
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في ندوة تحديد مفهوم الإرهاب والتي نظّمها الحزب السوري القومي الإجتماعي بعد ظهر اليوم الجمعة 2/11/2001 في فندق الكومودور ـ الحمراء
كلمة الأمين العام لحزب الله في ندوة تحديد مفهوم الإرهاب والتي نظّمها الحزب السوري القومي الإجتماعي بعد ظهر اليوم الجمعة 2/11/2001 في فندق الكومودور ـ الحمراء
هذا اللقاء الفكري السياسي والذي يتناول أهم موضوع بات يشغل العالم هذه الأيام، وتحت رايته تشن الحروب وعلى أساسه تصنّف الشعوب والجماعات وعلى قاعدته يؤسس نظام عالمي جديد آخر، أعني موضوع الإرهاب.
نحن بحاجة إلى أي جهد فكري وثقافي وإعلامي وسياسي في هذا المجال لتعبّر أمّتنا عن موقفها بعلمائها ومفكريها وقواها الحية، وأمّتنا معنية أكثر بهذا الأمر لأنّها هي المستهدف الأول في هذه الحملة الطاغية الظالمة، مستهدفة في شعوبها وأحزابها وحكوماتها وقضاياها الأساسية.
إنّ الصوت العربي والإسلامي العالي والمستند إلى الحق في الدعوة إلى التمييز بين الإرهاب والمقاومة قد أزعج الأمريكيين مما دعاهم ليبلّغوا لبنان ومن خلاله العالم كلّه وعلى لسان وزير كندي بالقول :" إنّه مصطلح المقاومة لم يعد له وجود في القاموس السياسي". هم يرفضون حتّى أن يكون للمقاومة مصطلح في القاموس السياسي ليريحوا أنفسهم من عناء البحث والنقاش في الفارق بينها وبين الإرهاب.
وهذا من تجليات العصر الجديد والذي انتقلنا فيه حيث انتقلنا فيه من عصر الاستكبار إلى عصر الاستبداد. إنّني لا أود الخوض في بحث حول تعريف الإرهاب وحدوده، لأنّ كلمة الافتتاح لا تتسع لذلك والسادة المحاضرون والمناقشون في أعمال الندوة قد تكفّلوا هذا الأمر، لكنني أود أن أشير إلى بعض النقاط السريعة:
أولا يجب أن نستند في أي تعريف أو تحديد للإرهاب إلى الحق الإنساني لا إلى الأهواء والمصالح حتّى إلى أهوائنا ومصالحنا نحن، وأن نكون عادلين ومنصفين وواقعين في هذا التعريف والتحكيم. ولكننا أيضا بحاجة إلى أن نكون الأقوياء لنحمي هذا الحق ولأنّ يكون تعريفنا محترما وصوتنا مسموعا في عالم لا مكان فيه للضعفاء ولو كانوا من أعاظم الفلاسفة وأكابر المفكرين ورواد الحضارة، أي أن تكون لنا الإرادة القوية والإيمان القوي والقدرة السياسية والعسكرية والاقتصادية القوية، ليعترف لنا العالم بالحق الذي هو لنا، هذه هي القاعدة التي تحكم العالم اليوم.
ولنّ أمريكيا قويّة ومتجبّرة ومقتدرة فهي التي تفرض تعريفها للإرهاب على الدول والشعوب في العالم، وهي التي تصنع اللوائح وتصنّف الحكومات والأحزاب والأشخاص وحدها ودون العودة إلى أي إطار تمثيلي دولي، وهي التي تدّعي بتهمة الإرهاب على من تشاء وتحاكمه وتنفذ الحكم وعلى العالم كلّه أن يقبل وأن يتعاون ويكون معها وإلاّ فهو مع الإرهاب.
أيّها الإخوة والأخوات، ما هو الأساس الشرعي والقانوني والفكري والحضاري أو الأخلاقي الذي تستند إليه أمريكا وهل أصغى لها العالم لأنّها تستند إلى أساس من هذا النوع؟ كلا ، أم هو منطق القوة الذي تبطش وتدمر والذي أقامته أمريكا على أشلاء مئات الآلاف ممن قتلتهم في هيروشيما وناكازاي وغيرها، ومنطق التفرد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي .
كذلك الحال بالنسبة إلى "إسرائيل" القوية في منطقتنا وفي العالم، فهي التي تملك الحق وحدها في تصنيف الناس بين الإرهابي ومعاداة السامية والنازية وآخر هذه المصطلحات السادية وغير ذلك.
إنّ الذي يجعل لمفهومنا وتعريفنا للإرهاب أو غيره قيمة ومكانا هو منطق القوة إلى جانب منطق الحق. ولذلك نحن مدعوون في عصر الاستبداد هذا أن نأخذ بأسباب القوة في كل مجال وعلى كل صعيد وفي مقدمته الوحدة فلا قوة للمتخاصمين المتنازعين، إنّها سنّة الله في خلقه : "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". لذلك أؤكد أنّ من أهم مسؤوليات هذه المرحلة هو الحفاظ على الوحدة الوطنية وترسيخها، وكذلك تمتين التحالف المصيري القائم بين لبنان وسوريا والذي يمنح الجميع القوة والقدرة على مواجهة التحديات القائمة والقادمة وصولا إلى توسيع إطار هذا التحالف والتعاون إلى أبعد مدى ممكن على المستوى العربي والإسلامي والعالمي.
