كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في الذكرى السنوية الرابعة عشرة لرحيل الإمام الخميني (قده) في مقر سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية – بيروت - الأربعاء 4-6-2003
كلمة الأمين العام لحزب الله في الذكرى السنوية الرابعة عشرة لرحيل الإمام الخميني (قده) في مقر سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية – بيروت - الأربعاء 4/6/2003
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. في ذكرى الحادث الجلل وأمام التحديات الكبرى لا وقت اليوم وفي هذا الحفل لحديث القلب وإن كان لإمامنا وسيدنا روح االله الموسوي الخميني في قلوبنا وأرواحنا وضمائرنا من المكانة والموقع والحضور ما يعجز اللسان عن شرحه وعن وصفه وعن التعبير عنه.. في ذكرى رحيل الإمام نعود إلى الإمام، إلى فكره وشخصيته وقيادته، ونستلهم منها ما يمكن أن نواجه به تحديات الحاضر وأخطار المستقبل.. في كل السنوات الماضية كنا نفعل ذل، ونتعلم من الإمام الموقف.. عندما كنا نتحدث عن الإمام الخميني والوحدة والإمام الخميني والقدس والإمام الخمين والجهاد والمقاومة والإمام الخميني وإرادة الشعوب.. اليوم أود ومن وحي كل هذه التطورات الخطيرة والكبيرة التي حصلت أن أشير إلى ميزة وصفة أصيلة في شخصية هذا الإمام نحتاج إليها في هذه المرحلة، هي صفة الشجاعة والثبات. كان الإمام معروفاً بشجاعته الكبرى وكانت الشجاعة صفة أصيلة في روحه وكيانه وأخلاقه ووجوده المبارك.. وهنا لا أتحدث عن الشجاعة كخلق شخصي نريد أن نتغنى بحسن خلق إمامنا وإنما أتحدث عن هذه الصفة لأنها كانت الصفة المركزية في شخصية القائد الذي استطاع أن يصنع هذا التحول، فالفكر والعقيدة والأيديولوجيا والمشروع ووضوح الرؤية وصفاؤها وسلامة الموقف وصوابية الطريق كلها ليست كافية إن لم يتمتع قادة هذا الطريق وأتباع هذه الطريق بشجاعة القيام والوقوف والمواصلة.. لا مكان في هذا العالم لأي فكر أوعقيدة أو إيمان إن لم يحمل رايته أولئك الشجعان المستعدون للتضحية بالغالي والنفيس في كل زمان وظرف ومكان.
أيها الأخوة والأخوات نحن في هذه المرحلة الخطيرة ندعو إلى استلهام هذه الصفة وإلى استحضارها في الزعماء والقادة والنخب الفكرية والثقافية والسياسية والقيادات وكل المواقع التي تمارس فعلاً توجيهياً أو قيادياً في أي موقع وأي مكان من هذه الأمة، وهذه الصفة يمكنها أن تحسم مصير ومستقبل شعب ووطن وأمة في مرحلة تاريخية حساسة. صفة شخص قائد يمكن أن تغيّر الكثير من المعادلات وبمعزل عن اختلال موازين القوى في الميدان، وهذا حصل كثيراً في التاريخ. طالما كانت تحصل مواجهات حادة ويأتي ذكاء قائد واحد وشجاعت وحنكته وهدوء أعصابه ورويته لتغير مسار المعركة والتاريخ.. المسألة ليست دائماً مسألة الحجم والحشود والقوى الكبرى. المميزات الشخصية في القادة لها تأثير مصيري في أي مواجهة يمكن أن تحصل، وهذا هو الذي جرى في إيران مع الإمام رضوان الله تعالى عليه.. في بدايات الثورة سنوات 1961 و62 و63 للميلاد عندما بدأت الثورة برجل واحد اسمه روح الله الموسوي