
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في مهرجان "النصرة والتأييد للشعب العراقي المظلوم" الذي أقيم في مجمع سيد الشهداء - حارة حريك بتاريخ الثلاثاء 18-5-2004
الكلمة التي ألقاها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مهرجان "النصرة والتأييد للشعب العراقي المظلوم" الذي أقيم في مجمع سيد الشهداء - حارة حريك بتاريخ الثلاثاء 18/5/2004.
"في البداية نتوجه إلى الأرواح الطيبة للشهداء المظلومين والمجاهدين في العراق وفلسطين ولبنان وكل ساحات صراع الحق مع الباطل بالتحية والإعظام والتعظيم والإجلال، ونهدي إلى أرواحهم الطيبة الطاهرة سورة الفاتحة.. نلتقي هنا لهدف محدد وتحت عنوان محدد طرحناه في الدعوة التي وجهت لهذا اللقاء العاجل، عنوان الدفاع عن العتبات المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء، وعنوان النصرة والتضامن مع الشعب العراقي المظلوم والمجاهد والمقاوم. ويأتي هذا اللقاء في مثل هذه الليالي والأيام التي يحتفل فيها لبنان بذكرى عزيزة وغالية وهي ذكرى الـ 25 من أيار 2000 ذكرى تحرير الجزء الأكبر من الأرض المباركة من دنس الاحتلال الصهيوني، ولكن في جوارنا احتلال واحتلال، في فلسطين احتلال يقاتل من بيت إلى بيت ومقاومة تقاتل من بيت إلى بيت، في غزة وحي الزيتون ورفح المدينة والمخيم المحاصرين والموضوعين أمام كارثة إنسانية، وفي العراق احتلال آخر من نفس النوعية والماهية والسنخية، في الهمجية والتوحش والقتل والتدمير وارتكاب المجازر وتحت نفس اليافطات، المدنية والديمقراطية والحضارة وحقوق الإنسان، قلوبنا التي كانت تتمنى أن يتاح لها فرصة الفرح بإنجاز صنعه آلاف الشهداء في لبنان يأبى أعداؤنا والأحزان والكوارث إلا أن تملأها ألماً حزناً وقيحاً لما يجري في العراق وفلسطين، وفي هذه المناسبة أشكر جميع السادة العلماء والأخوة الممثلين للأحزاب والفصائل والجمعيات والقوى وسعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية والأخوة والأخوات الذين شرفونا في هذه الليلة ليؤكدوا أن قلوبهم وعقولهم تحتضن قضايا الأمة مهما تكن المشاغل المحلية قوية وحاضرة ولكنها لا تحول بينهم وبين التعبير عن موقفهم وعما يجول في خاطرهم وما تختزنه قلوبهم من عاطفة وإراداتهم من موقف.
أبدأ من العراق لأصل إلى العتبات المقدسة وانتهي عند فلسطين. قبل عام وعلى امتداد العام الماضي كان لنا موقف واضح وصريح جداً من الاحتلال لأميركي للعراق. لقد رفضنا هذا الاحتلال وأدنّاه، وأيضاً منذ البداية كنا ندرك ونفهم الغايات والأهداف الحقيقية لهذا الاحتلال، للحرب الأميركية على العراق وشرحنا ذلك وأوضحنا ذلك في أكثر من مناسبة واحتفال ولقاء. اليوم وبعد مضي عام واحد فقط على الاحتلال الأميركي للعراق سقطت كل الشعارات الأميركية المزيفة وانكشفت كل الأهداف الأميركية الحقيقية التي تقف خلف الحرب والاحتلال. بعد مضي عام واحد فقط أصبح كل شيء واضح لكل ذي عينين وقلب سليم وإرداة صادقة، ولا يستطيع