كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في يوم العاشر من محرم 13-3-2003
لمناسبة العاشر من محرم ، نظم حزب الله "مسيرات الحق الحسيني المقاوم للغطرسة الأميركية الصهيونية والنصرة للمقاومة في لبنان وفلسطين" وجابت هذه المسيرات الجماهيرية الحاشدة مختلف المدن اللبنانية ابتداءً من العاصمة بيروت والضاحية وشملت مدن بعلبك والهرمل ومشغرة وصور وبنت جبيل والخيام. وفي ختام المسيرة المركزية التي انطلقت في الضاحية الجنوبية وتقدمها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله وشخصيات رسمية وسياسية ونيابية وحزبية وانتهت في ساحة القدس، ألقى السيد نصر الله الكلمة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً". وفي كل عام في مثل هذا اليوم، يلتقي أولئك الذين ما زالوا ينتظرون وما بدلوا تبديلاً ، يلتقي أولئك الذين ينتظرون في ساحات المقاومة والجهاد والصمود والتحدي. يلتقي هؤلاء المنتظرون الذين ما بدلوا بأولئك الذين قضوا نحبهم في ساحات الجهاد والمقاومة والشهادة وما بدلوا تبديلاً.
نلتقي اليوم في كربلاء الممتدة في الأرض وفي الجغرافيا، في يوم عاشوراء الممتد في الزمن وفي التاريخ، لسنتعيد الموقف والروح ولنستلهم الإرادة والعزم، لنستحضر كربلاء من جديد، وما جرى فيها من بطولات وتضحيات جسام من إرادة عزم وتصميم وعشق وإيثار وتحمل كبير للمسؤولية تجاه الأمة والانسانية والإسلام.
كربلاء هذه، ليست لفئة من الناس دون فئة، وليست لطائفة من المسلمين دون طائفة، وهي أيضاً ليست للمسلمين لوحدهم. كربلاء في الدائرة الإسلامية، هي ثروة إسلامية إيمانية أخلاقية جهادية راقية. وهي أيضاً، في الدائرة الانسانية ثروة إنسانية جهادية أخلاقية راقية.
من كربلاء، يمكن أن يتعلم كل مظلوم كيف ينتصر من ظالمه، ويمكن أن يتعلم كل معذب ومستضعف ومحاصر كيف يواجه جلاديه ومحتلي أرضه والذين يطبقون عليه الحصار. كربلاء درس لكل إنسان يريد أن يستعيد الحق ويصل إلى الحق الانساني المودع فيه. من هنا، نقف اليوم مع الحسين (ع)، نستعيد ذكراه وموقفه وصلابته، وفي هذه المرحلة بالتحديد، التي نعيش فيها كأمة، كمسلمين، وفي الدائرة الأوسع: كشعوب مستضعفة، نعيش حالة شبيهة بحالة الحسين، في حالة الحصار وتجييش الجيوش واستخدام المال والسلاح والإعلام لفرض الباطل وسفك الدماء وانتهاك كرامات الناس. اليوم، عندما تقف الأمة كلها في مواجهة أميركا، والتي وضعت أمتنا أمام خيارين، كذلك الذي فعله يزيد وعبيد الله بن زياد وجيش الكوفة في يوم كربلاء عندما وضعوا الحسين وصحبه وأهل بيته ونساؤه وأطفاله أمام خيارين: إما الحرب والقتل والقتال وسفك الدماء والسبي وإما الاستستلام، إما القبول بالشروط المذلة وإعطاء البيعة والشرعية للظالم والمُضطهد والمغتصب والقاتل ومعلن الحرب على الدين والقيم والأخلاق والانسان والحرمات ومكة والمدينة ودين محمد وكتابه السماوي. ولكن الحسين مع قلة الناصر وخذلان الناس وقف في تلك الساحة ليعلن موقفاً أبدياً، يمكن لكل أمة وشعب وفئة أن تستلهمه: ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين : بين السلة وبين الذلة. وضعني أمام خيارين: إما الحرب والقتل والسبي، وإما البيعة على شروطه المذلة.؟ ما هو الموقف يا أبا عبد الله يوم العاشر من محرم سنة61 للهجرة؟ وما هو الموقف إلى قيام الساعة؟ يقول الحسين في ساحة الحصار والجهاد والشهادة : هيهات منا الذلة.