الخميني وهاجم بوليس الشاه تلك المدرسة الفيضية فقتل الطلبة واعتقل الكثيرين. وجاؤوا إلى بيت الإمام وقالوا له: يمكنك أن تتحدث بما شئت ولكن هناك خطوط حمراء لا يجوز لك أن تتجاوزها.. لا تتحدث عن الشاه ولا عن إسرائيل ولا أمريكا، أما الحكومة الإيرانية والوزراء فلا بأس، ولكن الشاه وإسرائيل وأميركا هي خطوط حمر مقدسة.. في ذلك الجو المرعب في مدينة قم في البدايات لو جبن الإمام وضعف وخاف لما كانت ثورة ولما كان نظام جمهورية إسلامية ولما كان تحرر الشعب الإيراني من أقسى طاغوت مستبد تدعمه الولايات المتحدة الأميركية ولما طرد الموساد والصهاينة والخبراء المحتلون الأميركيون من أرض إيران. في ذلك اليوم شجاعة الإمام وعزمه وإرادته وتصميمه على المواصلة هو الذي بذر البذور الأولى وحسم مسار هذه الثورة.. هذا مثل في البدايات وفي النهايات عندما جاء الإمام (رض) من باريس إلى طهران وأعلنت الحكومة الإيرانية الشاهنشاهية في ذلك الحين الطوارئ والأحكام العرفية في كل إيران، وأنزلت إلى الشوارع كل فيالق في الجيش الإيراني وأصدرت الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين في أي مدينة وأي مكان وفي أي وزمان.. في تلك الليلة كانت الثورة الإسلامية والشعب الإيراني بل الأمة الإسلامية على مفترق طريق. وجمع الإمام أعوانه ومستشاريه وسألهم رأيهم وكانت الأغلبية إن لم يكن الإجماع يقول للإمام: يجب أن نحاذر دون نزول الناس إلى الشوارع يوم غد لأنه لو نزل الناس إلى الشوارع ستسحق الدبابات ورصاصات جيش الشاه صدروهم وعظامهم وسيقضى على الثورة، وقال لهم الإمام إن لم ننزل غداً إلى الشارع فذلك يعني أن الثورة قد انتهت وسيدخل جيش الشاه إلى بيوت المراجع والعلماء والقادة ليعتقلهم ويعدمهم في يوم واحد ..الإمام بصفته وبقيمة الشجاعة التي كانت تتملكه أخذ القرار وسأله بعض كبار الفقهاء: يا سيدنا من الذي يجيب الله يوم القيامة عن سيل الدماء الهادر الذي سينزف غداً؟ فقال روح الله بكل شجاعة ويقين: أنا روح الله، عبد الله الفقير أملك الجواب الواضح يوم القيامة عن كل هذه الدماء.. وفي اليوم الثاني نزل الشعب الإيراني إلى الشارع وانهزم الجيش وسقط الشاه وانتصرت الثورة، ولم يسفك الدم وكان الله مع عبده الشجاع المخلص المضحي.. في ذلك القرار رجل واحد بشجاعته وحكمته استطاع أن يبدل ويغيّر مسار التاريخ في إيران والمنطقة.
يجب أن ندرك أيها الأخوة والأخوات أن الشجاعة لا تعني التهور ولا تناقض الحكمة ولا تعني التعقل والتروي أبداً بل أقول لكم أن الشجاعة شرط في التعقل والتروي والحكمة، لأن القلب الذي يتسلل إليه الخوف ولأن الإنسان المرعوب لا يشتغل عقله، وتضيع عنده قواعد الحكمة ويخطئ في قراءة الواقع، من لا أعصاب له ولا قلب له لن يبقى له عقل شغّال وفعّال ليدرك المصلحة فيطلبها ويعرف المفسدة فيجنبها أمته وشعبه. الشجاعة هي شرط الحكمة، وأنا لا أتصور وخصوصاً في مواقع القيادة أنه يمكن أن تجتمع الحكمة مع الجبن ولا يمكن أن يكون الجبناء حكماء وقادة، وأمة تضع مصيرها في يد حفنة من القادة الجبناء هي أمة مهزومة لا محالة.
