
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في احتفال مؤسسات الإمداد ومدارس المهدي ومؤسسة الشهيد حفل التكريم السنوي للفتيات اللواتي بلغن سن التكليف الشرعي 7-1-2005
برعاية الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أقامت مؤسسات الإمداد ومدارس المهدي ومؤسسة الشهيد حفل التكريم السنوي للفتيات اللواتي بلغن سن التكليف الشرعي. وقد حضر الحفل إضافة إلى سماحته، الوزير السابق أسعد دياب، مدراء المؤسسات التربوية والتعليمية، وفد من الجامعة الإسلامية برئاسة أمينها العام السفير فوزي صلوخ، ممثل سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية المستشار أسد الله كفاش، ممثل سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله الشيخ فؤاد خريس وعدد غفير من الفعاليات الاجتماعية والسياسية والمكلفات وأهاليهن.
بعد كلمة لمدير عام جمعية الإمداد الحاج علي زريق باسم المؤسسات الثلاث عرضت مسرحية من وحي المناسبة، ثم كانت كلمة للسيد نصر الله والذي قال فيها: كل لبناني في هذا البلد يجب أن يتحمل مسؤوليته تجاه هذا البلد ومستقبله، ولا شك أننا نمر في مرحلة دقيقة وعصيبة جدا، وهي تتطلب الحكمة والتروي والتصرف بعقل بارد وهدوء أعصاب وتغليب المصالح الوطنية الكبرى على حساب مصالح الأشخاص والزعامات الفردية وعلى حساب مصالح الطوائف وعلى حساب مصالح الفئات والأحزاب والفئات السياسية وغير السياسية.
كل يوم نسمع تصريحات وتهديدات وتلويحات وإنذارات، ومن هذا الزعيم أو ذاك، من هذه المجموعة أو من تلك، وبات الناس في لبنان قلقين وبحق على مستقبل بلدهم في الشهور والسنوات القليلة المقبلة.
ودعا سماحته الذين يقرأون متغيرات المنطقة ويرتبون عليها مواقفهم السياسية إلى القراءة بعقل وليس بعاطفة، حيث أنّ البعض يقرأ هذه المتغيرات بعواطفه وأمانيه ومشاعره وهواجسه ولا يقرأها بعينه وعقله ولذلك يخطيء في الحسابات لأنّه يخطيء في القراءة، ويخطيء في ترتيب النتائج على هذه القراءة. وقال :" أدعوهم إلى قراءة المتغيرات من كل جوانبها وفي كل أبعادها وأن يضعوا كل الإحتمالات أمام أعينهم وأن لا يغامروا وأن لا يخطئوا وأن لا يشتبهوا".
أضاف : "مشتبه من يعتقد أنّ المنطقة دخلت في العصر الأمريكي وفي الهيمنة والسيطرة الأمريكية وبالتالي علينا أن نتدارك موقعنا ومصالحنا ووجودنا في إطار هذه العاصفة الأمريكية التي هبّت على المنطقة. أمّا نحن فنقول لم يبدأ عصر الهيمنة الأمريكية الآن، فهو قائم منذ عقود من الزمن ومنذ عشرات السنين في منطقتنا، نحن نقرأ الأمور بشكل مغاير ونقول لقد بدأ زمن انهيار الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على منطقتنا، هؤلاء المستكبرون والمستعمرون والطواغيت هم اليوم في مأزق وشدة وأزمة، هم الذين يتوسلون بدول جوار العراق لمساعدة القوات الأمريكية والإدارة الأمريكية للتخلص من مأزقها في العراق، هم الذين يتوسلون بجيران فلسطين المحتلة لمساعدة الصهاينة على محاصرة الإنتفاضة وإنقاذ الكيان الصهيوني من المأزق والشدة والأزمة، مؤكدا أنّ أمّتنا ليست في شدّة فهي دائما كانت في شدّة.
