كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله التي ألقاها في ختام المسيرة الجماهيرية الكبرى التي نظمها حزب الله في الضاحية الجنوبية بمشاركة سياسية وحزبية 2005
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التي ألقاها في ختام المسيرة الجماهيرية الكبرى التي نظمها حزب الله في الضاحية الجنوبية بمشاركة سياسية وحزبية.
في البداية أشكر حضوركم واستجابتكم لنداء سيدكم أبي عبد الله الحسين (ع)، يجب أن أتوجه بالعزاء إلى صاحب العزاء الإمام المهدي المنتظر صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. ونتقدم بالعزاء إلى مراجعنا الكبار لاسيما إلى السيد علي الحسيني الخامنئي دام ظله الشريف.
نحن في هذا المحضر نعلن لرسول الله (ص) حبنا لحفيده الذي أوصانا بأن نحبه وأن نبكي لمصابه وهو أقل مستلزمات الحب ولوازم الوفاء. نلتقي في هذا اليوم ملبين نداء الإمام الحسيني (ع) لنترجم موقفه وخطه ولنواصل دربه.
نقف اليوم في يوم العاشر من محرم مع سيد الشهداء(ع) لنردد كل كلماته وكل مواقفه التي تعبر عن تصميمنا وعزمنا وإرادتنا في مواصلة المسير. نقول لكل الذين يخوفون من الموت: إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما. نقول لكل أولئك الذين يتوعدوننا بالحرب وبالقتال قول الحسين (ع)، إلا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، والحسين قالها من المدينة إلى مكة إلى كربلاء إلى آخر نبضات قلبه يوم العاشر، ونحن على امتداد الزمن وإلى قيام الساعة نبقى نرددها من أعماق القلوب إلا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة.
في هذا اليوم العاشورائي العظيم، اجتمعنا هنا في هذا العام لحماية المقاومة وحماية الوطن، وبالمقاومة يحمى الوطن وبالوحدة الوطنية وبالتآلف والتلاقي يحمى الوطن والمقاومة درع هذا الوطن وحصنه إلى جانب الجيش والدولة والشعب. أتينا هنا لنؤكد من خلال هذا الحشد البشري الكبير والصادق، التزمنا بهذا الخيار الذي نؤمن به من موقع الوعي ومن موقع المسؤولية ولا نمارسه من موقع العادة أو الهواية أو المزاج أو الحماس أو الانفعال الشخصي، ولنؤكد للعالم أن المقاومة حاضرة في وجدان شعبها وفي وجدان أمتها، وأن هذه المقاومة هي خيار شعبنا وأمتنا ومهما وصفها الأعداء والطغاة والمستكبرون بالإرهاب، لن يستطيعوا أن يمسوا بقداستها وبوجدانها وبحضورها المقدس في عقول وقلوب شعوب هذه الأمة. كما خرجتم اليوم إلى الشارع لو أذن لشعوبنا العربية والإسلامية أن تخرج مثلكم إلى الشارع، لتقول كلمتها في المقاومة، وهنا لا أعني بالمقاومة حزباً من أحزاب لبنان ولا فصيلاً من فصائل فلسطين وإنما أعني بالمقاومة الخط والخيار والطريق والرؤية والاستراتيجية. لو أذن لشعوب امتنا أن تخرج إلى الشارع لخرج عشرات الملايين، بل مئات الملايين الذين قد تفرقهم مسائل كثيرة، ولكن في هذا الزمن يوحدهم إيمانهم بالمقاومة، اعتزازهم بالمقاومة ، افتخارهم بالمقاومة، وقناعتهم بأن الخيار الوحيد المتاح أمام هذه الأمة لاستعادة أرضها المحتلة ومقدساتها المغتصبة وكرامتها المهانة، هو المقاومة وحدها وليس هناك أي طريق آخر ولا خيار آخر.
