
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في احتفال أبناء ساحل المتن الجنوبي في مجمع سيد الشهداء (عليه السلام) الرويس 8-6-2005
برعاية الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، أقام حزب الله في مجمع سيد الشهداء (عليه السلام) الرويس مهرجانا كبيرا لأبناء ساحل المتن الجنوبي بحضور مرشحي لائحة وحدة الجبل وشخصيات رسمية وحزبية، وبعد عزف أناشيد وطنية لفرقة الولاية، ألقى السيد نصر الله الكلمة التالية:
بداية، ومن خلال وقائع المرحلة الأولى والثانية من الإنتخابات النيابية هذا العام وما ننتظره من مراحل، يجب أن نؤكد أننا عندما تحدثنا عن موعد الإنتخابات، وأنا قلت بوضوح في بنت جبيل نحن ممن طرح فكرة تأجيل الإنتخابات، يتأكد من خلال المراحل السابقة والآتية أنّ حزب الله لم يكن يخشَ موعد الإنتخابات وقانون الإنتخابات في أي موعد وفي أي صيغة، نحن جاهزون للإنتخابات في أي وقت وفي إطار أي قانون لأننا واثقون من شعبنا وأهلنا ومحبتهم ووفائهم، كما كان في المرحلة أهل بيروت أهل وفاء، وكما كان في المرحلة الثانية أهل الجنوب أهل وفاء، أنا متأكد تماما أن أهلنا في بقية المراحل وابتداء من هنا من دائرة بعبدا عاليه ومن ساحل المتن الجنوبي ومن كل عائلاته وبلداته وقراه هم أهل بكل تأكيد. هذا الوفاء عرفناه خلال كل السنين الماضية وكتبتموه أنتم بدماء أبنائكم الشهداء وبصبركم وصمودكم وتضحياتكم. عندما نتحدث عن المقاومة يتصور البعض كأننا نتحدث عن فئة معزولة وعن شعب يدعم هذه الفئة ويساندها وهذا خطأ كبير ترتكبه الإدارة الأمريكية ومعها الكثير من الغربيين (...).
إذا كان من تحفظ ما على الموعد فإنما هو لإتاحة الفرصة أمام بقية اللبنانيين أو عدد كبير من التيارات والقوى السياسية في لبنان لتأتي إلى الإنتخابات حاضرة وجاهزة وبالتالي لتكون أمامنا إنتخابات منصفة، وثانيا لتتاح الفرصة لوضع قانون معقول ومنصف يرضي الأغلبية الساحقة من اللبنانيين حتى لا تواجه الإنتخابات بعزوف هنا ومقاطعة هناك وإشكال هنا وتوقف هناك. إن موقفنا من قانون الإنتخاب لم يكن ولن يكون في يوم من الأيام على أساس حسابات طائفية أو حزبية بل على أساس حسابات وطنية ليشعر كل اللبنانيين أنهم ممثلون في المجلس النيابي باعتباره أعلى سلطة فعلية في البلاد، وأيضا عندما نتحدث عن موعد للإنتخابات لا ننطلق من حسابات حزبية ولا مناطقية ولا طائفية، وإنما من حسابات وطنية أيضا ليشعر كل اللبنانيين أنّ أمامهم فرص حقيقية للمشاركة الفعلية في إدارة شؤون بلادهم.
