كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله التي تحدث فيها عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في المجلس العاشورائي المركزي الذي يقيمه سماحته في مجمع سيد الشهداء (ع) في الرويس 15-2-2005
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التي تحدث فيها عن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في المجلس العاشورائي المركزي الذي يقيمه سماحته في مجمع سيد الشهداء (ع) في الرويس بحضور حشد كبير من المواطنين.
" إن ما حصل بالأمس من حادث دموي مفجع أدى إلى استشهاد دولة رئيس مجلس الوزراء السابق الرئيس رفيق الحريري مع عدد من مرافقيه والمواطنين وجرح عدد آخر في مدينة بيروت، إن هذا الحادث الدامي يفرض علينا في هذه الليلة أن نقف أمامه بمسؤولية، لأنه لا يمكن أن يكون حدثاً عابراً في تاريخ لبنان ولا في تاريخ شعب لبنان ولا في تاريخ المنطقة، إن ما حصل بالأمس يمكن وصفه بكارثة وطنية حقيقة، أدخل الحزن والأسى إلى قلوب كل اللبنانيين بلا استثناء، سواءً أولئك الذين يتفقون مع الرئيس الحريري أو يختلفون معه، لأن الاختلاف لا يضع حاجزاً عندما نصبح أمام مسألة انسانية ووطنية، ما حصل بالأمس هو كارثة حقيقية ومدعاة للأسى والحزن، أولاً بالاعتبار الانساني، المشاهد التي رأيناها، الضحايا الشهداء الجرحى والدمار الخراب، وأيضاً في الجانب الوطني: الخسارة الوطنية الكبرى التي حصلت، وأيضاً تداعيات هذه الخسارة وهذا الحادث على المستوى الوطني بشكل عام.
من هنا، باسمكم جميعاً وباسم حزب الله، أعبّر عن مواساتنا لعائلة الرئيس الشهيد والشهداء معه، ونحن ندرك الألم والأسى والحزن الذي أصاب قلوبهم وقلوب كل محبيه وأتباعه وانصاره ومريديه وهم ليسوا قلة. لعله نستطيع أكثر من غيرنا أن ندرك حجم الأسى هذا، لأننا في مثل هذه الأيام أيضاً قبل سنوات عشنا تجربة مماثلة، فقدنا فيها القائد والأب والسند والعزيز والحبيب، أعني سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي الذي استشهد في 16 شباط مع زوجته وطفله حسين ولم يبق إلا ذاك الجسد المحترق. نحن نعرف آلام فقد الأب وآلام فقد القائد وألام فقد السند، وندرك من واقع التجربة والمعاينة والحس ما يعانيه هؤلاء الأحبة وما يعانيه اللبنانيون جميعاً في مواجهة هذه المحنة.
لا أريد أن أطيل الكلام في جانب دون جانب والمرحلة خطيرة والمسؤولية جسيمة، لا شك أن الرئيس الحريري كان زعيماً كبيراً في لبنان، من كبار زعماء لبنان في العقدين الماضيين، هذا لا نقاش فيه، ليس في الدائرة السنية فقط وإنما في الدائرة الوطنية الأوسع بكل تأكيد. كان له تأثيره الكبير وحضوره الفاعل في السياسة اللبنانية والواضح في الحد الأدنى منذ اتفاق الطائف إلى يوم استشهاده. لا يمكن أن ينس اللبنانيون الدور المركزي للرئيس الحريري في التوصل إلى اتفاق الطائف الذي كان بمثابة تسوية لبنانية داخلية في رعاية ودعم عربي ودولي لإخراج لبنان من الحرب الأهلية الدامية الطويلة التي سقط فيها مئات الآلاف من الضحايا، والتي كانت لها آثار كارثية على المستوى الانساني والاجتماعي والاقتصادي والوجداني والعاطفي والنفسي على اللبنانيين جميعاً. ولا شك أيضاً أنه كان منذ توليه لرئاسة الحكومة ودخوله مباشرة إلى الحياة السياسة اللبنانية أهم حيوية سياسية داخلية منذ العام 1992، كان محور النشاط الرئيسي وكان أيضاً محور السجال الأساسي في لبنان، لأنه كان لديه أفكار وطروحات ومشاريع ومبادرات جريئة، واختلف الناس حوله في هذه المسائل. نحن أيضاً في تلك المرحلة كان لنا رأي مخالف في بعض هذه السياسات وبعض هذه الأفكار وبعض هذه المبادرات، ولكن هذا لا يغير من حقيقة أنه كان رجل دولة بامتياز مستعد للمناقشة وللحوار وللتفهم وللتمسك بالثوابت. هذه هي الحقيقية التي كان يمثلها هذا الرجل. وصولاً إلى المرحلة الحاضرة التي نحن فيها على المستوى الداخلي. هنا ماذا يعني فقدان الرئيس الحريري في هذه المرحلة وفي هذا الوقت بالذات؟ لعل البعض قلبه على الإعمار، البعض قلبه على الأمن والاستقرار، وهذه كلها مواطن قلق صحيحة وحقيقية، ولكن أريد أن أقف على الجانب الذي أعتقده أنه أهم وأخطر في فقدان هذا الرجل في هذه المرحلة.
