كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في "المؤتمر القومي العربي العام الثالث" الذي افتتح أعماله في فندق كروان بلازا في بيروت ( 24 نيسان 2003)
كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في "المؤتمر القومي العربي العام الثالث" الذي افتتح أعماله في فندق كروان بلازا في بيروت ( 24 نيسان 2003)
بسم الله الرحمن الرحيم
من شهر أيار عام 2000، شهر انتصار المقاومة في لبنان إلى الآن ونحن على مشارف أيار 2003، خلال هذا المدى الزمني القصير، حصلت أحداث كبيرة وخطيرة وجسيمة ومصيرية وتاريخية. بعض هذه الأحداث يمكن أن نقول أنها في حركة الصعود. الانتصار الجهادي المقاوم في لبنان واعتراف إسرائيل بالهزيمة وبأن لهذا الانتصار آثار استراتيجية على ما اعترف به كبار القادة الصهاينة كان حركة صعودية. الانتفاضة بعد أشهر قليلة جداً في فلسطين المحتلة بهذا الشكل الشعبي والجهادي الرائع والذي أدى إلى صحوة الأمة دفع قوسنا الصعودي إلى العلو أكثر، وبدا أن قضية الأمة الأساسية التي بدأت تتمحور حولها وتستعيد حيويتها ومحوريتها هي مسألة فلسطين. حصلت أحداث 11 أيلول. بمعزل عن اختلاف التفاسير والاجتهادات في تقييم هذا الحدث، عدنا نتيجة التطورات إلى قوس نزولي. احتلال أفغانستان وسقوط أفغانستان في قبضة أمريكا، وقبل أسابيع احتلال العراق وسقوط العراق أيضاً في قبضة الولايات المتحدة الأميركية. هذه التطورات كان لها تداعيات كبيرة وخطيرة جداً على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي والاستراتيجي.
أقف عند التداعيات النفسية والمعنوية لما حصل خلال هذين العامين ومن خلال هذين الحدثين الهائلين. أخطر ما نواجهه الآن على مستوى الأمة، وأعتقد أنه من الأسباب الأساسية لعقد هذا المؤتمر، هي حالة الإحباط واليأس وفقدان الأمل وفقدان الأفق والتيه والضياع والذهول. وأنا لا أبالغ حتى القادة والنخب احتاجوا إلى أيام ليستعيدوا وعيهم وتماسكهم أمام هول ما حصل. هذه النقطة هي التي يجب أن نرّكز على معالجتها، لأنه أي مشاريع وبرامج سياسية وإعلامية وجهادية واقتصادية وعسكرية وغيرها .. لن نستطيع أن نطبق منها شيئاً إذا كنا نستند إلى إنسان يائس ومحبط ويشعر بالعجز عن فعل أي شيء وتحقيق أي شيء.
مسؤولية النخبة في هذه الأمة التي تتحمل في هذه المرحلة قيادة شعبية، هي استعادة وبعث روح الأمل من جديد وفتح آفاق حقيقية أمام شعوبنا وأمام جماهيرنا، وليس آمال كاذبة أو آمال واهمة لأن بث وطرح آمال كاذبة تسقط أو تنكشف بعد عدة أشهر أو بعد سنوات قليلة سيكون لها آثار عكسية وسلبية وخطيرة جداً. في هذا السياق مسؤوليتنا كبيرة جداً لأننا لا نتحدث عن أمة هذا هو أول إحباط فيها وهذه هي أول هزيمة، نحن نتحدث عن أمة منذ 100 سنة تقريباً تتخبط في الهزائم وفي المصائب وفي المشاكل. حتى عندما نتحدث عن الأمل يجب أن نشيّد الأمل على قاعدة فكرية وثقافية متينة.
