كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الليلة التاسعة من ليالي عاشوراء في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية
كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الليلة التاسعة من ليالي عاشوراء في مجمع سيد الشهداء في الضاحية الجنوبية:
أهنئ المسيحيين والمسلمين بمولد السيد المسيح (ع) صاحب المعجزات التي أعادت للناس الإيمان الحقيقي بخالقهم، إن السيد المسيح صاحب دعوة وسيرة ومسيرة وتضحيات وجهاد، ومن وقف بوجهه وعانده واتهمه وتآمر عليه هم اليهود.
السيد المسيح كان نعمة للناس الذين احتاجوا الى معجزاته وكرامته، لكن المشكلة كانت عند النخبة الدينية والسياسية والمالية، تلك النخبة التي شكلها اليهود وجدت أن دعوة السيد المسيح تهديد لهم ولامتيازاتهم وموقعهم وزعاماتهم، ولترفهم فاتخذوا قرار المواجهة معه.
السيد المسيح فضح سرقة هذه النخبة على الناس وكشف زعاماتهم الكاذبة واستغلالهم للناس ولذلك واجهوه بكل الأشكال...
نأتي الى الواقع المعاصر الان بالتحديات القائمة والموجودة، وهذا الذي نتكلم عنه كان يحصل طوال التاريخ، والان يحصل, سأعطي مثلين على المستوى العالمي بشكل مختصر جدا، ومثلا على مستوى المنطقة، وأنتقل إلى لبنان بالختام.
اليوم في العالم بكل صراحة... هناك شركات كبرى وتملك اموالاً طائلة ولها مجموعة مصالح، ولها اطماع بدون حدود وشجع بلا ضوابط, هذه المجموعة الصغيرة التي اسمها نخب سياسية واقتصادية ومالية وحتى دينية احيانا تتحرك بفعل اهوائها واطماعها ومشاريعها، ولا يهمها وضع الناس ولا وضع شعوب العالم, يعيش الناس بسلام او بدون سلام, يجوعون او يشبعون, يشتغلون او يكونون عاطلين من العمل, يموتون بالملايين او يبقون احياء, هذا لا يعنيهم بشيء, الذي يعني لهم هو الحسبة اخر السنة, حاليا في رأس السنة الميلادية يكون هم الشركات الضخمة حسابات ارباحها، بالنفط اين صرنا؟ بالغاز اين صرنا؟ وببيع السلاح اين صرنا؟... هذا الذي يحكم اليوم العالم. هناك نخبة تحكم هذا العالم خدمة لمطامعها وحساباتها, اما مليارات البشر فلا يعنون لهم بشيء.
مثلا قبل ايام كان هناك اجتماع عالمي في كوبنهاغن تحت عنوان المناخ، "قمة المناخ"، من الممكن أن كثيرا من الناس لم تتابع هذا الموضوع، لان الناس عادة يتابعون الاخطار المباشرة, حرب، مجاعة، زلزال، انفجار، تجد الناس تذهب الى الخبر مباشرة, اما الأحداث والتطورات التي تؤسس لشيء بعد 10 سنين و20 سنة و50 سنة فالناس تعتبر انه لوقتها "الله بدبِّر", هذا خطأ.