اليوم يحدثنا البعض عن السلام وهؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا يحدثوننا خلال كل السنوات الماضية.. عن أي سلام وأي أمن وديمقراطية ورخاء وحرية وعدالة يحدثنا هؤلاء؟! والأميركيون اليوم هم أكثر التصاقاً بالصهاينة وبإسرائيل وبالمشروع الصهيوني من أي وقت مضى، لتاريخهم وحاضرهم الآن..الدولة التي تمارس الاحتلال لن تتفهم على الإطلاق مشاعر شعب محتل في فلسطين..الدولة التي تنهب خيرات العراق وتعتدي على مقدسات العراق وتصادر حرية الشعب العراقي لا مكان لديها لا لمقدسات الفلسطنيين أو خيراتهم وكرامتهم وحرية رأيهم.. ما جرى بالأمس وما يجري اليوم يمكن بكل بساطة وصفه بقمم الإملاءات الأميركية.. الأستاذ بل الجبار الأميركي يجمع عدداً من الرؤساء والملوك ويبلّغهم.. أنا حتى الآن لم أفهم لماذا قطع الإرسال في شرم الشيخ.. البعض قال إنه خلل فني؟ّ حتى لا تسمع شعوب الدول العربية اللغة والمنطق والأوامر التي سيوجهها السيد بوش لملوك ورؤساء بلدانهم.. هذه هي الحقيقة. ثمجاء المؤتمر الصحافي ليتحدث عن التزامات كلها ترتبط بالانتفاضة والمقاومة والشعب الفلسطيني.. ليست هي المرة الأولى التي يجتمع بها كبار وصغار وجبابرة وأقزام في شرم الشيخ ليتخذوا قرارات تتصل بتصفية حركات المقاومة في فلسطين.. ليست هي المرة الأولى، والظرف لا يختلف عما قبل فيومها كانوا أقوياء وجبابرة وكان الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا واليابان وأكثر من هذا العدد من الدول العربية .. وواجه الشعب الفلسطيني ولبنان وسوريا تلك الحملة الشعواء بالصبر والصمود والثبات وتجاوزنا تلك المرحلة.. اليوم ما جرى في شرم الشيخ هو لو كانت فلسطين ملكاً شخصياً لبعض الأشخاص لما قبلوا أن يتنازلوا عنها بهذه البساطة.. أن يقال لك: أوقف دعمك للإرهاب.. حاصر الجماعات الإرهابية إفعلوا كيت وكيت ونعدكم أننا سناقش وأننا سنفاوض وأننا سنعطي وأننا.. علينا أن ندفع كل شيء ونقدم كل شيء وفي المقابل وعد بالدولة الفلسطينية المؤقتة التي لا نظير لها في التاريخ ووعد بالمفاوضة على الأوضاع النهائية ثم يأتي شارون ليعلن أن لا حق عودة للاجئين الفلسطينيين، أن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل غير قابلة للتجزئة، أن المستوطنات الموجودة سوف يتم توسعتها لسباب إنسانية.. بوش يطلب من العرب أن يفعلوا كل ما بوسعهم لإنهاء الانتفاضة في فلسطين ولكنه يطلب بلغة مؤدبة من شارون "التعامل" مع قضية المستوطنات.. ماذا يعني "التعامل"؟! عبارة مبهمة غامضة لم نفهم منها شيئاً على الإطلاق، ثم يطرح شارون في هذه الأيام ما هو خطير جداً وما أريد أن أدعو إلى الانتباه إليه وتحليلهه ودرايته بعمق.. لماذا الإصرار على أن يعترف أبو مازن والفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية.. في أوسلو اعترفوا بدولة إسرائيل القائمة على أراضي 48 فراحوا يفاوضون على أراضي الـ 67.. اعترفوا بها دولة قانونية وشرعية.. لماذا الإصرار الآن على الاعتراف بها دلوة يهودية على ذلك؟ هذا الكلام خطير جداً جداً جداً، ويمكن لم يتسنّ للبعض أن يقرأه أو يحلّله أو يقف عنده حتى الآن.. في الوقت الذي يطالب فيه الفلسطينيون والعرب بإعادة اللاجئين الفلسطينيين يقال إن إسرائيل بدولة يهودية، وهذا يعني لا عودة للاجئين الفلسطينيين، ولو كان الأمر عند هذه الحدود لما سمعنا جديداً، ولكن الدعوة إلى اعتراف فلسطيني وعربي بأن إسرائيل دولة يهودية يكشف عن شيء قائم وثابت في عقيدة هذا الكيان الصهيوني وهي عقلية وعقيدة التطهير العرقي. إننا نشم من المطالبة بهذا الاعتراف رائحة مشروع ترانسفير ومشروع تهجير فلسطينيي أراضي الـ 48.. يأتي الفلسطيني أو العربي أعيدوا اللاجئين في لبنان وفي سوريا وأماكن أخرى فيجيب شارون تعالوا واقبلوا أن أهجر إليكم الذي ن يعيشون عندي في الـ 48 .. هل هذا لمقدمة لمشروع تهجير فلسطينيي الـ 48 وفي الحد الأدنى سلبهم من جميع حقوقهم المدنية.. هذا ما يجب أن نبحث عنه وهذا يعني أن إسرائيل الآن في الحقيقة تحسن للسف الشديد، الاستفادة من الظرف الدولي والإقليمي لتمرير مواقف ومشاريع وأفكار ما كانت تظن أن يتاح لها فرصة طرحها علنا وبهذه الشاكلة.
أمام هذا الواقع الذي يراد فيه فرض الشروط الأميركية – الإسرائيلية على الفلسطينيين، وأنا قلت هنيئاً للبنان وسوريا والبعض قال إن هذا كلام أخلاقي واليوم الشغل للسياسة، وفي السياسة أقول: هنيئاً لمن لم يحضر درس الأستاذ جورج بوش في شرم الشيخ، ولم يسمع الإملاءات. هنيئاً لمن سيؤجل بالنسبة له إملاءات خوارط الطرق للبنان وسوريا، وإذا تأجلت يوم أو شهر أو سنة فتكون أذنه مرتاحة من الاستماع إلى أوامر الذل والتصفية الموجهة إلى زعماء العالم العربي من أجل أن يحققوا بأيديهم ما عجز عنه شارون وأمريكا.. المطلوب اليوم تصفية الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية، لو كان شارون جباراً وقوياً وعظيماً ومقتدراً ولا يمكن مواجهته فلماذا فشل حتى الآن في تصفية مجموعة من المجاهدين، وليس من القتلة الإرهاببين كما يقول بوش؟
لماذا عجز عن تصفية مجموعة من المجاهدين لا يملكون طيارة ودبابة ومدافع ميدان وإنما يملكون أسلحة بسيطة ومتواضعة جداً.. لو كنا إلى هذا الحد من الضعف لماذا استمرت المقاومة في فلسطين ولو كانوا هم إلى هذا الحد من القوة فلماذا عجزوا عن تصفية هذه المقاومة في فلسطين. أليست هذه أسئلة واقعية؟ هل هذه شعارات؟ هل هذا شعر؟ أم واقع ميداني مشاهد.
