كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في ذكرى في يوم القدس العالمي بتاريخ 5-10-2007
كلمة الأمين العام لحزب الله في يوم القدس العالمي 5-10-2007
أرحب بكم في هذا اليوم وهذه الليلة في يوم القدس العالمي لنؤدي واجبا من الواجبات الدينية والسياسية الملقاة على عاتقنا . هذا اليوم الذي دعا الى إحيائه الإمام الخميني “قده” في كل عام في أخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك بما للزمان والمكان والمناسبة من خصوصيات تاريخية وعقائدية وإيمانية وسياسية وجهادية مميزة .
من باب الوفاء لهذا الامام ان اذكر بان الامام الخميني ومنذ بداية حركته السياسية الجهادية في ايران وتصديه للشأن العام كان يؤمن بقضية فلسطين ويناضل من اجلها ويرفع علمها في كل مكان ومنذ البداية حتى في اواخر الخمسينات عندما اصبح في موقع المرجعية والقيادة والشأن الديني والسياسي، كان دائما يطرح قضية فلسطين في كتبه ومقالاته وفي خطبه وبياناته. ومن اهم المسائل التي كانت تشكل موقع صراع وتناقض مع الشاه في ايران كان موقف نظام الشاه من إسرائيل وتحالف هذا النظام مع إسرائيل وتقديمه النفط لإسرائيل اما بيعا واما مجانا، وكان الامام الخميني يعتبر هذه من اكبر المصائب التي يرتكبها نظام الشاه بحق الأمة والإسلام والمسلمين وبعد ذلك وعند انطلاقة المقاومة الفلسطينية المسلحة بمختلف فصائلها كان الامام يؤيدها معنويا ودينيا وفقهيا وشرعيا وسياسيا وماليا وكان يفتي بجواز دفع الاموال الشرعية للمقاومين والفصائل الفلسطينية . وهذا يؤكد حساسية الأمر لدى الامام عندما يفتي بجواز دفع اموال من هذا النوع .
في مثل هذا النوع من الصراع والقتال والمقاومة وبعد انتصار الثورة أقدم الامام على قطع علاقات إيران مع إسرائيل وطرد السفير الإسرائيلي وأقام اول سفارة لفلسطين على ارض عربية او إسلامية. وأصبح الالتزام بالقدس وفلسطين وشعبها التزاما عقائديا وسياسيا ثابتا في نظام الجمهورية الإسلامية وشعبها ومؤسساتها، التزم به الامام حتى رحيله وواصل دربه بكل إخلاص وصدق ووفاء سماحة الإمام السيد الخامنئي . وما زالت ايران تعبر عن التزامها القوي بهذا الموقف وهذا ما اعلنه اليوم بكل جرأة وشجاعة ووضوح رئيس الجمهورية الإسلامية في ايران السيد احمدي نجاد قبل خطبة الجمعة بالرغم من كل الضغوط التي تتعرض لها الجمهورية الإسلامية نتيجة هذا الموقف وهذا الالتزام، يأتي إعلان الامام الخميني ليوم القدس العالمي في سياق حركة طويلة متواصلة من الالتزام الديني والسياسي لهذه القضية المقدسة وليس موقفا موسميا او طارئا يحاول الإمام من خلاله ان يجامل الشعب الفلسطيني او ان يجامل الأمة وإنما يأتي في هذا السياق التاريخي الطبيعي لحركة الإمام ونهج الإمام والتزام الإمام وثورته وكل أولئك الذين يواصلون نهجه ودربه وطريقه في إيران وكل أنحاء العالم .
أما يوم القدس، أراد الإمام هذا اليوم في الحد الأدنى ليكون مناسبة تذكير للأمة كلها بهذا المصاب الجلل الذي أصاب الأمة في القرن الماضي وان احتلال فلسطين وسقوط القدس في يد الصهاينة تعد من أعظم المصائب والآلام والمآسي التي لحقت بهذه الأمة وما زالت تتواصل تداعياتها ألاما ودموعا ودماء وضحايا وشهداء ومعتقلين وأسرى على مدى العقود والسنين، هو يوم نستذكر فيه أرضنا المقدسة وبيت المقدس بيت الله المقدس وقبلة المسلمين الأولى، ونستحضر فيه اول ما نستحضر عذابات شعب وآلام شعب وتضحيات شعب، اليوم مما يؤسف له ان معاناة الشعب الفلسطيني أصبحت خبرا عاديا في العالم العربي والإسلامي بل في كل العالم الذي يدعي انه عالم متحضر، اصبح خبرا ثانويا ومتأخرا. عندما تذكر الاخبار من الطبيعي والعادي ان يقتل في كل يوم عشرة او عشرون او ثلاثون فلسطينيا ان تسقط أعدادا كبيرة من الجرحى ان يزج بالعشرات في السجون .
احد عشر الف معتقل واسير فلسطيني ومعهم أسرى لبنانيون وأردنيون وسوريون وعرب، هذا خبر عادي يمر عليه الناس كأي خبر. ان يقتل الأطفال الفلسطينيون وتحطم عظامهم دبابات الصهاينة، هذا خبر عادي. ان يحتجز الاف الفلسطينيين لأسابيع عند هذا المعبر او ذاك ويموت بعضهم من المرض والألم والقهر هذا خبر عادي . اليوم يجب ان نستحضر هذه العذابات وهذه الآلام الام الأسر والتشرد والجوع والقتل والذبح ألام مستمرة ، هذا يوم القدس هو يوم تذكير بالشعب الأقرب الى القدس وما يعانيه هذا الشعب في مقابل النسيان والتجاهل الذي تعيشه امتنا. هذا اليوم نجتمع فيه لنعيد التأكيد على الحقائق التاريخية والسياسية التي نعرفها ونحن هنا لا نتحدث عن احداث حصلت قبل قرون وانما قبل عشرات السنين . وبعض الحاضرين وآبائنا يذكرونها جيدا ويحدثوننا عنها وعايشوها وعاصروها منذ بداية الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين . لو دخلنا الى قلب كل عربي ومسلم وإنسان حر وصاحب ضمير وسألناه لأقرّ بالحقيقة التي تقول ان فلسطين التاريخية من البحر الى النهر هي ارض يملكها الشعب الفلسطيني دون سواه، الحقيقة التي تقول ان دولة إسرائيل هي كيان غاصب لأرض الغير، الحقيقة التي تقول ان الصهاينة شذاذ آفاق جاؤوا من كل انحاء العالم وشكلوا عصابات، وبدعم من بريطانية المحتلة ومن كثير من دول العالم اجتاحوا ارض الفلسطينيين وعاثوا فيها فساد فقتلوا وذبحوا واحرقوا ونهبوا ودمروا وأقاموا دولتهم على الاحتلال والقتل والاغتصاب والإرهاب .
