
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في الأونيسكو بمناسبة الذكرى السادسة عشرة لرحيل مفجر الثورة الإسلامية المباركة الإمام روح الله الموسوي الخميني في الرابع من حزيران 3-6-2005
لمناسبة الذكرى السادسة عشر لرحيل مفجر الثورة الإسلامية المباركة الإمام روح الله الموسوي الخميني في الرابع من حزيران، أقامت سفارة الجمهورية الإسلامية في لبنان احتفالا كبيرا في قصر الأونيسكو بحضور رسمي وشعبي، وألقى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله الكلمة التالية :
(...) خلال 26 عاما من حياة الجمهورية الإسلامية التي أسسها الإمام الخميني جرت انتخابات لستة وعشرين مرة في إيران وأمام عين وبصر العالم كله ووجود مراقبين دوليين ووجود صحافة أجنبية، وكلهم شهدوا الإنتخابات وحجم المشاركة العالية فيها بحيث يصعب أن نجد نسبة مشاركة في أي مكان من العالم حتى في أهم وأعظم وأعتق ديموقراطيات العالم، ومع ذلك إيران في نظر الولايات المتحدة الأمريكية هي نظام غير شعبي وديكتاتوري ونظام مفروض من الأعلى وغير ديموقراطي ونظام يتجاوز إرادة شعبه، وهذا تعبير عن مستوى قبح السياسيات الأمريكية والوقاحة الأمريكية. وعلى مدى 26 عاما الولايات المتحدة التي تتحدث وتقول أنها تريد إشاعات الديموقراطية وإعطاء فرصة للشعوب لاختيار حكامهم وأنظمتهم ودساتيرهم لم تترك وسيلة ولا فرصة لإسقاط ولحرب وإضعاف هذا النظام إلاّ ولجأت إليها وما زالت هذه الحرب مفتوحة (...).
طالما أنّ إيران المستقلة السيدة العزيزة التي تفعل ما تريده هي وما تقتضيه مصالح شعبها لن تكون مقبولة لدى الإدارة الأمريكية. إيران عندما تصبح خاضعة وذليلة وملتزمة بالشروط الأمريكية ومنسجمة مع المشروع الأمريكي سوف تصبح نظاما جمهوريا ديموقراطيا ولو تحولت إلى نظام ديكتاتوري (...). الإمام الخميني منذ أربعين عاما كان يحذر المثقفين والنخب والشعوب من خداع الولايات المتحدة ، وأصل العداء بين الإمام وأمريكا كما يقول لنا الإمام هي أنها أعلنت العداء والحرب وحاصرت وقاتلت وتدخلت ومارست الإرهاب علينا. المشكلة أنّ الإدارة الأمريكية تريد أن تتدخل في كل شيء خلافا لما تعلنه وتقوله، ولذلك أكبر سياسة نفاق تمارس عبر التاريخ هي السياسة الأمريكية في هذه المرحلة وهذا الزمن لأنها تقول شيئا وتمارس شيئا آخر بالكامل.
اليوم، هناك صحوة شعبية عارمة ومما لا شك فيه أنّ انتصار الإمام سنة 1979 فجر هذه الصحوة الكبرى خصوصا في العالم الإسلامي، هناك يقظة ووعيا وكراهية للإدارة الأمريكية تزداد وترتفع نسبتها عاما بعد عام. يريد الأمريكيون استبدال الأنظمة لأنّها استنفذت، ويريدون استعادت مشاعر الناس إلى طرفهم واستعادة احترام الناس والباب الطبيعي لهذا كله الديموقراطية فيأتون بالديموقراطية تحت عناوين المشاركة الشعبية والإنتخاب وغيرها. الإستراتيجية الأمريكية الجديدة هي أن تلجأ وأن يفرض على كل بلد أن تجرى الإنتخابات فيه، المهم أن تجري الإنتخابات، في ظل أي نظام وأي قانون وأي أوضاع ليس مهما، المهم أن تجري الإنتخابات لأنّ السيد (جورج) بوش تحدث عن انتخابات في هذا البلد وذاك البلد، وليس مهما بالدرجة الأولى ماذا تنتج هذه الإنتخابات.