اذاً في قمة المناخ، الموضوع ان هناك مشكلة تعاني منها الارض كلها, آسيا واوربا وإفريقيا وكل الكرة الارضية، هذه الكرة الارضية ذاهبة إلى مشكل كبير على المستوى المناخي, أي هناك تهديد لم يمر في تاريخ البشرية، اللهم الا في طوفان نوح (ع), "انا قبل عام او اكثر كنت اقرأ حول الاحتباس الحراري وما هو عمله وطبقة الاوزون وما يحصل بالقطب المتجمد الشمالي والجنوبي.. الى ان ذات يوم شاهدت فيلما وثائقيا، وكان المحاضر فيه هو نائب الرئيس الاميركي الاسبق ال غور, وهو نائب لولايتين ومطّلع ومن الحزب الديمقراطي ايضا، وكان يحاضر وخلفه شاشة ضخمة وكل شيء يتكلم عنه يبين على الشاشة الخلفية بمعلومات موثقة او صور او افلام لكي تقدم الفكرة وتصوبها اكثر، ومن جملة المشاهد التي رأيتها ولا تغيب عن بالي نهائيا, مشهد للكرة الارضية على الخريطة وهو يتحدث ويقول اذا ذاب القطب المتجمد الشمالي والجنوبي ماذا يحصل؟ وشرح كيف تزحف البحار على الارض، أي على اليابسة, ايها الإخوة والأخوات هناك دول بكاملها ستمحى عن الخريطة, تدخل عليها المياه وترتفع عشرات الأمتار وتغرق، وهناك دول المدن الساحلية كلها تغرق, وهم يقولون ان هذا الامر سوف يحصل اذا وصلت درجة حرارة الأرض الى النسبة المئوية الفلانية, واذا أكملنا هكذا بما نحن عليه الان وخلال هذا العدد من السنين بهذه النسبة المئوية الفلانية سوف تغرق دول ومدن وشطآن وسواحل، وسوف يموت مئات الملايين من البشر، وسوف يهجر مئات الملايين من البشر، وسوف تضيع الكثير من الثروة الحيوانية البحرية وايضا على اليابسة والنباتية، يعني نحن امام فاجعة بكل ما للكلمة من معنى. وهذا عليه اجماع، أي لا احد في العالم لا في اميركا ولا في اليابان ولا في الصين ولا في روسيا يقول هذا لن يحصل، يعني هناك اجماع بالعالم ان هذا سيحصل. اذاً تفضلوا لنتخذ الاجراءات اللازمة، وهذا كان الهدف من قمة كوبنهاغن.
ولا اريد ان اتكلم عن تفاصيل واسماء واقول اين وكيف حتى لا نعمل حالة رعب. فترخص الاراضي على السواحل ويغلى ثمنها في الجبال, فاجتمعوا في كوبنهاغن ليقولوا في قمة المناخ ما الذي سوف نقوم به حتى نمنع وصول درجة الحرارة الى هذا المستوى. الحرارة من اين تاتي؟ طبعا من انبعاث الغازات, مصانع, استخدام السيارات, استهلاك النفط والغاز والحروب لها علاقة ايضا, وهذا يتطلب خصوصا من الدول الصناعية الكبرى ـ ومثلا لبنان كم هو سهمه في صنع الاحتباس الحراري وبرفع درجة حرارة الارض لا شيء, والكثير من دول العالم الثالث ليس لديها شيء مهم ـ فالموضوع هو عند الدول الصناعية الكبرى. لكن هل قادة هذه الدول الصناعية الكبرى حاضرون ليعملوا اجراءات؟ لا, ولذلك كانت نتيجة قمة كوبنهاغن الفشل, والاتي بعد 20سنة او 30سنة او 50 سنة، ليس مهماً الذين سيغرقون، المهم هو الان كم من الاموال يدخل الى جيوب ال بوش وال تشيني وال فلان... من كبار العائلات السياسية والاقتصادية والمالية في العالم.
هل رأيتم جبروتاً اكبر من هذا وطغياناً اكبر من ذلك, ووحشية اكثر من ذلك, هناك اناس تقول لهم ان مصانعكم ومصالحكم ستؤدي الى هلاك بمئات الملايين، يقولون لك "ما مشكلة", هؤلاء الذين يتحدثون عن امريكا بانها الدولة المتحضرة, اقول رضوان الله على الامام الخميني عندما سماها بالشيطان الاكبر, لن تجدوا طوال التاريخ البشري دولة وقيادة متوحشة ونخبة متوحشة كما هي الحال الان في الولايات المتحدة الاميركية, لن تجدوا نخبة معادية للانسانية وللبشرية كالنخبة الموجودة في الولايات المتحدة الاميركية, اسمعوا هم لا يقتلون الناس بالمفرق، يريدون ان يقتلوهم بالجملة. ولا اريد ان اقول "هيروشيما" و"ناكازاكي"، دعوهما جانبا، هذه تعتبر نزهة امام المستقبل الذي تقودنا اليه الولايات المتحدة، وأهم عقبة في طريق وصول المجتمع الدولي الى اتفاق حول المناخ، الادارة الأميركية والسياسة الأميركية، وأتمنى ان تتابعوا هذا الموضوع وتعرفوا تفاصيله, ولا اريد ان أستهلك كل الوقت...