هذا لا يحتاج الى وثائق وبيانات وشهود، هذا يشهد عليه أجيال وأجيال ممن عاصروا هذه الأحداث المؤلمة . في مقابل هذه الحقيقة الكثيرون في امتنا لا يتهربون من تحمل المسؤولية بل يحاولون ان يتنكروا للحقيقة حتى يحتجوا لتنكرهم للمسؤولية، ولكن عندما تجلس معهم في الغرف المغلقة يقولون بكل وضوح “شو قادرين ان نعمل” هذه أصبحت هي الأساس الواقعي والنظري والمنطقي للاستسلام للتسوية والتفاوض والتنازلات التي تلي التنازلات. الكل يعرف الحقيقة والكل يعرف الحق ولكن الكل يهرب من تحمل المسؤولية بحجة العجز والضعف الوهمي.
انا لا أريد ان ادخل في عملية جلد للذات وإنما أريد ان أتحدث مباشرة عن المسؤولية، اليوم وأمام ما يعانيه الشعب الفلسطيني من ويلات ومصائب وأمام واقع ان القدس ما زالت تحت الاحتلال ما يقارب الستين عاما وان الظروف الصعبة والقاسية هي التي تحيط بالفلسطينيين من كل مكان مع الأخذ بعين الاعتبار ان المسجد الأقصى مهدد في كل يوم بفعل أعمال الحفر وما شاكل من الأعمال التي يقوم بها الصهاينة باحتجاجات واهية وضعيفة، اليوم يجب ان نتحدث عن المسؤولية، لن أقف اليوم لأقول ان على الأمة ان تشهر سلاحها وعلى الجيوش العربية ان تجتاح ارض فلسطين من كل الحدود والجبهات لتحرر هذه الأرض وهذا الشعب وترفع هذا الظلم التاريخي. لعل هذا اليوم بالنسبة لشعب فلسطين والينا هذا اقرب الى الحلم وانا اعرف حتى عندما كان يتم الحديث في مرحلة من المراحل عن استراتيجية عربية واحدة او عندما قيل للبنانيين انتظروا الاستراتيجية العربية الواحدة لتقاتلوا في إطارها ودائرتها انما كان يقال هذا لكي لا نقاتل لأنه لن تكون هناك استراتيجية عربية واحدة وموحدة في ظل الواقع الحالي من النظام الرسمي العربي .
اللبنانيون والفلسطينيون اختاروا استراتيجية مختلفة الفلسطينيون قالوا للأمة حركات المقاومة وقياداتها وفصائلها، اذا كانت الأمة وحكوماتها وجيوشها لا تقاتل وحدودها لا تفتح فنحن نقاتل كشعب فلسطيني ونعتمد خيار المقاومة الفلسطينية الجدية الوطنية الحقيقية، ونحن شعب ضحينا ومستعدين للتضحية ولتقديم المزيد من الدماء والآلام، ولكن عليكم انتم ان تقفوا الى جانبنا وتدعمونا. هذا ما قاله الشعب الفلسطيني في انتفاضة الأقصى بعد فشل المفاوضات في كمب ديفد وبعد الانتصار المدوي للمقاومة في لبنان عام 2000. الفلسطينيون أعلنوا هذه الاستراتيجية وذهبوا فيها بعيدا وكانت العمليات الاستشهادية والمواجهات الشعبية والعسكرية وكل يذكر انه من خلال سنة 2000 إلى اليوم ماذا قدم هذا الشعب الفلسطيني، هذا التجربة عاشتها المقاومة في لبنان وهذه الاستراتيجية اتبعتها المقاومة في لبنان . منذ عام 1982 عندما لم تنتظر المقاومة استراتيجية عربية للقتال والمواجهة وانما تشكلت مقاومة لبنانية بفصائل لبنانية متنوعة ومتعددة وقاتلت بجد وحظيت بدعم بعض الأخوة والأصدقاء الذين نشكرهم على دعمهم وان كان العالم يدينهم على دعمهم للمقاومة . المقاومة اللبنانية بمقاتلين لبنانيين وبخبرات لبنانية ودماء لبنانية وتضحيات لبنانية وارادة لبنانية تمكنت من تحرير الجزء الأكبر والأعظم من الأرض المحتلة . الشعب الفلسطيني من خلال هذه الاستراتيجية استطاع ان يحرر قطاع غزة .
ولكن اسمحوا لي ان أقول بصراحة لو تلقى هذا الشعب الفلسطيني الدعم المطلوب من الأمة لكان قادرا خلال السنوات السبع الماضية وخلال سنوات قليلة آتية من تحرير في الحد الأدنى أراضي العام 67. الانتفاضة، التي تخلى عنها العالم، بفعل التضحيات العظيمة التي قدمها الفلسطينيون استطاعت ان تهز الكيان وان تدفع قادة هذا الكيان الى الحديث للمرة الأولى عن معركة استقلال ومعركة وجود دولة إسرائيل . إذا قدر للانتفاضة الفلسطينية الحالية ان تتواصل وان تستمر فأن استراتيجية جهادية فلسطينية وطنية من هذا النوع تلقى دعم الأمة، وليحتفظ الحكام بجيوشهم وأسلحتهم وطائراتهم لحماية أنظمتهم ولكن ليقدم الحكام لهذا الشعب الفلسطيني الدعم السياسي والإعلامي والمادي. اليوم هذه هي الاستراتيجية المطروحة لا احد يتحدث عن قوى او جيوش تريد ان تقاتل بالنيابة عن الشعب الفلسطيني الذي يملك اللياقة والجدارة والكفاءة اللازمة والقدرة من اجل تحرير أرضه ولكنه شعب بحاجة الى المساعدة والمساندة.
