كلمة سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في احتفال سادة النصر ـ القادة الشهداء يوم الخميس 16-2-2017
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبيينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
السادة العلماء، السادة النواب، السادة الوزراء، عوائل الشهداء، السادة السفراء، الحفل الكريم، الإخوة والأخوات:
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته
إنني في البداية أرحب بحضوركم الكبير في هذه البلدات المجاهدة والطيبة. التحية إلى إخواني وأخواتي في بلدة النبي شيت، بلدة سيد شهداء المقاومة الإسلامية السيد عباس الموسوي والشهيدة العزيزة السيدة أم ياسر والشهيد حسين عباس الموسوي.
التحية إلى إخواني وأخواتي في بلدة جبشيت، بلدة شيخ شهداء المقاومة الاسلامية الشيخ راغب حرب رضوان الله تعالى عليه.
التحية إلى إخواني وأخواتي في بلدة طير دبا، بلدة الشهيد القائد الحاج عماد مغنية رضوان الله تعالى عليه.
والتحية إليكم جميعاً، إلى الحاضرين في كل الأماكن وكل البلدات والمدن لمشاركتنا احتفالنا السنوي هذا باسم سادة النصر، الشهداء القادة أو القادة الشهداء سادة النصر.
أنا في البداية، في طبيعة المناسبات، أتوجه إليكم وإلى الجميع، إلى رسول الله محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، إلى أهل بيت النبوّة والعصمة، إلى الصحابة الكرام، وإلى جميع مسلمي العالم، وبالخصوص إلى بقية الله في الأراضين مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) في ذكرى شهادة أمه الزهراء السيدة فاطمة بضعة رسول الله (ص) وزوج أمير المؤمنين وأم الأمة وسيدة نساء العالمين (صلوات الله عليهم وعليها أجمعين).
أيضاً، نتوجه بالتحية في الذكرى السنوية الثامنة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية المباركة في إيران بقيادة الإمام الخميني (قدس سره) والتي غيّرت وجه المنطقة وأحيت آمال المستضعفين وحققت أحلام الأنبياء، نتوجه بالتحية إلى إمامنا الخميني، إلى السيد القائد الإمام الخامنئي (دام ظله)، إلى جميع المسؤولين في الجمهورية الإسلامية، إلى شعب الجمهورية الإسلامية العزيز والمضحي والذي يقف بكل قوة إلى جانب شعوب منطقتنا المظلومين المستضعفين والمقاومين والمجاهدين والمدافعين عن كرامتهم ومقدساتهم في أراضيهم ووجودهم وأعراضهم ودمائهم، نوجه لهم التحية في هذه الذكرى العظيمة والعطرة والطيبة، كما نجدد التبريك والتعزية لعائلة سيد شهداء المقاومة الاسلامية السيد عباس وأم ياسر وحسين، لأبنائه وبناته وإخوانه وأخواته وأحبائه وكل أعزائه وتلامذته ورفاق دربه، أيضا أجدد التبريك والتعزية لعائلة شيخ الشهداء الشيخ راغب، لوالدته لكل أحبائه وإخوته وزوجته وأبنائه وبناته وتلاميذه ورفاق دربه، الذين ما زالوا يحملون بندقيته ويتطلعون إلى حيث ما كان يتطلع.
أيها الإخوة والأخوات:
بعد مضي 32 عاماً على شهادة الشيخ راغب و25 عاماً على شهادة السيد عباس و9 أعوام على شهادة الحاج عماد، نصرّ على إحياء هذه المناسبة، وفي نفس اليوم، 16 شباط، في نفس اليوم من كل عام، تعبيراً عن حبنا لهؤلاء القادة الشهداء ووفائنا لهم واعترافنا بفضلهم وإيماننا العميق بنهجهم والتزامنا الثابت بمواصلة طريقهم والعمل بوصيّتهم، وجهادنا المتواصل لتحقيق أهدافهم التي استشهدوا من أجلها.