حضوركم اليوم رد على كل مساعي الصهاينة في محاصرة المقاومة وعزلها. طوال السنوات الماضية كان حضوركم وحضور أبنائكم في ساحات الجهاد، وكان احتضناكم للمقاومة يفشل كل أساليب العدو في ضربها وعزلها ومحاصرتها عسكرياً وأمنياً وشعبياً. اليوم، نقول للصهاينة الذين يقبلون أعتاب عواصم العالم ليضعوا مقاومتنا في لبنان والمقاومة في فلسطين على لوائح الإرهاب: ستفشلون من جديد، إن وضعنا على لوائح الإرهاب لن يضعف من إيماننا ولا من عزمنا ولا من وعينا ولا من قناعتنا، بل سيزيدنا إيماناً وقناعة بصوابية هذا الطريق الذي نستمد فيه المعنوية والقوة والإرادة من الله رب العالمين وليس من أي أحد في هذا العالم. جميعاً نقول، اليوم، للصهاينة ستفشلون وتحبطون. نحن أمة خرجنا من الهوان والذل والسكوت والقعود، واخترنا أن ندافع بدمائنا بأنفسنا بأبنائنا بأشلائنا عن كرامتنا ومقدساتنا، نحن أمة رسول الله وحفيد رسول الله التي كان شعارها وسيبقى شعارها هيهات منا الذلة.
اليوم في لبنان، في فلسطين، في العراق، على امتداد الأمة، هذه أمة لن تقبل بالذل، لن تقبل بالاحتلال، لن تقعد وستمارس مسؤولياتها التاريخية مهما تطلبت هذه المسؤولية من تضحيات.
في هذا العام يشغلنا الوضع اللبناني بشدة ويضع البلد كله على خط القلق، ويحملن جميعاً في لبنان، القوى السياسية والدولة والموالاة والمعارضة والطوائف والأحزاب والفئات وأفراد شعبنا واحداً واحداً، مسؤولية استثنائية وتاريخية وكبيرة عن المرحلة التي نعيشها، ونحن بالتأكيد، مدعون لتحمل هذه المسؤولية بعيداً عن الانفعالات والعواطف والعصبيات الحزبية والمذهبية والطائفية والمناطقية، لأنه لا سمح الله لو انهار السقف سينهار على رؤوس الجميع، ولو ذهبنا إلى الخراب، فإنا جميعاً سيكون خاسراً ولن يكون هناك رابح إن تركنا الساحة لانفعالاتنا وغضبنا وعواطفنا، أو إذا اعتبر أي واحد منا أن الفرصة مؤاتية للاقتناص على مستوى المكاسب والمغانم الشخصية أو الفئوية. اليوم، نحن مسؤولون عن وطن خرج من الحرب الأهلية وأنجز سلماً أهلياً وتسوية سياسية وانتصاراً تاريخياً على إسرائيل، العدو الذي طالما ألحق الهزيمة بهذه الأمة، ولكننا أمام مشكلات حادة خصوصاً في هذا العام وفي الأشهر الأخيرة. أنا، هنا، أريد أن أشير إلى عدة نقاط:
أولاً : كلنا في لبنان في هذه الأيام يقف أمام هول ما حصل في الأيام الأخيرة من حادث دموي أدى إلى استشهاد الرئيس رفيق الحريري وجملة من مرافقيه ومن المواطنين اللبنانيين في العاصمة بيروت. اليوم مطلوب تعاطي مسؤول مع هذه القضية بما يطمأن عائلته وبما يطمأن محبيه وبما يطمأن كل الشعب اللبناني. مطلب التحقيق الجدي والصادق والمخلص والأمين والسريع والمتابعة المسؤولة لهذا الملف، هو ليس مطلب فئة أو طائفة أو مجموعة من اللبنانيين، هو موضع إجماع وطني، وهو مسؤولية وطنية كبرى. والمسارعة والجدية في حسم هذا الملف يمكنها أن تبعث الطمأنينة والهدوء والسكينة في البلد ويمكنها أن تبعد الكثير من أشباح الفتنة التي يراد إحضارها إلى لبنان من خلال مواقع دولية أو من خلال مواقع إقليمية.
