كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في حفل السفارة الإيرانية بذكرى انتصار الثورة الإسلامية الرابعة والعشرين 7-2-2003
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بذكرى انتصار الثورة الإسلامية الرابعة والعشرين بتاريخ 7/2/2003
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم والحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد ابن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين، وعلى جميع أنبياء الله المرسلين والشهداء والمجاهدين في سبيل الله منذ آدم إلى قيام يوم الدين.
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد إنّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبّح أبناءهم ويستحي نساءهم إنّه كان من المفسدين. ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون. صدق الله العلي العظيم.
أيها الإخوة والأخوات سأعود إلى هذه الآيات، ولكن أحببت في بداية كلمتي أن أقدم مقدّمة وهي أنّنا في هذه الأيام وفي هذه الأسابيع القليلة المقبلة أمام مرحلة خطيرة وحساسة وتاريخية ومصيرية. نحن في لبنان، أدعو اللبنانيين إلى الانتباه إلى ما يجري في المنطقة وإلى تأجيل الكثير من القضايا والخلافات والتفاصيل والهموم على أهمّيتها، لأنّ ما يجري في المنطقة لا يخص بلدا معينا هو العراق وإنّما يعنينا جميعا بلا استثناء ، أعداء أمريكا وأصدقاء أمريكا، كل شعوب هذه المنطقة معنية بما يجري. من جهة أخرى من الواضح أنّ هول ووطأة الأوضاع والأحداث جعلت الناس في حيرة، وبكل بساطة يمكننا أن نوصف الواقع القائم في الأمّة وفي العالم وفي المرحلة الحالية اليوم بأنّه فتنة إذا أردنا استخدام المصطلحات الإسلامية، لأنّ الفتنة هي ما يختلط فيه الحق والباطل فلا تدري أين وأين الباطل، تستمع إلى هذا فتجد في بعض كلامه حقا يخفي خلفه بعض الباطل، وتستمع إلى ذاك فتجد في كلامه وموقفه حقّا يخفي خلفه بعض الباطل وعندما يختلط الحق والباطل يضيع الناس في حيرة.
نحن واقعا في هذه الأسابيع المقبلة أمام فتنة يمكن أن نقول فيها إنها فتنة طخياء عمياء يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، ولذلك نحن الذين نؤمن بالله واليوم الأخر ونؤمن بحاكمية الله على هذه الأرض ونؤمن بالأمل وبالنصر وبالمستقبل الموعود لا يمكن أن نسمح لليأس أن يسيطر على عقولنا أو للوهن أن يتسلل إلى أعصابنا وإرادتنا وأن نقول أمام هذه الفتنة لا نستطيع أن نفعل شيئا وعلينا أن ندس وندفن رؤوسنا في التراب وننتظر النتائج لنتعاطى معها. بالتأكيد يجب أن نبحث عن الحق المحض لنكون معه وندافع عنه ونقف إلى جانبه ونتبناه ولو كان أهل الحق قلة، يمكن في هذه الكلمة أن أتحدث عن هذا الموضوع وما هو مطلوب وما هي الرؤية ببعض الكلام الدقيق والحساس وأنا أدرك دقته وحساسيته، وأنا أقول من الآن في هذا الزمن كلام الحق قد لا تكون له شعبية وعندما تقول الحق قد يشتمك كثيرون، أنا هنا اليوم أمام هذه المرحلة المصيرية لا أبحث عمن يصفق ولا عمن يمدح ولا عمن يرجم ولا عمن يشتم وإنما أحاول أن أهدي نفسي وان أهتدي أنا وأخواني إلى بعض الحق الذي يمكن أن نكتشفه، ولذلك كلمتي اليوم في بعض أجزائها قد لا تكون كلمة تلقى تجاوبا بالمعنى الشعبي لأنه، اليوم، إذا أردت أن تقول كلاما على المنبر أو في فضائية عربية أو في مقابلة صحفية أو في احتفال، الجمهور العربي والإسلامي منقسم تقريبا إلى جمهورين: لو قلت كلاما ضد الأمريكيين يفهم منه أو يستشعر منه بعض الدفاع عن نظام صدام في العراق سوف يقف جزء من هذا الجمهور ويصفق لك والجزء الأخر سيتهمك بأنك وانك …
ولو وقفت لتنتقد نظام صدام حسين في العراق وتركز حديثك في هذا الجانب سوف يصفق لك بعض الجمهور ولكن البعض الآخر سوف يتهمك بالعمالة لأمريكا وأنّك تسوق للحرب الأمريكية المقبلة. لذلك الكلام حساس جدا وكلمة زائدة أو ناقصة قد تبدل أو تحدث أو توجد بعض الضباب أو بعض الغموض أو بعض الوهم في الموقف. المرحلة أيضا هي ليست مرحلة الاحتكام إلى الانفعالات والعواطف والأحقاد، المسالة اليوم ليست مسألة من احب ومن اكره، ممن أريد أن انتقم وعمن أريد أن أدافع المسالة اكبر من هذا بكثير، المسالة ليست مصير بلد لوحده وإنما مصير أمة بكاملها. هي ليست مسالة مصير العراق ولا نظام العراق ولا المعارضة العراقية ولا شعب العراق لوحده وإنما هي مصيرنا جميعا، كل شعوب وأنظمة وحكومات دول العالم العربي والإسلامي، ولذلك في زمن المحنة والفتنة وفي المراحل المصيرية نحن بحاجة إلى الحكمة والى الشجاعة وإلى منطق العقل والحرص والمسؤولية. حيثما ننتقد يجب أن نقبل من بعضنا البعض الانتقاد، وعندما ندخل في دائرة الحديث عن المشاعر والانفعالات يجب أن نحترم هذه المشاعر وهذه الإنفعالات لأننا بالتأكيد أمام أوضاع صعبة وأمام شروخ كبيرة في الأمة(…).
