كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في أيام الفاجعة التي أصابت قلوب المسلمين والمؤمنين والمحبين في جوار أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف والتي أودت بحياة عالم رباني من سلالة العترة الطاهرة سماحة آية الله السيد محمد باقر الحكيم والعشرات من المؤمنين الصالحين 1-9-2003
أولاً، نرفع آيات العزاء والمواساة لبقية الله في الأرضين لمولانا المهدي (عج) في هذه الأيام الحزينة، وهذه الذكريات الآليمة. في ذكرى شهادة جده الإمام المظلوم علي بن محمد الهادي (ع)، وفي أيام الفاجعة التي أصابت قلوب المسلمين والمؤمنين والمحبين في جوار أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف، والتي أودت بحياة عالم رباني من سلالة العترة الطاهرة سماحة آية الله السيد محمد باقر الحكيم والعشرات من المؤمنين الصالحين المصلين الذاكرين لله سبحانه وتعالى بعد صلاة الجمعة في حادث أدمى القلوب وأبكى العيون وجدد كل الأحزان وكل الفجائع وفتح من جديد كل الصفحات المؤلمة من الصراع المرير والدم الذي كان يسيل بغزارة في العراق في أرض الرافدين. نرفع إلى مولانا العزاء والمواساة وإلى نائبه سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي دام ظله الشريف، إلى مراجعنا العظام في النجف الأشرف وفي قم، إلى كل حوزاتنا العلمية والدينية، إلى شعب العراقي المضحي والمجاهد والمظلوم، إلى كل المسلمين والمؤمنين، إلى كل البشرية التي ترفض الظلم والعدوان والقتل والجريمة، ونخص بالعزاء تلك الأسرة الهاشمية الكريمة والعزيزة عائلة العلم والفقه والاجتهاد والإيمان والجهاد والشهادة، أسرة آل الحكيم، رحم الله شهدائهم وحما أحيائهم وبارك الله فيهم وهم مصداق لقول أمير المؤمنين (ع) :" وبقية السيف أنمى". هؤلاء بقية السيف، لن يستطيع أي سيف أن ينال من وجودهم الشريف والمبارك.
نلتقي هنا للتعبير عن المواساة والتضامن مع الشعب العراقي في فاجعته وخسارته التي هي فاجعة الأمة وخسارتها، وللتعبير عن التضامن أيضاً، لأننا لسنا من الذين يقعدهم الحزن ويجبنون لكثر الدماء، نحن لسنا من الذين نذرف الدمع لنغرق في الدمع، وإنما من الذين يجددون بالدم الحياة، ويجددون بالدموع الأمل، ولطالما عشنا بهذا الأمل وبهذا اليقين وبهذه الثقة.
الذي فقدناه وخسرناه، أقول في حقه بعض الكلمات، وأتحدث عن الحادثة قليلاً وعن فرضيات وخلفيات هذه الحادثة وعن مسؤوليتنا أمامها. ولكن، لن يسع الوقت لأداء بعض حق هذا السيد المجاهد والكبير، ولذلك بضع كلمات فقط من باب الاعتراف بالعجز. نحن فقدنا وخسرنا عالماً ربانياً وفقيهاً كبيراً قضى عمره بالتعلم والتعليم والتدريس وتربية العلماء والمفكرين والمثقفين،من بين تلامذته سماحة سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي، عندما كان طالباً للعلوم الدينية في النجف الأشرف. وخسرنا مفكراً مطلاً على القضايا الفكرية والثقافية وكاتباً ومحققاً ومؤلفاً فيها، فهو الفقيه ابن عصره وجيله ومعركته الحضارية التي كان فيها منذ نعومة أظفاره. والسيد الحكيم هو ذلك المجاهد والمناضل منذ صباه في ركاب المرجعية من أجل دولة الإسلام وعزة المسلمين وعدالة الحياة بين الناس، ولذلك هو لم يعرف صباً ولا شباباً ولا شيخوخة. منذ البداية كان في هذا النضال، وتحمل المسؤوليات وصولاً إلى مرحلة التصدي الحقيقي للقيادة الدينية السياسية للشعب العراقي في مرحلة هي من أعقد واصعب مراحل صراع هذا الشعب. إذاً نحن أمام الفقيه المفكر المجاهد القائد الذي لم يتخل عن مسؤوليته في يوم من الأيام وفي نهاية المطاف أمام الشهيد الذي طالما حلم بهذا الموقع وبهذه الدرجة، ولطالما مشى إليها بقدميه وعشقها بقلبه وتطلع إليها بعينيه، وحتى بعد سقوط النظام البائد لم يكن احتمال استشهاد السيد الحكيم احتمالاً بسيطاً، منذ أن اتخذ قرار العودة إلى العراق وإلى النجف، وهو الذي تتقاطع عنده الكثير من العدوات والأحقاد والمشاريع السياسية، تتقاطع عنده لتحذفه. السيد الشهيد ذهب إلى النجف وفي قلبه وعقله الشهادة. يكفي أن ندقق في بيان سماحة الإمام القائد السيد الخامنئي دام ظله الشريف في بيان النعي، وهو الذي عايش السيد الشهيد باقر الحكيم أكثر من عشرين عاماً ويعرفه شخصياً، يعرف كيف يفكر، ما هي استراتيجيته وأهدافه. لنعرف عظمة هذه الفقيه القائد الذي خسرناه في الأيام الماضية.