التركيز على الانسان وتجاوز جراحات الماضي
اليوم عندما نتحدث عن انتصار كان يمكن أن يحصل أو نتحدث عن انتصار نريد له أن يحصل وأن ينجز وأن يتحقق في المستقبل القريب في آي معركة آتية، تارة نتحدث عن الانتصار على قاعدة المعادلات والسنن والقوانين الطبيعية والمادية بمعزل عن طلب العون من الله سبحانه وتعالى، وهذا الانتصار له شروطه. وتارةً نتحدث عن قوى تتقاتل بمعزل عن الاستعانة بالله عز وجل تريد أن تواجه بعضها ويغلب بعضها البعض، هذا له شروطه وأسبابه وقانونه. وتارةً نريد أن نتحدث عن انتصار أو نتوقع انتصاراً على قاعدة السنن الطبيعية ولكن مع طلب العون والمدد من الله سبحانه وتعالى، وهذا له شروطه الخاصة أيضاً. عندما لا يقع الانتصار على القاعدة الأولى لفقد الشروط، وليس القانون خطأ. وعندما لا يقع الانتصار على القاعدة الثانية فلفقد الشروط وليس لأن القانون خطأ ولا خلف في وعد الله سبحانه وتعالى. لكن الناس عندما يحبطون هم لا يبحثون عن الخلل في الشروط، هم يشككون في أصل القاعدة التي بنوا عليها الفكرة او التصور أو الأمل.
نحن اليوم عندما نتحدث إلى أمتنا وإلى أنفسنا ونريد أن نخرج من الهزيمة ونعد العدة لنصر حقيقي كامل، يجب أن نحدد بوضوح، كل في موقعه، الشروط اللازمة للنصر ونعمل في الليل وفي النهار على توفيرها. الخطاب والحديث والبحث وحتى الدعاء لوحده هو ليس كافياً. الأمة التي تريد أن تنتصر أمامها مسؤوليات كبيرة وجسيمة وأعمال مهمة وخطيرة، ويجب أن تعمل وتجهد في الليل وفي النهار.
نحن مدعون إلى مراجعة ما حصل خلال هذه السنوات القليلة الماضية في تجربة المقاومة في لبنان وتجربة المقاومة في فلسطين، في تجربة الحرب على أفغانستان والحرب على العراق لنأخذ العبر قبل أن يطلب منا جورج بوش ذلك. إن ربنا وحضارتنا وديننا وثقافتنا وعقلنا السليم يطلب منا أن نأخذ العبرة من كل ما يجري في هذا العالم وخصوصاً إذا كان يتعلق بمصائرنا. وعندما نراجع، لا لنتشاتم ولا ليتهم بعضنا بعضاً. أنا، أدعو في هذه المناسبة إلى تجاوز جراحات الماضي ، وهذه ليست أول جراحات. عندما كانت تحصل أحداث في الماضي كانت الأمة تنقسم بين مؤيد ومعارض وأحياناً تلجأ إلى عبارات قاسية بحق بعضها البعض ثم تنتهي الأمور إلى نتائج كارثية. في ما حصل من أحداث في موضوع الحرب العراقية – الإيرانية ، في موضوع احتلال الكويت، في موضوع عاصفة الصحراء، ثم 11 أيلول ، ثم أفغانستان، والآن ما حصل في العراق. في النهاية كان هناك شكل من أشكال الانقسام في هذه الأمة. وجميعنا يعلم أن هناك أحياناً أحزاب يحصل في داخلها انقسام واختلاف في الرأي وفي الموقف، تيارات تختلف حول تعاطي مع هذا الحدث وما شاكل. الآن، ونحن ما زلنا في قلب المعركة والمعركة لم تنتهي فتح أمامنا تحديات جديدة وخطيرة جداً.
