كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله بذكرى يوم القدس العالمي في مدينة بعلبك 12-11-2004
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في يوم القدس العالمي في مدينة بعلبك 12/11/2004
في الماضي كنا نحيي مراسم يوم القدس العالمي في يوم واحد وفي أكثر من منطقة ولكننا قبل سنوات ولأسباب موضوعية قررنا أن نمركز هذا الإحياء وأن ننتقل به في كل عام من منطقة إلى منطقة، اليوم نعود إلى بعلبك إلى البقاع لنحيي مراسم يوم القدس، وعندما نعود إلى بعلبك نتذكر كل ما يرتبط بالتأسيس: اللقاءات الأولى والخلايا الأولى والمعسكرات الأولى وأفواج المتدربين الأولى والإنطلاقة، والمدينة والمنطقة التي احتضنت المجاهدين والمقاومين وأسست للمقاومة عام 1982. نعود وأرض مدينة بعلبك أول أرض في لبنان أقيمت عليها مراسم يوم القدس وبهذا الشكل في كل عام حيث نحاول أن نطوره وأن نعمقه كل عام.
نلتقي في رحاب سيدنا ومولانا سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي رضوان الله تعالى عليه لنتذكر كل تلك المرحلة والتي بقيَ أحباؤنا وكبارنا وصغارنا أوفياء لأهدافها ورسالتها وآلامها وآمالها، وبعد كل تلك الأوضاع الزاخرة بالدموع والعطاءات والآهات نلتقي على نفس الأرض لنحي يوم القدس ونؤكد على معانيه كما أرادها سيدنا الإمام الخميني وكما أكد عليها كل عام سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي دام ظله الشريف.
ليوم القدس هدف وكما حدده الإمام الخميني هو أن تبقى القدس حية في الذاكرة وحية في الوجدان والفكر والإرادة والعزم والتخطيط وفي مسيرة الجهاد، أن تبقى حية في الأجيال، مقابل ما يخطط له المغتصبون للقدس وأسيادهم ومراهنة على أننا أمة تنسى وتستسلم وأننا أمة تتعايش مع الواقع ولو كان مهينا ومذلا وننظر لهذا الواقع ونفلسفه ونجعل منه أيديولوجية أو استراتيجية سياسية، يراهنون أن ننسى القدس وبيت المقدس وقبلة المسلمين الأولى وأرض الأنبياء المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين، يراهنون أن القدس ستنتهي مع موت الجيل الذي يصلي فيها أو يعرفها، أمّا الأجيال الآتية أجيال ستسلم بالأمر الواقع وتنسى وتنشغل بهمومها اليومية والحياتية وكيف تتوظف وتأكل وتؤمن فرصة العمل وتؤمن المستقبل الشخصي أما القدس فتصبح بمهب النسيان، هذا رهان المحتلين والمغتصبين، فجاء الإمام الخميني ليقول أحيوا للقدس يوما في آخر جمعة من شهر رمضان.
أول المسؤولية في هذا الزمن هو ألا تسكتوا عن هذا الإحتلال وعن تدنيس مقدساتكم ومقدسات أنبياءكم إن كنتم تنتمون إلى هؤلاء العظام. نحي يوم القدس ونصر عليه ونعتبره يوما حضاريا وجهاديا وسياسيا ويوما رمضانيا ويوما إلهيا، لأنه اليوم الذي يرتبط بالمقدسات وهذه مسؤوليتنا في هذه الدنيا التي سنسأل عنها يوم القيامة.
بعض الناس يقولون أنتم تحلمون بالقدس لكنها بعيدة ولن تصل أيديكم إليها، هؤلاء يخذّلون ويثبّطّون، ألم يكن تحرير جنوب لبنان وبقاعه الغربي عام 82 أمنية؟ طوال الأعوام الماضية ألم يقولوا أن تحرير الأسرى حلم؟ ألم يقولوا أن لبنان الضعيف لا يقوى على غطرسة وقوة إسرائيل؟ إن المواجهة والصمود وفرض الشروط والتوازن مع هذا العدو هو حلم وها هو حلم يتحقق. يقولون الآن الخروج من غزة حلم وها هو هذا الحلم يتحقق. كما تحققت هذه الأحلام يمكن أن يتحقق حلم العودة إلى القدس.