النقطة الثانية، أرى من واجبي أن أتوجه بالشكر أولا لأهل بيروت الشرفاء والأوفياء الذين احتضنوا مرشحنا وكان الكلام منذ البداية للرئيس الشهيد رفيق الحريري ومن بعدها لعائلته وللشيخ سعد الدين ولتيار المستقبل أننا نحتضن مرشح المقاومة لأنّ بيروت أيضا هي مدينة المقاومة التي صمدت بوجه الغزوة الإسرائيلية في حزيران عام 1982 في مثل هذه الأيام حيث كانت تقاتل وتصمد ومن الطبيعي أن تحتضن مرشح ينتمي إلى فصيل أساسي ومركزي في هذه المقاومة. لأهل بيروت بكل انتماءاتهم وطوائفهم وللإخوة في تيار المستقبل ولعائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وللشيخ سعد الدين الحريري كل الشكر والتقدير على هذا الوفاء. أيضا أتوجه بالشكر إلى كل أهلنا في الجنوب في كل مناطقه الذين حضروا وأحدثوا أو أوجدوا أجواء كبيرة وهامة ومليئة بالدلالات العاطفية والمعنوية والسياسية والشعبية مع أن المنافسة الحقيقية الإنتخابية كانت غائبة ولكن أهل الجنوب مارسوا في انتخابات الأحد الماضي عملية استفتاء وليست عملية انتخاب، البعض يقول فاجأنا وأذهلنا الجنوب أما نحن فلم يذهلنا الجنوب أو يفاجئنا، الجنوب المعطاء دائما وأبدا بعطاء الدم كنّا واثقين أنه لن يبخل بصوت ومن يعطي دما يعطي صوتا. من يقف ويقاتل ويصمد ويصبر سنوات طوال في إطار المقاومة لمواجهة الإحتلال لن يتعبه أن يخرج مع عائلته في يوم السبت ليذهب إلى الجنوب وينتخب أو إذا كان في الجنوب أو يذهب إلى صناديق الإقتراع. إنّ ما كتب وقيل هو صحيح، إنّ استفتاء الجنوب وليس انتخابات الجنوب وجهت رسائل كبيرة وهامة وواضحة.
أريد أن أقف عند بعض الخلفيات، بعد توجه الشكر لأهلنا في الجنوب جميعا وبالخصوص جزين وصيدا ومرجعيون حاصبيا يعني الدوائر الإنتخابية التي كان قد فاز مرشحوها بالتزكية إمّا كاملا كما في صيدا وجزين أو جزئيا كما في مرجعيون حاصبيا، هذا أمر لم يكن مفاجئا. صيدا مثلا مدينة الشهيد الرئيس الحريري ومدينة الشهيد معروف سعد ومدينة الشهداء من نزيه قبرصلي إلى جمال حبال وشهدا ءالمقاومة الإسلامية وشهداء المقاومة الوطنية إلى مدينة العلماء، هذه المدينة من الطبيعي جدا أن تدخل وتعبر عن موقفها لأنّ ما كان يجري يوم الأحد ليس انتخاب لائحة على حساب لائحة وإنما استفتاء لمصلحة المقاومة، وأعتبر كل الذين صوتوا في الجنوب لكل اللوائح ولكل المرشحين المنفردين صوتوا للمقاومة، لائحتا المقاومة والتنمية والتحرير أعلنت التزامها بحماية المقاومة ولكن اللوائح الأخرى أيضا أعلنت التزامها بحماية المقاومة، المرشحون المنفردون في بياناتهم السياسية تحدثوا أيضا عن حماية المقاومة، إذا في الجنوب كان عنوان حماية المقاومة عنوانا إجماعيا وليس عنوانا أكثريا أجمع عليه المرشحون المتنافسون والناخبون الذين أعطوا اللوائح المختلفة وهذا دلالاته عظيمة وكبيرة جدا، وفي اللوائح الأخرى أيضا كان هناك مقاومون وشرفاء، وبطبيعة الحال أن تنقسم اللوائح وتتعدد، في اللوائح المقابلة لا نواجه أخصاما وأعداء وإنماء هناك اعتبارات سياسية وانتخابية تتحكم بتشكيل اللوائح بشكل أو بآخر.