اليوم، نحن أحوج ما نكون إلى هذا الموقف، إلى النفوس الأبية والأنوف الحمية، والأنفس الأرواح الطيبة التي ترفض الهوان والذل. اليوم، ونحن نجتمع هنا لنعلن الموقف من قضايانا ومن مرحلتنا المصيرية، لا نتعلم من الحسين أن نأخذ الموقف فقط، بل نتعلم من الحسين أيضا،ً أن نثبت على هذا الموقف، ونقدم التضحيات ونكون مستعدين للعطاء بلا حدود. عطاء الأنفس وفلذات الأكباد والحياة، وهذا هو أعظم درس من كربلاء. كربلاء من أولها لأخرها هي تضحية وصبر وجود وعطاء وصمود وشموخ، وهذا ما يجب أن نتعلمه لتبقى هيهات منا الذلة موقفاً لا يتزحزح ولو كثر الشهداء وسالت الدماء وأصابنا العطشى والجوع والحصار والحرب، لا يمكن أن تتزلزل فينا إرادة الموقف، ولا عزم المواجهة. وهكذا من الروح الحسينية نتعلم أن نكتشف الإرادة والعزم التي تقف خلف موقف "هيهات منا الذلة".
اليوم، نحن نواجه ، مرحلة تاريخية ومصيرية ، وعصيبة جداً. وأول ما نحتاجه في مواجهة هذه المرحلة، هو الاحساس بالمسؤولية وتحمل المسؤولية. الحسين لم يجلس في بيته، ولم يبخل بنفسه ولا بعائلته ولا بأهله ولا بأصحابه، ولم يفتش عن أمنه وحياته الشخصيـة. الحسين كان يحمل حساً عظيماً بالمسؤولية تجاها هذه الأمة وتجاه هذا الدين وهذا المستقبل. أعظم ما نحتاج إليه اليوم ، هو هذا الاحساس بالمسؤولية، وثانياً تحمل هذه المسؤولية وتحمل تبعاتها.
أريد أن أتحدث عن بعض الساحات التي نتواجد فيها، وتواجه فيها أمتنا هذا التحدي.
لبنان
في لبنان يجب أن نعتز بالوحدة الوطنية التي تجلت من جديد في موقف اللبنانيين جميعاً باختلاف طوائفهم وانتماءاتهام واتجاهاتهم السياسية وأحزابهم ومناطقهم. الوحدة الوطنية لتي عبّر عنها اللبنانيون مسلمون ومسيحيون في رفضهم لهذا العدوان الأميركي الصهيوني على الأمة، وإدانهتم لهذه الحرب الأميركية المعلنة على المنطقة وعلى عالمنا العربي والإسلامي بكل أهدافها التي باتت واضحة، ولا تحتاج إلى إعادة تذكير. لا بد من الإشادة أيضاً، بالموقف الرسمي اللبناني وبالأخص مواقف وخطب رئيس الجمهورية العماد إميل لحود.ونحن في هذه المرحلة نحتاج إلى أن نكرّس هذه الوحدة وأن لا نضيع هذه الفرصة وأن نستفيد من تلاقي اللبنانيين في موقف تاريخي كبير من هذا الحجم وبهذا المستوى للتغلب على الكثير من الصعوبات التي تمزق ساحتنا الوطنية الداخلية وتهددها بين حين وآخر.
نحن اليوم في لبنان بحاجة إلى هذه الوحدة الوطنية، وإلى أن نشد جميعاً على يد رئيس الجمهورية الذي كانت لها مواقف وطنية وقومية ممتازة طوال السنوات الماضية وخصوصاً في قضية المقاومة في مواجهة إسرائيل،ونحن اليوم بحاجة إلى هكذا رجال وإلى هكذا مواقف وإلى هكذا تلاقي بين اللبنانيين.
