كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في العشاء التكريمي الذي أقامه لرؤساء البلديات والأعضاء المنتخبين في مجمع سيد الشهداء ـ الرويس 30-6-2004
الكلمة التي ألقاها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في العشاء التكريمي الذي أقامه لرؤساء البلديات والأعضاء المنتخبين في مجمع سيد الشهداء ـ الرويس 30/6/2004
بداية اشكر الحضور لتلبيتهم هذه الدعوة ومشاركتهم في هذا اللقاء الذي نريده لقاء للوحدة والاخوة وللمسؤولية وللثقة والتعاون. في البداية يجب أن أشير إلى أننا وضعنا المرحلة الماضية خلفنا، وقيل الكثير في هذه الانتخابات وعن هذه الانتخابات، وكتب الكثير من التحليلات والتقييمات، في المجال الإنمائي والسياسي والأحجام والتحالفات وفي الأساليب والأسلحة المتبعة والضغوط وفي حركة الشارع، وكان هناك الكثير من تحليل النتائج.
وقال سماحته :" أتصور انه كل ما بقي من هذا الملف قبل إعلان النتائج قضية تفصيلية واحدة، هي قضية الطعون حيث ان هناك طعون في اكثر من بلدة ومنطقة، وفي هذا السياق نأمل أن يقوم مجلس شورى الدولة ببت هذه الطعون وإعلان نتائج تحقيقاته وقراراته في اقرب وقت ممكن وبعيدا عن أي تدخلات سياسية، ونأمل أن يتيح السياسيون والمسؤولون الرسميون في الدولة الفرصة أمام مجلس شورى الدولة للبت في هذه الطعون بعيدا عن الضغوط أو التهديدات أو الترغيبات وليحكم مجلس شورى الدولة ضميره والقانون ولتكن النتائج المنسجمة مع الضمير والقانون".
أضاف : نحن من موقعنا لا نطالب بنتائج مسبقة ولا نفرض قرارات مسبقة وكل ما نطالب به الإنصاف لان هذا الشق ليس شقا حزبيا أو تنظيميا وإنما يرتبط بإرادة الناخبين في البلدات ومقتضى احترام إرادة الناخبين أن تسير الأمور بشكلها القانوني. هناك مجالس بلدية واختيارية فازت بثقة الناس والناخبين، وهؤلاء الأشخاص الحاضرين يجب أن يعرفوا أن مواقعهم مواقع مسؤولية وأمانة، وعندما نكون في موقع المسؤولية والأمانة فان علينا أن نكون مستعدين للإجابة على كل الأسئلة التي تتناسب مع هذا الموقع.
وأكّد أنّه يجب أن نتعاطى مع الأمر على هذا الأساس، وأن نشكر للناس ثقتهم بنا، ولكن لا يكفي الشكر باللسان وإنّما بأداء الأمانة وتحمل المسؤولية والجدية والمثابرة والفعل الإيجابي والقيام بكل المهام التي يتوقعونها منا. ويجب علينا أن نحترم إرادة الناس أيا تكن النتائج حتى ولو شاب العملية الانتخابية أي شوائب، فهي تعبر بنحو ما عن إرادة الناس. وحيث نفوز نحترم النتائج بتحمل المسؤولية وحيث لا نفوز يجب علينا احترام إرادة الناس أيضا وان نتعاون في البلدات التي لم نفز فيها مع المجلس البلدي المنتحب. ومقتضى الإخلاص للانتخابات وللناس واحترام النتائج أن نتعاون مع هذه المجالس البلدية لا أن نعمل 6 سنوات على إفشالها وتحطيمها ووضع الألغام في طريقها. من واجبنا أن ندعمهم ونساعدهم ولا يجوز لنا أن نعطل أعمالهم، لأننا في ذلك نخرب إنماء بلدتنا لمدة 6 سنوات والعملية الإنمائية والتربوية لحساب مناكفات سياسية أو عائلية أو فئوية أو حزبية، وهذا غبر أخلاقي وغير صحيح. أما إذا كان هؤلاء الأشخاص فاسدون ولاسباب معينة فازوا بثقة الناس، هنا المسألة تصبح مختلفة، يجب أن نرى ما هي مصلحة أهل البلدة وهل هي في مساعدة هؤلاء (الأشخاص الفاسدين) أو عدم مساعدتهم.
واعتبر السيد نصر الله أنّه طالما المجلس البلدي هو لائحة انتخابية فهو فريق من الناس يتنافس مع أفرقاء آخرين لكنه بعد الفوز هو مسؤول عن كل الناس والبلدة وأهلها وخدمة الجميع وكل بشر وحجر. علينا أن لا يكون في عملنا أي تمييز طائفي أو مذهبي أو حزبي وسياسي وعائلي ومعالجة الخلافات العائلية، لانّ ذلك من اخطر مشاكل لبنان ليس فقط في البلدية بل في الإدارة والوزارة وإدارة الشان العام، وعلى الشخص الذي يكون مسؤولا في الإدارة العامة ويتقاضى راتبا من الدولة أن يتصرف على أساس انه معني بالناس جميعا بوطنه وبكل مناطقه وهكذا عندما تضيق الدائرة. ومن اخطر المشاكل في البلد أن الإدارات تحولت إلى إدارات تخدم زعامات محددة أو فئات محددة ولم تبقَ إدارات وطنية على الأغلب، والمواطنون عند هذه الإدارات من الدرجة الثانية.