ثانيا إنّ أمريكا لن تسمح بعقد أي مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب وإذا ما قدر لمؤتمر من هذا النوع أن يعقد فستعمل أمريكا على فرض مفهومها هي، بالإجبار والإكراه وسيدخل هذا المؤتمر في مأزق حاد أين منه ما حصل في مؤتمر دوربان لمواجهة العنصرية.
إنّني أدعو لسعي جاد وحثيث لمؤتمر عالمي في المرحلة الأولى يضم الجمعيات غير الحكومية الثلاثة آلاف التي وافقت على مساواة الصهيونية بالعنصرية على هامش مؤتمر دوربان. أو عقد مؤتمر عالمي للأحزاب السياسية الحرة في العالم والبدء بتكوين رأي عام عالمي ضاغط على الحكومات والدول باتجاه تكريس تعريف صحيح وواضح للإرهاب وتمييزه عن المقاومة.
ثالثا أيّا يكن تعريف الإرهاب وحدوده ومعاييره حتّى الأمريكية منها فسنجد أن أمريكا هي دولة إرهابية بكل المعايير وهي دولة تدعم الإرهاب بكل المعايير والوقت لا يتسع لنفترض كل معيار وتعريف للإرهاب ودعم الإرهاب ثمّ نقدّم الشواهد والأدلة على انطباقه الدقيق على دولة الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يصدق أيضا وبالمطلق على دولة إسرائيل الغاصبة.
وهنا في الحقيقة تكمن مأساة هذا العصر الاستبدادي حيث يقف أكبر إرهابي في العالم وأعظم داعم للإرهاب ليصنف الناس ويحاكمها ويعاقبها ويصادر أموالها ويدمّر مقدراتها بتهمة ممارسة الإرهاب أو دعمه.
يجب أن يرتفع صوت كل شعوب العالم وحكوماته برفضه والتنديد به وإلاّ سيكون الجميع من ضحاياه.
رابعا يجب أن يكون إيماننا مطلقا وحازما بحقنا في تحرير أرضنا ومقدساتنا وأسرانا، وحقنا أيضا الشرعي والقانوني في نصرة شعب فلسطين بكل ما نستطيع، وحقنا أيضا الشرعي والقانوني في رفض وجود هذا الكيان الإرهابي العنصري المغتصب لأرض فلسطين والذي يعتبر وجوده واحتلاله للأرض والمقدسات إرهابا قائما ودائما ومستمرا، ولن يثنينا عن هذا العزم الراسخ أي تهديد أو تهويل أو تصنيف ظالم.
إنّه مما يدعو إلى السخرية أن يصف شيمون بيريز حزب الله أنّه سادي وغير إنساني وأنّه يلحق الأذى بعائلات الجنود الثلاثة لرفضه الكشف عن مصيرهم… إنّ للجنود الصهاينة الثلاثة عائلات، أمّا المعتقلون اللبنانيون والعرب وآلاف المعتقلين الفلسطنيين ليس لهم عائلات ولا آباء ولا أمهات ولا أولاد ولا زوجات، فهم ليسوا من جنس البشر!؟….
نحن لم نرفض تقديم معلومات عن الجنود تضع حدّا لمعاناة أسرهم، الذي يرفض ذلك هي حكومة العدو التي لا تستجيب حتّى للحد الأدنى من المطالب المطروحة في مقابل تقديم المعلومات.
إن شيمون بيريز وأصدقاؤه الإرهابيون يعرفون أنّنا لم نطلب مالا ولا فدية ولا مكسبا سياسيا، طلبنا منهم عددا من المعتقلين الذين تملأ الآلاف منهم سجون الصهاينة مقابل المعلومات ولكنهم كانوا يرفضون ذلك دائما.
أمّا قضية الإعلان الإسرائيلي عن وفاة الجنود الثلاثة ـ والذي وافق حاخام الجيش الإسرائيلي على اعتبارهم أموات ـ فهي لعبة لن نشاركهم فيها فليقلوا ما شاؤوا. وأمّا إعلانهم أنّهم سيتابعون المفاوضات معنا على أساس أنّ لدينا جثثا وليس أحياء فهذا أيضا شأنهم وليعتمدوا الأساس الذي يريدون في المفاوضات ولكن الوسيط إن جاء إلينا سيسمع نفس الأجوبة الماضية، مطالبنا هي هي أيّا تكن قناعاتهم وتقديراتهم وأيّا تكن أسسهم في التفاوض.
بعد 11 أيلول جاء الوسيط ومعه عرض إسرائيلي سخيف لتبادل الأسرى والمعتقلين ظنّا من الصهاينة أنّنا سنضعف أو نرتبك جراء التطورات العالمية وسنسارع للقبول بأي عرض للتبادل في ظل المستجدات الخطيرة الحاصلة في العالم ، فقلنا له لم يتغيّر عندنا شيء في موضوع الأسرى وفي أي موضوع قبل 11 أيلول وبعده، وكل مطالبنا الإنسانية متمسكون بها بل سيقوى تمسكنا بها وحرصنا عليها.
أيّها السادة أرجو أن يساهم هذا اللقاء المبارك في تثبيت وترسيخ العناوين والمفاهيم الحقّة والسليمة وأن يشكل جزءا من الجهود الكبيرة المطلوبة بمواجهة التحدي القائم والذي يتهدد حقوق أمّتنا كلّها في أرضها ومقدساتها وكراماتها ومصيرها.