كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في الدورة الطارئة المشتركة للمؤتمر العربي والمؤتمر القومي الإسلامي في فندق البريستول ـ بيروت بتاريخ 2/10/2001م.
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في الدورة الطارئة المشتركة للمؤتمر العربي والمؤتمر القومي الإسلامي في فندق البريستول ـ بيروت بتاريخ 2/10/2001م.
كان من الواجب عقد هذا اللقاء الذي يضم أطراً تمثل شخصيات وقوى حيّة على الصعيديّن القومي والإسلامي وفي هذه الأيام بالتحديد لتدارس المرحلة الخطيرة القائمة وتداعيات ما حصل في 11 أيلول وموقعنا مما بات يطلق عليه أسم أولى حروب القرن ومما يزمع تأسيسه من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركيّة لمحاربة ما يسمى الإرهاب .
من الواضح حتى الآن فيما يتعلّق بهذه الحمّلة أو هذه الحرب أو في إطار التحضير لها ما يلي :
أولاً : إن أميركا نصّبت نفسها قائداً للحملة الجديدة وأن الآخرين أياً كانوا ليسوا شركاء في القيادة وإنما مجموعة أتباع عليهم الالتزام بالإملاءات الأميركيّة .
ثانياً: إن أمريكا تعلن بوضوح أنها ميزان الحق والباطل ومقياس الخير والشر وبهذا الميزان وعلى هذا المقياس يتم تصنيف بقيّة العالم من حكومات وشعوب.
فهي الحق وغيرها الباطل ومن أراد أن يكون مع الحق عليه أن يكون معها، دون أي نقاش في تعريف الحق والباطل والخير والشر .
ثالثاً: لقد أعلنت أميركا الحرب على عدو غامض سمّته الإرهاب وأعطته بعداً عالمياً وتحدثت عن ستين دولة على صلة به ومن الطبيعي أن تنتقي هذه الدول من جميع مناطق العالم من أمريكا اللاتينيّة إلى أوروبا وآسيا الوسطى والخليج والشرق الأوسط وأفريقيا وبقيّة آسيا من أجل تأمين الحجة القانونية والسياسية لانتشار قواعدها وأساطيلها في كل أنحاء العالم ونقاطه الحساسة .
رابعاً: لقد تحدثت الإدارة الأميركيّة عن حرب طويلة الأمد وبأشكال مختلفة وعلى صعد مختلفة سياسيّة أمنية عسكريّة إعلاميّة وعن حرب علنيّة وغير علنيّة.
خامساً: إن ساحة الاستهداف الرئيسيّة في هذه الحرب هي العالمان العربي والإسلامي بالدرجة الأولى والعرب والمسلمون في أي مكان في الأرض والبدايّة واضحة في الهجمة الإعلاميّة والسياسيّة الأميركيّة المركزة منذ الأيام الأولى على العرب والمسلمين، وما تصريحات بوش الداعيّة إلى احترام العرب والمسلمين في أميركا وزيارته للمركز الإسلامي في واشنطن إلا كنقطة ماء باردة هزيلة في بحر لجّي من الكراهيّة والتحريض المبرمج .
أيها الأخوة والأخوات :
إن النقاط المتقدمة تؤدي بنا إلى استنتاج يقول بان أميركا لن تقبل بالتوصل إلى تعريف واضح ومحدد للإرهاب وإنما سيبقى الإرهاب عنواناً واسعاً وفضفاضاً تحدد أميركا وحدها مصاديقه الخارجيّة تبعاً لمصالحها وأهوائها.
إن أميركا بحاجة إلى عدو غامض لتبرر عالمية الحرب واتساعها وشموليتها لكل الوسائل وعلى كل الأصعدة .
وأميركا تخشى من تحديد واضح للإرهاب حتى لا تحاكم هي على أساسه أو لا تحاكم مواقفها من الآخرين على أساسه .
إننا أمام هذا التأسيس التاريخي لحرب عالمية باتت واضحة في استهدافاتها يجب أن نؤكد على ما يلي:
1ـ لزوم قيام تنسيق عربي إسلامي وجهد مشترك وموّحد لفرض تعريف واضح ومحدد وصحيح للإرهاب وتمييزه عن مفهوم المقاومة المشروعة، وهذه المسألة لا يجوز التساهل فيها وإهمالها حتى لا نتيح لأميركا فرض أمر واقع يتناسب مع فهمها وتعريفها الفضفاض.
2ـ الرفض القاطع لقيادة أميركا للتحالف الدولي لأنها غير صادقة في محاربة الإرهاب وغير صالحة لذلك، فهي التي تدعم الدولة الإرهابية الصهيونية بكل ما أوتيت من قوة، وهي التي مارست الإرهاب بأفظع مشاهده طوال تاريخ البشرية في هيروشيما وناكازاكي. وهي التي ستستغل الحرب على الإرهاب لتنفيذ أبشع أعمال الإرهاب من جديد.
3 ـ نحن مدعوون إلى قراءة واقعية وغير عاطفية لتداعيات حدث 11 أيلول وتأثيراته على كيان الولايات المتحدة وموقعها وهيبتها وأمنها واقتصادها ونمط حياتها وطريقة إدارتها السياسية. من المؤكد أن أميركا بعد 11 أيلول هي غيرها قبل 11 أيلول ومهما فعلت لن تكون كما كانت.
