كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ملعب الراية في يوم العاشر من محرم 6-12-2011
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ملعب الراية في يوم العاشر من محرم 6-12-2011
الكلمة على المنبر
بسم الله الرحمن الرحيم عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته. أحببت أن أكون بينكم لعدة دقائق "هلأد سمحوا لي فقط" وإلا أنا أحب أن أبقى بينكم دائماً.
أحببت أن أكون في يوم العاشر بينكم لعدة دقائق حتى نكرّر سوياً ويسمعنا العالم ونحسم خيارنا ونجدد عهدنا مع الحسين الذي وقف في مثل هذا اليوم وحيداً في مواجهة 30 ألفاً، وكان مصداقاً لأبيه علي بن أبي طالب عليه السلام الذي كان يقول: "والله لو لقيتهم فرداً وهم ملء الأرض ما باليت ولا استوحشت". عندما وُضع الحسين بين خيارين فاختار: ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلة، حتى الأبد ومهما تكون التحديات والأخطار نقول لكل الذين يراهنون على إخافتنا أو إضعافنا أو تهديدنا نحن أصحاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي يقول: هيهات منا الذلة.
أيها الإخوة والأخوات: في يوم العاشر نجدد العهد والبيعة مع الحسين عليه السلام ونقول له كما قال أصحابه ليلة العاشر: أنبقى بعدك، أنتركك ونبقى بعدك لا طيّب الله العيش بعدك يا حسين، أما والله لو إني أُقتل ثم أُحرق ثم أُنشر في الهواء ثم أحيا ثم أُقاتل ثم أُقتل ثم أُحرق ثم أُنشر في الهواء يفعل بي ألف مرة ما تركتك يا حسين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الكلمة المتلفزة
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبيّنا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السلام عليك يا سيدي ومولاي يا أبا عبد الله يا ابن رسول الله، وعلى الأرواح التي حلت بفنائك، عليكم مني جميعا سلام الله أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد مني لزيارتكم. السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
السادة العلماء، الإخوة والأخوات، السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته، وعظّم الله أجورنا وأجوركم بمصاب رسول الله وآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أولاً أتوجه إليكم بالشكر جميعاً على هذا الحضور الكبير، على هذا الوفاء، على هذه البيعة، على هذا الالتزام، على هذا الصبر، وأنتم الذين سهرتم طويلاً بالأمس، واستيقظتم باكراً وأمضيتم كل هذا الوقت تحت الشمس، كما في كل الأعوام الماضية، لم يحُل لا حرّ الصيف ولا برد الشتاء بينكم وبين اللقاء، لقاء الوفاء، مع سيدكم أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
أشكركم على هذا الحضور، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منكم أحسن القبول.
إنني وإياكم، في يوم العاشر من محرم، في يوم شهادة أبي عبد الله الحسين وأهل بيته وأصحابه وما جرى عليه نتوجه بالعزاء والمواساة إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله، إلى أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلى أئمتنا صلوات الله عليهم، إلى مولانا بقية الله في الأرضين حفيد الحسين صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، إلى نائبه بالحق سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي دام ظله، إلى كل مراجعنا العظام، إلى أبناء أمتنا الإسلامية، إلى جميع المسلمين أتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نعلن عن مواساتنا وعزائنا في هذا اليوم الذي نحييه في كل سنة لنجدد فيها خطنا والتزامنا وإيماننا وبيعتنا وطريقنا وتصميمنا وعزمنا وقوة إرادتنا على مواصلة الطريق الذي مضى عليه الأنبياء والمرسلون والأولياء والأوصياء والصالحون وقضى في هذا الطريق ملايين الشهداء، وكربلاء حلقة بارزة عظيمة في هذا المسار النبوي الصالح التاريخي، وسيبقى حاضراً إلى قيام الساعة.
أيها الإخوة والأخوات، باعتبار (أننا) في الليالي تحدثنا وأجّلنا السياسة لليوم فـ (سأقول) كم كلمة بالمبدأ.
أولاً: يجب أن نلفت وننبه ونذكر إلى أن التهديد الحقيقي لهذه الأمة، لكل أوطانها وكل شعوبها، لكل حكوماتها، هو المشروع الأمريكي الإسرائيلي، هو الإدارة الأمريكية، أيّاً يكون رئيسها، وهو هذا العدو الذي يحتل فلسطين وينتهك المقدسات ويعتدي على شعب فلسطين وعلى شعوب هذه المنطقة. الناهب الأكبر لخيراتنا ولمقدرات أمتنا هو هذا الأمريكي وهذا الإسرائيلي، المطلوب من شعوبنا دائما أن تعي هذه الحقيقة وان لا تؤخذ بالخداع الأمريكي الجديد.
