
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في مراسم استقبال حاشدة لجثامين شهداء مواجهة الغجر البطولية في مجمع سيد الشهداء (عليه السلام) ـ الرويس في الضاحية الجنوبية 25-11-2005
أقام حزب الله مراسم استقبال حاشدة لجثامين شهداء مواجهة الغجر البطولية في مجمع سيد الشهداء (عليه السلام) ـ الرويس في الضاحية الجنوبية بحضور عشرات الآلاف من المواطنين وذوي الشهداء والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وممثل رئيس الجمهورية الوزير يعقوب الصراف وممثل رئيس الوزراء وزير الداخلية حسن السبع والوزيرين محمد فنيش وطراد حمادة ونواب كتلة الوفاء للمقاومة وممثيلي قادة الاجهزة الامنية والعسكرية، وفد تجمع العلماء المسلمين برئاسة القاضي احمد الزين وعدد من العلماء الأفاضل ورؤساء البلديات والمخاتير والفعاليات الاجتماعية . وجرت هذه المراسم بعد أن تسلم حزب الله بحضور مسؤول منطقة الجنوب فضيلة الشيخ نبيل قاووق وممثلي قوات الطوارئ الدولية والصليب الأحمر الدولي جثامين الشهداء الثلاثة عند بوابة راس الناقورة حيث سار الموكب بعد تأدية المراسم العسكرية باتجاه الضاحية الجنوبية في بيروت، وألقى السيد نصر الله كلمة بالمناسبة جاء فيها :
مجدداً نلتقي في أعراس الشهادة وأمام أجساد الشهداء وهذا مشهد مألوف في مسيرتنا ومقاومتنا وبلدنا في لبنان كما هو مألوف في فلسطين , هذين البلدين اللذين يخوضان مواجهات على مرّ الايام مع العدو الصهيوني. بكل بساطة يمكننا أن نستعيد الكلمات والمشاعر والعواطف التي نعبر عنها وتختلج في نفوسنا وقلوبنا عندما نكون في محضر الشهداء الذين هم الوجه الطبيعي في مسيرتنا وليسوا أمراً استثناءً أو حدثاً عابراً, هم جزء من ثقافتنا وعقيدتنا وماهيتنا وجوهر وجودنا وحقيقة مسيرتنا, وكذلك عوائل الشهداء الذين أتوجه اليهم بالتبريك كما هي العادة لان أبناءهم كانوا لائقين بالحصول على هذا الوسام الالهي الرفيع وكان لأولادهم شرف هذا الاختيار الالهي لهم ليكونوا شهداء. أقدم التبريك وأقدم التعزية على فراق أحبة، ولعوائل الشهداء أقدم الشكر وهم الذين عبروا خلال الايام الماضية منذ اطلاعهم على استشهاد أبنائهم وأعزائهم عن الاصالة والايمان والجوهر الذي يحملونه ويحمله هذا الشعب عندما تحدثوا عن اعتزازهم بالشهداء, عن التزامهم بخط الشهداء وايمانهم بقضية الشهداء وعن إصرارهم على مواصلة الطريق. نحن أقل من أن نتحدث عن الشهداء ومقامهم, الشهادة في ثقافتنا وفكرنا هي بوابة العبور من الحياة المزيفة إلى الحياة الحقيقية, العاقل هو الذي يعبر هذا الباب والواعي والعاشق هو الذي يعبر هذا الباب وقد عبره شهداء هذا اليوم كما الشهداء الماضين, عبروه بالعقل الذي يعرف الحقائق وبالوعي الذي يعرف الزمان والمكان والعدو والصديق والهدف والطريق وبالعشق لأن الانسان يعشق الخلود والنعيم والسلام والكرامة والمقام الرفيع وجوار الله, وشهداؤنا من هذا النوع, فعندما يمشون ويقاتلون ويستشهدون هم تجسيد للعقل والوعي والعشق.