إذا أتت هذه الإنتخابات بجماعة أمريكا فهو المطلوب وهو استبدال حاكمية أمريكا من خلال الديكتاتوريين بحاكمية أمريكا من خلال المنتخبين ديموقراطيا وهؤلاء المنتخبون ديموقراطيا إذا كانوا من جماعة الولايات المتحدة الأمريكية فستكون وظيفتهم الأساسية تنفيذ المشاريع والبرامج الأمريكية وليس خدمة أوطانهم وشعوبهم، وإذا أنتجت الإنتخابات قيادات غير موالية وخاضعة للمشروع الأمريكية فالإستراتيجية الأمريكية الجديدة هي العمل على هضم هؤلاء واستيعابهم بالترهيب والترغيب وبالضغط، فإذا أمكن ذلك وإلا العمل على إفشالهم وعلى حرقهم (...).
في لبان الإستحقاق الكبير في الإنتخابات وما بعد الإنتخابات وهذا استحقاق أمام كل الشعب اللبناني ولكن بالدرجة الأولى هو استحقاق أمام قادة انتفاضة الاستقلال. الإستحقاق الكبير والأول هو أن نعمل جميعا كلبنانيين لتكون خياراتنا انطلاقا من إرادتنا، ما نقرره نحن نريده ولا يملى علينا. اليوم كل المعطيات والمعلومات والشياع المفيد للإطمئنان أنّ السفير الأمريكي يتدخل في كل شيء، لا أعرف بلدا وبالعلن ـ وفي بلدان أخرى بالتأكيد بغير العلن ـ يزور السفير الأمريكي في الحكومة الحالية وفي الحكومات السابقة وقطعا في الحكومة الآتية الوزراء واحدا واحدا ويناقشهم في شؤون وزاراتهم وبرامجهم وخططهم وما يريدون أن يفعلوا ويقدم لهم النصائح. الإستحقاق الرئيسي أمام اللبنانيين هو أنه بعد الإنتخابات هل ننتخب رئيسا للمجلس النيابي بإرادتنا بمعزل عن الخطوط الحمراء والفيتوات الأمريكية أم ماذا؟ هل نشكل حكومتنا بإرادتنا؟ هل نضع البيان السياسي للحكومة بإرادتنا؟ هل سنسمع نصائح وتوصيات وخطوط حمراء وفيتوات وضوء أخضر وضوء أحمر من هذه السفارة وتلك السفارة؟.
هذا التحدي يحتاج إلى شجاعة ورجولة وإلى صدق وإخلاص، إذا فكر كل واحد منّا بمكاسبه الشخصية أو الحزبية أو الفئوية أو الطائفية حينئذ سيأخذنا الأمريكيون بالمفرق ونحقق لهم ما يريدون والذي هو على حساب وطننا لكن قد نغدر أو نخدع أو نغش لأننا نحقق بعض المصالح الشخصية أو الحزبية أو الفئوية. عندما يعود الأمر إلى إرادتنا كلبنانيين قد نصيب وقد نخطأ لكننا في نهاية المطاف ركاب سفينة واحدة ولا خيار لنا بل قدرنا أن نتوافق ونتفاهم ونتحاور وأن نواصل السير بهذه السفينة. الذي يخرق السفينة ليس أحد ركابها وإنما الذي يخرقها هو الذي تغادر السفينة بحره ويريدها أن تبقى في خدمته وهو الأمريكي. في بعض المنابر نسمع عودة لأدبيات "الغريب"، الغريب اليوم في بلدنا هو الأمريكي الذي يتدخل في كل شيء فهل نطبق مصطلح "الغريب" على مصداقه الصحيح والحقيقي؟.
