
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في مجلس العزاء الذي أقامه حزب الله عن أرواح شهداء زوّار المرقد المطهر للامام موسى الكاظم عليه السلام في الكاظمية 2-9-2005
نص كلمة الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مجلس العزاء الذي أقامه حزب الله عن أرواح شهداء زوّار المرقد المطهر للامام موسى الكاظم عليه السلام في الكاظمية والتي ألقاها في مجمع سيد الشهداء عليه السلام ـ الرويس مساء الجمعة الواقع فيه 2\9\2005م .
(...) مرقد الإمام موسى الكاظم عليه السلام تحول منذ ذلك الزمان إلى مزار يزوره عموم المسلمين، وفكرة استحباب زيارة قبور الأولياء ليست بدعة وأمرا جديدا، وهذه المسألة يؤمن بها غالبية المسلمين. قد يرى بعض المسلمين رأيا آخر في هذه المسألة لكن في كل الأحوال الإختلاف في مسألة من هذا النوع لا يجوز أن يؤدي بصاحب هذا الرأي إلى تكفير غالبية المسلمين الذين يخالفونه الرأي. هذه المسألة ليست من مختصات الشيعة بل كثير من غير الشيعة يؤمنون ويمارسون ذلك في كثير من بلدان العالم الإسلامي ويعتقدون وليس اعتقادا ساذجا وإنما يستند إلى أدلة محكمة على المستوى الشرعي باستحباب زيارة قبور الأولياء، ويؤمنون أيضا أنّ هؤلاء الأولياء هم أحياء وهم أموات لهم مقام عند الله ومكانة ويمكن في جوارهم أن يستجاب الدعاء وأن يصغى إلى المسألة (...). للأسف البعض يأخذ الخلاف في مسألة إلى أبعد المدى والمدى ، ليس في العقل بل أبعد مدى في الدم ويمارس ما يمارس من قتل وهتك للحرمات وعدوان على المقدسات (...).
هذا الأمر كان معروفا عند أهل وعلماء بغداد وهذا ليس أمرا جديدا وعلى هذا قامت طوال التاريخ هذه الزيارة في يوم استشهاده لخصوصية هذا اليوم وأصبح جزءا طبيعيا من شعائرهم الدينية ويعبرون من خلالها عن حبهم واعتقادهم ومشاركتهم ومواساتهم للإمام في مظلوميته، لذلك في كل عام يأتي الزوار وهذا العام جاؤوا بعشرات الآلاف ومئات الآلاف شاهدناهم على شاشات التلفزة.
من المؤكد أنه صباحا قبل احتشاد الأعداد الضخمة تعرض محيط المزار لقصف بالهاون، وللأسف قامت مجموعة وسمت اسما ما وتبنت العملية، والإسم يريد أن يوحي أنّهم من السنة. هذا القصف الذي أسقط شهداء وجرحى لم يوقف زحف الزوار إلى مقام الإمام، جاء من يبث الشائعات وحدث إطلاق النار وحدث ذعر بين الناس وحصل التدافع ووقع شهداء وضحايا بعدد كبير، وبالتالي الحادث ليس مجرد حادث تدافع أو خلل في تنظيم وإنما هناك أجواء إرهابية وأجواء قتل تحيط بهذا المشهد. بكل الأحوال هناك دعوات في العراق لإجراء تحقيق واضح وآمل أن تتضح الصورة.
نحن اجتمعنا لنعبر عن ألمنا ومواساتنا وهذا ليس تعبيرا ظاهريا، والله يعلم أنّ ما جرى على أحبتنا وأهلنا عند ذلك الجسر أدمى عيوننا ولا أعتقد أنّ هناك مسلما محبا لرسول الله لا يتألم قلبه للضحايا، ولا أتصور أنّ هناك إنسانا لديه مشاعر نبيلة لا يمكن له أن يتأثر, باسمكم جميعا أتقدم بالتعزية إلى إمام هؤلاء المحبين صاحب الزمان وإلى سماحة السيد القائد وإلى مراجعنا الكبار في النجف وقم وكل مكان في العالم وإلى عوائل الشهداء وإلى كل الشعب العراقي المجروح والمظلوم وإلى كل المسلمين وإلى كل صاحب شعور نبيل في العالم، لأنّ ما حصل كان فاجعة بكل ما للكلمة من معنى .