اللبنانيون عندما يتوحدون في هذا الموقف الكبير ويدافعون عن الأمة وعن إخوانهم من شعوب هذه المنطقة،إنما هم في الحقيقة يدافعون بالدرجة الأولى عن لبنان، لأن لبنان أولاً وأخيراً في دائرة الاستهداف الأميركي والصهيوني، وفي دائرة الأطماع الأميركية والصهيونية. أيضاً على المستوى اللبناني ، وفي الأيام القليلة المقبلة، أو الأسابيع القليلة المقبلة التي يبدو أن الحرب ستقرع بابها في المنطقة وفي العراق، يجب أن لا يطمئن أحد هنا- لا يجوز أن ننشر حالة الهلع بين الناس ، ولكن أيضاً، لا يجوز أن يشعر الناس في لبنان أنهم بمعزل عن الخطر، لأننا هنا، نخدعهم ولا نقول لهم الحقيقة. لبنان الذي يعيش بجوار دولة إرهابية متوحشة تقودها أبشع حكومة إرهابية على رأسها شارون الذي ارتكب المجازر في صبرا وشاتيلا واجتاح لبنان سنة 1982، لا يجوز لأحد أن يأمن جانب هذا الكيان ويطمئن لوعود من هنا أو وعود من هناك. وبالتالي يجب أن تبقى حالة الحذر وكل ما يستلزمه هذا الاحتمال من جهوزية وحضور سياسي وشعبي ونفسي ومعنوي وعسكري ومن تلاقي المجاهدين والمقاومين من مختلف الأطر والاتجاهات وبالتنسيق مع الجيش اللبناني الوطني والقوات العربية السورية المتواجدة على الأرض اللبنانية، لنجدد الموقف: إن شن حرب أميركية على العراق وعلى المنطقة، لن يضعف من عزيمتنا، ولا يتصور شارون أن منظر الطائرات والصواريخ والتسعة طن التي شاهدناها على شاشات التلفزة والتي يمكن أن تسقط في هذا البلد العربي أو ذاك البلد العربي ، يمكن أن تفت من عضدنا في لبنان وتجعلنا نضعف أو نهن أمام أي عدوان جديد. باسم الصامدين والمجاهدين، أجدد عزمنا وإصراراً وموقفنا على مواجهة أي عدوان إسرائيلي على بلدنا وشعبنا بكل قوة وبكل صلابة وبكل جهوزية وبأمل كبير بالانتصار، وأجدد الموقف وأقول: إن أي عدوان جديد على لبنان، نتيجته الهزيمة والعار والذل لإسرائيل. هنا، نحن مصممون على القتال بكل مقاتلينا وشبابنا ورجالنا ونسائنا وإمكانياتنا ومستعدون للشهادة ولصنع الملاحم وسنثبت أن لبنان كان مقبرة للغزاة الصهاينة وسيكون مقبرة للغزاة الصهاينة. (...)
على المستوى الوطني، يجب أن تبادر قيادات الدولة والقيادات الروحية والسياسية إلى فعل كل ما يحصن هذه الساحة الداخلية وهذه مسؤولية كبيرة جداً، وهذه فرصة مهمة جداً. وعندما ندعو إلى تجميد بعض الملفات الداخلية، إنما نقصد ملفات النزاع والخصام والتنافس والمحاصصة والتسابق على المغانم، ولكن هناك ملفات داخلية لا يجوز أن تتوقف في يوم من الأيام ، وخصوصاً مواجهة الأزمة المعيشية وقضايا الحرمان في مناطق الحرمان والإهمال والتي تعيشها أكثر من منطقة في لبنان. الحمد الله، نحن في لبنان، ننعم بموقف سياسي رسمي جيد ولا نعيش مشكلة حادة وكبيرة على مستوى العلاقة بين الناس وبين النظام لسبب أو لآخر، ولكن أقول هنا، للدولة وللحكومة أن هذه هي المرحلة التي يجب أن تقتربوا فيها أكثر من المحرومين والفقراء والمساكين وسكان وأهالي المناطق المستضعفة والمحرومة والفقيرة ، لأننا في مراحل التحدي الكبيرة سوف نجد أن سكان هذه المناطق هي الأكثر استعداداً للتضحية وبذل الدماء للدفاع عن هذا الوطن وهذه الأمة. إن مسألة معالجة الإهمال في المناطق المحرومة اللبنانية، يجب أن تكون جزءً من برنامج التحصين والجهوزية والاستعداد لكل التحديات القائمة والمقبلة.