المشروع الأمريكي للبنان وما جرى ويجري في هذه الأيام ـ وهنا أريد دق جرس الخطر ولو احتاج الأمر عند بعض الناس لتفسيرات خاطئة ـ إن لم يمش البلد كما يريد الأمريكيون ضمن أولويتهم ومفكرتهم وترتيباتهم فهم يدفعون البلد إلى الفتنة ويريدون له الفتنة. العراق اليوم بلد مفتون وفي أسوء حال شئنا أم أبينا اعترفنا بالحقيقة أم كابرنا عليها، الذي يتحمل مسؤولية القتل والإقتتال وشياع مناخ الفتنة بين الشيعة والسنة وبين مختلف الطوائف العراقية هي الولايات المتحدة وجيشها ومخابراتها وأمنها وأموالها وسياسيوها وإعلاميوها، مسؤول الفتنة الحقيقي في العراق هو الإدارة الأمريكية والمخطط والمشروع الأمريكي. السنة والشيعة يركضون خلف التفاصيل : من الذي قتل هنا ومن الذي بدأ بالقتل هناك، ومن وضع السيارة المفخخة هنا ومن الذي قام برد فعل هناك، هذه تفاصيل والبحث هنا في المكان الخطأ، والبحث في المكان الصحيح واضح، الولايات المتحدة سياستها أن يبقى العراق جريحا معذبا مظلوما متقاتلا حتى تقف حكومته الدائمة أو المؤقتة عند كل مفصل وتطلب من مجلس الأمن الدولي التجديد للقوات المتعددة الجنسيات لمئة عام ومئتين عام. تريد أمريكا نفط العراق ولذلك تقرر سحب قواتها من 127 موقع عسكري إلى بضع ثكنات ضخمة وكبيرة وتترك القرى والصحراء والمدن للعراقيين ليتقاتلو وتحرض العراقيين بعضهم على بعض وتساعد هؤلاء ليقتلوا هؤلاء وتساعد أؤلئك ليقتلوا أؤلئك.
في لبنان إن لم نقف جميعا لنعبر عن مصالحنا الوطنية وإرادتنا سوف يحاول السيد المستعمر الأمريكي الطاغي أن يفرض أولوياته وأن يدفعنا إلى مواجهة بعضنا بعضا. حتى العمليات الأمنية التي حصلت في لبنان ابتداء من محاولة اغتيال مروان حمادة وصولا إلى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصولا إلى التفجيرات التي طالت المناطق المسيحية فقط وصولا إلى اغتيال الصحافي سمير قصير، قبل أن نقف بخلفية سياسية ونوجه الإتهام باتجاه محدد دعونا نفكر ونتأمل قليلا، إنّ الذين يفعلون ذلك يريدون دفع لبنان إلى فتنة ويريدون وضع اللبنانيين أمام الفتنة حتى يمكن فرض كل الشروط عليهم ، المرحلة بحاجة إلى دقة ولا يجوز أن ندخل في تصفيات سياسية داخلية فئوية طائفية أو حزبية محدودة، المرحلة بحاجة إلى تصرف بمستوى وطني وبعقل كبير وبقلب وأعصاب هادئة.
قد يقال لنا أننا نصر على عداء أمريكا والإدارة الأمريكية وأنه لنا موقف عقائدي، كلا ليست المسألة مسألة عقائدية وأنا أتحدث بالواقع، أمريكا منذ أن قامت دولة إسرائيل الغاصبة على أرض فلسطين المحتلة إلى اليوم، كم قتل من اللبنانيين وكم هدم من منازل وكم دمر من بنى تحتية، ما هو حجم الخسائر البشرية والمادية التي لحقت بنا كشعب لبنان وكدولة وكمؤسسات لبنانية، كل طلقة نار وكل قتيل أو جريح أو بيت مهدم أو حقل محروق وكل خوف ورعب انتاب قلوب الناس في بلدنا الولايات المتحدة هي شريك كامل مع إسرائيل في ما جرى وما زال يجري، هي التي تعطي الطائرات والتكنولوجيا والسلاح والمدافع والتدريب والمساعدة المالية والمساعدة الإقتصادية، ثمّ يأتي الأمريكيون ويقلون نريد مساعدتكم في لبنان ومن أجل ذلك عليكم نزع سلاح المقاومة وهناك ملفات قضائية عليكم حسمها، نحن لا نريد مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية.
إذا تشكلت حكومة سيادة واستقلال وحرية في لبنان بعد الإنتخابات من أبسط ما يجب أن تطالب به هذه الحكومة التعويضات المحقة للبنان. نحن نطالب بتعويضات على الدولة وعلى الشعب اللبناني وعن كل الجرائم التي طالت البشر والحجر في بلدنا، ولو دفعت التعويضات من أمريكا وإسرائيل يمكن أن نسدد بها ديوننا ونعالج بها مشاكلنا الإقتصادية. بدل أن يمنّوا علينا ببعض الصدقات المشروطة والمذلة فلنطالبهم بحقوقنا كدولة وكشعب وكحكومة.