كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في الذكرى السنوية السابعة عشرة لرحيل الإمام الخميني (قده) 6-6-2006
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في الذكرى السنوية السابعة عشرة لرحيل الإمام الخميني (قده)
في ذكراه لن أقف لأمجده، فهو غني عن تمجيد أمثالي، ولكن أقف لنستلهم منه ونتعلم من فكره النير وسيرته العطرة وروحه الشامخة وعزمه الذي لا يلين. أود أن أتحدث عن الإمام الخميني في مسألتين ترتبطان به وبعمره وسيرته : مسألة فكرية ثقافية، ومسألة سياسية.
في المسألة الأولى، لقد أحيا الإمام الإسلام كما جاء في كتاب الله عز وجّل المصان من التحريف والتزوير، الإسلام كما جسده رسول الله (ص) قولاً وعملاً، وعرضه بما يتناسب مع متطلبات العصر ومقتضيات الزمان والمكان.. لكن أستطيع القول بأن أهم ما في التجديد هو التجسيد والتطبيق. وهنا يأتي الإمام الخميني مجسداً ومطبقاً في هذا العصر الذي واجهنا فيه الكثير من التحديات الفكرية والعقائدية، وعندما أقول التجسيد والتطبيق لأنه في الفكر الديني لا يمكن أن نقبل من شخصاً فكراً لا يطبقه، ولذلك كان يجب أن يكون أنبياء الله من المعصومين الثابتين الراسخين في الحق لأنه في الديني لا يمكن الفصل بين صاحب الفكر وسيرته الحياتية. من أهم الأفكار والمفاهيم المركزية في تجديد الإمام وإحيائه للإسلام ، هو ما أعاد التأكيد عليه من خلال الإيمان بالله عز وجل، وموقع الله في الوجود والكون وعلاقة الله بالانسان والحياة والأحداث. في القرن الماضي كانت هناك مناهج فكرية متعددة. شهدنا موجة فكرية إلحادية سائدة في العالم. وكان هناك فكر آخر فلنسميه الفكر الإيماني التعطيلي والإقصائي الذي يؤمن بوجود الله على أساس ان الله خلق الخلق ولم يعد يتدخل في الوجود والحياة. من تبعات هذه الأفكار أن الانسان في مواجهة تحدياته لن يلجأ إلى الله لأنه ليس موجوداً ولا يتدخل، وهذا يفتح الباب أمام تأليه الفراعنة والقوى العظمى. جاء الإمام بالفكر الإيماني الإلهي الحقيقي الذي جاء به كل أنبياء الله ورسله ليقول لنا: أن الله خلق ويخلق ورزق ويرزق ونصر وينصر وأعز ويعز أعطى ويعطي وهو على كل شيء قدير، وبالتالي الحقيقة المطلقة الحقيقية في هذا الوجود هو الله سبحانه وتعالى . إذا آمن بالله وبصفاته، بعلمه وقدرته وجبروته ورحمته ولطفه ووجوده وكرمه وحلمه واستجابته لمن دعاه، وآمن بكل ما ذكر للذات المقدسة من الأسماء والصفات، ورفض أن يصبح أحد من الدول الكبرى إلهاً بل يبقى الله هو القادر والذي نعبده جميعاً كل على طريقته. الله يصبح هو الملجأ. هذه الفكرة هي الأصل والتي اراد الإمام إحياؤها من خلال السلوك، وهي الاعتماد على الله سبحانه وتعالى الذي يستجيب لمن دعاه ويمده بالقوة والثبات. جاء الإمام وهو يرى واقع هذه الأمة التي أذلتها إسرائيل وسامتها سوء العذاب، فدعاها للاعتماد على الله والتوكل على الله وسقط عشرات الآلاف من الشهداء واثبت الشعب الإيراني صدقه فجاء النصر من الله، وانتصرت الجمهورية الإسلامية. هو حاول أن ينقل هذه الفكرة إلى بقية شعوب العالم، هذا جزء أساسي من قوة أي أمة. الإمام يدلنا على مصدر حقيقي للقوة.
