كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في المجلس المركزي الليلة التاسعة من محرم الحرام 17-2-2005
ألقى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في المجلس المركزي الذي يقيمه لمناسبة ذكرى عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) وذكرى استشهاد سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي وزوجه وطفله وذكرى شيخ شهداء المقاومة الإسلامية الشيخ راغب حرب، كلمة هذا نصّها :
(...) اليوم نحن أمام مسؤولية كبيرة وجسيمة ، المواجهة بيننا وبين الصهاينة ومشروعهم قائمة، بعد عام 2000 الخيار العسكري إلى حدٍ كبير والإسرائيلي لو كانت لديه خيارات عسكرية لأقدم عليها دون خطوة الإنسحاب المذل (...). منذ ذلك الحين لم يهدأ لهم بال ولم يغمض لهم جفن بمواجهة هذه المقاومة، وفي المقابل المقاومة لم يهدأ لها بال ولم يغمض لها جفن بمواجهة الإحتلال والعدوان والمشروع الصهيوني.
لقد ذهب الصهاينة للعمل على خيارين الأمني وليس بجديد والسياسي. الأمني بمحاولة النيل من قيادات المقاومة وكوادها ومعنويات المقاومة فلم يستطيعوا أن يحققوا إنجازات هامة على هذا الصعيد. والسياسي وهو الأهم السعي الصهيوني الدؤوب من أجل محاصرة المقاومة في لبنان ولاحقا المقاومة في فلسطين في كل العالم على المستوى الدولي والإقليمي وحتّى على المستوى المحلي في لبنان وهذا هو التحدي الأخطر الذي واجهناه في السنوات القليلة الماضية ونواجهه اليوم وفي المرحلة المقبلة.
المسعى الصهيوني بالدرجة الأولى يهدف إلى إقناع العالم ودولها وحكوماتها والمجتمع الدولي ومؤسسات المجتمع الدولي أنّ المقاومة في لبنان والتي يشكل حزب الله عنوانها الأبرز هي تنظيم إرهابي ومنظمة إرهابية ويفكر الصهاينة أنه إذا وفقوا وسلم العالم لهم بذلك فهذا سيعني حكما حربا دولية وعالمية على المقاومة تحت عنوان الحرب على الإرهاب الدولي وتجفيف مصادر التمويل وإنهاء مصادر الدعم المادي والسياسي والمعنوي وكم الأفواه سواء كان صوتا للمقاومة أو صوتا مؤيدا لها، الضغط على الدول التي تحمي المقاومة، الضغط على إيران وسوريا ولكن بالتحديد على الدولة اللبنانية لتصنيفها دولة داعمة للإرهاب.
الصهاينة الذين عجزوا عن إنهاء المقاومة في لبنان بجيشهم وموسادهم ومخابراتهم وطائراتهم وبكل أسطورتهم العسكرية التي انهارت تحت أقدام الشهداء والمجاهدين يحاولون من خلال العمل السياسي والعلاقات الدولية حل مشكلتهم، يريدون من العالم أن يحل لهم مشكلتهم في لبنان وفلسطين، ويريدون محليا من اللبنانيين أنفسهم أن يحلوا لإسرائيل مشكلتها في لبنان ويريدون محليا في فلسطين من الفلسطينيين أنفسهم أن يحلوا لإسرائيل مشكلتها في فلسطين. هذا هو الاتجاه الذي عمل له الإسرائيليون بجد بشخص رئيس وزرائهم ووزير خارجيّتهم وسخروا لها كل المنظمات اليهودية الصهيونية واللوبيات الصهيونية في العالم وركزوا على هذه النقطة، كل جهد مالي وسياسي وإعلامي ومخابراتي ودراساتي استخدم في هذا الاتجاه.