أن يتنكر لأي شيء من الحقائق التي شهدناها وشاهدناها في العراق وعلى امتداد الأمة خلال العام المنصرم، والتي ألخص بعضها بإيجاز. أولاً: في الديمقراطية، قال الأميركيون إنهم جاؤوا إلى العراق للقضاء على النظام الديكتاتوري الانقلابي الذي يفرض نفسه وعائلته وعشيرته على شعب العراق بمعزل عن إرادة العراقيين أنفسهم، وقالوا إنهم جاؤوا ليستبدلوا هذا النظام الاستبدادي الديكتاتوري الصدامي بنظام يعبر عن إرادة العراقيين من خلال الديمقراطية ورأس الديمقراطية المطروحة والحديثة هو الانتخاب الشعبي. ولكن ماذا حصل حتى الآن، وماذا يجري خلال الشهور القليلة المقبلة، الذي حصل إنهم منذ اليوم الأول فرضوا حاكماً أميركياً على الشعب العراقي وأعطوه كل الصلاحيات بمعزل عن أي مؤسسة حاكمة في العراق، حتى مجلس الحكم احتفظ الأميركيون معه للحاكم الأميركي بحق الفيتو، هو الذي يقرر ويدير ويضع الفيتو على ما لا يعجبه أي على ما لا يتناسب مع مصالح الولايات المتحدة وليس على ما لا يتناسب مع مصالح الشعب العراقي. وبعد ذلك, وأمام الأصوات المرتفعة من المرجعية الدينية في النجف الأشرف، المراجع العظام في النجف الأشرف ومن عدة قوى وقيادات وتيارات دينية وعلمائية وسياسية في العراق تدعو إلى إجراء الانتخابات قبل الثلاثين من حزيران لانتاج مجلس وطني منتخب تنبثق عنه حكومة وطنية منتخبة تعبر عن إرادة العراقيين، وقف الأميركيون بقوة أمام هذا الطرح وأسقطوه بدعاوي وحجج مختلفة. واستبدلوا الدعوة العراقية إلى الانتخاب التي انط لقت من مراجعهم وقياداتهم علمائهم وتياراتهم العريضة وأحزابهم ونخبهم، بفكرة تنصيب حكومة انتقالية، وليس انتخاباً مع بعض الغطاء من الأمم المتحدة. هذه هي الديمقراطية التي يتحدث عنها الأميركيون. المجيء بحكومة معينة من الأميركيين والقول إنها حكومة وطنية مستقلة وذات سيادة لتوقع على اتفاقيات أمنية واقتصادية وسياسية تكرس الهيمنة الأميركية الأمنية والاقتصادية والسياسية على العراق. وفي محصلة هذا الهدف والشعار والعنوان ما حصل خلال عام هو استبدال نظام ديكتاتوري بنظام ديكتاتوري آخر، وبدل أن تختصر كل صلاحيات الحكم في يد صدام حسين ومن معه، اختصرت في يد الحاكم بريمر ومن ورائه رامسفيلد وبوش بمعزل عن إرادة العراقيين.
ثانياً: الشعار الذي طرح لإنقاذ الشعب العراقي من النظام القمعي، من القمع والقتل والمقابر الجماعية تحت عنوان حماية حقوق الانسان، هذا الشعار سقط وهذا الهدف فضح من خلال سلوك الأميركيين خلال العام الماضي وهذه الأيام مع العراقيين من خلال سلوكهم مع كل العراقيين من كل الفئات والطوائف. السلوك القمعي والقتل والتدمير وارتكاب المجازر وهدم المساجد والبيوت والأحياء وقصف المدن من الفلوجة إلى النجف وكبلاء ومدينة الصدر وغيرها من مدن العراق، كما كان يفعل صدام حسين تماماً، إلى الفضيحة الكبرى في سجن أبو غريب. هؤلاء أساتذة الديمقراطية وحقوق الانسان، والقيم والحضارة الغربية التي يريدون نشرها وبعثها في عالمنا