اكد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ان الحركة التصحيحية شكلت مفصلاً تاريخياً مصيرياً هاماً في سوريا ومنطقتنا ، يشهد لذلك كل التحولات الكبيرة والخطيرة التي شهدتها سوريا على الصعيد الداخلي من بناء وأمن واستقرار، وعلى صعيد المنطقة والأمة ، من دور سوري إقليمي وقومي ، قوي وفعّال لا يمكن لأحد في العالم أن يتجاوزه أو أن يتغاضى عنه أياً تكن التطورات الدولية أو الإقليمية .
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مهرجان ذكرى الحركة التصحيحية الذي أقامه حزب البعث في قصر الأونيسكو.
لقد شكلت الحركة التصحيحية مفصلاً تاريخياً مصيرياً هاماً في سوريا ومنطقتنا ، يشهد لذلك كل التحولات الكبيرة والخطيرة التي شهدتها سوريا على الصعيد الداخلي من بناء وأمن واستقرار، وعلى صعيد المنطقة والأمة ، من دور سوري إقليمي وقومي ، قوي وفعّال لا يمكن لأحد في العالم أن يتجاوزه أو أن يتغاضى عنه أياً تكن التطورات الدولية أو الإقليمية .
إن مما يؤكد تاريخية الحركة التصحيحية وتاريخية قائدها الفذ الرئيس حافظ الأسد، أن أحداثاً عظيمة وتطورات كبرى ما كانت لتكون ولتحصل، لو لم تقم هذه الحركة التصحيحية وتنجح في تحقيق أهدافها.
نعم، لقد دفعت قيادة الرئيس الأسد بسوريا إلى قلب المعركة والصراع الذي تخوضه أمتنا دفاعاً عن وجودها وكراماتها ومقدساتها. وشكل مدرسة نضالية راقية قي الفكر، والموقف، والممارسة ، وكانت المقاومة والصمود والثبات على الموقف من أبرز عناوينها.
ومنذ حرب تشرين عام 73 وما تحقق فيها من إنجازات بطولية، كانت المؤشر على الطاقة الكامنة في المواجهة، رغم فقدان التوازن الاستراتيجي. وصولاً إلى التدخل في لبنان عام 1976 لمنع تفككه ومنع تفككه إلى دويلات طائفية متحاربة. إلى مواجهة اتفاقيات كامب ديفيد عام 78 ، وتداعياتها الخطيرة على مجمل الصراع العربي – الإسرائيلي، وأوضاع المنطقة والأمة . إلى الموقف الحكيم والشجاع والاستراتيجي من انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الراحل سماحة الإمام الخميني رضوان الله عليه، ولاحقاً من الحرب المفروضة عليها والتي دمرت طاقات هذه الأمة. وصولاً إلى الاجتياح الصهيوني للبنان عام 82 وما تلى ذلك من حروب ومواجهات سياسية وعسكرية ، بالغة الحدة. إلى عاصفة الصحراء ، إلى مدريد 91 وأوسلو 93 وعناقيد الغضب 96 ، والتي توجت بتفاهم نيسان إلى يوم النصر الكبير في أيار 2000.
كان الأسد دائماً على خط النار، وفي ساحة المقاومة، وفي قلب الصراع، قائداً كبيراً، وسياسياً عظيماً ومحنكاً، وخصماً مخيفاً، ومناوراً بارعاً وحليفاً موثوقاً. بل جبلاً راسخاً شامخاً، يمكن للمقاومين المجاهدين من أجل كرامة الأمة وكل الشرفاء أ، يستندوا إليها بكل اطمئنان ويقين.
لقد وفرت الحركة التصحيحية بقيادة الرئيس حافظ الأسد، قاعدة صلبة للمقاومة والصمود والثبات على الحق في مواجهة أعتى الأعاصير الاستكبارية والصهيونية التي هبت على أمتنا ومنطقتنا خلال عقود من الزمن.
إن صمود سوريا وثباتها على مبادئها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي ومعهما النظام العالمي ،هو أكبر دليل على ما أقول ، لأن تلك التطورات العالمية أودت بأنظمة كاملة وبدلت إتجاهات سياسية ذات طابع تاريخي ، وأدت إلى انقلاب حاد في الموازين والمعادلات الحاكمة. ولكن بقيت سوريا هي سوريا ، وبقي حافظ الأسد هو حافظ الأسد.
كان الرئيس الأسد يعرف كيف يكتشف عناصر القوة في هذا الصراع المحق مع العدو الصهيوني ، ويعرف كيف يتمسك بعناصر القوة هذه ، وكيف يحميها ويحافظ عليها ويعمل على تقويتها وتنميتها وتطويرها.
كانت معركته مع عدو الأمة، وهذا أساس الحركة التصحيحية والانتصار في تشرين وما بعدهما . كانت معركته مع عدو الأمة ، وكانت مصالح هذه المعركة دائماًَ هما المدخل لمواقفه وعلاقاته وأدائه، وعلى أساس ذلك ، تنتظم الأولويات عنده، ولهذا كنا نجد أن حركة الأسد السياسية ، كانت حركة منسجمة ، متواصلة ، مترابطة، لأنها كانت مبنية على رؤية استراتيجية واضحة ، وأهداف واضحة ، وتسند إلى قيادة مطمئنة وقوية وشجاعة لا تتردد ، ولذلك لم تكن سياسة رد فعل متشتت ، منفعل بحدث هنا أو حدث هناك.
لو راقبنا السلوك السياسي ، أو الخطاب السياسي ، سنجد أننا أمام سياق واحد متدفق ومستمر. يعرف إلى أين يسير وكيف يسير وإلى أين سيصل.
