كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في المؤتمر الذي أقيم في العاصمة السورية دمشق لمناسبة الذكرى الأولى لانطلاقة الإنتفاضة الفلسطينية المباركة بتاريخ 27/9/2001
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في المؤتمر الذي أقيم في العاصمة السورية دمشق لمناسبة الذكرى الأولى لانطلاقة الإنتفاضة الفلسطينية المباركة بتاريخ 27/9/2001
مما لا شكّ فيه أن أحداثا كبرى وقعت في الأيام القليلة الماضية فرضت أوضاعا خطيرة على مستوى العالم وألقت بثقلها على منطقتنا وأصابت بتأثيراتها ومفاعليها مركز الصراع الدائر هنا أعني الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وفي قمّة تجلياته الانتفاضة المباركة والمقاومة الجهادية في فلسطين المحتلة وما يتعرض له شعب فلسطين من إرهاب وعدوان كل يوم.
لقد استطاعت هذه الأحداث الخطيرة أن تخرج الانتفاضة من دائرة الاهتمام الدولي والعربي بدرجة كبيرة سواء على المستوى السياسي أو الإعلامي أو غيره، وشكلت فرصة ثمينة لحكومة شارون عملت لتوظيفها في أكثر من اتجاه بما يخدم مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى.
أولا: لقد استنفر صهاينة العالم كل إمكانياتهم وطاقاتهم السياسية والإعلامية والثقافية لوصم كل العرب والمسلمين بسمة الإرهاب ومارسوا أكبر عملية تحريض وخلال أيام قليلة وعلى امتداد العالم لم يتركوا بهتانا أو زورا إلاّ نمّقوه وقدّموه على أنّه الحقيقة العلمية المثبتة التي لا تقبل الجدل والنقاش.
وركّزوا في هذا السياق على حركات المقاومة الجهادية ضدّ الاحتلال الصهيوني وعلى الحكومات العربية والإسلامية الداعمة لحق المقاومة والتحرير، وبعد ساعات قليلة من الهجمات على واشنطن ونيويورك يطالعنا الإعلام الإسرائيلي ليتحدث وبشكل قاطع وجازم أن المجموعات الجهادية اللبنانية والفلسطينية أو المجاهدين الفلانيين هم الذين يقفون وراء الهجمات، فيما كانت أمريكا كلها ضائعة والإدارة الأمريكية مرتبكة لا تعرف ماذا حصل بالتحديد .
لقد أراد الصهاينة من توجيه الاتهام المباشر للفلسطينيين خصوصا والعرب والمسلمين عموما دفعنا جميعا إلى موقع رد الفعل والى الانفعال والارتباك وإلى الخوف ثمّ يصبح هم كل واحد منا أن يدفع التهمة عن نفسه ومن بعده الطوفان، أو أن يسارع البعض منّا كما حصل في فلسطين إلى إعلان استعداده الكامل للإلتحاق بتحالف دولي ضدّ الإرهاب تقوده أمريكا دون شروط أو ضوابط. لقد دفع الانفعال البعض إلى السقوط مجددا في أخطاء مصيرية قاتلة ستظهر نتائجها سريعا للأسف.
المطلوب في هذه النقطة أن نتماسك جميعا وأن نخرج من دائرة الانفعال والإحساس بالذنب أو الضعف وأن نتمسك بقضايانا وثوابتنا وحقوقنا وخياراتنا دون أي تردد. كلنا يدين الإرهاب ولكن لا يجوز للبعض منّا أن ينتحر أو أن يضع شعبه على حافة الهاوية فقط من أجل أن يدفع عن نفسه صفة الإرهاب التي يصفه بها رؤوس الإرهاب في العالم.
في هذا الإطار يجب أن يمارس جهد إسلامي وعربي كبير من أجل إخراج الانتفاضة من هذه الدائرة وعدم القبول حتّى بأن يناقش أمر اتهام الانتفاضة والمقاومة في فلسطين بأنّها شكل من أشكال الإرهاب. يجب أن يقتنع كل الفلسطينيين بأن يتعاملوا مع الأحداث والتطورات على أساس أنّهم خارج دائرة الاتهام مهما قالت عنهم إسرائيل واعوانها في العالم، لأنّ هذا الاقتناع له أثره الكبير في كيفية تعاطي الفلسطينيين مع انتفاضتهم ومع حقوقهم.
ثانيا: لقد عمل الصهاينة على المستوى الميداني عقب الهجمات في أمريكيا على توجيه ضربات متلاحقة وقاسية وقاموا بقتل عشرات الفلسطينيين خلال أيام قليلة وتمّ اجتياح العديد من المدن والقرى الفلسطينية، ولقد فاخر بن أليعازر بأنّهم فعلوا كل هذا ولم ينبس العالم ببنت شفة، وقد واجه المجاهدون الفلسطينيون كل هذه الاجتياحات والاعتداءات ببسالة وبطولة وإرادة صلبة.
لقد كان شارون يمنّي النفس بأن يوجّه مجموعة ضربات قاصمة للإنتفاضة والمقاومة خلال أسابيع من انشغال العالم عن إرهابه وجرائمه، ولكن الصمود البطولي لشعبنا الفلسطيني من جهة، والرسائل التي وجّهت بعيدا عن الإعلام إلى أكثر من جهة وطالعت مسامع الأمريكيين أنفسهم والتي تقول لقد تمادى الصهاينة كثيرا وأن الاستمرار في تصعيد الأمور واجتياح المدن والقرى وقتل الفلسطينيين سيدفع البعض منّا إلى خوض معركة مفتوحة ومباشرة ولن تمنعه تطورات العالم من الدفاع عن أهله وشعبه في فلسطين، وبالتأكيد هذا ما لا تتحمله الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن إضافة إلى الجهود العربية والإسلامية التي أعادت تسليط الضوء على ما يجري داخل فلسطين . كل هذا دفع بالإدارة الأمريكية إلى الضغط على شارون وكبح جماحه خشية أن تأخذ الأمور في المنطقة منحى يحرج أمريكا ويعيق حركتها التي تخطط لها على مستوى العالم. إنّ انصياع شارون بدرجة كبيرة هو شاهد جديد على أنّ لإدارة الأمريكية يمكنها أن تفعل الكثير لو أرادت.
