كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في تأبين مؤسس حركة حماس الشهيد الشيخ أحمد ياسين 27-3-2004
وفاءً لمؤسس حركة حماس الشهيد الشيخ أحمد ياسين أقام حزب الله احتفالاً تكريمياً في قاعة سيد الشهداء (ع) – الرويس بحضور الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله وقيادة حزب الله، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ومسؤولين في الحركة، ممثل رئيس الجمهورية وزير الدفاع محمود حمود، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، وشخصيات وزارية ونيابية ودينية وحزبية لبنانية وفلسطينية وعسكرية.. وجمهور غفير من المواطنين.
استهل الاحتفال بآيات بينات من القرآن الكريم ثم أنشودة ثورة الأقصى لفرقة الولاية للأناشيد الإسلامية مهداة إلى روح الشيخ ياسين.
وألقى النائب وليد جنبلاط كلمة أكد فيها أن "اغتيال الشيخ ياسين يأتي في سياق حرب مفتوحة، حرب إبادة تشنها إسرائيل وبدعم أميركي مطلق على الشعب الفلسطيني وعلى الأحزاب العربية والإسلامية التي ترفض تهويد فلسطين ..إن اغتيال الشيخ ياسين يأتي في سياق محاولة ترويض العالم العربي وتفتيه لاحقاً إذا أمكن قومياً وقبلياً من المشرق إلى المغرب تحت شعار الشرق الأوسط الكبير. كما يأتي في سياق الحملة الغربية الأميركية على الإسلام الجهادي من قبل المبشرين. (..)
وأضاف :" إن اغتيال الشيخ ياسين يأتي في سياق حرب الحضارات التي أعلنتها العصابة الحاكمة في أميركا والتي استفادت كثيراً بعد أحداث 11 أيلول والتي صنفت العالم بين خير وشر وفق التصنيف التوراتي(...). كما أسقط اغتياله ما تبقى من حشمة أو من ورق التين لدى معظم الأنظمة العربية المتآمرة أصلاً. كما شكل طعنة في الصميم للسذج والمتآمرين الذين يؤمنون بما يسمى الديموقراطية الأميركية.. هذا لا يعني رفض التغيير على طريقة الخطاب العربي، لكن هذا يعني رفض الإملاءات الأميركية والإسرائيلية وإيجاد البدائل العربية والإسلامية التي تعزز الانتفاضة وتدعم الكفاح المسلح وتوسع رقعة المواجهة، ففي مواجهة الإرهاب الأميركي الإسرائيلي لا بد من إرهاب عربي إسلامي.(...)
وذكّر جنبلاط بما قاله زعيم عربي في الماضي: لا صلح لا اعتراف لا تفاوض مع إسرائيل، ووجه تحية إلى الشهيد ياسين وشهداء الانتفاضة والمقاومة.
بعده ألقى خالد مشعل كلمة تحدث فيها عن مآثر الشيخ ياسين وتضحياته وصبره وهنأه بشهادته العظيمة. ثم تحدث عن تصعيد شارون لحملة الاغتيالات على قادة حماس التي بدأت على المستوى العسكري ثم استباح المستوى المدني. وقال :" إن هذا الاستهداف يدل على استهانة من عدونا بنا وهذه رسالة إلى الأمة، متسائلا إلى متى يبقى رقادها؟ شارون لم يستهدف شيخنا استهداف الجسد فجسد الشيخ ياسين نحيل لكنه استهدف نهج الشيخ ونهج المقاومة الذي يؤمن به كل مقاوم وصاحب إرادة". (...)
أضاف " جريمة اغتيال الشيخ ياسين لم تأتِ قفزة في الهواء ولكنها جاءت في سياق مرحلة لا بد أن نقرأها جيداً وأن ندرك المناخ الذي صعّد فيه شارون عدوانه وجريمته: فهو بدأ يقر مؤخراً بالعجز الحقيقي عن وقف المقاومة الفلسطينية فكان لا بد من إغراق الساحة الفلسطينية بمبادرات ظاهرها خطوة نحو السلام وباطنها إجهاض للمقاومة.