أدعو أن نتسامح في كل ما مضى، ومن نستطيع أن نستعيده إلى الموقع أو إلى المحور الذي يواجه التهديدات الأميركية الجديدة، لسوريا للبنان لفلسطين للشعب العراقي لدول وحكومات وشعوب المنطقة للجمهورية الإسلامية في إيران، علينا أن نعمل لاستعادتها. فليحتفظ كل منا بتقييمه وفكرته وحتى بجراحه إذا كان يريد أن يحتفظ بها، ولكن يجب أن لا ننسى أننا لا زلنا في قلب المعركة، ولم ندخل إلى المرحلة التي لم تعد فيها أمامنا معارك جديدة نحتاج فيها إلى بعضنا البعض لنتكاتف ونتكامل ونتعاضد. نحن بحاجة إلى هذه المراجعة. ونحن بحاجة أيضاً إلى إعادة النظر في خطة المواجهة في كل ما كنا نقوله في الماضي ونفعله لتفعيله وتحسينه وتطويره وطرح أفكار وأمور جديدة. في جانب من هذه الجوانب، وفي إطار المراجعة النقدية، وأنا هنا أتحدث عن نفسي أولاً، وعن المجموعة التي أنتمي إليها: نحن دائماً، عندما نتحدث عن ما حصل أو في تحصين المرحلة المقبلة، نتحدث عن المصالحة بين الأنظمة والشعوب وعلى أن الأنظمة يجب أن تصحح علاقاتها مع شعوبها ومع جماهيرها.. وهذا صحيح. لكن ما أريد أن أضيفه وأدعوا إليه، هو أن تصحح أيضاً نخب هذه الأمة وقياداتها وأحزابها وفصائلها ومثقفوها علاقاتها مع شعوب وجماهير هذه الأمة، لا نكتفي فقط بتوجيه النصح إلى الأنظمة ومطالبة الأنظمة، نحن أيضاً معنيون أن نصحح علاقاتنا مع شعوبنا ومع جماهيرنا وعلى أكثر من صعيد. أحياناً أقف أنا كحزب أو كحركة أو كفصيل أو كتنظيم وأعترض على دكتاتورية نظام وأنا أمارس الدكتاتورية في حزبي وفي تنظيمي وفي فصيلي. كيف يمكن لدكتاتور صغير أن يواجه دكتاتوراً كبيراً؟؟ نحن بحاجة لأن نصحح إذا كانت لدينا هناك أخطاء من هذا النوع.
أضف إلى ذلك، يجب أن نقترب من الناس أكثر. نحن نطالب الحكام أن ينزلوا من أبرامجهم العاجية إلى الناس، إلى الشارع ، إلى الجمهور. نعم، نحن أيضاً ندعو الأمناء العاميين وقادة الأحزاب ومثقفي ومفكري وعلماء ومراجع وخواص هذه الأمة الذين ما زالوا يعيشون في بروجهم العاجية أن ينزلوا من بروجهم العاجية إلى الشارع وإلى الناس ليتحسسوا آلامها وليكونوا إلى جانبها.
في المرحلة المقبلة، سلاحنا الحقيقي هو الانسان. لا تتصوروا في ظل الحصار الحالي أن تستطيع أي دولة عربية أو حركة جهادية أن تحصل على أسلحة نوعية تغيّر مسارات المعركة – الأميركون قاموا قيامتهم على سوريا بتهمة تهريب مناظر ليلية للعراق- رهاننا الأساسي هو على الإنسان، على شعوبنا وجماهيرنا وشبابنا. إذا لم تكن العلاقة القائمة، ليس فقط مع الأنظمة، حتى مع الأحزاب والنخب والمثقفين والمفكرين وقادة الرأي كما يّقال، إذا لم تكن علاقة هذه الجماهير علاقة ثقة ومحبة واحترام وتقدير سوف نفتقد هذه الجماهير في ساحات القتال وفي ساحات المواجهة المقبلة.
المصالحة بين الشعوب والنخب والأحزاب
وأضاف" نحن لدينا متسع من الوقت على ما يبدو ولكن ليس كبيراً، لتصحيح هذا الخلل وهذه العلاقة. الناس، الشعوب، فيها خير كبير، ولا ينبغي لأحد أن يلقي باللوم عليها، المشكلة في خواص الأمة وليس في عوامها. عامة الأمة فيها خير إلى يوم القيامة وقد أثبتت كل التجارب هذه الحقيقة. لكن هؤلاء الناس الذين نريد أن نقاتل معهم وأن نقاتل بهم وأن ندافع عن المقدسات والثروات والكيانات والأهداف والقيم بهم، يجب ان يكون لديهم جهوزية وروحية الاستعداد للتضحية، وهذا يرتبط بتصحيح العلاقة. حتى في موضوع الزهد، هذا لا يرتبط فقط بالقيادات الدينية أو الحركة الدينية. انظروا حتى في الحركات القومية والوطنية في كل مكان في العالم. القيادات التي كانت أقدر وأقوى تأثيراً في وسط شعوبها هي التي كانت تعيش شظف العيش، أما أن أعيش أنا وأنت في قصور وحياة مترفة ثم نأتي إلى الناس ونطلب منهم أن يقتلوا ويستشهدوا وأن يضحوا وان يبذلوا الغالي والنفيس هذه مشكلة حقيقية، لن يسمعوا لنا ولن يقبلوا منا. نحن بحاجة إلى استعادة جماهيرنا وشعوبنا، استعادة المصداقية والثقة لأنها هي السلاح القوي".