فلسطين
أنتقل إلى فلسطين المحتلة لأقول: أن تظاهرتنا العظيمة هذه اليوم هنا في الضاحية الجنوبية وبقية التظاهرات في بقية المناطق اللبنانية، عنوانها الأصلي هو : التضامن مع الشعب الفلسطيني المقاوم والمجاهد والمنتفض. هذه الأعلام الفلسطينية التي رفعت بالآلاف، هي تعبير رمزي عن هذا الموقف وعن هذا التضامن. ونقول لإخواننا في فلسطين: ثقوا تماماً أنكم استطعتم أن تحققوا انجازات عظيمة في فترة زمنية قصيرة وقياسية. سوف يأتي من يقول لكم: إن انتفاضتكم لا أمل فيها ولم تحقق شيئاً! هذا خداع وكذب ونفاق وخيانة لدماء الشهداء ودموع الأيتام والأرامل في فلسطين المحتلة. الحقيقة أن هذه الانتفاضة والمقاومة في فلسطين، استطاعت أن تهز هذا الكيان الصهيوني وأن تضعه للمرة الأولى منذ 50 سنة أمام خطر البقاء والوجود والإزالة والفناء. هذه ليست شعارات، من يتابع انعكاسات الانتفاضة على الكيان الصهيوني سياسياً ونفسياً واقتصادياً، يعرف أن ما أقوله هو الحقيقة بعينها. إن من جملة الأسباب الحقيقية لاستعجال الولايات المتحدة الأميركية في إعلان الحرب على العراق بعد أفغانستان قبل أن يحقق بوش أهدافه التي أعلنها وحشد مئات الآلاف من جنودها وإرسال نصف أسطولها إلى المنطقة هو الخشية الحقيقية لدى الإدارة الأميركية والصهاينة في أمريكا من الخطر الوجودي الذي بات يتهدد كيان دولة "إسرائيل" بفعل المقاومة والانتفاضة في فلسطين والتضامن الشعبي العربي، وهم يعرفون أن تحولاً واحداً في بلد عربي مجاور يمكن أن ينقل المواجهة إلى مرحلة حاسمة وسريعة. أقول لإخواننا الفلسطينيين الذين يقاتلونا بالعبوات الناسفة وبالامكانيات المتواضعة، أنتم جعلتم أقوى قوة في هذا العالم تسرع خائفة مشفقة على مصالحها وعلى ثكنتها العسكرية المتقدمة في المنطقة. وأقول لكم أيضاً: صحيح أنهم يقولون أن من نتائج الحرب الأميركية على العراق وعلى المنطقة فرض تسوية سلمية مذلة على الفلسطينيين وعلى العرب، ولكن من قال بأن الأمور ستسير بهذا الاتجاه؟ قد تكون هذه الهجمة الأميركية على المنطقة وما يمكن أن تؤدي إليه سبباً لتطور جهادي وثوري وإيماني ونهضوي على مستوى كل الشعوب العربية وكل الشعوب الإسلامية لينقل الشعوب العربية من موقع المنتظر والمتربص والمتعاطف مع الفلسطينيين إلى موقع المقاتل إلى جانب الفلسطينيين وإزالة هذا الكيان. لذلك، الفلسطينيون لم يزهدوا بمقاومتهم ولم يتراجعوا ولم يضعفوا وها هم يتابعون الطريق الذي يصنعونه بأنفسهم ويرسمون خريطة فلسطين والمنطقة بدمهم ولن يسقطوا أمام خارطة طريق يرسمها المستكبرون والصهاينة ويوقع عليها الضعفاء والمهزومون.
سوريا
ننتقل إلى سوريا، في هذا الوضع العربي الرسمي السيء والصعب والمأساوي، من واجبنا في يوم عاشوراء، يوم الشجاعة والثبات، أن نقف بإجلال وتعظيم أمام صمود سوريا الأسد قيادةً وجيشاً وشعباً. لا يمكن لأي انسان عربي في مثل هذه الأيام، أن يمر بسهولة عندما يستمع إلى قائد عربي شاب في هذا الموقع الخطير والمهم وفي هذه المرحلة الصعبة، كالسيد الرئيس بشار الأسد لينطق بموقف يعبر عن نبض الشارع العربي وضميره ووجدانه ومشاعره الغاضبة والرافضة، لا يجوز أن يمر أحد ببساطة، خصوصاً وأن الرجل رئيس دولة تتهددها أمريكا وتقول عنها أنها سوف تأتي في المرحلة الثانية أو الثالثة، ودولة ينتظرها في الكونغرس قانون محاسبة سوريا الذي يمكن أن يطرح في أي وقت ودولة مجاورة للكيان الإسرائيلي الذي يمكن أن يشن عليها عدواناً في أي وقت. إذاً فلننظر إلى الرجل والموقع والخطاب ونفهم حينئذ أهمية الرجل والموقع والخطاب.