أقف عند الخلفية، أهل الجنوب ومعهم أهل البقاع الغربي وراشيا أي المناطق التي لم يشملها الإنسحاب عام 1985 أي المناطق التي بقيت تحت الإحتلال إلى عام ألفين، هذه المناطق كانت تعاني من الإحتلال والمواجهات اليومية، أهل الشريط المحتل كانوا قسمين ، قسم يعيش تحت الإحتلال وذله وقسم آخر مهجر خارج المنطقة المحتلة، المناطق المحتلة واجهت دائما الإعتداءات الإسرائيلية اليومية والأخطار، خلال تجربة المقاومة منذ الإنسحاب الكبير عام 1985 إلى عام 2000 ماذا رأي أهل الجنوب والبقاع الغربي وراشيا من المقاومة وشبابها وماذا وجدوا منهم؟ وجدوا رجالا يحملون دماءهم ويقاتلون بصدق وبجدية من أجل تحرير أرضهم وحمايتهم وطرد العدو ومنع اعتداءاته من خلال توازنات تفاهم تموز أو نيسان ومن خلال الكاتيوشا وغير ذلك. إذا أهل الجنوب البقاع الغربي وراشيا عايشوا مقاومة جدية وحقيقية فعلية وليست مقاومة منابر وتلفزيونات وخطابات هذا من جهة. ومن جهة ثانية عايش أهل هذه المناطق رجال المناطق فوجدوا فيهم الرجال المؤمنين الملتزمين إنسانيا وأخلاقيا وأدبيا ووطنيا، لم يعتدوا ولم يمارسوا سلطة وإنما كان همهم الدفاع عن شعبهم، هذا ما لا يفهمه الأمريكيون والذين يعيشون في الأماكن البعيدة، نشأ بين المقاومين وهل هذه المناطق علاقة حب وود وعاطفة وعلاقة إيمان وثقة قوية وقناعة راسخة، ولماذ لا؟أليس هؤلاء المقاومون من أبناءهم وأزواجهم وآبائهم وإخوانهم، وهم ليسوا مرتزقة جيئ بهم من هذا البلد أو ذلك البلد (...). أهل الجنوب والبقاع الغربي وراشيا آمنوا بالمقاومة بدمائهم وبصبرهم ومعاناتهم وآلامهم، لذلك هي تعيش في قلوبهم وضمائرهم ووجدانهم وليس في موقفهم السياسي أو خطابهم السياسي، هذه هي الخلفية الحقيقية. اليوم يرى أهل هذه المناطق أن المقاومة ضمانتهم، هذه المناطق اليوم تنعم بأمن واستقرار وسلام لم تشهده منذ عشرات السنين : على مستوى الأمن الداخلي هناك جيش وطني وهناك قوى أمنية لبنانية ومخافر درك وثكنات للجيش والسلطة الرسمية تتحمل مسؤولية الأمن الداخلي والمقاومة لا تتدخل في أي شأ، من شؤون الأمن الداخلي ولا تتشابك في أي شأن من شؤون السلطة، أمن داخلي مستقر وتوافق سياسي يعزز هذا الأمن الداخلي وتعاون بين الطوائف والأحزاب والمدن والمناطق والتيارات، وأيضا مقاومة تقف بالمرصاد لمواجهة أي اعتداء على جنوب لبنان (...). هذه الصيغة التي تحميهم : الجيش والمقاومة، الدولة والشعب، من لديه صيغة أخرى فليتفضل، ولذلك خرج أهل الجنوب يوم الأحد ليقولوا للعالم كله نحن هنا نستفتي بالدرجة لأنّهم شعروا أن المقاومة وسلاحها التي تحميهم مستهدفة من الأجنبي ومن أمريكا وإسرائيل...
قد يقال أنّ مسألة المقاومة وسلاحها ووظيفتها ليست شأنا جنوبيا بل شأن لبناني وطني وهذا صحيح لكن في ضمن الشأن اللبناني الوطني هي شأن جنوبي بامتياز لأنّ أرض الجنوب هي التي كانت محتلة خلال 15 عاما ولأنّ أهل بلدات الجنوب هم الذين هجروا وشرّدوا ولأنّ القرى الأمامية في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا هي التي كانت تعاني من القصف اليومي والإعتداءات اليومية والنقص اليومي. وحتى عندما تناقش هذه المسألة كشأن لبناني لا يستطيع أحد أن يتجاوز رأي المنطقة التي عانت وقدمت وضحت وما زالت في دائرة الخطر.