الأمريكيون حاولوا خلال هذا العام أن يقدّموا أنفسهم كمدافعين عن حقوق الإنسان وعن حريات الشعوب وعن الديمقراطية في العالم العربي، هؤلاء الدجالون المنافقون الذين نعرفهم جميعاً ونعرف تاريخهم الحافل بدعم الديكتاتوريات. كل هذه الديكتاتوريات التي انهارت كانت تحظى بدعم الإدارة الأمريكية سياسياً وإعلامياً ومخابراتياً وعسكرياً وعلى كل صعيد حتى ما إذا قامت الشعوب ووجدت أمريكا أن أتباعها يتساقطون وينهارون تبرأت منهم.
هل تعرفون يا إخواني وأخواتي أن هذا هو طبع الشيطان كما حدثنا الله في القرآن الكريم. الشيطان يوم القيامة يفعل ذلك، الشيطان دائماً عندما يصل جماعته إلى طريق مسدود يتبرأ منهم، "يطلع" هو ليس له علاقة بالعكس، لم يكن له عليه سلطان.
الإدارة الأمريكية، مما يؤكد صفتها الشيطانية، أنها تتخلى عن أتباعها وعن حلفائها وعن أدواتها عند أول مفصل وتتركهم وتبحث عن مصالحها وعن تخفيف خسائرها.
هذه الإدارة الأمريكية يجب أن تعرف شعوبنا العربية والإسلامية أنها هي العدو وهي التهديد. ألم نستمع إلى الرئيس أوباما قبل أيام يخاطب اللوبي اليهودي والمنظمات اليهودية في أمريكا ويقول لها "إن إدارتي قدّمت لأمن إسرائيل ما لم تقدمه أي إدارة أخرى". وهذا صحيح، بل في زمن اوباما تحولت الـCIA من جهاز مخابرات كبير وعريق ويعمل على قضايا أساسية إلى مُخبر في لبنان عند الموساد وعند الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، يتجسس على هذا المجاهد وذلك المجاهد، يبحث عن مخزن للسلاح وعن منصة الصواريخ وعن مركز قيادة وعن بيت مسؤول، تحولت أجهزة المخابرات الأمركية إلى عملاء صغار في خدمة أمن إسرائيل والدفاع عن إسرائيل.
أيها العرب، أيها المسلمون، أيتها الشعوب، أيتها القوى السياسية، لا تغترّوا بالإدارة الأمريكية، هي التي تحتل فلسطينكم وتحتل قدسكم وتهدد بيتكم المقدس، وهي المسؤولة قبل العدو عن احتجاز آلاف الفلسطينيين في السجون وتهجيرهم وتعذيبهم ومحاصرتهم في غزة وفي الضفة. هذه هي أمريكا التي يجب أن نتذكر في يوم العاشر من محرم، فلا نخطئ العدو ولا نخطئ الصديق. أعمى البصيرة هو من يخطئ العدو ويخطئ الصديق. العدو ـ يجب أن نذكّر ـ هي هذه الإدارة الأمريكية وأداتها في المنطقة ـ ليس حليفتها ب أداتها في المنطقة ـ إسرائيل التي تستخدمها رأس حربة لإذلال العرب والمسلمين، لقهر العرب والمسلمين، لفرض إرادة أمريكا على العرب والمسلمين، لتأمين أسواق السلاح ونهب النفط في بلاد العرب والمسلمين، وهذا يجب ان لا يغيب عن بالنا.
ثانياً: أيضاً في هذا السياق يجب أن نتبنه جميعاً إلى أن الإدارة الأمريكية، وبعد فشل مشروعها السابق حول الشرق الأوسط الجديد، والذي أفشلته حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ووعي شعوب هذه المنطقة والدول المقاومة الممانعة وفي مقدمها إيران وسورية، استفاقت مع يقظة ونهوض الشعوب العربية لتحيي مشروع الشرق الأوسط من جديد ولكن من بوابة أخرى من بوابة الفتنة، من بوابة الصراع الداخلي، من بوابة الفتنة الطائفية والفتنة المذهبية والصراع القبائلي والقومي والعرقي والقطري وما شاكل، لأن هذا هو الخيار الوحيد الذي بقي متاحاً أمام أمريكا وإسرائيل لإعادة إنتاج سيطرتها على المنطقة، وهذا يجب أن نتنبّه غليه جميعا. وفي هذا السياق أكدنا ونؤكد على تجنب أي خطاب طائفي أو مذهبي أو تحريض لأنه يخدم إسرائيل ويخدم أمريكا ويخدم عدو هذه الأمة ولا يخدم هذه الأمة، وعلينا جميعاً أن نحترم مقدسات بعضنا البعض، وهنا أؤكد على فتوى سماحة الإمام الخامنئي دام ظله الشريف في أن نحترم كل المقدسات وكل الرموز لأي طائفة ولأي مذهب انتمت.
