بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معالي الوزير، الضيوف الكرام، السادة الإعلاميين الأعزاء.
نُرحب بكم أجمل ترحيب لانضمامكم إلينا هذه الظهيرة ومشاركتنا فعاليات المؤتمر الصحافي لإطلاق حملة الأربعين ربيعاً.
في مثل هذه الأيام من حزيران العام 1982 أي قبل أربعين عاماً اجتاحت قوات العدو الصهيوني بلدنا، احتلت جزءاً كبيراً من أرضه بما فيها عاصمته بيروت، ودمرت المباني السكنية والبنية التحتية، وقتلت الآلاف وهجّرت عشرات الآلاف الذين نزحوا تحت وطأة النار والعدوان، وخلّفت الفوضى والذعر والدمار أينما حلت، وأنشأت نتائج كارثية على المجتمع والدولة والاقتصاد ظل لبنان يعاني منها طيلة سنوات طوال.
في مثل هذه الأيام أي قبل أربعين عاماً، وسط مناخ الانقسام الداخلي سياسياً وطائفياً في أعقاب الحرب الأهلية، ووسط أوضاع في غاية التوتر إقليمياً في ظل الحرب الباردة آنذاك، غادرت قوات منظمة التحريرالفلسطينية لبنان، وانسحبت القوات السورية بعد معارك بطولية في السلطان يعقوب وغيره، فيما اكتفت قوات الطوارئ الدولية بمراقبة المشهد وتسجيل عدد الآليات الإسرائيلية التي تعبر الحدود الفلسطينية باتجاه الشمال، وتُرك لبنان وشعبه لقدرهما تحت جحيم الاحتلال وقبضته الغليظة.
انقسم اللبنانيون - على جاري عادتهم في المواقف المصيرية - حول الموقف من الاحتلال، رفع البعض المناديل البيضاء ونثروا الأرز على الدبابات. رحّب البعض بالقوات الغازية وتعاملوا معها كالقوات المحرِّرة. شارك البعض في عملياتها العسكرية ضد أبناء شعبهم ووطنهم، وما مجزرة صبرا وشاتيلا المهولة إلا مثالٌ واحدٌ على حقيقة الأحداث ووقائع تلك الأيام، فيما لاذ الكثير من اللبنانيين بالصمت والانكفاء ومراقبة الأحداث ومجريات الأمور.
غير أن قسماً من اللبنانيين، من أصحاب العقيدة والإيمان بالحق، والاستعداد للتضحية، من أجل حرية وطنهم الغالي واستقلاله، من الطوائف والمناطق والاتجاهات السياسية والفكريةكافة، من حركات وأحزاب وقوى سياسية، عقدوا العزم على تغيير الواقع ومقاومة المصير القاتم ورفض الاحتلال وتداعياته السياسية والعملية، فانطلقت مقاومة شعبية بإرادة ذاتية حرة وامكانات متواضعة - من أبناء هذه الأرض الطاهرة- مقاومة بكل الوسائل والأدوات المتاحة، ثقافياً وإعلامياً وتعبوياً وعسكرياً، تؤذن ببدء عصر جديد في لبنان هو عصر المقاومة على أنقاض العصر الإسرائيلي.
من بين هذه الفئة كنا نحن. كنا قلة فزادنا الله عددا، وكنا ضعفاء فأمدّنا الله تعالى من عنده بالبأس والقوة، وكنا فقراء فأغنانا الله بكرمه ورزقنا من حيث لا نحتسب، وها نحن اليوم بعد أربعين من السنين مقاومةٌ عظيمةٌ قادرة، وحزبٌ كبيرٌ، وقوة سياسية مؤثرة وفاعلة وذات شأن في لبنان والمنطقة.
من كان يظن ذلك ممكناً؟ من كان يظن أن مقاومتنا التي انطلقت من وسط الركام قليلة العدد مهيضة الجناح دون احتضان شعبي وتأييد سياسي هي اليوم مسيرة مظفرة بمئات الآلاف من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال.
