كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في افطار هيئة دعم المقاومة الإسلامية في قاعة حديقة بلدية الغبيري 23-10-2004
برعاية وحضور الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، أقامت هيئة دعم المقاومة الإسلامية حفل إفطارها السنوي في قاعة حديقة بلدية الغبيري بحضور وزراء ونواب وشخصيات رسمية وروحية وشعبية حاشدة.
وألقى السيد نصر الله كلمة أبدى في مستهلها الإفتخار بهذا الحضور الرسمي والدبلوماسي والشعبي والذي يعتبر من عناصر القوة والدعم التي تجدد حيوية هذا الخط وهذا الطريق وهذا الموقف.
ولفت سماحته إلى أنّه في الإنتصار الذي تحقق في الخامس والعشرين من أيار عام ألفين بفرض خروج المحتل الإسرائيلي من لبنان دون قيد أو شرط أو جوائز، تحولات كبيرة في انتخاب المسارات والخيارات، أضاف : لقد حاول البعض القول أنّ ما جرى حادث استثنائي وبالتالي ما حصل هو خاص بلبنان كالكثير من الأمور التي يختص بها لبنان لنفسه، لكننا في الأيام هذه نعيش إرهاصات انتصار آخر من نفس الموقع ونفس الفكرة وهو ما سيؤول إليه الحال بسبب قرار رئيس وزراء العدو آرييل شارون بالإنسحاب من غزة بدون مفاوضات وبدون قيد أو شرط والتصويت على قرار الإنسحاب في كنيست العدو. وأكّد أنّ هذا انتصار كبير لشعب فلسطين الذي قدّم الدماء والتضحيات وفي مقدمتهم القادة الكبار أمثال الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وكثيرون من رجال ونساء وفتية فلسطين، ومن تهديم وجرف البساتين وإزلال وقتل يومي.
وقال :" لقد فرضت المقاومة على ملك ملوك إسرائيل شارون أن يخرج من طرف واحد، والذي حصل في لبنان وتنجز مقدماته في فلسطين على مستوى قطاع غزة حجة إلهية وتاريخية على كل شعب تحتل أرضه"، لافتا إلى أنّ المقاومة الواثقة الجادة من إمكاناتها ومجاهديها قادرة على تكرار الإنتصار في كل ساحة.
وفي ملف تبادل الأسرى مع العدو، ذكّر سماحته بأنّ العام الماضي لم يكن بيننا إخوة معتقلين واليوم هم بيننا وهذا إنجاز وطني كبير حصل بفعل احتضان الدولة ودعم الشعب والتفاوض بنفس طويل، وكانت الرعاية والإحتضان من قبل الدولة في الإستقبال الرسمي للعائدين. وبقي عدد من هؤلاء الإخوة في سجون العدو ومنهم سمير القنطار، مجددا التزام حزب الله السابق بإطلاق سراحهم، ومؤكدا أنّ المفاوضات ما زالت قائمة مع الوسيط الإلماني وأنّ الجولات التفاوضية واللقاءات ما زالت تحصل معه. وشدد سماحته أنّ هذا الإلتزام يتجاوز المعتقلين اللبنانيين إلى بقية المعتقلين من الإخوة العرب بسبب انتمائهم إلى جهاد وموقع المقاومة.
وتطرق السيد نصر الله إلى "الإنجاز الآخر" الذي بدأ فعليا بعد تحرير الأسرى والمعتقلين وهو مواجهة الخروقات الإسرائيلية على المستوى البري والبحري، وأشار إلى إحصاء المقاومة الإسلامية لـ تسعة آلاف وأربعمئة وتسعة (9409) خروقات للسيادة اللبنانية معظمها جوي، متسائلا ماذا يفعل كوفي أنان أو مجلس الأمن أو الأمم المتحدة الذين لم يصدر عنهم أي قرار دولي أو تنديد بكيان العدو أو أي معالجة حقيقة لهذا الوضع.
وأشار إلى أنّ الإسرائيليين يقولون أنّ عندهم مخاوف من الحدود اللبنانية ويرسلون الطلعات فوقها، لكن هذه الطلعات تصل إلى طرابلس في الشمال، مؤكدا أنّ هناك اعتداء يومي حقيقي من قبل كيان العدو. وإذ أكّد سماحته أنهّ : " إلى اليوم لم تحصل خروق برية وبحرية إلاّ اثنين أو ثلاثة وتمت مقابلتها بالنار وفي أحدها اعترف العدو بمقتل ضابط وجرح آخرين ويومها تأكدت قوات الطواريء الدولية من أنّ الخرق كان داخل الخط الأزرق"، جدد التزام المقاومة بمنع حصول أي خرق مائي أو بري وذلك نفعله بتأييد رسمي وشعبي.