العربي والإسلامي، ماذا فعلوا بالسجناء في سجن ابو غريب بالرجال والنساء على حد سواء. كلكم يعرف ولساني يعجز عن أن أذكر هذه الأمور، عيوننا لا تطيق أن تنظر إلى هذه المشاهد لا في التلفزيون ولا على صفحات الإنترنت التي تحتوي مشاهد أفظع وأبشع، وبالتالي ماذا فعلوا في السجون العراقية تماماً كما كان يفعل صدام حسين، وهو الذي كان يعذب العراقيين بمثل هذه البشاعة والفظاعة، وكان يعلم سادة البيت الأبيض ما يفعله صدام بالعراقيين خلال ثلاثين عاماً ولم يحركوا ساكناً بل دافعوا عنه وحموه وحفظوه خلال المراحل الماضية وها هم يفعلون تماماً ما كان يفعله صدام حسين. في قتل الناس الكثير من الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام، بمجرد الشبهة والشك يبدأ الجنود الأميركيون بإطلاق النار على النساء والأطفال والمدنيين العراقيين في أي مكان، عندما يتعرضون لإلقاء قنبلة أو إطلاق نار يقتلون كل من يقف في وجههم. هذه هي حقوق الانسان؟ لم يتركوا حرمة لا لدم ولا لعرض ولا لدين ولا لمقدسات، والآن وصلنا إلى المرحلة التي تنتهك فيها الحرمات المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء، ويطلق فيه القذائف على قبة مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في النجف الأشرف، وتحيط الدبابات الأميركية مقام سيد الشهداء أبي عبد الله (ع) في كربلاء على ما شاهدنا على شاشات التلفزة، وبالتالي لم يبقَ هناك أي حرمة لا لدم ولا لعرض ولا لدين ولا لمقدس. أين هي حقوق الانسان؟ هذا هو الانسان. الانسان كرامة ودم وعرض ودين ومقدسات، هذه هو الذي يميزه عن الحيوان. لقد انكشف خلال عام واحد أن الأميركيين استبدلوا نظاماً قمعياً بنظام قمعي، واستبدلوا نظاماً ديكتاتورياً غير ديمقراطي بنظام ديكتاتوري غير ديمقراطي. من نفس المدرسة والمفاهيم والأفكار والخلفية.
أما أسلحة الدمار الشامل التي زودوا بها صدام حسين فلم يجدوا منها شيئاً، لماذا؟ لأنها استخدمت ضد الإيرانيين والعراقيين والأكراد، والباقي أتلف. إنهم جاؤوا إلى العراق لأنه يشكل تهديداً لجيرانه. وما هو الحال الآن في العراق ألا يشكل قوات الاحتلال والقواعد الأميركية تهديداً لجيران العراق؟ ألا تشكل تهديداً لسوريا وإيران ولكل دول المنطقة. لقد استبدلوا تهديداً في العراق لدول الجوار، إلى تهديد آخر في العراق لدول الجوار. ما الذي تغير؟ الأهداف الأميركية باتت واضحة، وأستغرب أن يبقى أحد يناقش في أن الأميركيين جاؤوا إلى العراق لإقامة ديمقراطية ونظام منتخب وإقامة مؤسسات وإنقاذ العراقيين أو.. أو.. من المستغرب جداً أن يبقى أحد في هذه الأمة يناقش على هذا الصعيد. الهداف واضحة: وضع اليد على العراق، على ثرواته ونفطه وخيراته، الهيمنة المطلقة الأمنية والعسكرية والاقتصادية، ولكن بعد 30 حزيران بواجهة وطنية منصوبة ومعينة من المحتل نفسه، والاستفادة من موقع العراق لبسط الهيمنة على المنطقة وتهديد دول المنطقة خدمة للمشروع الأميركي - الصهيوني المعروف.