فالاميركيون يعرفون كيف يرتدون ربطة العنق ويتحدثون جيدا ويتحدثون بالدبلوماسية، ولكن اميركا وحش يسكن خلف الدبلوماسية والأناقة.
مثل اخر, الحروب: هل حقيقة أن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة هي من اجل مصلحة الشعوب وإنقاذ الشعوب؟
يعني نحن آتون لكي ننقذ الشعب الأفغاني فنقتله! هكذا هي الطريقة الأمريكية، ونذبحه, وتنقذ الشعب العراقي فتذبحه, طيب الذي كان قبلكم كان يذبح ايضا فما هو الفرق؟! هل هذه الحروب من اجل الإنقاذ؟ هل هذه الحروب واقعا من اجل نشر الديمقراطية ومن اجل تحقيق العدالة وتحرير الإنسان, هذه سخافات تؤكدها هذه الوقائع, هذه الحروب كلها من اجل النفط والغاز.
في يوم قرأت عليكم دراسة أميركية بأن إحدى اكبر شركات النفط الاميركية معتمدة على مراكز دراسات تقول ان النفط بروسيا متى ينتهي؟ وفي اميركا متى ينتهي ووو... تخلص في النتيجة الى أن أعظم واكبر كمية نفط موجودة في العالم هي عندنا في المنطقة العربية والإسلامية ودول الخليج، واطول عمر نفط ايضا موجود في هذه المنطقة (فاذاً هو الاكثر كماً والاطول عمراً), هذا هو السبب الذي يفسر لماذا هم يجلبون اساطيلهم الى المنطقة وانشاء قواعد عسكرية، وفككوا جيوشهم وثكناتهم من كل انحاء العالم لكي يأتوا بها الينا, لماذا؟ لكي ينقذونا من الانظمة الدكتاتورية (طيب الان في انظمة دكتاتورية وحليفة لهم, ومن شأن حرية التعبير لا, من اجل ان يسيطروا على خيراتنا ومنابعنا وقدراتنا). وبعدها يصنع الحروب من اجل ان تنفق الاموال, ومن اجل مصلحة الشعب الاميركي، اريد ان أضيف شيئا حتى لا احد يفهم كلامي باني معاد للشعب الاميركي، ابدا بالعكس ان الشعب الأميركي هو من ضحايا هذه النخبة، ويمكن ان تتطلعوا على الإحصاءات, كم من الفقراء يوجد في أميركا, يوجد أحياء ببعض المدن الأميركية العظيمة جداً هي أسوأ من أسوأ الأحياء الموجودة عندنا في بيروت, أنظروا الى الفقر والبطالة والسجون ونسب الجريمة, وهناك إحصائيات تبين الكثير الكثير من الحقائق الموجودة في الولايات المتحدة الاميركية، الشعب الاميركي يدفع الثمن والضرائب لهذه الحروب...
احد كبار الشخصيات في العالم العربي اخبرني وهو قريب جدا، ويعرف ماذا يجري في الولايات المتحدة الأميركية، يقول كلفة الحروب الاميركية التي شنها جورج بوش خلال 8 سنوات على الخزينة الأميركية هي 12 تريليون دولار, سيسددها دافع الضرائب الأميركي، والمخزون يعود على البيوتات الكبيرة والشركات الضخمة.
المشكلة هي مع هذه النخبة ومع هؤلاء الخواص وهم الذين ترونهم بالادارة وبالكونغرس وزعماء الحزب الجمهوري والديمقراطي الذين يديرون اللعبة كلها. فالشعب الاميركي باغلبيته الساحقة هو من جملة المساكين الذين لا يعرفون ما الذي يحصل في العالم. برغم انه توجد عندهم الكثير من الشاشات والفضائيات. وعلى مستوى المنطقة آخذ مثلاً واحداً فقط, ما جرى في فلسطين قبل 60 سنة.