بالعودة إلى الآيات: إنّ فرعون علا في الأرض، ويقول الله عز وجل قبلها : نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون. يعني هذه الآيات ليست حديثا للتاريخ، وإنّما تتلى على محمد صلّى الله عليه وآله وسلم كنبأ حق لقوم يؤمنون إلى قيام الساعة. الآيات هنا تتحدث عن قانون إلهي، عن حقيقة اجتماعيّة تاريخية كونية وعن وعد إلهي في نفس الوقت تحقق في يوم من الأيام في زمن موسى عليه السلام، فتقول الآيات : إنّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبّح أبناءهم، إذا فرعون العالي المسيطر الطاغية يعتمد أسلوب تشتيت الناس وتمزيق الناس وتفريق القوى والفئات الشعبية ثمّ يأخذ فئة من هؤلاء الناس، أي الذين لم يخضعوا لعلوه وجبروته فيذبّح أبناءهم ويستحي نساءهم إنّه كان من المفسدين. في المقابل هناك قانون إلهي ووعد إلهي وطبعا هذا القانون فيه شروط ومقدّمات، الله تعالى يقول : ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض، هؤلاء الذين استضعفهم فرعون وأذلّهم فذبّح ابناءهم وشتّتهم ومزّقهم شيعا وأذاقهم سوء العذاب، نريد أنّ نمن عليهم بالنصر وبالنجاة وبالإنقاذ وبالخلاص ليس فقط من ذل فرعون وظلمهم، بل نجعلهم أئمة، نجعلهم حكّام الأرض، ونجعلهم الوارثين لكل سلطان فرعون وغناه وإمكانياته وقدراته، ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم، يعني من هؤلاء المستضعفين، ما كانوا يحذرون.
هذا الذي حصل مع موسى وفرعون، لم يكن حادثا استثنائيّا حتّى يقول أحدنا"ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض، يعني هذه قصّة موسى وفرعون ولا دعوى لنا بها، كلا. مع نوح عليه السلام الذي واجه قومه الطغاة المستبدين الملأ الأعلى وتحلّق حوله بعض من المستضعفين نصره الله أيضا وجعل الله نوحا والمستضعفين معه أئمة في الأرض وجعلهم الوارثين ومكّن لهم. وهود عليه السلام كذلك، وصالح عليه السلام كذلك، وبعد موسى أيضا، في حادثة نبينا محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والصحابة الكرام من المسلمين الأوائل الذين صبروا وصابروا وجاهدوا وقتّلوا وشرّدوا وهجّروا وعذّبوا وصمدوا، ولكن بعد سنوات الجهاد والعطاء والتضحية كان أمر أبي سفيان وأبي جهل وكل طواغيت قريش واليهود في شبه الجزيرة العربية إلى ضياع وفناء، وكان أنّ أصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون المستضعفون معه أئمة الأرض وحكاّما عليها والوارثين الذين مكّن لهم الله سبحانه وتعالى في الأرض.
اليوم في هذا العصر أيضا، هذا القانون وهذا الوعد الإلهي تحقق في إيران على يدي حفيد الأنبياء السيد روح الله الموسوي الخميني قدّس سره الشريف. في كل التجارب السابقة كان هناك طاغية أو مجموعة من الطغاة المستبدين وكان هناك فئة مستعلية إلى جانب الطغاة هي فئة الملأ الأعلى، كان هناك عامّة من الناس مستضعفين ومضطهدين، وكان هناك قائد مخلص ومخلّص ومنقذ وكان هناك رسالة أو مشروع إنقاذي وكان للقائد وللمشروع الرسالة أتباع وأنصار مستعدون للتضحية، هذه هي المعادلة.
عندما يكون هناك طاغية وطغاة ومستضعفون ويخرج في وسط هذه الأمّة قائد يحمل مشروعا ويجد له أتباعا مستعدين للتضحية ستكون النتيجة : ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض. هذا ما حصل في إيران أيضا، عندما واجه الإمام رضوان الله عليه ذلك الطاغية المستبد الذي سمّى نفسه ملك الملوك. اليوم إذا كان في بعض الممالك أو الأنظمة الملكية العربية من الواجب على الوزراء والضباط والمسؤولين جميعا أن يهووا لتقبيل يد الملك فقد شاهدتم قبل قليل (شريط فيديو) أنّ التقليد الذي كان متبعا في زمن ملك الملوك هو أن يهوي الجنرالات لتقبيل قدم الملك وهذا يعبر عن مدى فساده وعلوه وجبروته. إيران التي كان يقبض الشاه عليها بفعل الحديد والنار والجيش والسافاك، إيران التي كان يحكمها مباشرة ستون ألف مستشار وخبير أمريكي في كل شؤونها العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والثقافيّة، إيران هذه خرج في إحدى مدنها رجل شيخ كبير اسمه روح الله الموسوي الخميني وقف في مدرسة في مدينة قم اسمها الفيضيّة وأطلق صرخة في وجه الشاه، ابتدأت الصرخة من رجل واحد ولكنها انتهت بعد سنين، نفس كلمة الإمام التي واجه بها طغيان أمريكا التي كانت تحكم إيران وطغيان إسرائيل التي كانت تحكم إيران وطغيان الشاه الذي كان يحكم إيران، أصبحت نداء الملايين من أبناء الشعب الإيراني.