لو عدنا بالذاكرة، في 11 أيلول والأمريكيون يلمون أشلاء القتلى تخرج وسائل الإعلام الإسرائيلية والصحف الإسرائيلية والمسؤولون الصهاينة في فلسطين المحتلة وفي أمريكا نفسها وفي أماكن أخرى من العالم لتتهم مباشرة حزب الله في لبنان بتفجيرات 11 ايلول. وطبعا لم يصدقهم الأمريكيون بسرعة لأنهم كانوا ضائعين، وبعدها تبنّى تنظيم القاعدة العمليات بشكل أو بآخر أو اتهم تنظيم القاعدة بشكل أو آخر فقلب الصهاينة الإسطوانة نعم تنظيم القاعدة هو الذي نفذ عمليات 11 أيلول ولكن بتنسيق وتعاون مع حزب الله، وبدؤوا يبحثون عن علاقة ما وصلة وصل وعن خيط اتصال بين حزب الله والقاعدة ولم يجدوا شيئا من هذا على الإطلاق لأنه لا يوجد شيء من هذا على الإطلاق وفشلوا في استخدام 11 أيلول تقديم حزب الله في لبنان على أنّه تنظيم إرهابي (...).
بعد ذلك كبر الكلام الإسرائيلي، وكانت استجابة أمريكية وبريطانية ومن بعض الدول عن امتدادات خارجية لحزب الله وفروع خارجية لحزب الله، وعندما يتحدث بعض المسؤولين الأمريكيين يتصور أن حزب الله في أمريكا هو أقوى من كل أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وكأنه قوة دولية ممتدة في كل أنحاء العالم، يصنعون الأكاذيب ثمّ يصدقونها.
(...) نحن نتمتع باحترام في لبنان والعالم العربي والإسلامي وفي كل مكان يوجد فيه إنسان حر وشريف ومظلوم وهذا الإحترام سواء من الذين يتبعون نفس الدين أو الذين يتبعون الديانات الأخرى في أي مكان في العالم إنما اكتسبته المقاومة في لبنان بفعل تضحيات شهدائها الكبار وفي مقدمهم السيد عباس (الموسوي) والشيخ راغب (حرب) وأدائها وتجربتها وإلتزامها الأخلاقي والوطني والسياسي ووصولا إلى مرحلة الإنتصار وأدائها الإنساني في مرحلة الإنتصار وتواضعها في مرحلة الإنتصار، نحن نفخر بهذا الإحترام الكبير ولكن لم نحاول أن نوظف هذا الإحترام في أي مكان من العالم العربي أو الإسلامي أو أي مكان آخر في العالم لنوجد امتدادات حزبية أو جسدية لتنظيم حزب الله في لبنان، علما أنّه عام 2000 كانت هناك أرضية خصبة لنفعل ذلك في داخل فلسطين أو أي مكان من العالم العربي والإسلامي حيث كان هناك علماء ومفكرون وأساتذة جامعات ورجال ونساء وشباب كلهم مستعدون ليكونوا امتدادا تنظيميا لحزب الله في لبنان، ولكن لم تكن هذه قناعتنا ولم تكن مسؤوليتنا.
حتى في سنوات المقاومة ويعد الإنتصار كان دائما يتصل بنا رجال وشبان من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي يريدون أن ينتظموا في صفوفنا وأن يأتوا إلى لبنان ليقاتلوا معنا أو أن يكونوا حيث هم جزء من تشكيلاتنا في دولهم وكنا نرفض ذلك ونقول لهم لدينا مقاتلون بعدد كبير وإذا كنتم تؤمنون بالمقاومة ادعموها معنويا وإذا كان لديكم مال فأرسلوه لأنّه يساعد في تقوية المقاومة وتمتين بعض المؤسسات ذات الطابع الإجتماعي والإنساني وكانت هذه قناعة حزب الله واستراتيجيته. ولذلك نفينا أنا وإخواني أن يكون أي تنظيم في أي مكان في العالم يحمل اسم حزب الله أن يكون امتدادا لحزب الله لبنان. نحن بكل تواضع نعرف حدودنا ومسؤولياتنا وإمكانياتنا جيدا ولا نتعدى هذه الحدود، نحن حركة إسلامية في لبنان نهضت بمشروع المقاومة إلى جانب مقاومين آخرين وقاتلت الإحتلال وأخذت على عاتقها مقاتلة الاحتلال ومواجهة المشروع الصهيوني في لبنان والمنطقة، وخارج هذه الحدود نحن لم نتحمل أي مسؤولية ولا نستطيع أن نتحمل أي مسؤولية لأنّ الله لا يكلف نفسا إلاّ وسعها. لذلك ليس لنا أي امتداد تنظيمي لا في فلسطين وليس هناك فصيل يتبع لحزب الله، ولا شبكات تنظيمية في فلسطين، وليس لدينا تنظيم ولا شبكات تنظيمية تتبع لنا في العراق ولا في أي مكان في العالم فضلا عن أن يكون لنا فرع خارجي. بعض الصحافيين أو الباحثين الأمريكيين الذين التقوا معي، قلت لهم اسألوا المسؤولين الأمريكيين في الإدارة الأمريكية هذا الفرع الخارجي إلى عمره 20 عاما إلى متى نخبأه ولماذا لم يبين إلى الآن؟...