يجب أن نعترف اليوم كلبنانيين جميعاً أن هناك انقساماً لبنانياً وطنياً داخلياً حاداً بين اللبنانيين، ويجب أن نكون واقعيين، وأن لا يزايد بعضنا على بعض، فلا يدعي أحد في الموالاة أن الاجماع الوطني معه في كذا وكذا وأن المعارضة الحالية هي خارج الاجماع الوطني، ولا يجوز ولا تستطيع المعارضة أيضاً أن تدعي أن معها الاجماع الوطني في هذه المسائل وأن الفريق الآخر خارج الاجماع الوطني. يجب أن نعترف أن هناك قضايا أساسية ورئيسية واستراتيجية هي موضع خلاف وانقسام حاد بين فريقين من اللبنانيين، كل فريق يمثل شريحة هامة كبيرة بمعزل عن العدد هنا والعدد هناك. هذه حقيقة يجب الاعتراف بها، وإذا اعترفنا بها، من خلال ذلك نستطيع أن نتطلع إلى المرحلة وإلى فهم ما يجري وإلى فهم ما يجب أن نقوم به. خصوصية الرئيس الرفيق الحريري في هذه المرحلة، خصوصاً في الأشهر القليلة الماضية أنه غادر السلطة ولم يعد رئيساً للحكومة ولم يعد في صف الموالاة، ولكنه لم يغلق الأبواب لا مع السلطة ولا مع الموالاة ولا مع سوريا. صحيح أيضاً أنه بات جزءاً من المعارضة، ولكن الصحيح أيضاً أنه لم يذهب إلى المعارضة بالمطلق، ولم يذهب إلى المعارضة لتذهب هي به إلى حيث تشاء لا حيث يشاء هو، وبقي له هنا الموقع والموقف المتميز الذي كان يختلف فيه مع بعض المعارضة في الحد الأدنى حول بعض الثوابت التي يتفق فيها مع الفريق الآخر. هنا هذه الخصوصية والميزة جعلت من الرئيس الحريري في الفترة الماضية وفي هذه المرحلة يمثل صلة وصل قوية وحقيقية، بتعبير آخر، بات يمثل جسراً قوياً ولعله الجسر الأقوى الذي يمكن أن يصل ما بين هذين الفريقين اللبنانيين، لأنه يتكلم مع هؤلاء ومع هؤلاء، يلتقي مع هؤلاء في أمور وقضايا ويلتقي مع هؤلاء في أمور وقضايا، ولم يغلق الأبواب، وكان مستعداً للحوار الحقيقي والجدي، لم يغلق أبواب الحوار ولم يضع شروطاً للحوار، وكان لديه استعداداًُ عالياً للتوصل إلى تسويات معينة في القضايا الخلافية.