لقد أصبح الحلم حقيقة ومشروعا واقعيا يتطلع إليه المنتفضون والمقاومون في كل مكان، يوم القدس نؤكده يوما لتحرير كل أرض محتلة، هو يوم للقدس ولبيت المقدس ولكنيسة القيامة ولكل الديانات السماوية، يوم لفلسطين، لأرض فلسطين عام 48 ولأرض الضفة الغربية ولأرض عزة، ويوم الجولان السوري المحتل ويوم مزارع شبعا المحتلة، ويوم مواجهة كل انتهاك للسيارة والكرامة، هو يوم سمير القنطار وإخوته السوريين والفلسطينيين والعرب، هو يوم كرامة وعزة الأمة. إنّ لبنان تحرر بدماء أبنائه وقطاع غزة سيعود لأهله بدماء أبنائه وهكذا الجولان وكل أرض يحتلها الصهاينة من أرضنا العزيزة.
نحتفل بيوم القدس فيما يشيع أهلنا الفلسطينيون في رام الله قائدا تاريخيا وزعيما كبيرا ورمزا من رموزهم الذي تحمل مسؤوليات جسام خلال عقود من الزمن، قد نتفق مع السيد عرفات وقد نختلف معه، لكن رحيله في هذا التوقيت الذي أحزن الأمة يدعونا للوقوف إلى جانب هذا الشعب ونشاركه حزنه ونتعاطف معه ولنقول دائما له نحن معك ولندعوه إلى التماسك والتوحد، والحمد الله ما جرى من ترتيبات هادئة وعاقلة ومستقرة بمعزل عن تقييمها ـ وهذا شأن فلسطيني ـ هذا التوحد الوطني والتماسك الفلسطيني بين الفصائل والتعاطف بين أبناء الشعب الفلسطيني هي التي تسكن الألم وتخفف الحزن. يحتاج الفلسطينيون اليوم إلى هذا التماسك والتوحد لأنهم بعد أشهر هم أمام إنجاز تاريخي، فقد قررت حكومة شارون وكنيست العدو على الانسحاب من طرف واحد من غزة وهذا بفعل التضحيات الجسيمة للفلسطينيين، هذا القرار الإذعاني للعدو يعد بحد ذاته ومن الآن انتصارا كبيرا للمقاومة والإنتفاضة ومنطقها ولمنطق الدماء والتضحيات. الفلسطينيون وفي غياب قادة كبار رحلوا هذا العام وبعضهم استشهد بفعل العدوان الصهيوني كالشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتسيي والكثير من قادة الفصائل الجهادية، مدعوون أكثر من أي وقت مضى للتعاطي بدقة مع المرحلة، وأذكّر هنا أن الصهاينة خرجوا من لبنان دون أن يعلموا عميلهم إنطوان لحد ودون تحضير جيش العملاء، وكان مخططه أن تتورط المقاومة بدماء العملاء وأن تنجر المنطقة المحررة إلى فتنة طائفية أو اقتتال حزبي أو صراع على النفوذ بين المقاومة والسلطة.
كان رهان الصهاينة أن يتحول خروجهم من لبنان إلى كارثة على المستوى الوطني وتحدثوا عن شلالات دم ومجازر سوف تملأ أرض الجنوب وعن مخاطر وأهوال، لكن وعي المقاومة والدولة وأهلنا من كل الطوائف في المنطقة المحتلة فوت الفرصة وبتمسك اللبنانيين وحرصهم على وحدتهم وتآلفهم استطاعوا أن يبقوا عرس التحرير عرسا للتحرير.