نحن في العالم العربي اليوم ، بحاجة إلى هذا النوع من مواقف وصلابة وشجاعة الزعماء، وسوف يجد هؤلاء الزعماء نفوسهم ومواقعهم في قلوب كل الشعوب العربية، لأن هذه الشعوب ملّت من الذل ومن الهوان ومن الاستسلام ومن الخضوع لإرادة هذا السفير الأميركي وذاك لضابط الأميركي.
نحن هنا في بيروت ، نتوجه إلى دمشق لنقول إلى سوريا ولهذا القائد العربي الشجاع الرئيس بشار الأسد، أنت لست لوحدك، الأمة معك ، كل عربي وشريف معك، لبنان كله معك، هذه المقاومة التي قاتلت وما زالت تقاتل رجالها ومجاهدوها في لبنان وفي سوريا وفي فلسطين هم في خندق واحد وفي معركة واحدة. في هذا الزمن الذي تنعت فيه المقاومة بالإرهاب، ويوضع فيه المقاومون في لبنان وفلسطين على لوائح الإرهاب العربية، يقف بشّار الأسد ليقول إن مقاوماً واحداً صنع وفعل أكثر مما فعله العرب وفعلناه جميعاً. ونحن من موقع المقاومة نقول للرئيس بشار الأسد: كما أعلنت فضل المقاومة، المقاومة اليوم تعلن فضل سوريا الذي لا يمكن أن تنساه: سوريا التي كانت منذ البداية ومنذ 1982 حصن المقاومة ودرعها وحماها وعنوانها في مواجهة أخطار وتحديات ومؤامرات خارجية وداخلية وضغوط كان يمكن أن ينهار تحتها الجبال ، ولكن لم ينهار أمامها أبوك ولا شعبك ولا جيشك ولا بلدك ، وهكذا كان لبنان . لسوريا التي ما زالت وإنشاء الله ستبقى قلعة للصمود وملاذاً للمقاومين الشرفاء، لبنانيين وفلسطينيين والعرب، نقول هذا هو الموقف اللائق بالأمة الموعدة بالكرامة والانتصار.
المنطقة
نحن اليوم في يوم عاشوراء الذين تظاهرنا في كل المناطق والمجتمعون هنا، بكل وضوح وبكل صراحة نعلن رفضنا للحرب الأميركية وكل الأهداف والشعارات الأميركية الخدّاعة والكذابة والمنافقة في إنقاذ الشعوب وإقامة الديمويقراطية وتحقيق حرية الإنسان، نحن هنا نعلن إدانتنا ورفضنا لهذه الإدارة الشيطانية الاستكبارية المتصهينة. ونقول لهم : لا تتوقعوا أن تستقبلكم شعوب هذه المنطقة بالورد والرياحين والأرز والعطر، شعوب هذه المنطقة ستستقبلكم بالبنادق وبالدماء وبالسلاح وبالشهادة وبالعمليات الاستشهادية، هذا ما تعده شعوب المنطقة للغزاة الأميركيين الآتين إليها. أمريكا هذه لم تكن لتخيفنا في يوم من الأيام.(...) عندما كان المارينز في بيروت وكانت الأساطيل في بحر الأبيض المتوسط، كانت حناجرنا في الضاحية تصرخ الموت لأمريكا ، واليوم والمنطقة تمتلئ بمئات الألوف من الجنود الأميركيين والأساطيل الأميركية سيبقى شعارنا الموت لأمريكا.