وبالتالي على أولئك الذين كانوا لا يخافونها قبل 11 أيلول أن لا يخافوها بعد 11 أيلول بطريق أولى وعلى الأمة أن لا تسمح للتهويل والتهديد أن يؤثر في عزيمتها أو في إيمانها بقضاياها وحقوقها فأميركا لن تكون أقوى مما كانت عليه في الماضي، إن لم نقل أنه بدأ بالفعل زمن الإنحدار الذي قد يكون سريعاً ومدويا،ً ونحن عاصرنا سوياً تجربة الإنهيار الصارخ والمفاجئ للاتحاد السوفياتي سابقاً مع اختلاف الظروف والأسباب.
4 ـ لا يجوز لأحد أن يعتبر نفسه خارج الاستهداف في الحرب الجديدة. صحيح أن الإدارة الأميركية تسعى حالياً لتحييد عدد من الدول والحركات والجهات وإلى طمأنتها أيضاً بل تطمع بالتعاون معها وحتّى مع الدول والتنظيمات التي تصنّفها أمريكا ارهابية، وصحيح أن الإدارة الأميركية وضعت أولوية واضحة لحربها في المرحلة الحالية تتعلق بأفغانستان وبعض التنظيمات الإسلامية التي تتهمها بالهجمات الأخيرة. ولكن من المؤكد أن الإدارة الأميركية ستعمل على فرض إرادتها وتصوراتها للحلول السياسية والعسكرية لجميع أزمات العالم فيما بعد وفي مقدمتها الصراع العربي ـ "الإسرائيلي" وقضية فلسطين والقدس. وستشهر سيف الإرهاب على رقاب المعترضين والرافضين تضييع حقوق الأمة ومقدساتها.
ولذلك فليس صحيحاً أن يفكر الواحد منا، سواء الدول أو التنظيمات أو التيارات والمجموعات بطريقة من يريد أن يحمي رأسه في المرحلة الحاضرة ، وإنما السياسة الصحيحة هي أن ندرس معاً كيف نحصن أمتنا وقواها الحية ونحمي قضاياها الأساسية ونقطع الطريق على إمكانية استهدافها في المرحلة اللاحقة.
5
ـ يجب على الحكومات العربية والإسلامية أن تعتبر الوضع القائم فرصة تاريخية يمكن الاستفادة منها لجهة عزل "إسرائيل" وإضعافها والتشهير بها أمام العالم وكان يجب على الحكومات التي تنوي الانضمام إلى التحالف الدولي اعتبار ذلك شرطاً مسبقاً لأي تعاون أو تنسيق، مع أننا نقول أنه لا يجوز إعانة أميركا بأي شكل ومستوى في عدوانها على أي شعب من شعوب العالم.
6ـ إننا ندعو إلى بذل جهود استثنائيّة في هذه المرحلة من قبل كل القوى المخلصة في الأمة إلى توحيد الصفوف ونحذّر من الفتن التي ستعمل أمريكا على إشعالها في كل مكان. علينا أن نراقب الأوضاع وأن نكون دقيقين حتى في اختيار الكلمات والمصطلحات ووسائل التعبير وفتح الملفات وزمانها ، إنهم سيعملون على إثارة كل التناقضات القائمة وسيعملون على دفع الأمور باتجاه التصادم الدموي، لقد صرح أحد مسؤوليهم بوضوح حول هذه النقطة واعتبر أن من جملة الوسائل هو أن يقاتل من سماهم الإرهابيين بعضهم بعضا.
لذلك، إننا يجب أن نعلن أعلى درجات الاستنفار في المراقبة والوعي والضبط إزاء ما يرتبط بقضايا يمكن أن تثار مثل: المسيحيون والمسلمون ، السنّة والشيعة ، القوميون والوطنيون ، والعروبيون والإسلاميون، وسوى ذلك من النـزاعات الحدوديّة والقطريّة والعرقيّة، وأن نبادر إلى التدخل السريع لوأد أي فتنة في مهدها .
7ـ إن أهم تعبير عن إرادتنا وصدقيتنا جميعاً في شعارنا نعم للمقاومة ولا للإرهاب إنما يتمثل في تصميمنا على مواصلة الانتفاضة في فلسطين ودعمها بكل ما أوتينا من قوة وكذلك في مواصلة المقاومة في لبنان لتحقيق بقيّة أهدافها
ولذلك فإن الانتفاضة اليوم باستمرار عملياتها الجهاديّة وفعالياتها الشعبيّة تعني أن الشعب الفلسطيني الأبي ومعه كل من يؤيده في الأمة قد تجاوزوا بالفعل تداعيات 11 أيلول وها هم يتابعون طريقهم الصحيح ويمارسون حقهم المشروع بالرغم من ضجيج الأساطيل وصراخ المستبدين في واشنطن .
8 ـ وأخيراً ينبغي أن نعمل على تكريس وترسيخ وصيانة ثقافة الجهاد والمقاومة والاستشهاد في الأمة، لأنها هي المستهدف الأكبر ، لو قدر أن تسقط هذه الثقافة أو تضيع ستسقط الأمة معها وتضيع.
بهذه الثقافة انتصر لبنان وهُزم الصهاينة في لبنان وبهذه الثقافة تستمر الانتفاضة وستنتصر بإذن الله وبهذه الثقافة يمكن أن تواجه الأمة كل أخطار الزمن الآتي
أسال الله تعالى أن يوفقنا لليقين والبصيرة وأن يهدينا سبل الصلاح والخير والوحدة والنصر .
والســــلام عليكم