كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في احتفال مدارس المهدي (عج) بالخامس عشر من شعبان في مسجد الحسنين 11-10-2003
لمناسبة ذكرى ولادة الإمام المهدي في الخامس عشر من شهر شعبان ويوم مدارس المهدي، وبرعاية الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، أقامت المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم حفلها السنوي في مسجد الإمامين الحسنين عليهما السلام في حارة حريك.
وألقى سماحته بالمناسبة كلمة بارك فيها للمؤسسة ومدارسها عيدها وللثلة المتخرجة في هذا الحفل من الشباب والشابات، مقدرا الآباء والأمّهات والعائلات الكريمة الذين أتاحوا لأبنائهم وبناتهم فرصة التعلم رغم الظروف المعيشية والإجتماعية القاسية والصعبة التي يعيشها بلدنا، واعتبر أنّ تعليمهم هو من الأولويات التي نصر ونضحي ونتألم من أجلها ونعمل من أجلها لأنّ هذا أمر حيوي ومصيري بالنسبة إلى مستقبل أبنائنا وبناتنا.
ووصف سماحته هذه المؤسسات بمواقع المقاومة الروحية والثقافية والفكرية، مطالبا بالمزيد من التخصص والعلمية والمنهجة والجهد وأولا وآخرا المزيد من الصدق والإخلاص في تحمل هذه المسؤولية، مشددا على أهمية دور مدارس المهدي في صياغة وصنع روح الأمل والقوة والعزم والشجاعة في قلوب الشباب والشابات، ونقل كل إمكانيات القوة من مرحلة القابلية إلى الوجود الخارجي.
وقال إنّ :"المسؤولية الكبرى في زمن الغيبة الكبرى هي أن نحفظ الرسالة والإيمان والدين والأهداف التي ضحّى من أجلها السابقون وفرضت مصلحة هذا المشروع الإلهي أن يغيب إمام هذا المشروع عن الأنظار ويتحمل هو وتتحمل الأمّة معه كل تبعات هذه الغيبة".
واعتبر أنّ من مسؤوليتنا تهيئة الأمّة والأجيال ليوم يتحقق فيه هذا المشروع الإلهي، مؤكدا أنّ الإمام المهدي لن يغير وجه العالم ولن يقضي على الظلم ولن يقيم العدل بالمعجزة ولو كانت القاعدة هي هذه لما احتاج الأمر إلى هذه الغيبة وإلى هذا الزمان الطويل، لأنّ القادر على المعجزة اليوم أو غدا كان قادرا عليها في الماضي أيضا.
وأوضح أنّ المشيئة الإلهية تعلقت في أن يتحقق العدل والأمان والسلام في هذا العالم بإرادة إنسانية وبإرادة البشر المؤمنين المجاهدين المضحين المخلصين بأقلامهم والسيوف، وهذا يعني أنّ المسؤولية في زمن الغيبة هي ليست مسؤولية سلبية وإنّما هي مسؤولية إيجابية لأنّ أهم وأعظم ما يمكن والأكثر تعقيدا فيما يمكن أنّ يفعله إنسان أو مؤسسة أو مسيرة أو حركة هي تربية الإنسان المؤمن المجاهد المضحي المتعلم المثقف المسؤول، مشددا على أنّ هذه العملية أعقد وأصعب حتّى من قتال أعتى طواغيت هذا العالم.
ورأى سماحته أننا في المجال التربوي نواجه تحديات كبيرة وخطيرة، وقال:" في ساحة المواجهة الفكرية والثقافية والأخلاقية هناك دعوات إلى حوار حضارات وتمنيات تتعلق بحوار الحضارات، لكن ما هو موجود بالفعل غزو ثقافي وفكري وإعلامي وروحي وقيمي على كل صعيد تستخدم له كل الإمكانات الهائلة التي تملكها بعض الحضارات الغالبة في هذا العالم، وفي هذه المعركة، وما نملكه في ظاهر الحال إمكانات متواضعة، قد تخرج ساحة المواجهة عن السيطرة، وهنا تصبح المسؤولية أكبر والعمل أكثر تعبا وتطلبا للجهد".
وعلّق سماحته على كلام الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنّه يريد نشر قيم مجتمع الولايات المتحدة في العالم، فقال : "هو بالتأكيد لا يقصد قيم الديموقراطية لأنّه حيث يوجد للولايات المتحدة نفوذ لا توجد ديموقراطية، بل يوجد إمّا احتلال وإمّا ديكتاتورية...". أضاف: يمكن في غالب الأحوال أن تتاح فرصة التعبير عن رأي في ظل حاكمية أمريكية ولكن هذا غير صحيح، مؤكدا أنّ أكثر وسائل إعلام لا يتاح فيها حرية الرأي الآخر ويصادر ويشوّه فيها الرأي الآخر هي وسائل الإعلام الأمريكية،
وتحدث عن طريقة الإعلام الأمريكي في تركيب وتقطيع وتوصيل كلام في مدة خمس دقائق من أصل ساعة، ما يقدّم صورة مختلفة تماما ومتناقضة تماما عن الفكرة التي تقدّم خلال ساعة، وأحيانا لا يسمحون بأن تظهر في وسائل الإعلام هذه، وضرب أمثلة عن عدّة تقارير ومقابلات أجرتها وسائل الإعلام الأمريكية في لبنان مع رئيس الجمهورية ونواب ووزراء ومسؤولين في حزب الله وكانت محصّلتها طيبة وإيجابية، وقد منعت الجهات المسؤولة في الإدارة الأمريكية هذه المحطة التلفزيونية الأمريكية من بث هذه التقرير(...).