أنا لا أدعو إلى الوحدة التنظيمية ذات الطابع الاندماجي، فليكن لدينا أحزاب وفصائل وقوى وتيارات. فلنقل: هناك بركات في التنوع، لكن دائماً كان يُقال نحن نطالب بالتنوع في الوحدة. نحن في مواجهة التهديدات المقبلة، نحن بحاجة إلى هذه القوى وهذه الأحزاب وهذه الفصائل وهذه التيارات وهذه النخب الملتقية على فهم الأهداف وتشخيص العدو والوسيلة للمواجهة، كما نحن بحاجة إلى التراحم والمودة. يجب أن نتجاوز مرحلة أن نجلس مع بعضنا لننسق ثم خارج دائرة التنسيق لا يكترث أحدنا للآخر ولا لمصير الاخر ولا لما يجري عليه. فإذ انتصر لم يفرح له وإن هُزم شمت به. لا يمكن أن تقوم أمة وتصمد في مواجهة التحديات إن لم تكن تحمل روح التراحم فيما بينها. في القرآن الكريم، لم يتحدث الله سبحانه وتعالى عن الأشداء فقط، تحدث عن الرحماء بينهم. لا تكفي الشدة لتواجه عدوك، يجب أن تكون رحيماً مع أخيك لتواجها عدوكما معاً، ولتنتصرا في نهاية المطاف.
دعوة إلى الرحمة والمحبة
أدعو إلى التنوع في إطار الرحمة والمودة والمحبة، وهذا سوف يجعل تعاوننا وتنسيقنا وتكاملنا أعمق مما هو قائم ومما هو حقيقي. يجب أن نعترف، في مواجهة كل التحديات القليلة الماضية فشلنا في بعض الساحات ولأسباب حزبية أو لأسباب شخصية حتى أن نقوم بأضعف الإيمان وهو أن نأتي بالناس إلى الشارع، وأن نقدم تظاهرات قوية وكبيرة. أنا لا أحمّل أحداً المسؤولية، أنا أقول أنا أول مسؤول، وأول مخطئ. ولكن، عندما نعجز عن القيام بأضعف الإيمان كيف سنكون بمستوى مواجهة التهديد والتحدي الكبير؟؟ طبعاً، يمكننا أن نفعل ذلك، لكننا نحتاج إلى القرار والإرادة. الآن، يبدو أن البعض يريد تصفية حسابات هنا أو هناك؟؟ مخطئ من يريد أن يدخل في تصفية حسابات، هو يقدم خدمات جليلة للولايات المتحدة الأميركية ولمشروع الهيمنة الأميركية – الصهيونية على أرضنا وبلادنا ومقدساتنا. نحن اليوم مدعون للتراحم ليكون تعاوننا وتنسيقنا ومتابعتنا لكل المشاريع التي نتفق عليها من هذا الموقع ، لنكون على قلب رجل واحد نستطيع ان نواجه بكل ما للكلمة من معنى".