من كان يظن ذلك ممكناً؟ من كان يظن أن مقاومتنا التي انطلقت ومنذ الرصاصات الأولى، بعدد قليل ومتواضع من المقاتلين وعدة بسيطة من السلاح هي اليوم مئة ألف مقاتل ويزيدون، تردع عدونا وتحمي شعبنا وتوفر الملاذ الآمن للحياة والمجتمع والاقتصاد وتحمي ثروة بلدنا في البر والبحر.
من كان يظن ذلك ممكناً؟ من كان يظن أن هزيمة العدو ممكنة؟ وأن الجيش الذي لا يقهر تحول إلى كيس ملاكمة يتسابق جنوده على الهروب من الخدمة في لبنان، ويتنافس ضباطه على تبريرات الهزيمة، وأن الجيش الذي هزم في لبنان عام 2000 يمكن أن يهزم مرة أخرى عام 2006، ويهزم في غزة عام 2008 ويمكن أن يهزم في أي أرض عربية محتلة متى توفرت الإرادة والعزيمة الصادقة؟
من كان يظن ذلك ممكناً؟ حزب المقاومة الذي انطلق بخبرات فردية محدودة وإمكانات مالية متواضعة،هو اليوم مؤسسسات وصروح، تربوية وصحية وتعليمية وإعلامية ومدارس وجامعات وعشرات الآلاف من حاملي الشهادات الجامعية من مختلف الاختصاصات، وكتلة نيابية وازنة ودور سياسي رصين ومتقدم عما سواه، في نهضة لا سابق لها من حيث الدور والوظيفة لحزب وحركة مقاومة لا في تاريخ بلدنا وحسب بل في التاريخ العربي الحديث.
بلى إنه الإيمان، الإيمان بالله تعالى والثقة بوعده، "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، وتراث عميق الجذور في ديننا وفكرنا وثقافتنا الحيّة، وفي الطليعة منها واقعة كربلاء وشهيدها الحي الخالد. وإرث العلماء الصالحين، والمجاهدين الشهداء. وكنا أوفياء لما تعلمناه من دروس التاريخ، وأمناء لنهضة الإمام الصدر( أعاده الله) وفكر الإمام الخميني (قده) الذي بث فينا روح الثورة والمقاومة وجعلنا منذ اللحظة الأولى على الطريق الصحيح، إما النصر أو الشهادة، وأمناء لنهج الإمام الخامنئي(دام ظله) الذي يواصل قيادة الأمة بحكمة وقوة وشجاعة.
أن نحتفي اليوم بالأربعين عاماً، هذا يعني أننا نحتفي بالشهداء أولاً وبالجيل المؤسس من علماء المقاومة ومجاهديها ثانياً، وبتضحيات الجرحى وعوائل الجرحى وعوائل الشهداء.
نحتفي بشعبنا الوفي الذي منه كنا ومن أجله قاومنا وبسببه نحن هنا في موقع الدفاع عنه وعن مصالحه وحقوقه. نحتفي بكل مقاوم ومناضل وجريح وشهيد، نحتفي بجيشنا الوطني والمعادلة الذهبية التي حمت لبنان، نحتفي بكل من وقف إلى جانب المقاومة من الجمهورية الإسلامية في ايران، الى الجمهورية العربية السورية، إلى كل الأحرار والشرفاء في العالم العربي وأصحاب الضمير الحي على امتداد العالم.
عندما نطلق اليوم الأربعين ربيعاً، نستهدف كتابة التاريخ حتى لا يموت الشهداء مرتين، حتى لا يظلمنا المؤرخون والباحثون، حتى لا تموت الذاكرة الحية، حتى يعرف شعب لبنان أن جيلاً بأكمله ترك مباهج الحياة الدنيا من أجل الحرية والكرامة والسيادة الحقيقية وعدم الارتهان للخارج، وحتى يتمكن جيل جديد ولد بعد التحرير أن يكون وفياً لقيمه وتاريخه ومبادئه، ولا يسمح أبداً أبداً لبلده أن يحتل مرة أخرى.