لقد عمل الصهاينة بقوة وتركيز بمحاولة إقناع العالم بأن لحزب الهل امتدادات خارجية تعمل خارج دائرة المقاومة للأرض المحتلة في لبنان وبالتالي حزب الله هو تنظيم إرهابي ومنظمة إرهابية، وبالفعل استطاعوا أن يقنعوا بعض الدول مثل كندا واستراليا ومؤخرا هولندا، وهناك عدد من الدول الأوروبية لم تقتنع حتّى الآن. مؤخرا في الأسابيع الماضية جاء الصهاينة ليعملوا على القضية الفلسطينية وأن يصوروا أنّ المشكلة الفلسطينية هي في حزب الله، يعني أنّه ليس هناك مشكلة الأرض الفلسطينية وليس هناك مشكلة 8000 معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وليس عندهم مشكلة تدمير المنازل والمزروعات وقتل الفلسطينيين صباح مساء، ولا بالمقابل يعترفون بوجود مقاومة فلسطينية حقيقية جدية وهي موجودة بالفعل، وأصبحت كل المشكلة التي يسلط الإسرائيليون الأضواء عليها في إعلامهم وزياراتهم إلى العالم ويطلبون تدخل دولي وأوروبي وعربي لدى حزب الله، لماذا، لأنّ حزب الله يريد تخريب الهدنة في فلسطين أو يضرب الهدوء أو يفشل مساعي السلم في فلسطين.
وركز الصهاينة على أمرين، الأول : الإتهام بأنّ حزب الله يخطط لقتل أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية المنتخبة وأشاعوا هذا في كل مكان من العالم ووصل الأمر أن بعض وسائل الإعلام تقول أن أبو مازن شخصيا قلق من هذه الزاوية وأخبر ضيوفه بذلك وأنا أشك بهذه المعلومات ولا أعتقد أنّها صحيحة، ولكن الإسرائيليون عملوا على ذلك وحتى قبل يومين عندما ذهب (سلفان) شالوم إلى باريس كان يريد أن يقنع الفرنسيين بأنّ عامود خيمة التسوية والحل السلمي في فلسطين هو أبو مازن وحزب الله يريد قتله. طبعا هذا كذب وافتراء وعدوان ودجل وكلام لا أساس له من الصحة ولا يجوز أن ينطلي على أحد في فلسطين لا على أبو مازن ولا على أحد من السلطة الفلسطينية ولا على أي عاقل في العالم. وطبعا أنا أرسلت من خلال أصدقاء مشتركين أنّ هؤلاء يريدون إيقاع الفتنة بين حزب الله والفلسطينيين من خلال هذه الكلام، وأقول أكثر من ذلك : إذا أصر الإسرائيليون على توجيه هذا الإتهام فأنا أخاف على أبو مازن من الإسرائيليين أنفسهم وبالتالي عليهم أن يحذروا هناك حيث يأتي الغدر والخداع والشر.