خرج القائد المخلص المنقذ المستعد للشهادة ومعه المشروع الرسالة واحتشد حوله المؤمنون في إيران، سنة بعد سنة كان الجمع يكبر والتضحيات تتعاظم ، آلاف الشهداء، عشرات الآلاف من الشهداء، مئات الآلاف من الشهداء، مئات الآلاف من المعتقلين، مئات الآلف من المبعدين، وتستمر الثورة، الثورة العزلاء من السلاح، الثورة التي لم يقدم لها أحد في هذا العالم أيّ دعم، وهذه ميزة الثورة الإسلامية في إيران، لم يدعمها أحد ولم يساندها أحد ـ غير الدعم المعنوي حيث بعض الحركات والناس كانوا يدعمون الثورة دعما معنويا ـ هذه الثورة كانت تتكل على ربها وتعتمد على نفسها وتجاهد في ساحتها. وكان هذا الانتصار الإلهي الكبير المدوّي. إذا، ما حصل مع نوح وقومه، مع هود وقومه، مع صالح وقومه، مع موسى وفرعون، مع إبراهيم ونمرود، مع محمد صلى الله عليه وآل وسلّم وطواغيت قريش حصل أيضا في هذا العصر، في الربع الأخير من القرن الماضي ويمكن أن يحصل في كل يوم وفي كل ساحة وفي كل أمّة وفي كل مجتمع تتوفر لديه هذه الشروط وهذه المقدمات. عندما نتحدث عن النصر الإلهي ونحن نواجه المرحلة المقبلة لا نتحدث عن النصر الإلهي الذي ينزله الله من السماء على القاعدين أو الخائفين أو المتخاذلين أو البائسين أو اليائسين أو المحبطين، من أين لكم أنّ الله وعد هؤلاء بالنصر. إن الله تعالى يكره البطالين والقاعدين والمتخاذلين والبائسين وحتى الضعفاء الذين يمكنهم أن يصبحوا أقوياء ولكنهم لا يفعلون شيئا.
هذا الانتصار بالتأكيد كانت له آثار كبيرة وعظيمة جدا ومدوية، الوقت لا يتسع لإعطاء الإمام والثورة ولو بعضا من الحق. هذه الثورة أثبتت قدرة الإسلام على تحريك الشعوب المستضعفة والمضطهدة لإنقاذها في الزمن الذي كان يقال فيه عن الدين عموما وعن الإسلام خصوصا انه أفيون الشعوب.. هذا الانتصار اثبت على أن الإسلام قادر على بناء دولة عصرية حديثة مستندة إلى القرآن وسنة الرسول (ص)، ومستفيدة أيضا من كل عناصر التمدن والحضارة المعاصرة، هذا الانتصار أثبت إمكانية انتصار الشعوب المستضعفة حتّى العزلاء على أعتى الطواغيت إذا توفر لها الإيمان والعزم والمثابرة وكان لديها الاستعداد الكبير للتضحية. هذه الثورة أثبتت أنّه يمكن أن تنتصر دون أن تتكئ لا على الشرق ولا على الغرب. عظمة الثورة الاسلامية في إيران التي تختلف عن كل الثورات المعاصرة أنّها طردت الأمريكيين من إيران، هذه الأيام هي ليست أيام انتصار الإمام الخميني والشعب الإيراني على الشاه فقط، هي أيام انتصار الإمام على أمريكا، هي أيام انتصار الشعب في إيران على أمريكا وإسرائيل عندما طردهم جميعا وأغلق سفارة الصهاينة وجعلها سفارة لفلسطين لأول مرة، هذا يوم انتصار بعض هذه الأمّة على الولايات المتحدة الأمريكية. لكن في نفس الوقت لم يسمح الإمام لأيدي الاتحاد السوفياتي أن تمتد إلى إيران وتصادر القرار والسيادة والكرامة، بالعكس وقف الإمام إلى جانب الشعب الأفغاني المظلوم ودعم حركاته الجهاديّة بمواجهة الاحتلال السوفياتي في تلك المرحلة. إذا يمكن أن تنتصر ويمكن أن تصمد دون أن تتحول إلى عميل أو إلى أداة أو إلى خادم للشرق أو للغرب. إذا اعتمدت على ربّك وآمنت بشعبك أيضا فأنت بغنى عن كل قوى هذا العالم. لقد أطلق هذا الانتصار صحوة إسلامية كبرى في العالم أعادت طرح الإسلام من جديد وبقوة كدين ومشروع وأيدلوجية وطريق للثورة وللمقاومة والتحرير.