نعم، لقد نقل القائد الأسد وحركته التصحيحية سوريا إلى هذا الموقع المتقدم في الأمة، لأنه تبنى قضية الأمة. إن كل فرد أو حزب أو دولة ، يكبر ويصغر بحسب حجم وأهمية القضية التي يتبناها والأهداف التي يعمل من اجلها.
ولأن سوريا الأسد كانت وما زالت تحمل هموم الأمة ورسالتها وفي قلبها القضية المركزية ، قضية فلسطين ، وكل أرض عربية محتلة ، فهي كانت وستبقى بحجم هذه الأمة ، وبحج هذه القضية . هكذا ينظر إليها أصدقاؤها وأعداؤها وخصومها في آن واحد.
وفيما نحن فيه هذه الأيام ، كأن القائد الأسد قد استشرف المستقبل وأدرك بعمق ما يتهدد خيار المقاومة من أخطار، فدعا مبكراً إلى التمييز بينها وبين الإرهاب ، وإلى عقد مؤتمر دولي لهذا الغرض ، ولوجدنا أن هذا الموقف بالتحديد ، أي التمييز بين المقاومة والإرهاب، كان وما زال من أهم محاور السياسة الخارجية السورية وأدبياتها منذ ذلك الحين وحتى الآن تعمل له القيادة السورية بجد في جميع المحافل العربية والإسلامية والدولية.
ولأن المقاومة كانت مشروعه وخياره ، عمل على حمايتها ، ونصرتها ، وتقويتها في كل الساحات ، ودافع عنها أمام كل ما يتهددها من أخطار ، وأسس لما يحميها أيضاً في مواجهة ما يمكن أن يتهددها من أخطار في المستقبل ، تحت عناوين الإرهاب وما شاكل.
لقد كان سعيداً جداً بإنجازه الكبير في تفاهم نيسان، والذي تابع فيه حتى التفصيلات والجزئيات حيث اعتبر أن الأهم في هذا التفاهم ، هو إقرار المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي بحق المقاومة المسلحة في لبنان ووجودها وسلاحها وعملياتها. وهذا ما يؤسس عليه البعض اليوم مواقفهم من التطورات المتعلقة بقضايا الإرهاب والمقاومة.
نعم لقد كانت الحركة التصحيحية بقيادة الرئيس الأسد بداية التحولات الكبرى في منطقتنا على كل صعيد ، وتتجدد الذكرى ونبقى أمام الانجازات التاريخية، التي من أهمها اليوم أن سوريا استمرت في خط هذا القائد ، لم تحد عنه، ولم تتزحزح قيد أنملة ، فهي الوفية لنجله وحافظ عهده سيادة الرئيس بشّار الأسد ، تتابع معه هذا الخط النضالي التاريخي الواضح، وتتحمل في ظل قيادته الحكيمة والشجاعة كل تبعات الالتزام الوطني والقومي بقضايا الأمة.
لقد صمدت سوريا وتحملت الكثير في حفظ المقاومة وحقها وحماية فصائلها اللبنانية والفلسطينية وتعرضت للكثير من الضغوط والتهويل ونجحت في تجاوز كل ذلك.
يعني مثلاً ، في نيسان استطاع الرئيس الأسد أن يفرض على الذين كانوا يطالبونه دائماً بضرب المقاومة أو التخلي عنها أو إنهائها ، أن يعترفوا بها وبجهادها وسلاحها.
واليوم إذا كانت الإدارة الأميركية تتنكر للمقاومة التي اعترفت بها بالأمس فالأمر لا يحتاج إلى المزيد من التحليل والتوضيح ، وقد أغنتنا السيدة رايس مستشارة الأمن القومي للرئيس بوش عندما قالت أن حزب الله ، وفصائل المقاومة ، هم إرهابيون لأنهم يشكلون تهديداً لأمن "إسرائيل" ، وإسرائيل هي جزء من المجتمع الدولي ، أما لبنان وأطفال قانا والمدنيين فهم ليسوا جزءً من المجتمع الدولي . أن الإدارة الأميركية تقول ذلك بوضوح ولا تخفي هذا الأمر أنها إنما تفعل ذلك من أجل أمن إسرائيل وحمايتها وليس هناك أي منطق آخر في الحقيقة .
اليوم يجد المقاومون الشرفاء في لبنان وفلسطين ، وبعد 11 أيلول أن عرين الأسد ما زال للأسد ، وأن قلعة الصمود العربي ما هزتها الزلازل والأعاصير ، ما زالت شامخة تحتضنهم وتحميهم وترفع صوتهم لأنه صوتها وفكرها ومنطقها وقضيتها، ولأنه الحق الذي تستند إليه الأمة في صراعها والذي لا يمكن أن يتبدل بالباطل أياً تكن الموازين والمعادلات التي تتحكم في المنطقة والعالم.
إننا في هذه الذكرى العظيمة، نؤكد للقائد العربي الكبير الراحل حافظ الأسد ، أننا ثابتون في المقاومة، ومؤمنون بحقنا وملتزمونا بواجبنا ولن نتخل عنه، ولن تختلط علينا المفاهيم ، ولن تخيفنا الأساطيل ولا التهاويل. وإن لبنان الذي أراده واحداً قوياً موحداً متماسكاً واضحاً في خياراته الوطنية هو كذلك وسيبقى كذلك . وإن المصير الواحد الذي يجمع لبنان وسوريا والذي أراده منبعاً للقوة والمنعة ، سنبقى من المتمسكين به، وكما كنا معك سنبقى مع نجلك العزيز الرئيس بشار الأسد ، نتابع السير في دربك حتى نحقق لأمتنا كل طموحاتها وآمالها الكبار وأهدافها العظيمة.