أما لماذا السيد الحكيم، وهنا أريد أن أذكر بعض الأمور لنعرف بعض الجوانب في هذه الشخصية ونكتشف بعض خلفيات الاستهداف. السيد الحكيم فيما لا يعرفه الناس، وخلال 20 عاماً وأكثر، كان من أشد الداعمين والمساندين لحركة ومسيرة المقاومة الإسلامية في لبنان، ولم يكن ليتوانى في أي دعم يمكن ان يقدمه أو أن يطلب منه، وفي أكثر من لقاء خاص، كان سماحة السيد الشهيد يطلب مني وبالرغم من انشغاله، وانشغال المجاهدين معه خلال كل السنوات الماضية في تحديات الساحة العراقية ومخاطرها، كان يطلب أن يشارك شباب عراقيون ومجاهدون عراقيون في ساحة المقاومة في لبنان وباصرار، ويقول لي ولو رمزيا،ً لنؤكد أن الصراع مع هذا العدو هو ليس صراعاً لبنانياً أو فلسطينياً، لنؤكد هوية وعنوان المعركة التي تخوضها هذه الأمة مع هذا العدو. وحتى عندما كنت أحدثه أن في هذا بعض الحرج لأننا أغلقنا الباب ولأن ظروفنا في لبنان لا تساعد، وإذا سقط من إخواننا العراقيين بعض الشهداء ماذا نفعل. هو كان يقول لو سقط شهداء أو تشظى استشهاديون نحن لا نحتاج إلى نعيهم فلتكن شهادتهم مكتومة في عين الله وفي سبيل الله سبحانه وتعالى.السيد الشهيد كان في صلب هذا الصراع مع العدو الإسرائيلي وكان حاضراً للمساهمة الميدانية في هذه المعركة. لكن ظروفنا وتوجهنا السياسي وقرارنا السياسي كان لا يسمح بذلك لا بالنسبة للأخوة العراقيين ولا بالنسبة لغيرهم من إخواننا العراقيين بسبب ظروفنا في لبنان وتعقيدات الساحة اللبنانية.
في موضوع الانتفاضة في فلسطين كذلك، موقفه ورؤيته واستراتيجيته حاسمة وقاطعة وهو من أبناء وفقهاء ذلك الخط الذي يقول يجب أن تزول إسرائيل من الوجود، وأن إسرائيل غدة سرطانية وشر مطلق. أن يصبح هناك فقيه وعالم يحمل هذه العقلية وهذا الخط وهذا المبدأ في العراق وله موقع متقدم جداً في الساحة العراقية، بالتأكيد هو أمر خطير جداً بالنسبة للمشروع الصهيوني والأميركي في المنطقة.
أمر آخر، سماحة السيد القائد يصفه ويقول أنه "سد منيع في وجه الاحتلال للعراق وعقبة كأداء". بعض الناس لم يفهموا هذا وبعض الناس لن يفهموا هذا. ولكن سماحة السيد القائد هو أعرف الناس باستراتيجية السيد الحكيم الحقيقية، بماذا يفكر وكيف يخطط وما هو هدفه وإلى أين يريد الوصول في الحقيقة. السيد الشهيد كان ضمانة وطنيةً عراقية وضمانة إسلامية كبرى، وهذا ما لا يعرفه الكثيرون أيضاً.
قبل سقوط النظام وبعده، في بعض مؤتمرات المعارضة تم الحديث عن نظام ما بعد صدام حسين، وبدأ الحديث عن حصص وقيل بأن "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" يطالب بحصة 60 % لأن الشيعة في العراق في اعتقاده 60 %، وطبعاً هذا أدخل الساحة العراقية إلى الحديث عن الحصص، حصة الشيعة وحصة السنة العرب وحصة الأكراد. فأرسلنا إلى سماحته: أن هذا الخطاب عن نسب مؤية سيدخلنا في العراق إلى نظام طائفي ومحاصصة طائفية جربناه في لبنان وهو مصيبة, نرجوا أن لا تسمحوا بتكرار التجربة الطائفية في لبنان في العراق، تحدثوا عن نظام ديموقراطي يمثل إرادة الشعب، رئيس جمهورية يختاره الشعب، برلمان يختاره الشعب. سماحة السيد أرسل لنا يقول هذا الخطاب الذي تطلبوه مني أنتم وبعض الأخوة اللبنانيين والفلسطينيين هو خطاب جميل وجيد وصحيح، ولكن هذا لا يطمئن بقية الشعب العراقي، هذا هو الذي يثير مخاوف السنة في العراق كمذهب آخر، ويثير مشاعر الأكراد كقومية أخرى". ويضيف الشهيد الحكيم :" الناس لا يعرفون ويحاسبوننا على ما لا يعرفون، إذا وقفت انا السيد الحكيم وقلت أريد في العراق نظام ديموقراطي انتخابي يعبّر عن إرادة الشعب، سوف يقف الكثير من الأكراد والسنة في العراق ليقولوا : هذا خطاب يخفي وراءه مشروع سيطرة شيعية على العراق، مشروع حكم شيعي في العراق". هناك من يقول بأن الشيعة في العراق كما ذكر السيد الحكيم ليسوا 60 % هم 70 % لأنه كذلك في الأكراد يوجد شيعة وفي التركمان يوجد شيعة، فإذا أخذناها على شيعة وسنة سوف تصل النسبة إلى 70 %. "الخطاب الديمقراطي العددي هو يخيف بقية العراقيين، لا يطمئنهم, نحن في مرحلة يجب أن نطمئن فيها كل مكونات الشعب العراقي". من لا يعرف هذه الخلفية سوف يتهم السيد الحكيم بأنه طائفي، وبأنه لا يفكر إلا بحصة الشيعة. وهو لم يكن يفكر بهذه الطريقة، كان يفكر بخلفية وطنية. وكان من حقه الطبيعي أن يتحدث عن نظام ديموقراطي عددي يأتي به هو رئيساً للجمهورية، ويأتي بمن يريده رئيساً للوزراء ويأتي بأغلبية ساحقة في المجلس النيابي وتؤدي إلى سيطرة شيعية على النظام السياسي في العراق، ولكن السيد الحكيم وإخوانه لم يتعاطوا مع هذا الأمر كفرصة كما قد يفكر أو يتعاطى البعض، وإنما كان هاجسهم دائماً كيف نصل إلى تشكيلة نظام سياسي تعبّر عن مكونات الشعب العراقي وتطمئن كل القوميات وكل الطوائف في العراق. ألا يشكل هذا العقل ضمانة وطنية. ألا نسمع أحياناً من داخل العراق بعض الأصوات التي تقول نحن أغلبية ونريد أن نحكم في العراق بعد أن حرمنا عقوداً بل قروناً من الزمن من حكم العراق، أليس من حق البعض أن ينطق بهذه اللغة في عالم يتحكم فيها الاستبداد والديكتاتورية ولا يطمئن فيه أحد لأحد، ولكن منطق السيد الشهيد الحكيم كان هو هذا المنطق الوطني القومي الإسلامي الانساني الحريص على العراق ووحدته وتماسكه لأنه كان يدرك حقيقة المشروع الأميركي والمشروع الإسرائيلي الذي يستهدف العراق، وهو في الحقيقة مشروع تفتيتي، الأميركيون لا يريدون دولة في العراق، ولا يريدون نظاماً سياسياً واحداً في العراق، لا يريدون عراقاً واحداً. الأميركيون يريدون عراقاً ممزقاً مفتتاً مقسماً وعلى شاكلته يريدون أن يرسموا الخارطة السياسية للمنطقة. أما الإسرائيليون فلا يريدون العراق فقط ممزقاً إلى دويلات وإلى طائفيات، إنما يريدون العراق مدمراً ومحروقاً ومقتولاً ومسفوح الدم على باب كل دار لأن لبني إسرائيل ثأراً تاريخياً في العراق وفي بابل وهذا موجود في كتبهم ومقالاتهم. المشروع الإسرائيلي ليس تمزيق العراق إلى 3 دويلات، مشروع الإسرائيلي تدمير العراق سحق ما تبقى من شعب العراق. أما المشروع الأميركي هو تقسيم العراق لبناء خارطة سياسية جديدة في المنطقة. في مواجهة هذا المشروع، من الأصدق والأعقل والأخلص والأوفى، هل الذي يأخذ الأمور إلى التخريب والتدمير والتفتيت كما تريد أمريكا وإسرائيل، أما الذي يريد أن يبقى العراق واحداً موحداً متماسكاً شعبه بكل انتماءاته الطائفية والدينية والقومية وهذه الضمانة التي كان يشكلها السيد الحكيم.
قبل أسابيع قليلة، أرسل لي سماحة السيد الحكيم ومن خلال أكثر من قناة ومن واسطة، أن هناك من يعمل لفتنة سنية- شيعية في العراق. وأنا عندما تكلمت في بلدة جبشيت، كنت أستند إلى هذا التقييم من سماحة السيد الحكيم. وقال أنتم في حزب الله لكم علاقات جيدة مع العلماء ومع الحركات الإسلامية السنية، نحن حاضرون للعمل وللتواصل وللتلاقي من أجل قطع الطريق على هذه الفتنة التي تخدم أمريكا وإسرائيل ونحن جاهزون لكل ما يطمئن بقية إخواننا في العراق وإلى ما يطمئن حكومات الجوار وشعوب الجوار. السيد الحكيم كان يخشى أن تكرر بعض حكومات المنطقة وشعوب المنطقة الأخطاء التاريخية التي ارتكبتها عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران وأعلنت الحرب عليها ودمرت مقدرات هذه الأمة لمصلحة أمريكا ولمصلحة إسرائيل وكان صدام حسين رأس الحربة في هذه المعركة. هذا الانسان، هذه القيادة، هذا العقل ، هذه الضمانة الوطنية والوحدوية والإسلامية. ولذلك، لو فهمنا هذا الموقع وبما يمثل من ابن لمرجع عظيم وكبير، لبيت مرجعي، بما يمثل من مناضل ومجاهد له كل هذا التاريخ، ومن موقع ومن قدرة نستطيع أن نلتقط بعض الجوانب التي تقاطعت لحذفه ولشطبه.
