كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله خلال حفل إفطار أقامه حزب الله تكريماً لفعاليات ساحل المتن الجنوبي 15-11-2003
أبدى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله استعداد حزب الله لتحمل المسؤولية في أحلك الأزمات الداخلية بشرط ألا يترك وحده في الساحة، واعتبر أن وقوف الشعب اللبناني موقف المتفرج من هذه الأزمة يدعو إلى الألم والحزن، داعياً إلى تطبيق جولة من الخطوات تعتبر حلولاً سياسية للأزمة الاقتصادية.
وخلال حفل إفطار أقامه حزب الله تكريماً لفعاليات ساحل المتن الجنوبي، أكد سماحته على ضرورة الإسراع بمعالجة كل الجوانب العالقة في ملف إعادة المهجرين، وأن يبقى في منطقة الضاحية الجنوبية هذا التنوع الذي نعتبره قوة للمنطقة وقوة للبنان، مشيرا إلى أنّ الفرز الطائفي أمر خطير على المستوى السكاني والديموغرافي لأنه في كل الأحوال يهيئ الأرضية لأية مخططات مشبوهة في المستقبل، ولكن الاندماج السكاني والتنوع السكاني في المناطق يشكل عاملاً مساعداً لتجنب أي فتنة أو حرب أهلية – لا سمح الله- أو مخططات مشبوهة، وخصوصاً أن رياح التشتيت والتشظّي والتمزيق تحت عناوين الديموقراطية وحقوق الأقليات وما شاكل يبدو أنها بدأت تجتاح المنطقة.
وأكّد سماحته أنّ هناك مسائل أساسية لا يمكن العيش بدونها، وفي مقدمتها: الأمن والمعيشة وبدون هذان الأمران لا يمكن التحدث عن أية أمور أخرى. وأوضح أنّ الأمن في الداخل يحتاج إلى وفاق سياسي وسلم أهلي ومؤسسات دولة، وفي مواجهة العدو يحتاج الأمن إلى مقاومة، والمقاومة التي تمثلها الدولة والجيش والشعب والتي قد تتجسد في حركة مقاومة ميدانية شعبية. أضاف : نحن كجزء من الشعب اللبناني تحملنا هذا الواجب وهذه المسؤولية وذهبنا إلى المقاومة... واليوم في مواجهة تهديدات موفاز المتجددة في واشنطن وفي مواجهة المناورات العسكرية الإسرائيلية على الحدود اللبنانية السورية والتي هي مناورات تهويل وتهديد أيضاً قوتنا في أننا نملك المقاومة وإرادة المقاومة وهذا ما يحسب العدو له كل حساب، ونحن أخذنا على عاتقنا هذا الواجب وهذه المسؤولية.
وأكّد سماحته أنّ من أهم المسؤوليات التي تحملناها من أجل أداء واجب المقاومة وتأمين هذا الجزء من الأمن لوطننا ولشعبنا، سَعْيَنَا وبَذْلَنَا جهودا كبيرة لتبقى المقاومة خارج ساحة الصراع السياسي في البلد.
وأضاف : عندما تريد أن تتوجه لتحمل المسؤوليات في الداخل فمن أبسط الأمور أن تقف لتقول كلمة الحق ولكن كلمة الحق في لبنان لا تزعج القلة بل تزعج الكثيرين. وعندما تريد أن تتوجه إلى الداخل في ممارسة سياسية فاعلة جدية منتجة وليس استعراضية، سيدخلك الآخرون في ساحة الصراع، وفي نفس الوقت أنت مقاومة تريد أن تحمي البلد، فكيف توفق بين أن تتحمل مسؤولية حماية البلد فتبقى مقاومتك خارج الصراع، ومسؤولية الأوضاع الداخلية والتصدي لها. وقال : هذا أمر معقد.. اقتضى أن نتعاطى مع بعض الملفات الداخلية بطريقة هادئة ومسؤولة وابتعدنا ما استطعنا عن السجالات والصراعات الداخلية، واعتبر البعض أن هذه نقطة ضعف يمكن أن تستغل لفرض تسويات معينة. لكن بكل الأحوال نحن مصرون على تحمل هذه المسؤولية لأن بلدنا ما زال في دائرة الخطر والتهديد".
وأشار السيد نصر الله إلى أنّه من المؤسف والمحزن أحياناً أن ترى في كل يوم أن شارون وموفاز وحكومة العدو ورئيس أركان جيش العدو مشغولون بلبنان، بينما المسؤولون في السلطة مشغولون ببعضهم البعض، وكأن لبنان جزيرة في المحيط الهندي ليس لها جار يعتدي ويتآمر عليها اسمه "إسرائيل".
وأكّد أننا لن نتخلى عن مسؤولية حماية هذا الشعب الشريف وهذا الوطن الذي نحبه والذي هو وطننا لبنان، ولو تخلى من تخلى أو ضاع من ضاع وتاه من تاه في انتخاب ساحات خاطئة لمعارك خاطئة في أزمنة خاطئة وأماكن خاطئة".
وأعلن سماحته أنّه بالرغم من تحمل حزب الله لمسؤولية المقاومة فهو جاهز لأن يتحمل أكبر وأخطر المسؤوليات في الوضع الداخلي ولكن بشرط أن لا يبقى وحده في الساحة، وأن يضمن بأنه إذا تحرك في الوضع الداخلي لن يزج بمقاومته في ساحة الصراع ولن يُتَآَمَر عليها من خلال الملفات الداخلية والناس هم الضمانة، يجب أن يكون الناس مستعدين للحضور.