أيها الإخوة والأخوات, لا بد من الحديث عن المواجهة الأخيرة وما سبقها وما لحق بها لتتضح صورة الموقف ونحن كنا وما زلنا أمام حادث هو مفصل, مواجهة يوم الاثنين ليست مواجهة عابرة, لا بأسبابها ولا بطبيعتها ولا بتداعياتها. الإسرائيليون منذ أشهر عدة لديهم قراءة للواقع في لبنان وعلى ضوئها يتصرفون, وإذا أردنا معرفة الفهم الاسرائيلي علينا متابعة التصريحات والافعال الاسرائيلية في الجنوب, في الاقوال ـ وحزب الله يدّعي أن لديه اختصاص في قراءة وفهم الاسرائيلي وسابقاً قلت في أكثر من مناسبة علنية أنه يمكن أن يكون هناك من يفهم في الاقتصاد والسياسة لكن في الموضوع الاسرائيلي عندنا تخصص. الناس ممن لا يواكبون ما يصّرح به الاسرائيلي والذين لا يواكبون لأن الاسرائيلي لا يعني لهم شيئاً وكأن لبنان بمعزل عن الاسرائيلي, قد يقرأون ما تقوله صحيفة تشرين والبعث، و ما تقوله صحيفة هآرتس ويديعوت أحرونوت ومعاريف هو آخر ما قد يسمعونه بالصدفة ـ
أما نحن فنتابع ما يقوله الاسرائيلي وما يفعله على الارض من خلال التصريحات والمقالات ونحن لا نتجنّى عليهم, فالاسرائيلي القراءة التالية : لبنان تغير, سوريا خرجت من لبنان, وبالتالي فان خروج القوات السورية من لبنان بحسب الفهم الاسرائيلي أضعف المقاومة وإرادتها وأصبح ظهرها خالياً, ويكمل الاسرئيلي ليقول : هناك وضع داخلي صعب: انقسامات في الساحة اللبنانية وخلافات في الرأي حول مسألة المقاومة وسلاحها وما يرتبط بهذا الشأن وهناك انقسامات حاّدة خلافاً لما كانت عليه الاوضاع قبل العام 2000... إذن هذا تطور مبشر للاسرائيلي.
ثالثاً: وفي ظل مستوى الضغوط الدولية على لبنان حكومة وشعبا وعلى المقاومة وحزب الله، وهي ضغوط لم يسبق لها من مثيل طوال كل السنوات الماضية، اعتبر العدو الاسرائيلي أن حزب الله بالتحديد بالاسم والمقاومة في نهاية المطاف هي في ظرف صعب جداً وظرف داخلي واقليمي ودولي صعب, وبالتأكيد المقاومة بشر يقرأون السياسة وعندهم مشاعر وعواطف ومخاوف وهم اليوم في حالة وهن وضعف وتراجع روحي ومعنوي ونفسي وقد كتبوا عن الاوضاع النفسية للمقاومة (...).
يمكن لهذه المواضيع أن يكون كثير من اللبنانيين غير متابعين لهذا التحليل الذي ساعد عليه هدوءنا حيث أننا منذ ستة أشهر هادئين : لا جديد في مزارع شبعا ولا شيء على الحدود والطائرات الإسرائيلي "رايحة جايي" وبالتالي قرأ الإسرائيلي هدوءنا وعدم قيامنا بأي ردود أفعال على تجاوزاتها وأفعاله خطأ، وضم هذه القراءة إلى تحليله السياسي حول الوضع الداخلي والإقليمي والداخلي فاستنتج معه أنّها اللحظة المناسبة والظرف المناسب للإقتحام على لبنان من أجل تغيير قواعد المعركة ومن أجل تغيير قواعد اللعبة. هناك قواعد للقتال والمواجهة كانت قائمة قبل الإنسحاب عام 2000 وهناك قواعد تكرست بعد الإنسحاب عام 2000، مِنْ مثل أنّ منطقة مزارع شبعا منطقة عمليات تنفيذ فيها عمليات بين الآونة والأخرى وأي خرق بري حدودي يواجه وأي خرق بحري يواجه، وفي الجو لا عمل لنا بالطائرات الحربية العالية وهم "رايحين جايين"، لكن المروحي منذ عام 2000 يتجنب الدخول إلى الأراضي اللبنانية وخصوصا إلى عمقها، كما أنّ الزوارق البحرية أقصى ما يمكن أن تتقدمه إلى تصل إلى الناقورة وتعود أدراجها، لكن لم يكن يحصل أنّ تدخل هذه الزوارق إلى عمق المياه الإقليمية بمقابلة السواحل من الـ 24 أيار عام 2000.
لقد كنّا هادئين لأن هناك وضعا في البلد وهناك نقاشا وجدالا، لكن أقول لكم في الشهر الماضي تحديدا منذ اختطاف الصياد محمد فران في صور تعمدنا أن نكون هادئين، وقرأ الإسرائيلي هذه الحركة الميدانية وضمها إلى تحليله السياسي ووصل إلى قناعة أنّ هذا هو الظرف المناسب للهجوم وهنا يبدأ الأداء الجديد : إذا خطف صياد لا مشكلة ولا يرده ...