الانتفاضة وضعت العدو أمام تهديد جدي لأول مرة
واضاف سماحته: في الموضوع السياسي، أود أن أقول بعض الكلمات السريعة.اليوم، المستهدف قبل العرق هو فلسطين، وبعد العراق المستهدف هو فلسطين، وعندما نتحدث عن احتلال العراق فالهدف هو فلسطين من بوابة العراق، وعندما تستهدف سوريا وإيران وحركات المقاومة الهدف هو فلسطين، وحتى عندما يستهدف أي نظام عربي متحالف مع أمريكا_ ولكنه يتردد في اتخاذ بعض المواقف ويقول لا تحرجوني أمام شعبي _ سيكون أيضاً الهدف هو فلسطين. لقد عجزت أمريكا وإسرائيل عن فرض تسوية على الفلسطينيين. الفلسطينيون من خلال انتفاضتهم وصمودهم الأسطوري، وضعوا وجود "دولة إسرائيل" أمام تهديد جدي استراتيجي لأول مرة منذ خمسين عاماً، وهذا كلام جدي وليس فيه مبالغة، وغير صحيح أن هذا كلام لتبرير الهجمة الإسرائيلية على الفلسطينيين، هذا حقيقة وواقع. وكل الضغوط على الشعب الفلسطيني عجزت عن فرض خارطة طريق. ويبدو أن الأميركيين بعدما وجدوا أن شعب فلسطين باللحم العاري بالدم بالرفض الشديد لا يمكن أن يلين أو يتراجع وحسم خياراه، لجأوا إلى خيار تطبيق خارطة طريق على مستوى المنطقة، لفرض خارطة طريق في فلسطين. وأي نظام عربي لا يساعد الأميركيين على تطبيق خارطة الطريق، سيقال له عليك أن ترحل، هناك بدائل عميلة جاهزة لأكثر من خارطة الطريق، جاهزة لإعتراف بإسرائيل ومد أنابيب نفط لها والتعاون معها والقبول بما هو اسوأ من خارطة الطريق.
المطلوب أن لا تجد المقاومة في العراق أي غطاء
التهديد اليوم، في الحقيقة، يستهدف فلسطين بالدرجة الأولى، والهدف الثاني هو أن تمكّن الولايات المتحدة الأميركية من إتمام وإحكام سيطرتها على العراق. يعني أن لا يقف أحد في هذه الأمة ويقول للشعب العراقي هذا احتلال وخداع وكذب وأن طريقكم الحقيقي والصحيح هو المقاومة لتحرير أرضكم بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، وانتم تنتخبون الزمان والمكان وبالطريقة التي يختارها المقاومون.
المطلوب أن لا تجد المقاومة في العراق أي غطاء رسمي. إذا كانت المقاومة في لبنان حظيت في يوم من الأيام ببعض الغطاء الرسمي، إذا كانت المقاومة في فلسطين حظيت في يوم من الأيام ببعض الغطاء الرسمي، المطلوب أن لا تحظى المقاومة في العراق بأي غطاء رسمي. وسيقف الكثيرون امام أول طلقة تطلق ليقولوا هذه منظمات إرهابية وأعمال إرهابية ويتعاطى معهم على أساس أنهم إرهابيون؟؟ طبعاً، في هذا السياق يجب أن نقدر موقف سماحة الإمام السيد الخامنئي الذي أعلن أنهم لن يقفوا على الحياد في صراع الشعب العراقي مع المحتلين، كما أنهم لم يقفوا على الحياد في صراع الشعب اللبناني مع المحتلين، كما أنهم لم يقفوا على الحياد في صراع الشعب الفلسطيني مع المحتلين.
احتضان الشعب العراقي
في مواجهة المرحلة المقبلة نحن مدعوون إلى احتضان الشعب العراقي، ولنعينه ولنكون في خدمته ولنساعده على معالجة جراحه. وهذا شعب له تاريخ وله حضارة وهو واجه في بداية القرن الماضي أقوى قوى عظمى في العالم، بريطانيا في ذلك الحين، واستطاع أن يقاتلها وأن يهزمها، وبالتالي هو شعب يمكن الرهان عليه.
أخطر ما يواجه هذا الشعب الآن هو مشاريع الفتن التي تملك بريطانيا خبرة عريقة فيها أكثر من الأميركيين، والأميركيون يتعلمون الآن في مدرسة الإنكليز في العراق. نحن في هذا المؤتمر بتياراتنا القومية الإسلامية، بشخصياتنا القومية والإسلامية ومن خلال صداقاتنا على الساحة العراقية يجب أن نوظف كل هذه العلاقات لمساعدة الشعب العراقي على تحصين وحدته الوطنية الداخلية وقطع الطريق على أي من مشاريع الفتن التي يمكن أن تحضّر أو تجهّز له، ويمكن الرهان على هذا الشعب.
