إن العالم الذي اشترك في الهجمة على سوريا، وفتح أبواب بلاده ليخرج منها التكفيريّون إلى هذا البلد الشقيق، بدأ اليوم يكتوي بهذه النار، وتكاد لم تبقَ دولة أوروبية أو دولة غربية بعامة إلاّ ونالها حظها من الموجة التكفيرية، والتي يقف وراءها تمويلاً وإعداداً وتسهيلاً الإدارة الأميركية والمخابرات الغربية وحكومة العدو الصهيوني والنظام السعودي والأنظمة العربية التي تتبع له.
إننا نتعامل مع الخطر التكفيري الأمني إن كان على شكل اختراقات هنا أو هناك تعاملاً جدياً، ونحن نعمل بالتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية على النجاح في الأمن الاستباقي والوقائي، والتي تهاجم المجموعات التكفيرية والخلايا النائمة من قبل أن تنتقل إلى مرحلة الفعل، واليوم إذ نخوض هذه المعركة، فإننا حريصون على أن يعيش بلدنا حالة الاستقرار الأمني والسياسي على قاعدة من الوفاق الوطني الممكن، ولذلك سعينا ولا زلنا نسعى للتوصل إلى قانون جديد للانتخابات، ينظم الحياة السياسية، فتتمثل القوى السياسية اللبنانية في الندوة البرلمانية بحسب ما تمتلكه من قاعدة شعبية، بحيث لا يطغى أحد على أحد، ولا يلغى أحد، وعندها يكون المجلس النيابي مفتوحاً لجميع القوى بحسب قدراتها الاستقطابية والانتخابية، ولذلك نادينا باعتماد قانون النسبية الكاملة ولبنان الدائرة الواحدة، لأن هذا القانون باعتقادنا يشكل القانون الأمثل الذي من شأنه أن يمثّل اللبنانيين جميعاً بصورة عادلة وحقيقية، لا أن نكبّر أحجاماً، وأن نصغر أحجاماً أخرى.
اليوم لا تزال المحاولات للوصول إلى القانون الانتخابي مستمرة، وقد يصاب البعض بتشاؤم حيال ما نحن فيه، ولكن نحن نود أن ننظر بصورة تفاؤلية، وفي إطار هذا التفاؤل الواقعي والجدي، نقول إنه على الأقل باتت النسبية حتى الآن مسلّماً بها من حيث المبدأ، وانتقلنا من مرحلة كانت ترفض فيها النسبية بالمطلق وبالمبدأ، إلى مرحلة قبول مبدأ النسبية، والنقاش في تقسيم الدوائر الانتخابية ووسائل التأهيل على أساسها.
إننا تقدمنا عمّا كنّا عليه بشأن اعتماد صيغة النسبية في القانون الانتخابي، وأصبحنا مرة أخرى أقرب إلى اعتماد قانون انتخابي يتضمن النسبية، ولقد بات هذا مكرّساً وموضع إجماع، وهذا أمر إيجابي، والمطلوب أن تأخذ القوى السياسية قراراً جريئاً بأن تفضّل مصلحة الاستقرار الوطني على حساب أنانيتها السياسية، ومن هنا نسأل، ما المشكلة في أن تتقلص أحجام الكتل النيابية، بحيث تعبّر عن واقعها الشعبي، وبالتالي ستظل جزءاً من المعادلة السياسية، ولكن الميزة أننا نكون قد جعلنا للمجلس النيابي أوسع قاعدة تمثيلية، بحيث لا يعود الشارع ساحة للتعبير عن الرأي، ويصبح بمقدور أي جماعة سياسية أن تعبّر عن رأيها من منبر المجلس النيابي، وأيضاً ما هو الخطأ في أن تدخل بعض الكتل إلى المجلس بنائب أو بنائبين، وتصبح الكتل التي تمتلك عشرين نائباً أقل من ذلك بدءاً من كتلتنا، وعليه فإننا والأخوة في حركة أمل قد وطّنا النفس على القبول بالنسبية على الرغم من اعتقادنا أن من شأنها تقليص ولو شيئاً من أعضاء كتلتينا النيابيتين، ولكننا نرى في ذلك مصلحة للاستقرار السياسي.
إننا ندعو القوى السياسية إلى حسم أمرها، واعتماد النسبية على القاعدة التي لا تجعل أحداً يشعر بتهديد وجودي، ولنكن صريحين أنه الآن وبعدما انهزمت الموجة التكفيرية، لا تعيش أي جماعة سياسية في لبنان تهديداً وجودياً حقيقياً، وأما ما يعبّر عنه، فهو هواجس مفتعلة ومبالغ بها لتبرير التمسك بكتلة نيابية لا تعبر عن الواقع الشعبي والانتخابي، ولذلك فإنه ليس صحيحاً أن أحداً قد خرج من المعادلة السياسية، ولكن المطلوب هو أن نُدخل إلى هذه المعادلة قوى جديدة تساهم في تدعيم الاستقرار، وهذا ما تؤمّنه النسبية بالإضافة إلى أنها تضمن تمثيل المكوّن المسيحي الذي يلتزم بما نص عليه اتفاق الطائف لناحية النصف في تقاسم المقاعد في المجلس النيابي، وفي أن يصوّت ناخبه ليختار مرشحيه، وكما أننا نستطيع جميعنا أن نتبادل الأصوات فيما بيننا بحيث يأتي المرشحون بإرادة اللبنانيين جميعاً، لا بإرادة طائفة دون أخرى، وهذا ما يدعّم ما نصّ عليه الدستور اللبناني بأن النائب بعد انتخابه يصبح نائباً للأمة جمعاء، وليس نائباً لمنطقة أو لطائفة، وأكثر ما ينسجم مع هذه المادة هو أن يكون لبنان دائرة واحدة، ومن هنا فإنه لا يجوز تأخير التوصل إلى قانون للانتخابات، لأنه إذا تعطّلت مؤسسة دستورية واحدة، فإن المؤسسات الدستورية ستتعطل جميعها وستنشل وتشل معها الإدارات والمؤسسات العامة والأجهزة على اختلافها، وبالتالي يتعطّل البلد.