الأمر الآخر أنّ حزب الله يحاول إقناع حماس والجهاد ووشهداء الأقصى وبقية الفصائل أن لا تلتزم بمساعي التهدئة القائمة وهذا أمر ليس صحيحا، وأعيد على مسامعكم ما قلته قبل سنة ونصف في بلدة جبشيت في آخر ذكرى سنوية أقمناها هناك لاختطاف سماحة الشيخ عبد الكريم عبيد، وكان هناك هدنة في فلسطين المحتلة لمدة شهرين وكان هناك أيضا بلبلة في الشارع العراق حول الخيارات المطروحة لمواجهة الإحتلال. وأعيد للتذكير والتأكيد : سياستنا في فلسطين أننا لسنا بديلا عن الحركات والفصائل الفلسطينية، ولسنا بديلا عن الشعب الفلسطيني ولسنا أمامهم ولسنا في عرضهم نحن وراءهم. الشعب الفلسطيني هو الذي يقاتل ويقاوم ويقرر ويضحي ولديه قيادات إسلامية ووطنية شجاعة وحكيمة وصادقة ومسؤولة ونحن نعرفهم ونشهد لهم بذلك وهم الموجودون في الميدان، وهم المصممون على تحرير أرضهم ولهم كامل الحق كما كان لنا الحق أن نقبل بشكل أو بآخر باتفاق تموز عام 93 لأننا وجدنا مصلحة لمشروع المقاومة واستراتيجيتها، وكما كان لنا الحق على أن نقبل ونوافق على تفاهم نيسان عام 96 لأننا كنا نرى فيه مصلحة واستراتيجية للمقاومة فمن حق الفصائل الفلسطينية والجهاد وحماس وشهداء الأقصى أن يتخذوا الموقف الذي يرونه مناسبا من تصعيد أو تهدئة أو إعطاء فرصة لأبي مازن أو للسلطة أو للمفاوضات أو يفرضوا بعض الشروط فهذا شأنهم، ونحن لسنا فقط على الحياد في هذه المسألة، نحن ندعمهم فيما يقررونه هم (...). الذي يقرر في الساحة الفلسطينية هم الفلسطينيون أنفسهم وإذا ما قرروا التهدئة نحن معهم وإذا قرروا أن يقاوموا وأن يصعدوا فهذا شأنهم ونحن معهم، نحن مسؤوليتنا ـ وليس فقط في حزب الله بل الأمّة كلها والعرب والمسلمون والأحرار في العالم ـ مسؤوليتنا أن ندعم هذا الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه المشروعة لكن ليست مسؤوليتنا على الإطلاق أن نقرر بالنيابة عنهم. هذه سياساتنا الحقيقية ونحن في هذا لا نجامل ولا نقول شيئا ونفعل شيئا آخر.
اليوم حتّى الإسرائيليون، لم يستطيعوا أن يثبتوا شيئا من هذا بل بالعكس، من الذي نقض التهدئة في فلسطين هل هي حماسي أو الجهاد الإسلامي أو كتائب شهداء الأقصى أو فصائل المقاومة الفلسطينية أو حزب الله حيث أرسل مقاتلين إلى داخل فلسطين المحتلة ونقض الهدنة أو التهدئة ؟! الذي فعل ذلك هم الإسرائيليون أنفسهم في أكثر من مرة حتّى الآن واستشهد بسبب اعتداءاتهم عدد من الفلسطينيين المظلومين. و "بعد ناقص شغلي أن يقولو إنّو حزب الله مخترق الجيش الإسرائيلي والخروقات الأمنية تبع حزب الله بالجيش الإسرائيلي قوّست على الفلسطينيين وقتلتهم لحتى يخربو التهدئة بفلسطين".
في الموضوع العراقي نفس الأمر، بعض أصدقاء أمريكا وأصدقاء إسرائيل في العراق أصبحوا على نفس الموجة والنغمة وفي مؤتمر يجتمع فيه أكثر من 50 دولة ومؤسسات عربية ودولية وإسلامية يقف أحد المسؤولين العراقيين ليقول أن حزب الله متورط في أعمال العنف في العراق ما هي أعمال العنف : إذا كان يقصد قتال المحتلين فهذا شرف لا ندعيه، وإذا كان يقصد قتل الناس والمدنيين فهذه جرائم ندينها ونبرأ إلى الله منها. ولكن هو قال إنّ حزب الله متورط في أعمال العنف في العراق والدليل العظيم لديه أن هناك 18 شاب لبناني من حزب الله معتقلين في العراق، حسنا أين هم هؤلاء؟(...). وقد تبين بعد ذلك أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة ، لكن هذا لم يكن صدفة ولم يكن بلا عمد أو قصد وإنّما هو جزء من الحملة : هناك عنف في العراق إذا حزب الله موجود في العراق ، هناك عنف في فلسطين إذا حزب الله موجود في فلسطين، هناك عنف في أي مكان من العالم إذا حزب الله موجود، هناك أمر ونحمد الله أنّه لم نحمل مسؤوليته وهو الـ "تسونامي".