هذا ما هو ما حصل حتى الآن، ومن أجل تثبيت هيمنتهم وبقائهم وسيطرتهم في العراق لم يترك الأميركيون وسيلة إلا واستخدموها، القمع المباشر من خلال القوات المسلحة، الترهيب الدائم والمستمر ، تضليل العراقيين وخداعهم بالوعود والشعارات الفارغة والمزيفة، والأخطر من ذلك تشتيت صفوف العراقيين وإيجاد تناقض مصالح في ما بينهم ودفع الأمور باتجاه الفتنة الداخلية، بين العرب والأكراد، بين التركمان والكرد، بين الشيعة والسنة، في داخل الشيعة وداخل السنة، وهكذا. هؤلاء الذين جاؤوا من أجل الاستقرار في العراق هم أهم أسباب الفتنة الداخلية التي يسعون إلى تحقيقها في العراق ومسر كل المحرمات والحرمات. أمام هذا الواقع ماذا يبقى من خيارات أمام الشعب العراقي؟ لا مستقبل للعراق إلا من خلال مغادرة قوات الاحتلال لهذه الأرض المباركة والمقدسة، لا مستقبل للعراق إلى من خلال إتاحة الفرصة لشعبه أن يأتي بحكومة منتخبة تعبر عن إرادته وقراره وخياراته وليترك العراقيون أن يختاروا ما يريدون. من يقول إن العراقيين سيتقاتلون؟ لا، فلتغادر قوات الاحتلال وأيضاً بعض المجموعات السوداء المقنعة التي لا قضية لها ولا مشروع واضح، أرض العراق ويترك العراقيون سنة وعرب وتركمان وشيعة وأكراد ولا خوف ولا قلق على العراق. لم يبق أمام العراقيين سوى خيار أن يقفوا ويصمدوا ويقاوموا لفرض خروج قوات الاحتلال من أرضهم، بكل وسائل المقاومة السياسية والعسكرية والشعبية والإعلامية والاجتماعية. وهذا حق شرعي للعراقيين لا يستطيع أحد أن ينتزعه منهم وأن يشطبه من قاموس حقوقهم. كيف يقاوم العراقيون؟ ما هي أشكال المقاومة؟ هذه تفاصيل العراقيون أدرى بها. أنا أتحدث بالمبدأ بالأصل وبالرؤية والمبدأ وبالخيار العريض. أما مستقبل العراق في ظل الاحتلال المزيد من الخداع والهيمنة والديكتاتورية والقمع والزيف والخداع والتعذيب في السجون. كيف يمكن الإنسان أن يواجه مستقبلاً من هذا النوع؟ العراقيون هم أمام مسؤوليات كبيرة، هم أعرف كيف يمارسون خياراتهم، ولكننا من واقع التجربة في لبنان نقول لكل أخواننا وأحبتنا في العراق. إن المسؤولية التاريخية تقضي بأن يتحمل بعضهم بعضاً وأن يحمي بعضهم بعضاً وأن يحاور ويناقش ويصبر بعضهم بعضاً، لأن العراقيين اليوم من خلال صمودهم وثباتهم يرسمون مستقبل كل هذه المنطقة، وليس مستقبل العراق وحده. المر يستحق في الداخل والعلاقات الداخلية داخل السنة والشيعة والعرب والكرد وبين العراقيين المزيد من الدراسة والصبر والتحمل وبحث الخيارات، ولا يسمحوا للأميركيين في أي حال من الأحوال أن يستفردوا كل واحد على حدا، لأنه عندما يفعل ذلك سيفترس الجميع في نهاية المطاف، وسيفترس كل وطني وشريف يريد أن يبقى العراق للعراقيين وأن يبقى العراق للأمة، وحذار أن يندفع بعضنا هنا أو هناك تحت ضغط المشاعر أو قلة الصبر إلى فتنة تقدم للأميركيين خدمة جليلة، هنا يتضح الرجال الكبار الكبار بعقولهم وقلوبهم والقادرين على تحمل مسؤوليات تاريخية بهذا المستوى.
أمام وحدانية خيار المقاومة أمام الشعب العراقي بكل أشكالها وأنواعها، يجب أن نعترف أن هناك مصيبة تضاف إلى محن ومصائب الشعب العراقي، وتسيء إلى خيار المقاومة، هي مصيبة بعض المجموعات المجهولة الهوية والنسب والانتساب، والتي من خلال أفعالها تسيء إلى فكرة ومشروع المقاومة وكلمة المقاومة في وجدان العراقيين، في لبنان مع الوقت، بفعل الأداء والتضحيات والدقة والحكمة والإخلاص والصبر والتحمل والحرص، أصبحت كلمة المقاومة محببة لدى الرجال والأطفال والناس، ولكن بعض الأعمال في العراق التي تنسب إلى المقاومة وهي ليست من المقاومة تسيء إلى كلمة ومفهوم المقاومة، وكنت في السابق أقول لكم إن الذي يقومون بهذه الأعمال إما جهلة وإما عملاء. أما اليوم فأقول لكم إن الذين يقومون بهذه الأعمال إنهم عملاء وعملاء وعملاء وليسوا جهلة، ويعرفون ماذا يفعلون جيداً، وهذه الأعمال تقدم يومياً خدمات جليلة للأميركيين، ماذا يعني أن نضع سيارات مفخخة في الأسواق وفي المدن وأمام مراكز الشرطة في البصرة عند اكتظاظ الشوارع بالطلاب والناس والتجار والمتسوقين؟ ماذا يعني هذا القتل المريع اليومي لعشرات المدنيين العراقيين بالسيارات المفخخة وأحياناً بالعمليات الانتحارية؟ ماذا يعني استهداف المراقد المقدسة، وماذا يعني أن يقتل في العراق الشخصيات والقادة والنخب وإطلاق النار على بيوت المراجع ووضع العبوات الناسفة بجوار مرجع من مراجعنا، وأن يهدد هؤلاء بالقتل من الشيعة والسنة؟ من المستفيد من هذا؟ أنا أقول إن هذا ليس جهلاً بل عمالة. بعض هؤلاء يرديون ألا يبقى في العراق قائد أو مفكر أو مرجع أو شخصية يمكن أن تمارس دوراً قيادياً ومحورياً. وهذا ما يريده الأميركيون، هذه جرائم يجب أن يتنكر لها ويستنكرها ويدينها كل مقاوم في العالم الإسلامي، ويجب أن نقول لشعبنا في العراق هؤلاء مجرمون وليسوا مقاومين، والمقاومون في لبنان وفلسطين والعراق وسوريا يرفضون أن يكون هؤلاء في صفوفهم. المقاومة الجدية والحقيقية والمخلصة هي التي تركز عملها على قوات الاحتلال وتستنزفهم يومياً لتفرض عليهم الهزيمة في نهاية المطاف، وهي التي تثبت لشعبها أنها تدافع عن دمه ونسائه وأطفاله وكرامته ووطنه والمقدسات، وليس تلك التي تقدمه ضحايا وقرابين لشهواتها أو لجهلها وعمالتها. الذين يقتلون ويستهدفون المحتلين هم من يمكن أن يصفهم بالمقاومين الإسلاميين أو الوطنيين الشرفاء، أما من يستهدف العراقيين هم قتلة في ركاب الأميركيين يستكملون خطوات القتل والقمع الأميركي بحق الشعب العراقي.
عندما نكون أما م احتلال لبلد نحن أمام قضية خطيرة جداً، ولكن عندما يمارس تعذيب السجناء ويعتدي على الحرمات والكرامات ويغتصب الرجال والنساء ويقتل الأطفال والكبار والصغار نصبح أمام قضية أخطر، وعندما يعتدي هذا الاحتلال على المقدسات تزداد القضية خطورة. أقول هذا لأجيب على من يمكن أن يتساءل: وهل العتبات المقدسة أهم من العراق؟ العراق مهم ومقدس وأقدس ما فيه عتباته المقدسة. كما حصل تماماً في فلسطين. فلسطين محتلة منذ عشرات السنين قاوم أهلها وقاتلوا، مقابرهم مليئة بالشهداء وسجون أعدائهم مليئة بالمعتقلين والأسرى، بيوتهم تهدم في كل يوم، في حي الزيتون ورفح وفي الضفة وغيرها، ولكن في مرحلة من المراحل عندما كان هناك نوع من الهدوء والترقب ومفاوضات كامب دايفيد دخل شارون إلى المسجد الأقصى. الجديد هو هنا، هذه الانتفاضة اليوم في فلسطين التس استمرت من العام 2000 إلى الآن، قدمت أعداداً كبيرة من الشهداء والجرحى وتضحيات كبيرة وعجزت أميركا وإسرائيل عن محاصرتها وضربها وتصفيتها، كان السبب المباشر لهذه الانتفاضة هو أن إنساناً طاغية ونجساً اسمه شارون انتهك حرمة المسجد الأقصى، وهذا ما يحصل الآن في العراق. هناك أرض محتلة وسجون مليئة بالمعتقلين ومقابر مليئة بالشهداء، ولكن هناك جديد هناك انتهاك لقداسة العتبات المقدسة، وهنا نصبح أمام قضية أكبر وأخطر. هذه العتبات تعرفونها وليست بحاجة إلى الشرح. النجف تضم جسد أمير المؤمنين الأمام علي بن أبي طالب (ع) ولا يختلف المسلمون في فضله، ونحن نقول لها في الزيارة السلام عليك على ضجيعيك آدم ونوح وجاريك هود وصالح. هذه البقعة تضم إلى جانب الإمام علي (ع) عدداً من الأنبياء والعظماء. أما كربلاء فتضم جسد حفيد رسول الله الحسين (ع). هذه الشخصيات هي عظيمة ومقدسة عند المسلمين. ونفهم أن للحي حرمة وللميت حرمة، فكيف إذا كان الميت على هذا المستوى من الحرمة والقداسة، واليوم تنتهك هذه العتبات ويعتدى عليها ويطلق عليها لنار وتقصف ولا نعرف ما يمكن أن يحصل غداً وبعد غد. وسكوتنا وسكوت الأمة على ما حصل حتى الآن في النجف وكربلاء سيدفع الاحتلال إلى الذهاب بعيداً وسيكتشف الأميركيون حينها أن لا خطوط حمراء ولا زرقاء، بل كلها خضراء ومفتوحة وهذا خطير جداً، ولهذا ما يجري اليوم دقيق وحساس وتتعدى مسؤوليته حدود العراق، ولذلك اللمطلوب منا أن نتخذ موقفاً.