وأكد "أننا لسنا في مأزق لو سقط شيخنا إنما المأزق عند شارون الذي أصبح ملتجأً نحو الجدار. إن الاعتداء على شيخ مشلول هو دليل عجز وإفلاس لا دليل ثقة. ودعا إلى عدم الخشية على شعبنا وتوهم أن المعركة أكبر منه لكن شاركوه في المعركة. إن اغتيال الشيخ أحمد ياسين سيكون فتحاً مبيناً لأمتنا الحية. إن أمتنا انتفضت تبايع على المقاومة في فلسطين وخارج فلسطين. الأمة حية وهي في صعود وليس في انحدار. عدونا الذي بلغ الأوج هو الذي ينحدر اليوم".
وخاطب الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج قائلاً :" إن حركة حماس ستبقى وفية للشهداء وستظل على العهد أمينة على الحقوق والمقاومة. شعبنا العظيم هو صاحب النصر والمجد. تعب الكثير من القادة والأنظمة وتهاوت عروش وظل شعبنا يقاوم رغم الضيق والحصار والألم والشدة. ستبقى دماء أطفالنا أمانةً تطوق أعناقنا حتى تزول عذاباتهم.
ودعا الشعب الفلسطيني إلى مزيد من الصبر "لقد قطع شوطاً مهماً نحو النصر والتحرير لكن بقي شوط طويل. فلتثق بربك ومقاومتك وأمتك ولا تنظر إلى المتخاذلين، ولتقدم يا شعبنا نموذجاً قرآنياً لتقول أنا ابن الأمة العظيمة الصابرة والتي ستنتصر بإذن الله. وشكر الأمة على موقفها العظيم على اعتبارها الشيخ ياسين رمزاً لها، ودعاها لترجمة النوايا الصادقة إلى أفعال صادقة وأعمال حقيقية، مشيدا بمواقف الدكتور بشار الأسد والقيادات المخلصة في سوريا وإيران واليمن ولبنان وكل من ساندنا بموقف، موجها شكراً خاصاً للبنان ولحزب الله.
وأكد مشعل أن حدث اغتيال الشيخ ياسين شكل ولادة جديدة لحركة حماس، ومنعطف نقل المقاومة إلى طور جديد، هذا المنعطف هو بداية الانهيار للكيان الصهيوني وإزالة لأول لبنة فيه، وأن الرد على الجريمة سيكون في سياق تصعيد المقاومة ونقلها إلى إطار جديد، مشدداً على أن المقاومة ستبقى محصورة في فلسطين المحتلة. وأعلن أن هدف حماس في هذه المرحلة ترتيب البيت الفلسطيني وتشكيل مرجعية قيادية فلسطينية تركز على وحدة الصف الفلسطيني وتضمن حماية المقاومة وإنجازاتها وتستوعب أي نصر قادم ، كما شدد على أولوية الإفراج عن الأسرى والمعتقلين من سجون العدو.
كلمة أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله
وفي الختام ألقى السيد نصر الله الكلمة الآتية:" بسم الله الرحمن الرحيم، يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين. ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون.. ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة، قالوا إن لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
نحن في الأيام القليلة الماضية، واجهنا كأمة وليس فقط كحماس أو كشعب فلسطيني مصيبةً كبيرة وفاجعة عظيمة. وهذا لا يمكن التنكر له، ففقد هذا العالم المجاهد والقائد الكبير ليس أمراً بسيطاً في حسابات المعركة والمواجهة والعاطفة. وعندما نعرف أو نتعرف أكثر على شخصية من فقدنا تعظم المصيبة(...). نحن أمام هذه المصيبة وهذه الخسارة لا يمكن أن نتجمد أو أن نتوقف أو أن نسقط. نحن تعلمنا من كتاب الله تعالى كيف نواجه المصائب ونحوّل المصيبة إلى مغنم للأمة بدل أن تكون خسارة. الله سبحانه وتعالى قال لنا في كتابه "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم". عندما نواجه مكروهاً أو مصيبةً أو كارثةً سوف يترك هذا المكروه آثاره الطبيعية علينا، فنحزن ونتألم ونبكي ونشعر بالخسارة، ولكن نتطلع إلى الجانب الآخر، ونحن نستعين بالله ونتوكل عليه، كيف نحول هذه الخسارة إلى فرصة. هذا المعنى قالته الآيات القرآنية قبل ألف واربعمائة سنة، اليوم جاء علم الإدارة ليقول : إن القيادة الناجحة والفئة الموفقة هي التي تستطيع أن تحول التهديد إلى فرصة. إن خسارتنا للشيخ أحمد ياسين كقائد ورمز هو تهديد لمشروع المقاومة وثقافة المقاومة وخيارها والمقاومة الميدانية والانتفاضة والأمل الذي تتطلع إليه أمتنا من خلال المقاومة، ومسؤولية كل القيادات الواعية والمخلصة في هذه الأمة وبالدرجة الأولى في فلسطين وبالأخص في حماس كيف نحوّل هذا التهديد إلى فرصة.