من بوابة الإمام أدخل إلى الموضوع الأصلي. نحن اليوم في ما نواجهه من أوضاع هي ليست وليدة هذه الساعة ولا وليدة الأيام والأسابيع والشهور والسنين القليلة الماضية. وإنّما هي وليدة أحداث منذ أكثر من خمس أو ستة عقود، لكن في الحد الأدنى العقود الأخيرة. الأمّة العربية والإسلامية كانت أمام فرصة كبيرة جدا تحققت في انتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران عام 1979. إيران التي كانت شرطي الأمريكان في الخليج والحليف لإسرائيل التي تقدّم النفط لها، وإيران القاعدة الأمريكية المتقدمة ـ أي إيران الأمريكية من جنب وإسرائيل في فلسطين من جنب آخر والأمّة في الوسط ـ خسرت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والمشروع الصهيوني موقعا استراتيجيا وعظيما في الأمّة، واستبدل بنظام وبثورة ليست فقط غير موالية لأمريكا ولإسرائيل ولكنها ليست حيادية.
يعني يمكن أن لا تكون أمريكية وأن لا تكون إسرائيلية ولكنها تكون في قضية الصراع العربي الإسرائيلي حيادية وتقف وتقول نحن فرس ـ مثلما يقول البعض ـ ولا دعوى لنا بالصراع العربي الإسرائيلي وبكل ما يجري في هذه الأمّة، وتحملنا من الدماء والتضحيات في زمن محمد رضا بهلوي وأبيه رضا بهلوي الكثير من المعاناة ، لذلك نريد أن نعيش وأن نأكل وأن نحكم بلدنا ونحل مشاكلنا الاقتصادية وأن نعمر بلدنا ولا شغل لنا بالصراع العربي الإسرائيلي.
لكن هذا لم يحصل، منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة الاسلامية في إيران،الإمام ومعه صحبه، يدرك أنّ الخطاب العدائي لأمريكا ولإسرائيل سوف يفتح عليه الكثير من الجبهات ويضيّع عليه الكثير من الوقت لإعادة إعمار إيران، وهو الذي قال في خطابه عندما عاد إلى طهران : الشاه دمّر المدن وعمّر المقابر، وكان المطلوب من الإمام أن يعمر إيران. ولكنه منذ اليوم الأول كان موقفه من الصراع العربي الإسرائيلي واضحا، في تلك الأيام طرح الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه مجموعة مشاريع، وسوف أتكلم عن اثنين منها لعلاقتهما المباشرة بما يجري علينا.
الإمام تحدث عن مشروع الوحدة الإسلامية وهذا المشروع واضح والمشروع الثاني هو تحرير القدس وإزالة إسرائيل من الوجود وإعطاء أولوية لمواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة.
في المشروع الأول الإمام كان واضحا، لم يقل في مسالة الوحدة الإسلامية أو بين المسلمين انه تعالوا نريد أن يصبح جميع السنة شيعة أو جميع الشيعة سنة، وإنما الإسلام لديه من السعة ومن المرونة ما يستوعب كل المذاهب والاجتهادات. وحتى في الإطار القومي ليس مطلوبا من المسلم العربي أن يصبح قرشيا ولا من المسلم الفارسي أن يصبح عربيا ولا من المسلم التركي أن يصبح فارسيا. القرآن والنبي لم يطلبا من الناس ذلك. الإسلام هو إطار يتسع لكل القوميات وكل الشعوب وكل الأمم والحضارات والعادات والتقاليد ويحترم كل الخصوصيات وبالتالي الإسلام هو الأقدر لان يكون إطارا للوحدة وعنوان لها.
لكن ماذا كان الرد على الإمام، كان الرد عليه المزيد من التشتيت والتمزيق لان الذي كان يدير المواجهة هي الولايات المتحدة خلف الستار، حصلت مخاوف أو أثيرت مخاوف رغم أنّ الإمام قال كل ما يطمئن، وبدل الاستجابة لخطاب الوحدة وبدل احتضان إيران في إطار العالم العربي والإسلامي فتحت كل ملفات الشقاق والخلاف والنعرات، أولا القومية، وعدنا نسمع نغمة عرب وفرس، أو إعادة فتح كل ملفات الماضي التاريخية والنزاعات بين الشيعة والسنة، وطبعت والّفت مئات آلاف الكتب وطبعت عشرات ملايين النسخ وهذا الأمر يمارس منذ خمس وعشرين سنة، وتوزع مجانا في كل أنحاء العالم، وكانت حملة مبرمجة وممولة للتكفير بين المسلمين بدأت بتكفير المسلمين الشيعة القاعدة التي ينتسب إليها الإمام الخميني والثورة الإسلامية في إيران. ثم ارتدت إلى وسط بقية المسلمين لتصبح لدى البعض منهجا يكفر كل مسلم يختلف معه في موقف عقائدي أو حتى في موقف سياسي. الآن تختلف مع أناس في موقف سياسي فيكفرونك ولا زلت أؤمن بالله والنبي وبالقرآن.
منطق التكفير الذي يؤدي إلى التقتيل هو منطق خطير جدا وإذا استشرى في الأمة لن نستطيع أن نواجه لا الغزو الأمريكي ولا أي غزو لأننا سنكون مشغولين بمعاركنا الصغيرة والضيقة والمقيتة التي لا يرضى عنها الله ورسوله والأنبياء والرسل ولا تخدم مصلحة الأمة .
في مواجهة المشروع الثاني، الإمام تحدث بجدية عن تحرير القدس وإزالة إسرائيل من الوجود وأعلن تشكيل جيش العشرين مليونا لتحرير فلسطين وقد تعاطى الإسرائيليون بكل جدية مع كلام الإمام ، وأنا أذكر أن بيغن أعلن في خطاب صريح وواضح أنّه سيقوم بتدمير القوات الإيرانية التي سيرسلها الإمام الخميني في وسط الصحراء. إسرائيل وأمريكا تعاطت بكل جدية مع خطا بالإمام ومشروعه لأنها كانت تعرف الإمام جيدا.