ثانياً: ليس أمامنا كلبنانيين لمعالجة أزماتنا ومشاكلنا سوى أن نتحاور ونلتقي ولو كنا في حالة غضب أو تشنج أو توتر. لا يجوز أن نعيد أخطاء الماضي، يجب أن نستفيد من كل التجارب الماضية. في لبنان خاض اللبنانيون مع بعضهم البعض حرباً أهلية، وكانت حرب اللبنانيين على أرضهم، وكانت حرب الآخرين على أرضهم، لم تكن فقط حرب الآخرين على أرضنا، نحن كلبنانيين نسلي أنفسنا أحياناً ونخادع أنفسنا أحياناً أخر عندما نصف الحرب الأهلية السابقة بأنها كانت حرب الآخرين على أرضنا. لقد كانت حرب الآخرين وكانت حرب اللبنانيين أيضاً مع بعضهم البعض. في تلك المرحلة ارتكب خطأ فادح، لم يصغ اللبنانيون لنداءات الحوار والتلاقي والجلوس، والتي أطلقها كبار قادة هذا البلد، وفي مقدمهم سماحة الإمام المغيّب القائد السيد موسى الصدر وآخرون من كبارة القادة في لبنان، أصر فريق لبناني على عزل فريق لبناني آخر، ودخل في الحياة السياسية اللبنانية مصطلح الانعزال والقوى الانعزالية، لم يكن هناك مكان للقاء ذهبنا جميعاً إلى القتال وإلى الحرب، سنة وسنتين وأكثر، وسقط مئات الآلاف من الضحايا والجرحى، دمرنا بلدنا، وخربنا اقتصادنا، ولكننا في نهاية المطاف وجدنا أنفسنا جميعاً مضطرين للعودة إلى الطاولة إلى الحوار إلى النقاش إلى الجدية في معالجة المسائل سلمياً، لماذا لم نفعل ذلك منذ البداية؟ ألم نكن نوفر على بلدنا مئات الآلاف من الضحايا والجرحى وكل هذه الخسائر النفسية والمعنوية والانسانية والمادية الجسيمة التي لحقت ببلدنا.لا يرتكب أي منا هذا الخطأ من جديد، لا يجوز من جديد أن يعزل فريق لبناني فريقاً لبنانياً آخر ويقاطعه مهما كانت الخلافات، لا يجوز أن تعزل الموالاة المعارضة ولا يجوز أن تعزل المعارضة الموالاة، ولا هذه القوة تلك القوة، ولا هذه المجموعة تلك المجموعة، لا خيار أمامنا إذا كنا حريصين على لبنان سوى أن نجلس مع بعضنا ونتكلم مع بعضنا ونتناقش مع بعضنا في خياراتنا ونبحث عن حل. لا التدويل يعالج قضيتنا ومحنتنا في لبنان بل يزيدها تعقيداً، ولا اللجوء إلى الخارج. إنني بكل صدق وإخلاص أقدر انفعال وغضب وعواطف بعض القادة السياسيين في لبنان لما جرى من عمليات في الآونة الأخيرة، ما زلنا جميعاً نجهل فاعليها ولا نعرف مرتكبيها، إنني إذ أقدر هذا الانفعال وهذا الغضب وهذه العاطفة الصادقة، أتوجه إلى كل السادة في المعارضة وعلى رأسهم الزعيم الكبير وليد جنبلاط، وأقول لهم أيها السادة أيها الأخوة في بلدنا وفي وطننا لا يجوز أن نعالج مشكلتنا بمزيد من الانفعال ومزيد من السخط ومزيد من التصعيد، ولا يجوز إن كنتم تصفون ما هو قائم في لبنان بانتداب سوري أن نستبدله بانتداب آخر، وأنا لا أريد أن أناقش الآن في هذه التسمية. الجميع مدعو لأن يلتقي ولنوفر إنشاء الله هذا البلد آمن، بمعنى أن فيه سلماً أهلياً وإن إرادة أهله هي إرادة تجتنب وتتجنب الذهاب إلى استعمال العنف في حل القضايا السياسية على المستوى الشعبي، ولكن استمرار الوضع القائم، بالتأكيد، فيه خسائر سياسية واقتصادية ومعنوية ونفسية، اللبنانيون جميعاً قلقون في هذه المرحلة، تعالوا لنوفر كل هذه الخسائر ولنذهب إلى حيث يجب أن نذهب، إلى الطاولة، وإلى حيث سنذهب في نهاية المطاف، لأنه في هذا البلد أثبتت كل التجارب وعلى مدى القرون الماضية كلها أنه بلد الجميع لا يستطيع أحد أن يشطب أحداً، ولا يستطيع أحد أن يلغي أحداً ولا يستطيع أحد أن يتجاهل أحداً. إذا كانت هذه هي حقائق التاريخ والمجتمع والسياسة والتركيبة اللبنانية، لماذا لا نستفيد من كل تجارب الماضي.
