
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في حوار شامل أجرته صحيفة الرأي العام الكويتية بتاريخ 27-8-2005
حاوره في بيروت جاسم بودي: وصف الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ما اشيع من ايحاءات عن ان تقرير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قد يتضمن اتهامات للحزب بـ «الكلام السخيف الذي لا يستحق التعليق»، وقال: «عندما يصدر التقرير نقرأه ونرى ما هي العناصر التي استند اليها ونعلن موقفنا».
وقال السيد نصرالله في حديث شامل الى صحيفة «الرأي العام» الكويتية «اذا كان ما سيصدر في تقرير (ديتلف) ميليس اتهامات تنطلق من اعتبارات سياسية فلا داعي للخوف لانه لن تكون له قيمة، اما اذا اعتمد على عناصر قضائية فمن الطبيعي ان تترتب عن اتهاماته اثار مهمة جداً على الوضعين اللبناني والاقليمي».
وقال عن المخاوف المتزايدة في انتظار تقرير ميليس «نحن لا نوافق على هذه الاجواء التي اشيعت في الاسابيع الماضية لانها اثرت سلباً على الحياة العامة ومسار البلاد والدولة وكأن البلد كله بات معلقاً بتقرير ميليس»، لافتاً الى ان «هناك مبالغات لاهداف سياسية وهناك جهات تقف وراء هذه المبالغات لاهداف معينة».
ورداً على سؤال عن موقف «حزب الله» اذا دان التحقيق الدولي مسؤولين في لبنان وسورية قال نصرالله «الدخول الى اجوبة على هذا النوع من الاسئلة الافتراضية هو مشاركة في اشاعة المناخ الذي لا نوافق على اشاعته, نفضل ان ننتظر نتائج التحقيق وحينئذ ندرس موقفنا بدقة ونتخذه ونعلنه».
واذ اشار الى ان «المعطيات الاكيدون منها عن جريمة اغتيال الرئيس الحريري والمتطابقة مع التحقيق اللبناني هي ان الانفجار وقع فوق الارض والمتفجرات كانت في شاحنة والعملية انتحارية نفذهها انتحاري وهناك من يتحدث عن انتحاريين»، قال: «ليس لدى الحزب معلومات عمن قتل الرئيس الحريري، ولو كانت لدينا مثل هذه المعلومات لقدمناها لعائلة الرئيس وللجنة التحقيق وللقضاء اللبناني بالدرجة الاولى ولاعلناها ايضاً».
وكشف عن انه لم يشعر خلال لقاءاته مع الرئيس الحريري قبيل اغتياله انه كان قلقاً، وقال نصرالله «عندما كنت احدثه عن تحركه الكثير وسفره الكثير كان يبدو مطمئناً بل كان يعتبر ان وضعي اخطر من وضعه ولذلك كانت اللقاءات تتم عندي (,,,)»، واشار الى انه «عندما وقعت جريمة اغتيال الرئيس الحريري حاول البعض في وسائل الاعلام وفي الاوساط الشعبية تحميل الشيعة مسؤولية قتل الرئيس الحريري، وفي ذلك المناخ السياسي والعاطفي والشعبي لو لم يتم تدارك هذه التهمة التي لا تستند الى اي اساس في المطلق لكانت كبرت كرة الثلج ولا نعلم الى اين كنا قد وصلنا (,,,) لكن بأداء حزب الله وعائلة الرئيس الحريري والقوى السياسية الاساسية تم تجاوز هذه المحنة».
واعتبر «ان سورية كانت المتضرر الاول من اغتيال الرئيس الحريري والمستفيد الاول كان اعداء لبنان الذين يريدون تطبيق القرار 1559 بأي ثمن»، موضحاً انه «اذا اردنا التحدث انطلاقاً من تحليل سياسي يمكن القول ان هناك من اعتبر انه يمكن ان يشكل الرئيس الحريري عقبة في مرحلة من المراحل نتيجة فهمه للوضع الداخلي ولالتزاماته الداخلية ولمجموعة صفات تتوافر فيه، فهو لم يكن يطالب بخروج القوات السورية من لبنان بل بانسحابها الى البقاع وتطبيق اتفاق الطائف (,,,)، وببقاء المقاومة ورفض التوطين وهذه العناوين مناقضة للقرار 1559 ومتعارضة معه».
وقال نصرالله: «الخشية الآن ان لدينا شيئاً من الفراغ الامني، فكك جزء من الاجهزة الامنية ولم تتم اعادة بنائها ولم يعد لها الهيبة المطلوبة نتيجة الاتهامات التي وجهت اليها, ليس لدينا سلطة امنية حقيقية يمكن ان تخيف العابثين بالامن والذين يريدون ان يذهبوا الى الفتنة»، معتبراً «ان البلد يعيش مرحلة قلق لأن اي مشكلة صغيرة قد تتطور وتصبح كبيرة، والذي يحمي البلد الآن هو الوعي السياسي بالدرجة الاولى وحال الطوارىء السياسية».
وعن بيان «القاعدة» الذي هدد بقتل تسع شخصيات شيعية لبنانية، قال: «ان هذا البيان ليس بيان قاعدة، لا اريد ان ابرئهم، لكن في تحليلي ان لغة البيان لا تتضمن ادبيات القاعدة او الاتجاه السلفي، انا اعتقد انه بيان مخابراتي»، كاشفاً انه «بعد ايام من هذا البيان وزع بيان آخر على الانترنت باسم كتائب الجهاد الشيعي وهدد بقتل عدد من الشخصيات السنية اللبنانية، ولم يتم تداوله لانه كان محدود جداً»، قائلاً: «من الواضح ان هناك من يلعب في الوسط»، ومشيراً الى «ان الكل في حذر، فنحن نخشى ان تتعرض شخصية شيعية او شخصية سنية للاغتيال ثم تأتي وسائل الاعلام لتثير البيانات والبيانات المضادة وتضع الشيعة في مواجهة السنة والسنة في مواجهة الشيعة في لبنان»، معرباً عن اقتناعه بأن اي عملية اغتيال قد تحصل يقف وراءها الاسرائيليون والاميركيون، معتبراً «ان الفرصة التاريخية للاسرائيليين هي احداث فتنة سنية ـ شيعية لضرب مشروع المقاومة في المنطقة، وخصوصاً في لبنان وفلسطين».
وعن الدور الذي يمكن ان يضطلع به «حزب الله» لترتيب العلاقة بين سورية والنائب وليد جنبلاط، قال: «كانت هناك مساع قديمة لكنها انتهت في اجواء التصعيد قبيل الانسحاب السوري وبعيده، حالياً ليست هناك مساعٍ من هذا النوع, واعتقد ان الامور بحاجة الى بعض الوقت, نحن بحاجة الى الهدوء اللبناني والسوري وفي العلاقة بين الطرفين، وبحاجة ايضاً الى ترتيب العلاقات الرسمية بين البلدين، فهذه الامور ستساعد في نهاية المطاف على اعادة وصل ما انقطع بين سورية وبعض القوى السياسية الاساسية, طبعاً انا سأكون جاهزاً في اي وقت لتقديم اي خدمة من هذا النوع اذا كنت قادراً عليها».
وعن علاقة «حزب الله» بالعماد ميشال عون التي بدت جيدة الى حد ما قبل اثارة العماد عون قضية الفارين الى اسرائيل، قال: «العماد عون قال ان «حزب الله» اراد ان يفتح مشكلة معه من خلال موضوع العملاء، وهذا غير صحيح, فـ «حزب الله» لم يكن يريد فتح مشكلة لا مع العماد عون ولا مع غير العماد عون، سياستنا دائماً كانت تجنب التجاذبات الداخلية والمشكلات الداخلية (,,,), وفي الحقيقة هو فتح مشكلة من خلال طريقة اثارة ملف العملاء وتوقيته (,,,), لا اعتقد ان احداً من التيار العوني اغتُصبت زوجته في معتقل الخيام، لا اعتقد ان احداً من التيار العوني عُذّب بالكهرباء وجُلد حتى تساقط جلد ظهره في معتقل الخيام، ولا اعتقد ان احداً من التيار العوني هدمت اسرائيل والعملاء من قوات لحد منزله في جنوب لبنان وطردت عائلته واباه العجوز ومات في طريق التشريد ,,, هذه الامور حصلت مع شريحة كبيرة من الشعب اللبناني ونحن جزء من هذه الشريحة (,,,)».
واضاف: «نحن حريصون على علاقة طيبة وجيدة مع العماد ميشال عون وتياره، ونعتقد ان هناك نقاطاً مهمة يمكن ان نلتقي عليها وهناك صفات مشتركة بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» يمكن ان تشكل قوة للمستقبل اللبناني، وحريصون على التلاقي (,,,)».
واذ نفى وجود اي اتصالات مباشرة او غير مباشرة مع الاميركيين، تحدث عن ان الاتصالات مع الاوروبيين قائمة، «يوجد تواصل قديم وطبيعي», وقال: «الاميركيون يعتبروننا منظمة ارهابية ونحن نعتبرهم ام الارهاب، الى ان تحل هذه المشكلة لكل ساعة فرجها»، معتبراً ان «مشكلة حزب الله عند الاميركيين انه يقاتل الاسرائيليين (,,,)».