أضاف : عندما نأتي وندرس الأهداف التي توخاها العدو من خلال قتله للشيخ أحمد ياسين ونعمل على إسقاطها ونحّول دماء الشيخ ياسين بدلاً من أن تكون وسيلةً لتحقيق أهداف العدو إلى عون وسند لتحقيق أهداف الشيخ ياسين وهذا معنى مقولة أن ينتصر الدم على السيف. ليس وحده الدم ينتصر على السيف، الدم الذي يحمله أهله فيخلصون له ويثبتون عنده وينشرونه في كل بقاع الأرض ينتصر على السيف ويكسره ويهزمه، وهذه هي المسؤولية الكبرى في هذه المرحلة.
وتوقف سماحته عند بعض النقاط لمواجهة هذا التهديد القائم والتحدي الموجود. فقال :"النقطة الأولى: إن جريمة القتل البشعة التي ارتكبها الصهاينة بحق شيخنا الجليل والإخوان الذين كانوا معه وهم خارجون من المسجد، يجب أن يكون لها دوي في ضمير هذه الأمة. من جملة المعاني التي يجب أن تثيرها في الوجدان، هي تأكيد حقيقة هذا العدو لمن يعرف حقيقته، وكشف حقيقة هذا العدو لمن ما زال جاهلاً أو يتجاهل. جريمة قتل الشيخ أحمد ياسين تقول لكل العرب والمسلمين وشعوب العالم: هذا الكيان الذي تديره حكومة العدو هو كيان وحشي، إرهابي، سرطاني، ذات طبيعة عدوانية. ولذلك أمام هذه الحادثة يزداد الذين آمنوا إيماناً بما آمنوا به من قبل وبمن انكشف لهم من حقيقة هذا العدو. وأما الذين لا زالوا مترددين أو ما زالوا يتحدثون عن الخيارات السلمية، ومن أعجب ما سمعنا هي دعوة بعض النخب الفلسطينية لحماس وفصائل المقاومة ألا ترد على اغتيال الشيخ ياسين وأن تلقي السلاح وأن تلجأ إلى المواجهة السلمية؟ المواجهة السلمية مع من؟ مع شارون، مع الكيان الصهيوني، مع عصابات الإرهاب والقتل وارتكاب المجازر، مع الذين قتلوا أنبياءهم قبل أن يقتلوا أنبياءنا، وسفكوا دم علمائهم قبل أن يسفكوا دماء علمائنا، وذبحوا أطفالهم قبل أن يذبحوا أطفالنا. هذه هي المجموعة الإرهابية التي نواجهها اليوم على أرض فلسطين المحتلة وفي منطقتنا.
أقول للبقية من العالم العربي والإسلامي في لبنان وفي فلسطين وفي كل المنطقة، وبعض الذين أيضاً يحسنون الكتابة واستخدام اللغة الأكاديمية وما شاكل ويتحدثون بطريقة حضارية، أما آن لكم أن تؤمنوا وتكتشفوا حقيقة هذا العدو وتبدلوا من موقفكم تجاهه وتكفوا عن دعوتنا إلى الصلح والسلام والتعايش والشراكة معه؟ ألا يخجل بعض من في أمتنا أمام هول الجريمة والمظلومية التي تجسدت في قتل واستشهاد الشيخ أحمد ياسين أن يستمروا بالمجاهرة في هذا المنطق وفي هذه اللغة؟، أقول لهؤلاء: إن كنتم واقعاً غير مقتنعين فآن لكم أن تقتنعوا، وأن كنتم تتحدثون عن السلام والشراكة والصلح للتغطية على عجزكم ووهنكم وضعفكم فاحتفظوا بعجزكم ووهنكم لأنفسكم، ولا تقولوا ولا تكتبوا ولا تثيروا ما يبعث على الوهن والضعف واليأس في قلوب هذه الأمة.