الشعب العراقي شعب حي وعظيم وكبير وفي العراق مرجعيات دينية وقيادات إسلامية ووطنية كالشيعة والسنة والأكراد والتركمان ومختلف العرقيات والديانات، وشخصيا نعرف الكثير من هؤلاء ونثق بعقلهم وحكمتهم وإخلاصهم وهؤلاء قد تكون لهم خيارات، متفقون على لزوم التخلص من الإحتلال للعراق وقد يختلفوا في تحديد الوسائل فالبعض يختار الوسيلة السياسية والبعض يختار الوسيلة العسكرية ونحن لا نتدخل في خياراتهم، هذا الكلام أزعج البعض. وبطبيعة الحال في الموضوع العراقي هناك فتنة كبيرة، حتى بعض إخواننا في العراق يعتبون علينا وعلى خطابنا السياسي لأنهم يريدون أن يكون خطابنا مطابقا لخطابهم أو يكون مؤيدا لخياراتهم، نحن نقول هناك أكثر من خطاب في العراق وأكثر من خيار ونحترم كل الخطابات وكل الخيارات ونثق أنّ كل القوى الحية في الشعب العراقي مصممة وصادقة وعازمة على تحرير العراق ولكن كل له أسلوبه وكل له طريقته ونحن لا نريد أن نتدخل لا في الأسلوب ولا في الطريقة وأهل البلد هم أدرى بما فيه لكن نحن نتضامن معهم في مواجهة الإحتلال ونتمنّى لهم الخير والهداية والخلاص من الإحتلال.
هذا هو موقعنا بكل بساطة الذي نقول فيه أنّ حزب الله ليس بديلا عن أحد في هذه الأمّة، ليس حزبا بديلا عن أي حزب ليس فقط في الأمّة حتّى في لبنان نحن لسنا بديلا عن أي حزب أو عن أي تنظيم أو عن أي جماعة ولم نطرح أنفسنا في أي يوم من الأيام على مستوى الأمة حزبا قائدا، للأمة قيادة ولكن في مكان آخر، ليس حزب الله هو الحزب القائد للأمّة حتّى نطلب منه أن يكون في كل مكان وأن يقول كل شيء وأن يتحمل مسؤولية كل مكان. نحن متواجدون في الساحة اللبنانية وهذه هي أرضنا وهذا هو بلدنا نعمل في دائرته ونحمل هموم أمّتنا ونحاول أن نكون إلى جانب أمتنا بما نطيق وبما نستطيع ولكن دون أن نصبح بديلا عن أحد.
لقد حاول الصهاينة في هذا المجال ـ وطبعا لم يستطيعوا تقديم أي أدلة ـ إلصاق تفجير الخبر في السعودية جاؤوا باسم أول لا ثاني له، أريد أن أقول لكم : في الأيام الآتية ستسمعون الكثير من الصهاينة وستسمعون كل اتهام، حتى لو قتل أحد منا أو استشهد سيقولون أنّ هناك صراعات داخلية في حزب الله، سيلصقون بنا كل تهمة كما فعلوا في 11 أيلول وفي كل مناسبة. لذلك علينا أن نكون حذرين ولا يجوز أن نضلل. والأهم والأخطر الداخل اللبناني، الإسرائيليون يستفيدون من مناخ الإنقسام الموجود في البلد، بل المستفيد الأول من أي انقسام وفتنة وضياع للبلد هو إسرائيل وهذا لا يجوز أ يغيب عن أحد .