أردت أن أقول: بالأمس خسرنا هذا الجسر، صلة الوصل القوية، الضمانة، الرجل الذي كان يمكن من خلال جهده ومن خلال علاقاته بالموالاة والمعارضة وبكل الأفرقاء اللبنانيين، كان يمكن أن يشكل فرصة كبيرة جداً لإعادة انتاج تفاهم وطني أو توافق داخلي للخروج من الأزمة الحادة التي يعيشها لبنان الآن. هذا الموقع خسره لبنان، ولذلك نحن نتحدث عن خسارة وطنية، لا نتحدث عن خسارة للمعارضة كما تقول المعارضة، أو خسارة للأخوة المسلمين السنة كما يقول بعض إخواناً من المسلمين السنة، هو خسارة على كل صعيد، بالتحديد هو خسارة وطنية حقيقية. إنما أقول هذا من موقع الشاهد القريب، لأن طبيعة التحديات في المرحلة الماضية فرضت علي شخصياً أن أدخل في العملية السياسية الداخلية أكثر من أي وقت مضى، والتقيت مع كثيرين، ولكن هذه اللقاءات كانت مع الرئيس الحريري أسبوعياً، ولم نكن نعلن ذلك في الإعلام لمصالح عديدة، وبحضور أصدقاء مشتركين،كنا نلتقي في كل أسبوع مرة وأحياناً مرتين وفي أماكن مختلفة. وهذا التواصل بدأ بالتحديد منذ أحداث الضاحية الجنوبية التي سقط فيها شهداء في منطقة حي السلم، يعني أثناء توليه رئاسة الحكومة وبعد تخليه واستقالته من رئاسة الحكومة. كان هناك تواصل ولقاءات طويلة ونقاش بالعمق في هذه المسائل الأساسية. حتى قبل أسبوع التقينا على أن نحسم قضايا أساسية واستراتيجية، وكان يراهن على لقائنا كما كنا نراهن على لقائه. وكنا جميعاً ندرك أن البلد في مرحلة حساسة وصعبة جداً. في لقائنا الأخير قبل أيام، تحدثنا طويلاً عن مشروع الدولة، حاجة اللبنانيين جميعاً إلى الدولة ومؤسساتها على أن يكون هذا من الثوابت التي تجمع اللبنانيين. موضوع الأمن والاستقرار وركائز وضمانات الأمن والاستقرار في لبنان وخشيتنا جميعاً من انهيار السلم الأهلي في البلد نتيجة التجاذبات القائمة. موضوع الطائف، وكان رأيه حاسماً وشديداً في التمسك باتفاقية الطائف حرفياً، وهو قال لي: أنا لست موافقاً على القضاء، لكن إذا كانت الحكومة اللبنانية تريد القضاء لن أمانع في ذلك". في الموقف من التوطين حيث كان يؤكد في اللقاء أنه إذا عاد إلى رئاسة الحكومة لا يمكن على الإطلاق أن يوقع على قرار التوطين لأسباب وطنية ولأسباب قومية، ولأنه يرى في التوطين شبح التقسيم. وهذه نقطة مهمة جداً لم يتم إثارتها حتى الآن. هناك اليوم في بعض الدوائر الدولية، وللأسف الشديد، هناك بعض اللبنانيين الذين كانوا دائماً ضد التوطين، بعض هؤلاء البعض يسوقون اليوم في بعض الدوائر الدولية مشروع توطين الفلسطينيين، ليبرروا لاحقاً تقسيم لبنان. وقال لي الرئيس الشهيد :" أنا ضد التوطين ليس فقط لأسباب قومية وإنما أيضاً لأسباب وطنية، لأنني أرى في التوطين شبح التقسيم". مع العلم أن وحدة لبنان هي مسألة أساسية وحاسمة بالنسبة إلينا جميعاً.
في موضوع العلاقات مع سوريا وضرورة هذه العلاقات وأن لبنان لا يجوز أن يكون معادياً لسوريا ولا متآمراً عليها.نعم، يجب أن تنظم هذه العلاقات ويعالج الخلل.