وقال" أقول لكل الذين يحاربون المؤمنين بالله المجاهدين في سبيله، يجب أن تيأسوا من أن تنجح حربكم النفسية، لأنه في قلوب المؤمنين المتوكلين، لا مكان للخوف من العباد، لأن العباد ضعاف. القلوب المتصلة بالقوي العزيز الجبار لا يمكن أن تخاف ولا يمكن أن تهزم".
وأضاف" في تجربة المقاومة في لبنان، البعض يرى ( تحقق الانتصار) في التكتيكات والسلاح والتنظيم وكل الذي تحدثنا عنه في الاستراتيجية الدفاعية، ولكن الأول والآخر وقبل وبعد ومع ما في هذه المقاومة هو أنها لم تكن تستمد علمها وتسديدها وطمأنينتها وقوتها وجهادها وعزمها من العناصر المادية والبشرية المتاحة بين يديها، وإنما من إيمانها الصادق والواثق بالله والتوكل عليه. ولذلك كان الانتصار في لبنان خارج التوقع. إن بعض العقول التي لم تستوعب الإنتصار في لبنان في أيار عام 2000 لأنها لا تؤمن أبالله او لأنها لا تثق بالله، لم تكن تتصور أن انتصاراً من هذا النوع قد يتحقق فذهبت إلى القول أن هناك صفقة ما تحت الطاولة بين حزب الله وإسرائيل وأمريكا وإيران وسوريا تقتضي بالانسحاب من جنوب لبنان. وذهب بعض آخر ليقول بأن إسرائيل باتت مدنية ومتحضرة ومطيعة للقرارات الدولية فبعد 22 عاماً تذكرت القرار 425 ونفذته في 25 أيار 2000! لماذا الذهاب إلى هذه التحاليل؟ لأنه لم يستطع أن يستوعب أن لبنان الضعيف والمتواضع يقدر بإمكاناته الضعيفة أن يهزم إسرائيل! هذه هي المشكلة. واليوم أيضاً عندما تقف المقاومة وتجدد قولها والتزامها وتقول: نحن نقف في وجه هذا العدو، نحن قادرون على استعادة بقية أرضنا المحتلة وعلى إطلاق سراح معتقلينا وعلى حماية بلدنا وعلى مواجهة كل الشروط التي تملى بلدنا بل قادرون على أن نفرض شروطنا على هذا العدو وعلى من يقف ورائه، إنما تقول المقاومة ذلك كله انطلاقاً من إيمانها وثقتها ويقينها بالله تعالى".
وقال السيد نصر الله :" بعد انتصار الثورة لإسلامية في إيران وقف الإمام وقدم انتصاره الكبير للعالمين العربي والإسلامي، وأكد أن إيران عادت لتكون جزءً من هذه الأمة. وكما اليوم حال أمتنا غريب، يأتي شخص ويقول لهم : أنا معكم، أنا قوة لكم، مكاني كان الشاه، الشاه كان عميل أميركا وشرطي الخليج وكان يسوم حكام وحكومات المنطقة سوء العذاب والذل العار وكان حليفاً استراتيجياً لإسرائيل، أما أنا فمعكم، مع فلسطين، مع حريتكم مع شرفكم، سفارة إسرائيل ألغيتها وأقمت أول سفارة لفلسطين، وأنا معكم إيران لن تكون شرطياً لأحد، إيران ستكون أخاً وجاراً وصديقاً لكل محيطها العربي والإسلامي وقوة لكل هذه الأمة. ولكن ماذا جرى ؟ ردوا يد الإمام إلى فمه، وحاسبوه على النوايا كما يحصل اليوم. تقف وتقول لهم، هذه المقاومة قوة لكم، هذا النصر لكم، حاضرين أن تقدموا شهداء معاً أهلاً بكم، وإذا كنتم غير حاضرين فنحن لا نتخلى وحاضرين أن نقدم أنفسنا وأولادنا شهداء، هذا قوة لكم، فيجبك نحن لا نريد!"