وأكّد سماحته أنّ لبنان لا يتحمل المغامرات، أنا أقول لبعض اللبنانيين كفى مغامرات، هذا البلد وشعبه عانى خلال عشرات السنين الماضية من الحروب الأهلية والتقاتل الداخلي ومن الخصومات والعداوات والأحقاد والضغائن على المستوى الداخلي وعلى مستوى المواجهة مع الإحتلال الإسرائيلي ما يكفي، ولا يجوز لأحد في إطار أيّة مصالح أو في إطار أيّة حسابات أن يغامر بلبنان ومستقبله وأمنه واستقراره وبشعبه، ولا يملك أحد تفويضا من هذا النوع على الإطلاق.
أضاف : المطلوب أن نحمي لبنان وشعبه وهذا تفويض إلهي، لكن أن نغامر فهذا خطأ وخطيئة في بعض المراحل، أشعر أنّ البعض يغامرون بأنفسهم ويغامرون بوطنهم. ما أدعو إليه هو الدقة في اتّخاذ المواقف وترتيب الحسابات والدقة في التخطيط للمستقبل والتعاطي مع الحاضر والمستقبل.
وقال :" نحن لا نقول أن لا يعبر الناس عن آرائهم فليقل كلٌّ رأيه وما عنده وليعترض أو يوالي وهو حر فيما يفعل، لكن يجب أن تبقى هناك خطوط حمراء لا يتجاوزها أيٌّ منّا في الشأن السياسي العام. وبالتالي، أقول بكل مسؤولية، عندما يريد البعض أن يغامر بلبنان وشعبه على الناس أن يتحملوا المسؤولية وأن يمنعوا هذه المغامرة.
النقطة الثالثة، عندما يكون هناك أي نزاع أو خلاف حول أي شأن من الشؤون العامة في البلد، لا يجوز أن يفرض أحدٌ بشكل مستبد قناعته ورأيه وحساباته وقيمه وطريقة تفكيره على الآخرين لا نحن ولا غيرنا، البعض يتحدث عن رفضه لاستبداد الأكثرية عندما يتحدث أحدنا عن أكثرية لكنه يمارس استبداد الأقلية. البعض يريد أن يكون مستبدا من موقع أكثري والبعض يريد أن يكون مستبدا من موقع أقلوي وكلا الإستبدادين غير مقبول عندما يكون استبدادا، وخصوصا إذا كان هذا الإستبداد يدفع إلى المغامرة.
وتابع سماحته: في يوم من الأيام في مواجهة القرار 1559 الذي رفضناه ونرفضه وندينه في كل يوم ونعتبره تدخلا في الشأن الداخلي اللبناني ومصادرة لمستقبل وإرادة اللبنانيين وحربا على كل الإنجازات الوطنية الكبرى التي تحققت حتى الآن، في ذلك الحين قلت وخاطبت اللبنانيين والآن أريد أن أعيد نفس هذا الخطاب. عندما يكون هناك خلاف على قضايا وطنية أساسية وكبيرة وهامة كيف نحسم هذا الخلاف، نحن أمام ثلاثة خيارات : الأول أن لا نحسم الخلاف ونتعايش معه، والتعايش مع الخلاف يفترض أدبيات معينة وتعابير وتقاليد معينة، التزام بضوابط وطنية معينة وخطوط حمراء معينة وهذا يعني أن نتعايش مع الخلاف.
الخيار الثاني أن نتصارع ونتقاتل وأن نتحارب وأن نغامر وأن يسعى أحدنا ليفرض خياره وقناعاته على الآخر ولو بالحديد والنار، وهذا ما لا ينبغي أن يفعله أحد لأنّه يدمر البلد ويصادر مستقبل البلد.