في دلالات الجريمة في ما يعني حقيقة الإدارة الأميركية الشيطانية والفيتو الأميركي والمساندة الأميركية شاهد جديد، ليزداد الذين آمنوا إيماناً بشيطانية هذه الإدارة وهذا المشروع، وشاهد جديد نضعه أمام أولئك الذين ما زالوا يتحدثون بقناعات مختلفة، ونقول لهم : أمريكا تثبت في كل يوم، ليس فقط في العراق، من جديد في فلسطين ومن خلال فيتو أنها تغطي القتل والإرهاب والجريمة، بل هي شريك كامل في القتل والإرهاب والجريمة.إذاً كيف تلجؤون إليها وتراهنون عليها وتتصورون أن الإدارة الأميركية هي الملاذ وهي الملجأ وهي الغوث الذي يمكن أن يأتيكم ليحمي أعراضكم وكرامتكم وحتى عروشكم؟ .
النقطة الثانية التي يجب أن يفهما العدو وأن يطمئن لها الصديق ويثق بها المحب وشعوب أمتنا، أن حركات المقاومة الحالية لم تعد في تداومها واستمرارها وبقائها متوقفة على شخص محدد ولو كان مؤسساً أو رمزاً أو قائداً عظيماً. هذه المقاومة لم تصنع في مكان آخر، لم تصدر إلينا، هذه المقاومة صنعها إيماننا والتزامنا وشعوبنا ورجالنا ونساؤنا وأطفالنا وصغارنا وكبارنا وهي تعبير عن إرادة جدية صادقة حقيقة، ولذلك لا يتصور أحد في هذا العالم أنه يمكن شطب حركات المقاومة من خلال شطب قياداتها. هؤلاء مشتبهون. بل دائماً، التجربة كانت تقول في هذا المجال: عندما تتوفر حركة مقاومة صادقة ومخلصة وصابرة ومحتسبة وتقتل قيادتها ينقلب السحر على الساحر، ويشتد عودها ويتصلب وتقوى إرادتها ويتنزل عليها النصر لأن الله مع الصابرين ولأن الله مع الصادقين والمتوكلين. وهذا ما يغفل عنه الصهاينة. هم يغفلون عن هذه الصلة المعنوية القائمة بين هؤلاء المجاهدين الذين هم عباد الله ومع الله الذي يمدهم بالقوة والعزيمة والنصر والثبات والهداية ويسدد رؤيتهم ورميتهم. وبالتالي لا يجوز أن يقلق أحد على ذهاب أي قائد مهما كان عظيماً ولا تقلقوا من التهديدات القادمة أو الاغتيالات القادمة إن حصلت. إنّ حركات المقاومة ، وبالمجموع مشروع المقاومة تجاوز مرحلة إمكانية أن يشطب بشطب قياداته وهذا من عناصر القوة الأساسية التي تتمتع بها المقاومة حالياً. هذا ما حصل مع حزب الله عندما قتلوا أمينه العام السيد عباس الموسوي، وهذا ما حصل مع حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين عندما قتلوا أمينها العام فتحي الشقاقي، هذا ما حصل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عندما قتلوا أمينها العام أبو علي مصطفى، وهذا هو الذي يحصل اليوم مع حماس. وما مسارعة حركات المقاومة إلى ترتيب أوضاعها التنظيمية والقيادية بهذه السرعة المذهلة إلا رسالة للعدو على أنكم مشتبهون من خلال أهدافكم في القتل.
عندما يقتلون القائد والرمز يكون من جملة أهدافهم أن يمزقوا هذه الحركة فتتماسك وتتوحد وتتحاب وإذا كان من كَدَرٍ في بعض نفوس قيادييها أو أصحابها يغسله دم العزيز الذي سفك ظلماً. ولذلك نحن مطمئنون على حركات المقاومة وعلى حماس، على وحدتها وتمسكها بنهج مؤسسها.