وبالمناسبة قارب الصياد فران ردّته قوات الطواريء من الإسرائيليين ووسلمته لجيش اللبناني وعليه آثار رصاص ودماء وفحص الدم أثبت أنّه يعود للصياد وليس لأمر آخر، وهذا الصياد مع الإسرائيليين منذ أكثر من شهر؟ وطبعا بعدها صدر موقف رسمي جيد. أسأل لو أنّ المظلي "المدني الهاوي" الذي نزل في لبنان أخذه الشباب، هل تبقى دولة في العالم لم تتدخل لإطلاق سراحه؟ هل أن شارون لن يتدخل ويهدد بتدمير لبنان إذا لم يعود المظلي بظرف زمني محدد، ما الفرق بين هذا "المظلي الهاوي الذي كان يشم الهوا" وبين الصياد الذي يعمل لإعالة عائلته؟ الفرق أنّ هذا لبناني يعني ليس من جنس البشر وذاك إسرائيلي من شعب الله المختار، وهذا اللبناني هو الضحية الذي لا يسأل عنه أحد في العالم وهذا الإسرائيلي الذي يسعى العالم كله لكسب رضاه، هذا هو الفرق...
هذا موضوع الصياد، تكثفت الخروقات الجوية والمائية، يوم العيد (عيد الفطر) قصفوا مئة قذيفة في محيط قرى وبلدات شبعا وكانوا يتوقعون أن نرد عليهم ولم نرد ورأينا أن يُعَيِّد الناس في العيد، وَلِنَرَى المجتمع الدولي ماذا يقول في الأمر: سلاح المقاومة محيّد، الصياد خُطِف ويوم العيد تُقْصَف الأراضي اللبنانية خارج الخط الأزرق، الخروقات الإسرائيلية استمرت، قصف في محيط الناقورة... ولكن الأخطر أن المروحيات الإسرائيلية تصل لأول مرة تصل إلى فوق الساحل ما بين صيدا وصور، وهذا يعني بدأ عمليات اغتيال جديدة, ولأول مرة القوارب الحربية الإسرائيلية تصل إلى قبالة عدلون وعلى مقربة من الساحل... هذه الخروقات المجتمع الدولي لم يرها، كل الخروقات الإسرائيلية لا يراها العالم، قتل أو خطف الصياد اللبناني لا يراه العالم وانتهاك سيادة لبنان لا يراه العالم. هذا الأمر بالنسبة لنا ليس جديدا... نذكر هذا الكلام للذين يتفاجأون ويحسنون الظن والذين لم يثبت لديهم بوضوح أن المجتمع الدولي غير عادل ونحن لا نريد أن نقاتله ولكن لا نريد أن نسلم بظلمه.
في كل الأحوال الذي حصل أنّ الإسرائيلي اعتبر أن هذه فرصة لتغيير كل شيء، وصلت الأمور إلى نقطة أنّ الإسرائيلي أعلن الاستنفار العام على الحدود في سلاح الجو والبحر، لماذا وما هي القصة، بالمقابل كان لدينا الجهوزية (...).
كان لا بد من هذه المواجهة ومن قسوتها وعنفها، لقد كان رد المقاومة الإسلامية قاسيا وعنيفا. وما شاهدتموه على شاشات التلفزة هو بعض هذا الرد وليس كله... لقد كانت هناك مواجهة وجها لوجه ومواجهة دامية، هؤلاء الشهداء سقطوا في الخطوط الأمامية بمواجهة أمتار مع جنود الإحتلال والهدف منها طبعا القيام بالواجب ومواجهة الخروقات والإعتداءات، ولكن هناك رسالة كان يجب أن تصل ووصلت، والرسالة تقول ـ وكثر من الناس فهموها ـ ما يلي يجب أن يفهم الإسرائيلي وكل العالم أنّ المقاومة الإسلامية في لبنان التي عرفتموها منذ عام 1982 وعرفتم إيمانها وصلابتها وشجاعتها وشهامتها وصلابتها وعزمها وتصميمها وقدرتها وقوتها وثباتها ودماء شهدائها وصلابة موقفها السياسي هذه المقاومة الإسلامية في لبنان قبل عام 2000 وبعده وقبل 11 أيلول وبعده وقبل غزو أفغانستان وبعده وقبل غزو العراق وبعده وقبل خروج القوات السورية وبعد خروجها وقبل القرار 1559 وبعده وقبل الإنقسامات الداخلية وبعدها، هذه المقاومة هي نفسها وهذا الحزب هو نفسه في شجاعته وصلابته وإرادته وعزمه على مواصلة الطريق وتحقيق الأهداف وحماية الوطن وخدمة القضية مهما كانت التضحيات.
