كلمة لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب نواف الموسوي خلال احتفال تأبيني أقيم في حسينية بلدة الشعيتية الجنوبية بحضور عدد من العلماء والفعاليات والشخصيات والأهالي، وقد جاء فيها:
إننا نمرّ الآن في لبنان بمرحلة دقيقة على المستوى السياسي، ولذلك من المشروع أن نسأل، هل هذه هي اللحظة المناسبة لفتح باب التعديل الدستوري، فكيف إذا كان هذا الباب لا يتعلق بتعديل الدستور فقط، بل يطال تعديل اتفاق الطائف نفسه، ولماذا يطرح تعديل دستوري من بند واحد، ولا نعالج التعديلات الدستورية الأخرى، لا سيما وأن التجربة قد بيّنت الحاجة إلى إجراء العديد من التعديلات الدستورية، وكذلك في ما يتعلّق باتفاق الطائف، ونحن نعلم أنه من المحظور أن يتطرق أحد إلى إجراء تعديلات دستورية، فما الذي تغيّر حتى أصبح هناك موضوعاً بعينه قابلاً لإجراء تعديلات دستورية بشأنه، فما هو السبب، لا سيما وأن هذا الأمر ليس هو العقدة، وبالتالي ليس من الطبيعي الاستفراد ببند دون حزمة تعديلات دستورية، وليس الوقت هو المناسب لطرح التعديلات الدستورية، وليس البند المطروح هو البند الذي يشكل تعديله حلاً للأزمة السياسية القائمة.
إن أصواتاً انطلقت منذ اللحظة الأولى لدحر قوات الاحتلال الصهيوني عن لبنان لتدعو إلى إنهاء سلاح المقاومة، باعتبار أن التحرير قد انتهى، متغافلة عن عمد أن التحرير وإن تحقق بأجزائه العظمى، إلاّ أن أجزاء من الأرض اللبنانية لا زالت تحت الاحتلال، وتناست وجود هذا العدو مع عقيدته التوسعية الصهيونية العنصرية، وترسانة الأسلحة التي يمتلكها، وتحالفاته الدولية التي تؤمن له تغطية سياسية ودبلوماسية لجرائمه ولخطواته العدوانية، ودعت إلى تجريد لبنان من قدراته الذاتية المتمثلة بالمقاومة، لكي يكون أعزل في مواجهة التهديدات الصهيونية.
إننا لم نكن كمجتمع المقاومة في أي لحظة من اللحظات في منأى عن الحملات السياسية والنفسية والإعلامية التي يشنها بعض القوى السياسية في لبنان، كنا دائما موضع انتقاد، ولكن في المحصلة، كان يتبيّن أن النهج الذي نسلكه نحن، هو الذي يحقق المصالح اللبنانية، وكانوا يلوموننا في مطلع التسعينيات على إطلاق الصواريخ رداً على المجازر الإسرائيلية، فتبيّن في عام 1993 ثم في عام 1996 أن هذا الصاروخ الذي لطالما أُدين، وهو سلاح يعود إلى الحرب العالمية الثانية، كان فعّالاً في تحييد المدنيين اللبنانيين، بحيث تكون المقاومة مطلقة اليد في استهداف الجنود الإسرائيليين، وفي عام 2000 تبيّن للعالم بأسره بما فيه العالم العربي ولبنان، أن نهج المقاومة هو الذي أعاد الأرض المحتلة، وليس نهج التسوية السياسية والمفاوضات التي كانت قائمة وانتهت إلى فشل، والآن وبعد إعلان العالم كله عن موت النهج التسووي لاستعادة الأراضي المحتلة، لا زال يطلع علينا من يريد أن يعطينا محاضرات في كيفية حماية أهلنا في لبنان من العدوان الإسرائيلي، وعليه فإننا نسأله، ما هي الشهادات التي تحملها والتي تؤهلك لكي تنصّب نفسك محاضراً علينا وتلقي علينا محاضراتك في أن هذا الأسلوب يناسب أو أن هذا الأسلوب لا يناسب، وما هي تجربتك في مجال تحرير الأرض والمقاومة، فأنت تنطلق من نهج أننا يجب أن لا نتحرّش بالإسرائيلي، على اعتبار أن طائراتنا الحربية تذرع كل يوم سماء فلسطين المحتلة ذهاباً وإياباً، ونحن من يخطف مزارعين ورعاة أغنام كل فترة، وكأننا نحن من يحتل فلسطين المحتلة وليس العدو الذي يحتل جزء من بلدة شبعا وتلال كفرشوبا.