هؤلاء الزوّار بالرغم من قصف الهاون وحوادث مشابهة حصلت في مدينة الكاظمية من تفجيرات إرهابية في حرم الإمامين وفي المدينة وبالرغم من حوادث مشابهة حصلت في كربلاء في أعوام سابقة، وسقط بنتيجة هذه التفجيرات المئات من الشهداء والجرحى نجد أن هؤلاء الناس لا ينفكون ولا يتراجعون أو يتخلون عن زيارة المشاهد المقدسة والشريفة، يجب أن يعبر هذا عن مدى الإيمان والعشق والمودة التي تحدث عنها القرآن الكريم،" قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى" ، هؤلاء يعبرون عن عظيم المودة التي يحملونها في قلبوهم وأرواحهم قربى لرسول الله ويؤدون له شيئا من أجر الرسالة التي بعث فيها يوما إلى البشرية. إنّ حضور هذه العائلات بأكملها يعبر عن هذا المضمون الإيماني والروحي والثقافي والعاطفي الذي يحملونه في نفوسهم وهذه قيمة إيمانية وإسلامية رفيعة جدا يجب أن يحترمها العالم وبالخصوص القتلة، يجب أن يعرفوا أن لا التفجير ولا القصف ولا العمليات الإنتحارية الخاطئة تحول دون المؤمنين للتعبير عن مودتهم لرسول الله (ص) لا في كربلاء ولا في بغداد وعليهم أن ييأسوا من ذلك، هل قتل الزوار في كربلاء أو الكاظمية هو مقاومة للإحتلال ؟ هذا أمر غير منطقي وغير مقبول ولا يمكن أن يقنعنا أحد أننا نقاوم الأجنبي وسنقوم بطرده من خلال قتل الناس في الأسواق والمساجد والكنائس.
الذي يفعلون ذلك سواء أكانوا يعلمون أو لا يعلمون من خلال أعمالهم الإجرامية يعززون الإحتلال ويقدمون خدمات جليلة للإحتلال ولأعداء الشعب العراقي وأعداء رسول الله (ص) . أمّا إذا كان هناك أحد يمارس هذا العمل العنفي الإرهابي اتجاه هؤلاء الزوار بمعزل عن المشروع السياسي المدّعى أنه مقاومة للإحتلال ويمارسه من موقع آخر وأن ما يفعله هؤلاء الزوار هو بدعة وأن من واجبه النهي عن المنكر وأن يقتل هؤلاء الذين يفعلون البدعة فهذه كارثة حيث يضيع الحق ويتزين الباطل .
(...) هناك أمور واضحة وجلية ولكن هناك وقائع أو أحداث أو قضايا يختلط فيه الحق والباطل وتكون الفتنة ، فينظر الواحد منا إلى الواقعة فيجد من زاوية فيها حق (...) . علينا أن نتأمل وأن ندرس ونحقق ونبحث عن الحقيقة بجد ، هذا هو الموقف الشرعي ، في العراق نواجه فتنة وفي لبنان هناك من يتحدث عن الفتنة، بل العالم الإسلامي كله يتحدث عن الفتنة، عندما أواجه الفتنة أنا بحاجة إلى أن أحقق وأدقق وعندما لا أتبين الأمر أتوقف لشهر أو لشهرين، لسنة أو لسنتين أو لطول العمر، أتوقف عندما لا يتضح الحق.
(...) اليوم في العراق هناك محنة حقيقية وكبيرة وكأن هناك في العراق من يريد أن يضع الناس بين خيارين، كأنه من خلال القتل الجماعي والذريع الذي يجري تريد أمريكا ويريد البعض الآخر الذين ما زالوا يحلمون بعودة سلطة صدامية دموية إلى العراق أن يضعوا الشعب العراقي بين خياري العودة إلى سلطة صدامية أو القبول بالإحتلال. الإحتلال الأمريكي خيار سيء للعراق وخيار صدام خيار سيء للعراق، العراق لديه من العلماء والنخب والأدباء ولديه من التاريخ والحاضر ما يستطيع أن يصنع خيارا آخر : الخيار الحر من الإحتلال المحكوم من إرادة شعبه بعيدا عن نظام دموي، وهذا خيار العاقل وخيار الممكن لكنه يتوقف على إرادة العراقيين .