أضاف : نحن مستعدون أيضاً لنكون أمامكم وليس خلفكم، و كنت دائما أقول للاتحاد العمالي العام: نحن من المصلحة أن نكون ورائكم وإلى جانبكم وليس أمامكم، ولكن اليوم أنا أقول لكل اللبنانيين والحريصين على أن يستنقذوا بقية رمق العيش من حياة المواطنين اللبنانيين، نحن حاضرون أن نكون أمامكم وليس لدينا أي حسابات ولا نريد أي مكاسب. نريد أن نكون أمامكم لندافع عنكم ولنخدمكم ولكن لكي تقفوا وتنتصروا يجب أن تكونوا أنتم حاضرين أيضاً، ونحن لوحدنا يمكن أن نهزم الإسرائيلي، ولكن لوحدنا لا نستطيع أن نعالج أزمات سياسية واجتماعية ومعيشة واقتصادية...
وأكّد أنّ المطلوب أن يضغط الشعب على الدولة لتتحمل مسؤوليتها وتقوم بواجبها، وللأسف نحتاج للضغط على المسؤول ليقوم بواجبه. وتساءل إذا كان هذا المسؤول لا يريد القيام بواجبه فلماذا يتصدى للمسؤولية؟ والعلاج هو في أن يقوم الناس بالضغط على الدولة ومسؤوليها وأركانها ومؤسساتها وإداراتها لتحمل واجباتهم وللعمل يداً واحدة وبجدية من أجل معالجة هذه الأزمة، لافتا أن الدولة غائبة عن الأزمة وغارقة في نزاعاتها والاستحقاقات الآتية، ومن يملك القدرة للإمكانية والمعالجة مشغول في مكان آخر...
أضاف : قد يُقال اليوم أن الحل هو في تغيير كل هذا الطاقم السياسي كما يقول البعض، وأنا أقول نحن لا نبحث عن حلول سحرية، هناك عنوانان كبيران يمكن أن يساعدا في معالجة الأوضاع القائمة: العنوان الأول هو وقف الهدر والسرقة والسمسرة والنهب، متسائلا أما آن لهذه البطون أن تشبع، أم آن لهذه الصناديق أن تمتلئ، أما لهذه الأطماع من حد؟، وقال : أوقفوا هذا الأمر. أوقفوا أنفسكم وحواشيكم وأتباعكم ومن حولكم عن نهب إمكانات وخيارات هذا البلد، واتركوا الملفات القديمة لمرحلة يستطيع فيها البلد ويتحمل أن تفتح ملفات من هذا النوع وإذا أردتم فتح بعض الملفات فافتحوا كل الملفات وليس بعضها، وإذا كان هناك برنامج لدى السلطة لمحاسبة كل المخطئين والمفسدين والناهبين لأموال الدولة فليكن برنامجا شفافا شاملا كاملا ونحن أول المؤيدين وأول الداعمين، مشددّا على ضرورة فصل الإدارة والإنماء عن السياسية وعلى أن يكون تنفيذ الخطط الإنمائيّة وتمويلها في جميع المناطق اللبنانية بمعزل عن طائفة هذه المناطق واتجاهاتها السياسية.
وتحدّث سماحته عن استخدام معيشة الناس كسلاح في الصراع السياسي الداخلي، وقال : لا يجوز أن يقاتل فريق فريق آخر بمعيشة الناس ولقمة عيشهم، وهذا أمر يجب أن يكون خارج أي نزاع، مؤكدا أنّه من أوجب واجبات الدولة على اختلاف مسؤليها هو تأمين مستلزمات العيش الضرورية للناس وإلاّ هي دولة مغتصبة لأنّها لا تؤدي أبسط حقوقهم في الوقت الذي تتقاضى منهم الرسوم والضرائب وتحكم باسمهم وتتسلط عليهم بحجة تمثيلها وحكمها باسم الشعب.
وأشار سماحته إلى فئات كبيرة من الشعب اللبناني محرومة ومستضعفة وهذا الأمر ليس مقتصرا لا على طائفة ولا على فئة ولا على منطقة وإن كان هناك في كل الأحوال بعض المناطق التي قد يكون وضعها أصعب وأسوء من مناطق أخرى، وتساءل لماذا التمييز المناطقي ولماذا يوجد شرائح شعبية مضطهدة في لبنان وهنا لا أتحدث عن اضطهاد سياسي بل أتحدث عن اضطهاد معيشي واجتماعي؟، لماذا تتخلى الدولة عن هذه المسؤولية ولماذا وزارات وإدارات الدولة تتخلى عن هذه المسؤولية في الوقت الذي يقال أنّ جميع اللبنانيين متساوون في الحقوق والواجبات؟.
أضاف : إن ما هو واجب ولازم أصبح جزءا من أسلحة الصراع في السلطة، وجواب السؤال التالي : أنت مع من؟ يدخلك الجنّة أو يدخلك النار، فالمواطنية لا تعطيك حق العيش في هذا البلد وإنّما الولاء السياسي لهذا الزعيم أو ذاك الزعيم هو الذي يعطيك حق العيش في هذا البلد...
وتساءل سماحته هل يستطيع هذا الشعب أن يحاسب مسؤولي الدولة والسلطة؟، وقال : إذا كان هذا الشعب يرى نفسه جديرا بالحياة الكريمة يجب أن يملك شجاعة أن يحاسب كل السلطة وكل الدولة وكل المسؤولين في مواقع المسؤولية، لكن أن يكتفي هذا الشعب بالتفرج بل أحيانا بالمشاركة في هذه الصراعات والنزاعات فهو أمر يدعو للألم والحزن.