أضاف : إذا كان المدير خلفيته طائفية يصبح أبناء طائفته مواطنين من الدرجة الأولى وبقية الموطنين من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة. و إذا كان المسؤول حزبيا ويتعاطى حزبيا تصبح قواعد حزبه وجمهور حزبه مواطنين من الفئة الأولى وبقية الموطنين من الفئات الأخرى. نحن نرفض هذا الشكل من الإدارة وندينه ونعتبره غير أخلاقي وغير شرعي وغير قانوني وخيانة. وطالما أننا في موقع من مواقع الإدارة يعني في المجالس البلدية والاختيارية وهي مواقع انتخبكم الناس فيها ولم يمن عليكم أحد بتنصيبكم فيها يجب أن لا نرتكب هذا الخطأ، ويجب أن نحذر من أي تمييز لان سياسة التمييز الطائفي والعائلي والفئوي والحزبي ليس لها نتيجة سوى الخسارة، ومن يمارس التمييز سيخسر.
وأوضح سماحته أنّه عندما يكون المال الذي أنفقه في هذه البلدة مالا شخصيا أو مالا لحزبنا أو لمؤسستنا وليس مالا للناس وللشعب حينئذٍ نكون أحرارا في أن نفعل في مالنا ما نشاء لان الناس مسلطون على أموالهم. أما عندما تكون هذه الأموال أموال الدولة والشعب كما هي أموال البلدية لا يجوز أن تتحول إلى أموال شخصية أو حزبية وسياسية ويجب أن تكون لخدمة الجميع .. ما نؤكد عليه أن هذه المجالس هي مجالس رسمية ولها قانون ينظم عملها وما ندعوكم إليه هو تطبيق هذا القانون بكل ما فيه والمطلوب الالتزام بهذا القانون ولا نريد للبلديات التي ندعمها ونتعاون معها خارج هذا الإطار. لكننا نؤكد على أهمية العمل الجماعي ومشاورة الناس في الأمر والأصح أن نستفيد من تجارب الآخرين وأخطائهم ونقاط ضعف وقوة الآخرين وان نبدأ من حيث انتهى الآخرون وليس من الصفر لنعيد تجارب خاطئة .
ما نطلبه منكم العمل طبق القوانين الإجرائية في لبنان وان لا ترتكبوا أي مخالفة قانونية لأننا بهذا نحافظ على النظام العام ، وباسم قيادة حزب الله أقول لكم : أي مخالفة قانونية لصالح أشخاص من حزب الله كبيرا أو صغيرا حتى لو كان الأمين العام طلب منكم القيام بعمل مخالف للقانون لا تقبلوا منه، ولا استثناءات في هذا الموضوع، ومن يستطيع أن يحل مشاكل الناس في إطار القانون ليس هناك مشكلة في ذلك، ولا يتحمل حزب الله مسؤولية أي عمل مخالف للأنظمة المعمول بها في البلديات. ودعا سماحته رؤساء وأعضاء المجالس المنتخبة بالاستفادة القصوى من الزمن لان كل يوم يمر وانتم في موقع المسؤولية انتم مسؤولون عن الإهمال أو التأخير ومشكورن على كل إنجاز وعليكم الاستفادة من الإمكانات المادية والمعنوية المتوفرة لدى المجلس البلدي.
ولفت سماحته إلى موضوع الصلاحيات الأخرى للبلدية وخاصة المرتبطة في البعد التربوي والثقافي والاجتماعي والأخلاقي، ودعا المشاركين إلى أخذ دورهم في هذا الجانب والعمل على بناء البشر والحجر. وأشار إلى موضوع الإعلانات في الطرق وخاصة المفسدة منها، آملا أن تتشدد البلديات في هذا الموضوع وإعطائه الأهمية الكبيرة. كما دعا البلديات إلى وضع برامج واضحة وتقديم هذه البرامج إلى الأهالي ومناقشتها ووضعها موضع التنفيذ لان اكثر المجالس المنتخبة لا تضع برامج لها قبل الانتخابات.
وقال سماحته :" نحن كما كنا سويا في مرحلة الانتخابات نحن معكم في مرحلة المسؤولية وندعمكم ونقويكم وندافع عنكم ونؤازركم ونقدم لكم المساعدة ونستفيد من موقع حزب الله لمساعدتكم". وشدد على موضوع الأمانة والنزاهة والخروج من المجلس البلدي بعد 6 سنوات بكف نظيف معتبرا ذلك إنجازا عظيما في لبنان لان البيئة بيئة فساد، والجهاد الأكبر أن يصون الإنسان نفسه عن المال الحرام، وهذا هو مقياس الفوز والفشل.
