الشق السياسي من كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ليلة العاشر من محرم 5-12-2011
ألقى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله كلمة دينية سياسية في الليلة العاشرة من ليالي عاشوراء تحدث فيها عن موضوع التوجه إلى الله وجعل كل العمل في سبيله ومن اجل رضاه.
وفي الشق السياسي قال سماحته:
في لبنان، هذه الظاهرة التي يقال إنها من أفضل وأنبل الظواهر في العصر الحديث، ظاهرة المقاومة الإسلامية التي انطلقت عام 1982 إثر الاجتياح الإسرائيلي لجزء كبير من الأرض اللبنانية، هذه المقاومة، خصوصيتها وجوهرها وحقيقتها، نجدد هذه الليلة القول إنها تنتمي إلى هذه الثقافة، إلى هذه الخلفية الفكرية، إلى هذا الإيمان والى هذه العاطفة والى هذه المعرفة، إلى هذا التطلع، إلى هذه الروح ولذلك كان دافعها إلهياً وكانت غايتها إلهية.
مجاهدونا، والذين قضى بعضهم شهداء، ما الذي أرسلهم إلى تلك الجبهة، إلى ساحات القتال في زمن تكالب فيه العالم على لبنان الصغير، أمريكا والغرب وتواطؤ العديد من دول الخيانة العربية وتعامل العديد من القوى اللبنانية، مائة ألف جندي إسرائيلي وعشرات الآلاف من القوات المتعددة الجنسيات، على الأقل كان عددهم 25000 ، وعشرات الآلاف من القوى الحزبية العسكرية التي كانت متعاونة ومتعاملة مع الإسرائيلي، وفي زمن الإحباط واليأس والهزيمة، ما الذي دفع بهؤلاء الشبان وبهؤلاء الفتية وهؤلاء الرجال إلى ساحات المقاومة في لبنان؟
في جزء أساسي من هؤلاء، أتحدث عن المقاومة الإسلامية، دافعهم كان هو الطاعة لله عز وجلّ، اعتبروا أن هذا تكليفهم وواجبهم، لا يسعهم السكوت ولا يسعهم القعود حتى ولو أدت هذه المواجهة إلى الاستشهاد.
الشهادة بالنسبة لشبابنا، الذين يشهد العدو ومن بقي من جنود العدو في بعض العمليات الاستشهادية، يشهدون أن راكب السيارة أو الشاحنة في اللحظات الأخيرة كان يضحك ويبتسم. لماذا؟ لأن الموت عند شبابنا كالموت عند القاسم بن الحسن أحلى من العسل. هذه المقاومة لأن دافعها إلهي، لأن غايتها إلهية، استطاعت أن تصمد طوال 28 سنة بالرغم من الحروب العسكرية والأمنية واغتيال القيادات والكوادر وقتل الناس وتدمير الأرزاق وتهجير سكان القرى والحروب النفسية والمؤامرات السياسية، لماذا؟ لأنها لله، لأن أهل هذه المقاومة ومن يحتضنهم يطلبون أجرهم من الله، يؤدون واجبهم لله، يحتسبون جهادهم وأبناءهم وأزواجهم وزوجاتهم وإخوانهم وأعزاءهم وبيوتهم المدمرة وأرزاقهم المحروقة وأيام تهجيرهم وخوفهم، كل هذا يحتسبونه عند الله سبحانه وتعالى. ولذلك لم تستطع أي مؤامرة ولم تستطع أي حرب، لا تموز ولا قبل تموز، ولن تستطيع أي مؤامرة ولا أي حرب بعد تموز أن تنال من عزم هؤلاء ومن إرادة هؤلاء ومن تصميم هؤلاء. هذه المقاومة لم يخرج رجالها ونساؤها وصغارها وكبارها وأهلها، لم يخرج أيّ منهم لا أشِراً ولا بطِراً ولا رياء ولا سمعة، ونحن لم نكن نطلب في يوم من الأيام أن يمتدحنا أحد أو أن يثني علينا أحد أو أن يرفع أعلامنا وصورنا أحد أو أن ينظم أحد فينا شعراً. كل ما كان منا لم يكن منافسة لسلطان ولا لشيء من الحطام وإنما لنؤدي واجبنا الإلهي فندافع عن ديننا وأرضنا وكرامتنا، وما نتوقعه وما نرجوه وما نتطلع إليه هو عند الله سبحانه وتعالى الذي يوفينا أجور المجاهدين العاملين الصابرين.
هذه هي مقاومتنا، هكذا كانت وهكذا هي اليوم وهكذا ستبقى.
في ليلة العاشر أود أن أؤكد للجميع أننا نحن لسنا طلاب سلطة ولسنا طلاب دنيا ولا ننافس على شيء من هذه الحطام وكل ما يعنينا من خلال تمسكنا بالسلاح وبالمقاومة هو أن نؤدي ما أمرنا الله به، وليس ما يأمرنا الناس به، أو ما يتوقعه الناس منا، ما أمرنا الله به، والله لم يأمرنا نحن فقط بل أمر الناس جميعاً بأن يمنعوا ويقاتلوا دون أرضهم وأن لا يتركوا أرضهم ومقدساتهم للاحتلال، لأن الله أمر أن لا نترك خيراتنا لنهب المستكبرين، لا ماء ولا نفط ولا خيرات، لأن الله أمرنا أن لا نسكت على هوان، وأن لا نترك كرامة شعبنا تدوسها أقدام الغزاة، أيّا كان الغزاة.