وفي ما يأتي نص الحوار:
• يعيش لبنان اجواء قلق في انتظار تقرير لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري رغم محاولة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة التقليل من وطأة المخاوف ,,, هل ثمة مبالغة في حجم المخاوف من التقرير وتداعياته، بحسب قراءتكم للواقع؟
ـ مما لا شك فيه ان للتقرير تداعيات مهمة وكبيرة، لكن المخاوف المطروحة مرجعها احتمالات وتكهنات حول ما يمكن ان يصدر عن التقرير من اتهامات وما شابه, نحن نقول اذا كان ما سيصدر في التقرير هو اتهامات منطلقة من اعتبارات سياسية، فحينئذ لا داعي للخوف لان هذا التقرير لن تكون له قيمة، لانه يفترض ان يكون تحقيقاً لا مجرد تحليل سياسي توجَّه على اساسه الاتهامات، فاذا كانت النتائج سياسية وتستند الى عناصر سياسية وليس الى عناصر قضائية، فهذه الاتهامات ليست لها قيمة ومن غير المفترض ان تكون مخيفة للبنانيين وللوضع العام.
اما اذا كانت الحصيلة اتهامات تعتمد على عناصر قضائية، فمن الطبيعي ان تترتب على التقرير اثار مهمة جداً على الوضع اللبناني والاقليمي، لكن نحن من جهتنا لا نوافق على الاجواء التي اشيعت في الاسابيع القليلة الماضية لانها اثرت سلباً على الحياة العامة في لبنان وعلى مسار البلاد والدولة وكأن البلد كله بات معلقاً بتقرير ميليس، يعني ان الكلمة التي تخرج من فمه يمكن ان تأخذ البلاد في هذا الاتجاه او ذاك الاتجاه, نحن لا نوافق على ذلك ونعتبر ان هناك مبالغات لاهداف سياسية وغايات سياسية، وان هناك جهات تقف خلف هذه المبالغات لاهداف معينة.
• رغم اننا لا نحبذ الاسئلة الافتراضية، لكن ما هو موقف «حزب الله» اذا دان التحقيق الدولي مسؤولين سوريين ولبنانيين في جريمة اغتيال الحريري، تبعاً لما سيق من اتهامات سابقاً؟
ـ انطلاقاً مما قلته قبل قليل، الدخول الى اجوبة على هذه الاسئلة الافتراضية هو مشاركة في اشاعة هذا المناخ الذي لا نوافق على اشاعته, نحن نفضل ان ننتظر نتائج التحقيق، وحينئذ ندرس موقفنا بدقة ونتخذه ونعلنه.
• ,,, وماذا لو تضمن تقرير ميليس اتهاماً مباشراً لـ «حزب الله»؟
ـ الشيء عينه, سنقرأ التقرير ونرى ما هي العناصر التي استند اليها، ونعلن موقفنا، وإن كان هناك آلان من يحاول ان يشيع اشاعات او اتهامات من هذا النوع, نحن نقول الان وفي ما هو قائم، ان هذا الكلام سخيف ولا يستحق التعليق.
• لنترك ميليس جانباً,,, في رأيكم من اغتال الرئيس الحريري، ونحن نعرف ان عائلة الحريري طلبت من «حزب الله» بعد حصول الجريمة اجراء كشف والمساعدة، اليست لديكم معلومات؟
ـ طبعاً، ليست لدينا معلومات عمن قتل الرئيس الحريري، ولو كانت لدينا هذه المعلومات لقدمناها بالتأكيد لعائلته وللجنة التحقيق وللدولة وللقضاء اللبناني بالدرجة الاولى، ولاعلانها ايضاً, نحن كالاطراف الاخرين المعنيين والمهتمين قد تكون لدينا تحليلات واستنتاجات، ولكن ليست لدينا معلومات.
• والتحليلات تشير الى ماذا؟
ـ نحن في رأينا ان الاتهام بجب ان يوجه اولاً الى المستفيد الاول من قتل الرئيس الحريري، وثمة مناقشات دارت بعد وقوع عملية الاغتيال واعتبر خلالها البعض ان سورية هي المستفيد الاول, غير ان الاحداث اثبتت ان سورية كانت المتضرر الاول، وايضاً لبنان، وتبين ان المستفيد الاول هم اعداء لبنان والذين يريدون تطبيق القرار 1559 بأي ثمن.
واذا اردنا ان نتحدث انطلاقاً من تحليل سياسي يمكن ان نقول هذا، ويمكن ان نقول ايضاً ان هناك من اعتبر ان الرئيس الحريري يمكن ان يشكل عقبة في مرحلة من المراحل نتيجة فهمه للوضع الداخلي ولالتزاماته الداخلية ولمجموعة مواصفات تتوافر فيه, فالرئيس الحريري، اضافة حتى الى قوى سياسية اخرى، لم يكونوا يطالبون بخروج القوات السورية من لبنان، وكانوا يطالبون بانسحابها الى البقاع وتطبيق اتفاق الطائف، مما يعني بقاء القوات السورية في لبنان في منطقة البقاع وبقاء المقاومة ورفض التوطين, والعناوين الثلاثة هذه مناقضة للقرار 1559 ومتعارضة معه.
ومنذ اليوم الاول لاغتيال الرئيس الحريري اثيرت زوبعة بوجه العناوين الثلاثة: سورية والمقاومة والمخيمات الفلسطينية, طبعاً في الايام الاولى تم تجاوز الاتهام وهذه الاثارة في اتجاه المقاومة و«حزب الله» بالتحديد نتيجة لمجموعة عوامل، وساعدت في ذلك قوى سياسية اساسية وعائلة الرئيس الحريري واداء «حزب الله» السياسي والاعلامي والميداني ,,, السهام في تلك الايام كانت توجَّه الى اماكن محددة وتحاول ان تلبسها هذه التهمة.
هذا من جهة، لكن اذا اتينا الى المعطيات المتوافرة بمعزل عن تقرير ميليس، واعتقد انها متطابقة مع تحقيقات القضاء اللبناني، فانها تشير الى ان ما حصل هو تفجير فوق الارض، ونحن متأكدون من ذلك من خلال طبيعة الانفجار، وعلى ما يبدو انه تم بواسطة شاحنة لان كمية المتفجرات يصعب ان تستوعبها سيارة عادية، وان التفجير هو تفجير انتحاري، ونحن مؤمنون بذلك، لكن من هو هذا الانتحاري؟ هناك حديث في الاوساط القضائية عن انتحاري او اثنين، نحن لا نعلم، ما نعلمه ان العملية انتحارية، لكن من هو هذا الانتحاري؟ الى اي مجموعة ينتمي؟ من هي الجهة التي تقف وراءه؟ ليست لدينا اي معطيات عن ذلك.
• سؤال نعتقد انكم تريدونه ان يطرح, كثيرون يتساءلون بعد استشهاد الرئيس الحريري، لماذا تصدّر «حزب الله» التحرك المضاد لتحرك الاطياف المختلفة المنضوية في حركة 14 آذار ـ مارس (انتفاضة الاستقلال) وكأنه شعر باليتم لخروج السوريين من لبنان عسكراً ونفوذاً، رغم ان الحزب ربما كان الوحيد بين الفصائل اللبنانية الذي سلّف سورية اكثر مما سلفته؟
ـ لا يصح ان نقول ان «حزب الله» تصدّر الحركة المعارضة او ما شابه، هذا غير دقيق, خلفية تحرك الحزب كانت السعي للتعبير عن الانقسام الذي حصل في لبنان، وهو انقسام حقيقي, والتظاهرات التي كانت تجري في ساحة الشهداء والتي عبرت عن نفسها فيما بعد بتظاهرة 14 آذار ـ مارس، كانت تقابلها شرائح كبيرة من الشعب اللبناني تختلف مع الذين كانوا معها في بعض الشعارات.
ولو اخذنا 8 آذار ـ مارس (التظاهرة التي قادها حزب الله في ساحة رياض الصلح لشكر سورية) التي دعت اليها الاحزاب والقوى الوطنية والاسلامية وخطبتُ فيها وكان لحزب الله حضور قوي في صفوفها، واخذنا تظاهرة 14 آذار ـ مارس فلن نجد اختلافاً في الشعارات, هنا حشد لبناني وهناك حشد لبناني، هنا اعلام لبنانية وهناك اعلام لبنانية، هنا كلام عن الوحدة الوطنية والسلم الاهلي والعيش المشترك ومشروع الدولة والحوار، وايضاً ادانة لجريمة اغتيال الرئيس الحريري والمطالبة بالتحقيق وكشف الحقيقة، والكلام عينه كان في تظاهرة 14 آذار ـ مارس.
التظاهرتان افترقتا حول مسألتين، الاولى انه في تظاهرة 8 آذار ـ مارس كان رأينا انه ما دامت سورية اتخذت قراراً بالخروج من لبنان، وهو ما كان اعلنه الرئيس بشار الاسد، فان من مصلحة لبنان ومستقبله ان يكون هذا الخروج مناسباً ولائقاً، وتالياً فمما لا شك فيه ان سورية قدمت للبنان الكثير وكانت لها تضحيات وخدمات فيه، ففي الحد الادنى وبمقتضى الوفاء والالتزام الاخلاقي ان نقول لها شكراً، وهذا ما قالته تظاهرة 8 آذار ـ مارس.
في المقلب الاخر كان هناك اكثر من صوت, صوت يقول ان سورية خرجت وانتهى الموضوع، وصوت يريد ان يكمل بالسباب والشتائم والاتهامات والقسوة على سورية, وفي رأينا ان الموضوع، بالاضافة الى انه اخلاقي فهو سياسي، ونعترف بانه في البيان الوزاري للحكومة الحالية ناقش وزراؤنا طويلاً حتى لا تصدر اي عبارة تسيء لسورية لانه اذا اردنا ان ننظر الى مستقبل لبنان ومصالحه السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية وعلى الصعد كافة فان مصلحتنا هي ان نكون على علاقة جيدة ومميزة مع الاخوة في سورية وان نكون على تفاهم ونطبق الاتفاقيات الموقعة بين البلدين,,, هذه مصلحة لبنان قبل ان تكون مصلحة سورية.