النقطة الثالثة: نحن سنواجه أو بدأنا نواجه حملة تهويل واسعة في فلسطين بشكل أساسي وحركات المقاومة وقيادتها في لبنان وفي سوريا وفي المنطقة، بدأنا نواجه حملة تهويل واسعة جداً، وللأسف انخرط فيها بعض الإعلام العربي وبعض الشخصيات العربية في إطار الحرب النفسية التي تشن اليوم على أعلى صعيد ضد بقية المواقع الصامدة والمقاومة في أمتنا. الصهاينة كل يوم يصدروا لائحة وأسماء : نريد أن نقتل فلان وفلان؟ هل استطعتم أن تقلوا فلاناً وصبرتم عليه حتى الآن. أقول : هذا في إطار الحرب النفسية(..) وهو موضوع قديم وليس جديد وهم يعملون له منذ سنوات طويلة ولم يتمكنوا . نقول لشعوبنا وأمتنا لا يجوز أن تتأثروا بالحرب النفسية وهذا أمر اعتدنا عليه وسنواجه.
قرأت بعض الإسرائيليين الذين يقولون " إن إسرائيل ستستمر في العمل، وفي لبنان ليس شرطاً أن نرسل إليه طائرات تقصف كما قتلنا الشيخ أحمد وإنما هناك عبوات مجهولة ستنفجر في بعض السيارات كما حصل في الماضي وسيبقى الفاعل مجهولاً". وأنا أقول لهم : قد تنالوا منا في بعض الأماكن وفي بعض المواقع، ولكن أريد أن أؤكد هنا، وأتمنى أن يُحفظ هذا للذكرى في وقت قريب. أنا أقول للإسرائيليين : نحن نعلم بأن هناك أهدافاً سوف تعملون عليها من خلال عبوات ناسفة وسترسلون جنودكم وليس عملاءكم لتنفيذ هذه العمليات، وأنا أقول لهم في بعض هذه الأماكن بالتأكيد نحن بانتظارهم ونرجو الله أن يقعوا في أيدينا لنجدد ملحمة أنصارية. وهنا أيضاً سنحول التهديد إلى فرصة، وإذا أمكن الله منهم ومن رقابهم أحياء سوف يكون عوناً جديداً لبقية أحبائنا المنتظرين والصابرين المحتسبين في سجون الاحتلال. الحديث عن الاغتيالات لا يخيفنا بل يجدد عندنا روح النشاط والهمة العالية والحضور والجهوزية. وأنا أقول الليلة للإسرائيليين: نحن هنا في لبنان بانتظاركم والحديث عن قتل واغتيال لن يغير في المعادلة شيئاً.
النقطة الرابعة، يجب التأكيد أن المقاومة وحركاتها هي صاحبة مشروع استراتيجي وبالتالي من الطبيعي أن تكون هناك ردود فعل، ولكن ليست المقاومة ردود أفعال وإنما هناك عمليات مستمرة وجهاد متواصل ومواجهة قائمة وطويلة لتحقيق هذه الاستراتيجية. اليوم من خلال هذا الفهم نستطيع القول أن الدماء الزكية لشيخنا الشهيد يجب أن نساعدها من أن تؤدي دورها الكبير لتحقيق هذه الاستراتيجية على مستوى الأمة. على مستوى الشعب الفلسطيني ما شاهدناه في الأيام القليلة الماضية في شوارع المدن والمخيمات الأمر واضح. يجب أن نحمل هذا الدم إلى الأمة ليستيقظ من بقي نائماً وينتبه الغافل، ويخلع الجبان ثوب الجبن ويثق الخائف بالله القوي القاهر. إن مائة ألف خطاب من أحمد ياسين في هذه المرحلة، قد لا تتمكن من تحريك هذه الأمة، ولكن لو أخذنا دمه الزكي المظلوم يمكن أن نوقظ به هذه الأمة.
اليوم يجب أن نعمل أن نحيي فينا وفي أمتنا حس المسؤولية اتجاه ما يجري في فلسطين مجدداً بعد كل الترهل الذي أصاب الواقع خلال السنتين الماضية، وفي حين تعب الناس وتعبت الشوارع العربية وتعب السياسيون وتعبت الأقلام، لكن الدم الفلسطيني لم يتعب من الجريان في الطرقات والمدارس والمخيمات والحقول والمراجع. اليوم في فلسطين يصمدون ويقاتلون ومسؤوليتنا جميعاً أن ندعمهم. الانتفاضة تتعرض منذ مدة لتجفيف مصادر التمويل واليوم لم يعد يستطيع أحد أن يجمع تبرعات في العالم، ليس لحماس فقط ، إذا شخص يسعى لتكفل يتيم يلاحق في الولايات المتحدة الأميركية وفي الاتحاد الأوروبي ويزج به في السجن بعنوان أنه يدعم الإرهاب. وهناك الحصار الإعلامي والضغط على وسائل الإعلام حتى التهديد بإقفال بعضها، والحصار السياسي والتيئيس ، التصفية والقتل اليومي، المطاردة في كل أنحاء العالم. يجب أن يكون رد الأمة على اغتيال الشيخ أحمد ياسين أوسع عملية احتضان من جديد لانتفاضته وشعبه وقضيته وألا نكتفي بعبارات الاستنكار والإدانة والمجاملة.