في هذه الأيام العصيبة والصعبة التي افتقدنا فيها الرئيس الشهيد رفيق الحريري وجمعا من المواطنين لا شك أنّ القلوب ملتهبة والعقول ملتهبة وكما قلت في تلك الليلة، يجب أن نحذر، كل كلمة وكل اتهام وكل موقف وكل إثارة قد تكون لها نتائج خطيرة. في هكذا محنة يجب أن يتحلّى الجميع بالصبر والتريث والهدوء والوعي والحكمة والتعقل حتّى لا نقع في أي فخ، البعض تقودهم تحليلاتهم في اتجاه والبعض تقودهم تحليلاتهم في اتجاه آخر، قد يكون ما حصل قبل أيام فخا كبيرا نصب للبنان وللشعب اللبناني ولسوريا ونصب للأمّة، من يستطيع أن يجزم ويقول الأمر ليس كذلك. كل الإحتمالات قائمة ومفتوحة، يجب أن نبحث ويجب أن نتروّى. في كل الأحوال الإسرائيليون يستفيدون بقوة من هذا المناخ ولذلك هم يتحركون أوروبيا ودوليا ليقولوا أنّ المقاومة أيضا يوجد حولها انقسام ويوجد انقسام حول سلاحها وهنا تأتي المسؤولية الوطنية الكبرى التي تقتضي حماية المقاومة.
لقاء عين التينة يرى في المقاومة ضمانة وطنية، وبالحد الأدنى بعض الأقطاب في لقاء البريستول يتحدثون عن حماية المقاومة، جيد. المسألة الرئيسية التي يجب أن تكون واضحة ومفهومة ماذا يعني حماية المقاومة وكيف نحمي المقاومة، هل المقصود حماية الأشخاص، أي نحن نحميك ولا نسلمك للمحاكمة ولا نسمح لأحد بقتلك ولا نرفع الغطاء عنك وتبقى في البلد وتمارس العمل السياسي. هل المقصود بحماية المقاومة أن نأتي لشباب المقاومة أو لحزب المقاومة ونحميهم بمعنى أن لا يتعرض لهم كأشخاص، أمّا المقاومة كمقاومة، تشكيلاتها ومجاهدوها وقدراتها وسلاحها وإمكاناتها، الموجودة في الجنوب والموجودة في لبنان والتي تقف في وجه العدوان هذه هي التي يجب أن تلغى وتشطب وهل هذا المقصد من حماية المقاومة.
بتعبير آخر المقصود بحماية المقاومة أن نلغي المقاومة ونحافظ على من كانوا مقاومين كأشخاص، أو المقصود حماية وجود المقاومة ووظيفتها ودورها ووظيفتها. استراتيجية المقاومة في لبنان تلتقي مع استراتيجية الدولة : لا تريد جر البلد إلى حرب إقليمية، لا تريد فرض خيارات على البلد لا يحملها البلد ولا يطيقها، تمارس مسؤوليتها بهدوء وحكمة وبانتخاب دقيق للزمان والمكان وتحمي البلد في إطار توازن ردعي، لا تمارس أي سلطة في الداخل وأي أمن في الداخل وقد قلت لكل من زارني اذهبوا وتجولوا في الجنوب لن تجد بندقية ولا مسدس ولا جهاز لاسلكي ولا أي مظهر عسكري. المقاومة لا تمارس سلطة ولا حركة استعراض مسلح ولا تتدخل في شؤون الآخرين ولا تعتدي على الآخرين وليست سببا لأي توتر داخلي وهذا واضح.
وبالتالي هل حماية المقاومة أن نحميها في إطار هذه الإستراتيجية أم في تسريحها؟ وطبعا نحن نطلب من الوطن أن يحمي المقاومة بالمعنى الثاني ليس من أجل سواد عيوننا بل من أجل أن تحمي المقاومة الوطن إلى جانب الجيش والشعب، ونحن لا نبحث عن أمن شخصي (...). بالعكس كل منّا يعيش ساعات أيامه ولياليه وأغلى أمانيه أن يقتل في سبيل الله عز وجل وأشرف القتل أن يقتل الإنسان، وكما قال الإمام القائد السيد الخامنئي دام ظله عند استشهاد السيد عباس ـ قال: هنيئا للسيد عباس. إنّ أشرف الموت هو القتل وأشرف القتل وأعظم الشهادة هو أن يقتل الإنسان في سبيل الله على يدي أعداء الله قتلة الأنبياء. أن يقتلوا أي واحد منّا فهذا شرف ووسام عظيم نعتز به. نحن لسنا قلقين لا على حياتنا الشخصية ولا على بيوتنا ولا على عائلاتنا نحن قلقون على بلدنا وعلى وطننا وشعبنا وأمّتنا. ومن هذا الموقع نناقش هذا الخيار.