تصالح الحكومات والشعوب
يجب على شعوب المنطقة أن تنهض وتعي ما يجري حولها، وتتحمل مسؤوليتها. وعلى الحكومات والأنظمة العربية أن تستفيد من الوقت المتبقي لتصالح شعوبها وأن تعيد فتح كل الملفات المأزومة بينها وبين شعوبها، وأن تقول لهم : نحن وأنتم مستهدفون في الحملة الجديدة، تعالوا لنترفع عن الجراح والصعوبات والآلام ونتصالح ونتعاون ونتكاتف ويعين بعضاً بعضاً ولا يسفك بعضاً دم بعض ولتتوحد جهودنا في وجه هؤلاء الغزاة.
في الموضوع العراقي، هناك أزمة عميقة جداً بين النظام العراقي وبين شرائح كبيرة من الشعب العراقي، قد تجعل أي خطاب عن المصالحة الوطنية في العراق لا يجد مكاناً عند كثيرين لأن حجم الجراح كبير وعميق وقاس جداً. إذا فلنتدارك ما بقي أمامنا في بقية البلدان العربية التي هي ليست على الموعد مع الحرب بعد أسبوع أو أسبوعين، وليبادر حكامها للتصالح مع شعوبها التي حين تجد أن حكامها في مستوى المرحلة والمسؤولية ويريدون تصحيح أخطاء الماضي ستكون جاهزة للتصالح.
الأمة معنية لأن تستعد للمواجهة السياسية والفكرية والثقافية والنفسية والعسكرية، هذه المنطقة مقبلة على احتلال، والأمة تستطيع أن تطرد جيوش الاحتلال. في سنة 1982 دخل إلى جزء من الأرض اللبنانية مائة ألف جندي إسرائيلي وجاءت قوات متعددة جنسيات لحماية هذا الاحتلال أيضاً، ولكن لبنان الضعيف والممزق في الحرب الأهلية هزمهم وخرجوا منه. فماذا نتوقع من أمة وشعوب عربية وإسلامية؟ ما ينتظر الأميركيين في المنطقة هو ما حصل عليه الإسرائيلييون في لبنان تماماً، ونحن لنا ثقة كبيرة بالشعب العراقي الذي سيتغلب على جراحه وآلامه ، ولنا ثقة كبيرة بعدد من قوى المعارضة الأساسية والتي نعرف صدقها عندما تقف وتقول نرفض الاحتلال في العراق. (...)
الوحدة الإسلامية
المسلمون مدعون إلى الوحدة وألا يسمحوا لا لأسباب سياسية أو ثقافية أن تمزق بينهم. اليوم ، وعلى الرغم من خطورة المرحلة تعود بعض القنوات الفضائية لإثارة النعرات بين الشيعة والسنة. وقرأت في مقالة على الأنرنت اعتراف لعملاء فلسطينيين يتعاونون مع الموساد الإسرائيلي ، يقولون أنهم كلفوا من قبل الموساد لإثارة قضية الشيعة والسنة في داخل فلسطين ، في قلب ساحة المعركة التي هي بحاجة إلى كل مجاهد وإلى كل شهيد وإلى كل بندقية. المسلمون مسؤوليتهم أن يتوحدوا وإلا الضياع والتيه والذل.
تحالف إسلامي – مسيحي
على المسلمين أن ينظروا نظرة تقدير واحترام كبير لمواقف الكنيسة المسيحية في العالم، الكنائس الشرقية ، الكثير الكثير من الكنائس الغربية، موقف الفاتيكان، موقف البطاركة في سوريا ولبنان والمنطقة. هذا مواقف يجب أن يقدرها المسلمون، وأهم ما فيها أنها تنزع العنوان الديني عن حرب بوش- الذي يقول أنه أقسم أن يحقق أماني الانجيل- وتقول له إن حربك ليست أخلاقية وليست شرعية وليست من الانجيل. هذا موقف كبير وتاريخي جداً، وعلينا أن نفهم أهميته في هذه المرحلة وأن نتعاطى معه على هذا الأساس. وهنا، أقترح وأنصح للمسلمين وللخطباء ولوسائل الإعلام اجتناب أي تعبير في هذه المواجهة السياسية والإعلامية قد يشعر فيه كثير من المسيحيين الرافضين للحرب بالاساءة أو بالإهانة. إذا كان تعبير الحروب الصليبية تسيء للمسيحيين الرافضين للحرب يجب أن نفتش عن مصطلحات. أي كلمة تسيء لهؤلاء المسيحيين الذين يرفضون الحرب يجب أن يتجنبها المسلمون تحت أي اعتبار وأي عنوان.