اليوم الفلسطينيون كما استوعبوا في الماضي شهادة قادة كبار ورموز كبار من خلال أوضاعهم الداخلية، أثبتوا في هذه الأيام أنهم قارون على استيعاب أي مصيبة ومحنة ولو كانت بمستوى فقد رمز كبير وقائد كبير، وبما يتمتعون من إخلاص وصبر وحكمة قارون على تحرير قطاع غزة وحفظ هذا الإنجاز. شارون يهرب من مأزق الأنتفاضة إلى مأزق جمهوره المتطرف، لكن لا خيار لديه، لم تنفع كل الجدر العالية والمحصنة ولم ينفع قتل القادة والكوادر وجرف المنازل وتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية. يدخل الفلسطينيون عامهم الخامس ومقاومتهم وانتفاضتهم متواصلة وبالرغم من كل ما جرى عليهم لم يستطع الصهاينة إيقاف العمليات الإستشهادية في بئر السبع وأشدود والقدس وتل أبيب لم يستطع أن يوقفها أحد ، وأقول لكم أنّه عندما يتوفر شعب وفيه شبان مصممون على الشهادة ويرفضون حياة الذل والهوان لا يستطيع أحد أن يمنعهم من الوصول إلى أهدافهم ومعشوقهم الذي يلقونه في ساحات الاستشهاد وساحات العمليات الإستشهادية.
ليكتمل النصر في غزة يجب أن يحرص إخواننا على نزع كل الألغام كما في لبنان، والمقاومة التي حررت لبنان وتحرر قطاع غزة هي إنشاء الله قادرة على استعادة كل أرض محتلة وقادرة على استعادة القدس، نحن الجيل الذي لدينا آمال طويلة وعريضة وكبيرة في أن نكون الجيل الذي سيصلي في القدس وبيت المقدس إنشاء الله.
من نفس الموقع أؤكد أننا في لبنان وبمواجهة كل الأخطار والتحديات التي تحيط بمنطقتنا من أفغانستان إلى إيران والعراق ولبنان وفلسطين وسوريا وكل المنطقة العربية والإسلامية، يجب أن نؤكد في يوم القدس أن رهاننا على أمتنا وشعوبنا ورجالنا ونسائنا وعلى قدراتنا وإمكاناتنا الذاتية، من يطلب من الطاغية والمستكبر ومن يتوقع من المستبد أن يمنحه الحرية وأن يهبه الإستقلال هو واهم.
لو كان (الرئيس الأمريكي جورج ) بوش صادقا أنه أراد تحرير العراق من الطاغية لكان أثبت هذا الأمر في الأشهر الماضية، لكنه يكذب على الشعب الأمريكي وعلى الشعب العراقي، ولكان سلم السلطة بعد سقوط نظام صدام حسين إلى الأمم المتحدة مثلا أو أي منظمة دولية ولوضعت برنامجا زمنيا يجري فيه العراقيون انتخابات حرة ونزيهة ينبثق عنها مجلس وحكومة وطنية وترحل القوات الغازية عن العراق خلال أشهر أو سنة أو سنتين. لكن حتى الآن يرفض بوش أي دور للأمم المتحدة علما أنّ الإدارة الأمريكية تهيمن عليها، ويرفض أي تدخل من قبل المجتمع الدولي، وهو الذي نصب على العراقيين قائدا وحكومة ويتحدث الآن عن إجراء انتخابات على حطام المدن كالنجف والفلوجة وغيرها.
إنّ المشروع الحقيقي للأمريكيين في العراق هو السيطرة والهيمنة وبقاء الإحتلال ونحن نعلن أن من حق الشعب العراقي أن يقاوم الإحتلال وأن يطرده وأن يمنح الشعب لنفسه فرصة أن يختار حكومته ونظامه بمحض إرادته. هناك مشكلة حقيقة في العراق والتباسات خطيرة وخلط بين المقاومة التي تريد تحرير العراق من الإحتلال وهي مقاومة مشروعة تستهدف بعملياتها قوات الاحتلال، وبين الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين وبحق العتبات المقدسة لدى المسيحيين والمسلمين، وقتل العلماء من شيعة وسنة وقتل الكوادر والقياديين المخلصين، هذا أمر أحدث التباسا في الساحة العراقية.
عندما أتكلم استوحي شجاعة الكلام من الإمام الخميني ولا أطلب من أحد من العراق مدحا ولا جزاء ولا شكورا وحاضر أن أتحمل أي نقد أو أي ذم لكن من واجبي كأخ مسلم أن أنصح شعبنا في العراق وأقول له : دقق جيدا بهوية من يزرع السيارات المفخخة في شوارع العراق، ودقق في هوية الذين يقتلون علماء الشيعة والسنة، دقق جيدا بالذين يفجرون الكنائس والذين لا يستهدفون إلا المدنيين. وأقول لهم بكل صراحة أنكم ستكتشفون بعد حين أن بعض هذه المجموعات تديرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد وبصراحة أشد بعضها تديرها المخابرات العراقية التابعة لإياد علاوي من أجل أن يفتتن العراقيون ومن أجل أن يضعوا الشيعة بمواجهة السنة والسنة بمواجهة الشيعة فيشمت السنة بالشيعة ويشمت الشيعة بالسنة، ويشمت المسلمون بالمسيحيين ويشمت المسيحيون المسلمين.
حتى بعض هذه المجموعات التي تقول أنها إسلامية وترفع عناوين إسلامية ، من قال أن بعضها ليس مرتبطة بالموساد والمخابرات الأمريكية وبالمخابرات العراقية التي قوامها اليوم ضباط وجنرالات بعثيين عراقيين سابقين أوفياء للمخابرات الأمريكية.
من واجبنا أن نقول الحقيقة ولو كانت مرة وقاسية، كلنا يجب أن ندين العدوان الأمريكي على أي مدينة عراقية، ندين العدوان على الفلوجة كما ندين العدوان على النجف وأي مدينة عراقية لأنّ هذا العدوان مرفوض، البعض يخطيء بالحسابات ولكن أقول احتاطوا للمستقبل، يريد الأمريكيون أن يحكموا أدواتهم وعملاءهم في العراق ولن يعطوا الفرصة لا للوطنيين و للإسلاميين ولا للمخلصين لا للشرفاء أن يكون لهم دور مؤثر وفاعل في مستقبل وحاضر العراق . والأيام والشهور والنسنين ستثبت صحة هذه المقولة.
من نفس الموقع نحن لا يخيفنا القرار 1559 الذي هو في الحقيقة قرارا يشمل كل المطالب الصهيونية ولكن بقناع أممي وبخلفية أمريكية وللأسف فرنسية. هذا القرار هو خطأ كبير ارتكبته فرنسا عندما دعمته وعليها أن تلتفت أنّها انجرت إلى تأييد مطالب إسرائيلية قديمة وحديثة. أقول للبنانيين والسوريين والفلسطينيين ولكل شعوب المنطقة، النموذج الذي يريد تعميمه بوش في العالم العربي والإسلامي هو النموذج العراقي، نموذج الفتنة والحرب الأهلية ونموذج العداوات بين طوائف وأعراق الشعب العراقي. النموذج العراقي يعني نموذج الإنهيار والتقاتل والفتنة والإنقسامات، لو دخلنا إلى قلوب العراقيين سوف نجد أنّ المشروع الأكثر شعبية في العراق وللأسف هو مشروع الفيدرالية أو التقسيم، كلٌ يريد العيش بعيدا عن أخيه في الوطن وهذا من بركات بوش، ومن بركات صدام حسين الذي نصبه أسلاف بوش على العراق. القرار 1559 يريد أن يحول لبنان إلى عراق جديد، ومن يركز ويرتب أحلاما سرابية على القرار1559 من اللبنانيين فهذه هي التجربة وهذا هو الواقع.