في فلسطين كيان مأزوم ونحن نتحدث عن أفق واضح. قد يقول لنا البعض أنتم تخطئون وتحرضون فأين هو مشروعكم وما هو الأفق الذي تتطلعون إليه؟ نقول لهم مشروع واضح ولكن هناك من لا يريد أن يقبل أو يفهم أو يستوعب. هذا الكيان يستفيد من كل نقاط الضعف في الأمة لتثبيت هيمنته وتفوقه علينا. وبصراحة لا مكان للصلح مع هذا العدو ولا للسلام الخادع ولا للتعايش معه؟ هل يترك أحدكم طفله في زنزانة مع سبع ضار يمكن أن يلتهمه في أي لحظة ثم يأتي ويقول: نعم لقد أخذت العهود والمواثيق من هذا السبع الضاري؟ ماذا يقول الناس عن هذا هل يقولون عنه عاقل أم يقولون عنه مجنون؟ بعض الناس يقولون أن العقلانية تقتضي أن نقبل بإسرائيل وأن نتصالح معها ونتعايش معها، إسرائيل المسلحة بالرؤوس النووية ثم نترك لها مقدساتنا وأعراضنا ودمائنا ونقول لقد وقعنا معها المعاهدات وأخذنا منها المواثيق؟ العقل أن لا تترك عرضك وأجيالك في مكان واحد مع ذئب مفترس وضبع متوحش، أما الجنون هو أن تفعل ذلك. نحن ندعو بعض مجانين هذه الأمة إلى العقلانية، نحن ندعو بعض "الخوت" في هذه الأمة إلى أن يستعيدوا شيئاً من عقلهم ووعيهم وعيونهم العمياء ليبصروا جيداً بالعيون وبالقلوب. هذا هو مشروع حركات المقاومة. مشروع حركات المقاومة في المنطقة هو أن تعود كل أرض وكل شبر وكل بيت وكل حقل وكل حبة رمل وكل قطرة ماء إلى أصحابها الحقيقيين والشرعيين في لبنان وفي فلسطين وفي سوريا بلا أي لبس. أنا لا أتحدث عن الأداء والضوابط والتكتيكات وتوزيع الأدوار وتكاملها، أنا أتحدث عن المشروع وعن الاستراتيجية الواضحة التي كان يحملها شيخنا الشهيد وتحمل من أجلها كل تلك العذابات وقضى في سبيلها مظلوماً شهيداً على باب بيت الله سبحانه وتعالى في غزة.
من أجل هذا المشروع، أيضاً في الممارسة والواقع نحن نتحدث عن أفق مفتوح. أفق التسوية مسدود، أفق المتصالحين المنهزمين المتهالكين على أبواب بوش وشارون أفق مسدود، أما أفق المقاومة مفتوح. إسرائيل انهزمت في لبنان، وكلنا يعرف لماذا خرجت. بعض الحمقى يكتبون " وخرجت إسرائيل من لبنان تطبيقاً للقرار 425؟ أين تطبيق القرار 425؟ عجيب أن هناك لبناني يقول ذلك! وهو يعرف وآخرون يعرفون أن إسرائيل لم تعترف في أي يوم بالقرار 425. وكانت تسخر منه.
