بيان صادر عن حزب الله حول الوثيقة السياسية التي أطلقتها قوى السلطة في ذكرى 14 آذار 15-3-2008
إن الوثيقة السياسية التي أطلقتها قوى السلطة في ذكرى 14 آذار تستدعي التوقف عندها لما تحمل من دلالات كنا نتمنى أن تكون إيجابية تبحث عن المشترك مع الآخر اللبناني وتعمل على أن تمد اليد إليه من موقع الشراكة الوطنية، لا أن تحمل عنوان لنفي الآخر وتضخيم الذات واحتكار الفضائل وادعاء الطهرانية وتفصيل حاضر الوطن ومستقبله على قياسها وممارسة الاختزال والتشويه والاتهام على الآخر فيما ترفضه لنفسها.
إن اللغة التي سادت في كل مفاصيل الوثيقة الأساسية هي بمثابة بطاقة انتساب رسمية إلى المشروع الأميركي في المنطقة وتكرس بشكل نهائي موقعها العلني في الانحياز إلى الخيارات الأميركية. وفي التدقيق التفصيلي نستطيع أن نتوقف عند النقاط التالية:
1 ـ إن الحديث عن أن الخلاف أعمق من السياسي وإدارة الدولة وطبيعته الحادة بما هو نظرتان مختلفتان إلى العالم، إنما تستبطن في جوهرها نظرية الفسطاطين والخير والشر، فالآخر هو الشر كله وما يعتقدونه هو الخير، ومن هنا نفهم تماماً كل السياسات التي سترد لاحقاً باعتمادها هذا المنطق:
أ ـ فالحديث عن احترام الضحية وعدم التمييز بينها فيما الأمر خلاف ذلك يدفعنا إلى التساؤل حول الذاكرة المعطوبة عن قصد لهؤلاء وعن معاناة الشهداء معهم وخصوصاً الذين سقطوا في الاعتداءات الإسرائيلية وحتى في الداخل اللبناني في أكثر من مكان.
ب ـ إن تنقية الذاكرة تفترض اعترافاً صريحاً وطلب الغفران من الشعب اللبناني على كل المجازر والأخطاء التي ارتكبت بحقه من قبل هؤلاء، لا على إصرارهم المتواصل بأحقية ما ارتكبوا ومحاولة تصويرهم كأبطال، ذلك أن الجاني يحاول أن يغسل يديه من دماء لبنان والشعب اللبناني والفلسطيني وينظف ملابسه الملطخة على مدى وجوده في الزعامة والسلطة والإدارة.
ج ـ وفي ثقافة إعادة الوصل أيضاً هل إقناع الخصم وإلقاء الحجة عليه والبحث عن مساحات مشتركة تترجم عملياً في النص بتحميل المعارضة الاتهام بالقتل وبكل ما جرى خلال السنوات الثلاث وربطها بالخارج، أليس هذا هو منطق التخوين بعينه أم أن المعيار يطبق فقط على الآخر...
أما القتل الرمزي والمعنوي فهل نذكر دعوات الانتقام من الضباط وعوائلهم حتى لو ثبتت البراءة أما بالدعوة إلى الثأر من دمشق وإلى تحويل جزء من الشعب اللبناني إلى عملاء للمحور الإيراني – السوري.
2 ـ إن الاتهام الموارب والصريح للمقاومة بأنها تعمل لصالح الخارج وتعمل على إلغاء القرار الوطني ومقاتليها هم جيش يخضع لسلطة دولة أجنبية، ألا تحمل هذه المعاني اتهاماً بالخيانة والعمالة للخارج واستخفافاً بكل الدماء التي سقطت على أرض الوطن دفاعاً عنه ولتحريره، إن منطق التخوين والعمالة هما بضاعة ما فتئت الموالاة تستعملها في خطابها دون أي وازع وتطلب من الآخرين تقبلها، وإذا ما مارست المقاومة حق الدفاع المشروع عن نفسها بالأدلة أصبحت هي من يستعمل أسلوب التخوين، نعم أن الفيصل في نجاح المقاومة وتجاوز عقدكم هو في عملها الدؤوب منذ لحظة التحرير لبناء الدولة الحرة السيدة التي تستطيع أن تحمي أبنائها وتؤمن مستقبلهم في حركة تكاملية لقيادة مجتمع على خلفية الوحدة الوطنية التي تبني الدولة، ولا تمارس التهميش المستمر لها ولا تريد أن تتوزع آخر ما تبقى من مواردها.
3 ـ إن النظرة إلى إسرائيل كقوة إقليمية وسلب صفة العدو عنها ودفعها إلى مصاف إيران أو أي دولة إسلامية أو عربية وجعلها متساويان، هو في الحقيقة إمعان في الالتحاق بمشروع الإدارة الأميركية وتمويه ساذج يريد أن يعطي المبرر لإسرائيل وأن يخلص في فقرات أخرى إلى إيجاد الحلول معها عبر خيار السلام الموهوم وذلك في إطار الخروج من الاصطفافات الفكرية التي فرضتها الحرب الباردة، هكذا تصبح إسرائيل وجوداً أصيلاً وتختصر معاناة الفلسطينيين في الحرب الباردة وتسقط عمداً كل المسائل الأخرى فلا الاحتلال الأميركي للعراق وتداعياته لها علاقة بالوضع المأزوم عربياً وإقليمياً فقط ترى هذه الفئة إيران كخصم وعدو مطلوب أميركياً أن يحل مكان الإسرائيلي الذي سيصبح ضمن النسيج المتسامح صديقاً وفياً.
إن سيل الاتهامات ونفي الوطنية عن الآخر وجعله مع ثقافة العنف والفصل وتحميله كل الموبقات السياسية تجعل مد اليد وتخط الخلافات غير ذي معنى لأن من يمد يده يجب أن يملك قناعة الاعتراف بالآخر والاستماع إليه والتعاون معه لبناء الدولة والمجتمع وأن يحترم الشراكة، وموجبات الوطنية الحقيقة وأن لا يعمل على فرض الخيارات الأميركية الالتحاقية على جزء أساسي من اللبنانيين.