نحن في لبنان حكومة وشعبا رفضنا وقوى سياسية هذا القرار إلاّ قلة، وأريد أن أنبه عندما أتحدث عن أكثرية وأقلية لا أتحدث عن أكثرية مسلمة وأقلية مسيحية والعياذ بالله، أنا أتحدث عن أكثرية مسيحية ومسلمة وعن أقلية مسلمة ومسيحية، الإفتراض هنا ليس في الإنتماء الديني والطائفي بل في الإنتماء والموقف السياسي، أكثرية الشعب اللبناني بمختلف طوائف رفضوا هذا القرار وأدانوه ومستعدون لمواجهته لأنهم يعلمون جيدا النتائج التي سيجرها القرار وعلى شعب لبنان وأمنه وسلمه الأهلي ووحدته الوطنية وعناصر القوة فيه. من هذا المنطلق تبقى المقاومة في لبنان على عهدها بمواجهة الأخطار والتحديات مستفيدة من الهامش اللبناني المتاح بين الدولة والمقاومة، هذا الهامش كان دائما عنصر قوة للبنان وللدولة اللبنانية والجيش اللبناني ولمقاومة الشعب اللبناني، هذا الهامش الذي حافظنا عليه طوال السنوات الماضية وبفضله استطعنا أن نحقق جميعا الكثير من الإنجازات.
إنّ المقاومة تعمل في إطار استراتيجية عامة وخط سياسي عام تؤيده الدولة والمجلس النيابي والحكومة اللبنانية ورمز وحدة البلاد رئيس الجمهورية والأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، وهذه الإستراتيجية العامة هي استراتيجية وطنية وتلتزم بها المقاومة وخصوصا المقاومة الإسلامية وعندما نخرج عن هذه الإستراتيجية فلنسأل عن ذلك.
نحن ملتزمون بهذه الإستراتيجية العامة والخط السياسي العام المعلن : استكمال تحرير الأرض، استعادة بقية الأسرى، الدفاع عن السيادة اللبنانية الوطنية برا وبحر وجوا، مواجهة التهديدات الإسرائيلي. هل يستطيع أحد أن يقول أنّ هذا ليس سياسة واستراتيجية الدولة وليست سياسة واستراتيجية أماني وآمال ورغبات الشعب اللبناني؟ أبدا. نعم، هناك في الداخل اسرائيليون، منذ العام 1982 كانوا إسرائيليين وبعد خروج إسرائيل بقوا إسرائيليين ولن المقاومة ولو حررت كل لبنان وجعلت منه بمصافي الدول المحترمة القوية المعتد بها في العالم فلن يقبلوا من هذه المقاومة ولن يثقوا بها ونصبوا لها العداء منذ يومها الأول ويناصبونها العداء إلى يومهم الأخير وليس إلى يومها الأخير.
هناك في لبنان من يريد أن ينتهي هذا الهامش لمصلحة إسرائيل، في التفاصيل تتحرك المقاومة في الإستراتيجية العامة، هي لا تعطي علما للحكومة ولا تستأذن الحكومة، وبعض الذين يطالبون بذلك يريدون توريط الحكومة وتحميلها أي عمل تقوم به المقاومة وإن كان مشروعا، وهذا إفقاد لأهم عناصر القوة اللبنانية، حتى في هذه الإنتفاضة، ورغم أننا نختلف مع الرئيس ياسر عرفات وقد أصبح في ذمة الله في بعض الأمور الأساسية والسياسية، ولكن أسجل له أنه حاول أن يستفيد من مناورة السلطة والانتفاضة والسلطة والمقاومة وهذه تجربة جيدة وتجربة ناجحة لماذا نريد أن نضيعها في لبنان من أجل أحقاد ثلة قليلة أتمنى أن تكشف عن نفسها وحجمها الطبيعي في هذا البلد أمام إرادة وطنية عارمة.