ثالثاً: المخرج الوحيد لما نحن فيه، هو أن نذهب إلى الانتخابات، إذا كنا نتحدث عن بلد ديموقراطي ومجتمع ديموقراطي وآليات ديموقراطية لمعالجة المسائل الأساسية في البلد، فلنذهب إلى الانتخابات، دعوا الاستفتاء جانباً وأنا طرحته فقط من قبيل إن أردتم نحن موافقون، دعوه جانباً، بالتأكيد ليس هناك مصلحة في لبنان أن يحتكم أي من إلى الشارع بحسم مسائل أساسية وخصوصاً أن شارعنا يسارع إلى الخطاب الطائفي والشعارات الطائفية واستحضار الضغائن والأحقاد الطائفية، إذا ماذا يبقى أمامنا؟ أمامنا أن نذهب إلى الانتخابات. على هذا الصعيد، نحن نطالب بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر إلا إذا أجمع اللبنانيون على تأجيلها لبعض الوقت، فلا نخالف إجماعاً، ولكن الأصل والصحيح هو إجراء الانتخابات في موعدها المحدد. وثانياً أن يسارع المجلس النيابي إلى حسم قانون الانتخاب، لننتقل إلى مرحلة العملية الانتخابية، تحضيراً وتمهيداً وخوضاً في نهاية المطاف. وأنا أقول باسم حزب الله، في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، نحن جاهزون لأن نتفهم أي قانون انتخاب يتناسب مع هذه المرحلة يطمأن اللبنانيين يرضي اللبنانيين لا يسخط الكثير منهم، وحاضرون لتأييده وليس فقط لتفهمه، لأن هذه المرحلة الحساسة تتطلب أن نبحث عن نقاط نلتقي فيها لا أن يتشدد كل منا بما يعتقده، خصوصاً إذا كان أمام خيارات متعددة ومعقولة، ويمكن أن يتنازل الواحد منا فيها للآخر. ثالثاً: أريد أن أؤكد أن الذهاب إلى الانتخابات هو الذي يمكن أن يعالج مسألتنا. أؤكد في هذه المناسبة، وأدعو اللبنانيين جميعاً إلى الاهتمام البالغ بالانتخابات النيابية المقبلة، المجلس المقبل هو أهم وأخطر مجلس نيابي ننتخبه منذ عام 1992. هو مجلس سياسي بامتياز، هو مجلس يُراد له ومنه أن يحسم الخيارات السياسية الاستراتيجية الأساسية في لبنان لأربع سنوات ويمكن لعقود من الزمن لعشرات السنوات، ولذلك لا يجوز أن يتلكأ أي واحد منا أو يعتبر أن هذه الانتخابات كبقية الانتخابات السابقة، وإذا كان هناك خلل ما في تأمين بعض المصالح أو بعض الخدمات فييأس من الانتخابات، لا. الانتخابات ستأتي بمجلس نيابي يحدد المصير السياسي والاقتصادي والأمني في لبنان وطناً وشعباً ومؤسسات دولة سنوات طويلة، ولذلك يجب علينا جميعاً، على اللبنانيين جميعاً، على الموالاة والمعارضة، نحن لا نريد أن يتباطىء أحد في هذه المسألة، أن تكون هناك انتخابات هامة وكبيرة وأن يدرك اللبنانيون أن حضورهم عند صناديق الاقتراع وأن مشاركتهم الواسعة في الانتخابات لانتاج مجلس نيابي مسؤول على المستوى الوطني هو أفضل خيار، بل هو خيارهم الوحيد للدخول إلى معالجة أزماتهم الداخلية، لذلك أتمنى أن يلقى هذا الأمر اهتمامكم واهتمام الجميع، وأن لا نواجه بأي قصور أو تقصير على مستوى المقدمات وعلى مستوى التحضير.