لولا الاجراءات الدفاعية التي لا زلنا نقوم بها حتى الآن، لكان وقع العدوان الإسرائيلي على لبنان على الأقل منذ بداية الأحداث الدموية في سوريا، وبالتالي فإن الذي يؤخر العدوان الإسرائيلي على لبنان، هو واقع أن لدى المقاومة القدرات القادرة على إلحاق أذى بالغ بالعدو الصهيوني، وهذا ما يحجزه عن العدوان علينا، وليس الضمانة الدولية أو تلك، وإذا أراد البعض أن يعطي ضمانات، فليعطها للمفاوض الفلسطيني الذي لم يحصل على شيء، لا سيما وأنه وعد منذ عام 1990 بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على أراضٍ في الضفة الغربية، وحتى الآن لم يتمكنوا من تحقيق ذلك، لا بل أن الاستيطان سائر وممتد.
إن لدى البعض الذين يحملون على نهج المقاومة أحياناً ببيان وأحيانا بتصريح وخطبة وإلى آخره، تجربة واحدة مع العدو الصهيوني اسمها المنطقة الاقتصادية الخالصة، والتي خسروا فيها لبنان على الأقل 860 كلم مربع من هذه المنطقة التي تزخر بالنفط والغار، والتي تُقيّم الثروة فيها بعشرات مليارات الدولارات، ولم يكفهم الديون التي راكموها على لبنان، بل أفقدوه بنهجهم الانهزامي والتراجعي أمام العدو، فرصة أن يستفيد من هذه الامكانات حتى يطفئ الدين العام وتطلق عملية التنمية في لبنان.
إننا نقول لهؤلاء الذين يحملون على نهج المقاومة، أنتم لستم أحرص منا على أهلنا، فنحن حريصون على أهلنا وعلى استعادة أرضنا، ونحن حرصاء على حماية وطننا، وهذه تجربتنا تدل علينا، أما أنتم فسلكتم الطريق الخطأ، سواء بسياساتكم الاقتصادية التي جعلت لبنان الآن في مأزق عميق، وجعلته على حافة الهاوية، أو بسياساتكم العامة التي جعلت لبنان مشظّى ومفككاً يحاول العدو وحلفاؤه اختراق الموقف الوطني من أجل الاستناد هذا الجانب لحصار المقاومة.
إن أول من وضع يده في الأزمة السورية هم أصحاب النهج الذي يتحامل على المقاومة، فهو الذي انخرط ميدانياً في تمويل ودعم المجموعات السورية المسلحة ومدها بالسلاح من أجل إسقاط النظام في سوريا، ولكن النتيجة كانت تهجير ملايين السوريين من ووطنهم وأرضهم، والتي نسبتهم الكبرى هي في لبنان، وبالتالي فإن سياسات البعض هي سياسات مدمرة أوصلتنا إلى هنا، ولولا نجاحنا نحن وحلفاؤنا في إسقاط المخطط الدولي الأميركي والأوروبي والصهيوني والسعودي والخليجي، لكانت الكارثة السورية أكبر من ذلك بكثير.
إننا قد اعتدنا على نهج البعض في مناوءة المقاومة، ولكن عليهم أن يعلموا أنهم أبعد بكثير من أن يكونوا قادرين على إلقاء محاضرات حول كيفية حماية لبنان، وهم غير قادرين على حماية مربعاتهم المصالحية، ولذلك نحن في مواجهة تلك الحملات، نعرف من الذي يحركها وما هو الهدف منها، ولذلك نتعاطى معها بما يؤدي إلى احتوائها، ولكن من دون أن نضيّع أو نتخلى عن حقنا في تبيان الحقائق وفي تبيان أن نهج المقاومة هو نهج السديد والصائب الذي به تحمى الأراضي اللبنانية والشعب اللبناني والمصالح اللبنانية.