وفي موضوع الخروقات الجوية أعلن سماحته أنّه يجب أن نعمل لفرض معادلة جديدة على العدو الإسرائيلي، ما هي الخيارات الممكنة والخيارات المتوفرة وماذا يمكن أن يتوفر ومتى يمكن أن يتوفر؟ في كل الأحوال إذا اتّفقنا أنّ هذا من الأمور الواجبة أنا أقول لكم أنّه في وقت قريب وبخيارات وطنية ومعقولة يمكن أن نفرض معادلة جديدة بمواجهة الخروقات الجوية الإسرائيلية. وطبعا نحن نسعى إلى فرض معادلة جديدة ولكن هل ننجح وهل نمنع الخروقات الجوية أو لن نمنعها، يكفي أن نحاول، إذا كان هناك من إمكانية محاولة يجب أن نلجأ إلى محاولة من هذا النوع.
وأشار سماحته إلى التهديد الإسرائيلي الدائم لسوريا ولبنان ولشعبيهما ولشعوب هذه المنطقة، وإلى أطماع إسرائيل في لبنان واستضعافه في السنوات الماضية وجعله ساحة للهرب إليه من أي مأزق، لافتا أنّ في النظرة الأولية للعدو قد تكون الساحة اللبنانية الأسهل في الهروب إليها، وقال :" ساحتنا وأرضنا اللبنانية هي أرض طمع وتطلع وتهديد إسرائيلي دائم والقول أنّ ذلك ناتج عن وجود تهديد لإسرائيل من لبنان هو قول واهم لا يقرأ لا الحقائق التاريخية ولا الواقع القائم وكأنّه يعيش في عصر بعيد عن التفاصيل ومعطيات هذا العصر وبالأساس إسرائيل لم يهددها أحد" ، وأقول أنّ العدوان والتهديد هو جزء من ماهية هذا الكيان وعندما يأتي اليوم الذي لا يكون فيه هذا الكيان حالة تهديد سيستغني عنه من أوجده ومن ركبه في هذه المنطقة، فالتهديد الذي تمثله إسرائيل للبنان ولدول المنطقة هو تهديد نابع من ماهيتها وليس رد فعل على أدائكم أو فعلكم أو موقفكم.
وتابع السيد نصر الله : المقاومة في جنوب لبنان وبشكل محسوب وهاديء ومدروس تعمل على تقوية بنيتها وقدراتها كما ونوعا لتكون أقدر على مواجهة التهديد وحماية الوطن، وما دام هذا التهديد قائما فمن واجب كل لبناني أن يواجه هذا التهديد وأن يستعد له ومن لا يفعل يقصر في حماية وطنه وشعبه وأولاده وأحفاده ومستقبل البلد. نحن نقوم بهذا الواجب ويدعمنا كثيرون.
من حقكم أن تخافوا من وجود سلاح في يد قوة شعبية إذا كانت هذه القوة غير مضبوطة وغير متزنة وغير عاقلة، ولكن عندما تكون هذه القوة الشعبية مقاومة تنتمي إلى هذا الوطن وتأخذ مصالحه وحساباته بعين الإعتبار وتدرس وتدير حركتها وأداءها بشكل دقيق وموزون ويعترف العدو باتزانها ودقتها بانتخاب الزمان والمكان فهذا من أهم عناصر القوة التي يمكن أن تتوفر في ساحتنا. وشدد أنّ سلاح المقاومة هو سلاح بمواجهة العدو فقط وفقط وفقط، فسلاح المقاومة ليس للإستخدام الحزبي أو الفئوي أو الطائفي أو المناطقي وإنما هو سلاح للإستخدام الوطني، وسلاح المقاومة هو لحماية الوطن وليس لحماية لا المواقع ولا الزعامات ولا المناصب، داعيا من كان لديه ملاحظات حول تنفيذ وواقعية هذا الإلتزام لطرحها فنحن جاهزون لنسمع النصح والإلتفات إلى أخطائنا.
لقد استطعنا أن نفرض توازنا بالنتيجة، بإمكانات متواضعة لديك وإمكانات هائلة لعدوك وبإضافات روحية ومعنوية وسياسية وعقلية هنا، وظروف هنا وهناك، يكن أن تفرض بالنتيجة توازنا وهذا الأمر شاهدناه في تجربة نبع الوزاني ونشاهده في كل يوم.