نأتي إلى الحادثة في بضع كلمات: هذه الحادثة لا يمكن أن تكون فعلاً فردياً من الناحية التقنية، في أقل التقادير هناك حديث عن سيارة أو سيارتين وما لا يقل عن 500 كيلو من التي أن تي. مما يعني أن هناك تشكيل أمني عمل على هذه العملية التي تحتاج إلى استطلاع ونقل وخبرات متفجرات وإمكانات وقيادة وإدارة، ولذلك من المقطوع به، أن هناك جهة تقف خلف هذه الحادثة، وهي جهة مقتدرة تملك إمكانات، وتستطيع أن تنقل 500 أو 700 كيلو إلى النجف الأشرف، وتقدر أن ترصد وتقدر أن تفجر في نفس الوقت. الحديث عن عمل فردي من هنا أو هناك هو سخافة وجهل في الحقيقة. لكن من هي هذه الجهة المقتدرة التي تقف خلف الحادث؟ بطبيعة الحال، عندما لا نملك المعلومات القطعية، ستكثر التحليلات وسوف تأخذ هذه التحليلات مناحي مختلفة.وهنا، كما كنت في كل مناسبة أقول لوسائل الإعلام مساهمة خطيرة وكبيرة، وبالتالي، نحن هنا أمام مشكلة ومأزق، حتى الأخوة في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق لم يعلنوا بشكل قاطع عن الجهة التي تقف خلف هذا العمل. طبعاً، منذ اللحظات الأولى، بعض وسائل الإعلام أراد أن يأخذ الأمور باتجاه صراع شيعي- شيعي هو أصلاً غير موجود، وبعضها يريد أن يأخذ الأمور باتجاه صراع سني شيعي وأنا أؤكد أنه ليس موجوداً في العراق. وبدأت الأمور تحمل بطريقة خطيرة جداً، وبالتأكيد كانت بحاجة إلى تدارك سريع.
في بعض الفرضيات، ومن جملة الفرضيات التي أول ما قفزت إلى ذهن الأخوة في المجلس الأعلى والأخوة في العراق عموماً، أنهم جماعة صدام حسين (من نفّذ المجزرة). طبعاً، هذه فرضية منطقية جداً بمعزل عن الدليل، وتستند إلى ماضي وتاريخ وقواعد ومنطق لأن الذي جرى هو أمر مركب: واحد، المكان، يعني الذي فعل ما فعل ليس لديه حرمة لهذا المكان، يعني مرقد أمير المؤمنين (ع) وليس لديه حرمة لهذا الزمان،الجمعة وصلاة الجمعة. وهو حاضر من أجل أن يقتل قائداً كالسيد الحكيم أن يقتل معه المئات. إذاً نحن أمام جهة لا تحترم لا دم ولا بشر ولا دين ولا مكان ولا زمان. وأمام جهة لديها تاريخ في قتل القيادات، هذه الجهة بالكامل تنطبق على صدام حسين وجماعته. صدام حسين له تاريخ في قتل ليس المئات بل (مئات الآلاف). بعد اكتشاف المقابر الجماعية وبعد عدم ظهور المفقودين وبعدما تبين أن السجون خالية من سكانها ارتفعت أعداد الشهداء في انتفاضة 91 من 200ألف إلى 400 ألف، واليوم هناك حديث عن مليون شهيد. الذي يقتل خلال أسبوعين أو ثلاثة من أجل الحفاظ على سلطته وبإذن أمريكي وغطاء أميركي سنة 1991، نصف مليون عراقي في أسابيع قليلة ليس لديه أي مانع أن يقتل مئات من أجل أن يشطب السيد الحكيم. والذي يقصف مراقد الأئمة (ع) في النجف وكربلاء بالمدفعية وبالطيران ليس لديه مانع أن يضع سيارة مفخخة على باب أحد هذه المراقد والعتبات. هذا كلام منطقي جداً أن صدام يقوم بهكذا عمل، وله تاريخ في شطب القيادات. السيد الحكيم من جملة ما أرسله لي، قال : نريد أن نبحث عن قيادات سنية فاعلة لأن صدام حسين شطب كل القيادات العراقية، الشيعية والسنية. أليس هو الذي قتل الإمام السيد محمد باقر الصدر؟ أليس هو الذي قتل الشهيد المرجع السيد محمد محمد صادق الصدر؟ أليس هو من قتل المرجع الشيخ البوجردي؟ أليس هو من قتل الشيخ النوري؟ أليس هو من قتل علماء بيت الحكيم؟ أليس هو من قتل كبار كوادر الحركة الإسلامية العراقية؟ كان مجرد الانتماء لحزب الدعوة يؤدي إلى الإعدام ولو بمفعول رجعي. يعني إذا كان يوجد شخص كان قد ترك حزب الدعوة من 20 سنة، وألقوا القبض عليه وثبتوا عليه أنه كان في حزب الدعوة من 20 سنة ، كان يعدم؟ هذا العقل يقوم بهذا العمل. هذه فرضية، ولو كانت هذه الفرضية صحيحة وهي حتى الآن هي الاقوى. بحسب منطق الأمور، هذا أمر روتيني وعادي، صدام لم يأت بجديد وإنما كرر حروبه ومجازره السابقة، وبالتالي لن نكون أمام تداعيات خطيرة كما حاولت بعض وسائل الإعلام أن تأخذ الأمور إلى صراع شيعي- شيعي أو إلى صراع شيعي – سني، والكل يعرف أن شيعة العراق وشيعة العالم لم يحملوا في يوم من الأيام إخوانهم السنة لا في العراق ولا في العالم مسؤولية جرائم صدام حسين، لأن جرائم صدام حسين كانت تطال الشيعة والسنة، ولأن الذين قتلوا في حلبجة لم يكونوا شيعة وإنما كانوا سنة، ولذلك لو كان صدام هو الفاعل المسألة هي خارج دائرة أي توظيف لصراع طائفي أو مذهبي من هذا النوع.