ثالثاً: في هذا السياق نصل إلى القدس، إلى فلسطين، إلى القضية المركزية ومحور الصراع في هذه المنطقة، ويجب أن نحذّر في هذا اليوم من التهويد القائم. لا نتحدث عن مشروع تهويد، هناك تهويد فعلي، كل يوم تنفّذ خطوات من أجل إنجاز تهويد كامل للقدس. أمس هدمت منازل في القدس الشرقية، وفي كل يوم يأخذون قرارات ببناء آلاف الوحدات السكنية، والآن هناك أجزاء من بيت المقدس مهدّدة من خلال أعمال الترميم مهددة بالهدم. ما نخشاه ويجب أن نخشاه أنه في ظل انشغال الشعوب العربية بمشاكلها الداخلية أن تغتنم إسرائيل هذه الفرصة وتوجه ضربة قاسمة لبيت المقدس، وعلى كل حال هذه ستكون أكبر حماقة ترتكبها إسرائيل منذ تأسيس هذا الكيان الغاصب. ولكن يجب أن تكون الشعوب واعية وحاضرة ومنتبهة، لأن هناك خطراً من هذا النوع يتهدد هذه المقدسات، فلسطين يجب أن تكون القضية المركزية الأولى مهما صعبت الأوضاع الداخلية وتفاقمت الصراعات والنزاعات في أي بلد، وهذا ما نؤمن به نحن ونعمل من أجله....
ثالثاً: فيما يعني الخيارات للشعوب العربية، نحن نراهن على وعي هذه الشعوب وعلى خيارات هذه الشعوب. اليوم في تونس الشعب انتصر على طاغوته وأجرى انتخابات، والمؤمّل من القوى الاسلامية والوطنية أن تكون بمستوى آمال وطموحات هذا الشعب التونسي الشريف والعزيز.
في ليبيا انتصر هذا الشعب على طاغوته، وأيضاً القوى السياسية مسؤولة عن تحقيق طموحات هذا الشعب الذي قدم آلاف الشهداء.
في اليمن ما يزال التحدي كبيراً وقائماً، وهناك من يحاول أن يمزق اليمن ويعيد إليها أجواء الفتنة الطائفية والمذهبية لتصفية الثورة وأهدافها وطموحاتها، وهذا ما يحتاج إلى وعي كبير.
في البحرين ما زال شعبها يواصل حركته السلمية بالرغم من كل القمع وكل الخداع وكل النفاق وهو مصرّ على أن يحقق أهدافه الوطنية المشروعة.
وفي مصر، في مصر تحولات كبيرة اهتزت لها إسرائيل وتحدث عنها باراك بقلق، وكلنا نتطلع إلى مصر بأمل لأن أي تحول حقيقي في مصر لمصلحة الامة ولمصلحة فلسطين سيبدّل البيئة الاسترايتجية لإسرائيل في المنطقة ، سيحدّ من خيارات إسرائيل في المنطقة، سوف يضع إسرائيل أمام مأزق تاريخي وأمام مازق وجودي، وهذا هو التحدي الكبير أمام القوى السياسية المصرية التي ستفوز بالانتخابات وتشكل السلطة الجديدة في مصر، تحدي فلسطين القدس وغزة وقطاع غزة وكامب ديفيد والموقف من هذا الكيان. أملنا ورهاننا أن شعوبنا العربية لن تخدع ولن تغترّ بكل النفاق الاميركي، وعندما تتجاوز محنتها الداخلية ستعود إلى موقعها الطبيعي الذي تحتشد فيه قوى هذه الأمة وشعوبها من أجل مواجهة هذه القضية المركزية، هؤلاء الأميركيون الذين يفشلون وفشلوا. وهنا انتقل إلى العراق وبعده إلى سوريا وبعده الى لبنان.