لبنان بحسب واقعه الجغرافي يوجد له جار واحد (سورية) وعدو (اسرائيل) والبحر, فعندما يكون لنا جار واحد هو اخ وشقيق هل نذهب الى التصادم معه ام الى التفاهم؟ اذا كان هناك من التباس او اشكالية او مشكلة بيننا وبينه هل نذهب الى تصعيد الموقف ام الى معالجته؟ حسابات «حزب الله» على هذا المستوى وطنية ولبنانية وقومية وترتبط بلبنان كبلد وبموقعنا في الامة ايضاً، لذا كان خطابنا دائماً يقول انه لا يجوز ان يتجه لبنان الى تصعيد الموقف مع سورية انما يجب العمل من اجل ترتيب العلاقة معها، ومن عناصر ترتيب تلك العلاقة كان «8 آذار ـ مارس» عندما قلنا لها شكراً بعد سيل الشتائم التي وُجهت، ليس الى النظام فقط انما الى النظام والجيش والشعب, ويومها قيل في وسائل الاعلام والشارع اللبناني كلام فيه الكثير من الفوقية والعنصرية، وكان له اثار كبيرة وخطيرة في الشارع السوري وليس فقط على مستوى النظام السوري, فما فعلته بعض القوى السياسية ووسائل الاعلام في لبنان احدث شرخاً وعداوة وحقداً بين الشعبين، وهذا ليس لمصلحة لبنان في مطلق الاحوال, وما فعلناه في 8آذار ـ مارس احدث كوة كبيرة جداً في الجدار بين الشعبين, واعتقد اليوم انه في الامكان التأسيس على تظاهرة 8 آذار ـ مارس وعلى اداء «حزب الله» السياسي والاعلامي لاعادة ترتيب العلاقة بين لبنان وسورية وشعبيهما وللقول ان ما جرى ليس موقف شعب من شعب,,, هذه كانت حساباتنا في الوقت الذي كانت الخطابات في تظاهرة 14 مارس متفاوتة، فخطاب السيدة بهية الحريري اعاد الامور الى نصابها في ذلك الوقت لانه كان معقولاً ومتوازناً وجيداً ومسؤولاً، لكن بعض الخطباء قبل كلمتها ذهب بالامور الى مكان بعيد وكأن لبنان سيعلن الحرب على سورية.
• كشفت عن سلسلة لقاءات بعيدة عن الاضواء عقدت بينكم وبين الرئيس الحريري قبيل اغتياله، هل كان قلقاً على حياته، وهل كاشفكم بضغوط يتعرض لها؟
ـ لم اشعر شيئاً من هذا القبيل، وحتى عندما كنت احدثه عن تحركه الكثير وسفره الكثير كان يبدو مطمئناً، بل كان يعتبر ان وضعي اخطر من وضعه ولذلك كانت اللقاءات كلها عندي ولم يكن يصر على ان اذهب انا الى بيته في قريطم, طبعاً كان يدعوني الى زيارته في اطار المجاملة، لكن كان يقول لي انا اقدّر ظرفك ووضعك الامني ولذلك انا آتي اليك، فهو في الحد الادنى كان يعتبر ان وضعه الامني اهون وافضل من وضعي، ولذلك فإن لقاءاتنا الاسبوعية كانت تتم في هذا المكان (الامانة العامة لحزب الله).
• دأب المسؤولون في «حزب الله» في المدة الاخيرة على التحذير من فتنة سنية ـ شيعية وفتنة طائفية اسلامية ـ مسيحية، لماذا؟ وهل كان الكلام السابق على مدى 20 عاماً عن متانة الوحدة اللبنانية مرتبطاً فقط بوجود السوريين ثم تخلخلت هذه الوحدة برحيلهم؟
ـ هناك عوامل عدة مؤثرة, داخلياً العلاقة بين السنّة والشيعة في لبنان هي علاقة جيدة جداً وقديمة وتقوم على الانفتاح والتعاون، ولا توجد بينهما حساسيات من النوع الذي يمكن ان نجده في بلاد اخرى، واعتقد ان ما ساعد على ذلك العلماء من الشيعة والسنّة والتواصل القديم بينهما منذ اعوام طويلة، وخصوصاً في العقود الاخيرة مع حركة الامام موسى الصدر، اعاده الله بخير، ودور الشهيد المفتي الشيخ حسن خالد ومن جاء بعدهما.
نحن لا نخشى من عوامل داخلية، من شيعة لبنان وسنّة لبنان في شكل عام، لكن في المدة الاخيرة وجدنا ان هناك من دخل على الخط، فلبنان في شكل او بآخر تأثر كما البلدان العربية والاسلامية الاخرى بتطورات الاعوام الاخيرة، اي بعد احداث 11 سبتمبر والحرب على افغانستان ولاحقاً الحرب على العراق, فالتفاوت في المواقف على مستوى العالم العربي والاسلامي انعكس ايضاً على لبنان، وهنا بدأ يبرز بعض الاختلاف في وجهات النظر.
على سبيل المثال، فان الموقف الشيعي في لبنان كان ادانة الحرب على افغانستان ولكن عدم تأييد «طالبان»، في الوقت الذي كانت تصدر فيه هنا مواقف تدين الحرب على افغانستان وتؤيد «طالبان» في شكل قوي وتعتبرها حركة اسلامية عظيمة ومجاهدة وما شابه, هذا ادى الى شيء من الخلاف النفسي في بعض الاوساط وعلى نحو محدود، الا ان الامور تتراكم ونحن نخشى من تراكمها, وفي موضوع العراق نحن كنا ضد الحرب على العراق وموقفنا هذا كانت له انعكاسات في بعض الاوساط الشيعية في العراق او بعض بلدان الخليج انطلاقاً من القول ان نظام صدام حسين مستبد وديكتاتوري ودموي وارتكب الكثير من الجرائم وليأت من يأتي ليخلصنا منه, ونحن كنا نرى الامر من زاوية اخرى ترتبط بما يريده الاميركيون من خلال الحرب.
في المقابل كانت هناك اصوات في الوسط السني ضد الحرب على العراق لكنها تدعم صدام حسين وتدافع عنه وتقدّمه كصلاح الدين الايوبي او كأحد ابطال الاسلام العظماء، وهذا ما ادى ايضاً الى شيء من التراكم النفسي, وما حصل في العراق بعد ذلك تسبب في الامر عينه، فرغم ان الاخوة في العراق، سواء سنّة او شيعة لهم حيثياتهم العراقية ومنطلقاتهم العراقية واختلافاتهم العراقية الا ان بعض المواقف هناك، سواء من بعض السنّة او من بعض الشيعة، صار يتم تعميمها على كل الشيعة وعلى كل السنّة, هنا جاءت بعض الجهات ذات الاتجاه السلفي، واقول بعض ولا اتهم كل الاتجاه السلفي، لتأخذ بعض المواقف في العراق وتعممها وتقول هذا هو موقف كل الشيعة، هذا تاريخ الشيعة وهذا حاضر الشيعة وهذا مستقبل الشيعة، ولتفتح تالياً الباب امام اتهامات واسعة جداً، ووصل الامر بالبعض من التفاهة، وانا رأيت بعض ذلك على مواقع الانترنت، الى القول انه حتى انتصار «حزب الله» في جنوب لبنان على الصهاينة (الذي اسس لانتفاضة فلسطين والانجاز في غزة) هو مجرد صفقة بين الشيعة واليهود من اجل تعويم الشيعة اضافة الى كلام سخيف من هذا النوع, هذا نجده في صفحات الانترنت ويوزع احياناً عبر منشورات من بعض الاوساط هنا في لبنان وفي غير لبنان مما يثير الحساسيات، الى ان جاءت موجة التكفير الموجودة بقوة على صفحات الانترنت ايضاً مع خطابات ابو مصعب الزرقاوي ,,, وفي نهاية المطاف هذا ينعكس في كل مكان ويتأثر به السنّة والشيعة في امكنة مختلفة منها لبنان.
كل ما ذكرت بقيت تأثيراته اللبنانية محدودة بسبب متانة العلاقة الشيعية ـ السنية ونتيجة العلاقة القائمة على المستوى العلمائي والحَرَكي، اي بين العلماء والحركات الاسلامية ايضاً، وبقيت الاصوات في لبنان التي تتحدث عن تكفير هنا وتخوين هناك اصوات نشاذ.
وعندما وقعت حادثة اغتيال الرئيس الحريري حاول البعض، في وسائل الاعلام وفي الاوساط الشعبية، تحميل الشيعة مسؤولية قتل الرئيس الحريري، وفي ذلك المناخ السياسي والعاطفي والشعبي لو لم يتم تدارك هذه التهمة التي لا تستند الى اي اساس، لكانت كبرت كرة الثلج ولا نعلم الى اين كنا وصلنا، لان هذا الامر لا يمكن ان يتحمله البلد في الحقيقة ,,, وفي نهاية المطاف اغتيال الرئيس الحريري جريمة كبيرة جداً، فهل يعقل ان يرتكبها الشيعة او يتحمل مسؤوليتها الشيعة؟ هذه مسألة خطيرة، لكن كما قلت سابقاً فمن خلال اداء «حزب الله» وعائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والقوى السياسية الاساسية والرأي العام في لبنان، تم تجاوز هذه المحنة.