هناك فرضية أخرى، ووجدت أن البعض يستبعدها وإن كان بعض الجهات الموثوقة والتي تملك معطيات أمنية وقراءات أمنية لما يجري في العراق تؤكد على هذه الفرضية بقوة، وهي فرضية العمل الإسرائيلي. وأنا أقول للأخوة في العراق لا تستبعدوا هذه الفرضية، دققوا وابحثوا فيها. الإسرائيليون لأكثر من سبب وسبب من مصلحتهم وفي سياق مشروعهم قتل هذه القيادات التي تشكل فعلاً ويمكن أن تشكل في المدى القريب أو البعيد وعلى المستوى الاستراتيجي خطراً على إسرائيل. ماذا يعني أن يأتي يوم من الأيام مجموعة أو قيادة كالسيد الشهيد الحكيم هي التي تحكم العراق، أين سيكون العراق في الصراع العربي- الإسرائيلي؟ عراق السيد الحكيم، عراق رفاق وأخوة السيد الحكيم هو العراق الذي ينصر حقيقة الشعب الفلسطيني، وليس عراق صدام حسين الذي دمّر إيران والعراق من أجل عيون أمريكا وإسرائيل؟! لن يكون عراق صدام حسين الذي غزا الكويت ومزق الأمة بغزوه لها؟! لن يكون عراق صدام حسين الذي ألحق أفدح الأضرار التاريخية بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني وإن من عليهم فيما بعد ببعض الدولارات لدواء بعض الجرحى أو مواساة بعض عوائل الشهداء؟! ما قيمة هذا المال الذي قدّمه صدام حسين لشعب فلسطيني أمام حجم الكوارث التي ألحقها صدام حسين بالأمة وبالقوى التي كانت يمكن أن تكون نصيراً حقيقياً للشعب الفلسطيني في معركته. ولذلك من المنطق جداً ومن الطبيعي جداً أن يذهب الصهاينة إلى العراق وهم موجودون في العراق، جنرالاتهم العسكرية موجودون في العراق وكذلك موسادهم موجود وأيديهم تصل إلى كل مكان يمكن أن تصل إليه اليد الأميركية.
تبقى فرضيات أخرى، لكن من جملة الفرضيات التي أريد أن أقف عندها وهي حساسة جداً. عندما قِيل في وسائل الإعلام أنه اعتقل بعض الأشخاص -ونحن حتى الآن لا ندري النتيجة القطعية- وأن هؤلاء اعترفوا بمشاركتهم التفجير وبأن هؤلاء إسلاميون متشددون أو سلفيون أو أنهم ينتمون إلى تنظيم القاعدة. هذه أخطر فرضية يمكن أن يفترضها الإنسان، وعُمِل على تسويقها بشكل كبير جداً، وأنا لا أعلم هل هي صحيحة أم غير صحيحة. لكن هذه الفرضية هي خطيرة جداً. هذه الفرضية هي التي تفتح الأبواب أمام أمريكا وإسرائيل لضرب هذه الأمة وهنا تترتب مسؤوليات كبيرة جداً. أنا أقول: من خلال جو الأيام القليلة الماضية والشحن الإعلامي والشحن الطائفي تترب اليوم مسؤوليات على علماء الإسلام في كل العالم الإسلامي من السنة والشيعة، وعلى الحركات الإسلامية السنية والشيعية، على الجميع أن يدرك. في جبشيت قلت: الأفق الوحيد أمام السيطرة الأميركية على العراق وبقاء الأمريكان في العراق، الأمل الوحيد لسيطرة أمريكا على المنطقة لعقود ولأجيال هو ضرب الأمة في مسألة الشيعة والسنة والسلام.هذا هو أخطر تهديد يواجه الأمة من قبل أميركا، ووحدة الشيعة والسنة هي أكبر تهديد يواجه المشروع الأميركي – الصهيوني الجديد في المنطقة. مسؤولية الجميع أن يقفوا وينطقوا بالحق، لا يجوز أن يتردد أحد باتخاذ الموقف عندما يتطلب الأمر أن نتخذ موقفاً. المسألة هنا ليست مزاج فلان أو فلان ورغبات الجهة الفلانية أو الفلانية ، نحن هنا نتحدث عن مصير أمتنا ومنطقتنا وشعوبنا وأجيالنا وأولادنا وأحفادنا ومقدساتنا والكل يجب أن يتحمل