ثالثا : الاستفادة الأمريكية من المستجدات الحاصلة لوقف الانتفاضة دون تحقيق أي مكسب حقيقي للفلسطينيين، ولأول مرة وفي نهاية العام الأول لانطلاقة انتفاضة الأقصى المبارك نشعر بالقلق على مصيرها من القراءات الخاطئة والسياسيات الخاطئة والتكتيكات الخاطئة. لقد فعل شارون كا ما بوسعه لضرب هذه الانتفاضة ولم ينجح فماذا بقي في جعبته من خيارات ممكنة.
إنّ السعي الأمريكي الدوؤب اليوم إلى تحقيق وقف كامل وحقيقي للنار في داخل فلسطين يعني بتعبير آخر وقف الانتفاضة والمقاومة في فلسطين بدعوى أنّ العالم منشغل بحرب أخرى في مكان آخر.
فهل على الفلسطينيين أن يستجيبوا لذلك، أنا أقول لكم أنّ ما لم يفعله شارون خلال الأشهر الماضية لأسباب وأسباب هو أعجز حاليا بسبب هذه التطورات ولن يتجاوب معه العالم في ذلك. لقد أودى الإنحناء أمام عملية عاصفة الصحراء المؤقتة بثلثي فلسطين فماذا ستكون نتيجة الانحناء أمام العملية الجديدة، أليس هناك قراءة أخرى لما يجري، أليست الفرصة الآن متاحة للإنتفاضة كي تكمل المشوار وتختصر الزمن؟.
لقد حقق الشعب الفلسطيني بدماء شهدائه وجرحاه وآلام أسراه وصبر نسائه وأطفاله وصموده التاريخي خلال عام واحد إنجازات كبيرة في مواجهة هذا الكيان الغاصب تشكّل مقدمات أساسية لصنع النصر والتحرير. فهل يجوز أن تنهار كل هذه الانجازات دفعة واحدة؟. إنّ الشعب الفلسطيني وفصائله وتياراته وقياداته على مفترق طرق خطر وإنّ الخيارات المستعجلة وغير المحسوبة سيكون لها نتائج كارثيّة.
لقد جربنا المقاومة والانتفاضة وشهدنا الكثير من النتائج الجليلة، لقد جربنا طريق أوسلوالذي شتمه أصحابه خلال العام الفائت ليس أقل مما شتمه معارضوه خلال سنوات. من هنا يأتي انعقاد هذا المؤتمر الكريم إحياء لذكرى انتفاضة الأقصى بعد عام على انطلاقتها يأتي في مرحلة حساسة جدا من عمر الانتفاضة، تحتاج فيه فيه إلى الدعم والمساندة وتحتاج فيه إلى التناصح وتحتاج فيه إلى الوحدة الوطنية والتماسك وتحتاج فيه إلى كل صوت وكلمة.
يجب أن يشعر شعبنا في فلسطين أنّه ما زال في قلب الاهتمام العربي والإسلامي بالدرجة الأولى وأنّه لن يُترك أو يهمل أو ينسى، ويجب أن نبين بكل الوسائل الممكنة لشعبنا الفلسطيني وأمّتنا ما أنجزته الانتفاضة والمقاومة ليقوى الأمل بالانتصار وتشتد العزيمة ويصبح للمعركة أفق وللصبر معنى.
يجب أن نؤكد بكل وسيلة ممكنة على مواصلة الجهاد والمقاومة لتحرير أراضينا العربية والإسلامية المقدسة دون أن ترعبنا اتهامات الإرهاب التي اعتدنا على سماعها طويلا. ويجب أن يكبر إيماننا بأن الذين يملكون إرادة الصمود والاستشهاد وإن تواضعت إمكاناتهم المادية هم قادرون على صنع النصر والتحرير وفرض إرادتهم واحترامهم على كل الطواغيت الجبابرة.
من الواجب في ختام الكلمة أن نوجه التحية لسوريا، لقائدها سيادة الرئيس بشار الأسد، لشعبها الأبي وجيشها الباسل ولرمزها الخالد الراحل الكبير الرئيس حافظ الأسد، وأن نوجه التحية لسوريا التي احتضنت هذا المؤتمر ومعه كل المقاومين والمجاهدين والمناضلين والشرفاء، وكما في الماضي هو الحال في الحاضر تبقى دمشق ملاذا للمقاومين من أجل التحرير واستعادة الكرامة والمقدسات، تحفظهم وتدعمهم وتصونهم وتشد من عزائمهم التزاما منها بنهج راسخ وثابت في الدفاع عن الأمّة وحقوقها المشروعة، تتجسد فيه كل قيم الشرف والكرامة وإن عظمة المعاناة.
لسوريا حافظ الأسد كل الوفاء والتقدير، ولسوريا بشار الأسد كل الثقة والأمل والوعد بمستقبل التحرير والكرامة، ولشعبنا الفلسطيني والأبي والشريف والمضحي عهد النصرة والمساندة والمعركة الواحدة والمصير الواحد واليقين بالنصر الإلهي الآتي مع دماء الشهداء وصبر المجاهدين ودموع الأيتام والثكالى، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا، أليس الصبح بقريب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته