كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله لجريدة الرأي العام الكويتية بمناسبة عيد المقاومة والتحرير 24-5-2003
بسم الله الرحمن الرحيم
في مثل هذا اليوم من العام 2000 اندحرت قوات الإحتلال الإسرائيلي عن الجزء الأكبر من الأرض التي كانت تحتلها في جنوب لبنان بعد 22 سنة من الإحتلال العسكري البغيض.
اندحرت هذه القوات مهزومة ذليلة، فبعد اختراق المقاومة الإسلامية للمنطقة الجنوبية المحتلة وتهاوي دفاعات جيش الإحتلال، اتّخذت حكومة العدو قرارا بالخروج السريع من الجنوب، لم يخبروا عملاءهم في جيش لحد حيث تركوهم في الحيرة والضياع مما أدّى إلى انهيار هذا الجيش في ساعات قليلة، وقام سلاح الجو الإسرائيلي بتدمير العديد من المواقع العسكرية لعدم توفر الزمان الكافي لتفكيكها وكذلك بتدمير العديد من الدبابات والآليات العسكرية لتعذر نقلها بسرعة من الأماكن التي دخلها مجاهدو المقاومة الإسلامية.
إنّني أستعيد المشهد هذا باختصار لأؤكّد أنّ ما حصل هو انتصار تاريخي ورائع وخالد. ها هي قوات الإحتلال تخرج من أرضنا بلا قيد ولا شرط ولا مفاوضات ولا تنازلات. ها هو شعار وحلم ومشروع المقاومة الإسلامية يتحقق والذي كان يصر على خروج إسرائيلي بلا قيد ولا شرط وبلا أي مكاسب للإحتلال.
القاعدة تقول إنّ الوقوع دليل الإمكان، يعني عندما نريد أن نستدل على أنّ الأمر الفلاني ممكن وليس مستحيلا فمن جملة الأدلة هو وقوع هذا الأمر وحصوله خارجا فيقال إنّ نفس وقوعه وحصوله دليل على إمكانه وعدم استحالته. وفي الصراع مع العدو الصهيوني الدائر في منطقتنا منذ عقود، نقول ما حصل مرّة يمكن أن يحصل مرة أخرى وأخرى.
إنّ الإنتصار الذي تحقق في 25 أيار عام 2000 في لبنان هو بالدرجة الأول انتصار لمنطق المقاومة، وفكر المقاومة وثقافة المقاومة، التي كانت تقف خلف بندقيّة المقاومة.
في التجربة اللبنانية قامت المقاومة الجهاديّة المسلّحة للإحتلال الإسرائيلي على أسس واضحة ومشرقة :
ـ العقيدة والإلتزام الإيماني والديني.
ـ الإلتزام الوطني.
ـ السلوك الأخلاقي المتميّز للمجاهدين.
ـ الإخلاص في العمل للهدف المباشر وهو التحرير.
ـ إعطاء الأولوية المطلقة للمقاومة على أي أمر آخر.
ـ الدراسة والتخطيط والعمل المحكم بعيدا عن العشوائيّة والفوضى والإنفعال .
ـ الجديّة والمثابرة والصبر رغم الصعاب والمآسي.
ـ الإستعداد الدائم للتضحية في سبيل الله بالنفس والدم والولد والمال.
ـ تجنب الصراعات الداخليّة والسعي لتحقيق إجماع وطني شعبي ورسمي حول المقاومة واستمرارها.
ولكن يبقى الأساس في هذ التجربة هو الإنسان، الإنسان المؤمن بالله واليوم الآخر، الإنسان العاشق للقاء الله تعالى والمحب لوطنه وشعبه وأمّته والذي يتمنّى لهم الخير والحرية والكرامة والمجد والعزّة والإنتصار فيصنع لهم كل ذلك بدمه الزاكي، الإنسان الزاهد بالدنيا المستعد دوما للتضحية، الإنسان المتوكل على الله والراجي عونه والواثق بنصره. هنا تكمن قوتنا ومن هنا كان الإنتصار.
اليوم، في عيد المقاومة والتحرير وذكرى الإنتصار تبقى هذه التجربة بمثابة الأمل الذي يعطينا القوة في محيط الإحباط واليأس. يتجدد هذا الأمل في فلسطين في الملحمة الرائعة التي يسطّرها مجاهدو الإنتفاضة المباركة واستشهاديّوها من الرجال والنساء.
وبالرغم من كل الظروف القاسية التي أحاطت المقاومة اللبنانيّة كان الإنتصار فعل إيمان وإرادة، وبالرغم من كل الظروف القاسية التي تحاصر المقاومة الفلسطينية سيكون الإنتصار فعل إيمان وإرادة، المهم أن نصبر وأن نواصل العمل وَنُجِدَّ السير ولا نتردد.
إنّ الذي أعطانا النصر لم يتغيّر رغم التغيّرات ولم يتبدّل رغم التطورات وهو الله سبحانه وتعالة ويبقى وعدُه وشرطُه :"إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم" ولا خلف لوعده سبحانه.
حسن نصر الله
25 أيّار 2000م.