لطالما تطلع اليهود والصهاينة إلى تحالف يهودي مسيحي للحرب على الأمة الإسلامية، وأنا أقول لكم : تعالوا لنتطلع إلى تحالف إسلامي مسيحي لمواجهة كل الذين يعتدون على موسى وعيسى ومحمد (ص). لماذا لا نتطلع إلى تحالف سياسي من هذا النوع و مواقف بعض الدول اليوم في العالم، الغربية أو الشرقية وهي دول مسيحية ومواقف الكنائس والكثير من القوى والنخب المسيحية تساعد على ذلك. لماذا لا نبحث عن تحالف إسلامي – مسيحي نوعي وشعبي ورسمي في مواجهة هذا المشروع الأميركي الصهيوني الذي يريد أن يملأ الدنيا والعالم خراباً ودماراً وحرباً وذلاً وفساداً.
اليوم، هناك انتفاضة شعبية ودولية في العالم في مواجهة أمريكا. من كان يتصور أن هناك دول في هذا العالم، ودول مهزومة اقتصادياً وداخلياً يمكن أن تتجرأ وتقف على قدميها وتقول نحن سنستخدم حق الفيتو في وجه الأميركيين؟ اليوم نحن نشهد انتفاضة دولية بحق أمام الإدارة الأميركية. لم يمر يوم منذ مائة سنة على الولايات المتحدة الأميركية كانت فيه بهذا المستوى من الإدانة ومن التجروء عليها كما هو عليه الحال اليوم في العالم. لطالما انتظرت الشعوب والحكومات في العالم الثالث بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وقيام العالم بحكومة قطب واحد، حلم العودة إلى نظام متعدد الأقطاب. نحن نقترب جداً من نظام متعدد الأقطاب وهذا سيعطي لأمتنا وشعوبنا والمجاهدين فرصة كبيرة ومهمة.
الجمهورية الإسلامية
نتطلع إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، إلى قاعدة الإسلام المحمدي الأصيل، التي جسدت كربلاء في انتصارها على أمريكا وإسرائيل والشاه في إيران. نتطلع إلى إيران التي كانت ولا زالت وستبقى في دائرى الاستهداف الأميركي الاستكباري.
للأسف الشديد، خلال عشرين سنة ماضية ، تورط الكثيرون من أبناء هذه الأمة في الحرب على هذه الدولة. واليوم، نحن ندفع أثمان باهظة لأخطاء تاريخية من هذا النوع . أنا أؤكد لكم ، إيران هذه الوفية لخط إمامها الخميني قدس الله سرها والملتزمة بنهج وقيادة سماحة الإمام القائد آية الله العظمى السيد الخامنئي دام ظله الشريف، كانت وستبقى قاعدة للثوار وللمجاهدين وحصناً للمقاومين وداعمةً للمسضعفين وللمظلومين، وسوف تبقى على خط النار. ويجب أن تعيد حكومات هذه الأمة النظر بكل أدائها وسياساتها السابقة اتجاه هذه الجمهورية الإسلامية التي تشكل بحق قوة إسلامية مهمة وراقية ومتقدمة ويتطلع إليها الأميركيون على أنها تهديد استراتيجي وكبير لمصالحهم.
نحن اليوم بحاجة إلى هذا التحالف العربي الإيراني الإسلامي الأوسع بعيداً عن كل حقد وكراهية وبغضاء وعن كل ضغائن لأن التحدي أمامنا كبير وكبير جداً.
سوف نبقى في المقاومة نقاتل إسرائيل ونعمل لتحرير أرضنا واستعادة أسرانا وفلسطين والقدس وندافع عن كرامة أمتنا ونحمل همها ومسؤوليتها. لن نكون مشدودين لساحة ضيقة بمعزل عما يجري حولنا، سوف نواجه كل المرحلة المقبلة بعزم الحسين وصدق الحسين وإخلاص الحسين وفي انتظار حفيد الحسين المهدي عجل الله فرجه الشريف.