في هذا المناخ، نعم القوات السورية كانت تشكل ضمانة، ليس فقط في مواجهة فتنة سنية ـ شيعية، بل في مواجهة اي فتنة داخلية بين المسلمين والمسيحيين، بين السنة والشيعة، بين المسيحيين بعضهم مع بعض، بين الشيعة مع بعضهم البعض، السنّة مع بعضهم البعض ,,, القوات السورية كانت تشكل ضمانة لانها كانت تمسك البلد امنياً في شكل قوي وكانت لها هيبة وكانت تحل الكثير من المشكلات من خلال الهيبة.
والخشية الآن ان لدينا شيئاً من الفراغ الامني في البلد، الاجهزة الامنية تم تفكيك جزء منها ولم يتم اعادة بنائها لا في شكل صحيح ولا في شكل غير صحيح وما زالت مختلة البنيان ولم يعد لها الهيبة المطلوبة نتيجة الاتهامات التي وجهت اليها، وتالياً ليس لدينا اليوم سلطة امنية حقيقية في البلد يمكن ان تخيف العابثين بالامن او الذين يريدون ان يذهبوا الى الفتنة ويمكن ان تشكل ضمانة حقيقية, حتى الجيش في اجواء الفتنة يخشى ان يتعرض لسوء، ولذلك البلد يعيش في مرحلة قلق، ليس قلق من فتنة سنية ـ شيعية، فالبلد قلق عموماً من اي احداث قد تطرأ في المرحلة المقبلة، قلقاً من اي مشكلة صغيرة قد تتطور وتصبح مشكلة كبيرة، فالذي يحمي امن البلد اليوم هو بالدرجة الاولى الوعي السياسي وحال الطوارئ السياسية وتبيان اللبنانيين بأنهم لا يريدون ان يتقاتلوا، ولذلك تجد ان كل القيادات السياسية، سواء كانت في السلطة او المعارضة، تتدخل بقوة عند حصول اي مشكلة وتعمل بقوة وتصرف من رصيدها وتحضر في الميدان لمحاصرة اي اشكال, وفي الشمال القيادات السياسية تعاونت لاستيعاب المشكلة التي ادت الى مقتل اثنين من عناصر «القوات اللبنانية»، والقيادات السياسية عملت وبالتعاون مع السلطة على احتواء المشكلة التي وقعت بين الشياح وعين الرمانة بعد اطلاق (قائد «القوات») سمير جعجع.
الخشية موجودة ونحن نخاف من العناصر المخابراتية التي تدخل على الخط، ففي المدة الاخيرة وزع بيان على الانترنت باسم «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ولاية لبنان، كتيبة لواء عمر»,,, مثل هذا البيان يعزز المخاوف عندما يتحدث عن الرافضة المرتدين ويحدد تسع شخصيات شيعية رئيسية في لبنان ويقول اننا سنقوم بقتلها، ويتضمن البيان حجة عقائدية وفكرية من خلال قوله ان هؤلاء الشيعة كفرة مرتدون اضافة الى حجة سياسية فيقول ان الشيعة يمنعون قتال اليهود والصليبيين رغم انه يعرف ان الذين ذكر أسماءهم كلهم وليس اغلبهم، هم الذين كانوا في المقاومة، قاموا ودفعوا اثماناً وكانوا شركاء في الجهاد الذي ادى الى الحاق اول هزيمة تاريخية بالكيان الصهيوني, فالحجة السياسية ساقطة وواهية, وفي رأيي ان هذا البيان ليس بيان «قاعدة»، ولا اريد ان ابرئهم، ولكن في تحليلي ان لغة البيان لا تتضمن ادبيات «القاعدة» او الاتجاه السلفي، انا اعتقد انه بيان مخابراتي، لان بعده بأيام، وهو ما علمته اخيراً، وزع بيان على الانترنت ايضاً باسم «كتائب الجهاد الشيعي» وهدد بقتل عدد من الشخصيات السنية اللبنانية، ولم يتم تداوله لانه كان محدوداً جداً.
من الواضح ان هناك من يلعب في الوسط والكل حذر اليوم في لبنان, نحن نخشى ان تتعرض شخصية شيعية او شخصية سنية، لا سمح الله، للاغتيال ثم تأتي وسائل الاعلام لتثير البيانات والبيانات المضادة وتضع الشيعة في مواجهة السنة والسنة في مواجهة الشيعة في لبنان ,,, انا مقتنع بأن اي عملية اغتيال قد تحصل يقف وراءها الاسرائيليون والاميركيون، لان بعض ما يجري في العراق، وبعض الاخوة العراقيين مقتنع بهذا، كبعض التفجيرات وبعض العمليات الانتحارية وقتل المدنيين والعلماء، بعض هذه العمليات بالحد الادنى هناك ادلة حسية على انه يقف وراءها ضباط اميركيون وادارة اميركية وادارة اسرائيلية.
الفرصة التاريخية للاسرائيليين لضرب مشروع المقاومة في المنطقة، خصوصاً في لبنان وفلسطين، والذي يشهد علاقة اخوية وعاطفية وسياسية ومعنوية وروحية وجهادية قوية بين «حزب الله» و «حماس» و«الجهاد» و«كتائب شهداء الاقصى» والفصائل الفلسطينية الاخرى,,, الفرصة التاريخية للاسرائيليين هي العمل على موضوع الفتنة، ويجب ان نكون حذرين لمواجهة اي تفصيل ولا نستهين بأي تفصيل ولو كان صغيراً.
• بعدما تكرست السلطة اللبنانية على اساس المحاصصة الطائفية حكماً وتعيينات، هل تعتبرون انه آن الاوان لتغيير دستوري شامل لا يحصر المناصب في الحكم والادارة في فرق وطوائف بعينها؟.
ـ نحن من دعاة هذا الطرح منذ وقت طويل، ولكن لو اتينا الى الواقع الحالي نجد انه قبل اعوام كان لبنان اقرب الى هذا الطرح مما هو الان، لان احداث الاعوام الاخيرة عززت وكرست الواقع الطائفي اكثر من اي وقت, وما ندعو اليه فعلاً هو تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، بحسب ما نص عليه اتفاق الطائف ,,, وهذا لا يعني ان نذهب الى الغاء الطائفية السياسية غداً او بعد سنتين، ولكن في الحد الادنى فان قيام هذه الهيئة يشكل اطاراً وطنياً يجتمع حوله ممثلو الطوائف والقيادات الروحية والسياسية والقوى الفاعلة في البلاد لمناقشة هذا الملف ووضع جدول زمني، فاذا كنا نستطيع ان نصل الى الغاء الطائفية السياسية بعد عشر سنوات فلنبدأ من الان لنحقق ذلك بعد عشر سنوات، ولكن اذا لم نبدأ من الان سيبقى هذا الامر غير قابل للتحقيق, اذاً نحن نقول لنضع هذا الامر على السكة, وعندما تتحدث في شكل مباشر عن الغاء الطائفية السياسية على دفعة واحدة او على دفعات فان البدء بالتنفيذ يثير الكثير من القلق في لبنان لدى عدد من الطوائف، خصوصاً التي تتصور ان هناك تحولات ديموغرافية قهرية خارجة عن السيطرة ,,,هناك احصائية سمعتها من الرئيس الحريري وهو كان رئيس حكومة ويعرف هذه التفاصيل اكثر مني، كان يتحدث عن ان المسلمين في لبنان الان في تعداد السكان هم بين 70 و 75 في المئة وان عدد المسيحيين من الطوائف المختلفة من 30 الى 25 في المئة والبعض يتحدث عن ان نسبة المسيحيين تراوح بين 20 في المئة و 17 في المئة، ولا تصور انها 17 في المئة، لكن هناك دراسات اجرتها بعض مراكز الدراسات في الوسط المسيحي في لبنان تتحدث عن تغييرات سكانية كبيرة خلال العشرين سنة المقبلة، وهذا طبيعي لاسباب كثيرة لا اريد الدخول فيها الان, اذاً المسلمون الى تكاثر والمسيحيون الى تراجع نسبي، وهذا لا يعني ان عددهم سيتراجع، لكن مهما كبر عددهم فالنسبة آخذة الى التفاوت بسبب تكاثر المسلمين، لذا فان الذهاب الى الغاء الطائفية السياسية الان على نحو مباشر، يثير في الدرجة الاولى قلق المواطنين المسيحيين, من هنا نحن نقول لتشكل هذه الهيئة كإطار وطني وليناقش هذا الامر بكل جدية، فنبحث عن المشكلات وعن نقاط الخوف والضمانات ولنضع اليات معينة لمعالجة هذا الموضوع، فاذا لم يكن ممكناً في المدى القريب ايجاد حل جذري لهذا الموضوع فلنخفف من الاثار السلبية والتبعات السلبية للتوزيع الطائفي في كل المراكز في الدولة, هناك انشطة كثيرة يمكن ان تخفف من هذا المناخ السلبي الذي قوي في المدة الاخيرة، لكن استراتيجياً ما تفضلتم به نحن مقتنعون به تماماً فالعلاج الحقيقي في لبنان هو في هذا، وما دمنا نعيش في نظام طائفي لا يعتمد ما يسمى تكافؤ الفرص والكفاءة والنزاهة بين اللبنانيين فسنبقى نواجه مشاكل كبيرة جداً, وعندما نتحدث عن امكان الحد من المشكلات القائمة في ظل النظام الطائفي نقصد انه ليتم وضع آليات لاختيار الأكفاء من الطائفة، فاذا كان المدير العام في وزارة ما شيعياً او سنياً فليأت بالاكفاء بين الشيعة والسنّة، وهذا الامر يخفف من المشكلة رغم انه لا يحلها.