أيها الأخوة والأخوات أنا في هذه المناسبة أريد أن أؤكد أن هناك شبهة عند الادارة الأمريكية وعند الاسرائيلي وعند بعض المحللين السياسيين والكتاب الصحافيين أيضاً تقول إنّ الشعب الفلسطيني خياره ليس خيار مقاومة وأنّهم جاؤوا من خارج فلسطين وفرضوا عليه أن يقاتل وأملوا عليه خيار المقاومة وأحرجوه بهذا الخيار ، وتارة يضعونها عند إيران وتارة عند سوريا وتارة عند لبنان وتارة عند المقاومة في لبنان وتارة عند الدولة العربية الفلانية وما شاكل، ويتصورون أنّ ممارسة الضغوط على هذه الدولة الإسلامية أو العربية أو تلك هو المفتاح لإنهاء المقاومة في هذا البلد أو ذاك البلد سواء في فلسطين أو لبنان ، يشتبه من يتصور أنّ هناك دولة في العالم هي التي صنعت المقاومة في لبنان أو هي التي أوجدتها فهو مخطأ ومشتبه. المقاومة في لبنان كانت فعل إيمان وإرادة لبنانية حقيقية، والمقاومة في فلسطين كانت فعل إيمان وإرداة فلسطينية حقيقية، جاء الأحبة والأخوة والأصدقاء في سوريا, وإيران وفي أماكن أخرى في العالم والكثير من شرائح وفئات ونخب وأحزاب العالم العربي والاسلامي لتساند وتؤيد وتدعم وتحتضن. الخطأ المركزي والاستراتيجي في النظرة إلى الأمور تكمن هنا. إلى الذين ينظرون إلى حماس والجهاد وفصائل المقاومة في فلسطين على أنهم مرتزقة لهذه الدولة أو تلك الدولة، الخطأ الاستراتيجي يكمن في أولئك الذين يتصورون أنّ أحزاب أو فصائل أو حركات المقاومة في لبنان وفي طليعتها حزب الله أنهم مرتزقة أو عملاء أو مستخدمين عند هذه الدولة أو تلك الدولة. وبالتالي يتصورون أنّ محاصرة هذه الدول والضغط عليها يمكن أن ينهي المقاومة في فلسطين أو يمكن أن يدفع المقاومة في لبنان إلى التخلي عن سلاحها وواجبها في تحرير الأرض والأسرى والدفاع عن شعبها وكرامتها ومقدّسات بلدها ووطنها وأمّتها.
هنا أريد التوضيح، عندما يتكلم السيد محمد خاتمي رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية هنا في لبنان أو حتى في إيران، أو عندما يتكلم السيد الرئيس بشار الأسد أو عندما يتكلم أي مسؤول آخر عن أن المقاومة في لبنان هي مقاومة لبنانية ومقاومة مستقلة، البعض يحلو له أنّ هذا تعبير عن التخلي الإيراني أو السوري عنها، هذا ليس صحيحا، هذا وصف حقيقي لماهية وجوهر ووجود المقاومة في لبنان وماهيّة وحقيقة ووجود المقاومة في فلسطين.
الحقيقة أنّ الإخوة الذين احتضنوا المقاومة في لبنان وفي فلسطين طوال عشرين سنة لم يوجهوا إليها الأوامر في يوم من الأيام ودائما كانوا يقولون نحن نؤيد المقاومة، أمّا كيف يقاوم المجاهدون في فلسطين وفي لبنان فهذا شأنهم. المقاومة في لبنان وفلسطين هي إرادة شعبية وذاتيّة. هناك مضمون إنساني لم يستطيع هؤلاء أن يفهموه حتى الآن: ماذا يعني أن تلبس الأم ولدها لامة حربه وتناوله سلاحه وتودعه وتدعو له بالنصر وبالشهادة، هل يمكن للإرتزاق والعمالة أن تصنع أما كهذه الأم ومجاهدا كهذا المجاهد واستشهاديا كهذا الاستشهادي.
ما أريد تأكيده بمواجهة هذه القمم التي لا نتوقع منها خيرا ـ وإن كنّا لسنا من أهل التفاؤل والتشاؤم ـ ماذا تتوقع من قمة في العقبة هل يمكن أن تنتج يسرا وسهولة، ماذا تتوقع من قمّة في شرم الشيخ غير أن تشرم هذه الأمّة وتمزّقها. لقد أصابت أسماء هذه الأماكن للأسف حاضرة بشكل مأساوي في وجدان الشعوب العربية لأنّها ترمز إلى كل ما هو ضعف وذل وضياع وهوان.