المسؤولية. هذا يدعونا في العالم الإسلامي والعالم العربي بشكل خاص أن نضع أسس للتعاطي مع أحداث مشابهة من هذا النوع، وفي مقدمتها محاصرة كل اتجاه للفتنة، كل من يعمل للفتنة كل من يثير الفتنة بكلمة بفعل بطلقة رصاص يجب أن يحاصر وأن يدان وأن يضرب على يديه، بل يجب أن تقطع يده ولسانه أيضاً أياً كان: سنياً أو شيعياً، لأن التسامح في هذا الأمر له مخاطر كبيرة جداً. عندما تثار العواطف والأحقاد والضغائن، ولدينا مئات السنين ونستطيع أن نجلب ضغائن وأحقاد وحساسيات، ولدينا في الحاضر ضغائن وأحقاد وحساسيات، عندما يصبح اتجاه الفتنة هو الذي يسيطر على المشاعر لن يبقى مكان لعاقل شيعي ولا لعاقل سني، سوف تصبح الساحة في يد "السي آي إي" والموساد اللتين، أقسم بأنهما تخترقان العديد من المجموعات التي ترفع شعار الإسلام وراية الإسلام من أجل ضرب المسلمين من داخل مجموعاتهم وتنظيماتهم ومؤسساتهم. أول أساس يجب أن نتبانى عليه، هو محاصرة أي اتجاه للفتنة، أي اتجاه يريد أن يثير هذا الصراع ولحساب أي كان، وهذا الاتجاه للفتنة فيه نوعان من الناس: فيه عملاء يعرفون ما يفعلون، وفيه جهلاء أعماهم الجل والتحجر والعصبية، ويجب أن نواجه العملاء ويجب أن نواجه الجهلاء. وأول المواجهة، هو الوقوف بشدة وبحزم أمام أي اتجاه تكفيري في وسط المسلمين، سواء كان هذا الاتجاه سنياً يكفّر بقية السنة ومعهم الشيعة وغيرهم من الطوائف أو كان هذه الاتجاه شيعياً يكفّر السنة وغيرها من المذاهب والطوائف. أي اتجاه تكفيري في الأمة هو اتجاه تدميري. الاتجاه التكفيري يسقط كل الحرمات، لا يبقى هناك حرمة لا للمسجد الحرام ولا لمسجد النبي(ص) ولا لمقام علي(ع) ولا لخليفة ولا لصحابي ولا تابع بإحسان. الاتجاه التكفيري لا يبقي حرمة لا لدم ولا لعرض ولا لمال ولا لمستقبل. الاتجاه التكفيري هو اتجاه شيطاني غرائزي متحجر لا يستند إلى أي منطق قرآني أو نبوي ويجب أن يواجه، وحتى الذين ربوا ودعموا هذا الاتجاه بدءوا يعانون من ويلات هذا الاتجاه ويجب عليهم أن يسارعوا ومعهم كل الأمة وكل العالم الإسلامي، هذا اتجاه خطر، لا أريد أن أدخل في تسميات وفي أسماء وعناوين، ولكن من واجبي أن أقف وأقول: يوجد اتجاه تكفيري في الأمة ويمكن لهذا الاتجاه أن يرتكب فجائع من هذا النوع، هذه الفجائع ارتكبت في أفغانستان، بحق الشيعة والسنة وباسم الإسلام والقرآن والنبي محمد (ص)، هذه الفجائع ترتكب في باكستان، إن الذي يسكت على مقتل المصلين في مسجد كويتا يشجع أيدي مشابهة لتقتل المسلمين في مرقد علي بن أبي طالب(ع). إذاً هذه مسؤولية كبيرة وخطيرة، ومن جملة هذه الأسس أن نتنبانى ونتعاون على ما يلي: عندما يكون الخطأ أو الجريمة من شيعي يجب أن تقف في وجهه كل الأمة، ولكن أولاً يجب أن يقف في وجهه الشيعة، مرجعياتهم، قياداتهم، حركاتهم، علماؤهم، نخبهم، مفكروهم، مثقفوهم، أحزابهم مسؤوليتهم أكبر. وكذلك عندما يرتكب هذا الخطأ أو الجريمة سني فمسؤولية الأمة أن تقف في وجهه ولكنها مسؤولية السنة بالدرجة الأولى مرجعياتهم، قياداتهم، حركاتهم، علماؤهم، نخبهم، مفكروهم، مثقفوهم.. لأنه عندما يقف الشيعة في وجه المخطئ من الشيعة ويقف السنة في وجه المخطئ من السنة نستطيع أن نعالج الأخطار ونبتعد عن الحساسيات والضغائن والأحقاد.