• ثمة من يقول إنكم تتولون ترتيب العلاقة بين القيادة السورية والنائب وليد جنبلاط، او حاولتم على الاقل، هل المناخات متاحة لذلك؟
ـ كانت هناك مساعٍ قديمة لكنها انتهت في اجواء التصعيد الكبير الذي حصل قبيل الانسحاب السوري وبعيده, وحالياً ليست هناك مساعٍ من هذا النوع واعتقد ان الامور بحاجة الى بعض الوقت, نحن بحاجة الى الهدوء اللبناني والسوري وفي العلاقة بين الطرفين، وبحاجة ايضاً الى ترتيب العلاقات الرسمية بين البلدين، فهذه الامور ستساعد في نهاية المطاف على اعادة وصل ما انقطع بين سورية وبعض القوى السياسية الاساسية, طبعاً انا سأكون جاهزاً في اي وقت لتقديم اي خدمة من هذا النوع اذا كنت قادراً عليها.
• الا تعتقدون ان تركيبة الحكومة الحالية وتوازناتها ومشاركتكم في صياغة قراراتها ووجود الرئيس السنيورة على رأسها يساهم في ارساء مناخ ثقة مع الجانب السوري؟
ـ لا شك في ان وجود بعض القوى السياسية في الحكومة يبعث اطمئناناً لدى الاخوة السوريين باعتبار انها كانت صديقة لسورية وما زالت، وهذا بالنسبة الينا واضح ونعتز بهذه الصداقة ولا نتنكر لها اياً تكن الظروف والاوضاع، وهذا بالتأكيد يثير الطمأنينة, والبيان الوزاري للحكومة كان مطمئناً ومريحاً واداؤها اللاحق عبر اصرار لبنان على الالتزام بالاتفاقات وزيارة الرئيس السنيورة لدمشق، واتصور ايضاً زيارة سماحة المفتي (الشيخ محمد رشيد قباني) ,,, هذه الامور كلها تساهم في اراحة الاجواء بين البلدين واعادة الثقة.
• علاقة «حزب الله» بالعماد ميشال عون بدت جيدة الى حد ما قبل اثارة العماد عون قضية الفارين الى اسرائيل، كيف هي هذه العلاقة، وخصوصاً ان هناك من يرشح عون للرئاسة؟
ـ العماد عون قال ان «حزب الله» اراد ان يفتح مشكلة معه من خلال موضوع العملاء، وهذا غير صحيح, فـ «حزب الله» لم يكن يريد فتح مشكلة لا مع العماد عون ولا مع غير العماد عون، سياستنا دائماً كانت تجّنب التجاذبات الداخلية والمشكلات الداخلية، ونحن نحرص على ان يكون لنا دور وطني، لان هذا ينسجم مع اقتناعاتنا ومسؤولياتنا ودورنا في المقاومة.
في الحقيقة ان العماد عون هو فتح مشكلة مع «حزب الله» من خلال طريقة اثارة ملف العملاء وتوقيته, وبطبيعة الحال فان اثارة هذا الملف ادت الى ردود فعل كبيرة وقوية من «حزب الله» ومن غيره, ومن الطبيعي ان تكون ردود فعل «حزب الله» قوية وحادة لاننا نحن اكثر شريحة تعرف ما ارتكبه هؤلاء بحق لبنان وبحق شعبه، واكثر شريحة لحق بها الظلم والاذى والقتل, ولا اعتقد ان احداً من التيار العوني اغتُصبت زوجته في معتقل الخيام، ولا اعتقد ان احداً من التيار العوني عُذّب بالكهرباء وجُلد حتى تساقط جلد ظهره في معتقل الخيام، ولا اعتقد ان احداً من التيار العوني هدمت اسرائيل والعملاء من قوات لحد منزله في جنوب لبنان وطردت عائلته وأباه العجوز ومات في طريق التشريد ,,, هذه الامور حصلت مع شريحة كبيرة من الشعب اللبناني ونحن جزء من هذه الشريحة, وكثير من الاحزاب السياسية اللبنانية التي شاركت في المقاومة منذ العام 1982 ذاقت ويلات هؤلاء العملاء الذين كانوا يقتلون بلا رحمة ويجلدون بلا رحمة ويعتدون بلا رحمة ويعدمون بلا رحمة، وكانت خيانتهم خيانة كبيرة جداً.
اما القول ان الدولة أهملتهم، فهذا لا يكفي تبريراً لارتكاب كل هذه الجرائم, الدولة اهملت الكل، لم تهمل فقط الذين كانوا يعيشون في الشريط الحدودي, لذلك فموضوع العملاء بالنسبة الينا لا يمس نقطة خلاف سياسي عندنا بل هو يمس كرامتنا وعواطفنا ومشاعرنا وتاريخنا القريب، وتالياً المطلوب ان نتعاطى معهم برحمة؟ جيد، نحن تعاطينا معهم برحمة ولم نقتل احداً منهم, في 25 مايو من العام الفين لو قتلنا كل العملاء لم يكن احد في الدنيا له الحق في الاعتراض علينا، فهم كانوا يحملون السلاح وكانوا يقاتلون الى جانب العدو، نحن تركناهم يرحلون، وحتى الذين استسلموا سلمناهم الى القضاء اللبناني الذي تهاون معهم وتسامح معهم, اذا اعطى احد شيكاً بلا رصيد يزجون به في السجن لمدة طويلة من الزمن، اذا حمل المرء قطعة سلاح بلا ترخيص يزج به بالسجن لسنوات، هؤلاء العملاء حملوا السلاح الى جانب الاحتلال الاسرائيلي لمدة 22 عاماً فدخل بعضهم السجن لثلاثة اشهر وستة اشهر، والذين فضلوا الذهاب الى العدو على تسليم انفسهم الى القضاء اللبناني المتسامح والمتهاون والذي كدنا ان نتهمه بالتواطؤ، هم فضلوا ان يذهبوا الى العدو, لذا نحن نعتبر ان توقيت التيار العوني في طرح هذه المسألة كان خاطئاً وطرح الموضوع اساساً خطأ في الوقت الذي توجد صيغة لمعالجة هذه القضية, ونحن لا نقول باعدام العملاء ولا بقتلهم او ابقائهم خارج البلد، نحن دائماً كنا نقول ما يأتي: العائلات، النساء، الاطفال، الآباء، الامهات والزوجات فليعودوا و«لا تزر وازرة وزر اخرى» فنحن لا نحملهم اي مسؤولية، اما العملاء انفسهم فليسلموا انفسهم الى القضاء اللبناني، فهل من حل حضاري افضل من ذلك؟ اما لنذهب الى التحدث عن عفو فهذا امر لا يطاق.
طبعاً هذا الموضوع اثار بلبلة قوية وانا قلت في بعض المناسبات للعماد عون اننا لا نريد ان نفتح معك مشكلة، انت فتحت معنا مشكلة، ونحن نعتبر ان المشكل انتهى، فنحن حريصون على علاقة طيبة وجيدة مع العماد ميشال عون وتياره، ونعتقد ان هناك نقاطاً مهمة يمكن ان نلتقي عليها وهناك صفات مشتركة بين «حزب الله» و «التيار الوطني الحر» يمكن ان تشكل قوة للمستقبل اللبناني، ونحن حريصون على التلاقي، فهناك لجان فرعية تلتقي، اعضاء من المكتب السياسي في الحزب واعضاء منتدبين من العماد عون يلتقون في شكل دائم ويتحدثون وهناك محاولة لتجاوز الامور التي حصلت، ولكن الامور تسير ببطء لان العماد عون ما زال متأثراً بنتائج انتخابات بعبدا ـ عاليه وهو يعتبر ان هذا الامر كبير ولا يمكن تجاوزه بسهولة، وانا في رأيي انه عندما نتحدث عن الديموقراطية والحرية والخيارات السياسية فمن الطبيعي ان يترك لكل حزب وتيار وفريق حرية خياراته السياسية، والاختلاف في موقع ما او في موقف ما لا يجوز ان يؤدي الى مقاطعة او خصومة او عداء، نحن هكذا نتصرف ونأمل في ان يتصرف الاخرون على هذا الاساس.
• بعد نحو عام على صدور القرار 1559 هل تعتقدون انكم نجحتم في اقامة «شبكة امان» تحول دون تنفيذ البند المتعلق بنزع سلاح «حزب الله» وهل تتوقعون عودة الضغوط الدولية على لبنان في هذا المجال؟
ـ اعتقد ان ثمة اموراً عدة ساعدت على تجاوز نقطة اسمها نزع سلاح المقاومة، بينها التحالفات السياسية التي اقمناها قبل الانتخابات (النيابية) وخلالها وبعدها، والحضور الشعبي الكبير المؤيد للمقاومة اثناء هذه الانتخابات في بعض المناطق ولا سيما المعنية مباشرة بمسألة المقاومة، باعتبار انها الخط الامامي, ففي تلك المناطق كان ثمة شبه استفتاء, من دون اغفال سياسة «حزم في لين» التي اتبعها «حزب الله»، اي استعداده للحوار ورفضه لنزع سلاحه بالقوة، ذاك حزم وهذا لين، اضافة الى تفهم القوى السياسية اللبنانية وحرص مختلف التيارات السياسية لدى المسلمين والمسيحيين على وحدة البلد واستقراره، وكل هذه الامور ساهمت في تخطي عنوان نزع سلاح المقاومة, ولا يوجد في لبنان اليوم من يؤيد نزع سلاح المقاومة بالقوة، لا بين المسلمين ولا بين المسيحيين، هذا اقله على مستوى المواقف السياسية المعلنة، وهذا يشكل نوعاً من الضمانة على الصعيد الداخلي او كما تسمونه نوعاً من شبكة الامان, ولكن الاميركيين والاسرائيليين مصرون على هذا الامر (نزع سلاح المقاومة) وهذا هدفهم المركزي وسيسعون اليه بكل الوسائل والطرق,
وعلى سبيل المثال، كان يتم التجديد دائماً للقوة الدولية العاملة في الجنوب من دون ان يجري «تلغيم» قرار التجديد بألغام اخرى، وهذه المرة تم تلغيمه (القرار 1614) بموضوع الطلب من الحكومة اللبنانية (نشر الجيش في الجنوب)، اي اصداره في نفس القرار, وهم يقولون نشر الجيش في الجنوب علماً ان الجيش موجود ومنتشر في الجنوب وعلى مقربة من الحدود, والخلاف كله هو على بضع مئات الامتار من الحدود، اي ان الجيش موجود على بُعد مئات الامتار فقط (من الحدود)، وفي بعض النقاط قد يكون على اقل من مئات الامتار, وهم يريدون ان يتم نشر الجيش في هذه المنطقة الامامية واخراج المقاومة منها، وهم لا يقصدون نشر الجيش بل اخراج المقاومة من الخط الامامي من اجل اراحة الاسرائيليين وطمأنتهم وتكبيل ايدي لبنان، اذ بطبيعة الحال عندما يكون الجيش منتشراً على الحدود فلن يتمكن من القيام بردات فعل باليُسر والليونة والسهولة التي تقوم بها المقاومة، باعتبار انه جيش ومؤسسة ويخضع لقرار السلطة السياسية، وهذا الامر له تبعات خطيرة ايضاً على لبنان.
