كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في مؤتمر مقاطعة البضائع الأمريكية والصهيونيّة الذي عقد في العاصمة السورية دمشق 25-1-2003
ألقى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مؤتمر مقاطعة البضائع الأمريكية والصهيونيّة الذي عقد في العاصمة السورية دمشق كلمة أكّد فيها أنّه من غير الطبيعي أنّ يكون هناك سلاح بين يديك وتلقيه في بداية المعركة ولا تستخدمه حتّى نهايتها وأنت بحاجة إلى استخدامه. وقال :"حتّى الأمريكيين عندما يعادون بلدا يحاصرونه ويقاطعونه ويضغطون على كل الدول في العالم لتقاطع منتجاته ولمقاطعته سياسيا ودبلوماسيّا وإعلاميا وغير ذلك".
وشدّد على أنّ هذا السلاح سلاح مشروع ومتعارف وطبيعي ونحن كأمة اليوم عندما نلجأ إلى هذا السلاح إنّما نلجأ إلى أمر بديهي ليس بحاجة إلى نقاش أو استدلال.
أضاف : منذ أنّ أطلق هذا العنوان، كانت الانتفاضة المباركة في فلسطين هي التي دفعت الأمّة إلى تبني شعار أو خيار من هذا النوع. وقد حصلت نقاشات كثيرة جدا في مؤتمرات وعلى شاشات الفضائيّات وفي وسائل إعلام مختلفة حول جدوى هذا الخيار.
أضاف : النقاش حول الجدوى دائما يطرح كما حصل في مسألة المقاومة في لبنان وكما حصل في مسألة الانتفاضة. في قضية المقاومة منذ العام 82 قيل أنّ هذا خيار جنوني وصبياني وغير واقعي، حتّى السنوات الأخيرة والأشهر الأخيرة كان هناك نقاش في جدوى المقاومة وأذكر بعد أن أطلق إيهودا باراك وعده بالإنسحاب في 7 تموز من لبنان وكانت المقاومة تواصل عملياتها كان البعض يقول ما جدوى هذه العمليات فالرجل التزم بالإنسحاب وعلينا توفير هذه التضحيات وهذه الدماء إلى حين تحقق الإنسحاب !.
المسألة الرئيسية، عندما يناقش في الجدوى ينظر دائما إلى السلبيات في الوقت الذي نقوم بتخفيف الإيجابيات، وقال :" أذكر أنّ الاستشهادي علي صفي الدين نفّذ في بلدة دير قانون النهر في الجنوب اللبناني عملية استشهادية على قافلة إسرائيلية فقتل وجرح عدد من الجنود الإسرائيليين، وقام العدو الصهيوني بمحاصرة البلدة وقطع الماء والكهرباء ومنع أهلها من التجول واعتقل كل الذكور فيها من سن 13 إلى سن 60 عاما وألقى بهم في السجون وبدأ عملية مداهمات في كل البيوت . في ذلك اليوم ارتفعت الأصوات لتقول أنّ العملية قتلت جنديين أو ثلاثة والإسرائيليون نفذوا كل ما ذكرت، إذا نحن ماذا نجني من عمليات المقاومة سوى هذا الحجم من الخسائر ، إذا ما هو أفق هذه المقاومة؟. لو استسلمنا لهذا المنطق كان يجب أن تقف المقاومة في ذلك الحين ويبقى الاحتلال، وهنا الإلتباس أنّ البعض يصّور الخسائر أو السلبيات على أنّها خسائر لكن لا يفكر فيها بمنطق التضحيات .
تابع : لذلك ما أدعو إليه أن لا نركز كثيرا على سلبيات المقاطعة علينا أيّاٍ تكن، ويجب أنّ نضع هذه السلبيات في خانة التضحيات التي تستلزمها عملية المواجهة وهذا هو السياق الطبيعي.
أضاف في مواجهة مشروع الغزو المتعدد الأبعاد يجب استخدام كل الأسلحة المتاحة والمتوفرة بين أيدينا، ومن الخطأ أن نقول أنّ سلاح المقاطعة خطأ لا جدوى منه و جدواه محدودة وهذا لا ينفع وهذا لا يجدي. وقال : عندما بدأت المقاومة في جنوب لبنان بدأت بسلاح الكلاشينكوف والـ آر بي جي وعبوة صغيرة وقنبلة يدوية، وقيل لنا ماذا يجدي هذا السلاح مع جيش مؤلّل لا مشاة فيه؟!. وأوضح أنّه لو أخذنا كل سلاح على حدة سنجد أنّ جدواه قليلة لكن لو جمعنا كل هذه الأسلحة واستخدمناها في آن واحد سوف نحصل على كل الجدوى القليلة من هذا وذاك لتصبح الجدوى كبيرة، فإذا راكمناها مع الزمن ومع الوقت يمكننا أن نصنع انتصارا.
وأكّد أنّ قلة الجدوى من استخدام سلاح ما في أي ساحة وفي أي ميدان ليست مبررا لترك هذا السلاح وخصوصا إذا انتبهنا أنّه في مسألة المقاطعة الاقتصادية بالتحديد إذا لم نقاطع يعني أننا لا نترك سلاحا بل نساهم ولو بنسبة قليلة بتقوية العدو الذي يجتاح البلاد ويريد السيطرة على أمّتنا، يجب أن نتحدث بموضوع المقاطعة في إطار هذه المواجهة الشاملة.
أضاف : إنّ من يقرع طبول الحرب ويحمل راية الحرب هي الإدارة الأمريكية، أفلا يكون هذا كافيا لتصنيف الإدارة الأمريكية وقواتها على أنها في خانة العدو؟ مهما هربنا من المواجهة نحن اليوم في مواجهة العدوان الأمريكي كأمّة شئنا أم أبينا وسنجد أنفسنا في ساحة المواجهة، نحن لسنا الذين بدأنا الحرب ولسنا من سيبدأ الحرب بل هم سيفرضوها على هذه الأمّة وبالتالي هم الآتون ولسنا نحن الذاهبين ولسنا نحن الذين نحشد القوات في محيط الولايات المتحدة الأمريكية لنهاجمها إنّما هم الذين يحشدون الأساطيل ليس فقط في محيط العراق بل في محيط المنطقة كلها لغزوها والسيطرة عليها، وبالتالي إن لم يكن اليوم فغدا، لا مفر من اليوم الذي سوف نجد أنفسنا جميعا في حالة مواجهة مع هذا العدو.
وأكّد سماحته أنّ التفكير في هذه النقطة من زاوية الأزمات الخاصّة والداخلية هو الذي يودي ببعض الأصدقاء المخلصين إلى الاشتباه بالموقف. والتعاطي مع الهجمة الأمريكية على الأمّة إنطلاقا من مشاكلنا وحساباتنا الداخلية هو الذي يلقي بنا في الأخطاء الاستراتيجية القاتلة. يجب أن نفهم أننا أمام معركة وساحة مختلفة وأمام صراع حساباته مختلفة ونتائجه وأهدافه مختلفة، وبالتالي يجب تجاوز كل مشاكلنا وأزماتنا قدر الإستطاعة. عند الانطلاق من حسابات استراتيجية يجب أن نكون واضحين وجديين وصارمين في معادات خيار الحرب الأمريكية على العراق وبالتالي على الأمّة فما يجري الآن هو غزو للمنطقة من بوابة العراق.
أضاف : بمواجهة هذا الغزو الأمريكي الآتي، نحن كشعوب يجب أن نحسم خيارنا ، فإمّا أن نستسلم ونبحث عن لقمة عيشنا سواء جاءت مجبولة بذل أم لا، وإمّا أن نأخذ خيار قبول التحدي والمواجهة، وبمعزل عن إمكاناتنا وقدراتنا من يكون في موقع المقاومة هي الشعوب التي تهاجم والتي ليس لديها وقت وخيار ومجال لتجلس وتحصي ما عندها، يجب أن تواجه بما عندها وهذا هو منطق المقاومة تاريخيا، ومن الطبيعي أن نختار المواجهة وأي سلاح وحتّى لو كانت جدواه قليلة يجب استخدامه بالمنطق الذي تكلمت عنه قبل قليل.