إن التجربة قد بيّنت أنه إن كان هناك شغوراً أو تعطيلاً، فإن البلد سيعطّل، وكذلك مصالح الناس التي تتأثر سلباً جراء ذلك، ولذلك فإننا نشدد على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها على أساس قانون انتخابي جديد لكي لا نسمح لأي فرصة لتعطيل بلدنا، وخاصة أن المجلس النيابي هو المؤسسة الأم التي منها تستمد السلطات شرعيتها لكونها بدورها تستمد شرعيتها من الإرادة الشعبية.
إننا في المقاومة منحازون إلى الفقراء والمحرومين، فالأكثرية الكاثرة من مجاهدينا وكذلك شهداء المقاومة من الانتماءات جميعها إذا ما أجرينا دراسة حول وضعهم المعيشي نجد أنهم من الفقراء والمحرومين، وهنا نتوجّه إلى أصحاب رؤوس الأموال والمصارف والشركات الكبرى، ونسألهم أين حسّهم الوطني تجاه هؤلاء الفقراء في لبنان الذين بذلوا ضريبة دمهم من أجل تحرير بلدهم ولا زالوا يدفعونها دفاعاً عن لبنان، ولولاهم ولولا دماء أبنائهم ما كان لهؤلاء شركات ولا مصارف، ولذلك فإنهم بوجودهم واستمرارهم مدينون للفقراء الذين دفعوا الضريبة الأغلى وهي ضريبة الدم، وهنا نسأل لماذا تحاول المصارف عبر أكثر من طريق تفادي أن يصل المجلس النيابي إلى وضع قانون ينص على ضريبة على الأرباح التي تجنيها المصارف لا التي يجنيها المودعون، وهم بأنفسهم قد اعترفوا أنهم في عام 2014 ربحوا 1,7 مليار، وهو رقم قد يكون أكثر من ذلك بكثير في عام 2016، فما المانع إذاً في أن يتحملوا مسؤولياتهم الوطنية تجاه من بذل دمه، وأن يتحملوا من أموال أرباحهم تمويل سلسلة الرتب والرواتب التي يستفيد منها ما لا يقل عن مليون لبناني، ولماذا تذهب الضرائب دائماً لتكون على الطبقة الفقيرة، وفي هذا الإطار فإننا في حزب الله ما قبلنا بهذا وواجهناه في مجلس الوزراء عبر وزرائنا وفي المجلس النيابي عبر نوابنا، وإننا سنواصل موقفنا بفعالية وجدية للعمل على إحباط المحاولات الآيلة لفرض ضرائب على الفقراء والمحرومين، وهذا ما يؤكده ما جرى في الاجتماع الماضي للهيئة التشريعية، حيث تمكنّا من فرض رسم إنتاج وليس استهلاك على شركات الترابة، وكذلك سنعمل من أجل فرض ضرائب على أصحاب رؤوس الأموال والشركات الكبرى وعلى أرباح المصارف.
أيها اللبنانيون لا تغتروا بمن يقول لكم إنه ليس مع الضرائب ضد الفقراء، فهذه الجملة لا تكفي لوحدها، لأنه لا بد للدولة أن تفرض ضرائب لتؤمن ميزانيتها، ولذلك فإن الذي يريد أن يكمل موقفه يقول هذين الموقفين معاً، أولاً نحن لسنا مع الضرائب على الفقراء والمحرومين، وثانياً نحن مع الضرائب على أرباح المصارف والشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال، وأما القول بأن رفع الضرائب على أرباح المصارف والشركات الكبرى ورؤوس الأموال يقلل فرص الاستثمار، فنرد عليه بسؤال وهو أين كانت هذه الاستثمارات التي تعدوننا بها وتخوفوننا بفقدانها والضرائب منخفضة من عام 1994 حتى عام 2017، والحقيقة هنا هي أن المصارف اللبنانية تشن من وراء الستار حملات مدفوعة الثمن ومنظمة من أجل تضليل الرأي العام اللبناني بانتماءاته كافة، بحيث تتجه أنظار اللبنانيين بعيداً عن المصارف.
إننا في مواجهة هذه الحملات نقول إن المصارف يجب أن تموّل السلسلة وكذلك الشركات الكبرى وأصحاب رؤوس الأموال، فيكفي أهلنا ما يدفعونه من ضريبة الدم، وكفى بهم صبراً على ضيق العيش، وكفى للمصارف والشركات الكبرى أرباحاً أسطورية، فلا يوجد بنك في العالم يربح كما تربح المصارف اللبنانية، وليس هناك من فوائد في العالم مثل الفوائد التي تفرضها المصارف اللبنانية التي فرضت عليها ضريبة من قبل، فأخذتها من المودعين، ونحن بدورنا فإننا سوف نعمل في هذا الاتجاه الذي هو وفاء لأهلنا الفقراء والمحرومين الذين كانوا أوفياء لوطنهم وأهلهم، فدفعوا ضريبة الدم، وعليه فإن أقل الواجب أن يدفع هؤلاء الأثرياء أصحاب المصارف ورؤوس الأموال والشركات الكبرى ضريبة الأرباح فقط.