قوتنا ليست في أي مكان في العالم بل قوتنا هنا في شعوبنا وإرداة الصمود والثبات والتمسك بالحق، وأستعير هنا كلام سماحة القائد الخامنئي حفظه الله لنواب مجلس الشورى الاسلامي قبل أيام وأنقل لكم ما قاله لأنّه ينطبق علينا وعلى الفلسطينيين وعلى كل شعوب هذا العالم، قال لهم : إذا كنّا نريد تقيدم تنازلات للإدارة الأمريكية وأن نحقق بعض المطالب الأمريكية لكي ينزعونا عن لائحة محور الشر، فهل بإمكاننا ان نعرف آخر حد لمطالب الأمريكيين وينعهم لكي ندرس الموضوع بهدوء وروية وحكمة. إذا طلب الأمريكيون الآن ثلاثة أمور ـ وهذا ينطبق على لبنان وسوريا وفلسطين وكل الشعوب الحكومات وبعضنا متورط والبعض منتبه لأمره ولم يتورط ـ فاستجبنا لها وبعد عدّة أشهر فهموا أننا استجبنا لأننا ضعفنا، ووعادوا وطلبوا أربعة أمور وسنقول عندها أيضا أنّ الحكمة والروية والمصلحة والواقعيّة أن نستجيب لهذه الأمور، وبعد سنة طلبوا أيضا ستة أو سبعة أمور فيجب أن نستجيب حتّى نتجنّب المواجهة وذلك بمقتضى الحكمة، لكن آخر الأمر إلى أين يريدون الوصول؟ قولوا لي بماذا يقنع الأمريكيون ويقف عند ذلك الحد ضغطهم وحربهم على إيران؟ أنا أقول لكم: الحد الذي يقنع به الأمريكيون هو أن أقدم أنا استقالتي وأنتم النواب تستقيلون ورئيس الجمهورية والحكومة يستقيلان ونعمل اجتماع ونحل النظام في إريان الذي أتى بواسطة إرادة شعبية واستفتاء شعبي ونرسل وفدا إلى السيد بوش ونقول له: هذه إيران خذها ونصّب عليها الحكومة التي تريد.هذا هو الحد الذي يقنع به الأمريكيون. هل أنا وأنتم الذين انتخبنا من قبل الشعب الإيراني الذي صنع هذا النظام بدماء مئات الآلاف من الشهداء، هل فوّضونا صلاحيات أن نسلّم إيران للأمريكيين لمجرد أن أمريكا تهدد إيران؟.
واليوم من مدريد إلى أوسلو إلى المطلب الجديد الخطير بالإعتراف بأنّ دولة إسرائيل هي دولة يهودية، أنا أريد سؤال القادة والزعماء الذين اجتمعوا في شرم الشيخ والذين يجتمعون اليوم في العقبة وكل أولئك الذين سيكتبون ويحللون عمّا أقوله أنا وأنتم أنّه كلام حماسي: أنتم أهل العقل والمعرفة والحضارة والمدينة قولوا لي ما هو الحد الذي يرضي شارون وبوش في فلسطين ولبنان وسوريا وفي كل منطقتنا العربية والاسلامية ولنناقش؟ ولكن هل تتصورون أن بوش وشارون وحكومتيهما واللتان تجاوزتا التحالف السياسي المصلحي الاقتصاي إلى مستوى التحالف العقائدي بشكل لم يسبق له مثيل، هل تقف عند هذه المطالب التي سمعناها بالأمس وهي مطالب خطيرة ؟
لسنا أمام نقاشات واقعية لنرفض بعضها ونقبل بعضها الآخر، نحن في زمن الهيمنة والاستبداد والعلو والعتو والاستكبار الأمريكي والإسرائيلي وموضوعون أمام خيارين لا ثالث لهما، ومن كان لديه خيار ثالث منطقي معقول فيه بعض الكرامة والعزّة فليعرفنا عليه.