إنّ طائرات مرصاد واحد هي طائرة استطلاع كاملة الأوصاف وكاملة الطاقات والقدرات لأي طائرة استطلاع، ونحن منذ سنوات نعمل على مرصاد واحد، إخوانكم في المقاومة الإسلامية ـ والإسرائيليون يعرفون أن لدينا قدرات تكنولوجيا هامة وقد شاهدوا بعض آثارها في عمليات المقاومة ـ ومهندسوا المقاومة الإسلامية هم الذين صنعوا مرصاد واحد وهم الذين يقومون بصيانتها وتطويرها، وليس لدينا طائرة واحدة (...). لقد أحسن الإسرائيليون فعلا أنّهم اعترفوا بخرق طائرة مرصاد واحد لأجوائهم لكن حتّى باعترافهم كانوا كاذبين فقد قالوا أنّها دخلت لمدة خمس دقائق وهذا غير صحيح : كيف تنطلق وتصل إلى نهاريا ولدينا صور عنها جاءت بها مرصاد واحد ثم تعود إلى الحدود الدولية بخمس دقائق؟ بدقة أقول لكم أنّ مرصاد واحد حلقت في أجواء فلسطين المحتلة 14 دقيقة ولم يعرف الإسرائيليون ماذا يجب أن يفعلوا. أؤكد لكم، وليعرف اللبنانيون ما لديهم من قدرة ويحسب الإسرائيليون حساباتهم، أنّه لدينا أعدادا كافية من طائرة مرصاد واحد وقادرون على تصنيع ما نحتاجه منها، وفي مرحلة من المراحل "إذا حدا بدو يشتري جاهزين نبيعه". جاهزين معالي الوزير، لوزارة الدفاع ببلاش (ردا على مداخلة كلامية لوزير الدفاع عبد الرحيم مراد).
يمكن أن تؤدي هذه الطائرة أغراضا عديدة منها التصوير وخرق الأجواء فنحن نخرق أجواء كيانكم الغاصب لفلسطين متى نشاء، وإذا لاحظتم بيان جيش العدو ـ وأدعو بعض السياديين في لبنان إلى قراءته بدقة ـ الذي يعتبر أن هذا خرقا خطيرا جدا للسيادة الإسرائيلية ولا يمكن السكوت عليه وهذه مرة واحدة، والصهاينة في سجلهم 9400 خرق في أربع سنوات ولم يرمش لأحد عين بينما الآن يتحدث الجيش الإسرائيلي عن سيادة إسرائيلية وهي سيادة احتلال، أمّأ نحن فلا نشعر بأي مسؤولية تجاه سيادتنا الوطنية وهي سيادة حقيقية وقانونية وشرعية وشريفة.
طبعا، نحن لا نؤسس لمعادلة تقول كلما خرقتم نخرق ولا يصح أن نتورط في أمر من هذا النوع ولسنا بحاجة إلى هذا المستوى ويكفي أن نخرق الأجواء عندما نشاء، فنحن نختار الزمان والمكان والمنطقة وعدد الطائرات التي ندخلها واحدة أو اثنتان أو ثلاثة أو أكثر.
والمهمة الثانية الاستطلاع : طائرة العدو تستطلع لبنان للإعتداء عليه ونحن نستطلع القواعد والمطارات والمستوطنات والمنشآت والبنى التحتية في شمال والعمق الفلسطيني من أجل الدفاع عن بلدنا، العدو لا حق له بخرق أجوائنا ولكن نحن لنا الحق في أن نمارس عملا دفاعيا.
ثالثا : رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يقول أن طائرة مرصاد التي يمكن أن تصل إلى أي مكان وإلى عمق العمق ولا مشكلة في هذا الموضوع، يمكن تحميلها بمتفجرات أربعين إلى خمسين كيلوغراما وإرسالها إلى هدفها وهذا صحيح، وهي مبرمجة وتصل إلى الهدف من محطات كهرباء أو قاعدة عسكرية أو محطة مياه، إذا نحن الآن لا نملك إمكانية مواجهة الخرق بالخرق فقط ولا نملك فقط أن نستطلع، بل نملك إمكانية أن نرد على أي عدوان جوي بمواجهة وبعمل من الجو إذا شئنا ذلك.