رابعاً أنا أدعو اللبنانيين ومن خلال التلاقي والحوار، وحتى لو لم نلتق ولم نتحاور، إلى المزيد من التأمل، حتى لو كنا نحن أهل يقين بثوابتنا، لا يمنع ولو بيننا وبين أنفسنا وفي أطرنا الخاصة، أن نعيد النقاش وأن نعيد ونعيد لعلنا كنا مخطئين في جانب او في زاوية. أنا أدعو اللبنانيين أمام الاستحقاقات الجديدة إلى المزيد من النقاش وإن لم يلتقوا إلى النقاش في مجالسهم الخاصة بشكل هادئ ومسؤول، أن لا ننجرف مع شعار، وأن لا نذهب بعيداً مع عاطفة، لأننا قلنا أننا في مرحلة حساسة ومسؤولة جداً. مثلاً، عندما يُطرح ويشتد الكلام حول تنفيذ القرار 1559، ونختلف، بعضنا يتصور أن هذا القرار سيحقق للبنانن سيادة وحرية واستقلال. تعالوا لأن لا نكتفي بالخطابات، وأن نجلس لنقنع بعضنا: كيف يصنع هذا القرار سيادة؟ وكيف يأتنا بالاستقلال؟ وكيف يصنع لنا الحرية؟ في المقابل، هناك وجهة نظر أخرى تقول هذا القرار: يضيع البلد ويخربه ويجعله مرهوناً لقوى دولية ولقوى معادية على المستوى الإقليمي، أعني إسرائيل بالتحديد. البعض يقول ويستدل أن المطالب المذكورة في القرار 1559 هي مطالب إسرائيلية بالكامل. الإسرائيليون يطالبون بها منذ مدة طويلة من الزمن: نزع سلاح المقاومة، التي سميت بالميليشيات اللبنانية، هذا مطلب إسرائيلي بلا شك. توطين الفلسطينيين في لبنان، هي أكبر خدمة مجانية يمكن أن تقدم لإسرائيل بلا شك، وقد سمعنا أيضاً في الأيام الأخيرة، أن شارون الذي دمر بلدنا والذي ارتكب المجازر في عام 82 وخصوصاً في صبرا وشاتيلا، أن شارون يضع شرطاً لمعاودة المفاوضات مع سوريا، انسحاب القوات السورية من لبنان، ألا يدعونا هذا إلى بعض التأمل؟ هل واقعنا أصبح شارون وشالوم أحرص على مصالحنا الوطنية وعلى سيادتنا واستقلالنا وحريتنا وسلمنا الأهلي ومؤسساتنا الدستورية في لبنان أكثر من كثير من اللبنانيين! هل شارون مصيب فيما يطرحه وعدد كبير من اللبنانيين مشتبهون! هل صحيح أن الذين يعارضون 1559 هو مجرد دمى أو عملاء! لي ذلك. هذه اللغة نحن نرفضها، التخوين نرفضه ولغة الدمى والعملاء نرفضها، نحن جميعاً لبنانيون معنيون بمصير بلدنا ومعنيون بأن ندرس وبأن نتأمل وبأن لا نقع في فخ أحد لا في فخ إسرائيل ولا في فخ أمريكا ولا في أي فخ يُنصب لنا. قرار الشعب اللبناني في أي مسألة، في العلاقات مع سوريا، في الموقف منها، في الموقف من وجود قواتها على الأراضي اللبنانية أو بعض الأراضي اللبنانية يجب ان نعالجه من خلال الحوار ومن خلال مؤسساتنا الدستورية، وليس من خلال التقاتل، ولا الاحتكام إلى الشارع. في لبنان كل الناس عندها شارع، وكل الناس تستطيع أن تنزل مظاهرات، فلندع هذا الأمر جانباً ولنتصرف بمسؤولية وبديموقراطية كما ندعي وكما نقول.
خامساً: في يوم العاشر من المحرم، يجب أن لا ننسى بقية أرضنا المحتلة ومقدساتنا المحتلة وإخواننا المعتقلين في سجون العدو الصهيوني من لبنانيين وفلسطينيين وعرب لنجدد معهم عهد الجهاد وعهد الشهادة من أجل تحريرهم، ولا بد أن نتذكر في يوم العاشر حسينياً كبيراً من أحفاد الحسين وذرية الحسين المطهرة، أعني الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الذين ما زلنا نفتقدهم من ساحتنا، والذين نشعر اليوم أننا أحوج ما نكون إليهم من أي زمن مضى، يجب أن نذكر لنؤكد أن هذه القضية وقضية الإمام الصدر وقضية الإخوة والأخوات المعتقلين في سجون العدو، هي مسؤولية وطنية وقضية وطنية وقومية وإسلامية كبرى، ويجب أن لا تغيب ، لا عن القول ولا عن الفعل ولا عن ممارسة المسؤولية.