لقد أثبتت الوقائع الميدانية في الأيام الماضية صدق هذه الرسالة وأثبت عوائل الشهداء من خلال تصريحاتهم ومواقفهم صدق هذه الرسالة، لم يتغير شيء ولم يتبدل، يجب أن يعرفوا أننا لم نضعف ولن نضعف ولم نهن ولن نهن ولم نخف ولن نخاف ولم نجبن ولن نجبن، وكل القراءة الإسرائيلية وهم بوهم وسراب في سراب، ألم يقولوا أنهم كانوا في أعلى درجة من الإستنفار على الحدود، لقد رأيتم آلياتهم في موقع العباسية كيف تصرف بها مجاهدو المقاومة الإسلامية وكأنهم في لعبة آتاري. الصحافة الإسرائيلية اليوم تتحدث عن أن القيادة الشمالية الإسرائيلية فقدت السيطرة مدة 45 دقيقة ولم يعرفوا ماذا يجري على الأرض.
هذه القراءات قراءات خاطئة. لا شك أنّ من عناصر القوة هذا التوحد والتلاقي اللبناني السوري وأنّ الأجواء التي حصلت في لبنان على مستوى هذه القضية تركت آثارا سلبية على الوضع العام ، ومما لا شك فيه أن ّالإجماع الوطني عنصر قوة، ولكن أذكر الإسرائيليين الذين يقرأون خطأً أنّ المقاومة كانت قوية وفاعلة وشديدة حتى في ظل النقاش والجدال (...). أذكّر الإسرائيلي أنّ المقاومة كانت فعالة وقوية وقاسية ليس في ظل انقسام داخلي بل في ظل حرب أهلية داخلية ولم يَفُتْ هذا في عضد المقاومة، وأذكره أنه عندما اضطر للإنسحاب في العام 82 وعام 85 من البقاع الغربي ومن الجبل وضواحي بيروت وبيروت وصيدا وصور بفعل ضربات المقاومة في ذلك الحين كان لبنان يشهد حربا أهلية وليس سجالا داخليا.
النقطة الأخرى ، قيل اليوم في بعض الوقائع، والإسرائيلي يتحدث كل يوم أن المقاومة تريد أسر جنودا إسرائيليين وكأنّ هذا جريمة، كلا هذا ليس جريمة ومن الآن لنكن واضحين، إذا في لبنان أحدا رأيه أنّ أسر جندي إسرائيلي جريمة أو عمل إرهابي فلنأخذ علما، وأتحدث أنا عن لبنان الذي يهمني أمّا المجتمع الدولي ومجلس الأمن فأنا آيس منه منذ زمن. أنا لا أنتظر المجتمع الدولي الذي لم يعمل للبنان شيء لا في العام 1982 ولا في العام 1985 و في العام 1993 ولا في العام 1996 ولا في مجزرة قانا ولا في القرار 425 ولم يعد لنا الأسرى، لم يعمل لنا شيئا خصوصا في الموضوع الإسرائيلي. من حقنا الطبيعي أن نأسر جنودا إسرائيليين وأقول لكم أكثر: من واجبنا أن نفعل ذلك. كم مضى من القوت على عملية التبادل الأخيرة، قرابة سنتين، في حين بقية الأسرى ما تزال في السجون، الصياد فران من الذي يكشف مصيره ويرده؟ لنا سنتان من النقاش والمفاوضات في المرحلة الثانية ولا نتيجة، من يسأل عن أسرانا في العالم كله، التجربة مع الإسرائيلي تقول إذا أردت استعادة الأسرى والمعتقلين ووتكشف مصير المفقودين عليك أن تأسر جنودا إسرائيليين. هذا ليس عيبا ولا عملا إرهابيا ولا جريمة وهذا واجبنا وحقنا ويمكن لنا أن نعمله في يوم من الأيام ، إلاّ إذا المجتمع الدولي ومجلس الأمن والمهتمين في لبنان في المرحلة الحالية يعالجون هذا الأمر بالوسائل السلمية، لنا أسرى ومفقودين وأجساد الشهداء، والآن الشهداء الثلاثة تمكنا نحن والحكومة اللبنانية معا من جلبهم لأن هناك ظرفا خاصا واتصالات وبنفس الوقت هناك تهديد، وأيضا الظرف الدولي ساعدنا حيث أنّه لا يريد مشكلا، عظيم، لا تريدون مشكلا اجلبوا الشهداء.لكن بالنسبة لبقية الأسرى وعشرات جثث الشهداء ومئات المفقودين على الحواجز الإسرائيلية عام 1982 نريد كشف مصيرهم والمساعدة في ذلك.