الآن بعض الذين يريدون الوصول إلى السلطة في هذا البلد أو ذاك يلتقون مع الأمريكيين أو يعملون في الليل والنهار ليلتقوا معهم ،الإمام الخميني طوال سنوات الثورة كان الأمريكيون يريدون لقاءه ويرفض لقائهم. لم يكن لدى الأمريكيين والصهاينة أية أوهام حول شخصية الإمام وأفكاره ومشروعه وأهدافه وثورته، ولذلك تعاطوا مع هذه الثورة كتهديد استراتيجي تاريخي كبير جدا. الرد على استعداد إيران لتضع إمكاناتها ونفطها وجيشها وشعبها وكل إمكاناتها في خدمة الحكومات والشعوب العربية في المعركة الفاصلة في الصراع العربي الإسرائيلي كان للأسف هو الحرب على إيران من قبل النظام العراقي والتي استمرت ثماني سنوات والتي دعمها كل العالم ومولتها الكثير من الدول العربية وخصوصا الدول الخليجية باستثناء بعض الدول العربية وخصوصا سوريا في زمن الراحل الكبير الرئيس حافظ الأسد حيث كان لها رؤية استراتيجية مختلفة حول هذا الموضوع. ثمان سنوات على هذه الحرب، يمكنكم تصور حجم الأضرار والخسائر التي لحقت بهذه الأمّة. لا أريد أن أقف عند هذا الموضوع طويلا ، ولكن يجب أن نعرض لهذا الأمر لنعرف أين نقف الآن وفي أي موقع.
هذه الحرب مزّقت الأمّة وأعادت كل الضغائن السابقة، طبعا لم تتمكن تلك الحرب من إثارة النعرة الطائفيّة الشيعية السنيّة لأنّ هذا الأمر كان يضر بطبيعة الحرب حيث أنّ عددا كبيرا جدا من ضباط وجنود الجيش العراقي هم من الشيعة، فلا يمكن أن تقول للجيش العراقي أنت تخوض حربا شيعية سنية في مثل هذه الحالة. لكن تمّ التركيز على البعد القومي على العربي والفارسي وكانت ضغائن لها أول وليس لها آخر. ثماني سنوات من الحرب استنزفت من الدماء والأموال والسلاح والجهد والبنى التحتية والأعصاب والعواطف في إيران وفي العراق وفي الأمّة ما لو جمعناه لكان كفيلا بتحرير فلسطين عشرات المرات وإزالة إسرائيل من الوجود عشرات المرات.
أقول لكل العرب والمسلمين، والإيرانيين والعراقيون يعرفون هذا وجماعة النظام تعرف هذا والمعارضة العراقية تعرف هذا، هذه الحرب لم تكن حرب العرب على الفرس وإنمّا كانت حرب أمريكا على الثورة الفتية التي أعلنت منذ اليوم الأول أنها ثورة كجزء من هذه الأمة ومن معركتها ومصيرها ومستقبلها. بطبيعة الحال، تلك الحرب هي التي أسست للحرب الثانية، الحرب الأولى كانت خطأً تاريخيا بل خطيئة تاريخية وجاءت الحرب الثانية في احتلال الكويت والذي كان خطأ تاريخيا أيضا وخطيئة أيضا وانقسمت الأمة، البعض يصفق لاحتلال الكويت والبعض يندد وعلينا أن نتذكر تلك الأيام البائسة وحال هذه الأمة، تصوروا أين وصلنا في أوضاعنا القومية والعربية وفي حالتنا السياسية.
أدت تلك الحرب أيضا إلى مجموعة جديدة من الضغائن والأحقاد والتبدلات حتى في داخل أحزاب واحدة وتيارات واحدة، تيار قومي معين بعضه ضد احتلال الكويت وبعضه مع احتلال الكويت، تيار إسلامي معين بعضه مع الاحتلال وبعضه الآخر ضد الاحتلال، حالة بائسة وصلنا إليها بفعل هذه الخطيئة. أقول أيضا للكويتيين الذين آلمهم ما حصل على بلادهم وهو مدان بكل تأكيد، لا تتصوروا أن أمريكا التي جاءتكم منقذة كانت هي المنقذ.. فتشوا عمن يقف خلف هذا الغزو وهذه الحرب، فتشوا عن أمريكا التي أعطت الضوء الأخضر والتي تريد من الأخ أن يغزو أخاه لتقدم نفسها منقذة ومقيمة للعدالة، والتي تقيم أنظمة استبدادية وتحميها ثم تأتي إلى الشعوب المستَبَدَّة لتقدم نفسها منقذة من الاستبداد ومقيمة للديمقراطية، ولا نخدع عمّا يجري علينا وما يجري حولنا. منذ ذلك الحين أصبحت الأمة في وضع مأساوي وقاس، بعد حرب الخليج الثانية كان مدريد وكانت الأضرار البالغة التي لحقت بالصراع العربي الإسرائيلي وكانت أوسلو ووادي عربة وكدنا أن نضيع جميعا، وحصلت بعد ذلك تطورات، حوادث 11 أيلول، أفغانستان والآن العراق.