في العراق اليوم، وخلال أيام قليلة، المفترض أن يُستكمل الانسحاب الأميركي من العراق. هناك هزيمة أميركية في العراق، هزيمة حقيقية، الأميركيون ما جاءوا إلى العراق ليخرجوا منه. لقد كان هدفهم وطموحهم البقاء في العراق للسيطرة على العراق وإقامة قواعد عسكرية محصّنة قانونياً وميدانياً لعشرات السنين في العراق. ولكن المقاومة البطلة في العراق، صمود الشعب العراقي، صمود القوى السياسية، الكلفة العالية للاحتلال الاميركي في العراق، فرض عليها أن تأخذ خيار الانسحاب. كما وسأقول لكم أيضاً إن عمليات المقاومة العراقية لم تحظَ بالتغطية الاعلامية العربية والدولية وإن الكثير من فصائل المقاومة كانت ترسل أشرطة فيديو وسي دي عن عملياتها النوعية الواضحة القوية المؤثرة إلى الفضائيات العربية وإلى الفضائيات العالمية، وكان العالم يتجاهل هذه العمليات. إن قسماً كبيراً من عمليات المقاومين العراقيين تمّ التعتيم عليها خدمةً لمعنويات الجيش الاميركي وللإدارة الاميركية، وهذا يؤكد طبيعة الإعلام والفضائيات التي تسيطر على الإعلام في العالم العربي والاسلامي.
على كل حال، ما جرى في العراق ويجري هو هزيمة حقيقية، ويجب وينبغي أن تحتفل القوى المقاومة والمجاهدة وشعب العراق المضحي بهذا الانتصار الكبير، حتى ولو كان هناك ملاحظات على النهايات، لكن بالمجموع بالمجمل هناك انتصار تاريخي كبير جداً حققه الشعب العراقي والمقاومة العراقية ويجب إدراجه وتظهيره وتقديمه لكل شعوب منطقتنا. عندما تلحق الهزيمة بإسرائيل في لبنان وفي غزة هذا يعني أن إسرائيل تُقهر، وعندما تلحق الهزيمة بأمريكا في العراق فهذا يعني أن أمريكا تُقهر، كما قُهرت في العراق فيمكن أن تُقهر في أي بلد آخر، ولكن الاميركيين يريدون أن يُخفوا هذه الهزيمة: قصف دخاني وأحداث وتضليل، وفي هذا السياق ما يجري في منطقتنا وسوريا وتهديد ايران، وقصة السفير السعودي بواشنطن، وكل هذا الذي يُعمل في المنطقة هو لإشغال شعوب المنطقة عن أن تشهد بعينيها وبوعيها هزيمة الجيش الأمريكي الذي قدّم نفسه قوةً عظمى وحيدة في العالم، يهزمه شباب العراق ومجاهدو العراق .
للأسف الشديد أنا أقول إن الأميركيين نجحوا بنسبة كبيرة، الآن شاهدوا الفضائيات العربية والعالمية، أين خبر الانسحاب من العراق؟
أين صور الدبابات تنسحب والجنود تخرج؟ أمس قرأت في الجرائد، يمكن مايزال هناك 19 أو 9 آلاف جندي أميركي أو 900، لا أدري.... جيد، 150الف جندي كيف انسحبوا من العراق، لا شعر بهم أحد ولا أحد شاهدهم، الاميركيون توفقوا بهذا الموضوع، أصلا إذا شاهدنا الفضائيات نجد أن الخبر الأول هو سوريا، الثاني مصر، الثالث ليبيا، الرابع تونس، الخامس اليمن، السادس لا أعرف اين... وإذا بقي شيء آخر في الأخبار يتحدّثون عن الانسحاب الأميركي من العراق، وهذا أمر متعمّد وهذا ليس مصادفة، ولذلك اليوم مسؤولية القوى المقاومة والقوى المجاهدة في العالم العربي والإسلامي وخصوصاً في العراق هو مسؤولية الشعب العراقي والإعلام العراقي وكل إعلام مخلص، أن يُظّهر هذه الهزيمة.
نحن في يوم العاشر نبارك مجدداً واقعة تاريخية ينتصر فيها الدم على السيف، الشعب العراقي الذي كان يقاتل بالرشاش والآر بي جي وبالعبوة وبالكاتيوشا في أحسن الاحوال، استطاع أن يلحق الهزيمة بأقوى جيش في هذا العالم على الإطلاق، إذا كان الجيش الإسرائيلي هو أقوى جيش في المنطقة فالجيش الأميركي هو أقوى جيش في العالم، وهزم خلال سنوات قليلة، هزمه الدم والجهاد والمقاومة والتصميم والعزم، واليوم الأهم هو التنبه إلى ما بعد الانسحاب الأميركي من العراق وشيطنة أميركا ومشروع الفتنة الذي تعمل عليه في كل المنطقة، وهذا أيضاً يتوقّف على إخواننا العراقيين على وعيهم وحوارهم وتفاهمهم وتحمّلهم لبعضهم البعض وحرصهم على بلدهم وعلى وحدتهم.