أضاف : يقول الصهاينة أنّ 70 بالمئة من العمليات التي تجري في فلسطين المحتلة يتحمل مسؤوليتها ومسؤولية إدارتها وتمويلها حزب الله، طبعا يريدون القول أنّ هذه المقاومة ليست فلسطينية ومقاومة داخلية محلية وهي تنتمي إلى جهة خارجية وهي عمل إرهابي، وقال :" لكن في نفس الوقت إذا كان حزب الله يتحمل 75بالمئة من العمليات التي تجري في فلسطين المحتل فشو كرم هالأخلاق أنّه لحد الآن لم يعملوا رد فعل على حزب الله وعلى لبنان، هل السبب هو كرم الأخلاق؟ أبدا".
تابع : السبب هو الخشية من رد فعل المقاومة في لبنان والخشية من فتح جبهة ثانية في الوقت الذي ما زالت فيه جبهة الإنتفاضة مشتعلة. لأنّ في لبنان إمكانية فتح جبهة ثانية ـ وأنا هنا لا أقول تعالوا لنفتح جبهة ثانية ـ ولأنّ في لبنان إمكانية القيام برد فعل كبير وموجع حينئذ سوف يحسب الإسرائيليون حسابات كبيرة ومهمة قبل الإقدام على هذه الخطوة. مؤكدا أنّ هذا الأمر لا يمنعهم مئة بالمئة من الإقدام على هذه الخطوة في لحظة من اللحظات ولكن يمنعهم في غالب اللحظات السياسية من أن يقدموا على خطوة من هذا النوع وهذا يعني إنجاز الحماية.
وأكّد السيد نصر الله أنّ إنجاز المقاومة اليوم هو إنجاز غير محسوس، والحماية التي تقدمها المقاومة إلى جانب الجيش اللبناني برعاية ودعم واهتمام رسمي وشعبي نحن جميعا نؤمن هذه الحماية، لكن الخط الأمامي هم أؤلئك الذين يعيشون في الجبال والوديان ليحموا هذا البلد وأمنه وشبابه وسيادته ومستقبل هذا البلد ويجب أن نكون معهم وإلى جانبهم، في حين أننا نأكل مع نسائنا وأطفالنا وندرس في جامعاتنا ونذهب إلى أعمالنا.
وفي الشأن الحكومي أشار السيد نصر الله إلى تصنيف حزب الله في هذه المرحلة الجديدة، سواء في موقع الموالاة أو موقع المعارضة، وقال :" مصطلح الموالاة والمعارضة في خارج لبنان له معنى مفهوم أمّا في لبنان فليس له معاني مفهومة. (...) من أهم أسباب ضياع مفهوم الموالاة ومفهوم المعارضة في لبنان أنّه للأسف ليس لدينا سلطة حقيقية واحدة حتّى أقول أنا موالٍ للسلطة أو أنا معارض لها. حتّى في داخل السلطة سوف تجد وزراء موالين ومعارضين في آن واحد، وزراء موالين لرئيس الجمهورية معارضين لرئيس الحكومة، وزراء موالين لرئيس الحكومة معارضين لرئيس الجمهورية، وزراء معارضين لرئيس الجمهورية ولرئيس الحكومة.
نحن لا نجد أنفسنا في أي مواقع تسمّى موالاة أو معارضة، هذه الحكومة سوف نسمع بيانها الوزاري وسوف نواكب حركتها ونراقب أدائها وإذا وجدنا أنّها تقرر وتنفذ وتجري وتتابع ما يحقق المصلحة الوطنية سندعمها ونساندها ونؤيدها في أي موقع من المواقع، وعندما نجدها في موقع آخر وفي نفس اليوم ربما تقوم بما يخالف المصلحة الوطنية سنقف في وجهها ونعترض عليها ونواجهها، وقد نطرح الثقة بها أو ببعض وزرائها في مرحلة من المراحل، هذا هو موقعنا. ولفت أنّ إعطاء الثقة أو حجبها أو الإمتناع عن إعطائها أمر تدرسه قيادة حزب الله وكتلة الوفاء للمقاومة، وعندما نحسم الموقف سيعبر عنه رئيس الكتلة في المجلس النيابي. ورد سماحته على القائلين بأنّ حزب الله يؤخذ عليه أنّه لا يطلب أشياء محددة وأنّ ذلك خروج من الساحة الداخلية، فقال إنّ الحزب يطلب أشياء محددة ولكن ليس له وهي لمصلحة هذا البلد وهؤلاء الناس.
وإذ أشار سماحته إلى مشاكل انقطاع الكهرباء وغلاء المازوت وبقاء طلاب المدارس خارج مدارسهم ومطالب الأساتذة والبطالة والوضع الدولي الصعب في المنطقة حيث يمكن أن تحصل تطورات خطيرة، هناك حديث عن حكومة مواجهة لأوضاع إقليمية ودولية ومحلية. أضاف : بمعزل عن الملاحظات عن التركيبة الحكومية التي حصلت، هذه الحكومة إذا كانت تريد أن تحكم وتستمر حتّى بعد الإنتخابات النيابية ـ ومن حقها الطبيعي أن تطمح إلى ذلك ـ ولتكون قادرة على مواجهة كل هذه التحديات يجب أن تسعى إلى الحصول على ثقة الناس والشعب اللبناني.