عندما خرجت من لبنان كان شعاراً انتخابياً واليوم الخروج من غزة شعار انتخابي لتعويم شعبية شارون، وعندما اعترض بعض وزرائه قال: أغير الحكومة ونعمل استفتاء وانتخابات.لأنه يعرف المزاج العام والمناخ العام لشعبه الاستيطاني في فلسطين المحتلة وأن الأكثرية الساحقة تؤيد هذا الانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة. لا وادي أوسلو ولا عربة ولا كل العرب كانوا يستطيعون أن يخرجوا الصهاينة من غزة، ولكن دماء الأطفال والنساء والشهداء وشيخ الشهداء أحمد ياسين سيخرجهم من قطاع غزة. هذا أفق مفتوح، وغداً سيتكرر المشهد. ثقوا بشعبكم وربكم ومقاومتكم، سيتكرر بالضفة وفي مزارع شبعا وفي الجولان وفي بقية فلسطين المحتلة. السنن التاريخية، الأسباب والمسببات والمنطق كلها تؤشر بهذا الاتجاه. نحن الذين نسير مع اتجاه الريح الصحيح. المتخاذلون في هذه الأمة هم الذين يعاكسون التيار (...). نحن نتحدث عن أفق واضح وندعو للمواصلة في إطار هذا الأفق الواضح.
وأخيراً، أقول لإخواننا في فلسطين، وأخص بالذكر إخواننا في حماس : في لبنان نحن معكم، في مقاومتنا اللبنانية معكم، في حزب الله ومقاومته الإسلامية معكم. كونوا واثقين أن دمكم هو دمنا وأن عرضكم هو عرضنا وأن شيخكم هو شيخنا وأن مصيرنا واحد وكرامتنا واحدة وهذا يعني أن معركتنا واحدة. نحزن لحزنكم ونفرح لفرحكم وبكل وضوح حربكم حربنا وسلمكم سلمنا. وأكرر لحماس ولقيادة حماس ما قلته في تشييع الأخ الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي وفي محضر الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الذي انتخب حينها الأخ العزيز الدكتور رمضان عبد الله، أعيد ما قلته في ذلك الموقف، أقول لقيادة حماس، لرئيس مكتبها السياسي الأخ المجاهد الأستاذ خالد مشعل، لقائدها في غزة الأخ الدكتور المجاهد عبد العزيز الرنتيسي ولكل قيادتها وكوادرها وأبنائها ورجالها ونسائها وصغارها وكبارها: اعتبرونا نحن في حزب الله من الآن، من أمينه العام إلى كل قياديه وكوادره ومجاهديه ورجاله ونسائه وصغاره وكباره أعضاء في حركة حماس تحت قيادتكم، جنوداً في حركة حماس تحت قيادتكم. واعلموا بأننا إخوانكم وأخواتكم في لبنان سوف نفي بهذا الالتزام وبهذا الانتماء وبهذا التوحد. اليوم المقاومون دم واحد وجسد واحد وروح واحدة ومشروع واحد وأفق واحد وغاية واحدة ولن يتخلى أحدهم عن الآخر ولو تخلى عنهم كل العالم، ولو بقيت أجزاء كبيرة من أمتنا غافلة أو متهاونة أو متسامحة فإن المقاومين والمجاهدين وحركات المقاومة وبقية الأمة التي تناصرهم وتؤازرهم ستواصل طريقها نحو النصر وستصنع النصر للجميع وتفتح أبواب فلسطين لكل من يريد أن يحج إلى بيت المقدس وإلى قبلة المسلمين الأولى. إن تخلي البعض عن مسؤوليتهم لن يغير في سير المعركة شيئاً. البعض يقول الآن، الأميركيون آتون إلى المنطقة ففتشوا عن مكان لكم في القافلة الأميركية، ونحن نقول إسرائيل مدبرة وأمريكا مدبرة والمشروع الحقيقي للمقاومة هو المقبل فابحثوا لكم عن موقع أو مقعد في هذه الحركة التاريخية الانسانية الشريفة التي كُتب لها أن تنتصر. في أيام عاشوراء حدثتكم عن فتح بالغلبة وفتح بالشهادة. إن دماء الشهيد الشيخ أحمد ياسين وإخوانه هي لن تصنع فتحاً هي الآن فتح بالشهادة من خلال دلالاتها وآثارها وتداعياتها. إنشاء الله سنكون جميعاً أوفياء لهذا الدم الزكي وسوف يتواصل هذا الجهاد الدامي ولن يكون في مستقبل أيامنا إلا النصر الذي يصنعه المجاهدون بقبضاتهم والشهداء بدمائهم، وكما كان في حياته رمزاً للمجاهدين والشهداء يبقى الشيخ أحمد ياسين رمزاً للمقاومين والشهداء حتى النصر وبعد النصر وإلى قيام الساعة.