الوقوف بجانب سوريا
فيما يتعلق بالتهديد لسوريا، أقول هذا التهديد جدي. صحيح أن القيادة في سوريا لها من شجاعة التمسك بالثوابت وحكمة ومرونة التعاطي مع الضغوط، الكثير، ولكن، في نهاية المطاف، نحن الآن أمام واقع جديد. أمريكا التي تريد أن تحاسب فرنسا على موقفها هي لن تتسامح بهذه البساطة مع أحد. اليوم، المطلوب كبير وكبير جداً وسيمس بالثوابت التي لا تقبل القيادة السورية ان تمس بها في كل الأحوال. نحن مدعون إلى الوقوف إلى جانب سوريا. سوريا اليوم هي القلعة العربية الأخيرة، وعامود الخيمة الذي هو المستهدف الآن، حتى تهوي هذه الخيمة على الأرض، وبالتالي تواجه حركات ومشروع المقاومة بالتصفية. ونحن هنا، أمام وقاحة أميركية، ففي الوقت الذي تهاجم فيه الجيوش الأميركية أرض العراق لتحتله، تطالب الإدارة الأميركية سوريا أن تخرج قواتها من لبنان وتصفها بقوات احتلال، وهي دخلت بطلب من اللبنانيين وبقيت بطلب من اللبنانيين وستبقى بطلب من اللبنانيين. في الوقت الذي تطالب فيه الولايات المتحدة الأميركية سوريا بإغلاق مكاتب إعلامية للفصائل الفلسطينية، وبالتحديد حماس والجهاد، ولكنها تتفق مع "مجاهدي خلق" المعارضة الإيرانية المسلحة على الاحتفاظ بثكناتها وأسلحتها ودباباتها وهي على لائحة الإرهاب الأميركية؟ المطلوب من سوريا أن تغلق مكاتب إعلامية، ولكن هي تسمح بالاحتفاظ بقوى وثكنات لمنظمة هي تضعها على لائحة الإرهاب؟؟ نحن أمام واقع لا يوجد فيه لا قيم ولا موازين ولا ضوابط. وبالتالي هناك منطق القوة ومنطق العلو الذي يجب أن يواجه بالصمود وبالمقاومة.
مدعون جميعاً للدفاع عن سوريا، لأن سوريا تستحق أن يُدافع عنها، ولأن في الدفاع عنها دفاع عن فلسطين وعن بقية الكرامة والأمل الأفق في هذه الأمة العربية.
أدعو القيادة في سوريا والقيادة في لبنان وهذا المؤتمر الكريم إلى التعاطي مع التهديدات بشكل جدي، حتى احتمال العدون العسكري، سواءً قلنا أن هذا الاحتمال ضئيل أو كبير، يجب أن نبني على أسوأ الاحتمالات مع هذه الإدارة الأميركية، وبالتالي يجب أن نتجهز من الآن لمواجهتها. لا نقول أن هذه الغيمة بدأت تتلاشى، نحن أمام غيمة وُلدت في لحظة سقوط بغداد حيث لم يكن يتوقع أحد أن يُفتح ملف سوريا ويُهجم عليها بهذه الطريقة. الإدارة الأميركية لديها ملفات ولديها إرادة وجهوزية لفتح أي ملف بين ليلة وضحاها، ولديها من الماكينة الإعلامية والسياسية والعملاء على امتداد العالم ما يمكنها من تكبير ملف خلال أيام. نحن أمة مستهدفة، يجب أن نتعاطى على أساس أن هذا العدوان احتمال جدي، ويمكن أن يحصل، ويجب أن نتجهز له. إن لم يحصل "كفى الله المؤمنين القتال"، وإن حصل لا نفاجأ. لعل من أخطاء التجربة الماضية أن البعض كان يراهن على أن الحرب في نهاية المطاف لن تقع. كان يستقوي بالفيتو الفرنسي أو الروسي أكثر مما يعد للمعركة عدتها. يجب أن لا نرتكب هذا الخطأ. يجب أن نعرف أننا في مواجهة المشروع الأميركي والصهيوني الذي يستهدف أمتنا ومنطقتنا، لا يحمينا أحد في هذا العالم. الذي يحمينا هو ربنا إن توكلنا عليه، وهي شعوبنا وأمتنا وجهوزيتنا. ونحن نستطيع أن ننتصر.