وقال :" هناك وهم عند كثيرين في لبنان يتصورون أنّ إرضاء بعض الزعماء يعني إرضاء للشعب اللبناني، هذا غير صحيح. هناك زعامات كبيرة وشعبية في لبنان ولكن الشعب اللبناني هو شعب واحد يقف ويقرأ ويتابع ويفهم وحاضر لأن يعطي ثقته لأي حكومة يجدها جادة ومخلصة وتعمل من أجل معالجة مشكلاتها الحقيقة وهو جاهز لأن يتجاوز زعماءه. من الخطأ أن نخسر ثقة الناس بإرضاء بعض الزعماء وهذا خطأ كبير جدا"
أضاف : الحكومة الحالية قادرة على كسب ثقة الناس حتّى في سبعة أشهر، ولكن ليس بتسويات هنا وهناك وكولسات هنا وهناك، وإنما بعمل جدي. الثقة التي يمكن أن تكتسبها هذه الحكومة تؤهلها لمواجهة كل التحديات والتهديدات الداخلية ولمواجهة كل الأوضاع الخارجية الصعبة. المفتاح لحصول الحكومة على ثقة الناس هو محاربة الفساد ومنعه ووقفه في إدارات هذه الدولة. أي حكومة لبنانية تأتي وتضع برنامجا حقيقا وتبدأ فعليا بمحاربة الفساد سوف تجدا أنّها تحظى بشعبية عارمة بكل المناطق وفي كل الطوائف وفي كل الفئات وبمعزل عن خطأ أو صواب التمثيل السياسي في داخل هذه الحكومة.
وقال :" بمحاربة الفساد الأمر ليس بحاجة إلى دراسة لسبعة أشهر والبعض قد يقول أنّه بسبعة أشهر لن نلحق على الدراسة (...)، هناك أبواب فساد مطلوب إيصادها والسلام، هذا باب الفساد أغلقوه. إذا كانت الحكومة جديرة بمواجهة التحديات القائمة وجديرة بثقة الناس يجب أن تحصل أو تثبت هذه الجدارة من خلال شجاعتها في إغلاق أبواب الهدر والسرقة والفساد في هذه الدولة وأنا أقول لكم أنّ هذا الأمر لا يحتاج لا إلى علم ولا إلى معرفة ولا إلى تخطيط ولا إلى مراكز دراسات، بل يحتاج إلى شجاعة فقط".
أضاف : فليرفع الغطاء وليحول هؤلاء إلى القضاء وعندئذ سوف نشعر بالجدية وسوف تحظى هذه الحكومة بثقة الناس تدريجيا، داعيا إلى عدم العمل في قضايا الفساد بـ 6 و 6 مكرر وأيًّ يكن المفسد مسلما أو مسيحيا وإلى أي اتجاه سياسي ينتمي من الآن فصاعدا عندما يسرق ويهدر لا يجوز أو نتساهل معه.
هذه الحكومة هي بحاجة أكثر إلى مواجهة الفساد لأنّها معرضة في الداخل أكثر من أي حكومة أخرى نتيجة تراكم القضايا والملفات والأزمات الداخلية يضاف إليها الأزمة السياسية الأخيرة، إذا هي حكومة معرضة بأشكال مختلفة وتستطيع أن تحمي نفسها ليس باللجوء إلى سوريا أو الجيش اللبناني أو قوى الأمن الداخلي. الوسيلة الوحيدة التي تحمي حكومة الرئيس عمر كرامي أو أي حكومة مستقبلية في لبنان هي أن تسقط الفاسدين والمفسدين والسارقين وتقيم ولو نسبة من العدل وتثبت للناس أنّها حكومة جادة على هذا الصعيد(...) وهذا لا يحتاج إلى موازنة بل يوفر الموازنة أي يأتي بالمال لصندوق الدولة ويحسن الإدارة ويجعل الوزراء والمدراء جادين أكثر ويجعل الناس تتحمل مسؤوليتها أكثر، وهذا يعطينا مصداقية على مستوى المنطقة وعلى مستوى العالم.
وختم السيد نصر الله بالدعوة إلى التخفيف من حالة الاحتقان في البلد والإستفزاز والتوتر والتشنج، وقال :" بعد اتفاق الطائف وما وصلنا إليه في لبنان لا مكان لكلمة شطب. لا يستطيع أحد وليس صحيحا أن يفكر أحد بشطب أحد. يجب أن نعمل أن نكون سويا وأن نتعاون في لبنان.