اليوم الأمة تستطيع ان تفعل الكثير لفلسطين ولشعبها في الحد الأدنى ان يكف الحكام عن محاصرة الفلسطينيين قبل ان نطالبهم برفع الحصار عن الشعب الفلسطيني. جزء من الحصار الذي يعانيه الشعب الفلسطيني تمارسه بعض الأنظمة العربية وهذا الحصار يجب ان يرفع والدعم يجب ان يقدم . وهل تعلمون ايها الإخوة والأخوات ان هناك آلاف المليارات من الدولارات ودائع عربية في البنوك الأمريكية وفي فلسطين شعب يموت من الجوع والحصار والجراح والبطالة، شعب جاهز ان يقدم دمه ليقوم بواجب الأمة كلها في تحرير بيت المقدس ولكن هذه الأمة تبخل بدولاراتها المكدسة في بنوك الولايات المتحدة. الأمة اليوم معنية ان تساعد الفلسطينيين على تجاوز أزمتهم الداخلية في الوقت الذي نناشد فيه إخواننا الفلسطينيين وخصوصا إخواننا في حركتي حماس وفتح، ضبط النفس والابتعاد عن أي شكل من أشكال المواجهة المسلحة والسعي الدؤوب وبلا يأس عن المعالجة السياسية لهذه ألازمة الخانقة والخطيرة، الحكومات القادرة على ان تقوم بدور ما عليها ان تفعل ذلك لا ان تفرح بمحاصرة قطاع غزة او الحكومة في قطاع غزة او ان يفرح البعض بالقول اننا نريد ان نفشل نموذجا او نسقط تجربة.
ان كل الخسائر التي تلحق اليوم بالشعب الفلسطيني وأي فصيل فلسطيني ومنطقة هي خسارة فلسطينية شاملة وخسارة للأمة ويجب ان تمتد اليد للمساندة والمساعدة، في هذا السبيل يجب ان نساعد الفلسطينيين ليتمسكوا بحق العودة وليرفضوا توطينهم في أي بلد وكذلك ليرفضوا تذويبهم في أي بلد كما يحصل من خلال تهجيرهم الى بلدان أمريكا اللاتينية او بعض البلدان الأوروبية او استراليا وما شاكل . وهذا يحمل المسؤولية الى الدول التي ترعى الفلسطينيين في الشتات وهنا في لبنان أي سلطة، كما كنا في الماضي، نطالب بإعادة النظر بطريقة العلاقة مع الفلسطينيين في لبنان والأوضاع التي تعيشها المخيمات الفلسطينية في لبنان. واذا كان البعض يتحدث اليوم عن مخاطر جديدة لمخيم هنا ومخيم هناك أعود لأنصح وأقول اخر المعالجة هي المعالجة الأمنية والعسكرية اما المعالجة الأولى فهي المعالجة الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية واليد الممدودة والتعاطي الأخوي مع كل الفلسطينيين الموجودين على الأراضي اللبنانية.
وفي السياق الفلسطيني، أنا أريد أن أحذّر من مخاطر الإجتماع الدولي الذي دعا إليه جورج بوش، الخطر هو أن يكون المخطط الأمريكي الإسرائيلي هو أن تحصل إسرائيل على التطبيع مقابل لا شيء، تطبيع علاقاتها مع بعض الدول العربية التي لم تقم حتى الآن علاقات مع إسرائيل، وأن لا يحقق هذا الإجتماع أي شيء للفلسطينيين، هذه هي الخشية الحقيقية وهذا القلق يشارك فيه الكثيرون خصوصا أمام حكومة عاجزة كحكومة أولمرت. أولمرت الذي يعجز عن إطلاق سراح أعداد معتد بها من الأسرى الفلسطينيين لتدعيم ما يسمّى بعملية السلام كيف يمكن أن يقدم تنازلات حقيقية وجوهرية في المسار الفلسطيني.
ما يجب أنّ نلفت النظر إليه، وباسمكم أناشد الدول العربية التي تنوي المشاركة في هذا الإجتماع ، وبالتحديد أود أن أناشد قيادة المملكة العربية السعودية أن لا يعطوا لهذا لاإجتماع أي تغطية عربية. إذا كانت المحصلة هي التطبيع وفي المقابل ليس هناك أي نتائج جوهرية لمصلحة الشعب الفلسطيني وهنا أنا لا أتحدث لا على المستوى المبدئي ولا على المستوى الأيديولوجي لأنّ موقفي المبدئي والأيديولوجي مختلف وإنما أتحدث على المستوى السياسي الواقعي كما يقال. لا يجوز بالمنطق السياسي أن تقدم كل هذه المكاسب لحكومة أولمرت في الوقت الذي يجب أن تتنادى الحكومات العربية لتحويل حكومة أولمرت إلى محكمة دولية لمعاقبة هؤلاء الجزارين على ما ارتكبوه بحق الشعب الفلسطيني في كل يوم وما فعلوه في لبنان خلال عدوان حرب تموز. هل يكافأ أولمرت وحكومته والصهاينة مرتكبوا المجازر بالتطبيع معهم وتقديم المزيد م التنازلات لهم ومصافحتهم، هل هذا معقول!
أيضا لا يجوز أن ندس رأسنا في التراب، لاحظوا العرب يتحدثون عن السلام وإسرائيل تقرع طبول الحرب في المنطقة، عندما أقدم سلاح الجو الإسرائيلي على شن غارة في سوريا ألم بكن يحتمل أن تؤدي هذه الغارة إلى رد فعل سوري فتنشب الحرب؟ وأنتم تعرفون وقد كشفت وسائل الإعلام قبل أيام أنّ هناك ثلاثة فرق مؤللة ومدرعة إسرائيلية مرابطة في الجولان منذ قبل الغارة الإسرائيلية على سوريا، إذا هناك ثلاثة فرق مؤللة ومدرعة لماذا؟ لماذا هذه الفرق موجودة في الجولان، لأي احتمال تستعد؟ ولماذا أقدم العدو على هذه الغارة وهو مستعد للمواجهة ويهدد ويزبد ويرعد؟
في لبنان كل يوم خرق للسيادة اللبنانية وطائرات الإستطلاع الصهونية تخترق أجواءنا، ولكن منذ أسابيع ومناطقنا في الجنوب وحتى في بيروت وصولا إلى البقاع تشهد غارات وهمية كثيفة، هل تساءلتم لماذا؟ ماذا فعل فريق السلطة المتصدي للسلطة في لبنان، هل طالب حلفاءه الأمريكيين أنّ يضغطوا على إسرائيل لاحترام سيادة لبنان طالما أن السلطة في يد السياديين والإستقلاليين من أبناء ثورة الأرز؟ لماذا هذه الغارات الوهمية، هل هي حرب نفسية أم مناورات حربية تحضيرية؟ إسرائيل تتحدث عن السلام وتقرع طبول الحرب وتتجهز وتعد للحرب ونحن هنا نناقش في سلاح المقاومة وإرادة وموقف المقاومة وما شاكل. هذا ما يجب الإلتفات إليه كل أؤلئك الذاهبين إلى الإجتماع الدولي لِمَا يسمّى بالسلام في المنطقة، إسرائيل تريد أن تفرض هيمنتها وشروطها وسيطرتها على الفلسطينيين وعلى كل دول المنطقة. حتّى هذه الغارة التي استهدفت سوريا، برأيي أنها كانت تستهدف فيما تستهدف هز الموقف السوري قبل المؤتمر من أجل التأثير على الممانعة والمقاومة التي يبديها هذا النظام في تمسكه بأرضه وحقوقه الوطنية المشروعة، ولا يستبعد أحد أن تكون هناك نية إسرائيلية منسقة مع الأمريكيين لجر سوريا إلى الحرب ولجر المنطقة بأكملها إلى الحرب، لأنّ هذا هو مشروع بوش في المنطقة فليس مشروعه مشروع سلام وإنما مشروع حرب كما في العراق وكما في فلسطين وكما فعل في لبنان في ا لعام الماضي، هو يحاول أن يفعل على مستوى المنطقة.