وفي رأيي ان الضغط سيستمر، والاميركيون والاسرائيليون لن يتركوا فرصة للضغط على لبنان لتحقيق هذا الهدف, ولكن اعتقد انهم فشلوا حتى الان وسيفشلون.
• رغم ان علاقتكم بالجمهورية الاسلامية في ايران كانت ايجابية دائماً وتحكمها اعتبارات شرعية وسياسية، لكن زيارتكم الاخيرة لطهران مع انتخاب الرئيس الجديد حظيت باهتمام غير مسبوق, هل ينسجم ذلك مع ما يقال من ان المحافظين في ايران اكثر دعماً لـ «حزب الله» من الاصلاحيين؟
ـ الكلام على اهتمام غير مسبوق غير دقيق, طبعاً اسفارنا الى الجمهورية الاسلامية قليلة وغالباً بسبب الظروف الامنية, وقيادة «حزب الله» ذهبت الى ايران بعد التحرير العام 2000 وحظيت باهتمام اشد من الذي حظيت به في الزيارة الاخيرة, وحينها كان سماحة السيد خاتمي رئيساً للجمهورية، وكان الاصلاحيون في الحكومة, واريد ان اؤكد انه بالنسبة الى كل الاخوة في ايران، سواء كانوا اصلاحيين او محافظين او معتدلين او اصوليين او «وسط» او يمين اليمين او يسار اليسار (,,,) هناك اجماع وطني ايراني، اجماع اسلامي ايراني، على مسائل لبنان وفلسطين والموقف من المشروع الصهيوني واسرائيل, وفي هذه المسألة لا يختلف المحافظون عن الاصلاحيين ولا الاصلاحيون عن المحافظين, وتالياً انتقال السلطة في ايران من تيار الى آخر لم يغير شيئاً في موقف الجمهورية الاسلامية على صعيد المنطقة, ولم نشعر كما كل القوى الصديقة بأي تغيير او تبدّل او تأثر في المواقف الايرانية.
• من هذا المنطلق، ما موقف الحزب اذا تطورت الضغوط الدولية على ايران من حصار وعقوبات الى عمل عسكري؟ هل ستبادلون الجمهورية الاسلامية دعمها لكم بدعم مماثل؟
ـ نعتبر ان «حزب الله» وكل القوى المناهضة للمشروع الاميركي ـ الصهيوني في المنطقة ستكون الى جانب ايران وستعبر عن دعمها للجمهورية الاسلامية في مواجهة الضغوط الاميركية، وخصوصاً ان ايران في هذه النقطة التي يتم التركيز عليها، لا ترتكب مخالفة قانونية, فايران لديها اولاً قوة المنطق وقوة القانون, والايرانيون يقولون انهم عضو في وكالة الطاقة ومن الذين وقّعوا البروتوكول وانهم حاضرون لتوقيع الملحق ولتقديم كل الضمانات المطلوبة لدول العالم لجهة ان الطاقة النووية التي ستنتجها ايران هي للاستخدام السلمي وليس العسكري، وهذا حقهم القانوني, طبعاً، الوقوف الى جانبهم سياسياً ومعنوياً وشعبياً هو امر مفروغ منه.
وبالنسبة الى المواضيع الاخرى، اي العمل العسكري، فاعتقد ان ايران قوية وقادرة على الدفاع عن نفسها, ولكننا لسنا معنيين بان نطمئن اعداء ايران ولا اعداء لبنان ولا اعداء فلسطين ولا اعداء سورية، في اتخاذ مواقف مسبقة حيال هذا الموضوع, لا نريد ان نطمئن احداً ولا نريد ان نخيف احداً.
• وما رأيكم فيمن يرى ان سلاح «حزب الله» في لبنان اضافة الى دوره المقاوم يعتبر درعاً اولياً لسورية وايران؟
ـ يمكنه ان يعتبر ما يشاء, وعوض ان نحاكم النيات لنحاكم التجربة, فمنذ العام 1982 حتى اليوم، كان سلاح «حزب الله» في خدمة لبنان، وحقق انجازات للبنان وحرر ارضاً لبنانية واسرى لبنانيين، وهو يدافع عن لبنان ويحميه، مستفيداً من الدعم السوري والايراني, وايران وسورية لم يلحقهما من هذا الامر سوى الضغوط الدولية, وهذا السلاح لم يحرر ارضاً سورية حتى الان ولم يحقق مصلحة سياسية ايرانية مباشرة او يقاتل في معركة ايرانية, وهذه هي التجربة الممتدة بين 1982 و 2005 , وأحد الكتاب اللبنانيين «الصعبين» اثاروا قبل مدة حقيقة ان «حزب الله» استطاع من خلال تجربته وادائه في المقاومة وخلافاً لما كان يقال في السابق ـ وانا لا اوافق بدقة على هذا العنوان والتعبير ـ ان يوظف سورية وايران للمصلحة الوطنية اللبنانية عوض ان تكون سورية وايران توظفانه لمصالحهما, وهذه حقيقة، صحيح, ولكن تعبير التوظيف في رأيي غير لائق وغير مناسب, فسورية وايران وقفتا الى جانب لبنان، وهما مشكورتان جداً على مواقفهما الصادقة وما تحمّلتاه, وهذه هي الحقيقة التي حصلت.
• بالعودة الى العراق، هل تعتبر ان الدستور العراقي الجديد بما انطوى عليه يمكن ان يشكل «مانعة صواعق» في البلاد التي تتطاير فيها الانفجارات، ام ان المخاوف لا تزال قائمة مما قد يؤول اليه الصراع الدائر هناك؟
ـ للاسف، لم يتسنّ لي في اليومين الماضيين الاطلاع بدقة على بنود مسودة الدستور، وقرأت عناوين سريعة، ولكن اعتقد ان ثمة نقاطاً اساسية جيدة مثل اعتبار الاسلام المصدر الاساسي للتشريع، ورفض اي قانون يتناقض مع احكام الاسلام، وهذا امر مهم جداً، وقد قرأته في عناوين المسودة، من دون ان يتاح لي قراءة كل المسودة, والمستغرب انه لدى متابعة بعض الفضائيات العربية سواء في المؤتمرات الصحافية او في الشريط الاخباري الذي يمر في اسفل الشاشة، كان يقال ان فلاناً او فلاناً يرفضون مسودة الدستور لانها لا تعتبر الاسلام مصدراً اساسياً للتشريع، مع العلم انه مكتوب في المسودة ان الاسلام هو مصدر اساسي للتشريع، وهذا ما قرأته في الصحف اللبنانية، ولست ادري اذا كانت هذه هي حقيقة المسودة التي تم توزيعها في الجمعية الوطنية ام لا.
وفي موضوع الفديرالية، لا نريد ان نتدخل في الشأن العراقي، ولكننا ندعو الى الحفاظ على وحدة العراق دولة وشعباً وارضاً ومؤسسات, وفي ظل هذه الوحدة، هذا شأن العراقيين ان يقرروا طريقة الادارة, والفديرالية لها حدّ، الفديرالية العالية المنسوب والفديرالية الضعيفة المنسوب، اي ان ثمة نوعاً من الفديرالية هو اقرب الى ما يسمى باللامركزية الادارية, ونحن نؤيد ما يرتضيه العراقيون، ولكن ما نصر عليه وننصح به هو الحفاظ على وحدة العراق وعدم القيام بأي خطوة يمكن ان تؤدي الى تقسيمه وتفتيته لان هذا يشكل خطراً على العراق نفسه وعلى كل المنطقة العربية والاسلامية, ولكن كيف يدير العراقيون شؤونهم في اطار هذه الوحدة، سواء عبر التنوع في اطار الوحدة، او لامركزية ادارية، او فديرالية مخففة او تقسيم الاقاليم ادارياً وليس عرقياً او طائفياً، فهذا شأنهم, علماً ان تقسيم الاقاليم في شكل طائفي ينطوي على خطورة اذ يمكن ان يؤسس مستقبلاً الى تقسيم العراق الى ثلاث دول مثلاً, اذاً خلاصة الموقف، اننا نصر على وحدة العراق، وليس العراق فقط, فاحياناً تصدر بعض الدراسات التي تتحدث عن تقسيم السعودية وسورية ولبنان وايران وافغانستان, ونحن الذين ندعو الى وحدة الامة واتحادها ، يجب ان نصرّ في الحد الادنى على وحدة البلاد التي تم تقسيمها في «سايكس بيكو»، وألا تتم شرذمة العالم الاسلامي اكثر, نعم، هناك مشاكل داخلية, وفي اطار وحدة اي بلد يجب البحث تنظيمياً وادارياً وقانونياً في الطريقة الافضل التي تطمئن الاكراد والسنة والعرب والشيعة والتركمان، بحيث تكون كل «مكونات الشعب العراقي» كما يسميها الاخوة العراقيون مطمئنة ومرتاحة، وألا يتركوا لغماً يمكن ان يستفيد منه الاميركيون او الاسرائيليون لتفجيره لاحقاً.