وما جرى على فلسطين وعلى شعوبنا وعلى منطقتنا طوال 60 سنة من يتحمل المسؤولية؟ طبعا الصهاينة والذين اتوا بهم من جهة, لكن في امتنا الخواص والنخب هم يتحملون المسؤولية نعم, علماء الدين والحكومات والحكام والملوك والامم والزعماء السياسيون, اصحاب الفكر والرأي جميعهم يتحملون المسؤولية, طبعا الذي قام بواجبه ذمته بريئة وله اجره عند الله سبحانه وتعالى، ولكن الذي لم يقم بواجبه سيُسأل يوم القيامة عن كل ما جرى في هذه المنطقة, عن كل شهدائها واطفالها الذين ذبحوا، وعن كل مآسي هذه الشعوب وما لحق بها عن كل الاهانات وهتك الحرمات والمقدسات والاعراض, وعن كل المجازر التي ارتكبت, هذه النخب نخب امتنا ستسأل يوم القيامة, والان ذات الشيء وعلى طول الخط.
ايها الاخوة والاخوات، الشعوب العربية والإسلامية فيها خير وبركة، وكانت تلبي نداء المظلومين وهي لبت نداءات بالملايين، في الستينات كانت تملأ شوارع المدن العربية عندما كان رجل مثل جمال عبد الناصر يخطب, والى التظاهرات كان ينزل عشرات الملايين، وعلى الجبهة كانوا جاهزين كلهم للقتال, ما كان في مشكلة مع الناس لانهم حاضرون للتضحية بكل ما عندهم وللصبر, بعض الانظمة حكمت شعوبها بالحديد والنار والناس تحملوا الفقر والجوع والقمع والديكتاتورية على امل تحقيق عزة وكرامة الامة باعادة القدس وفلسطين, والان انا اقول لكم برغم كل الستين سنة وما فيهن من خيبات امل لمن خابت آمالهم, ومن انتصارات في الاونة الاخيرة للمقاومين والمجاهدين والممانعين والصامدين، الان شعوب هذه الامة ما زالت مستعدة للعطاء والتضحية، لكن المشكلة هي في النخب.
قبل سنة تقريبا مثل هذه الايام كانت احداث غزة والحرب على غزة وحصارها, الناس نزلت الى الشارع صحيح، ولكن ما كان بالقدر الذي يدعو الاسرائيلي ان يرجف ويخاف, لم نرَ عشرات الملايين في العالم الاسلامي المؤلف من مليار واربعمئة مليون مسلم، ولماذا لم تنزل الناس، لان الناس غير متفاعلة لا, لانني متأكد ان مئات الملايين من العرب والمسلمين ايام حرب غزة كانوا جالسين امام شاشات التلفزة يبكون على الشعب الفلسطيني, واعتبروا هم بما انهم امام التلفاز يبكون وحزنوا فهذا الامر انتهى وهذا هو تكليفهم, هذا الامر غير مقبول، فالناس قادرة على الحركة في الشارع وتواجه، حتى انها حاضرة عندما تسمع بحرب شاملة على الامة، انا اقول لكم الشعوب جاهزة والجيوش جاهزة ايضا.
من هي هذه "اسرائيل" في قلب الامة العربية والاسلامية, فاذا تتوافر الارادة لدى النخب مع ارادة شعوب الامة ليست اكثر من طُعمة آكل: "لقمة واحدة بتطلع خالصة", لكن المشكلة بارادة النخب الموجودة في هذه الامة, ونذكر عندما الكثير من الحكومات منعوا الشعوب من النزول الى الشارع, والكثير من الحكومات منعت حتى ان تقدم المساعدات المالية للفلسطينيين هذا مثل, بل اكثر من ذلك كان هناك مثقفون واعلاميون كثر وناقشوا ما هي الجدوى من النزول الى الشارع لكي نعمل تظاهرة، (انت الجالس تحت المكيف لا تعرف ما هي جدوى التظاهرة), ولكن الجالس في الجبهة وتحت القصف، ونحن منهم نعرف ما هو معنى أن يتظاهر الناس في أي عاصمة عربية من اجلهم. هذا بالنسبة لمعنوياتك وصبرك وتحملك.