في مسألة سلاح المقاومة، كان واضحاً جداً في اللقاء والأصدقاء المشتركون لازالوا والحمد لله على قيد الحياة، قال:" إذا عدت إلى رئاسة الحكومة، أنا أؤكد لك من موقع القناعة بأنه لا يمكن أن أوافق على نزع سلاح المقاومة، وأن مسألة المقاومة وسلاح المقاومة هي مسألة بحاجة إلى حوار وتفاهم وإجماع وطني ولا يمكن الدخول فيها بلغة القوة والفرض والاجبار"، وصولاً إلى نقاشنا في الانتخابات النيابية المقبلة، وضرورة التفاهم وعدم أخذ البلد إلى صدام حاد على المستوى الانتخابي. ناقشنا بالتحديد مسألة الدائرة الثانية في بيروت، وهو كان يخشى وبحق أن يكون الصراع الانتخابي في الدائرة الثانية أن يؤدي إلى نتائج سلبية جداً على مستوى العلاقات الشيعية- السنية في لبنان، لأنه بطبيعة الحال، في الدائرة الثانية هناك ناخب سني أساسي وناخب شيعي أساسي وناخب مسيحي أساسي، إن لم يحصل تفاهم ما سوف يكون هناك لوائح وسوف يكون هناك تنافس انتخابي حاد وقد تستخدم فيه لغة المذهبية ولغة العصبية ولغة الطائفية، وهذا لا يمكن أن تحمله لا في بيروت ولا في لبنان وفي هذه المرحلة بالتحديد. نحن هنا كنا نتحدث عن إمكانية تفاهم ما في الدائرة الثانية ليس على سبيل المقايضة كما طرح في بعض وسائل الإعلام أنه نقايض تقسيم الدوائر بتفاهم حول عدد النواب، وإنما الحيثية كانت أوسع وأشمل، كنا نتحدث عن الأوضاع العامة والعلاقات التي تسود العالم العربي في بعض البلدان العربية بين الشيعة والسنة والتي يجب أن نعترف أيضاً أنها ليست علاقات على ما يرام في هذه المرحلة. كنا دائماً نقول إذا كانت هناك علاقات غير مناسبة أو غير جيدة أو متوترة أحياناً بين الشيعة والسنة في أي مكان من العالم ، لا يجوز أن ينعكس هذا على مكانٍ آخر في العالم، وخصوصاً في لبنان حيث تقوم علاقات بين المسلمين الشيعة وبين المسلمين السنة منذ أمد طويل على الأخوة والتقارب والتعاون وصولاً إلى وحدة المواجهة في معركة التحرير والمقاومة التي فيها سقط الشهداء.
من هذه الزاوية اتفقنا على مبدأ أن نتفاهم وأن نصل إلى صيغة ما حول ترتيب المرشحين واللوائح في الدائرة الثانية يجنب هذه الدائرة صدام حاد على المستوى الانتخابي والسياسي والشعبي، وكان بناءنا ان نكمل النقاش التفصيلي في هذه النقطة.
قبل يومين بالتحديد كان سعيداً عندما أرسل لي بواسطة أحد الأصدقاء المشتركين أنه بذل جهوداً كبيرة مع أصدقائه الأوروبيين لمنع وضع حزب الله على لائحة الإرهاب الأوروبية في مقابل الجهود الإسرائيلية الحثيثة، كان متفائلاً جداً بأن مساعيه ستؤدي إلى نتائج طيبة.
في مثل هذا الواقع الذي نعيشه الآن، جاءت حادثة الاغتيال المفجعة. لبنان كله اليوم أمام مرحلة خطيرة جداً. كيف يجب أن نواجه هذه المرحلة؟ كيف يجب أن نتعاطى مع هذه الحادثة ومع تداعياتها؟
1- لا نستطيع لا أهل الشهداء ولا أحباءهم ولا نحن ولا أحد في مثل هذه الحادثة أن يستعيد ما فقد، من استشهد فقد مضى، استعادة الأحباء والأعزاء الذين مضوا هي خارج المشيئة والإرادة والطاقة والقدرة الانسانية، ولا نستطيع في مواجهة حوادث فقدان الأحبة سوى أن نتسلح بالتسليم لمشيئة الله والصبر والتحمل والتوكل على الله سبحانه وتعالى. لكن هناك أمور هي في دائرة طاقتنا وإرادتنا ويجب أن نقوم بها. مثلاً عندما يكون هناك اغتيال لقائد لزعيم، هناك أهداف مفترضة لهذا الاغتيال، الواجب الوطني والديني يقضي أن نتعاون جميعاً على تعطيل أهداف الاغتيال المفترضة. مثلاً، من الأهداف المفترضة في عملية الاغتيال هذه، كما سمعنا وسمعتم منذ الأمس واليوم، ضرب الأمن والاستقرار في لبنان، هذا صحيح. إذاً لا يجوز أن نذهب نحن لنضرب