وأيضاً نصرّ على إحياء هذه المناسبة من أجل أن تعرف الأجيال الحالية والأجيال الآتية من هم القادة الحقيقيون وأولو الفضل وأصحاب التضحيات الجسام الذين نَصَرنا الله تعالى ببركة صدقهم وإخلاصهم وجهادهم وصبرهم وتضحياتهم ودمائهم الزكية، من هم سادة النصر، لتعرف الأجيال على مدى التاريخ الآتي هذ الحقيقة، وليعرف الجميع أيضاً أن صورتنا الحقيقية، صورة حزب الله الحقيقية، صورة المقاومة الإسلامية الحقيقية في لبنان، هي صورة السيد عباس والشيخ راغب والحاج عماد الذين لا نقدّمهم لشعبنا ولأجيال أمتنا فقط كقادة شهداء، وإنما نقدمهم كنموذج، كقدوة في حياتهم، في سيرتهم، في عبادتهم، في إيمانهم، تديّنهم، أخلاقهم، في تواضعهم، في صدقهم، في إخلاصهم، في صبرهم، في ترفّعهم عن الصغائر، في شموخهم إلى مستوى قضايا الأمة، في كل صفاتهم الجميلة والحسنة، نقدّمهم كقدوة لأنفسنا، لأبنائنا وبناتنا، لأحفادنا، لكل الأجيال الآتية، لنقول لهم: كونوا كالسيد عباس، كونوا كالشيخ راغب، كونوا كالحاج عماد، كما كانوا في صفاتهم العظيمة والجليلة.
أيها الإخوة والأخوات:
إن التعريف دائماً بالسيد عباس وبالسيدة أم ياسر وبالشيخ راغب وبالحاج عماد وببقية القادة الشهداء وبقية الشهداء هو من الواجبات الأخلاقية والجهادية على كل الناس، ليس فقط على حزب الله، ليس فقط علينا، على كل من ينعم اليوم بالأمن والسلام والحرية والتحرير والكرامة والعزة ، ببركة هؤلاء ودمائهم وتضحياتهم.
نعم هم سادة النصر، النصر الذي تحقق على أيديهم عندما كانو أحياء يصنعونه يومياً في الموقف، في الميدان، في العمليات، في التثبيت، في التوجيه، وهم سادة النصر الذي تحقق بعد شهادتهم، لأنهم كانوا صنّاعه بدمائهم، وبالقواعد التي بنوها، الأركان التي ثبتوها، بمسيرة صلبة شامخة صامدة لا تهزّها العواصف ولا الزلازل. وهم سادة كل نصر آتٍ في مسيرتنا إلى قيام الساعة، كذلك بقية الشهداء وبقية القادة الشهداء.
عندما نتحدث اليوم، كما كنا نتحدث قبل أيام في بعلبك عن الانتصار الكبير في سوريا على المشروع التكفيري، على المشروع الأمريكي التكفيري، الذي كان يستند إلى قوى إقليمية، وكان يهدف وما زال إلى تدمير شعوب ودول ومجتمعات وجيوش وحركات المقاومة في المنطقة.
عندما نتحدث عن هذا الانتصار، عن مقاومتنا في حزب الله، إلى جانب السوريين قيادة وجيشاً وشعباً، وإلى جانب بقية الحلفاء والأصدقاء، نحن نقول إن الشهداء هم سادة هذا النصر.
نحن في العام الماضي، من 16 شباط 2016 إلى 16 شباط هذا العام، قضى لنا شهداء أعزاء قادة كبار في هذا الميدان وهذه الساحة، وفي مقدمهم القائد الشهيد السيد مصطفى بدر الدين (السيد ذو الفقار)، الشهيد القائد ابو محمد الإقليم، الشهيد القائد الحاج علاء البوسنة، الشهيد القائد الحاج علاء، وقبلهم شهداء في العراق وفي سوريا وبعدهم شهداء من القادة الميدانيين في الخطوط الأمامية والمواجهات الدامية والقاسية.
نعم، هؤلاء الشهداء دائما في نظرنا، في إيماننا، في ثقافتنا، هم سادة النصر.
إنني أيضاً في هذه المناسبة العظيمة أتوجه بالتحية إلى كل عوائل شهداء مقاومتنا ومسيرتنا، الذين دائماً كانوا يعبّرون عن إيمانهم والتزامهم ويقينهم وصبرهم والذين دفعوا بفلذات أكبادهم وأحبائهم إلى كل ساحات المواجهة، سواءً في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، أو في مواجهة المشروع التكفيري الظلامي الهمجي، إلى كل الجرحى الذين ما زالوا يعانون الجراح، إلى كل الأسرى المحررين الذين ما زالوا يعانون آثار الأسر والتعذيب، وإلى كل أهالي المفقودين الذين ما زال مصيرهم مجهولاً لدى العدو أو في سوريا أو في أي مكان آخر.