اليوم العمليات التي تستهدف العراقيين في العراق ـ بحسب معلوماتي وليس تحليلا ـ بعض العمليات التي تستهدف المدنيين في أغلب المناطق العراقية تقوم بها جهات من بينها جهات صدامية التي ترى في قتل الناس وعموم العراقيين طريقة لإرهابهم وإرعابهم لإخراجهم من الساحة وبالتالي يفتح الطريق لعودتهم إلى السلطة، عودتهم إلى السلطة من خلال قتال المحتل أو من خلال التفاوض والتسوية مع المحتل؟!...
هناك مجموعة أخرى(...)، الجماعات التكفيرية التي لا تكفر الشيعة وحدهم بل كثير من السنة بل تكفر بعضها وتكفر من عداها فهي المسلمة والمؤمنة وحدها. هل قتل الناس المدنيين والنساء والأطفال جهاد؟ هل قتل الريفيين في الجزائر عندما تدخل مجموعات فتستبيح قرية فتقتل رجالها ونساءها وأطفالها؟ هل هذا جهاد، هذا إساءة للجهاد والمجاهدين. نحن نتحدث عن المجموعات التكفيرية القتالية التي تتبنى خيار القتل حتى لأبسط خلاف سياسي. هذه المجموعات تمارس عمليات قتل ذريعة وواسعة في العراق.
وهناك عمليات استهدفت المدنيين يديرها جنرالات وضباط أمريكيون مباشرة في مراكز الإحتلال الأمريكي، أضف إلى الخطوط النفوذية والجاسوسية المفتوحة على الجماعات الأولى التي تحدثنا عنها.
هذه محنة يواجهها الشعب العراقي، والمقصود إرهاب العراقيين وإخراج الشعب العراقي من الساحة وإعادته إلى دائرة الرعب والخوف والذعر حتى لا يشارك في صنع وصياغة مستقبله، إرهاب العراقيين حتى لا يقاوموا الإحتلال وحتى يكفروا بالمقاومة، وإرهاب العراقيين حتى لا يشاركوا في الإنتخابات مثلا فيأتي إلى الجمعية الوطنية وإلى الحكومة أزلام البنتاغون والـ سي آي إي، إرهاب العراقيين حتى يتاح لأمريكا فرض الصيغة السياسية التي تشاء على العراق.
الذين قتلوا العراقيين عند صناديق الإقتراع، لو استجاب الشعب العراقي لإرادة هؤلاء لكانت الجمعية الوطنية اليوم في أغلبها من عملاء البنتاغون والـ سي آي إي، لكن إرادة الشعب العراقي دفعت بعدد كبير جدا إلى الجمعية الوطنية من المعروفين بانتمائهم الوطني والقومي والإسلامي. هناك فرصة متاحة ليعبر الشعب العراقي عن خياره السياسي، بالإنتخابات المقبلة، بالإستفتاء على الدستور. فليتح للشعب العراقي أن يعبر عن رأيه وخياره و، وليتح للشعب العراقي أن يختار نوابه ولو في ظل الإحتلال لأنّ ذلك وسيلة من وسائل مواجهة الإحتلال، أيهما أفضل أن يأتي إلى المجلس النيابي والحكومة من يرفض الإحتلال أو من يسكت أو يعمل ككلب مطيع عند الأمريكيين وذات علاقة قديمة بالـ سي آي إي والبنتاغون.
(...) اتركوا للسنة أن ينزلوا ولديهم فرصة، السنة العرب إذا كانوا يرفضون هذا الدستور أو هذه المسودة فيمكنهم من خلال ثلاث محافظات ومن خلال المشاركة الكثيفة في الاستفتاء أن يرفضوا هذا الدستور، لماذا يحاول دون الشيعة والسنة والأكراد والتركمان ليعبروا عن رأيهم وتأتي مجموعة تكفيرية قتّالية تريد أن تفرض فكرها ونموذجها على الشعب العراقي؟ الرد الحقيقي على هذه المجازر وهذه المذابح هو في تفويت تحقيق نتيجة هذه المذابح، وبشكل أساسي أمران : إخراج الشعب العراقي من دائرة تحقيق مصيره ومستقبله ليفرض عليه ما يفرض وليكون مستقبل العراق خاضع لتسوية ما بين المحتل وبين القتّالين. والأمر الثاني الرد يكون في التواجد في كل ساحة، في المقاومة وفي المعارضة وفي الإنتخابات وفي الاستفتاء وفي الزيارة وفي الحفل، الشعب العراقي أثبت ويثبت أنه أقوى من الموت والقتل والمجازر، وأنه جدير بصنع مستقبله ومصير العراق يقرر مصير المنطقة كلها .