وأضاف "الإمام أحدث تحولاً استراتيجياً تاريخياً في وضع المنطقة وفي مسار الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن أغلب العرب لم يحسنوا الاستفادة من هذا التحول، بل عملوا على محاصرته، فكانت الحرب المفروضة على الجمهورية الإسلامية في إيران ، ولكن إيران صمدت وخرجت من المعركة مرفوعة الرأس. يومها، كان شعار الحرب "فرس مجوس" لأن صدام حسين لا يستطيع أن يخوض حرب مع إيران ويقول سنة وشيعة لأن جزء كبير من شعبه وجيشه الذي يريد أن يقاتل به هم من الشيعة، فأخذهم إلى حرب أن هؤلاء فرس ونحن عرب يجب أن نقاتلهم ، لكن هذا لم يجد نفعاً".
اليوم في الوضع الجديد ، إيران هي قوة للعرب وللمسلمين وللبنان ولفلسطين ولكل شعوبنا العربية والإسلامية، لكن كيف نتعاطى مع هذه القوة؟ اليوم، الأميركي الذي يشعر أن هذه القوة لو استند إليها وهي قوة مستندة إلى الله سبحانه وتعالى ستحسم المعركة، ولذلك كما قلت قبل أيام في مهرجان صور، يجب اصطناع الأعداء، وبالتالي يجب أن تقدم إيران كعدو، وهذه المرة تقدم إيران ليس كعدو فارسي، يعني الذين يتحدثون عندنا عن الإمبراطورية الفارسية هؤلاء متأخرين 27 سنة، وإنما كشيعة. إيران الدولة الشيعية خطر عليكم أيها المسلمون السنة، يا كل أتباع المذاهب الإسلامية الباقية، إيران الإمامية خطر عليكم، ولذلك أميركا تعمل لحدوث هذه المواجهة، في العراق أمريكا تعمل لحدوث هذه المواجهة. القتلة في العراق من أي طائفة كانوا هم أمريكيون وصهاينة وسي أي إي وموساد، الذين ينالون المقدسات في العراق سواء كانت للمسلمين أو للمسيحيين، للسنة او للشيعة هم موساد إسرائيلي وسي آي إي أميركي علموا أو لم يعلموا. وأمريكا تريد أخذ كل منطقتنا إلى هذه المعركة وإلى هذه المواجهة ومن جملتها لبنان. هنا مسؤولية القيادات. هناك حوادث تحصل والتباسات قائمة في الفهم، نحن يجب ان نشرح لبعضنا وأن نوضح لبعضنا، الجمهورية الإسلامية في إيران بسبب الإعلام المعادي والتشويه الإعلامي حصلت التباسات حول موقفها من العديد من القضايا، لكن موقفها في الموضوع الفلسطيني جلي وواضح ومشرف إلى حد لا يمكن إثارة أي التباس حوله، ولكن في الأماكن الأخرى هناك التباس بسبب شدة الهجوم الإعلامي ومن جهة أخرى عدم القدرة في تقديم الموقف الإيراني بصورة صحيحة للعالم. يجب أن نفتش عن عناصر القوة الحقيقية عندنا في لبنان وفي منطقتنا وفي الأمة وأن نحافظ عليها، وإذا كان هناك نقاط قلق منها، نعمل على إزالتها، وهذا لا يحصل إلا بالحوار والتلاقي والتفاهم.
اليوم، نحن على أبواب نقاش في 8 حزيران، لكن الخطابات التي سمعناها في الآونة الأخيرة، تدعي أن هناك مشكلة في المنطقة أسمها سلاح المقاومة، وأنا أنبه هؤلاء، وخصوصاً الذين لهم تاريخ غير مناسب في الموضوع الإسرائيلي، أنكم وأنتم تتحدثون عن "مشكلة" اسمها سلاح المقاومة لا تطرقون نهائياً لشيء اسمه سلاح العدوان، ولا تأتون بذكر على سيرة العدو وتهديده وأطماعه وإحتلاله، هل أنتم نسيتم العدو بالمطلق؟ بالكامل؟ هل أنتم ناسون لهذه الدرجة أم أنتم غير مقتنعين بأنه عدو يشكل تهديداً؟!