وهنا نصل إلى سوريا، نحن موقفنا منذ الأيام الأولى موقف واضح، نحن مع الإصلاح في سوريا، ونقف إلى جانب نظام قاوم ومانع ودعم حركات المقاومة، ونقول نعم لمعالجة كل أسباب وظواهر الفساد أو الخلل، نعم لكل الإصلاحات التي قبلت بها ـ في الحقيقة ـ القيادة السورية وينادي بها الشعب السوري. ولكن هناك من لا يريد في سوريا لا إصلاحات ولا أمن ولا استقرار ولا سلم أهلي ولا حوار، هناك من يريد أن يدمّر سوريا، هناك من يريد أن يستعيض عن هزيمته في العراق، وسوريا شريكة بإلحاق الهزيمة بالأمركيين في العراق، من يريد أن يعوّض عن هزيمته في العراق ويعوّض عن خسارته الإستراتيجية الكبرى ـ المحتملة جدا، لا يمكنني أن أقول خسارة مئة بالمئة ولكن المحتملة جدا في مصر ـ في تغيير الوضع في سوريا، لمصلحة من؟ فلسطين؟ لمصلحة الشعب الفلسطني؟ التغيير الذي يطالبون به وينادون به في سوريا، لمصلحة القدس؟ لمصلحة الأمة؟ لا.
على كل حال ما أخفى الإنسان من شيء إلا وظهر على فلتات لسانه وصفحات وجهه، ما يسمّى بالمجلس الوطني السوري الذي تشكّل في إسطنبول، وبعض الدول الغربية والعربية تعتبره ممثلاً شرعياً أو محاوراً شرعياً باسم الشعب السوري، هذا المجلس له رئيسه اسمه برهان ديب غليون وهو استاذ جامعي (دكتور)، منذ يومين أو ثلاثة يقول: نحن إذا استطعنا أن نغيّر النظام واستلمنا السلطة في سوريا، نريد أن نقطع علاقتنا مع إيران "مفهوم" ونريد أن نقطع علاقتنا مع حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وسمّى حزب الله وحماس، حسناً، هذه أوراق اعتماد لمن؟ هذه ورقة اعتماد للأميركي والإسرائيلي. حسناً، يا دكتور غليون، ماذا ستفعل بالجولان؟ قال سوف نذهب إلى المجتمع الدولي لنرى ماذا يمكننا أن نفعل، نريد أن نفاوض مع المجتمع الدولي، وهذا بعد عشرين أو ثلاثين سنة من المفاوضة التي لم توصل إلى أي شيء، يتّضح أن ما يطمح إليه هؤلاء هو أن ينهوا علاقة سوريا مع حركات المقاومة في المنطقة التي (تشكّل) سوريا قوة لها وهي قوة لسوريا، ويريدون أن يلقوا بأنفسهم من جديد في أحضان المجتمع الدولي من أجل الجولان. هذا هو الطرح البديل، السلطة البديلة، النظام البديل. ويوجد أسوأ من هذا، وأنا كنت متوقفاً، حتى الإخوان كان لديهم وجهتا نظر: أن نعلّق على هذا الموضوع أو لا نعلّق، ولكن أنا رجح عندي أن نعلّق، أيضا يوجد أحد القيادات الذي يعتبر نفسه أنه ينتمي إلى تنظيم إسلامي في سوريا، ظهر ليقول انه نحن إذا نجحنا في تغيير الوضع في سوريا، سوف نعبر الحدود اللبنانية ونذهب إلى لبنان لمقاتلة حزب الله ومعاقبته وتحجيمه، عظيم، هذه أوراق اعتماد لمن؟ لأميركا وإٍسرائيل. لأن حزب الله عدو لأميركا وإسرائيل، هو الذي هزم إسرائيل وأسّس لهزائمها في هذه المنطقة، هذا الكلام برسم الشعب السوري، أيضاً برسم كل لبناني يقول لك أن تصبر وتنتظر لأنك تقرأ الأمور بشكل خاطئ في سوريا. كلا على العكس، اليومان اللذان مضيا كشفا لنا أننا كنا نقرأ بشكل صحيح "صح صح صح"، وأن الموضوع الأساسي هو استهداف حركات المقاومة. المطلوب في سوريا ليس الإصلاحات ولا معالجة الفساد ولا التعدّدية، المطلوب في سوريا نظام خيانة عربي، المطلوب في سوريا نظام استسلام عربي، المطلوب في سوريا نظام توقيع عربي على بياض لأميركا وإٍسرائيل، هذه هي الحقيقة، وإذا كان هناك في سوريا مَن يتظاهر (مع احترامنا لهم) وإذا كان يوجد ناس يقاتلون وفي ذهنهم شيء آخر، فلينتبهوا بأنهم يتمّ استخدامهم في مشروع من هذا النوع. يوجد مشروع يتنافى مع عقيدتهم، مع دينهم، مع ثقافتهم، مع مواطنيتهم، مع قوميّتهم، مع سوريّتهم، مع انتمائهم الحقيقي، لكن في كل الأحوال هذه التصريحات وهذه المواقف زادتنا قناعة بصحّة موقفنا. ونحن نقول بكل صراحة، نحن معا نريد وندعو إلى الهدوء في سوريا، إلى الحوار في سوريا، إلى السلم في سوريا، إلى معالجة الأمور بهدوء، وندين العقوبات وندين أي شكل من أشكال الفتنة وأي شكل من أشكال التحريض الطّائفي والمذهبي وأنا طبعا أبشّر كل هؤلاء الذين يهددون من وراء البحار والمحيطات، انه قد جاءت من وراء البحار والمحيطات جحافل وقوافل وبواخر وبوارج ودمّرت عند شواطئ بيروت.
نحن أمام كل التطورات التي تجري في المنطقة، دائما نصرّ أن لا نتعاطى مع الشأن اللبناني على أنه جزيرة منعزلة، طبعاً هذا مبدأ أساسي ولا يمكن لأحد، وليس صحيحاً أن يتعاطي أحد، مع الأوضاع في لبنان أو مع كل ما يجري في لبنان بشكل منفصل عن ما يجري في المنطقة، بل هو متصل تماماً بعمق وبقوة، ومن هذا المنطلق نحن دائماً كنا وما زلنا انطلاقاً من فهمنا الأولويات، نحن نصرّ على السلم الأهلي ونصرّ على تجاوز أي فتنة أيّاً تكن الأسباب وأيّاً يكن جو التحريض وأيّاً يكن الظلم والافتراء، وفي لبنان "قد ما بدكن ظلم وافتراء" ويساعد عليه آخرون في الخارج. مثلا أمس كانوا يهددون، وأحدهم يظهر من جماعة المعارضة السورية على فضائيّة عربية ويقول إن حزب الله في الشمال يدخل إلى المستشفيات ويأخذ الجرحى السوريين ويعتقلهم، هل هذا حديث "بيركب براس حدا وبيتصدّق"! لكن هذا يقال بكل وقاحة على الفضائيّات العربية الأساسية... كل أمر يجري في هذا البلد وإذا "حدا دقته شوكة" (حصل له أمر، يقولون) حزب الله (مسؤول)، هذا طبعا مؤشر جيد لأنّه يعني أنّ هاجسهم الحقيقي هو حزب الله والشاغل بالهم هو حزب الله والجالس على قلبهم هو حزب الله، ولذلك بكل صغيرة وكبيرة (...) يحمّلون حزب الله مسؤولية ما يجري وأحيانا ما لا يجري، ما يحدث وأحيانا ما لا يحدث، ومع ذلك يجب أن نصبر ونتحمل، هناك من يريد دفع الأمور في لبنان إلى فتنة داخلية ونحن لا نريد أي شكل من أشكال الفتنة الداخلية ويجب أن نواجهها بالحكمة وبالصبر وبالوعي وبالتحمل وبغض الطرف.
طبعاً نحن ندعو أيضاً في لبنان إلى معالجة الخلل الحكومي وتفعيل العمل الحكومي لأنّ هذا حاجة وطنية حقيقة، وفي هذا السياق نعيد التأكيد والتشديد على أهمية وصوابية وأحقية مطالب تكتل الإصلاح والتغيير، والحكومة ورئيس الحكومة إن شاء الله جادّون في تحمّل المسؤوليات الوطنية، يجب أن تعالج هذه الأمور لينطلق العمل الحكومي بشكل جيد.