لقد بلغنا الأربعين عاماً، وإننا اليوم أكثر شباباً وإصراراً وعزيمةً وقدرة على العطاء والتضحية، ونشهد التحاق جيل جديد شاب بالمقاومة من الذين وُلدوا والنصر يسير أمامهم إلى عدوهم. وإذا كنا نحتفل بالأربعين عاماً ونستقي منها التجربة ونتعلم منها الدروس فإننا نتوق إلى الأربعين عاماً القادمة بثقة تامة وآمال كبيرة، ثقة تامة بمقاومتنا المنتصرة، وقائدها الشجاع والمسدد والحكيم، وجيل من المقاتلين لو أمرهم أن يحملوا على الجبال لأزالوها، وأمل بمستقبل كبير لشعبنا وأن يكون لبلدنا الحبيب لبنان موقع متقدم تحت الشمس ولأمتنا مكانة رفيعة بين الأمم، وأن نتطلع إلى الغد والاحتلال قد زال والمسجد الأقصى و المقدسات كافة قد تحررت وطهرت.
لسنا اليوم بصدد وثيقة سياسية موجودة بالفعل، يجري العمل على تنقيحها وتطويرها بتأنٍ وهدوء، تتضمن رؤيتنا إلى بلدنا ومستقبله، وإلى دورنا فيه وفي الدفاع عنه، وإلى تحالفاتنا المحلية والاقليمية، وإلى رؤيتنا إلى مآلات الصراع في المنطقة وعليها، كما أننا لا نجد اليوم حاجة لتكرار مواقفنا الثابتة والمعروفة في مواجهة الاحتلال ورعاته وأدواته، وفي تأييدنا التام للشعب الفلسطيني في حقه في استعادة أرضه كاملة من البحر إلى النهر بالوسائل المتاحة كافة، وفي الطليعة منها مقاومته الباسلة. كما أننا نتجنب اليوم الرد على الحملات الإعلامية والسياسية التي رافقت مسيرتنا طوال أربعين عاماً، والتي قامت بها دولٌ ومنظماتٌ ومؤسساتٌ وأفرادٌ وأنفق فيها الكثير من المال والتي هدفت إلى التشكيك بهويتنا وانتمائنا الوطني، فضلاً عن إلصاق التهم والافتراءات زوراً وبهتاناً، كما أننا لن نعلق هنا على مسار الأحداث واليوميات المعروفة فهذه لها سياقها الطبيعي خارج هذا المؤتمر الصحفي المخصص للاعلان عن الربيع والفجر والولادة، ولذا فإنني باسم حزب الله أعلن عن إطلاق سلسلة من الأنشطة والفعاليات الاحتفالية إيذاناً بالأربعين ربيعاً على مدى شهرين كاملين من 20 حزيران إلى 20 آب تشمل مناطق وقطاعات عمل حزب الله وعبر المؤسسات الإعلامية والثقافية المتنوعة ومنها المنار والنور وموقع العهد الالكتروني وسيميا وبينات الملف الاعلامي الذي تأسس حديثاً وذلك بمختلف الأشكال الفنية والإخبارية المتنوعة كما نطلق اليوم شعار ولوغو الاحتفالات المصمم خصيصاً لهذه المناسبة من قبل الفنيين في وحدة الأنشطة الإعلامية المعروض أمامكم، مراعين في ذلك حضور ذكرى عاشوراء الحزينة في وسط هذا الموسم على ان تختتم تلك الفعاليات بمهرجان كبير في بيروت والمناطق يتحدث فيه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ويشكل ذروة النشاطات ويتزامن مع الذكرى السادسة عشرة لانتهاء حرب تموز والذكرى الخامسة لحرب التحرير الثانية.
إننا ندعو وسائل الإعلام المتنوعة والاعلاميين الأعزاء إلى مواكبة نشاطاتنا وفعالياتنا الاحتفالية وإيلائها كل اهتمام ومتابعة ممكنة مع الشكر الجزيل لحضوركم الكريم، وسنعرض عليكم الآن وتباعاً جدولاً بالنشاطات المختلفة ومواقيتها وأماكنها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نص الكلمة التي تلاها مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف في المؤتمر الصحافي المخصص لإطلاق احتفالية الأربعين ربيعاً في قاعة رسالات بتاريخ الجمعة 17/6/2022