أضاف : لذلك بالتأكد بوش لا يتحدث عن قيم الديموقراطية والانتخابات الشعبية النزيهة والحريات العامة وحرية التعبير عن الرأي بل يتحدث عن قيم من نوع آخر، متسائلا : إذا نزعنا الإنتخابات والحريات العامة من الأمريكيين فماذا يبقى؟، عندهم ما يسمونه هم قيم اجتماعية والتي هي في الحقيقة وفي الأعم الأغلب قيم فساد وإفساد، يُعْمَلُ على نشرها في كل أنحاء العالم وليس فقط العالم الإسلامي بل في الصين واليابان والهند وفي كل مكان(...)، مؤكدا أنّه كما أنّ هناك جهات في العالم تدير معارك سياسية وعسكرية وتخطط على هذا الصعيد، هناك من يدير معركة ثقافية ويعمل ويخطط ويبرمج منذ مئات السنين ليحصد ويقطف الثمار بعد مئات السنين.
ودعا بالمقابل أن يكون هناك من يتصدى ولذلك ندعو المؤسسات التربوية بهذا المعنى أن تكون مؤسسات مقاومة تتمكن من تحصين الشباب والشابات خلال فترات الدراسة الأساسية والثانوية وصولا إلى الجامعية فكريا وثقافيا وإيمانيا ودينيا وأخلاقيا، وهي بذلك تقوم بدور جهادي راقٍ وتدعّم ركائز الثبات والعافية والصحة والقوة في هذه الأمّة.
وأكّد سماحته على وجوب أن نكون شعبا قويا وأمّة قوية وإلاّ لن يكتب لنا لا تاريخ ولن يكون لنا مستقبل، وهذا العالم لا مكان فيه للمتسولين الذين يتسولون الحلول والمساعدة من الطواغيت والظالمين، وليس فيه مكان للمتوسلين بغير الله عز وجل لأنّ طواغيت وأقوياء هذا العالم هم من نوع الجبابرة الذين لا يملكون في قلوبهم شفقة ورحمة ورأفة. وقال :" لا يوجد مكان للحق والمنطق، حتّى القانون الدولي الذي كتبه كبار هذا العالم والقوى المنتصرة في الحروب العالمية السابقة هم أيضا لا يحترمونه، وهذه هي الحقيقة".
وأشار سماحته إلى الإعتداء الإسرائيلي الواضح والسافر على دولة ذات سيادة وهي عضو في جامعة الدول العربية وعضو في منظمة العمل الإسلامي وعضو في مؤتمر عدم الإنحياز وعضو في هيئة الأمم المتحدة وأيضا عضو في مجلس الأمن الدولي ويعتدى عليها وتشكو إلى مجلس الأمن وحتى الآن يعجز هذا المجلس عن طرح قرار للتصويت فضلا عن أن يصل الأمر إلى الفيتو الأمريكي حيث يعمل الأمريكيون على منع التصويت عليه وطرحه للتصويت في مجلس الأمن، مؤكدا أنّه إذا أصرّت سوريا على طلبها بالصيغة المحددة بالتأكيد ستواجه بفيتو أمريكي.
واعتبر السيد نصر الله أنّه عند مواجهة أي تحدٍ من هذا النوع في لبنان أو سوريا أو في فلسطين أو في العراق أو في إيران أو في أي مكان آخر يجب أن نستفيد من كل التجارب السابقة ونستحضرها، ولا يجوز أن نرتكب أخطاء كنّا قد ارتكبناها في السابق كأمّة منذ خمسين عاما. ويجب أن نستفيد من كل التجارب الناجحة التي خضناها في السنوات الماضية وأن لا نتيح للعدو أن يصنع تجربة لينجح فيها وكان قد فشل فيها في الماضي، فهذه الأمور كلها يجب أن تكون نصب أعيننا لمواجهة المرحلة المقبلة.
وقال :" عندما حصل العدوان على سوريا أدان العالم كله هذا العدوان طبعا إلا أمريكا(...)، وفي الخط العام لو أصرّ شارون في هذه السياسة الجديدة وبالتالي تكرر هذا العدوان ماذا يجب أن نفعل وأن نتصرف جميعا في لبنان وسوريا والإخوة في فلسطين، لأنّه في الحقيقة هذا هو المحور الذي يواجه بالحرب من قبل إسرائيل وعنوان المعركة هو واحد مهما حاولنا أن نجزّء هذه المعركة ونفكك هذه المعركة وهذا المصير عن بعضه البعض، فهذا كلام نظري وفلسفي ومريخي، والكلام الواقعي الميداني الحقيقي أنّ الصهاينة هنا في فلسطين ولبنان وسوريا على أقل تقدير يخوضون معركة واحدة وجبهة ومحور واحد".
وتساءل هل نترجم العدوان على سوريا أنّه عدوان على لبنان بمزيد من بيانات الإدانة والشجب ومزيد من الخطب؟، لا أريد تقديم إجابات حاسمة وقد لا يكون من الصحيح الآن تقديم إجابات واضحة ولكن ما أريد أن أقوله أننا جميعا أمام هذا الإستحقاق والسؤال والتحدي بكيفية التصرف والتعاطي معه، وهذا متروك للأيام المقبلة وهو متوقف على تصرف العدو بحمق وجنون أو أنّه سيعيد حساباته وسيقيّم ما قام به ويدرسه على ضوء الماضي واحتمالات المستقبل، مؤكدا أننا أمام مرحلة وأوضاع جديدة وأخطار جديدة يفرضها العدو ولسنا نحن من نصطنع أو نخترع أو نفرض هذا التطورات أو هذه الأحداث.