هذه مرحلة مصيرية، لم يبق أمام الأميركيين والإسرائيليين أي أمل، هذه الأمة نهضت هذه الشعوب استيقظت، مستوى الوعي في هذه الأمة عال جداً، مستوى الكراهية لأمريكا وإسرائيل ليس له سابقة في تاريخ هذه الأمة، الروح الجهادية في هذه الأمة ترتفع يوماً بعد يوم ، لا مستقبل لأمريكا في العراق، لا مستقبل لأمريكا في المنطقة لا مستقبل لإسرائيل في فلسطين. الأمور بطبيعتها تسير في هذا الاتجاه، لكن لوعرفنا أن نحافظ على إيماننا ووعينا ووحدتنا وقدراتنا ونفسنا الجهادي وروحنا الجهادية وحضورنا في الساحة. الذي يغير هذه المعادلة 180 درجة ويخدم سيطرة أميركا وإسرائيل هو أن نتنازع أو نتقاتل وأن نتصارع وهذا ما يجب أن نتجنبه. هذه هي المسؤولية اليوم أمام هذه الحادثة، نحن نريد أن تكون دماء آية الله الفقيه المجاهد الشهيد الجامع السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه والعشرات من إخوانه الشهداء في النجف الأشرف، أن تكون هذه الدماء طريقاً لوعي الأمة ولوحدتها ولرص صفوفها ولرفع الروح الجهادية فيها في وجه المحتلين ومشاريع الهيمنة الأميركية والصهيونية، وأي اتجاه آخر، هو يخون هذه الدماء ويضيعها. أياً يكن الذين قتلوا الشهيد السيد محمد باقر الحكيم، سواءً كانوا صهاينة أو أميركيين أو منافقين أو جماعة صدام أو جماعة جاهلة متعصبة، أياً تكن الفرضية يجب أن لا نحقق أغراض القتلة من القتل ، نحن لن نستطيع أن نعيد السيد الحكيم إلى الحياة وليس مطلوباً أن نعيده إليها ولو سألناه لأبى أن يعود إلى الحياة بعد أن انتقل إلى جوار الله وداره الآمن، ولكن المطلوب أن لا نحقق أهداف القتلة الذي يريدون لأمتنا أن تُفتتن وأن تتمزق وأن تتقاتل وتتصارع. هكذا يكون الوفاء لدماء الشهيد السيد الحكيم. والشعب العراقي هنا مسؤوليته كبيرة، هذا الشعب الممتحن والمظلوم. في هذا العصر لم يعاني أي شعب في العالم العربي والإسلامي، ولم يشاهد أي شعب عربي عشر ما شاهده الشعب العراقي خلال ثلاثين عاماً من نظام صدام حسين. لوسمعتم فقط بما عانه هذا الشعب لشعرتم بالفجيعة التي ليس كمثلها فجيعة. واليوم، هذا الشعب ما زال أيضاً في داخل هذه المعاناة والفجيعة ومسؤوليته كبيرة والرهان عليه كبير.
في هذه المناسبة يجب أن أقول كلمة أخرى في ذكرى 31 آب، اليوم نظام القذافي والقذافي شخصياً يخطب ويشرح كيف وصل إلى معالجة قضية لوكربي وغيرها، من ملهى برلين إلى طائرة النيجر ويدفع مليارات دولارات، والأهم من هذه المليارات هو تحمل المسؤولية، وهو الذي تنكر لها كل هذه السنين وألحق بشعبه وببلده كل هذه الأضرار الفادحة. إذا كان حقيقة يتحدث عن شجاعة وعن حكمة وعن جرأة، هناك ملف آخر يعني الأمة، هو ملف الإمام المغيب سماحة السيد موسى الصدر ورفيقيه، فليملك نفس الجرأة والشجاعة وليكشف عن مصير الإمام وليعترف بالمسؤولية تجاه هذه القضية.
اليوم قرأت في الصحف أن مكتب الأخوة الشعبي الليبي، يعني سفارة ليبيا في لبنان وزعت بياناً سخيفاً، تؤكد فيه على بيان صادر عن اللجنة الشعبية للعدل والأمن العام، وتتهم "القوى المتصارعة في لبنان بأنها خطفت الإمام الصدر"، ويطالب البيان "اللبنانيين، القوى التي تصارعت في لبنان ووصل صراعها إلى خارج المنطقة، نتمنى أن تزودونا بالمعلومات المتوفرة لديكم". بعد 25 سنة استيقظوا أن يطلبوا معلومات من القوات المتصارعة في لبنان والتي أدت إلى تغييب الإمام الصدر؟! هذا البيان دجل ووقاحة وتنكر للحقائق. في الوقت الذي تلهث فيه السلطة في ليبيا ومعمر القذافي لرضى الأميركيين والفرنسيين والإنكليز ويدفعون مليارات الدولارات من أموال الشعب الليبي وأموال هذه الأمة ويريد منهم اعترافاً أو بسمةً أو قبولاً، هو يستهين بالشعب اللبناني وبالدولة وبالأحزاب اللبنانية. اليوم هذا البيان يتهم الأحزاب اللبنانية بأنها هي التي وقفت خلف اختطاف وتغييب الإمام موسى الصدر؟ ما هو رد الأحزاب على هذه الاتهامات؟
هل الأمن العام الليبي يريد معلومات عن السيد موسى؟! القذافي شخصياً يعرف مصير الإمام وأين هو الإمام ورفيقيه، وكل الوساطات التي قامت في الأشهر القليلة الماضية كان الليبي يفتش فيها عن مخرج. وأنا أقول المخرج هو مسؤوليتك أنت وليست مسؤولية اللبنانيين ولا شيعة لبنان ولا مسؤولية سوريا وإيران. كل أحباء الإمام موسى الصدر لا يستطيعون أن يقدموا مخرج للقذافي هو الذي يجب أن يفتش بنفسه عن مخرج، والمطلوب هو عودة الإمام الذي نصر أنه ما زال حياً في سجونه، ويجب أن نتعاطى جميعاً على هذا الأساس، وإن كنا من القوم الذين " القتل لهم عادة وكرامتهم من الله الشهادة"، ولكن مسؤولينا الإنسانية والشرعية تقول لنا أن نتعاطى مع القذافي والنظام الليبي أن الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأخ عباس بدر الدين ما زالوا أحياءً في سجونه ويجب أن يعودوا، وهو يجب أن يفتش عن مخرج.