سادساً : على مستوى الأمة، إن أكبر تحدي نواجهه اليوم هو تحدي الفتنة، كما يحاولون اليوم في لبنان، هم يحاولون على مستوى الأمة وقد أنجزوا خطوات ومراحل في بعض البلدان العربية والإسلامية، في أكثر من بلد عربي وإسلامي وليس في العراق فقط. هناك محنة، هناك فتنة، هناك انقسامات وخصامات يلجأ البعض فيها إلى المعالجة الدموية، فتسفك دماء هنا وهناك، ويشهر سلاح هنا وهناك، ويمارس عنف وعنف في المقابل. بالتأكيد، إن أي تمزق وفتنة وتفتت وتشتت في أي بلد عربي أو إسلامي وعلى مستوى الأمة يخدم عدونا الصهيوني ومشروعه في الهيمنة ويخدم الشيطان الأكبر، الإدارة الأميركية والتي همها وغمها أن تسيطر على نفطنا وثرواتنا وخيراتنا وأسواقنا أن نكون مجردة ملايين من العبيد الذين يأكلون ويشربون، ولكنهم يعيشون موتى بلا كرامة وبلا شرف. هذا الأمر يسترعي من القيادات والمفكرين والعلماء والأحزاب والحكومات والأنظمة التصرف أيضاً بمسؤولية. (...)ما جرى بالأمس من تفجير بعض الانتحاريين لأنفسهم في مساجد وحسينيات أو مواكب حسينية هنا أو هناك، هذا أخطر ما تواجه الأمة في أي مكان من العالم العربي والإسلامي، يعني هذا السفك للدماء، يعني هذه الاستهانة بالدماء.
في موسم الحج سمعت إمام المسجد الحرام في خطبة الجمعة يقول ويدعو الأمة ويحذرها من فتنة التكفير، هذا هو الصحيح. مدخل الفتنة في الأمة هو التكفير، أن يكفر المسلمون بعضهم بعضاً، وهذه أشد محنة. في ثقافة المسلمين وفقهم، لو اختلفنا مع بقية أتباع الديانات ففي القه الإسلامي ما يحفظهم ويصونهم، ولكن للأسف الشديد في الفقه الإسلامي عندما دخل من باب أن يكفر المسلم مسلماً فإننا نضع المسلم المكفر على مشرحة الذبح والقتل.إن باب الشر في هذه الأمة يأتي من باب التكفير، عندما يقف أحدنا ليكفر مجتمعنا بكامله لسبب أو لآخر، هذه كارثة دينية وانسانية وثقافية وأخلاقية.
من يستطيع أن يقف ويقول لكم في لبنان إن دستوركم غير إسلامي، وبالتالي مشاركتكم في الانتخابات النيابية المقبلة هي كفر بالله العلي العظيم، من له هذا الحق، وعلى أي أساس يمارس هذا الحق أياً يكن. في لبنان، اللبنانيون مسلمون ومسيحيون، وهنا أتحدث عن المسلمين ، حتى الإسلاميين العلماء، قادة الحركات الإسلامية في لبنان شاركوا في الانتخابات النيابية سنة 92 ودخلوا إلى المجلس النيابي، وفي 96 وال 2000 فعلوا الشيء نفسه، فهل نقول أن هؤلاء كفرة! وقد سمعنا للأسف بعض هذا الكلام. كيف يجرؤ أحد أن يقف ويقول هؤلاء المشاركون في الانتخابات الفلسطينية كفرة؟ أو المشاركون في الانتخابات البلدية كفرة! الأحزاب الإسلامية من مصر إلى الجزائر إلى الأردن على امتداد العالم العربي والإسلامي إلى تركيا إلى باكستان إلى أندونيسيا، أخذت أغلبها خيار المشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية والدخول في العملية السياسية الوطنية، وكيف يحق لأحد أن يقف وبشحطة قلم ليكفر مئات الملايين من المسلمين، هل يدرك ماذا يفعل؟ عندما يعلن كفرهم فهو يبيح قتلهم واستباحة أعراضهم وسفك دمائهم وهذا هو الذي يحصل في أكثر من مكان(...) ، وهذا ما يجب أن يدينه كل عالم مسلم وكل حريص على الإسلام وكل من لا يريد أن يقدم خدمات مجانية وبالدم المسلم لأمريكا وإسرائيل.