الخيار الثالث أن نحل هذا الخلاف عبر وضع آلية معينة، ما هي الآلية التي يرتضيها اللبنانيون، ما قلته في ذلك الحين أنّ أي آلية ترتضونها لمعالجة الخلاف في الشأن الوطني العام نحن جاهزون ولم أهدد والآن لا أهدد باستخدام أي آلية من هذه الآليات، وإنما أقول نحن في حزب الله جاهزون لأننا حريصون على معالجة أي خلاف في هذا البلد وأي أزمة، عندما نختلف على قضايا مصيرية وأساسية كما هو مطروح الآن في موضوع النظام وموضوع قانون الإنتخاب وموضوع الوجود السوري في لبنان : هل نطالب بخروجهم نهائيا من لبنان أم نطالب بخروجهم إلى البقاع وبعض النقاط الأخرى، هل نطالب ببقائهم حيث هم الآن فعلا في لبنان، هل نطالب بتطبيق حرفي لإتفاق الطائف في كل بنوده وليس فقط فيما يتعلق ببقاء وإنسحاب القوات السورية؟ هناك جدل في البلد.
حسناً، كيف نعالج هذا الوضع : هل نعالجه باللجوء إلى استفتاء عام، هل تريدون استفتاء عام "عملو استفتاء عام"، هل نعالجه باللجؤ إلى مراكز دراسات صادقة وشفافة وسليمة ونعمل استطلاعات رأي ونحتكم إليها "طيب تفضلو"، هل يحتاج الأمر إلى عقد مؤتمر وطني لنناقش سوية وعن قرب كل خلافاتنا ونحسمها "طيب تفضلو" لكن المؤتمر الوطني يجب أن يعقد في لبنان وليس في باريس أو أي مكان في العالم. بيروت هي التي تحتضن اليوم كل المؤتمرات الدولية والإقليمية والشعبية والحكومية، النخب والسياسيون والأحزاب والمثقفون والمفكرون يأتون من كل العالم وأفضل مكان يجدونه لمؤتمراتهم ولقاءاتهم هي بيروت، لماذا نحن اللبنانيون يجب أن نخرج من لبنان لنعقد مؤتمرا وطنيا في أي مكان آخر من العالم؟ لا، نحن نجتمع كلبنانيين جميعا على الأرض التي حررناها بدمائنا دون منّة من أحد لا من أمريكا ولا من غير أمريكا، "تفضلو بتعملو مؤتمر وطني تفضلو هيدا المؤتمر الوطني"، "بدكن تحتكمو للمؤسسات الدستورية طيب نحنا رايحين عإنتخابات".
في كل الأحوال أنا أعرف أن فكرة الاستفتاء مرفوضة، فكرة الإعتماد على استطلاعات الرأي مرفوضة، ونسينا... فكرة الإحتكام إلى التظاهرات الشعبية المرفوضة؟ صحيح من كم أسبوع لم ينزل مليون لكن الذين نَزِلُوا "نزّلوا قدّهم، تفضلو فرجونا 200 ألف و 300 ألف و 400 ألف و 500 ألف". أنا أعرف أنّ الإحتكام إلى الجماهير أيضا مرفوض لأنّه دائما سيواجه بمنطق الأكثرية والأقلية، "طيّب شو بقي عنّا"؟ مؤتمر وطني نحن جاهزون لمؤتمر وطني لكن يجب أن نكون مستعدين للنقاش "مش كل واحد منّا فات حاسم خياراتو" ويريد أن يفرضها على الآخر وأن يهول على الآخر.
وأكّد سماحته أنّ الخيار المنطقي والطبيعي هو الإحتكام إلى الانتخابات الآتية، هناك انتخابات سوف تجري في لبنان "طيب ليش كل هالضوضاء والصراخ والقتال والتشنج الذي ينعكس على البلد، ماشي الحال، في نقاش إلو علاقة بقانون الانتخاب منعمل نقاش قانون الانتخاب وكل واحد يقول رأيه، في نهاية المطاف الحكومة تطلّع القانون الانتخابي ويذهب إلى المجلس النيابي، والعالم موجودة في المجلس النيابي وخارج المجلس النيابي وبإمكانها أن تعبر عن رأيها وأن تضغط في اتّجاه محدد. ناس رأيها المحافظة وناس رأيها القضاء وناس رأيها الدائرة الوسطى وناس رأيها دائرة أصغر من القضاء وناس رأيها نظام أكثر وناس رأيها نظام نسبي، شو ما كان. في النهاية يجب أن نصل إلى قانون".