في المناخ السياسي الذي صاحب المواجهات الأخيرة وما بعدها، كان هناك اتصال وتنسيق وجدية وتعاطٍ مسؤول والبيان الرسمي الذي صدر عن مجلس الوزراء أمس يعبر عن موقف مسؤول وجيد ومتزن ومتناسبا مع الظرف القائم بمعزل عن رأي بعض الوزراء وهذا شأنهم، ، واجبي أن أقول هذا وهو من واجبنا، وكنّا دائما نقول منذ الـ 1992 عندما تعمل الحكومة صح نقول لها يعطيك العافية وعندما تغلط من واجبنا انتقادها، وأتمنى أن يفهم الشكر والنقد في هذه الخلفية وفي هذا السياق. ومن هنا أقول أنّ هناك مناخا سياسيا منذ فترة في البلد يحتاج إلى ضبط ومعالجة بمعنى : نحن في بلد حصل فيه زلزال وهناك لجنة تحقيق وكلنا يجب المساعدة في كشف الحقيقة وفي الأول قلنا أن عمل التحقيق يجب أن يكون في خدمة الحقيقة وأننا نرفض أي توظيف سياسي للتحقيق وأن لا ينعكس هذا على العلاقة بين لبنان وسوريا, كنا نقول واليوم أجدد القول يجب أن نساعد على استكمال التحقيق وهذا يستلزم أن نساعد سوريا لا أن نحشرها في الزاوية، عندما يقول السوريون أنهم حاضرون لإرسال الضباط إلى مكان آخر غير بيروت للتحقيق معهم لا يجب أن أرد عليهم وأقول : كلا لا نريدهم سوى في بيروت. هذا الأمر تمّ تجاوزه. في كل الأحوال هناك شروط قضائيّة وبروتوكول معين ونقاشات معينة يحتاجها السوري ليطمئن أنّ التحقيق هو تحقيق وليس عملية سياسية تستهدفه، فلنتعاون جميعا لبنانيين وسعوديين ومصريين وسودانيين وجامعة الدول العربي والمجتمع الدولي لنخرج من هذا المأزق القائم الذي هو للجميع وليس فقط لسوريا. بكل بساطة، هل نتصور نحن في لبنان أن الحصار والعقوبات على سوريا وإقفال الدنيا حولها لن يلحق الضرر بلبنان، أول بلد يتضرر من العقوبات هو سوريا وثاني بلد هو لبنان، هل نسعى لضرر بأنفسنا بأيدينا إذا كنّا نستطيع أن نخرج هذا الواقع من المأزق؟.
في الموضوعات الداخلية هناك مشاكل كثيرة بحاجة لعلاج ، يمكن تأجيل بعضها من مثل تأمين طرقات ومستشفيات ومدارس، لكن إذا هناك أناس يموتون من البرد ماذا نفعل؟ هل نطول بالنا، هناك أساتذة متعاقدين درّسوا طوال العام واستدانوا ليأكلوا ولحد الآن لم يقبضوا رواتبهم، هل هذا ينتظر التحقيق والمعالجة الإقتصادية للأزمة اللبنانية؟ هناك مناخ أنّه إذا أيدت أي مطلب حق فأنت تتحرك بخلفية سياسية وأن هناك أمر عمليات من دمشق. لنأخذ موضوع الأساتذة المتعاقدين، وزير التربية اللبناني موافق (على مطالب الأساتذة) ويقول أنهم محقين فهل إذا تضامنت معهم يكون عندي أمر عمليات من دمشق؟ هذا تفاهة وسخافة، فلنخرج من هذه اللعبة...