ما جرى في أم القصر والفاو والناصرية والبصرة في الأيام الأولى للعدوان الأميركي على العراق، حيث أدى تعرض القوات الأميركية، لمقاومة وسقوط بعض القتلى إلى خلافات بين المسؤولين الأميركيين وبدأوا بتحميل بعضهم مسؤولية الاخفاق. هذا هو عدونا، رغم أنه يملك الكثير من القوة ولكنه يملك الكثير من نقاط الضعف. وأداء الجنود الإسرائيليين على الرغم من ضعفهم وجبنهم هو أفضل عسكرياً وميدانياً من أداء الجندي الأميركي، وهذا الجندي هُزم في لبنان وهُزم في فلسطين، هذا الجندي يدخل إلى نابلس وهو مختبئ في دبابته ويصعد صبية فلسطين على ظهر الدبابة ليغنموا منها ما يمكن أن يغنموا.
التصميم على مواجهة العدوان حتى آخر قطرة دم
وفيما يعني لبنان، في حال استهداف هذا البلد، نحن مصممون على مواجهة أي عدوان حتى آخر نفس وقطرة دم وطلقة. ما جرى لم يضعف إيماننا بل زادنا إيماناً بما نؤمن به وبما نفكر به.
منذ 25 أيار 2000، الهزيمة الإسرائيلية من لبنان، هذه المقاومة تعد العدة لحرب آتية، لأننا كنا مقتنعين بأن إسرائيل لن تسكت على هزيمتها في لبنان، ستنتقم من لبنان إن عاجلاً أم آجلاً ، سواءً حصلت انتفاضة بعد اشهر أو لم تحصل. نحن نعد العدة من 26 أيار2000 لمواجهة أي عدوان إسرائيل أو غير إسرائيلي، أميركي مثلاً، على لبنان. ولا أقول أننا سنمنعهم من الدخول إلى أرضنا، ولا أقول نمنعهم من الدخول إلى مدننا أو قرانا، ولكنني بكل يقين أقول إن دخولهم إلى أرضنا أو قرانا أو مدننا سيكون مكلفاً جداً جداً. وبكل يقين أقول: هم لن يستطيعوا أن يبقوا في أرضنا ومدننا وقرانا حتى الأميركيين أنفسهم، ولدينا من إرادة القتال وعزيمة الجهاد وروح الاستشهاد ما يجعلنا نتكأ على ما هو مكين ومتين إنشاء الله. نحن نستند على قاعدة وعلى شعب وعلى جمهور مجرّب خلال 20 سنة من المقاومة. هذه المقاومة لم تهرم في يوم من الأيام، لم تترهل. جيل الشباب كما هو الحال في فلسطين، أجيال من الشباب، يقتلون كادراً عمره 25 سنة فيسلتم بعده ابن 23. يقتلون ابن 23 فيسلتم ابن 20 وهكذا .. نحن نستند على هذه القاعدة القوية إنشاء الله وأملنا كبير جداً، من خلال سعينا الدؤوب إلى تحقيق شروط النصر، أن ننتصر.
اليوم عندما يتمدد الأميركيون ويدخلون في معركة مباشرة مع الأمة، للأسف الشديد نقول: إن قدرة شعوبنا على طرد الغزاة المحتلين ولو كانوا قوى عظمى وجبابرة، هي أكبر بكثير من قدرة شعوبنا على تغيير أنظمتها. لأن تغيير الأنظمة فتنة داخلية، يختلط فيها الحق والباطل ويتيه فيها الناس وتختلط فيها المشاعر. أما في مواجهة الغزاة والمحتلين: حق بيّن وباطل بيّن. في الحق البيّن والباطل البيّن والأمة المودع فيها الخير لا يمكن أن نتوقع لها إلا أن تنتصر. شاءت المشيئة الإلهية أن نكون نحن الحضّار هنا في زمن تواجه أمتنا فيه تحدي بهذا المستوى التاريخي والمصيري. آمل وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لنكون في مستوى هذا التحدي.