منذ البداية لم نستخدم مرصاد واحد لعمل حربي وإنما استخدمناه لمواجهة الخروقات لأننا نريد الدفاع عن سيادة بلدنا ولكن عند تعرض بلدنا لعدوان سنستخدم أي إمكانية وقدرة وطاقة متوفرة بلا أي تردد. أريد التأكيد أيضا في هذا السياق أن قيادة وكادر واختصاصيوا العمل لطائرة مرصاد واحد كلهم من مجاهدي المقاومة الإسلامية اللبنانيين، ولسنا بحاجة إلى أي مساعدة في هذا المجال لكن الإسرائيليون يستخفون بالعرب والجيوش العربية والحكومات العربية ويوجهون الإتهامات أماكن أخرى. عند أي عمل نوعي في فلسطين لا يعترف بأي لا لحماس ولا للجهاد ولا شهداء الأقصى ولا لأي فصيل جهادي آخر بأي فضل وإنما يوجه الإتهام لحزب الله لبنان. وعندما يكون العمل النوعي في لبنان يوجه الإتهام إلى سوريا وإلى إيران. ليس حاضرا لأن يعترف بأي طاقة ومقاومة محلية وطنية لا في فلسطين ولا في لبنان.
بعض ضعاف النفوس في لبنان يقولون أننا نلعب بالنار والإسرائيليون يشهدون للمقاومة بحنكتها ودقتها وحكمتها بانتخاب الزمان والمكان والوسيلة، ويؤسفنا أن بعض من ينتمي إلى وطننا أن يكون أسوء من عدونا وأن يكون عدونا يعترف بالحقيقة ويسلم لها ويذعن لها (...).
وهنا نلتزم أيضا بالوقوف إلى جانب سوريا التي ما بخلت على لبنان بغالٍ أو نفيس، نحن ملتزمون بالوقوف إلى جانبها والدفاع عنها كما دافعت سوريا عن لبنان ومن لا يعجبه هذا الإلتزام "كان أبو عمّار يقول : يشرب من مية البحر".
نحن ملتزمون بهذا ولا يمكننا ولا من أي موقع لا فكري ولا وطني ولا قومي ولا أخلاقي ولا سياسي ولا ثقافي ولا حضاري ولا ديني ولا مصلحي أن نقبل بعزل لبنان عن سوريا أ و عزل سوريا عن لبنان. ملتزمون بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين المحتلة.
وهنا أود التوجه إلى الحكومة اللبنانية الجديدة ـ التي بالطبع ندعو لها بالتوفيق والنجاح ـ أن تعيد النظر بأوضاع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ولطالما نادينا بهذا الأمر، وقلنا أنّ هؤلاء يجب أن يحصلوا على حقوق مدنية حقيقية وهذا لا يخدم التوطين بل بالعكس، هذا يمكن أن نواجه به التوطين. في يوم القدس أجدد هذه الدعوة من منطلق أخلاقي وإنساني وجهادي وأخوي، وحتى الآن في الحقيقة ليس هناك أي مبرر مقنع لبقاء هذه الأوضاع الحياتية والمعيشية الصعبة والسيئة جدا التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات لبنان.
نجدد وقوفنا إلى جانب الشعب الفلسطيني الأبي وإلى جانب أمتنا العربية والإسلامية وطبعا نحن لا نحمل بلدنا أكثر مما يطيق، وقد لاحظتم أنّه بعد خروج الإحتلال من جزء كبير من أرضنا أنّ أداء المقاومة كان دقيقا وحكيما ومحسوبا ومحافظا على قوة لبنان وعلى الإنجاز. نحن حريصون جدا على المصالح الوطنية ولكن لا نرى أي تناقض بين المصالح الوطنية والمصالح القومية، ونرى أنه بالشجاعة والحكمة يمكن أن نمارس جميعا الأداء وأن نتخذ جميعا الموقف الذي يخدم المصالح الوطنية والمصالح القومية ومصالح الأمة في آن واحد (...).