في الأيام الأخيرة التقت في النجف الأشرف مجموعة من الأطراف والتيارات والأحزاب والشخصيات وزعماء العشائر واتفقوا على صيغة لمعالجة الوضع في النجف الأشرف وباركتها المرجعية الدينية، ما لذي حصل؟ الذي رفض الصيغة المجمع عليها هم الأميركيون. لأنهم لا يحترمون أحداً لا الأحزاب ولا التيارات ولا العشائر، وقبل هؤلاء وبعدهم لا يحترمون مرجعيتنا الدينية في النجف الأشرف. الأميركيون هم الذين يصرون على فرض شروطهم بعنجهية، لأنهم يريدون الحفاظ على كبرياءهم وهيمنتهم ويكرسون سيطرتهم وهم لا يعترفون بخصوصية لا للنجف أو لكربلاء وهذا هو الذي وضعنا اليوم أمام المواجهة والتحدي ووضع العتبات المقدسة أمام الخطر، العنجهية والتعنت والاستبداد الأميركي ورفض ما أجمع عليه القوم في النجف كصيغة لمعالجة الأوضاع. وإزاء هذا الوضع المؤلم يجب أن يدرك الأميركيون عظمة الجرائم التي يرتكبونها هذه الأيام، وعندما تصل الأمور إلى العتبات المقدسة تصبح الجريمة أكبر وأعظم، أو التي قد يقدمون عليها، ويجب أن يعرفوا أن لهذا الأمر تداعياته الخطيرة، وأن العتبات المقدسة ليست مسألة نجفية أو كربلائية، وأنهم باعتدائهم على العتبات المقدسة إنما يعتدون على كل المسلمين في العالم وخصوصاً على كل الشيعة في العالم.
الحل الوحيد المتاح أمام الأميركيين أن يغادروا النجف وكربلاء والابتعاد عن هاتين المدينتين المقدستين ويتركوا للعراقيين معالجة أمورهم في هاتين المدينتين بالتوافق والتعاون ولدى العراقيين حكماء وفقهاء وزعماء قادرون على معالجة هذه الأمور، أما الأميركيون فيجب أن يخرجوا حلفاءهم ودباباتهم وجنودهم، وإلا فإن بقاءهم في النجف وكربلاء سيعتبره كل مسلم وكل شيعي في العالم اعتداء على مقدساته وعلى كرامته. كما كنا نقول إن القدس ليست مسألة لا تعني الفلسطينيين وحدهم، بل تعني الأمة والعتبات في النجف وكربلاء تعني الأمة كلها، ويجب أن يعرف الأميركيون اين يقفون وأين يقاتلون، ويجب أن يدرك الأميركيون أن الاستمرار في العدوان له نتائج وآثار وخيمة، فكما أن انتهاك شارون لحرمة المسجد ألقصى أطلق انتفاضة لم يستطع أحد في هذا العالم أن يستوعبها أو أن يهزمها، فإن الاعتداء على عتباتنا المقدسة في النجف وكربلاء سيؤسس لانتفاضة لا يعلم حجمها ولا امتدادها ومداها وتداعياتها إلا الله، وأقول أيضاً للأميركيين نحن هنا في لبنان كجزء من المسلمين في العالم الذين تعنيهم هذه العتبات المقدسة، وكجزء من شيعة العالم الذين تعنيهم بالخصوص هذه العتبات المقدسة، نقول كما قال سماحة الإمام آية الله العظمى السيد الخامنئي دام ظله الشريف: إننا لا نستطيع أن نسكت ولا يستطيع أي مسلم أن يسكت أو أن يهدأ أمام هذا الاعتداء والانتهاك لحرمة المراقد والاعتداء على قادتنا وأئمتنا. كيف نترجم هذا؟ فلنترك ذلك للأيام، ولكن عندما يقول الإمام الخامنئي وعندما يقول كل شريف في هذه الأمة إن المسلمين لا يمكن أن يسكتوا فهم حقاً لا يمكنهم أن يسكتوا، وكل واحد سيعرف مسؤوليته الشرعية في الدفاع عن هذه المراقد والعتبات والمقدسات، وسيؤدي مسؤوليته الشرعية. أضعف الإيمان الآن عندما نقول لا نسكت، هذا الجمع هو تعبير عن عدم السكوت، ولكن أدعو كل اللبنانيين في كل المناطق، وأهلنا في الجنوب تحديداً المشغولين في الانتخابات البلدية، ولكن يجب أن نقول للأميركيين أننا عندما نتحمل مسؤولية التضامن والدفاع عن العتبات المقدسة والشعب العراقي لا يشغلنا أي أمر في لبنان ولو كان مهماً، ما أدعو إليه هو أن نحضر جميعاً عصر يوم الجمعة القادم في الساعة الرابعة والنصف أمام هذا المجمع، ونلبس أكفاننا في رسالة رمزية تقول للأميركيين إننا قوم لا نكتفي بالكلام، بل مستعدون للشهادة دفاعاً عن علي والحسين. عصر يوم الجمعة نأتي كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً كما تأتون في يوم العاشر من محرم للعزاء ومواساة أبي عبد الله الحسين (ع) ونقول له نداءً من عمق التاريخ يطلب العون والنصرة. ها هو الحسين (ع) مقامه ومرقده وقبابه ومناراته وقبره المطهر وجواره الشريف يتعرض للعدوان.. والحسين من ملكوته يناديكم هل من ناصر ينصرني؟ يجب أن نأتي من كل مدينة ومن كل قرية ومن كل بيت ومن كل عائلة لنقول هذا الشعار ليسمعه بوش وباول ورامسفيلد وكل هؤلاء الطغاة في واشنطن وكل طغاة العالم أنه عندما تصبح القضية قضية مقدسات لا يبقى مكان لشيء آخر لا يبقى مكان لا لقلب أو لعقل ولا لحسابات إلا للتضحيات الجسام ولنداء الشهادة ولصرخة لبيك يا حسين. ما يجري الآن في العراق هو في سياق واحد مع كل ما يجري في العراق وفلسطين ولبنان وسوريا وإيران. هذا المربع هو اليوم في دائرة الاستهداف ومع هؤلاء بقية القوى الحية في أمتنا العربية والإسلامية، هذا المربع هو بقية الصمود والمقاومة والثبات. أنا لن أتحدث أو أطالب أو أناشد القمة العربية التي ستنعقد بعد أيام حتى لا أتعب نفسي، وأتمنى أن يستيقظ الحكام والأنظمة وتدرك عظيم الخطر الذي يتهدد الأمة. شعوب هذا المربع تدافع عن كل الأمة، وليس عن أرضها ومقدساتها ومصالحها الوطنية أو القومية فقط، من فلسطين الدعم الأميركي المطلق الذي جدده اليوم بوش لشارون ولحكومة العدو، تدمير المنازل في رفح، ولكن نحن أمام مأساة ولكن أمام صورة أخرى، صورة الصمود والأسطورة الفلسطينية التي قاتلت في رفح وحي الزيتون وجندلت جنود العدو، صورة الجهاد والتضحية والثبات والعنفوان الفلسطيني، في الرجال والنساء والأطفال، صورة الذين لا يسقطهم سقوط القادة شهداء بل يزدادون صلابة وقوة، هنا يعود الأمل، نتألم لبيت يهدم أو دم يسفك ولكن تتلألأ عيوننا فخراً وأملاً عندما نجد رجالاً ونساءً صامدين واقفين ثابتين يقاتلون ويرفضون ويواجهون.