أتوجه أيضاً بالتحية، قبل أن أدخل إلى ملفات الخطاب، إلى المجاهدين المرابطين. نحن الآن في شهر شباط، في عزّ البرد والثلج والطقس العاصف والعواصف الآتية من هنا ومن هناك، أتوجه بكل إجلال وإكبار وخشوع إلى الرجال الرجال، المرابطين في الجبال العالية، في التلال، في البرد والصقيع والثلج، من رجال المقاومة، من المجاهدين، من ضباط وجنود الجيش اللبناني، على الحدود اللبنانية وعلى كامل الحدود اللبنانية، وأيضاً من ضباط وجنود الجيش السوري في الجهة المقابلة من الحدود، الذين يحرسون حدودهم وحدودنا وبلدهم وبلدنا من الإرهابيين والمفخخات والأنتحاريين والمتربصين ببلدينا وبشعبينا كل المخاطر.
أيها الأخوة والأخوات، نحن عادة نحرص في هذه الذكرى، ذكرى القادة الشهداء، قادة المقاومة، أن يكون الملف الأساسي في الحديث هو ما يرتبط بالعدو الإسرائيلي، واسمحوا لي أن أدخل إليه من بوابتين، البوابة اللبنانية أولاً، والبوابة الفلسطينية ثانياً.
من البوابة اللبنانية، فلنقل في الموضوع الإسرائيلي مع لبنان: خلال الأسابيع الماضية والأشهر القليلة الماضية سمعنا الكثير من الكلام الإسرائيلي وقرأنا الكثير من المقالات والتحليلات والتقديرات الإسرائيلية، وأيضاً عُقد عدد من المؤتمرات، خصوصاً في بداية العام الميلادي الجديد، وسمعنا أيضاً تقديرات جديدة وأحاديث إسرائيلية عن البيئة الإستراتيجية في المنطقة وتحدث في هذه المؤتمرات رؤساء ووزراء وجنرالات ونخب وأساتذة، وكان هناك محصّلاً.
نُشر الكثير مما قيل قبل وبعد، الخلاصة، يعني النقطة المركزية حتى لا أطيل بمقدمات النقطة، هي التهويل المستمر على لبنان، الحديث عن حرب لبنان الثالثة وسيناريوهات هذه الحرب وما ستفعله إسرائيل بلبنان في حرب لبنان الثالثة، وعلى قدر ما تريديون، مقالات وكلمات وخطب وتهديد وتهويل وما شاكل.
أنا أريد أن أقف قليلاً عند هذه الموضوع. طبعاً الموقف الإسرائيلي، حتى على مستوى التقدير، يتطور فيما يتعلق بلبنان، فيما يتعلق بحزب الله بالتحديد، إنه يقول مثلاً (إنه) التهديد الاستراتيجي، التهديد المركزي، التهديد الأهم، هذه السنة وضعونا في المرتبة الأولى، طبعاً هذه علامة فخر لحزب الله، ولكن هي مؤشر خطر في البيئة الإستراتيجية، عندما يفترض الإسرائيلي أن الدول العربية لا تشكل تهديداً، أن الجيوش العربية باتت لا تشكل تهديداً، أن التهديد الوحيد كان يشكله الجيش السوري، الآن خفّضوا مرتبة الجيش السوري باعتبار انشغاله وانهماكه واستنزافه في الحرب الداخلية، فبكل هذا المناخ يصبح حزب الله بالمرتبة الأولى، وإيران التي تبعد آلاف الكيلومترات عن فلسطين تصبح في المرتبة الثانية والمقاومة الفلسطينية في المرتبة الثالثة.
الآن فيما يعني لبنان، هذا التهديد والتهويل طبعاً هو ليس بالجديد الجديد. دائماً، يبدو أن هناك هدفاً إسرائيلياً بالضغط الدائم على الناس في لبنان وعلى الشعب في لبنان وخصوصاً على بيئة المقاومة في لبنان، ضخ هائل ودائم وضغط على الأعصاب وعلى الوضع النفسي وإبقائنا في صورة أنه كل فترة يخرج شخص ليتحدث عن الحرب على لبنان، إسرائيل ستبدأ الحرب على لبنان.
