب العربية والإسلامية، لأحرار وشرفاء العالم: في أي جبهة يجب أن تقفوا ويجب أن تكونوا؟ في جبهة إسرائيل المدافعة عن النظام أم في جبهة الشعب المصري الذي يريد إسقاط هذا النظام؟
اليوم، أي مقاربة صحيحة ودقيقة وصادقة للصراع القائم في أرض الكنانة هي هذه المقاربة. أقول لعلماء الدين وللمشايخ والمتدينين ولكل الذين يؤمنون بيوم الحساب، غداً سيسألنا الله تعالى عن هذا الموقف في هذه اللحظة التاريخية وسيكون الحساب عسيراً جداً جداً، لأن المسألة ليست مسألة دم رجل ولا مصير امرأة ولا طفل سحقت عظامه ولا لقمة خبز سرقت من فم فقير أو جائع وإنما هي قضية شعب وأمة ومصير ومقدسات وتاريخ ومستقبل. الذين يقفون اليوم على الحياد أو في الجبهة الأخرى سيُحاسَبون على كل النتائج التي سوف تحصل خلال عقود من الزمن إن أحبطت لا سمح الله هذه الثورة، والذين يقفون في هذا الجانب الإيجابي سيكون لهم كرامتهم ودرجتهم عند الله سبحانه وتعالى لأنهم في موقف تاريخي يؤسس لأجيال ولعقود من الزمن. هذا للمتدينين.
أقول لكل المؤمنين بالكرامة الإنسانية، بالحرية الإنسانية، بالعدالة الإنسانية، بالضمير، بالوجدان: يجب أن تحسموا موقفكم أيضاً إلى جانب هذا الشعب الوفي وإلى جانب هذا الشباب الشجاع.
أما لشعب مصر وشبابها خصوصاً، أقول: نحن لن نتدخل في شأنكم الداخلي وأنتم تقررون ماذا تفعلون وكيف تتحركون وماذا تقبلون وماذا ترفضون، ولكن كأحبة لكم وأصدقاء وأخوة نريد أن نعبّر لكم عن إيماننا ومشاعرنا وتطلعاتنا، إيماننا أن ما تقومون به عظيم جداً ومفصل من أهم مفاصل تاريخ هذه الأمة والمنطقة. إن حركتكم وانتصاركم سيغيّر وجه منطقتنا بالكامل لمصلحة شعوبها كافة وخاصة في فلسطين.
أنتم تخوضون اليوم معركة الكرامة العربية. أنتم تستعيدون اليوم بصرخاتكم ودمائكم وثباتكم في الميادين والساحات كرامة الإنسان العربي التي أذلها وأهانها بعض حكامه خلال عقود من الزمن بالاستسلام والهزيمة. إن ما قمتم به حتى اليوم لا يقل أهمية عن الصمود التاريخي للمقاومة اللبنانية في حرب تموز عام 2006 وللصمود التاريخي للمقاومة الفلسطينية في حرب غزة عام 2008.
يا شباب مصر الأحباء، إننا نرى في وجوه شهدائكم وجوه شهدائنا ونسمع في أنين جرحاكم أنين جرحانا، ونشهد في صمودكم في الساحات صمود الأبطال المقاومين في لبنان وفلسطين في مواجهة كل الحروب والتهديدات والأخطار.
يا شعب مصر وشبابها، إن شعوبنا المظلومة اليوم، تعلق عظيم الآمال عليكم وعلى ثباتكم وعلى انتصاركم الحاسم. لطالما قيل بحق إن مصر هي أم الدنيا، وأنتم في الميادين اليوم، أنتم شعبها العظيم الذي يستطيع بإرادته وصلابته وإيمانه أن يغيّر وجه الدنيا، وإلا كيف تكون مصر أم الدنيا؟
نحن واثقون، وأنتم تملكون نفس الثقة، نحن واثقون من قدرتكم الهائلة على صنع التغيير ونتطلع إلى اليوم الذي تستعيدون فيه لمصر موقعها القيادي التاريخي والمتقدم في حياة الأمة والمنطقة.
يا إخواننا وأخواتنا، يا شباب مصر الغالي، من بعيد، من بيروت، ماذا يمكن أن نقول لكم في ختام الكلمة، يا ليتنا نستطيع أن نكون معكم، يا ليتنا نستطيع أن نكون معكم في ميدان التحرير وساحات القاهرة وشوارع الإسكندرية والإسماعيلية والسويس وغيرها من مدن مصر العظيمة، وأنا واحد من هؤلاء المحتشدين، يشهد الله أنني أتلهف لو أستطيع أن أكون معكم لأقدم دمي وروحي كأي شاب في مصر من أجل هذه الأهداف الشريفة والنبيلة.
إننا اليوم باسم حزب الله في لبنان، باسم المقاومة، كل فصائل المقاومة الإسلامية والوطنية اللبنانية، وباسم الأحزاب والتيارات السياسية الوطنية اللبنانية والإسلامية، وباسم هؤلاء المحتشدين الكرام في مهرجان اليوم، نضع كل امكانياتنا بتصرف شعب مصر وشبابها وكلنا دعاء وأمل أن ينصركم الله ويثبتكم الله ويعز الله بكم كل المستضعفين والمظلومين في هذا العالم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.