الأحد المقبل لدينا انتخابات جبل لبنان والبقاع وما بعده في الشمال، ما زلنا نتابع ونواصل تحمل المسؤولية، التحدي الكبير أمام لبنان هو أي مجلس نيابي سيأتي بعد أيام قليلة وتركيبته وهويته وعنوان هذا المجلس. الأمريكيون يريدون مجلس نيابي يستطيعون إملاء الشروط عليه وأن يتابع تنفيذ مشروعهم الذي يخدم مصالحهم ومصالح إسرائيل، اللبنانيون معنيون بانتخاب مجلس نيابي يحقق مصالح لبنان وشعبه، واللبنانيون في المرحلة الحالية مسؤوليتهم كبيرة وخطيرة وجسيمة جدا. نحن نعيش في وضع بعد زلزالين كبيرين حصلا خلال فترة وجيزة الأول استشهاد الرئيس رفيق الحريري ومن معه والثاني التحول الكبير بعد خروج القوات السورية من لبنان. نحن الآن اللبنانيون مع بعض، إمّا مع بعض أو بوجه بعض، نحن الذين يجب أن نختار ونقرر وأن نحدد مصير بلدنا، بيد الشعب اللبناني اليوم إرادة الإستقلال أو ضياع الإستقلال. الذي نتطلع إليه أن نبحث جميعا عن تحقيق مصالحنا الوطنية بالدرجة الأولى لأننا شعب ودولة بحاجة لأن يكون لنا استقلالنا وحريتنا وقرارنا ودولتنا دولة المؤسسات وأن يكون لنا قانون يحكم البلد وخطط وبرامج وقدرة على معالجة الأزمات الإقتصادية والمعيشية والتحديات الكبرى وأن تكون لنا أيضا القدرة على حماية بلدنا وسيادته وكرامته ووحدته في ظل المتغيرات الكبرى التي تحصل في منطقتنا وفي أجواء المشروع التقسيمي التفتيتي الذي تقوده أمريكا وإسرائيل في عالمنا العربي والإسلامي . مسؤولية الأجيال اللبنانية الحالية في كل المناطق هي مسؤولية تاريخية لأننا أمام بداية مرحلة تاريخية جديدة، كيف نتعاطى الآن سوف يرتسم من خلال ذلك مستقبل لبنان لعشرات السنين، هذا يعني مسؤولية تاريخية.
أمام كل التحديات الخارجية والداخلية وأهمها تهديد الفتنة، الأمريكيون والصهاينة سينقلون الفتنة من بلد إلى بلد لأنّ مشروعهم الحقيقي في البلد هو إعادة تقسيم المنطقة على أسس طائفية وعرقية حتى لا يكون في منطقتنا دولة قوية وكبيرة وعزيزة وتمتلك عناصر وحدة وطنية حقيقة، لتبقى القوة الأكبر والنموذج الحضاري والواحة الديموقراطية كما يقولون هي إسرائيل ولتخضع وتركع شعوب منطقتنا لأمريكا وإسرائيل. في الأعوام الماضية هبت في بلادنا العربية والإسلامية صحوة شعبية عارمة ووعي هائل اتجاه المشروع الصهيوني والهيمنة الأمريكية، لكن للأسف الشديد بسبب وضعية الأنظمة السياسية وبسبب غياب الكثير من القيادات الحكيمة والعاقلة وذات الأفق الواسع، هذه الصحوة وهذه الإرادة وهذا العنفوان على مستوى الأمّة يكاد يضيع لتتحول المعركة من معركة مع الإحتلال ومع مشاريع الهيمنة الجديدة إلى تصارع وتقاتل داخل بين المسلمين والمسيحيين في أماكن، وبين الشيعة والسنة والسنة والشيعة في أماكن، وبين العرب والكرد في أماكن، وغدا سوف نسمع مصطلحات وعناوين جديدة في بلدان جديدة.