الشيعة والسنة أكثر من أي يوم مضى يجب أن يرفعوا أصواتهم ويتحملوا مسؤولياتهم، الوفاء لدماء الحسين وجد الحسين نبي الإسلام الذي نؤمن به جميعاً هو أن نبعد شبح الفتنة وهذه المحنة عن الأمة، ومن يدفع باتجاه الفتنة والمحنة هو يخدم أمريكا وإسرائيل ويطعن رسول الله محمد (ص) في ظهره وفي قلبه وجبينه. هنا المسؤولية كبيرة وتحتاج إلى تحرك وفعل. الشيعة في كل مكان يجب ان يبدوا حرصهم وتفهمهم وتلاقيهم مع إخوانهم السنة، والسنة وهم الأكثرية الغالبة في العالم الإسلامي يجب أن يعلنوا وأن يبدو كل تفهم وتلاقي مع إخوانهم الشيعة. الشيعة والسنة في لبنان، في العراق، في أي مكان من العالم في باكستان في أفغانستان، يجب أن يعرفوا أننا أهل هذه البلاد، أننا أبناء هذه الأمة نحن الباقون هنا، أبناؤنا وأحفادنا، أما الغزاة الآتون من الخارج فسيرحلون. البلاد بلادنا والأمة أمتنا والمصير مصيرنا والدم دمنا والكرامة كرامتنا. يجب أن نتحمل مسؤوليتنا وألا نسمح معرفة العدو والصديق وان لا نضيع الموازين.
في يوم العاشر من محرم يجب أن نؤكد أن عدونا هو هذا العدو الصهيوني الذي يحتل فلسطين وأجزاء من لبنان وسوريا، أن عدونا هو إسرائيل وغير إسرائيل في هذه المنطقة هم أهلنا وإخواننا ويجب أن نتفاهو وان نتحاور معهم، العدو هو إسرائيل، السلاح يجب أن يبقى مشرعاً في وجه هذا العدو، الحقد يجب أن يبقى قائماً فقط في وجه هذا العدو، وكما كتب شهداؤنا بالدم وكما في كل عام، نختم أيضاً في هذا العام لنؤكد هوية العدو ونميزه عن الصديق، ونعلن في مسيرتنا وفي مقاومتنا للعدو وللصديق ليعرف من نعتقد أنه عدونا ومن نعتقد أنه صديق، إسرائيل هي عدونا، هذا كيان غاصب غير قانوني غير شرعي ولا مستقبل له في أرضنا ومصيره يعبر عنه دمنا والشعار: الموت لإسرائيل، ومن خلف إسرائيل تأتي الإدارة الأميركية، عندما أقول أمريكا، يجب أن أوضح لا نقصد الشعب الأميركي الذي بأغلبيته بعيد وجاهل بما يجري في العالم وبما تقوم به حكوماته وإداراته وجيوشه في العالم. هذه الإدارة الأميركية، نحن نعتبرها عدواً لهذه الأمة، عدواً لشعوب هذه الأمة لأنها كانت دائماً في موقع الاعتداء والاحتلال ومساندة إسرائيل بالسلاح والطائرات والدبابات والمال والدعم السياسي والحماية المطلقة بلا حدود، نعتبرها عدوة لأنها تريد أن تفرض الإذلال على حكوماتنا وأنظمتنا وشعوبنا، ولأنها أكبر ناهب لثرواتنا ونفطنا وخيراتنا فيما يعيش مئات الملايين من أبناء أمتنا في البطالة والفقر والجوع والعزوبية والجهل والظلام. الإدارة الأميركية هي العدو وشعارنا الذي رفعناه ولا نخشى أن نكرره في كل عام الموت لأمريكا. قد يتساءل البعض ويقول: أليس لهذا العداء من نهاية؟ نعم له نهاية. الصهاينة، فليرحلوا من أرضنا ومقدساتنا وليعيدوا الأرض والمقدسات إلى أصحابها وينتهي هذا الصراع. أمريكا فلتوقف تدخلها في شؤون بلادنا وأمتنا، فلتوقف عدوانها واحتلالها ونهبها لخيراتنا وثرواتنا ونحن لا شأن لنا بها، نحن لا نريد أن نذهب إلى واشنطن لأن نقاتل أمريكا. نحن هنا في بلادنا ندافع عن بلادنا وعن جودنا.