أقول للتكفيريين القتّالين الذين يقتلون الناس : في العنوان الكبير يركزون مثلا على الشيعة في الكاظمية وكربلاء ويعلنون بصراحة من خلال الأنترنت ومن خلال الخطابات أن هدفهم إيجاد حرب بين الشيعة والسنة لأنّ الشيعة أسوء من الأمريكيين كما يقولون في خطاباتهم، أقول لهم الشيعة لن ينجروا إلى حرب أهلية مع إخوانهم السنة لأي سبب لأنّهم يرون أنّ إخوانهم السنة وإخوانهم المسلمين يحرم دمهم ومالهم وعرضهم. قتلتم الكثير وقتلتم العلماء وفي مقدمتهم الشهيد الكبير السيد محمد باقر الحكيم وفجرتم الحسينيات والمساجد وقتلتم الزوار، لن يأتي يوم يمكن أن تتصورا فيه انتحاريا شيعيا يقتحم مقاما أو مسجدا أو تجمعا سنيا ويفجر نفسه، لا يمكن أن يفعله شيعي لعلي ابن أبي طالب عليه السلام، يمكننا أن نلم جراحنا ونمد أيدينا لإخواننا من أهل السنة الذين يجمعنا بهم ديننا وقرآننا ونبينا ... ونقول لهم نحن وأنتم ضحايا هؤلاء المتحجرين التفكيريين القتلة المجرمين الذين لا يريدون حياة لنا ولكم. عليهم أن ييأسوا من دفع المسلمين إلى حرب أهلية، وهنا المسؤولية كبيرة على الشيعة والمسؤولية كبيرة على السنة وعلى علمائهم وأحزابهم (...).
إنجاز تحرير غزة إنجاز كبير لكن لا يجوز أن تضييع الحكومات في العالم الإسلامي أهمية هذا الإنجاز بأن تحوله إلى هزيمة. كانت العين على الشعب الفلسطيني ورهان شارون عليه لكن الفلسطينيون أثبتوا أنهم بمستوى الإنجاز وتجاوزوا أي انقسام داخلي حقيقي. اليوم هناك من يريد أن يقدم مكافأة لشارون أو براءة ذمة له، إنّ الخطوة الباكستانية باتجاه العدو الإسرائيلي هي خطوة مدانة بكل المقاييس وعلى الحكومة الباكستانية أن تتراجع عن هذه الخطوة. لا يجوز أن يكافأ شارون بأن تطبع العلاقات مع كيانه الغاصب في ا لوقت الذي خرج من جزء بسيط من أرض فلسطين وفي الوقت الذي ما زال فيه الشعب الفلسطيني يعاني من الإحتلال والسجن والقتل وتجريف المنازل، ثمّ يأتي أيّا كان في باكستان ويقول لقد حصلت على براءة ذمة من الفلسطينيين أو من غير الفلسطينيين. هناك خشية حقيقة أن من بأتي الأمريكيون غدا للحكومات والشعوب العربية ويقولون لنا إنّ علينا جميعا مساعدة شارون في معركته مع نتنياهو الذي يشكل خطرا حقيقا عليه كما كان يقال لنا بين نتنياهو وباراك هل المطلوب تقديم أثمان لشارون، هذا تضييع وخيانة لدماء الشهداء. التطبيع مع العدو إسقاط لحقيقة وجوهر إنجاز غزة الذي صنع بدماء الشهداء.