أعيد التحذير في لبنان، يريد الأمريكيون دفع لبنان إلى الفتنة، أقول للأمريكيين دعونا كلبنانيين نتحاور ونتناقش في مختلف مسائلنا الأساسية والمصيرية ونحن كفؤون وعاقلون وجديرون بحفظ بلدنا وكرامته وسيادته ووحدته الوطنية واستقلاله وحريته وقوته. اتركوا تحريض بعض اللبنانيين على بعض وإثارة مخاوف بعضهم من بعض، اتركوا إثارة الحساسيات المذهبية والطائفية والسياسية والمناطقية بين اللبنانيين، دعوا اللبنانيين لشأنهم وسنثبت أننا شعب يليق به الإستقلال والسيادة والحرية والمقاومة والتحرير والشرف وبناء الدولة الحديثة والعصرية. إنّ التحريض الأمريكي اليوم في الإعلام واللقاءات الداخلية بدأ يتجاوز حد القيادات الحزبية والسياسية إلى بعض المؤسسات الأمنية والعسكرية، وبدأنا نقرأ كثرة زيارات أمريكية وغير أمريكية لمؤسسة الجيش اللبناني، وبدأنا نقرأ تصريحات وأحاديث في الولايات المتحدة عن استراتيجيات جديد، اليوم استيقظ الأمريكيون وتذكروا أنّ هناك جيشا في لبنان وأعلنوا استعدادهم لدعمه ، لماذا، هل من أجل أن يحمي الوطن ومن أجل أن يثبت الوحدة الوطنية؟ لا، وإنما ليحرضوا الشعب على الجيش والجيش على الشعب، والجيش على المقاومة والمقاومة على الجيش،لكن نحن أبناء المقاومة نقول للأمريكيين، نحن أبناء المقاومة الذين قاتلنا لسنوات طويلة جدا جنبا إلى جنب وكتفا إلى كتب مع ضباط وجنود الجيش اللبناني الوطني ونحن الذين قدمنا الشهداء سويا في عربصاليم والجبل الرفيع، نحن الذين تحملنا كل ويلات الحرب والمواجهة سويا وكنا نقصف ونقتل سويا، المقاومة والجيش هم أبناء شعب وعائلة وبيت واحد، هذا الجيش نعرف قيادته وضباطه وجنوده ونعرف حقيقته ونقول للأمريكيين إنّ جيشنا هو وطني حقيقي فوق كل آمالكم ورهاناتكم. لذلك نحن معنيون بالمحافظة على بلدنا وإن كانت هناك خلافات سياسية حول قانون الإنتخاب وحول الإصلاح الإداري والسياسي يمكن معالجة ذلك كله بالوسائل السياسية. أكبر مشكلة بين اللبنانيين يمكن أن تعالج بالحوار وبالتسويات الداخلية ويشرفنا كلبنانيين أن نكون حاضرين وجاهزين لإجراء تسويات داخلية من أجل مصلحتنا الوطنية الكبرى.
بناء عليه في الوقت الذي كنا نؤكد دائما استعدادنا كحزب الله للحوار في أي مسألة من المسائل الأساسية والمصيرية وحتى المسائل التفصيلية، أمام المتغيرات الجديدة والتحديات الجديدة، قبل أن أدعو اللبنانيين ندعو أنفسنا في حزب الله، إلى طي صفحة الماضي كل الماضي بكل مآسيه وآلامه وحروبه الأهلية واتهاماته المتبادلة. ندعو إلى بدء مرحلة جديدة من الحياة السياسية في لبنان على قاعدة أن يعترف بعضنا ببعض وأن يحاور بعضنا بعضا وأن يناقش بعضنا بعضا وأن يلتقي بعضنا بعضا وأن نعزم جميعا على حل كل مسائلنا الخلافية من خلال الحوار والنقاش والتوافق. نحن هنا وفي ظلال الجبل ووحدة الجبل ولائحة وحدة الجبل ندعو إلى مصالحة وطنية حقيقية بين كل اللبنانيين وبين كل الذين تقاتلوا وتصارعوا في الماضي وإن كان هناك من ملفات عالقة فليعمل على معالجتها بالحكمة وبالهدوء والروية وبحفظ الكرامات وكلنا مستعدون للتعاون المساعدة في هذا الإطار.
يشرفني أن أعلن إنطلاقا من هذا الإحساس بالمسؤولية أننا في حزب الله ومن خلال لائحة وحدة الجبل كترجمة فعلية لهذه السياسة أننا سنكون على تواصل وتلاقي وتحاور مع جميع القوى السياسية والشخصيات السياسية في لبنان بلا استثناء بلا أي استثناء. على هذه القاعدة السياسية يأتي تشكيل لائحة وحدة الجبل دون أن يعني ذلك أي خصومة أو عداوة مع أي لائحة أخرى لأنّ المنفردين والمتواجدين في اللوائح الأخرى هم أيضا يعبرون عن فئات وشرائح شعبية وسياسية وتيارات نحترمها ويجب أن نتشارك معها جميعا في بناء وطننا ومعالجة مشاكل شعبنا وحماية هذا البلد.