وفي مسألة مقاطعة البضائع الأمريكي فأقول حتّى لو لم يكن في هذا السلاح أي جدوى اقتصادية وإنّما له نتائج ثقافية وتربوية وسياسية واعتراضيّة فهو من أفعل الأسلحة التي يجب أن نستخدمها، وبالتالي لا داعي لأن نتعب أنفسنا كثيرا بإحصاءات ودراسات لنبني عليها نتيجة، هذه النتيجة يجب أن تكون محسومة بمعزل عن الإحصاء والأرقام. ويأتي لاحقا منطق الإحصاء والأرقام لإقناع من يصر على ضرورة أن يكون هناك جدوى اقتصادية، وتساءل : دلوني على أمّتين تصارعتا وتبقى إحداها أبوابها وأسواقها مفتوحة أمام الأمّة الأخرى؟ هذا الأمر لم يجرِ في التاريخ، والمسألة لا تحتاج إلى تحقيق وبحث علمي في الجدوى الاقتصادية، وبطبيعة الحال هذه الدولة أعلنت الحرب علينا فمن الطبيعي أن نقاطعها.
أضاف : إن لم تكن المقاطعة اليوم للولايات المتحدة الأمريكية ذات أثر تعبوي وتربوي وثقافي بالنسبة إلى أجيالنا الحاضرة ، لكنها ستكون لها آثار تربوية عظيمة جدا لأطفالنا وأحفادنا الآتين إذا ركّزنا هذا الاتجاه ، ونحن لا نتحدث عن مواجهة سنة أو سنتين ، ونعرف أنّ أمريكا التي سوف تبدأ بحربها الضروس على أمّتنا أنّ هذه الحرب لن تنتهي بسنة أو سنتين، يجب أن نخطط لهذه الحرب على المدى المتوسط وعلى المدى الطويل.
وقال هناك مقاطعة أولى هي المقاطعة السياسية أي أن يشعر الناس أننا هنا نلتقي بعدو وان يصل اليوم الذي يصبح فيه الحرج عند شرفاء الأمة من اللقاء بالأمريكي كما الحرج بلقاء الإسرائيلي هذا ما يجب ان نخطط له ونؤسس له.
وأكّد سماحته على التعهد بما سنتوصل إليه من خطط وأساليب عمل قد تتبع وأن نلتزمه بصدق، محذرا من عدم تحول هذه الخطط والأساليب إلى برامج ملزمة في أحزابنا وقوانا وجمعياتنا ومؤسساتنا وحتّى على المستوى الشخصي فحينئذ نكون نضيّع سلاحا أو فرصة مواجهة سوف نسأل عنها ونحاسب عليها. وأدعو كل الأحزاب والحركات ومؤسسات المجتمع المدني إلى مقاطعة كل ما يمت إلى الإدارة الأمريكية بصلة.
أضاف : بقراءة موضوعية وواقعية وميدانية ليس للمشروع الأمريكي والتواجد العسكري الأمريكي المباشر في منطقتنا أي مستقبل، وإذا أصروا على هذه الحرب وعلى هذه المواجهة الشاملة فإنّ الأمّة سوف تجد نفسها في داخل المعركة وهذا مشهد واضح، سوف يجد الأمريكيون أنفسهم في ساحة قتال مختلفة لا يملكون القدرة على التوازن معها ، ولن تنفع في هذه المواجهة الطائرات ولا الدبابات ولا الـ "سي آي إي" ولا تجفيف مصادر الأموال ولا الحصار الاقتصادي ولا التهديد بنزع العروش، بكل صدق يمكن أن نتحدث عن شباب هذه الأمّة الحاضرة، وعن كل شاب بمفرده بمعزل عن أي دولة أو أي تنظيم أو أي دعم مادي أو لوجستي، أن يشتري بجهده الشخصي سلاحا أو سكينا أو متفجرة ليقاتل هؤلاء الغزاة.
الأمريكيون يضعون أنفسهم بمواجهة من هذا النوع سيفرضونها على هذه الأمّة، وبالتالي من يخوض معركة من هذا النوع سوف يهزم ولو كان يملك السماء ويملؤها طائرات ولو كان يملك الأرض ويملؤها دبابات.