وقتها ظل أناس ينتقدون الشارع العربي، ويتكلمون عن الشارع العربي "الظاهرة الصوتية"، تصوروا ان بعض هذه النخب المثبطة للعزائم واليائسة الخائبة لا تريد من الشارع العربي حتى ان يصدر صوتا فتدين الظاهرة الصوتية، اذاً ما هو المطلوب؟ أن نذهب الى حرب شاملة: ممنوع, نجلس امام التلفزيون ونبكي ولا نستفيد شيئا؟؟ ألا يوجد شيء بالوسط نعمله, يوجد الكثير مما نحن قادرون على ان نقوم به, لكن حتى هذا كان ممنوعاً ان نعمل به.
اليوم يمضي عام على حرب غزة والعالم ايضا مستمر بالسكوت على حصار غزة وعلى منع غزة من اعادة بناء منازلها, وسنة يعيش الناس في خيم من النايلون او يبنون بيوتهم من الطين، يعني رجعنا خمسة الاف سنة الى الوراء, ما هو السبب والمانع؟ وكل هذا العالم يسكت على هذه الحقيقة... هذا مثل، اذاً هنا الخواص هم يحملون المسؤولية، لكن عامة الناس يحملون المسؤولية بطاعتهم لكبرائهم، بطاعتهم لساداتهم، بقبولهم لمنطق الخيبة والهزيمة ومنطق التثبيط.
ندخل الى لبنان، مسؤولية النخب واضحة, "وحياتكم" في لبنان برغم كل الذي حصل قبل الحرب الأهلية في السبعينات وبعد الحرب الأهلية في السبعينات, شاهدنا إذا ترك الناس.. اللبنانيون من كل الطوائف مسلمين ومسحيين وأتباع كل المذاهب شيعة سنة ودروز وموارنة وأورثوذكس وكاثوليك وأرمن الخ... إذا هؤلاء الناس في لبنان تُركوا لحالهم, الناس بطبيعتها تحب التعاون، تحب أن تتلاقى، تحب أن تتعايش، تحب أن تتكامل، تحب أن تساعد بعضها البعض، وتساند بعضها، وذلك لان فطرتنا كبشر، الجِبِلَّة التي جبلنا الله عليها هي كذلك, ولان خلفياتنا الدينية أيضا هي كذلك, لأنه ليس هناك من احد دينه سواء كان إسلاميا او مسيحيا او مذهبه، إلا ويدعوه الى مساعدة الآخرين والتعاون مع الاخرين والتكامل مع الاخرين واحترام الاخرين، عندما يكون هناك موادعة ومسالمة وعدم اعتداء. حسناً اين المشكل على مر الزمن في لبنان, في الحقيقة ان المشكل تفعله النخب. أدعوكم إلى قراءة التاريخ وليس التاريخ القديم (واحدة من فوائد هذه الأيام شخصيا أنني وبسبب الظرف الأمني لا استطيع ان أقوم بالكثير من اللقاءات، فأقرأ وذلك يفيدنا أكثر) وتبين لي عندما جلست وقرأت انه منذ أواخر العام 1800 و1900وصولا الى الان ما الذي كان يحصل في لبنان؟ الحروب السابقة والفتن والصراعات وتشكيل الحكومات السابقة اين المشكلة؟ أعود لأقول لكم الخلاصة التي نصل إليها بوضوح انه هناك مجموعة نخب كانت توتر البلد حين تتوتر هي نفسها، عندما تهتز مصالحها كنت تهز البلد، عندما تصبح امتيازاتها بخطر تضع البلد كله بخطر, هذا تشخيص واذهبوا واقرأوا التاريخ, طبعا يمكن أن يأتي من يقول ان المقاومة وضعت البلد بخطر؟ "لا". عندما انطلقت المقاومة في لبنان من قوى مختلفة انطلقت من اجل تحرير البلد، ولتستعيد الأرض وتستعيد القرار وتستعيد السيادة الوطنية، ليس من اجل فلان وليس من اجل عائلة وليس من اجل جهة وليس من اجل مجموعة نخب. وإنما كانت مقاومة من اجل الناس واستعادة الناس كرامتها وحريتها وأولادها وأمنها وسلامتها واستقرارها, بالأعم الأغلب الصراع هو صراع نخب. الان لا أريد ان أتطرق الى نقاشات الماضي لان المناخ الذي سنتكلم من خلاله لا ينسجم مع ملفات الماضي. أقول ان المشكلة كانت أن النخب تتصارع والناس تسير مع هذه النخب نتيجةً لارتباط المصالح الضيقة والعصبيات، نتيجة وجود هذه النخب في مواقع مؤثرة جدا, مثلاً إذا ما جاء احد الى عنوان مثل عنوان الاحتكار، وهذا الموضوع كان قد فُتح في فترة من الفترات, الأشخاص او الشركات التي تحتكر الكثير من المواد التي يتم استهلاكها في لبنان تتحكم بالأسعار. الان ليفتح احد هذا الموضوع، مباشرة يتحول الى مذهبي وطائفي, ولا يكون للدين علاقة ولا للطائفة أي علاقة ولا للمذهب علاقة، فقط لأنه في العادة في لبنان من اجل ان يحمي أي شخص مصالحه يلوذ بطائفته او بمذهبه, هذه هي المصيبة الموجودة عندنا في البلد. كل ما أريد ان أدعو إليه الليلة في نهاية الكلمة كي لا افتح موضوعات فيها إثارة, نحن ندعو النخب والخواص والقيادات السياسية والمرجعيات الدينية وأصحاب القلم والرأي والفكر.. أدعوهم، وهم يعلمون أننا لسنا ضعافاً, نحن نقول للذين يريدون ان يكوّنوا صورة, أقولها باللغة الشعبية: منذ سبع وعشرين سنة منذ العام 1982 الى يومنا هذا, مرت علينا ظروف صعبة وقاسية محليا وإقليميا ودوليا، وقد واجهنا الكثير من التحديات الكبيرة جدا, هل تريدون ان أقولها لكم باللغة الشعبية: "نحن اليوم بأحلى حالاتنا" نسبة لما مضى. لا أريد ان أقول الذي أريد ان أقوله الان ـ وهم يعلمون هذا ـ لأننا خائفون، نحن لسنا خائفين من احد، وليس لأننا محتاجون، نحن لسنا محتاجين لأي احد, وليس لأننا مستقتلون لكي يعترفوا بنا, وإذا ما اعترفوا بنا فهذا شرف لهم. وكذلك ليس لأننا ضعاف, بل لان الذي سنقوله فيه مصلحة الناس في لبنان, ومصلحة لبنان، مصلحة المسلمين والمسحيين في لبنان, أنا أدعو النخب السياسية الى هدنة في لبنان عمرها عام واحد, هدنه تريح البلد قليلا من اجل أن لا نخترع كل فترة موضوعا او قصة او صراعا او نزاعا، لا بالوضع الإقليمي ولا بالوضع بالدولي ولا بالوضع المحلي، تعالوا الى الهدوء, يوجد حكومة، أنا لا أقول ان كل القوى تتمثل فيها، هناك قوى لم تتمثل فيها للأسف لسبب او لآخر، لكن تتمثل فيها اغلب القوى, لنأتِ الى الحكومة ونعطيها فرصة. جاءت هذه الحكومة وقالت أولوياتنا هي أولويات الناس، عظيم، لكي نأتي ونعمل من اجل أولويات الناس, والوزير الذي لا يريد ان يقوم ويعمل لما فيه أولويات الناس فلييستقل "يفل"، لأنه لا يريد ان يعمل لما فيه أولويات الناس, ولنذهب ونرَ اين أولويات الناس ونذهب للعمل عليها, ولنهدأ على بعضنا قليلا ونأخذ فرصة, وكفى توتيرا للجو, والان موضوع المقاومة وسلاح المقاومة ان طعنتم فيه في المجلس الدستوري او لم تطعنوا في المجلس الدستوري, لن يقدم ولن يؤخر، غير أنكم ("ستسمُّون أبدانكم على الفاضي") نحن: خذوا مني أنا، وقد تكلمت مع كل الإخوان، نحن "دبينا بارد الى أي حد تريدون", وتساءل سماحته: أي انه في تلك الليلة عندما سمعنا ان حزب الكتائب سوف يتقدم بطعن في المجلس الدستوري لم ننم الليل؟؟