نحن الآن لا نتحدث عن مصير العراق بل عن مصير المنطقة والأمة والانتفاضة ولبنان وسوريا ومصر والسعودية والجميع هنا في المنطقة. أكثر الناس اطمئنانا في هذه المرحلة هم الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر، لماذا؟، "والسالم منك ـ أي الدنيا ـ لا يبالي إن ضاق به مناخه فالدنيا عنده كيوم حان انسلاخه". نحن لسنا قلقين لأشخاصنا، الدنيا ونظرتنا إلى هذه الدنيا تجعلنا نواجه أعتى التحديات والأعاصير باطمئنان وثقة، لكن نحن قلقون على أمّتنا.
في الوقت الحاضر، هناك العراق ونظام صدام حسين، والولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تشن حربا على العراق بتهم عديدة: حيازة أسلحة الدمار الشامل، تعاون مع تنظيم القاعدة، ارتكابات النظام بحق شعبه. وما أريد أن أقوله هنا ونحن نتابع هذا الأمر، عندما نرفض الهجوم الأمريكي سواء كنا لا نؤيد نظام صدام حسين أو كنا نؤيد النظام، أنا أدعو إلى احترام مشاعر الملايين المنتسبين إلى المعارضة العراقية والى احترام مشاعر الكويتيين والشعب الكويتي ومشاعر الأكراد في شمال العراق وأيضا مشاعر قد يكون مئات الآلاف أو الملايين من الإيرانيين الذين حصدتهم الحرب العراقية الإيرانية. بالتأكيد لدى هؤلاء آلام وبالتأكيد ليس من السهولة أن تطلع وتمجد نظام صدام حسين وتمدح به وتدوس على مشاعر إخوانك في الكويت، ومئات العائلات التي يوجد لها أسرى ومفقودين ولا تعرف عنهم شيء، بالنهاية الحرب على الكويت أوجدت معاناة عميقة جدا جعلت بعض الكويتيين يتجاوزون في مرحلة من المراحل هذه المعاناة ولكن جعلت بعضهم الآخر يذهبون بعيدا في الموقف، ونحن نستمع على شاشة التلفزيون ماذا يقول هؤلاء. لكن بمعزل عن الخطاب السياسي يجب أن تحترم مشاعر هؤلاء ومخاوفهم لان بلدهم احتل وهجّروا من بلدهم وتعرضوا للكثير من الأوضاع الصعبة.
أيضا لا يجوز أن نختبئ خلف أصابعنا ونقول أن المعارضة العراقية ـ وكما يقول بعضهم مثلا ـ أنهم حفنة من العملاء للولايات المتحدة ،هم ليسوا كذلك، نعم، قد يكون البعض، من الدكاترة والمهندسين والبروفسورات الذين هم بالأصل ومن زمان تركوا العراق وعاشوا في أمريكا. لكن هناك ملايين شرّدوا من العراق وينتسبون إلى هذه المعارضة العراقية وبالتالي تعرضوا خلال عشرين عاما للسجن والقتل والاعدامات ومصادرة حرية التعبير وحتّى حرية ممارسة الشعائر الدينية وغير ذلك، ويمكنك أن تجد عائلات بأكملها قد ماتت أو أعدمت، وبالتالي لا يمكن أن تتجاهل هذه المشاعر سواء كنت تختلف معها في النتيجة السياسية أو تتفق معها.
عندما نخاطب بعضنا البعض على الفضائيّات أو في المؤتمرات يجب أن نرى هذا الجانب الإنساني ومهما حصل بيننا لا يجوز أن نصل إلى مرحلة العداوة المطلقة. الأمر الثاني هو أن نقول أيضا لهؤلاء الذين نحترم مشاعرهم من العراقيين والكويتيين والخليجيين أو كل من آلامهم ما حصل خلال السنوات الماضية، نقول لهم في هذه المرحلة نحن بحاجة إلى قراءة سياسية دقيقة وواعية، قد تتدخل عواطفنا وانفعالاتنا في الموضوع ولكن ثقوا تماما بان الحرب الأمريكية على العراق ليس هدفها إنقاذ الشعب العراقي ولا حماية الشعب الكويتي وليس هدفها ـ حتّى للذين لديهم موقف حاسم من صدام حسين ـ فقط إزالة نظام صدام حسين، والدليل كولن باول يوم أمس عندما تكلم بوضوح في مجلس الشيوخ وقبله كونداليزا رايس ورامسفيلد وسترو وبلير وكلهم، يتحدثون عن احتلال العراق وحكمه، والأمريكيون يريدون الاستفادة من الإنكليز باعتبار خبرتهم الطويلة وسيضعون حاكم عسكري على العراق.
تحت أي عنوان وبأي شكل وأي ذريعة لا يجوز لأحد أيا كان في هذا العالم أن يقدم أي عون للأمريكيين حتى لو كنا ضد صدام حسين، وأي عون للأمريكيين هو ليس عونا على صدام حسين، هو عون على كل هذه الأمة، هو عون على فلسطين وانتفاضتها ولبنان وسوريا وكل دول العالم العربي والإسلامي.