• بين غزة اولاً، وغزة اولاً واخيراً فكت اسرائيل مستوطناتها وانسحبت في تطور مشابه الى حد ما لما حصل في جنوب لبنان ,,, كيف تقاربون النتائج التي قد يتركها هذا التطور؟ وهل انتم مستمرون في دعم انتفاضة الفلسطينيين حتى لو طلبت السلطة الفلسطينية اليكم غير ذلك؟
الانتفاضة الفلسطينية هي حق، وهذه الايام ايضاً التجربة والوقائع تشهد بان خيار الانتفاضة كان خياراً صحيحاً, كل المفاوضات من كمب دايفيد المصرية ـ الاسرائيلية الى اوسلو الى كمب ديفيد الفلسطينية ـ الاسرائيلية في العام 2002 اثبتت ان المفاوضات لا تحقق ولو الحد الادنى مما يتوقعه الشعب الفلسطيني، او حتى السلطة الفلسطينية نفسها او منظمة التحرير نفسها, اليوم الانجاز في غزة, وانا هنا استعير عبارة الاخ خالد مشعل، هو استعمل عبارة دقيقة جداً عندما قال انه صحيح هذا انجاز محدود ولكنه كبير وبالغ الدلالات، هذا صحيح, حصل جدل هذه الفترة: هل ضُخّم هذا الانجاز؟ ليس صحيحاً تضخيمه وليس صحيحاً ايضاً اهماله وشطبه, هو حقيقة انجاز كبير، ولكن دلالاته اكبر منه, ان الصهاينة يخرجون من ارض، الان البعض حاول المقارنة مع الانجاز في لبنان، طيب مساحة الارض التي خرج منها الاسرائيلي من الشريط الحدودي في جنوب لبنان اوسع هذا صحيح، وهذه الارض اصبحت محررة ومتصلة ببقية الاراضي اللبنانية صحيح.
ولكن مهما قيل من فوارق بين غزة وجنوب لبنان يبقى هناك فارق نوعي واستراتيجي ومهم جداً وتاريخي ايضاً وهو ان غزة ارض فلسطينية، وانه هذه هي المرة الاولى التي يخرج فيها الاسرائيلي من ارض فلسطينية ـ بمعزل عن مساحة هذه الارض واهميتها ومشكلات العدو فيها ـ من دون مفاوضات من طرف واحد، ومن دون ان يأخذ في المقابل ضمانات او التزامات او ما شابه من الفلسطينيين, الفلسطينيون لم يقدموا التزامات للاسرائيلي في مقابل خروجه من قطاع غزة.
اذاً، هذه التجربة مفيدة وجيدة, وسمعت احد كبار الاسرائيليين، وكان وزيراً سابقاً في حكومات متعاقبة وعضو في الكنيست الاسرائيلي ومن التيار الديني اليهودي, وقد قال «خرجنا من جنوب لبنان بالقوة, اليوم نخرج من قطاع غزة بالقوة, اذاً نحن نقول للبنانيين والفلسطينيين وبقية العرب، لا يمكنكم بالمفاوضات ان تستعيدوا ارضكم يمكنكم ان تستعيدوها بالقوة, غداً سوف نخرج من الضفة الغربية ولكن عيون العرب ستبقى على القدس», هذه عبارته بالتحديد.
اذاً هذه التجربة صحيحة, وبالتالي الخيار هو خيار شعب فلسطين، وهو خيار صحيح وعلينا ان نقف الى جانبه، واذا تحدثت معنا السلطة الفلسطينية ـ وهي لم تتحدث ـ بشيء من هذا، فسنقول لها ندعم الانتفاضة الفلسطينية وان كان في كل الاحوال ان الانتفاضة هي انتفاضة كل الشعب الفلسطيني، حماس والجهاد وحركة فتح وشهداء الاقصى والاخرين، الانتفاضة ليست فصيلاً، الانتفاضة واقعاً هي حركة شعب بكل ما للكلمة من معنى, ونحن نقف الى جانب هذا الشعب.
• الحوار بين الحزب والاميركيين او الاوروبيين قائم بالواسطة ام مباشرة وما هي المواضيع التي يشملها؟
ـ مع الاوروبيين يوجد تواصل قديم وطبيعي, ولدينا جهاز علاقات دولية ويلتقي بالسفراء هنا، واحياناً هناك وفود تذهب الى الخارج، نيابة من «حزب الله»، او وفود من سياسيي الحزب وقيادييه، ويلتقون بمسؤولين في الدول الاوروبية المختلفة، اذاً الاتصال مع الاوروبيين قائم, ليس هناك حوار دائم، ولكن احياناً تحصل مناقشة لموضوعات وخصوصاً اذا حصلت تطورات ما في البلد، هم يتصلون ويسألون ونناقش ونتباحث، واحياناً يأتي هؤلاء السفراء او وفود اجنبية وتلتقي, وتالياً مع الاوروبيين الاتصال مباشر، وليس هناك دولة اوروبية نتفاوض معها في شكل غير مباشر ونتكلم معها في شكل غير مباشر، ومع الكل هناك اتصال مباشر، يتصلون بنا ونتصل بهم, ومع الاميركيين، لا اتصال مباشراً او غير مباشر، ولا قناة مباشرة ولا قناة غير مباشرة، حتى ما اثير في الاونة الاخيرة في وسائل الاعلام، الاميركيون اثاروه، عندما قالوا اننا وجدنا قناة جديدة للاتصال بـ «حزب الله»، وتحدثوا عن الوزير طراد حماده، الذي هو وزير العمل في الحكومة, والوزير حماده هو صديق لحزب الله وليس عضواً في الحزب، وعندما زاره السفير الاميركي في بيروت ، زاره كوزير في الحكومة، ولا اعتقد ان السفير التقاه كعضو في حزب الله، لانه ليس عضوا، وايضاً عندما وجهت اليه الدعوة لزيارة الولايات المتحدة وذهب الى نيويورك كان لديه نشاط هناك واتصلوا به من وزارة الخارجية الاميركية، ايضاً كوزير للعمل في الحكومة اللبنانية.
وانا لا اريد ان اوضح، فالوزير طراد حماده اوضح انه غير مكلف من «حزب الله» بالتحدث مع الاميركيين، وهذا صحيح، ونحن لم نعتمد الوزير طراد حماده كقناة اتصال, هذا الموضوع انتهى واصبح من الماضي, وحقيقة لا يوجد حوار بيننا وبين الاميركيين، لا مباشرة ولا غير مباشرة، نعم، احياناً تصلنا بعض الرسائل من الاميركيين من خلال بعض الاصدقاء المشتركين هنا او هناك لدينا اصدقاء كثر في لبنان، وبعض اللبنانيين اصدقاء للاميركيين، وهم في الوقت نفسه اصدقاؤنا, فبعض اللبنانيين هم اصدقاء الكل, لديهم صداقات متنوعة, احياناً قد يأتي شخص لبناني او غير لبناني، ويقول السفير الاميركي في المكان الفلاني او الخارجية الاميركية والبنتاغون او ما شابه، يقولون «كيت وكيت» ، وانا لا اعتبر نفسي انني اتسلم رسائل في شكل رسمي، وانما اتلقى هذه الامور كمعلومات ينقلها اصدقاء مشتركون، ولا نرد على هذه الرسائل، وهذا واقع الحال القائم.
طبعاً البعض سأل، لماذا الاميركيون يعتبروننا منظمة ارهابية؟ لماذا يتصلون بنا؟ لماذا الاتصال المباشر او غير المباشر؟ هم يعتبروننا منظمة ارهابية ونحن نعتبرهم ام الارهاب, الى ان تحل هذه المشكلة لكل ساعة فرجها.
• لماذا برأيكم سماحة السيد اميركا تتعامل كادارة وشعب، مع الجيش الجمهوري الايرلندي، بشقيه السياسي والعسكري، بالتفاهم احياناً، واحياناً كثيرة بالدعم المادي والمعنوي، رغم كل ارتكاباته، فيما تتعامل مع حزب الله كعدو ارهابي؟
ـ لان حزب الله يقاتل الاسرائيليين, ومشكلة «حزب الله» الحقيقية عند الاميركيين هي قتاله للاسرائيليين ومواجهته للمشروع الصهيوني في المنطقة، وهذا ليس كلاماً جديداً, انا قلت في العام 2001 مرتين كما قلت من خلال اصدقاء مشتركين، انه عرضت علينا عروض مغرية جداً ترتبط بشطب اسمنا عن لائحة الارهاب وعفى الله عما مضى اي عن الملفات المدعاة علينا من الاميركيين، واعتبارنا قوة سياسية اساسية في لبنان ومساعدتنا على المستوى المالي والتجهيزات للنهوض بالمناطق المحرومة والمناطق التي تأثرت بالاحتلال واشياء من هذا القبيل، واطلاق سراح كل اسرانا من السجون، وكان الشيخ عبد الكريم عبيد والسيد مصطفى الديراني والشباب ما زالوا في السجن، وكل ذلك في مقابل القاء السلاح، والتخلي عن مقاومة اسرائيل, يعني عندما يأتي هذا الوسيط ويقول لي عفى الله عما مضى, انت تتهمني مثلاً بتفجير مقر المارينز وبتفجير السفارة الاميركية في لبنان، وهي اتهامات ظالمة لم يقم «حزب الله» بها، قام بها آخرون، يعني : هل تتسامح بالدم الاميركي من اجل ان تحقق مصلحة اسرائيلية؟ هذه حقيقة الامر, ما يعني الاميركيين بشكل اساسي هو مصلحة اسرائيل, مشكلتهم معنا اننا نقاتل اسرائيل، ولو كنا نقاتل الانكليز لكان الامر اهون.