وقال :" بالتأكيد نحن نطالب ونصر على قانون عادل منصف ولا أتحدث عن المساواة، البعض في لبنان يشتبه عندما يتحدث عن المساواة يشتبه، المساواة لا تقتصر فقط في نقاش الدائرة الجغرافية، المساواة تعني أنه لا يصح أن يأتي مئة ألف ناخب بنائب وعشرة آلاف يأتوا بنائب، لا يصح أنّ مئة ألف يأتوا بنائبين وخمسة عشر ألفا يأتوا بخمس نواب، هذا خلاف المساواة. صعب الوصول إلى قانون انتخابات يعتمد مساواة، والذين يتحدثون عن مساواة من موقع الأقليّة ليس من مصلحتهم أن يكون هناك قانون يعتمد المساواة، لذلك نحن نتحدث عن قانون عادل نسبيا، قانون منصف ومريح وقانون يجد أغلبية اللبنانيين الساحقة أنهم يتمكنون من خلال هذا القانون من ممارسة حقهم الإنتخابي.
على مستوى حزب الله قلنا في أكثر من مناسبة، على قياسنا الحزبي لا مشكلة عندنا ونحن نفاخر بذلك، "شو ما كان" قانون الإنتخاب حزب الله يأتي واقفا على قدميه، لا مشكلة لديه في القضاء أو في الدائرة الوسطى أو في المحافظة أو في الدائرة الصغرى الأقل من القضاء أو لبنان دائرة واحدة أو الأكثري أو النسبي، ولكن تعالوا لنضع قانون انتخابات على قياس الوطن وعلى قياس الشعب اللبناني وليس على قياس حزب أو شخص أو زعامة أو مرجعية معينة وإنّما على قياس الوطن يشعر اللبنانيون معه بشكل عام أنّهم مرتاحون لهذا القانون وأنهم ليسوا في موقع المصادرة من قبل القانون.
المجلس النيابي القادم يقدر أن يعمل نقاش ومؤتمر وطني والمجلس النيابي القادم يقدر أن يحسم النزاع حول مسائل أساسية، ولنعتبر أنّ المعركة السياسية المصيرية التي تحدد مستقبل لبنان لأربع سنوات مقبلة هي معركة الإنتخابات النيابية "وخلص"، لماذا نفتح كل المعارك ونفتح كل الميادين ونفتح كل الساحات؟ إذا كنّا شعبا متمدنا متحضرا كما نقول عن أنفسنا فهذا هو الطريق. أي طريق آخر هو مغامرة وهو لعب بمصير لبنان وبمستقبل لبنان، لماذا هذه المصادرة من الآن لنتائج الإنتخابات؟ يقف البعض ليقول : الإنتخابات مزورة من الآن؟ من أين تعلم، هل تعلم الغيب، هل لديك أدلة أو هل لديك مستندات؟ لماذا نريد أن نصادر الإنتخابات من الآن فإذا جاءت لمصلحتنا ستكون انتخابات نزيهة وشفافة وإذا لم تأتِ لمصلحتنا ستكون مزورة؟ هذا نذير شؤم، هذا كلام خطر، هذا يعني أنّ الطريق السياسي المدني الحضاري الوحيد الذي يمكن أن يسلكه اللبنانيون لحل نزاعاتهم وخلافاتهم وبناء دولتهم هو طريق مشبوه ومليء بالألغام.
إذا كيف نمشي إلى مستقبل بلدنا ووطننا، ما أدعو إليه هو التصرف بمسؤولية، تحديد نقاط النزاع والتعاطي كرجال دولة ورجال وطن ورجال وقيادات مسؤولة عن مستقبل وطن، وأؤكد أن لا نقرأ المتغيرات بشكل خاطيء ونرتب عليها حسابات خاطئة. اللبنانيون يجب أن يبقى رهانهم بالدرجة الأولى على أنفسهم وعلى تماسكهم ووحدتهم وعقولهم وإراداتهم، وأي رهانات أخرى ستكون رهانات خاطئة وحسابات خاطئة.