في الحد الأدنى من يجد أن وضعه وظروفه ومعطياته أو قناعاته وحساباته تدعوه إلى ألاّ يأخذ موقفا ابعد من ذلك ففي الحد الأدنى يجب أن يكون الموقف هو أن لا يكون هناك أي تعاون سياسي أو إعلامي أو أمني أو معلوماتي أو عسكري أو ميداني مع القوات الأمريكية الغازية، وهذا الموقف فليتخذه الجميع لله، وسيكون في هذا الموقف الأكثر أجرا أولئك الذين كانوا اكثر تعرضا للظلم من قبل النظام في العراق، وهذا سيؤكد عظمتهم وعلو شأنهم وسعة أفقهم وقدرتهم على تجاوز المحنة.
اليوم الأمة ليست مستهدفة في شعوبها وحكوماتها أو نفطها أواقتصادياتها فقط، بل هي مستهدفة حتى في ثقافتها وفكرها وحضارتها، طوال القرون الماضية كانت تأتي جحافل الغزو إلى بلادنا لكن كانت هذه البلاد بما فيها من مسلمين ومسيحيين ومن حضارة وفكر وقيم كانت تستوعب الغزاة وتهضمهم وتحولهم إليها ليحملوا فكرها وإيمانها، المغول جاؤوا إلى بلاد المسلمين وخرجوا منها يحملون الإسلام إلى روسيا بلاد الثلج والصقيع. لكن هذه الغزوة مختلفة فالمغول كانوا يملكون القوة والبطش والحديد والعدة والعديد ولكن ما كانوا يملكون الفكر فملء أجدادنا فراغ عقولهم، أم هؤلاء فهم يهجمون علينا ومعهم الكمبيوتر والتكنولوجيا والدراسات والمفكرين ووسائل الإعلام والغزو الثقافي ومئات ملايين الدولارات للتغيير الثقافي والقيم في بلادنا وللسيطرة على أنظمة التعليم ومناهج التعليم إلى جانب منابع النفط والمسالة هي بهذا الحجم.
أنا أدعو إلى مبادرة عربية أو إلى مبادرة إسلامية، جامعة الدول العربية، منظمة المؤتمر الإسلامي، أو مجموعة دول عربية وإسلامية. كيف يمكن أن نسحب ذرائع الحرب من الولايات المتحدة الأميركية ونلم صفوفنا من جديد؟ الموضوع كيف نسحب الذريعة ونسقط الحجج وفي الوقت نفسه نتمكن من جمع صفوفنا من جديد حتى إذا قررت الولايات المتحدة الأميركية أن تغزو العراق ينبغي أن تقف الأمة كلها في مواجهة هذا الغزو.. المعارضة العراقية والنظام العراقي، الكويت والعراق، إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والكل.. قيل الكثير عن تنحي صدام أو استسلامه.. أمام خطر يتهدد العراق ووجوده ويتهدد شعب العراق والأمة بكاملها، هناك مستوى من المسؤولية مطلوب من النظام العراقي ومن المعارضة العراقية، وهو الدعوة إلى مصالحة وطنية عراقية، إلى طائف عراقي، أي أن تقوم بعض الدول العربية أو الإسلامية بدعوة النظام، الذي يجب أن يتواضع قليلاً أمام المعارضة التي يجب أن يعترف بها لأنها تمثل ملايين العراقيين في خارج العراق والملايين في داخله.
بعد حرب الخليج الثانية الذين انتفضوا في العمارة والديوانية والنجف وكربلاء وجنوب العراق عموما لم يأتو من الخارج أبداً ولم تنظمهم المعارضة وهم عراقيون أقحاح أبناء البلد وهؤلاء أيضاً لهم موقف من النظام، ويجب أن تعترف أن هناك مشكلة داخلية عراقية، نحن لا نقول استسلم أمام الأميركيين ولا نقبل منك أن تستسلم أمام الأميركيين ولكن يجب أن تعترف أن هناك مشكلة عراقية داخلية وهي ليست مشكلة حفنة من النخب في لندن أو أميركا، وهي ليست مشكلة مئات أو آلاف أو مئات آلاف بل هي مشكلة ملايين من العراقيين. الحفاظ على العراق ومقدراته والأمة يتطلب من النظام أن يتواضع ويعترف بالمشكلة الداخلية ويتطلب من المعارضة أيضاً أن تتعاطى مع المرحلة بهذا المستوى من المسؤولية.
فلتقم هناك جهات عربية أو إسلامية برعاية لقاء وتوافق ومصالحة وطنية ووضع آلية معينة يحتكم فيها إلى الشعب العراقي. اليوم النظام العراقي يتحدث باسم الشعب العراقي ويقول إنه يستلهم شرعيته من الشعب، والمعارضة كذلك، فلنلتقِ جميعاً ونحتكم إلى الشعب العراقي ضمن آلية معينة وضمن انتخابات حرة ونزيهة، وبالتالي ينبثق عن هذا الشعب حكومة تمثل كل القوى بمعزل عن كل أحداث وأحقاد الماضي وتأتي هذه الحكومة الجديدة التي لا ندعو إلى استثناء أحد فيها حتى حزب البعث الحاكم في العراق.. من يختاره الشعب فليكن في الحكم وتأتي هذه الحكومة الجديدة ولتقل للكويتيين يا إخوان انتم ماذا تريدون لتطمئنوا. وفي ملف أسلحة الدمار الشامل تعالوا يا دول العالم لنعالج هذا الملف بكل صدقية. هناك ملفات مع قوى إقليمية معينة، مع إيران، مع تركيا إلخ.. وفي ظل استعداد عراقي من الطرفين للمصالحة الوطنية الحقيقية الصادقة، أصرت الولايات المتحدة على مهاجمة العراق فحينئذ لا يكفي أن نقول لا يجوز أن يتعاون أحد مع الأميركيين بل يومها يجب أن نقول: يجب على كل مسلم وعربي بالغ رشيد قادر على حمل السلاح أن يقاتل الأميركيين دفاعاً عن هذا العراق.