• انت مستهدف دائماً، سماحة السيد، من الموساد الاسرائيلي، ولكن هل تشعر هذه الايام، انك اصبحت اكثر استهدافاً في الظروف الحالية، وهل من مؤشرات؟
ـ صحيح كلها مؤشرات وإشارات وتحليلات واستنتاجات، ولكن تتحدث عن معلومات دقيقة كلا, لا احد لديه معلومات دقيقة, نعم هناك مناخ في البلد ان عدداً من الشخصيات الرئيسية مستهدفة، وعندما تحصى او تعد هذه الشخصيات فانا بينها, ولكن اعتقد انه في «حزب الله» لست الوحيد المستهدف, هناك مجموعة من القيادات في الحزب مستهدفة، لان حقيقة الامر، ان القيادة في «حزب الله» جماعية وليست فردية، هذه حقيقة واقعية اكتشفها الاسرائيليون عندما اغتالوا الاخ الشهيد عباس الموسوي.
• سماحة السيد انت الان في منتصف الاربعينات وتتبوأ منصب الامين العام لحزب الله، وهو المنصب الاعلى، اعتقد سياسياً وعسكرياً في الحزب, بعد عمر طويل ان شاء الله، اين ترى نفسك بعد هذا المنصب؟
ـ دون مجاملات، انا منذ بداية حزب الله العام 1982، طبعاً كنت في بدايات العمل، في بداية التأسيس, كان لي من العمر 22 عاماً, ولم تكن بدايتي السياسية والجهادية في عمر الـ 22، من نعم الله سبحانه وتعالى عليّ ان اكون احمل هموماً، وكما يقولون عندنا في لبنان «صاحب هم» منذ كان عمري تسع سنوات, وكنت مهتماً منذ الصغر بمتابعة الاخبار السياسية والاوضاع السياسية والسلام مع اسرائيل والهزائم، وطبعاًَ انا مثل بقية الجيل الشاب الذي تأثر بالهزائم في تلك المرحلة، وكان له رد فعل، وردود الفعل كانت متفاوتة, هناك رد فعل كان يؤدي الى السقوط والانهيار واليأس، وردود فعل اخرى كانت تقول: لا، نحن امة ونستطيع ان نكون امة ونستطيع ان ننتصر، لماذا نتوقف؟.
في الـ 22 من العمر دخلت في الحزب, انا شبابي وعمري وحياتي ,,, كله «حزب الله» ما في شيء ثاني والاخوة في لبنان يعرفون, مثلاً عادة كطلبة علم ولا اقول رجل دين، اي طالب علم، عندما يشتغل في مكان معين ويتحمل مسؤولية في موقع معين، يعتبر في نهاية المطاف ان ملاذه الطبيعي هو ان يكون لديه مسجد يصلي، او مجمع، او مكان فيه مسجد ومكتبة ومركز ثقافي وقاعة محاضرات ومركز دراسات، او انه بمعزل عن تشكيلات «حزب الله»، ان تكون له مؤسسة خاصة مستقلة تعمل في شأن ثقافي او شأن اجتماعي, وانا في الحقيقة منذ بداية العمل في حزب الله حتى اليوم لم يخطر في بالي في يوم من الايام ان اعمل شيئاً غير الحزب، اي خارج اطار حزب الله, ليس عندي مسجد مستقل، رغم انه تصلني الكثير من التبرعات، وبعض هذه التبرعات تقول انت تتصرف فيها وليس الحزب، ولكن كل ما استخدمه من هذه الاموال في بناء مؤسسات او مجمعات او مساجد او مراكز ثقافية اجعل ملكيتها لـ «حزب الله»، ولا ابقي شيئاً على حدة، لانه في يوم من الايام يمكن ان «أختْيِر» او ألا يبقى لي مركز خاص في حزب الله، فانتقل الى ذلك المكان.
انا لا اتصور نفسي خارج «حزب الله»، الامانة العامة ليست حكراً عليّ, وخلافاً للمجاملات العربية، احياناً رئيس عربي يقول «لا اريد» حتى يتمسك به الناس، ويكون هو جدياً يريد ان يبقى رئيساً, انا «عن جد» لا اريد, واتمنى من الاخوان، والكل قادر على تولي هذا المنصب من الاخوان الموجودين والقيادة في «حزب الله» او في مواقع قيادية اخرى مختلفة, هناك اشخاص عديدون واثقون من تحمل المسؤولية ومن المفترض ان يأتي يوم انا لست اميناً عاماً وانا على المستوى النفسي جاهز لان اعمل عضواً في القيادة او اعمل مسؤولاً، وانا كنت دائماً اقترح على الاخوان ارسلوني الى الجنوب لاكون مكان الشيخ نبيل قاووق لاكون مسؤولاً لمنطقة الجنوب او اعيدوني الى البقاع, في زهرة الشباب كنت في بعلبك, يوجد مودة خاصة بيني وبين تلك المنطقة, وليست لدي مشكلة, حتى لو لم يكن لي منصب في حزب الله, كطالب علم عندي صدقية معينة على المستوى السياسي وقدرة معينة على المستوى الثقافي او الخطابي، وسأكون بالكامل في خدمة حزب الله، ولا اتصور نفسي خارج الحزب ولا خارج مشروعه حتى آخر لحظة.
طبعاً انا متفائل بمشروع «حزب الله» طبعاً وهذا المشروع عمره اطول من عمري وعمر اخواني، والعناية الالهية احاطت به منذ البداية, نحن في كل سنة منذ العام 1982 الى هذه السنة كنا نواجه ظروفاً اما داخلية اقليمية او دولية يكاد الناس ان يقولوا فيها، نكاد ان نقول فيها، لقد انتهينا، قضي علينا, ونحن الان نواجه قرار اعدام، ولكن كان الله تعالى دائماً يخرجنا من المحنة افضل واقوى واثبت واشد ايماناً واشد حضوراً واشد عنفواناً, هذا الذي حصل، اليوم للاسف بعض السياسيين اللبنانيين ينتقدون، ويقولون الذي صار في لبنان كان حزب الله هو الرابح الاكبر, هذا كلام صحيح نحن لا نتحدث عن انفسنا, نحن لا نتحدث عن ربح, نحن نبحث عن بلدنا هل يربح او يخسر, نحن نتحدث عن حزب هل يربح او يخسر.
انا شخصياً متفائل جداً بمستقبل «حزب الله» ومستقبل مشروعه وباطار حزب الله وخطابه, وما دام هذا المشروع مستمراً وعمره بالتأكيد اطول من عمري وعمر اخواني فانا في خدمته ولن يكون لي مكان اخر.
• تتمنى على قيادة الحزب ان يرسلوك الى الجنوب او الى البقاع, اذا كتب الله وتوسع حزب الله خارج لبنان؟
ـ الى اين؟ الى الكويت يعني؟
• الى العراق مثلاً؟
ـ يجب ان نفصل بين امرين, فكر وثقافة حزب الله لا يمكن حصرها في مكان, ويمكن لاي احد ان يؤمن بهذا الفكر ويحميه ولكن حزب الله ليس لديه اي مشروع لتوسيع اطاره التنظيمي الى الخارج, لانه يؤمن بان اهل كل بلد ادرى ببلدهم وتعقيداتهم وظروفهم, الان الظروف مختلفة، حزب الله لا يطرح نفسه حزباً قائداً للامة على اختلاف الاحزاب القائمة، ولا حزباً قائداً للبنان, بل يطرح نفسه حزباً في خدمة لبنان والامة من خلال الساحة اللبنانية، ونحن لا نريد ان نتعدى هذه الساحة, طبعاً انا اعرف وقرأت بعض الانتقادات السلفية لهذا الفكر، وانا حاضر لنقاش فكري حول هذا الامر، هذا الامر يرتبط بالقدرة والمصالح، ومصالح المسلمين انفسهم, البعض يشخّص بان مصلحة المسلمين في ان نتدخل في كل مكان, نحن نشخص ان مصلحة المسلمين في ألا نتدخل في كل مكان, ان نقدم لاخواننا في البلدان الاخرى، النصح، المشورة، الفكرة، التجربة والمساعدة, ولكن ان نضطر لنكون بديلاً عنهم، وان نتحول قيادة لهم، فهذا غير صحيح في رأيي.
اذاً الامر غير مطروح ماذا تحمله السنون, في النهاية انا انسان, نحن عندنا في ادبياتنا نقول انا تحت التكليف, اين يضعني الاخوان انا حاضر, اذا كان في يوم من الايام وجودي في العراق او في غير العراق فيه خدمة وليس ضرراً ـ لانه احياناً ذهاب واحد منا الى بلد آخر قد يلحق الضرر بذاك البلد ـ فإذا كان وجودي فيه خدمة انا حاضر، ولكن لا يبدو ان وجودي فيه خدمة.