في الوضع العراقي كلنا شهدنا وسمعنا قرار مجلس الشيوخ الأمريكي الداعي إلى تقسيم العراق، صحيح أنّه قرار غير ملزم، ولكن من البساطة والسذاجة أن يصدق أو يتصور أحدنا أنّ هذا القرار اتخذ بمعزل عن بوش وإدارة بوش، نحن نعرف أنّ الأمريكيين عندما يريدون تنفيذ أي مشروع يبدأون بالتحضير له إعلاميا وسياسيا ونفسيا حتى يصبح أمرا طبيعيا، وكما بدأت مسألة فلسطين بكل مصائبها بوعد بلفور، إنّ المصائب الجديدة التي هي مقبلة على المنطقة بدأت بقرار غير ملزم من مجلس الشيوخ الأمريكي بتقسيم العراق، وبهذا القرار تنكشف النوايا الحقيقة التي كنّا دائما نتحدث عنها ونختلف عليها حتّى مع بعض اللبنانيين عندما نتحدث ويتحدثون عن الشرق الأوسط الجديد، هم يقولون أنّ الشرق الأوسط الجديد يعني الشرق الذي ينعم بالديموقراطية والحرية وسيادة الدول ومنع الآخرين من التدخل في الشؤون الداخلية والأمن السلام والإستقرار والإزدهار الإقتصادي واحترام حقوق الإنسان، وقد شهدنا كل هذه العناوين في الساحة العراقية اليوم وما يعانيه الشعب العراقي اليوم بفعل الإحتلال الأمريكي للعراق.
تصوروا كنا نشاهد على شاشات التلفزة جزء كبير من الشعب العراقي مهجر، ملايين المهجرين خارج العراق وملايين المهجرين داخل العراق بفعل الفرز الديموغرافي الذي يحصل وملايين العراقيين تحت خط الفقر لا يملكون طعاما للإفطار وتوزع عليهم الحصص التموينية، تصوروا الدولة التي تملك ثاني نفط في العالم ويمكن أن يكون أول احتياط نفط في العالم، الدولة التي تعد من أوائل الدول المصدرة للنفط في العالم شعبها مهجر ومشرد وفقير يحتاج إلى مساعدات تموينية ليأكل الطعام؟ هذا هو الإزدهار الذي يعدنا به الأمريكيون : شعب يفتقد الغذاء والدواء والأمن والإستقرار والحرية، أين هي هذه الحرية في العراق اليوم ؟
الأمريكيون يواصلون التدمير الممنهج للعراق ويواصلون مشروعهم في العراق، واليوم أخطر ما يواجهه العراق المرحلة الجديدة التي دخلها، الأمريكيون ومعهم الصهاينة والموساد الإسرائيلي أوجدوا قتالا شيعيا سنيا في العراق وتطور الموقف اليوم إلى قتال سني ـ سني في أكثر م محافظة عراقية وهم يعملون في الليل والنهار ليكون هناك قتال شيعي ـ شيعي في أكثر من محافظة عراقية. هذا هو المشروع الأمريكي، قتال سني ـ شيعي، قتال سني ـ سني، قتال شعيي ـ شيعي، قتال عربي ـ كردي، قتال كردي تركماني، هذا هو الذي يجري على الساحة العراقية… ثمّ يعتبر القادة الأمريكيون أنّ أعظم إنجاز في الأشهر الأخيرة هو القتال السني ـ السني في محافظة الأنبار، ألم يقدم هذا كإنجاز نوعي لبوش وللقيادة العسكرية والقوات المسلحة الأمريكية في العراق؟
أنا مجددا في يوم القدس الذي يقول عنه الإمام أنّه يوم كل المستضعفين وليس في فلسطين فقط، أوجه باسمكم النداء إلى الشعب العراقي لأقول له إنّ دمكم ووحدتكم وتواصلكم وتغلبكم على الفتنة ومصالحتكم الوطنية هي الخيار الوحيد ومقاومتكم الجهادية ومقاومتكم السياسية وتعاونكم هو السبيل الوحيد لإنقاذ العراق ولإنقاذ المنطقة كلها. في حرب تموز قلت أنّ المقاومة أسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد من بوابته الغربية وعلى الشعب العراقي الأبي والوفي والمظلوم والمضحي أنّ يسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد من بوابته الشرقية من خلال إسقاطه لمشروع التقسيم الذي سيبدأ في العراق ولا نعرف أين سينتهي وأيّة ويلات وآلام سوف يحدثها لهذه المنطقة ولشعوب هذه المنطقة.
في لبنان شهدنا في الآونة الأخيرة عمليات اغتيال وكان آخرها اغتيال النائب انطوان غانم، وجرت العادة عندما تحصل عمليات اغتيال من هذا النوع لأي شخصية من فريق 14 آذار أن يقوم هذا الفريق وفي الدقائق الأولى باتهام سوريا والبعض يذهب أبعد من ذلك باتهام أو تحميل مسؤولية أيضا لحلفاء سوريا في عمليات الإغتيال، ثمّ عندما تطالبهم بالدليل يقولون لك علنا وسرا هذا تحليل سياسي وليس لدينا معطيات أمنية أو قضائية. في المقابل تصاب المعارضة بالإحراج ونصدر بيانات الإستنكار والإدانة والشجب، ثمّ يخرج علينا بعض الفلاسفة من 14 آذار ليقولوا أنّ دليلهم على أن سوريا أو الفريق الآخر هو الذي يقتل هو أنّه ليس من المعقول أن تقوم قوى 14 آذار بقتل قادتها. صحيح ليس من المعقول أن تقوم 14 آذار بقتل قادتها…
وطالما أن المسألة هي مسألة قراءة سياسية ومعطيات سياسية وتحليل سياسي أنا الليلة لا أريد أن أتحدث عن فرضية في الموضوع الأمني وإنما أتحدث عن قناعة وعن رؤية وليس عن فرضية فقط بل أكثر من فرضية وهذه قناعتي ورؤيتي للموضوع الأمني وأعرض ذلك على اللبنانيين وعلى قادة 14 آذار وعلى جمهورهم أيضا وعلى عوائل الشهداء الذين قتلوا ظلما وعدوانا بهذه التفجيرات وليفكروا ويتأملوا ويدرسوا طالما أنّ المسألة هي مسألة معطيات سياسية وقراءة سياسية.