في لبنان إرادة التحدي والصمود في وجه التهديدات الإسرائيلية اليومية، كل يوم تهديد في لبنان. الأخوة في فلسطين ينفذون عملية في أسود، يقاتلون في حي الزيتون يقول العدو حزب الله، ليس صحيحاً. هذا فعل الفلسطينيين أنفسهم، هذا هو جهادهم ومقاومتهم بفصائلهم المختلفة وهذه هي تضحياتهم وجهادهم ودمهم الذي يسفك والذي يصنع الانتصار. لماذا تلصق الاتهامات بحزب الله؟ هل هو تهويل للبنان وسوريا. نحن لا نخاف، ولم نخف في يوم من الأيام. ما هو ذنب سوريا بشار الأسد؟. ذنبها كما يصرح الأميركيون أنها ترفض الخضوع لشروطهم المذلة والمهينة، التي لا يقبلها إنسان إذا كان إنساناً فضلاً عما لو كان مسلماً أو عربياً. لأن سوريا ترفض الشروط الأميركية تعاقب اقتصادياً وتهدد كل يوم من خلال الجار الذي أصبح مهدداً لجيرانه. في إيران يفتح الملف النووي وتهدد إيران. هذا كله سياق واحد، سيف مسلط على لبنان وسوريا وإيران وفلسطين والشعب العراقي، لماذا؟ لأن هؤلاء ما زالوا في دائرة الصمود ورفض الهيمنة، وعدم الاعتراف بالهزيمة ولأنهم ما زالوا يصرون على أن الأرض أرضهم والمقدسات ومقدساتهم ويصرون أن يصنعوا مستقبلهم بأيديهم وكرامتهم ودمائهم.
عندما نخرج للتظاهر يوم الجمعة تعبيراً عن السخط والاستنكار والإدانة والرفض والتعبير عن الجهوزية والحضور والاستعداد لتحمل المسؤولية، العنوان الكبير هو العتبات المقدسة، ولكن هذه هي العناوين الكبيرة للمظلومية والجهاد والتضحية والشهادة والمقاومة والصمود، ولذلك فإن مسيرتنا عصر يوم الجمعة هي أيضاً تضامن مع المجاهدين في رفح وحي الزيتون في فلسطين ومع الشعب العراقي الصابر والصامد والمجاهد، ودفاع عن سوريا الأسد الصامدة في وجه الضغوط والشروط والتهديدات الأميركية، هي تضامن مع الجمهورية الإسلامية في إيران الصابرة والمجاهدة والشجاعة، وهو على مشارف الخامس والعشرين من أيار، هو تجديد عهد وميثاق. في عصر يوم الجمعة سنخرج إلى الشارع لنجدد العهد والميثاق مع المقاومة الإسلامية في لبنان، ونجدد العهد مع سيد شهدائنا السيد عباس الموسوي وأم ياسر وطفلهما مع شيخ شهدائنا الشيخ راغب حرب ومع شهدائنا والمعتقلين والأسرى في سجون الاحتلال من سمير القنطار إلى يحيى سكاف إلى نسيم نسر إلى المعتقلين من أبناء الجولان السوري المحتل إلى أبناء فلسطين المحتلة، أننا سوف نبقى في خط المقاومة وسوف تبقى خيمة المقاومة هي التي تحضننا جميعاً. قد تفرقنا بعض الانتخابات البلدية وبعض اللوائح هنا وهناك، هذا شأن بلدي ضيق محدود، أما ما يجمعنا في بلدنا أمام التحديات الخطيرة وعلى بوابة ذكرى التحرير هو هذا الخط والخندق والمبدأ. في عصر يوم الجمعة لكل هؤلاء سنجدد ميثاقنا وعهدنا وبيعتنا من خلال الرمز الذي يرمز إلى كل هؤلاء، وسيكون النداء مدوياً من لابسي أكفان الشهادة لبيك يا حسين. والسلام عليكم ورحمة الله".