نؤكد على تحقيق العدالة في ملف شهود الزور وإنصاف الضباط والذين اعتقلوا ظلماً وعدواناً ومحاسبة هؤلاء الشهود الزور، لأنّ الموضوع لم يكن الشهود الزور، ولم يصل (دورهم) إلى حبس ضباط فقط بل إلى أحداث سياسية كبرى في البلد. هناك أناس عندهم اشتباه ويعتبرون ملف شهود الزور يتعلق بأربعة ضباط محترمين ومجموعة من المواطنين المحترمين زجّ بهم في السجون. ليس فقط ذلك وإن كان هذا ظلم كبير جداً، شهود الزور أوصلوا إلى عداء بين لبنان وسوريا وإلى تحريض في لبنان وإلى انقسامات حادة وإلى توترات طائفية ومذهبية وأوصلوا إلى قتل العشرات من السوريين ظلماً وعدواناً.
الغريب أنّ هناك قوى سياسية وشخصيات سياسية في لبنان تقيم الدنيا ولا تقعدها على مخطوفين سوريين وهم ليسوا مخطوفين، يقولون اثنا عشر، لكن هناك ثلاثة "مش مبينين، طيب وين الإثني عشر" كل يوم يتحدثون عن الموضوع ويدينون وسكتوا ويسكتون عن عشرات أو مئات السوريين الذين قتلوا في لبنان بسبب الاتهامات الباطلة وشهود الزور، إذاً هذا الملف ليس ملفاً صغيراً ولا أحد يستهين به ويستصغره ولا أحد يتعامل معه بشكل هامشي أو بشكل عابر. ويبقى الأهم هو التهديد الإسرائيلي القائم والدائم سواءً من خلال الجواسيس عملاء إسرائيل أو عملاء الـ CIA لأنّه يوماً بعد يوم يتثبّت أنّ الـ CIA تعمل جواسيس لإسرائيل، أو أجهزة التجسس التي تقوم المقاومة والجيش والقوى الأمنية المعنية باكتشافها تدريجياً والخروقات الإسرائيلية والاعتداءات الإسرائيلية ولا نعرف ماذا تحضر إسرائيل للبنان.
في هذا السياق أيضاً، نحن نؤكد على ثلاثي المنعة والقوة والكرامة للبنان الجيش والشعب والمقاومة، هذه هي عناصر القوة التي نتمسك بها، وكما قلت ليلة أمس نحن في يوم عاشوراء أحب أن أبلغ رسالة ليس جديدة ولكن واضحة وحاسمة ونهائيّة لكل الذين يتآمرون ويعلّقون الآمال أو ينتظرون المتغيرات، هذه المقاومة في لبنان بسلاحها وبتشكيلاتها وبمجاهديها وبعقلها وبثقافتها وبحضورها، هذه المقاومة في لبنان إن شاء الله ستبقى وهذه المقاومة في لبنان إن شاء ستستمر ولن تتمكن منها كل مؤامراتكم وكل تواطؤكم وكل حربكم النفسية والإعلامية والسياسية والمخابراتية. نحن سنتمسك بمقاومتنا وسنتمسك بسلاح المقاومة. وأقول لكم في يوم العاشر أكثر، نحن يوماً بعد يوم نزداد عدداً ونتحسن ويصبح تدريبنا أفضل وأحسن ونزداد ثقة بالمستقبل ونزداد تسليحاً وإذا أحد يراهن على أن سلاحنا يصدأ فنحن السلاح الذي يصدأ نأتي بجديد غيره وكل شيء نجدده.
هناك مغالطة حقيقية بموضوع السلاح، البعض يقول إنّ سلاح المقاومة هو سبب الفوضى أو الاضطراب أو بعض القلق الأمني في لبنان، أنظروا إلى الخداع، وهذا عمل الشيطان فالشيطان عمله الخداع. ما هو السلاح الذي ييتعمل في حرب أهلية وما هو السلاح الذي يعمل فتنة وما هو السلاح الذي يوصل للقتل والسرقة و"المشكل"، نحن كلنا لبنانيون ونعرف: الكلاشينكوف والأم 16 والمسدس وإن "شقّت حالها" BKC أو RBJ وقنبلة يدوية، وهذه الأسلحة كل اللبنانيين يمتلكونها، هل رأيتم في لبنان مشكلا ً أمنياً أو حرباً أهلية ضُرِبَ فيها صاروخ زلزال مثلا أو صاروخ رعد أو خيبر أو استخدم فيها راجمات أو صواريخ مِنْ مِثْل "حيفا وما بعد حيفا وما بعد ما بعد حيفا"، أبداً. إذا حدث مشكل في البلد في أي منطقة من المناطق (فيستخدم) الكلاشين والـ RBJ و ال BKC والقنبلة اليدوية، وهذا موجود عند كل اللبنانيين ولا أحد "يعمل حاله"ما عنده سلاح، فهذا المستوى من السلاح الكل موجود عنده وعند العائلات والعشائر والأفراد، هذه هي مشكلة الأمن في الدخل وليس سلاح المقاومة، مشكلة الأمن في الداخل، الذي يريد الامن في الداخل عليه أن يرى كيف نحل مشكلة هذا النوع من السلاح وكيف نضبطه وكيف ننظمه، أمّا من يريد أن ينزع أو يفكر أن ينزع صاروخ الزلزال أو الصواريخ البعيدة أو راجمات الصواريخ أو إمكانيات الدفاع البحري أو إمكانيات الدفاع الجوي فهذا يريد أن يقدم خدمة جليلة لإسرائيل، يعني ما عجزت إسرائيل عن النيل منه خلال ثلاثة وثلاثين يوماً ومعها كل العالم وتكنولوجيا العالم والأقمار الصناعية وسلاح الجو وطائرات الإستطلاع وأحدث سلاح جو، ما عجزت عن فعله إسرائيل يريد بعض هؤلاء أن يحققوه من خلال الحوار أو من خلال حديث سياسي أو من خلال الإعلام وهذا الأمر أقول لكم أنّه لن يتحقق ولن يحصل.