أنا لا أقول أنّ قوى 14 آذار تقتل قادتها وشخصياتها، وإنما أقول أنّ الإسرائيليين هم الذين يقتلون شخصيات وقيادات 14 آذار، إذا أحدٌ من 14 آذار يتعجب فيكون ذلك من العجيب أن يتعجب! لماذا لا يريدون قتلكم؟ هل أنتم أصدقاء إسرائيل لكي لا يقتلونكم، هل أنتم إخوانهم كي لا يقتلونكم، هل أنتم حلفاؤهم كي لا يقتلونكم؟ كلا وأنتم تقلون كلا ونحن نقول كلا، إذاً أنتم لستم حلفاؤهم ولستم أصدقاءهم ولستم إخوانهم، فما هو المانع الأخلاقي والسياسي من أن يُقدم الإسرائيليون على قتلكم؟ هذا أولا.
ثانيا سوابق إسرائيل، الإسرائيليون الصهاينة قتلوا يهوداً في أوروبا الغربية والشرقية وفي أماكن مختلفة من العالم، يهوداً من أبناء دينهم وأبناء جلدتهم من أجل إجبارهم على الهجرة إلى فلسطين المحتلة، لأنّ مشروعهم كان بحاجة إلى أن يقتل هؤلاء اليهود فقتلوهم. اليهود تعرضوا للقتل أيضا من قبل الصهاينة. إسرائيل لها مشروع سياسي في لبنان والمنطقة وهي تخدم مشروعها السياسي، إذا كانت الدماء التي يجب أن تسفك لخدمة مشروع إسرائيل السياسي هي دماء من 14 آذار فليكن. في حرب تموز سفكت دماء من قوى محسوبة من قوى 8 آذار ومن مختلف أبناء الشعب اللبناني، ولكن الحرب شنّت على المقاومة وعلى من يحتضن هذه المقاومة. لا فرق في الدم، هل هناك طفل يفرق عن طفل آخر أو امرأة عن أمرأة أو دم عن دم بالنسبة إلى الإسرائيلي؟، بالنسبة إلى الإسرائيلي مشروعه هو الأساس.
وهذا الذي يقدم عليه الإسرائيليون قد يكون بعلم الأمريكيين وهذا ما أعتقد به وقد لا يكون بعلمهم، ولكن اليد التي تقتل هي يد إسرائيلية. هناك نموذج وهو اغتيال النواب : النائب جبران التويني والنائب بيار الجميل والنائب انطوان غانم. أنظروا للملاحظة المشتركة، اغتيل النائب جبران التويني قبل يوم من اجتماع مجلس الأمن ـ أو يمكن بنفس اليوم ـ لإقرار المحكمة الدولية بالمبدأ، واغتيل النائب بيار الجميل في اليوم الذي كان هناك اجتماع لمجلس الأمن لإقرار نظام المحكمة الدولية، والثالث اغتيال النائب انطوان غانم في اليوم الذي كان مجلس الأمن مجتمعا ليستمع إلى التقرير التنفيذي لقيامة المحكمة الدولية والتي يشتكي الأمريكيون من تباطؤ تشكيلها، ما هذه الصدفة؟
لا أريد الدفاع عن سوريا، فسوريا هي أكبر دولة متضررة من المحكمة الدولية تقتل جبران التويني في يوم إقرار المحكمة وبيار الجميل في يوم إقرار نظام المحكمة وانطوان غام في يوم تقديم التقرير التنفيذي لتشكيل المحكمة ! أو أي أحد من حلفاء سوريا ؟ ولكن من الذي يفعل ذلك؟ يفعل ذلك إسرائيل وأمريكا. في لبنان أهالي الشهداء لهم مصلحة في المحكمة الدولية بأن تكشف القتلة ولكن أمريكا وإسرائيل مصلحتها في المحكمة الدولية مختلفة لأنّها من خلالها تريد أن تسقط آخر نظام عربي ممانع في هذه المنطقة، ومن خلالها تريد أن تفرض على سوريا تسوية على مستوى المنطقة في الموضوع العربي وفي الموضوع الإسرائيلي وفي الموضوع العراقي…
أنا لا اتهم أهالي الشهداء الذين يعملون بالليل والنهار من أجل إقامة المحكمة الدولية، ولكن اتهم إسرائيل نعم. ولاحظوا هذه العمليات الثلاث في أي منطقة جرت؟ كل المراقبين الأمنيين والأجهزة الأمنية تجمع أنّ هذا العمل الامني الذي نفّذ هو عمل دقيق ومحترف وبارع وأنّ الجهات التي نفذت هذه العمليات لديها إحاطة معلوماتية عالية وقدرة عملاتية عالية، في تلك المناطق من الأقوى، أليست الشبكات الإسرائيلية التي لها تاريخ تواجد أمني عريق في تلك المناطق ولها إحاطة معلوماتية ولها قدرة عملاتية؟ الذي له مصلحة أكيدة وقوية في الإغتيال في لبنان هي إسرائيل. لماذا أيضا لأنّ مشروع إسرائيل في لبنان هو مشروع الفتنة، مشروع أن يتقاتل اللبنانيون.
إسرائيل تنظر إلى المقاومة، في كل يوم هدوء في لبنان تعتبر إسرائيل أنّ المقاومة تزداد قوة، وفي كل يوم يحدث فتنة وقتال في لبنان يعني جر المقاومة إلى الداخل لترتاح إسرائيل. البعض يقول الآن مما تخاف إسرائيل فلا شيء في الجنوب؟ إسرائيل تنظر إلى المقاومة من باب القلق الإستراتيجي لأنّ المقاومة كقوة دفاعية عن لبنان تمنع إسرائيل من تحقيق أطماعها وطموحاتها وأحلامها في لبنان، ولذلك هي تريد استنزاف وإضعاف وإرهاق وجر المقاومة إلى صراع وقتال داخلي وهي المستفيد الأول من أي قتال داخلي وفتنة داخلية تحصل في لبنان، كما هي الآن في فلسطين حيث المستفيد الأول من أي تقاتل داخلي هو الإحتلال الصهيوني وكذلك الحال في لبنان.