الأمن والاستقرار في لبنان لأن هذا يحقق أهداف الاغتيال. عنوان آخر من الأهداف المفترضة للإغتيال هي إشعال الفتنة بين اللبنانيين عموماً بين مختلف الطوائف والاتجاهات والتيارات، الواجب هنا يقضي أن لا نذهب إلى الفتنة، لو ذهبنا إلى الفتنة، نحن نحقق أهداف الاغتيال المفترضة. العنوان الثالث من الأهداف المفترضة للإغتيال هو إضاعة والإطاحة بكل الانجازات التي تحققت خلال السنوات الماضية والتي كان للرئيس الحريري دوراً مركزياً فيها، لا يجوز أن نذهب لنطيح بهذه الانجازات، لأن هذا يحقق أهداف الاغتيال المفترضة. ومن جملة هذه الانجازات: اتفاق الطائف، والذي كان يتمسك به. وأنا عندما أتحدث عن اتفاق الطائف، أرجوا أن لا يفهم أحد أنني أتحدث عن أعجوبة الطائف أو عظمة اتفاق الطائف! اتفاق الطائف لم يكن أكثر من تسوية ممكنة بين اللبنانيين، لم تحقق الكثير من طموحات اللبنانيين، ولكنها كانت تسوية ممكنة، وهذه التسوية الممكنة ما زلنا جميعاً نتمسك بها، والتمسك بها إنجاز، وتضييعها يذهب بالبلد إلى أماكن مجهولة وإلى مصير مجهول.
إذا أولاً، يجب أن نعمل على المستوى الوطني من كل المواقع ، على تعطيل أهداف الاغتيال المفترضة، سواءً كانت تعني ضرب الأمن والاستقرار أو الفتنة أو تضييع كل الانجازات السابقة والماضية.
2- يجب أن نتصرف جميعاً من موقع المصاب على المستوى النفسي والعاطفي والوطني، وطبعاً هنا نقدر عالياً الروح المسؤولة التي تعاطت بها عائلة الرئيس الشهيد، وكذلك نضم صوتنا إلى كل كلمة صدرت في البيان الذي أعلنه سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني والمجتمعون في دار الفتوى حول هذه الحادثة ووجوب وكيفية التعاطي مع هذه الحادثة.
3- نحن في قلب المحنة اليوم التي عشنا لحظاتها منذ أسابيع ومنذ شهور، المخرج الوحيد هو أن نعود أنفسنا وأن نعود إلى بعضنا البعض. لن نجد في العالم كله من هو أحرص علينا من أنفسنا، ومن هو أحرص على بلدنا من أنفسنا. اليوم هناك فريقان، واحد يعبّر عنه بلقاء عين التينة، وواحد يعبّر عنه بلقاء البريستول، أنا أدعو لقاء عين التينة ليس باعتباره يمثل السلطة وهو لا يمثل السلطة، هو يمثل فريقاً من اللبنانيين، حتى الرؤساء الذين حضروا في اللقاء قالوا نحن حضرنا بصفة شخصية. لقاء عين التينة بمن يمثل من اللبنانيين، أن ينتدب وفداً يمثله، ولقاء البريستول بمن يمثل من اللبنانيين، وهو يمثل فريقاً كبيراً من اللبنانيين أيضاً، أن ينتدب وفداً يمثله، وبشكل طارئ أن يلتقي هذان الوفدان، المسؤولية الوطنية والانسانية والأخلاقية تفرض أن يلتقي هذان الفريقان، ويتناقشا ويتحاورا في قاعة مغلقة ويتحدثوا ليوم أو حتى شهر. ألا يستحق انقاذ البلد أن نجلس وأن نتكلم وأن يصرخ بعضنا في وجه بعض في لقاء مغلق، وها نحن نصرخ في وجه بعضنا البعض على الفضائيات وأمام العالم كله.أن نلتقي وأن نتحدث وأن نبحث عن إمكانية تفاهم وطني، عن إمكانية توافق وطني، وإلا ليس أمامنا خيار آخر. الذهاب إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي سيزيد الأمور تعقيداً في لبنان ، سيزيد الصعوبات، فضلاً عما لو وصل الأمر بأن يطلب بعضنا قوات دولية إلى لبنان، هذا يعني أن لبنان الذي تم تجنيبه بفعل المساعدة السورية ومسؤولية الدولة والتوافق الوطني الداخلي تداعيات الكثير من الصراعات التي تجري في العالم من الشيشان إلى أفغانستان إلى العراق إلى السعودية وإلى أي بلد آخر في هذا العالم، المجيء بقوات دولية إلى لبنان يعني أننا نجتلب عناصر إضافية للصراع وللمواجهة على الساحة اللبنانية. لا تعالج الأمور بهذه الطريقة. اللبنانيون يجب أن يعالجوا أمورهم بأنفسهم.