في يوم الخيارات الصعبة والحاسمة والتاريخية ننهي كما كل يوم عاشر أنا وأنتم ونقول للعالم كله نحن هنا في لبنان أخذنا زمام المبارة منذ العام 1982.
نُنهي كما نُنهي في كل يوم عاشر، أنا وانتم نقول للعالم كله، نحن هنا في لبنان أخذنا زمام المبادرة منذ العام 1982، لم ننتظر لا مجتمع دولي ولا جامعة دول عربية ولا منظمة مؤتمر إسلامي ولا أحداً في هذا العالم، بإرادتنا، بعزمنا، بشبابنا، برجالنا، بنسائنا، بإمكانياتنا المتواضعة قاومنا وقاتلنا وقدمنا الشهداء واستعدنا أرضنا واستعدنا أسرانا واستعدنا كرامتنا وبمقاومتنا سنحافظ على أرضنا وكرامتنا وعرضنا وبلدنا من أن يمسه سوء من أي أحد في هذا العالم.
ولن يحول بيننا وبين أداء هذا الواجب وهذه المسؤولية أية أخطار وأية تهديدات، أية تهويلات، أية وقائع، أية متغيرات، نحن ننتمي إلى الإمام الذي وقف في هذا اليوم وحيداً في مقابل ثلاثين ألف رجل، ونحن كل واحد منا ليس وحيدا في مقابل هؤلاء، نحن عشرات الآلاف في لبنان من المقاتلين المجاهدين المجهزين المدربين المستعدين للشهادة، عشاق أبي عبد الله الحسين عليه السلام، نحن قوة ما زال يجهلها العدو وسوف يبقى يجهلها العدو، وستفاجئ كل عدو من خلال حضورها القوي والإبداع في أي ساحة مواجهة.
ولذلك نحن نقول في يوم العاشر من المحرم: انتهى الزمن الذي نساوم فيه على كرامتنا، على عزتنا، على حضورنا، على شرفنا، على وطننا، على أرضنا وعلى مقدساتنا أيّا يكن الثمن. الظروف تغيرت كثيراً، ولذلك نحن نختم في تجديد البيعة مع الحسين عليه السلام، ونقول له يا سيدنا ويا إمامنا، كما ضحيت من أجل أهدافك الكبرى وفضّلت أن تقتل مع أهل بيتك وصحابتك في سبيل هذه الأهداف، نحن سوف نحفظ هذا الطريق ولكننا أيضا سنصنع انتصاراً من دمك، انتصارا من فكرك، انتصاراً من ثقافتك وسوف يبقى نداؤنا وبيعتنا لك في يوم العاشر من المحرم.
يا إخواني ويا أخواتي بعد أن سقط الجميع شهداء وبقي الحسين وحيداً ولكنه كان قوياً، صلباً، متلألئاً، وجّه النداء، لم يكن النداء للجيش الواقف أمامه، وإنما كان النداء لكل أولئك الذين تحتضنهم طوال التاريخ إلى يوم القيامة أصلاب الرجال وأرحام النساء كان نداؤه "هل من ناصر ينصرني". وسيبقى الجواب دائما وأبدا بالدمع وبالدم وبالروح وبالموقف وبالفكر وبالجهاد وبالمقاومة "لبيك يا حسين". عظم الله أجوركم وبارك سعيكم وغفر الله لنا ولكم والسلام على الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.