إذا قتلوا منّا لن تحصل فتنة. سابقا بعض الناس قالوا لي لقد أخطأت يا سيد عندما قلت إذا قتلتم منّا ليس شخص بل ألف شخص لن ننجر إلى الفتنة : لقد جرّأتهم علينا. هم يعرفون لو قتلوا منّا لن ننجر إلى الفتنة وهذا ليس دعوة لهم للقتل، بل لو قتلوا منّا سنثأر من الصهاينة وليس من اللبنانيين، هكذا نفكر نحن. ولو قتلوا منّا فهذا سيزيد قوة المعارضة والتفاف الشعب حول المعارضة والإحساس بمظلومية المعارضة. كان المطلوب أن يقتل من الطرف الآخر لأنّ لديه تهمة جاهزة مئة بالمئة ولا يحتاج إلى معطيات لا قضائية ولا أمنية ولا ينتظر تحقيق دولي. في أيام شهر رمضان المباركة يوجد خلف القضبان (موقوفين)، هناك عائلات سوف تعيّد بضعة أيام، ولكن هناك عائلات موقوفين من الضباط وغير الضباط في السجون اللبنانية بقرار قضائي سياسي وبعد أكثر من سنتين (احتجاز)، في الوقت الذي لم يثبت التحقيق أي تهمة بحق هؤلاء الأشخاص وفي الوقت الذي يقول رئيس لجنة التحقيق الدولي وأيضا رئيس اللجنة القانونية في الأمم المتحدة أنهم غير معنيين بالموضوع وأنّ الموضوع يعني القضاء اللبناني.
أنا هنا وفي هذه الليلة المباركة أناشد وأطالب القضاء اللبناني أن يحكم ضميره وأن يتذكر أنّ له موقفا كبيرا بين يدي الله يوم القيامة، عندما يبقي أشخاصا في السجن ظلما وعدوانا فقط انسجاما مع الضغوط السياسية والقرارات والحسابات السياسية. في كل الأحوال، هناك فريق سياسي في لبنان جاهز، أي اغتيال وأي تفجير هو يحمل هذا الدم والمتهم جاهز وتركيب النتائج جاهزة، هم لا يوجهون فقط اتهام بل يتهمون ويقاضون ويحاكمون في آن واحد، ولذلك توغل إسرائيل في القتل. قلتم أنّ إقرار المحكمة الدولية يوقف القتل فلم يوقفه، وقلتم سابقا تشكيل لجنة تحقيق دولية يوقف القتل فلم توقف، وحتى لو تشكلت بالفعل وحقيقة، ما دام أنّ الذي يريد القتل في لبنان يحمل مشروعا سياسيا ويسفك دما من هذا النوع وهو بمنأى عن المحكمة الدولية وعن التحقيق الدولية وحتى عن اتهامكم وأعني إسرائيل، طالما أنّ القاتل الحقيقي بمنأى عن الإتهام والتحقيق وعن المحكمة ويحقق أغراضه فلو شكلتم مئة محكمة دولية فهو سيستمر في القتل.
(…) أنا أتهم بصراحة بالقرائن والمعطيات والمستفيد والقراءة السياسية المحلية والإقليمية والدولية والمصالح التكتيكية والإستراتيجية أقول إنّ إسرائيل هي التي ترتكب أعمال القتل والإغتيال التي تحصل في لبنان. يجب على اللبنانيين جميعاً أن يرتبوا حساباتهم على هذا الأساس وأن لا يخطئوا في الحسابات وأن لا يأخذوا بلدهم بالظن وبسوء الاتهام وبسوء التقدير إلى حيث تريد إسرائيل من سفكها لهذه الدماء التي تقتل ظلماً وعدواناً.
في موضوع اغتيال النائب انطوان غانم أيضاً، هناك مؤشر سياسي آخر، بعد أن طرحت مبادرة الرئيس بري ووافقت عليها المعارضة، وكان هذا في الحقيقة تنازلاً كبيراً من المعارضة التي بالمناسبة قدمت التنازل تلو التنازل ليس ضعفاً، والكل في لبنان والعالم يعرف أن المعارضة وان جمهور المعارضة ليس ضعيفاً، ولكن من باب الحرص على البلد وأمن البلد واستقراره، قبلت المعارضة بالتنازل عن مطلب حكومة الوحدة الوطنية وبرئيس توافقي على قاعدة اعتراف والتزام الطرف الآخر بنصاب الثلثين. لكن أريد أن أقول لكم المعارضة عملياً، وإن لم تقل، قدمت أيضاً تنازلاً آخر وكبير حتى في مبادرة الرئيس نبيه بري، أنها قبلت بالتفاوض على رئيس توافقي في الوقت الذي لم يعلن فيه فريق 14 آذار التزامه بنصاب الثلثين، وهذا تنازل إضافي وكبير لأنه كان من حق المعارضة أن تقول مبادرة الرئيس نبيه بري تقول نحن نتخلى عن مطلب حكومة الوحدة الوطنية مقابل التزامكم بنصاب الثلثين وقبولكم برئيس توافقي، وهم لم يلتزموا حتى الآن بنصاب الثلثين، وكل يوم صباحاً ومساءً يهددوننا بالنصف + واحد. حتى عندما يتحدثون عن المعارضة يقولون تريد المعارضة أن تأخذ منا “سلاح” النصف + واحد، هم يسمونه سلاح. لم يلتزموا بنصاب الثلثين، ومع ذلك دولة الرئيس نبيه بري دخل في نقاش حول رئيس توافقي، وأصدرت أحزاب وقوى المعارضة تأييداً للمسعى الذي يقوم به دولة الرئيس نبيه بري، فماذا تريدون أكثر من هذا الحرص من المعارضة؟ أبداً ليس ضعفاً وإنما هو حرص على وحدة البلد واستقراره وسلامته والوصول إلى النتيجة المطلوبة. لكن من الذي يريد، من الذي له مصلحة أن لا يكون هناك رئيس توافقي في لبنان؟ بعض الناس قالوا سوريا! أنا أضمن لكم أن سوريا تقبل برئيس توافقي وهي جادة بهذا الموضوع وأنا أعرف ذلك. الذي ليس له مصلحة بالدرجة الأولى برئيس توافقي في لبنان هي إسرائيل، لأن الرئيس التوافقي يعني حكومة وحدة وطنية، يعني بالنسبة للإسرائيلي هو لا يرى في لبنان إلا سلاح المقاومة، حكومة وحدة وطنية ورئيس توافقي يعني ليس رئيس مواجهة ، إسرائيل تريد رئيس تحد، رئيس مواجهة، رئيس ملتزم وليس حيادياً في مسألة سلاح المقاومة، فضلاُ عن أن يكون متفهماً، فضلاً عن أن يكون ملتزماً بهذا السلاح. إسرائيل ومن خلفها أمريكا تريد رئيساً ملتزماً بنزع هذا السلاح وبالقضاء على المقاومة، تريد رئيس مواجهة، تريد رئيس فتنة لأن مشروعها في لبنان هو مشروع الفتنة.