نحن نتمسك بالمقاومة وبسلاح المقاومة من أجل هذا فقط، لا لنهيمن على هذا البلد ولا لنمسك فيه بسلطة ولا لنلغي أحداً أو نشطب أحداً، وكم تكلمت أنا في هذا الموضوع، أتكلم عن نفسي وعن أخواني، لأقل الكثير من إخواني، حتى لا يخرج أحد ما ليقول لا، هناك أحد من إخوانك ليس كذلك: بالنسبة لنا، هذه السلطة وهذه الحكومة وهذه المناصب وهذه الإدارات وهذه المواقع كلها لا تساوي شيئاً، فنحن لا نتطلع إليها. أمنية كل واحد منا نحن في حزب الله، أمنية كل أخ فينا أن يلحق بالسيد عباس والشيخ راغب وبالحاج عماد، أمنية كل أخت فينا أن تلحق بالشهيدة أم ياسر وغيرها من الشهيدات، نحن نتطلع إلى الآخرة، وإذا كنا نعمل في هذه الدنيا فلأنها مسؤولية وليس لأنها طمع، وليست لأنها غاية.
دنياكم هذه عندنا لا تساوي شسع نعل، ولا عفطة عنز، دنياكم هذه الزهيدة الفانية الخسيئة. نحن أهل الآخرة، نحن نتطلع على الآخرة، ولذلك دائماً كنا نقول في السابق، وأعود وأقول: لا تتآمروا على المقاومة، لا تتآمروا على سلاح المقاومة، "حلّوا عنها".. هكذا كنا نقول في حرب تموز، وكانت البنايات تتساقط، والسماء كانت مليئة بالطائرات، وكنا نقول إننا لا نريد من أحد أن يساعدنا، أو يدعمنا، أو حتى يمدحنا، أو "يحكي معنا"، من يدعمنا "يكثّر خيره"، ولكن نحن لا نطلب الدعم، نحن كل ما نطلبه أن "حلّوا عنّا".
في ليلة العاشر أودّ أن أجدّد هذا القول وأقول: "حلّوا عنّا"، دعوا هذه المقاومة (تعمل) لتدافع عنكم، ولتدافع عن وطنكم، وعن كرامتكم، وعن دمائكم وعن أموالكم وعن خيرات بلدكم وعن عزّكم وشرفكم. يمكن أن يخرج أناس ويقولون: لا نريد أن تدافعوا عنا. أنا لا أطلب أن تطلبوا أنتم مني. الله يطلب منّا، والله أمرنا (بذلك).
هناك أناس يقولون: لا نريد أن تدافعوا عنا لأنهم لا يعتبرون إسرائيل عدواً، ولا يعتبرونها تهديداً أو خطراً. أما من يعتبر بحقّ وصدق أن إسرائيل عدو وتهديد وخطر، يجب عليه أن يذهب ويشتري السلاح ويعطينا سلاحاً ويعطينا أموالاً كي نشتري السلاح، وعليه أن يدافع عن هذا السلاح. هذه هي خلفية الموقف.
أقول لهم: لا تتآمروا على هذه المقاومة، ولن يجديكم التآمر على هذه المقاومة، لأننا حريصون عليها ومن واجبنا أن نحفظها ولو بدماء أعزائنا.
نحن في هذا البلد طلاّب سلم أهلي، طلاّب عيش مشترك، طلاّب عدالة، طلاّب إصلاح، ولو يتحقق عن يد غيرنا. أي أحد يأتي في البلد، يديره، يحقق الإصلاح، ينهي الفساد، يحقق الأمن والاستقرار، نحن معه وندعمه ونساعده. نحن لا ننافس أحداً في ذلك. هذه غاية، هذا هدف شريف، إنساني وأخلاقي وديني ووطني. نحن طلاّب وحدة وطنية بين اللبنانيين، وطلاّب وحدة إسلامية بين المسلمين، كل طوائف ومذاهب المسلمين، لأننا نرى في الوحدة قوة الشعب وقوة الوطن وقوة الأمة. ومن هذا الموقع نحن نتمسك بهذه المقاومة، ونقول في ليلة العاشر لأبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي جمع أنصاره في مثل هذه الليلة، وكان لهم في مثل هذه الليلة الجواب الحاسم، عندما أحلّهم من بيعته، وقال لهم إن هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ودعوني وهؤلاء القوم فإنهم لا يطلبون غيري، فماذا قال أصحاب الحسين (ع) ليلة العاشر، من أهل بيته ومن أصحابه، صغيرهم والكبير، قالوا له: أتقتل أنت ونبقى بعدك؟ لا طيّب الله العيش بعدك يا حسين..
ونحن، في ليلة العاشر هذه، وغداً إن شاء الله في يوم العاشر أيضاً سنقول للحسين عليه السلام، دون ديننا ووطننا ومقدساتنا وكرامة أمتنا وعزّة شعبنا يا أبا عبد الله، لو نعلم أننا نُقتل ثم نُحرق ثم نُنشر في الهواء، ثم نُحيا ثم نقاتل ثم نُقتل ثم نُحرق ثم نُنشر في الهواء، ثم نُحيا ثم نقاتل، ما تركناك يا حسين.
غداً، يا إخواني ويا أخواتي، العالم ينتظركم ليرى وجوهكم وعيونكم وعزمكم وقبضاتكم، هل تسلل إليها وهن، لينظر إلى قلوبكم، هل تسلل إليها ضعف، لينظر في عيونكم، هل أصابها التعب، لينظر إلى قبضاتكم، هل ما زالت قوية مُحكمة، كما في العام الماضي والأعوام التي سلفت؟
أنتم، إن شاء الله، وكما أثبتّم دائماً، في يوم العاشر، في كل المناسبات، في ساحات السياسة، وفي ساحات القتال، وفي ساحات التحدي، أنكم الأوفياء، والشرفاء والصادقون في العهد وفي البيعة، أنتم كذلك إن شاء الله، وستثبتون ذلك إن شاء الله يوم غد.