التاريخ مع القذافي ومع صدام يكرر نفسه. لماذا موسى الصدر؟! موس الصدر الذي جريمته في لبنان أنه كان يقف ويقول أني أحمي المقاومة الفلسطينية بعمامتي ومنبري ومحرابي، لأنه كان المطلوب أن تذبح المقاومة الفلسطينية في لبنان، بفعل بعض قادتها وأبنائها وبفعل بعض الآخرين. أرادوا إزالة السيد موسى لأنه حائل دون تصفية هذه المقاومة وتضييعها. لأن السيد موسى ضمانة في الوحدة الوطنية والبعض كان يريد للبنان أن يحترق وأن تنزفه الحروب الأهلية. ماذا يفعل هؤلاء الذين يدعون أنهم قادة أمة وأنهم يعملون من أجل القدس وفلسطين وكرامة هذه الأمة، لم نر من كثير من هؤلاء إلا الخيانة والجريمة والقتل والفساد والدكتاتورية بحق أولئك الذين حملوا دمائهم على الأكف، وكانوا جاهزين دائماً للشهادة من أجل هذه الأمة وكرامتها.
كل ما يفعل الآن هو متأخر ومتأخر، ولكن أن تفعل أي شيئاً متأخراً أفضل من أن لا تفعل شيئاً.
ما أريد أن أختم به في تأبين هذا الشهيد العظيم والكبير والعزيز وهؤلاء الشهداء، شهداء المحراب وشهداء صلاة الجمعة، شهداء السعي إلى ذكر الله سبحانه وتعالى ، أقول للأميركيين والإسرائيليين، لأعداء هذه الأمة الحقيقيين: لن تستفيدوا شيئاً من قتل القادة، التجربة في لبنان وفي إيران وفي فلسطين و في العراق، تقول أن اختفاء الإمام الصدر لم يسحق ساحته وإنما دفعها عشرات السنين إلى الأمام. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. للأسف نحن أمة وشعوب لا توقظنا إلا المصيبة وفقد الأعزاء الكبار وسقوط القادة شهداء. في فلسطين، اليوم، خيار إسرائيل شطب قيادات المقاومة والانتفاضة في فلسطين، ولكن التجربة أيضاً كانت تقول قتلتم يحيى عياش هل انتهت حماس؟! بل تألقت حماس بعده. قتلتم فتحي الشقاقي هل انتهى الجهاد الإسلامي؟! بل ازداد الجهاد الإسلامي حضوراً وعنفواناً بدم الشهيد فتحي الشقاقي. قتلتم أبو علي مصطفى، قتلتم اسماعيل أبو شنب وستقتلون وتقتلون ولكن هذه الأمة في تكوينها وتركيبتها الثقافية والعاطفية والعقلية عندما تهدد بالقتل تُستفز، أما عندما تُقتل تستيقظ وتنهض وتثور ولن يقف في وجه مدها شيء على الإطلاق. إن الدماء الزكية في لبنان هي التي أعطت مقاومتنا الإسلامية كل هذا المدد المعنوي والروحي والجهادي وكل هذه القوى وهذه الحماسة والعنفوان. ماذا فعلت بنا دماء الشيخ راغب حرب والقائد السيد عباس الموسوي، هذا نفسه هو ما سنجده الآن بدأ يتفاعل في العراق لدى الشعب العراقي بكل طوائفه نتيجة الدماء الزكية التي سفكت ظلماً في جوار أمير المؤمنين (ع). ايها الأميركيون والصهاينة، مهما سفكتم من دم قادتنا فلن تستطيعوا أن تفرضوا علينا جبروتكم ولا كفركم ولا مشاريعكم. كما انتصر دم عباس الموسوي في لبنان، كما انتصرت دماء العلماء والفقهاء في إيران، كما تقترب مقاومة شعبنا الفلسطيني من ساحات التحدي الكبرى بدماء الشهداء، إن دماء الشهداء في العراق: محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر ومحمد باقر الحكيم وأسرة آل الحكيم وآل الصدر وآل بحر العلوم وكل الشهداء الأطهار والعشرات الذين استشهدوا قبل أيام، هذه الدماء ليست علامةً لليأس والضياع ولا للذل ولا للقعود، هي علامة للأمل الآتي للوعي الذي يكبر للغضب الذي يتفجر للإرادة التي تترسخ وللمقاومة وللجهاد اللذين وحدهما يحميان، يصنعان القوة ويصنعان النصر.