قُتل النائب انطوان غانم لقطع الطريق على مبادرة الرئيس بري، هذا أيضاً مؤشر إضافي.
في الاستحقاق الرئاسي سمعنا أقوالاً كثيرة في الأيام القليلة الماضية، وأن الطرف الآخر يريد استحقاق رئاسي لبناني محض. نحن نؤيدهم في هذا، نحن نريد استحقاق رئاسي محض. ونريد استحقاق رئاسي لا يتدخل فيه أحد، لا السوريين ولا الأميركيين، والجميل أن الأميركيين ينبهون العالم أنه ممنوع أن يتدخل وهم يتدخلون، ويدينون العالم لماذا يتدخل وهم يتدخلون، وهذا تعبير عن مستوى العجرفة والكبرياء والتسلط الذي تمارسه الإدارة الأميركية في كل أنحاء العالم. أيضاً تحدثوا عن شيء آخر: للمرة الأولى نريد أن ينتخب اللبنانيون الرئيس. نحن أيضاً نؤيد ذلك، نريد أن ينتخب اللبنانيون الرئيس بمعزل عن التدخلات الخارجية. أيضاً قالوا أنه لا توجد فئة في لبنان تستطيع أن تحتكر إرادة اللبنانيين. صحيح ، لا تستطيع المعارضة أن تقول أنها تعبّر عن الأغلبية الساحقة من إرادة اللبنانيين ولا الموالاة تستطيع ان تقول الشيء نفسه. لكن كيف نصل إلى هذه النتيجة ؟ إذا كنا نريد حقيقة استحقاق وفاقي ولبناني محض ويعبّر عن إرادة الشعب اللبناني، توجد لدينا طرق سلمية وقانونية ومدنية واضحة: أولها رئيس توافقي. تفضلوا لنتفق على رئيس فتنتهي الأزمة. عندما تجمع القوى السياسية اللبنانية الأساسية كلها أو الموالاة والمعارضة على رئيس فهذا رئيس لبناني مئة بالمئة وصنع في لبنان مئة بالمئة ويعبر عن إرادة اللبنانيين مئة بالمئة. هذا طريق. تجاهل هذا الطريق معناه أننا لا نريد رئيس لبنان وفاقي واستحقاق لبناني محض. التهديد بالنصف + واحد يعني أننا نصغي إلى مكان آخر ولا نصغي إلى مصلحة لبنان الواضحة.
الخيار الثاني إذا لم نستطع أن نعمل توافق، ولماذا لا تعمل القوى السياسية توافق؟ لأنها يمكن أن تتعرض لضغوط، ضغوط خارجية ويمكن ضغوط داخلية. أحسن سبيل ليعبر الشعب اللبناني عن إرادته، تعالوا لنحتكم إلى إرادة الشعب اللبناني. يقولون أن هذا يحتاج إلى تعديل دستوري! ألا يستحق لبنان وشعب لبنان ومستقبل لبنان في هذه المرحلة الخطيرة جداً أن يجتمع النواب ليعدلوا الدستور لمرة واحدة فقط، يتاح فيها للشعب اللبناني أن ينتخبوا رئيسهم مباشرة وبعيداً عن التدخلات الأجنبية؟ المضحك المبكي ، دائماً عندما نتحدث عن إرادة الشعوب، الأميركيون يتحدثون عن إرادة الشعوب، تعالوا لنرى إرادة الشعوب، ماذا تريد إرادة الشعب الفلسطيني؟ ماذا تريد إرادة الشعب العراقي؟ عندما تجرون اتفاق تسوية أوسلام لماذا لا تجرون عليه استفتاء ؟ في أوروبا مسموح الاستفتاء لكن في فلسطين ممنوع وفي العراق ممنوع وفي لبنان ممنوع، لماذا؟ لأنه ممنوع أن تعبر هذه الشعوب عن إرادتها. تعالوا للنظر ماذا يريد الشعب العراقي؟ لماذا لا يعملون استفتاء ات، لأنهم مطلعين على استفتاءات الرأي. يعني مثلاً إذا عرضنا بقاء قوات الاحتلال أو وضع جدول زمني لخروج قوات الاحتلال من العراق على استطلاع الرأي، فستكون النتيجة أن نسبة عالية جداً من العراقيين تريد خروج قوات الاحتلال، ولذلك طبيعي أن لا يحصل استفتاء في العراق على بقاء أو خروج قوات الاحتلال، مع العلم أن هذا مفتاح كل الأزمة. من الطبيعي أن لا يحصل استفتاء في فلسطين على أي اتفاقية سلام ! من الطبيعي أيضاً في لبنان أن نواجه بأن هذه بدعة! من قال انها بدعة ؟ في كل الديموقراطيات هذا الأمر موجود. يا تفضلوا عدلوا الدستور لمرة وحدة حتى يتمكن الشعب من الانتخاب وننتهي من هذه المصيبة وبهذه الطريقة يكون استحقاق لبناني يعبّر فيه الشعب اللبناني لمرة أولى في التاريخ عن إرادته الحرة والمستقلة، وهذا التحدي الكبير أمامكم. ويوجد خيار ثالث، إذا كنتم لا تريدون أن تجروا تعديلاً دستورياً، فلنقم نحن القوى السياسية التي لم تستطع الاتفاق على رئيس ونتبنى ونقبل أن نستقدم ثلاث أو خمس مؤسسات استطلاع رأي، حيادية، علمية، موثوقة ، تأتي وتجري استطلاع رأي في لبنان، الشخصية التي تحظى بأعلى نسبة تأييد نذهب إلى البرلمان وننتخبها رئيساً للجمهورية ، وهكذا نحترم إرادة الشعب اللبناني، لماذا لا تقبلون؟ هذه صيغ لاحترام إرادة الشعب اللبناني. إذا قلتم أكثرية عديدة والتركيبة في لبنان توافقية إذا تفضلوا على التوافق. إما تقبلون بالأكثرية العددية أو لا تقبلون؟ تقبلون بالأكثرية العديدة فلها لوازم، وتريدون الأكثرية كيفما كان تفضلوا هذه صيغة، وإن كنتم تريدون القول أن لبنان متنوع ومبني على تركيبة طائفية هذا له لوازمه ، فلماذا لا نلتزم بهذه اللوازم؟
نحن لا نزال منفتحين ونؤكد، نعم، يجب أن يكون الاستحقاق الرئاسي لبنانياً محضاً،يجب أن يعبر اللبنانيين بحرية عن إرادتهم في الاستحقاق الرئاسي، ويجب أن يأتي رئيس لبناني توافقي، وإلا فليتح المجال أمام الشعب اللبناني لإيصال رئيس إلى هذا المنصب وإلى هذا الموقع بمعزل عن الصراع الحالي، لأن النصف + واحد غير دستوري، والرئيس الذي يأتي بالنصف + واحد، هو غير دستوري وهو غير قانوني وهو غير ذي صفة وهو الفراغ بعينه بل هو أسوا من الفراغ.