في لبنان، ما زالت قضية اختطاف السيد موسى الصدر ورفيقيه قضية عالقة، وشاهدنا قبل أيام ابن العقيد القذافي على شاشات التلفزة يتحدث عن الحضارة والمدنية والأخلاق والديموقراطية في ليبيا ويحمل كل المساويء في ليبيا إلى أعوان أبيه وينزه ساحة أبيه. وقال إنّ المعتقلين السياسيين من إسلاميين وغير إسلاميين في السجون الليبية سيطلق سراحهم أمّا المبعدين سيعودون إلى البلد وأمّا الذين صودرت بيوتهم ستعاد إليهم بيوتهم وأماأ الذين لحقت بهم أضرار فسيعوض عليهم.
الإمام الصدر ورفيقيه أنتم خطفتموهم وقد اعترفتم بذلك في القنوات غير العلنية أنهم ظلوا في ليبيا ولم يخرجوا منها، نحن نريد الإمام ورفيقه، بدنا عنب وما بدنا نقتل الناطور. أعيدوا الإمام ورفيقيه وإلاّ هل يكفي أن تطلق بعض السجناء لتقدم صورتك كإنسان حضاري ولائق لحكومة ليبيا في المستقبل وتحتفظ بإمام المجاهدين والمقاومين ورفيقيه؟ هذا غير منطقي وغير مقبول ولا يمكن السكوت عنه، هذا الأمر يجب أن تُطَالَب به ليبيا والحكومة اللبنانية أشارت في بيانها الوزاري إلى قضية الإمام الصدر ولكن للأسف الشديد الأوضاع التي نعيشها لم تسمح حتى الآن للحكومة أن تتابع حتّى بعض النقاط الأساسية والحساسة في بيانها الوزاري.
النقطة الأخيرة، كل البلد مشدود ومتوتر وحضرت بقوة قضية التحقيقات. نحن أمام واقع يحتاج إلى تدقيق، لا نستطيع إطلاق المواقف لا سلبيا ولا إيجابا، وهناك مرحلة في التحقيق يقال أنها متقدمة. عندما ينتهي هذا التحقيق ويعلن، اللبنانيون لن يتطلعوا إلى النتائج بمعزل عن الأدلة ليطمئنوا ويتأكدوا أنّ أيّة نتائج هي مبنية على عناصر قضائيّة، لأنّه أية نتائج للتحقيق لن تبقى نتائج تحقيق، أو نتائج محاكمة لن تبقى نتائج محاكمة، سوف ترسم الكثير من معالم هذا البلد وسوف تغير العديد من معالمه. إذا نتيجة التحقيق أو نتيجة المحاكمة لا تعني جهة محددة وإنما تعني كل اللبنانيين جميعا، كل اللبنانيين يريدون الحقيقة وأدانوا جريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري بالإجماع، وكل اللبنانيين ينتظرون بلهفة ليختم هذا الأمر، وبالتالي يجب أن ننتظر الحقيقة، وما دمنا ننتظر الحقيقة علينا أن ننتظر التحقيق. وبالتالي أريد أنم ألفت إلى أمرين : أولا عدم الأخذ بالشائعات وثانيا عدم الاستعجال بالتوظيف السياسي. هؤلاء القادة الأمنيين في التحقيق، بمجرد وجودهم في التحقيق نريد أن نرتب آثار سياسية بهذه السرعة، لماذا؟ ليس دفاعا عن أحد وليس من أجل أحد وإنّما من أجل سلامة وصحة التحقيق وصحة الحقيقة.
لنترك التحقيق يأخذ مجراه بعيدا عن أي ضغوط سياسية أو إعلامية أو نفسية وبعيدا عن أي توظيفات سياسية مستعجلة. الأولوية للتحقيق فلتكن الأولوية للتحقيق ولتكن الأولوية للنتيجة، وبعد أن تخرج النتيجة مُسْتَدَلَّة مقنعة قائمة على عناصر قضائيّة يمكن حينئذ لكل القوى والتيارات السياسية في لبنان أن تجلس وتحدد موقفها من كل شيء على أساس نتائج هذا التحقيق.