هذه محاولة صادقة وأنا أعرف أن هذا الكلام قد لا يؤتي ثماراً ولكنه محاولة كفرد من أفراد هذه الأمة، وبالتأكيد هناك كثير من الذين استمعوا إليّ الليلة لم يعجبهم هذا القول، وكثير قد يعجبهم، ولكن أنا لا أتحدث بحسابات طائفية أو حزبية أو بحسابات لبنانية، أنا أتحدث عن أمة ومصير أمة وعن ثغرة في هذا الظلام الدامس، عن نقطة ضوء، قد تكون هذه محاولة.. لن تكون أوضاع العراقيين أبأس من أوضاع اللبنانيين قبل اتفاق الطائف.. أنا لا أوصي العراق بنظام طائفي على الطريقة اللبنانية، أنا أتحدث عن مصالحة وطنية عراقية تنقذ شعب العراق ومقدراته ومن وراء ذلك الأمة بكاملها، ويجعلنا جميعاً خارج الانقسام وخارج المخاوف والالتباسات أما إذا بقينا على ما نحن عليه الآن فعلينا أن نتصور للأسف أننا أمام مرحلة خطيرة جداً، مرحلة لا يقوى فيها شعب بلد واحد على مواجهتها لوحده.
أنا لا أدعو إلى يأس أو إحباط، ولكن الحديث عن المستقبل والأمل لا يعني أن لا نكون واقعيين، ولا يعني أن نغمض أعيينا عن حجم الأخطار الضخمة والهائلة المقبلة علينا، لكن في كل الأحوال إن استجاب العقلاء والحكماء في هذه الصيغة أو في غيرها من الصيغ وأمكن تجاوز هذه المحنة سيكون نصرنا تاريخياً، وإن وقعت الحرب التي لن يتحمل مسؤولية وقوعها الأميركيون لوحدهم فقط وإنما كل الذين ساهموا وشجعوا وأيدوا أو كان بإمكانهم أن يفعلوا شيئا للحيلولة دون وقوعها ولم يفعلوا.. الكل سيتحمل المسؤولية أمام التاريخ وأمام الله يوم القيامة. وحينئذ علينا أن نواجه الآثار والنتائج أيضاً بحكمة وبشجاعة وبدون أي تردد أو خوف أو قلق أياً تكن الاحتمالات والمخاطر التي قد يلجأ إليها الإسرائيلي. المخاطر المحدقة بالشعب الفلسطيني في الداخل، والمخاطر المحدقة بلبنان وسوريا والمنطقة.. نحن كوننا موجودين في لبنان يجب أن نكون مستعدين لمواجهة كل التحديات والأخطار وقدرنا أن نبقى وأن نقاوم وليس خيارنا أن نقاوم بل قدرنا وإذا قاومنا وصبرنا وصابرنا ورابطنا أياً تكن التضحيات ومهما تكن الأخطار والنتائج الكارثية لأي غزو أميركي. نحن أمة لطالما خرجت من تحت الركام ويمكنها أن تخرج من جديد بشرط ألا نفقد الأمل والإيمان والعزم والثقة بالله عز وجل وبإمكانيات أمتنا على النهوض.
اليوم نعود لنستلهم روح الإمام الخميني قدس سره الشريف القادر دائما على التعالي فوق الجراح، الذي لم يكن إماما لإيران وإنّما إماما للأمّة، والذي لم تكن قضيته إيران وإنّما كانت قضيّته كل الأمّة. نستلهم هذه الروح، نستلهم منها الحكمة والشجاعة وكيف يقف فرد أعزل في وجه كل طواغيت العالم في الفيضية في قم، نستلهم من روحه العزم كيف يقود شيخ كبير شعبه وهو منفي من عاصمة إلى عاصمة ومن طائرة إلى طائرة دون أن يتردد، نستلهم منه روح المثابرة واليقين والأمل بالانتصار .
وهذه الثورة الإسلامية المباركة في إيران ستبقى سندا لهه الأمّة، قد يلتبس الموقف على البعض نتيجة الكثير ـ وأقول بصراحة ـ من الحرية في إيران والكثير من الديموقراطية والكثير من هامش المسؤولين في التصريحات وفي التعبير عن مواقفهم، لكن في ختام الكلمة، أود أن أؤكد أنّ الموقف الحقيقي لقيادة الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية والشعب المسلم في إيران هو أنّ إيران هذه لا يمكن أن تكون إلاّ في الموقع الذي يحمي الأمّة من مخاطر هذا الغزو الذي يستهدفها بكاملها.
أبارك لبقية الله في الأراضين، حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف نجاح وانتصار هذه الثورة الممهدة بقيادة نائبه بالحق الإمام روح الله الموسوي الخميني. أبارك لروح الإمام وأرواح الشهداء ولولي أمر المسلمين الإمام القائد آية الله العظمى السيد الخامنئي دام ظله الشريف، للشعب المسلم في إيران، لكل الشعوب العربية والإسلامية والمضطهدة والمستضعفة في العالم انتصار الثورة وبقاءها قوية عزيزة قادرة على مواجهة التحديات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.