تبقى نقطة أود أن أتحدث عنها في الاستحقاق الرئاسي، سمعنا كثيراً في هذه الأيام أن البرنامج أهم من الشخص. أنا أريد أن أخالف، شخص الرئيس أهم من البرنامج، لسببين: السبب الأول أن السلطة الحاكمة في لبنان ليست الرئيس وإنما الحكومة، نعم فكر الرئيس، نواياه، تطلعاته السياسية، مؤثر لا شك في قرار الحكومة. والأمر الثاني أن الرئيس قد يقدم برنامجاً الآن ولكن قد يعدل عنه في المستقبل، من الذي لديه ضمانات من أن يعدل في البرنامج؟ وفي لبنان أهون شيء أن يغير الشخص ثيابه وأهون شيء أن ينقل البارودة من كتف إلى كتف! وللأسف الكذب ملح الرجال، في الوقت الذي ملح الرجال هو الشهامة والصدق والشرف. اليوم عندما يقال هذا السياسي “يا بيي شو شاطر”، يعني “يابيي إنو بيعرف يكذب ويلعب ، والذي لا يعرف يقولون عنه ليس سياسياً.
شخص الرئيس أهم من البرنامج. ماذا يعني شخص الرئيس؟ يعني نريد رئيساً وطنياً. التجارب أثبتت أنه لا يخضع للضغوطات والسفارات وليس النوايا الحسنة،التجارب تقول هذا رجل لا يخضع للضغوط ولا للسفارات ولا يخاف ولديه الشجاعة الكافية ويقدم المصلحة الوطنية وحاضر أن يتحمل المسؤولية بجد وصادق ويفي بوعده، هذا شخص الرئيس، هذا الشخص موجود “ونص” وبالتالي نستطيع أن نصل إليه ونتوافق عليه.بالنسبة لنا شخص الرئيس هو الذي يشكل الضمانة ليس الورقة او الخطاب الذي يعلنه . تقول لي هذا رجل يلتزم بكلمته يفي بوعده صادق في وطنيته لا يخضع للضغوط ولا للترهيب ولا للترغيب ولا يشرى بملايين الدولارات وطنه أغلى شيء عنده، اقول لك على رأسي هذا يشكل لي ضمانة، وهذا يقدر أن يكون رئيس جمهورية لبنان الذي يحمي لبنان ووحدته وسلمه واستقراره وأمنه ويقدر أن يبني فيه مع حكومة وحدة وطنية جدية، يقدر أن يبني دولة ويواجه كل التحديات والأخطار المقبلة على لبنان وعلى المنطقة. هذه هي رؤيتنا ، ونحن نعود ونؤكد، المعارضة كلها ونحن بالخصوص بالرغم مما يقال أو قيل نؤكد حرصنا على وحدة البلد وسلم البلد وأمن البلد واستقرار البلد والوفاق في البلد والحوار في البلد، لكن طاولة الحوار التي نجلس عليها 8 و 9 ذاهبين عائدين هذه لا تعطي نتيجة . دائماً كنا نقول فلان أو فلان أو فلان من قيادات المعارضة وقيادات الموالاة يجلسوا ويتناقشوا بشكل جدي فلا مانع. بالنسبة لي أنا شخصياً لدي ظروفي الخاصة التي تمنعني، لكن الأخوة الآخرين موجودين ويستطيعون أن يتحملوا المسؤولية. تأتي المبادرة العربية يومين أو ثلاثة وتغادر ” ما بيمشي الحال هيك” أي أحد يريد أن يساعد فليأتي ويجلس ويتحدث مع الجميع فنحن موافقون أن نتحدث مع كل العالم ويتم الجلوس مع الكل ، لكن نبحث عن أطر جدية وصيغ جدية للحوار تؤدي إلى النتائج المطلوبة.
في يوم القدس العالمي أود أن أؤكد لكم في أجواء شهر رمضان المبارك أؤكد لكم أن المستقبل ليس مخيفاً كما يصور لنا، نعم هناك تحديات وأخطار وأعاصير. من معجزات القرآن الكريم الكبرى عندما حدّث القرآن على لسان رسول الله محمد (ص) قبل 1400 سنة أن بني إسرائيل سيفسدون في هذه الأرض المقدسة وسيعلون علواً كبيراً، قال رسول الله ذلك نقلاً عن الوحي وبالآيات القرآنية في الوقت الذي لم يكن هناك يهود في فلسطين إلا قلية قليلة ضعفية، في الوقت الذي كان فيه بنو إسرائيل مجموعة قبائل ممزقة مشتتة في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا واليمن وغيرها، وجاء القرآن ليتحدث عن حدث سوف يحصل بعد 1400 سنة ، وهذه من المغيبات والآيات العظيمة في كتاب الله عز وجّل، وأقام هؤلاء دولة لا سابقة لها في تاريخهم، لم يسبق في تاريخ بني إسرائيل أن أقاموا دولة عالية في الأرض كما هو حال هذه الدولة، ولكن القرآن الكريم الذي حدثنا قبل 1400 سنة أن هذه الدولة العالية المفسدة المستكبرة القاتلة ستقوم في الأرض المقدسة، حدثنا أيضاً وبشكل قاطع وجازم بأن هذه الدولة لن تبقى وبأن عباد لنا أولي بأس شديد سيجوسون خلال الديار، وفي مرحلة لاحقة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا.
عندما أعلن الأمام الخميني يوماً عالمياً للقدس، كان الخميني ابن القرآن الذي كان يرى صدقاً وعد الله المفعول بأن بيت المقدس هذا سيعود إلى أصحابه وسيتطهر من دنس الاحتلال ورجس المحتلين إنشاء الله