في ذكرى سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي وذكرى الشهيدة وذكرى الشهيدة العزيزة أم ياسر وفي ذكرى الشهيد العزيز حسين وفي ذكرى الشهيد العزيز الشيخ راغب حرب أعلن وفي أيام عاشوراء إذا كان لبنان والأمة والعزة والكرامة والحرية والأمن والإستقرار يتطلب مني أو من أي أخ من إخواني أن يقدموا دماءهم وأرواحهم شهداء فنحن جاهزون لذلك، رجالنا جاهزون للشهادة وقدوتهم السيد عباس والشيخ راغب ونساؤنا جاهزون للشهادة وقدوتهم الشهيدة أم ياسر وأبناؤنا وحتى الأطفال مستعدون للشهادة وقدوتهم حسين عباس الموسوي وهذه هي عائلتنا وهذه هي بيئتنا وهذه هي ثقافتنا.
في الذكرى السنوية الثالثة عشر لسيد شهداء مقاومتنا السيد القائد عباس الموسوي وذكرى شيخ الشهداء وفي أجواء الدماء الذكية لشهداء كربلاء نقف اليوم لنجسد عهدنا والميثاق أن نواصل هذا الطريق، طريق الجهاد والمقاومة والدفاع عن الوطن والأمّة والكرامة والحرية والعرض والدم ومستقبل الأولاد والأحفاد دون أي تردد أو خوف أو وجل، لا ترهبنا كل هذه الطبول التي تقرع في كل عواصم العالم، منذ البداية كنّأ في هذا الجو وما زلنا ف يهذا الجو، واليوم نحن مسؤولون أكثر من أي يوم مضى لتنفيذ وصية الشهيد عباس الموسوي، في الأعوام الماضية كنتم أوفياء في تنفيذ الوصية، المجاهدون في ساحات الجهاد والداعمون في ساحات الدعم المختلفة، العائلات التي قدمت شهداء وجرحى، الأسرى الذين عانوا ولا زال بعضهم يعاني، ولكن هذه السنة نظرا للظروف المسؤولية أكبر.
ليكن موسمنا هذا موسم حماية المقاومة وحماية الوطن والمقاومة التي تحمي الوطن، لذلك في اليوم العاشر بالرغم من الظروف الأليمة التي تحيط بالبلد، قررنا في بعض الأماكن في بيروت الغربية قررنا أن يُكتفَ بالمجالس هناك والإخوة والأخوات يمكنهم أن يأتوا بعد المجالس للمشاركة في الضاحية. أمّا في الضاحية الجنوبية وفي بقية المناطق كما في الأعوام الماضية سوف تنطلق مسيرات يوم العاشر كما في كل عام وسوف نخرج جميعا إلى الشوارع المحددة لنسمع صوتنا للعالم.
هناك في واشطنن وفي تل أبيب وفي أماكن مختلفة من العالم من يظن بأننا خائفون أو بأن تهويلهم وتهديدهم وإرهابهم قد أصاب قلوبنا ونفوسنا، في اليوم العاشر سوف نخرج كبارا وصغارا رجالا ونساءا وجميعنا سوف ننزل إلى الشارع لنسمع العالم صوتنا كما في كل عام ولنسمع سيد شهدائنا السيد عباس صوتنا بأننا ما زلنا نحفظ الوصية بالصوت وبالحضور الميداني بالشارع وبالمظاهرة وبالبندقية والدم والمال والنفس والولد. كما في كل عام سيرتفع صوتنا يوم العاشر مدويا بالعبارة التي تلخص كل جهاد وصبر وعزم ودماء وتضحيات وإرادة وحب وأمل :" لبيك يا حسين".
يجب أن نخرج يوم العاشر لنقول للعالم كله : نحن أقوى من الخوف وأقوى من الموت وأقوى من الإرهاب والتهديد والفتنة، نحن أقوى من الفتنة التي يريدون إشعالها في لبنان، هذه الفتنة سنواجهها بوعينا وصبرنا كلبنانيين جميعا بالحكمة وبالدموع وحتّى لو احتاجت إلى تضحيات دماء، هذا موعدنا يوم العاشر مع كل القيم التي كنّا أوفيان لها وسنبقى أوفياء لها.