اسمحوا لي أيضا أن أستعيد شعارا طرح في عز الحرب الأهلية اللبنانية وأعيد التذكير به وأقول : هذا الشعار طرحته جهة أو تيار سياسي حتى الأمس لم نكن على تلاقي معها ونحن نقبل أن نعود إلى هذا الشعار وتفضلوا واقبلوا به قاسما مشتركا (...). تعالوا لنعود إلى شعار "بدنا لبنان الـ 10452 كيلومتر مربع "، ألم يكن هذا الشعار الذي رفعه الشيخ بشير الجميل في تلك المرحلة؟ لكن انتبهوا جيدا، أتعرفون مقدار الـ 10452 كيلومتر مربع؟ يعني "مزارع شبعا جواتون لقمم الجبال". لبنان لا يصبح 10452 كيلومتر مربع بدون القرى السبع في شمال فلسطين المحتلة.
على هذه القاعدة السياسية، بناء على هذه الرؤية التي تدعو ـ وهذا ما سمعناه في بيان لائحة وحدة الجبل ـ إلى الوحدة الوطنية وتعزيزها ومعالجة الأزمات الرئيسية وتطبيق إتفاق الطائف وحماية المقاومة، كان من الطبيعي أن يكون حزب الله متحالفا مع بقية القوى السياسية والشخصيات السياسية في لائحة وحدة الجبل وداعما لها وممثلا فيها من خلال النائب علي عمار. نحن يوم الأحد سوف ندعم هذه اللائحة ونصوّت لهذه اللائحة كاملة.
نحن أيضا عندما اخترنا هذه اللائحة انطلاقا من المصالح السياسية الكبرى بالدرجة الأولى أخذنا بعين الإعتبار مصالح بعبدا عاليه، عندما ندعو سكان ساحل المتن الجنوبي إلى هذا الموقع نأخذ بعين الإعتبار مصلحة المنطقة وسكانها أيضا لأنّها كانت ويجب أن تبقى عنوانا للوحدة والتواصل والتلاقي مع كل القوى الأساسية الموجودة في هذه المنطقة. إنشاء الله في المرحلة الثالثة ستكونون أوفياء كما كنتم في المراحل السابقة.
بالنسبة إلى الأمريكيين لا تشغلوا بالكم كثيرا فيما يقولون وفيما يعلقون، والله لو انتخب الشعب اللبناني فرضا ـ وفرض المحال ليس بمحال ـ 128 نائبا وكلهم من حزب الله لقامت الإدارة الأمريكية ولقالت لبنان ومجلسه النيابي والشعب اللبناني إرهاب يجب مسحه من الوجود. هؤلاء لن يعجبهم شيء على الإطلاق، أكبر خداع وكذب في التاريخ هو الذي تمارسه أمريكا اليوم على شعوب العالم. قبل أكثر من عامين عندما قرر (جورج) بوش غزو العراق وقف قداسة البابا الراحل وباباوات وبطاركة الكنائس الشرقية والغربية والعالم الإسلامي وعلماء المسلمين في العالم الإسلامي وخرجت عشرات الملايين في العالم الإسلامي وأوروبا وفي أمريكا لتندد بهذا القرار، هل كان البابا والبطاركة والمشايخ والشعوب في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية وحتى في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، هل كان سخطها وغضبها يعين شيئا لجورج بوش الذي لا يرى شيئا في العراق إلاّ النفط؟
لمن يناقش في السلاح، السلاح ليس هو القضية، المقاومة هي القضية وإرادة المقاومة هي القضية، عندما نقف في لبنان ونقول للأمريكيين "أ" سيأتي اليوم الذي يحددون فيه خياراتنا الكبيرة والصغيرة ويحددون فيه رئيسنا وحكومتنا ونوابنا ووزراءنا ومدراءنا وضباطنا ويتدخلون في تفاصيل مناهجنا الدراسية ويتدخلون حتى في الإنجيل والقرآن. المسألة هي ليست مسألة الـ "أ" هي مسألة الـ " ي ". صحيح أنّ الناس وجهت في المراحل السابقة رسالة، لكن يوجهون رسالة لمن، للأعمى والأبكم والأصم الذي لا يرى إلاّ بعين إسرائيل ولا يسمع إلاّ بأذن إسرائيل ولا ينطق إلا بلسان إسرائيل. نحن في لبنان نخوض ليس معركة حماية المقاومة وإنما حماية الإرادة الوطنية والوحدة الوطنية واسمحوا لي أن أقول إنّ أول وأكبر تحدي أمام المجلس النيابي الجديد هو أن يثبت أنه مجلس عنوانه الحقيق والصادق السيادة والحرية والإستقلال عن أي أجنبي (...).