خلال الشهر الماضي وُضِعَ لبنان في وسائل الإعلام وفي الصحف والخطب وبين القول أنه يمكن أن تحدث أو لا تحدث على جو كأنه فتنة شيعية سنية تحضر في لبنان، لماذا الحديث الآن عن فتنة سنية شيعية، لماذا لم يكن يُحْكَ عن فتنة سنية شيعية قبل سنة أو خمسة سنوات. بكل بساطة ولتعرف الناس حقيقة ما يجري في بلدنا أنّه في الأسابيع القليلة الماضية جاء بعض الأمريكيين وطرحوا في العديد من المواقع السياسية والإعلامية سؤالا وهو : برأيكم إذا طلع حزب الله هو من قتل الرئيس الحريري شو بيصير بالبلد؟ جايي المسكين وعم بيزت هيدا السؤال البريء.
تلقف هذه المقولة ناس من هنا وهناك وأعطيت للعديد من وسائل الإعلام، لو كان في هذا البلد قانون ومحاسبة، هناك بعض وسائل الإعلام اللبنانية أخذت السؤال أيضا إلى المنبر وكل يوم الصبح تسمع : يقال أنه يمكن أن حزب الله عمل هذه القصة ما هو رأيك ماذا سيجري؟ هل هذا حديث إعلامي. هذا الحكي كان سيضع البلد ويدمر البلد ويخرب البلد ويحرق البلد، هذا إعلام أو حرية إعلام.
لقد سكتنا خلال الشهر الماضي ولم نعقّب على هذا الموضوع لأنّه شعرنا أنّ هناك استدراج إعلامي واستدراج سياسي، ويمكن هناك أناس يريدون منّا أنّ "نقوّس" على لجنة التحقيق أو أن نقدم أنفسنا كمتهمين وندافع عن أنفسنا... نحن لسنا متهمين ولا نريد الدفاع عن نفسنا وسكتنا عن لجنة التحقيق الدولية احتراما لكل من طالب بها وننتظر نتيجة التحقيق. لكن كل الحديث عن فتنة شيعية سنية في لبنان خلال الشهر الماضي على أي أساس، على أساس شائعات تريد أن تقول للجهة الفولانية أنّها هي التي قتلت أو لها صلة أو لها علاقة أو ساعدت، وحتّى أنّه "إف إذا طلعت السيارة مدري شو معمول فيها في الضاحية الجنوبية، وإذا معمولة بالضاحية الجنوبية؟"، يعني إذا السيارة مثلا ـ وهي ليست كذلك ـ معمولة في الجبل أو قريب من المختارة يكون وليد جنبلاط أو الحزب الإشتراكي قد قتل الرئيس الحريري؟ أو إذا معمولة في بيروت الغربية يكون السنة قتلوا الرئيس الحريري؟ أو إذا معمولة في الأشرفية يكون المسيحيون قتلوا الرئيس الحريري؟ ما هذا الحديث. لكن هؤلاء تركوا للأسف. في اليومين الماضيين حصلت مبادرات مشكورة من العديد من الجهات السياسية ومن عائلة الرئيس الحريري ومن إخوة نواب في تيار المستقبل تحدثوا عن هذا الأمر. لكن ظل البلد معلقا كم أسبوع وطبعا نحن ماذا سنقول؟ أكثر من أنّ هذا كلام سخيف لا يستحق التعليق "مش لازم يطلع من حزب الله وهذا الذي طلع من حزب الله".
آخذ هذا الشاهد لأقول : أيها اللبنانيون هناك من يتربص ببلدنا وهناك من يريد نزاعا وصراعا بين المسلمين والمسيحيين في لبنان من أجل تقسيم لبنان، هناك من يردي فتنة بين الشيعة والسنة في لبنان من أجل تدمير لبنان. المسؤولية تقتضي الوعي والحذر وعدم الإنسياق مع الشائعات وعدم تحكم روح العصبية الطائفية بالشيعة أو بالسنة، نحن في مرحلة يجب أن نضع أذننا وبين أي خبر نسمعه مئة مصفاة، لا نأخذ الخبر ونبني عليه ماديا، حتّى البيانات باسم قاعدة الجهاد في بلاد الشام وتهددت قيادات شيعية بالقتل، هذه بيانات للفتن. نحن معنيون جميعا كمسلمين ومسيحيين أن نحفظ وحدتنا الوطنية وكمسلمين بالتحديد أن نحفظ وحدتنا الإسلامية وكلبنانيين أن نحمي بلدنا ونصون بلدنا بوعينا وإرادتنا، وأن لا ندمر بلدنا بجهلنا وتعصبنا(...) .