4- الأمر الرابع، أمام حادث من هذا النوع يستطيع كل واحد منا أن يحلل ما يشاء ويستتنج كما يشاء وبالتالي يرتب ضمنياً اتهام نفسي، في داخله يتهم أحد ما، لكن عندما نريد أن نطلق المواقف التي تترتب عليها آثار ونتائج في الساحة، يجب أن لا نتسرع في إطلاق إتهامات، لأن التحليل والاستنتاج شيء والمعطيات والوقائع الميدانية قد تكون شيء آخر. في حادث ما قد يكون هناك مستفيدون كثر، ولكن أي من هؤلاء المستفيدين هو الذي أقدم على هذا العمل؟ لا يمكنك أن تحدد ذلك بمجرد التحليل، يجب الذهاب إلى تحقيق جدي. هنا أقول: مسؤولية السلطة في لبنان كشف الفاعلين الذين يقفون خلف عملية الاغتيال الدامية هذه، المتابعة الجدية من قبل السلطة، العمل في الليل والنهار، الاستعانة بأي خبرة محلية أو خارجية ضمن مسؤولية السلطة، السلطة يجب أن تشعر اللبنانيين جميعاً بأنها جادة وجادة وجادة لتبعث الطمأنينة في قلوب كل اللبنانيين القلقين لما حصل.
5- يجب أن نحذر من أصوات التحريض التي ستنطلق من أماكن كثيرة في العالم لتحرض الناس بعضهم على بعض، وخصوصاً الأبواق الإسرائيلية، وعندما توجه إسرائيل أصابع الاتهام إلى أحد، يجب أن ندقق أكثر في هذا الاتهام الذي يوجه الصهاينة.
6- أن علينا جميعاً أن نتعاون لتجاوز هذه المحنة، الجيش اللبناني يتحمل المسؤولية الأمنية مع قوى الأمن، قد تكون هناك بعض ظواهر الخلل الأمني الذي ينشأ من انفعال من توتر في هذه البلدة أو في هذا الشارع، نحن نوصي مع الحفاظ على الأمن، أن يتم معالجة هذه القضايا بالاستيعاب، لأن الحادث جليل ومفجع ودامي وهذه ردات فعل مفهومة ومقدرة ويجب استيعابها كما يتعاطى الأهل مع الأهل، وكذلك على المستوى الشعبي في بعض الأحياء في بعض المناطق التي حصلت فيها بعض الأمور البسيطة، يجب أن يستوعب الناس بعضهم بعضاً لنتمكن من تجاوز هذه المحنة.
أجدد التعبير عن التعزية والمواساة لعائلة الرئيس الشهيد والذين قضوا معه، أتوجه بالنداء الحار إلى كل اللبنانيين للتعاطي مع المرحلة القائمة بروح المسؤولية التاريخية، كل كلمة، كل موقف، كل عمل، كل حركة سوف ترسم مصير لبنان لسنوات طويلة، نحن في مرحلة تاريخية وتتطلب تعاطياً وتحسساً بمستوى المرحلة والمسؤولية. نحن إذ نشعر بالأسى في أيام الأسى، في أيام الحزن وفقد الأعزاء وسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) ، نقول تعالوا لنستقوي بالصبر على تلك المصائب، وأن نواجه كما واجهنا بالعزم كل المصائب الماضية والمصائب القائمة لنتمكن من التغلب على أعداء لبنان والمتآمرين عليه والذين لا يريدون خيراً له، لا يجوز أن نستسلم ولا يجوز أن نسقط ولا يجوز أن نقع ولا يجوز أن نساعد أعدائنا على أنفسنا، يجب أن نتحمل المسؤولية، هذا أقل الوفاء لدماء الشهداء.