، وأجاب: بل كان نومنا مريحا, إنكم تعذبون أنفسكم فقط, هذه المقاومة واجهت تحديات كبيرة وخطيرة وأصعب السنين وتجاوزتها, لذلك أنا أقول ليس هناك من داع لكي يعمد احد الى توتير الأجواء، لنهدأ, هناك أمور كثيرة لها أولوية في البلد، وهنا أنا أوجه الخطاب الى الحكومة اللبنانية التي يتمثل فيها اغلب القوى السياسية واليوم هي الدولة هي السلطة, وهي السلطة التنفيذية بحسب الدستور, وأقول للحكومة مثلما قلنا للناس في تلك الليلة، كما نقول للناس ان يحترموا القانون, واحترموا النظام العام واحترموا كل شيء, في نفس الوقت يجب ان أقول للحكومة انتم أيضا لستم ملوكا وأمراء، انتم مسؤولون عن الناس وعن البلد, مسؤولون عن معالجة مشاكل الناس ومشاكل البلد بكل العناوين المعروفة (ماء, وكهرباء, ومواصلات, وفرص العمل) ومسؤولون عن تفعيل القضاء كي لا تنتهي القضية بعد عشر سنوات، مسؤولون ان تقوموا بتسوية عشرات آلاف مذكرات التوقيف على قضايا قد تكون تافهة وغير ذات قيمة، ومسؤولون عن الفرز في المناطق التي ليس فيها ضم وفرز، وتشكل مشاكل في البناء, وتسويات البناء، ومسؤولون عن دعم القطاعات المنتجة الصناعية والزراعية، وخصوصا المزارعين والظروف التي يمرون فيها, عندما نقول للناس ان يحترموا القانون نريد أيضا دولة تحترم القانون، تمارس القانون، ونريد دولة تتحمل مسؤوليتها تجاه الناس, هذه الفرصة اليوم موجودة مفتوحة, أنا أريد ان أسأل حقيقةً انه في هذا المناخ المفتعل ما هي مصلحة المسيحيين كمسيحيين بهذا الذي جرى في الأسبوع الماضي, المسيحيون الموجودون في لبنان ما هي مصلحتهم, هل هذا يحد من الهجرة؟ او يزيد في الهجرة؟ هل هذا يعيد المهاجرين من الخارج؟ هل هذا يجعل هذا النزاع الدائم والتوتير الدائم، يجعل الناس تثق بمستقبلها في البلد؟ هل هذا يفتح الباب من اجل تعاون الناس فيما بينها لحل مشاكلها عندما تجتمع الحكومة بدلاً من ان تأخذ الوقت كله للجدل, تجلس لتحل مشاكل الناس، هذا السؤال يريد جواباً, كل ما أريد ان أقوله للخواص، للنخب السياسية، لتتحمل المسؤولية, أنا أدعو دعوتين في نهاية الكلمة:
أولا: للنخب السياسية لتهدأ وتفكر جيداً وتقرأ جيداً محلياً إقليمياً, ودولياً، ولكي نتحمل بعضنا بعضاً قليلا ونقوم بأولويات هي في الحقيقة أولويات الناس, ليس أولويات النخب، ليس أولويات الأحزاب، ليس أولويات الزعامات الذين يريدون ان يحافظوا على زعاماتهم ومواقعهم.
ثانيا: دعوة الى عموم الناس، مصلحة البلد في التعاون، في استبعاد الأحقاد، في فتح صفحة جديدة, أنا أقول للمسلمين والمسيحيين عليكم ان لا تسمعوا لكل من يدعو الى التوتير والى التشنج والى الأحقاد والى الضغينة والى التخاصم, بالحد الأدنى لا تطيعوهم ولا تتبعوهم، فضلاً عن ان تناقشوهم وتفرضوا عليهم ان يتوافقوا مع هذا الجو الذي نحتاجه على مستوى البلد بشكل عام.