أضاف : هذه النقطة هي بلاء لبنان الحقيقي في هذه المرحلة وكل الذين يتحدثون عن الإصلاح ومعالجة المشاكل المعيشية في لبنان والاجتماعات الطويلة والمظاهرات ونحن جزء منها وسنبقى جزء منها والإضرابات ونحن جزء منها وسنبقى واعتراضات النواب ونحن جزء منها وسنبقى، ولكن ليس هذا هو الحل طالما أن الفساد مستشري في جسد هذه الدولة وإداراتها وطالما أن الفساد يمارس من موقع المسؤولية وطالما أن المفسدين يحظون بالحماية الكاملة وطالما انه لا يمكن فتح أي ملف فساد في لبنان. وفي هذا الموضوع تحدّى سماحته الدولة أن تفتح ملف فساد واحد وتمضي به إلى نهاية المطاف، لأنّه هنا تكون دولة القانون والمؤسسات وهنا يكون للسلطة التنفيذية مصداقية وللسلطة التشريعية والقضائية ولمسؤلي الدولة مصداقية.
واعتبر أن اصل المرض في لبنان وجود فساد منظم ومبرمج ومخطط وله آلياته وأدواته وعاداته وتقاليده ووسائله، وهناك حالة قائمة وظاهرة مكتملة في لبنان اسمها الفساد المالي والإداري وأي معالجة للوضع الاقتصادي أو المعيشي والاجتماعي بدون معالجة الفساد هو تضييع وقت وهو كحبة الأسبرين. والفئات المضطهدة والمحرومة التي تشكوا من الفساد كثي منها تحمي الفساد والمفسدين من حيث يشعرون ولا يشعرون. وإذا كنا ننتقد الفساد ونطالب بفتح ملفات الفساد والضرب على يد الفاسدين يجب أن لا نكون نحن أيضا لا فاسدين ولا مفسدين ولا نحمي المفسدين ..يجب أن ننقي أنفسنا ونصونها ثم نذهب إلى الآخرين لنساعدهم لان يكونوا طاهرين ونظيفين .
وأضاف : من يريد أن يظلمكم نتيجة أن هذه المجالس البلدية جاءت على لوائح فلانية أو نتيجة تحالفات فلانية سنقف في وجهه ولن نسمح لأحد أن يظلمكم أو يضطهدكم أو يعتدي عليكم. ولكن أي شخص من إخواننا ارتكب فسادا في مؤسسة عامة وفي ممارسة سلطة عامة ويطال قانونيا فنحن لا نحمي أحد.
ورأى الأمين العام لحزب الله أنّ أهم ما أنجزته المقاومة إضافة إلى تحرير الأرض وان كان لم يكتمل وتحرير الأسرى وان كان لم يكتمل والدفاع عن الوطن، هو النموذج. هذا النموذج اليوم الحاضر في فلسطين عند المقاوم وعند العدو، مع كل عملية تنفذ في فلسطين المحتلة تخرج وسائل إعلام العدو لتقول هذه من تكتيكات حزب الله. طبعا هو يبالغ عندما يحملنا المسؤولية، لان الذين يقاتلون في فلسطين فلسطينيون والدم فلسطيني والسلاح فلسطيني وإذ كان هناك من ذنب عند الصهاينة لحزب الله فهو انه قدم النموذج وهذا النموذج يمكن أن يتطلع إليه أي شعب في العالم يتعرض للاحتلال.
وفي الشأن العراقي قال سماحته : عندما انتقدنا بعض العمليات وقلنا أن هذه عمليات إجرامية وليست مقاومة تحفظ البعض على هذا الكلام وهذه العبارات. لكن اليوم نجد في العراق أن علماء الشيعة والسنة والحركات الإسلامية ومن يدعم المقاومة مضطر لان يقف ويقول أن هذه الأعمال تخدم الاحتلال وليست أعمال مقاومة، مؤكدا أنّ المقاومة هي التي تحمي شعبها لا أن تقتله، وإسرائيل لن تستطيع أن تمحوا هذه التجربة والنموذج من ذاكرة اللبنانيين والعرب والمسلمين ومظلومي العالم.
نحن مطالبين في العمل الداخلي والسياسي والبلدي والنيابي والإداري وقضايا الناس الداخلية بتقديم نموذج المقاومة، كما انه في نموذج المقاومة لم نتمكن من صنع هذا النموذج بالخطابات والمواعظ وانما بالعرق والتضحيات الكبيرة وبسيل من الدماء الزكية والجوع والصبر، كذلك النموذج في الداخل أيضا بحاجة إلى نفس هذه الروح الجهادية .