ذكرت ذلك لأصل إلى موضوع المقاومة واتهامنا بأنّ المواجهة حصلت بأمر عمليات من دمشق. كل من قال هذا الكلام يعرفون أنّ المقاومة في لبنان منذ العام 1982 وحتّى هذه اللحظة وفي المستقبل أمر عملياتها لا من دمشق ولا من طهران، مع اعتزازنا بعلاقتنا مع دمشق وطهران، إنّ أمر العمليات لا من دمشق ولا من طهران بل من بيروت ومن الجنوب ومن كل بيت فيه لبناني حر شريف حريص على رفض العدوان، لا داعي ربط أي أمر يحصل في البلد وتسييسه وربطه بسوريا، والدليل أنّه وفي موضوع المازوت لو كان الأمر إيجاد حجة كيفا كان لخربطة الوضع في البلد كنّا نقدر على القول أنذ تخفيض السعر ثلاثة آلاف ليرة غير كافٍ ونريد تنزيل السعر إلى إثني عشر ألفا وإلاّ نخرب البلد وهذا الأمر لم يحصل وبالعكس نوّهنا بموقف الحكومة...
اليوم يفرق عن 25 أيار عام 2000 ويومها خطبت في بنت جبيل ودعوت إلى التواضع وإلى تهدئة الأمور وقلت أن هذا الإنجاز إنجاز إلهي وعند نصر الله المطلوب أن نحمد الله وأن نستغفره، اليوم الظرف تغير وأنا لا أدعوكم إلى التواضع بل أدعوكم إلى الإباء والذي من مظاهر هذا الإباء ـ وبكل صراحة نحن نقبل النقاش والحوار في لبنان ونرفض الإتهام ـ أننا أشرف وأرفع وأرقى وأنقى وأصفى وأطهر وأخلص وأكبر من أن يجرؤ أحد على اتهامنا في خلفيتنا الوطنية. نحن كنا أصدقاء سوريا وما زلنا ونعتز بهذه الصداقة، منذ العام 1982 كنا أصدقاء سوريا وإلى اليوم لا نخفي هذه الصداقة ولم نخجل بها بل نؤمن بها وندعو كل اللبنانيين إلى توثيقها وتعزيزها وهذا مصلحة للبنان أولا.
نحن على رأس السطح أصدقاء وحلفاء طهران كما أصدقاء وحلفاء سوريا منذ العام 1982 إلى الـ 1985 إلى الـ 1990 إلى الـ 2000 إلى الـ 2005 "وما عنّا شي مخبّا"، نحن الجهة اللبنانية التي استطاعت أن تستفيد من سوريا لتحرير لبنان واستطاعت أن تستفيد من إيران لأجل تحرير لبنان، من يردي أن يتهمنا لن نتواضع له بعد اليوم، من يريد أن يناقشنا سنتواضع له ونقول له هذا حقك الطبيعي أن تخالفنا وتناقشنا وتحاورنا وأن يكون لك تقييمك المختلف، أما الذي يريد أن يتهمنا فنسأله أنت من؟ ما تاريخك قبل عام 1982 وما تاريخك بعده، أين كنت ومع مَن وحليف من كنت وفي أي موقع كنت، ماذا قدمت وضحيت لهذا البلد وما علاقتك بالسفارات وبالإسرائيلي وبالأمريكي وبالأجنبي؟. منطق الإتهام منطق مرفوض، نحن في لبنان ونحن نستقبل الشهداء : أقول لكم هؤلاء الشهداء من النبي شيث ويحمر وصور وزبقين والبرج الشمالي وكل قرية وبيت وبلدة وعائلة شريفة، هؤلاء قضوا نحبهم ولكن المنتظرين كثر وهم أنتم وإخوانكم وأخواتكم ورجالكم ونساؤكم، هؤلاء لن يقبلوا أن يبقى شبر واحد من أرضنا تحت الإحتلال ولن يقبلوا أن يبقى أسير أو معتقل أو مفقود في زنازين الإحتلال، لن يقبلوا بأي انتهاك لسيادة لبنان أو استضعاف للبنان من قبل إسرائيل، لن يقبلوا أن يتحول لبنان إلى لبنان إسرائيلي بدل لبنان العربي، هذه أحلامكم وهذه أمانيكم السرابية، هؤلاء سيمنعون ذلك ليس بالشعارات بل بدمائهم مع كل حرصهم في الداخل على الحوار والوحدة الوطنية وبناء الدولة والعيش المشترك والسلم الأهلي. هذا عهدنا لشهدائنا وعوائلهم وبلدنا وأمتنا وكل أصدقائنا وخصوصا في فلسطين الذين نشاركهم الدم والأسر والإعتقال والعذابات والتهديد ومواكب الشهداء.