يضعوننا أمام خيارين: إمّا الاستسلام فنقبل بالحكومات والأنظمة والمشاريع والإدارات التي يريدون فرضها علينا والحلول والتسويات التي يريدون تحقيقها في هذه المنطقة، فإمّا أن نسقط وإما أن نقاوم.
إذا ضعفت أنا أو إخواني فنحن لسنا مفوّضين على الاطلاق لا من أهلنا ولا من الشهداء الذين مضوا أن نستسلم، فلنجلس في البيوت ولنغادر مواقع المسؤولية... في هذه المرحلة من تاريخ هذه الأمّة الزعيم والقائد والرئيس والمفكر والمرجع الإمام العالم الذي يتحمل أي مسؤولية في أي موقع إذا كان يشعر في نفسه الضعف والجبن وعدم القدرة على مواجهة التحديات والتهديدات لا يجوز له أن يسلّم شعبه ولا أن يسلّم مقاومته فليذهب وليجلس في البيت وسيأتي الله لهذه الأمّة ولهذا الشعب بمن هو لائق لقيادتها ومواصلة طريقها نحو الانتصار المحتوم.
أين منطق أمريكا وإسرائيل، أمريكا خلافا لقرارات الشرعية الدولية ومخالفة المجتمع الدولي تهجم على العراق وتحتله وتسيطر على خيراته وهي التي جاءت من وراء المحيطات ثمّ تحذر إيران سوريا جيران العراق من التدخل في الشؤون الداخلية للعراق! هل هناك وقاحة وغطرسة أكثر من هذا، هل هذه دولة يحكمها عقل سليم وقواعد ومنطق وقوانين، على الإطلاق، هذه دولة تريد فرض سيطرتها على العالم بمنطق الغطرسة والعلو الاستبداد والعتو وكل التاريخ يقول لنا وكل العقائد والأيدلوجيّات والأفكار تقول لنا والإمام الخميني قدّس سرّه الشريف أيضا قال لنا بمواجهة القوى التي لا تملك العقل ولا الأخلاق ولا المنطق والقانون وإنّما تملك قوة الاستبداد والغطرسة: ليس لكم خيار سوى أن تصمدوا وتقاوموا وتثقوا أيضا بأنّ لديكم القدرة على الانتصار. هكذا انتصرت أمتنا على المغول وهم الذين احتلّوا بغداد وقتلوا فيها مليون أو مليونين بغدادي بحد السيف. إقرؤوا هذا التاريخ، الحاضر هو استمرار لذلك التاريخ.
أعود من حيث انتهيت، كنّا نستلهم من الإمام فكره ورؤيته وخطّه واليوم نقول ونحن الذين ولا أظن أنّه في العالم العربي ولا حتّى الرؤساء والأمراء والملوك الذين اجتمعوا في شرم الشيخ يمكن أن يناقشوا في صحّة المنطق الذي أقول، ولكن الجواب يأتي: ماذا أستطيع أن أفعل؟! من لا يستطيع أن يفعل شيئا ومن لا يملك إرادة أنّ يفعل شيئا فليترك مقعده الشريف والمبارك لأولئك الذين يستطيعون أن يفعلوا أشياء كثيرة. اليوم هذا ما نحتاج أن نؤكّد عليه، أن نستلهم من الإمام صفة الشجاعة والإصرار والعزم لا لأنّنا نريد أن ندّمر أمّتنا. الذين يريدون تصفية المقاومة وتسليم الأرض والمياه والمقدسات لبوش وشارون هم الذين يدمرون هذه الأمّة. أمّا الذين يدافعون عنها بدمائهم وأرواحهم وفلذات أكبادهم هؤلاء هم أهلها وأصحابها الحقيقيّون.
سنبقى للإمام أوفياء، لطريق الإمام ونهج الإمام وفكر الإمام وعزم الإمام ولن يكون أمامنا سوى
الانتصار الذي وعدنا به الإمام منذ بدايات الطريق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.