والآن في الآونة الأخيرة بعد مجيء ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية أيضاً عادت هذه التحليلات والتقديرات لتكثر. طبعاً، أنا لا أريد أن أتكلم شيئاً جازماً، نفياً أو إثباتاً ولكن أنا أدعو اللبنانيين والشعب اللبناني وكل المقيمين في لبنان ـ لأنهم كلهم معنيون بالنهاية بهذا الموضوع سواءً كانوا مقيمين أو لاجئين أو نازحين فلسطينيين أو سوريين ـ كل الناس المتواجدين على الأرض اللبنانية، أن يقاربوا هذا الأمر من الزاوية التالية أو بالوعي التالي:
أولاً: إن هذا الكلام نحن نسمعه منذ إنتهاء حرب تموز 2006، ولذلك كثر كان عندهم تقدير بأن 2007 ستكون حرب لبنان الثالثة، والبعض قال 2008. مرّت الـ2008 قالوا 2009، مرّت الـ2009 قالوا 2010، انتهت الـ2010 قالوا 2011، 2016 كذلك الأمر، مرّ 11 عاماً على حرب تموز وفي كل يوم بعد حرب تموز كنا نسمع عن حرب لبنان الثالثة والانتقام الآتي والتهديد والوعيد والدمار والتدمير وعقيدة الضاحية وتدمير البنى التحتية في لبنان وما شاكل.
حسناً هذه 11 سنة، خير، إن شاء الله مروا على خير، أمن وأمان وسلام وجنوب آمن وبقاع غربي آمن وحاصبيا وراشيا آمنة، لبنان آمن، الآن هناك بعض الخروقات التي تحصل بين الحين والآخر. حسناً هذا واحد. إذاً هذه 11 سنة من يقول 2017 يصبحوا 12، 2018، 2019، 2020، الله يعلم.
ثانياً: إن التطور السياسي الذي يُبنى عليه الآن هو موضوع ترامب، أن ترامب يمكن أن يأذن لإسرائيل، للعدو الإسرائيلي، أن يشن حرباً على لبنان لتصفية حزب الله.
الآن طبعاً هناك نقاش سياسي بهذا الموضوع، أن الإدارة الأميركية الجديدة ما هي أولوياتها بالمنطقة، حتى الآن غير مفهوم أي شيء من شيء، لأن ما زال هناك نزاع بالحقيقة في الإدارة بين القيادة الفردية وبين قيادة المؤسسة، وبالتعبير اللبناني، هناك "نتوعة الآن"، لا نعرف إن كان ترامب ذاهباً شمالاً أو يميناً، غير مفهوم أي شيء من شيء.
لكن بكل الأحوال، هذه النقطة لا تخيفنا حتى لو كان هذا التحليل صحيحاً، يعني حتى لو كان التحليل يقول إن ترامب سيأّذن لنتنياهو بشن حرب على لبنان، أو أنه سيشجعه على شن حرب، أكثر من إعطاء إذن، هل المسألة متوقفة، مسألة الحرب على لبنان مسألة متوقفة على الإذن الأميركي أو التشجيع الأميركي؟
أنا أقول لكم: لا. سأعيد كلاماً سابقاً من باب التأكيد وترسيخ الفكرة. انظروا إخواننا وأخواتنا وشعبنا وأناسنا وشعوب المنطقة: بالنسبة لإسرائيل، الظروف السياسية لشن حرب على لبنان موجودة دائماً، موجودة دائماً، الغطاء الأميركي موجود دائماً، وللأسف الشديد الغطاء العربي موجود وشبه دائم، الغطاء العربي الذي سمح لإسرائيل أن تعتدي على لبنان عام 2006، اليوم موجود أكثر من 2006، لأسباب عديدة وكثيرة لا أريد أن أدخل فيها الآن. بل بالعكس، الآن يوجد بعض الدول العربية الحاضرة أن تمول الحرب الإسرائيلية وتدفع أرباح على التكاليف أيضاً، لأنهم يعتبرون في نهاية المطاف أن حزب الله هو جزء من جبهة، جزء من محور عطّل الكثير من مشاريعهم السوداء في المنطقة.
المسألة بالنسبة لإسرائيل لا هي مسألة إذن أميركي ولا غطاء أميركي ولا غطاء عربي ولا شيء، المسألة بالنسبة لإسرائيل، خصوصاً بعد حرب تموز 2006، خصوصاً بعد حروب غزة وحرب 2014 على غزة أنها إذا كانت تريد أن تذهب إلى حرب مع لبنان، كما يقولون هم أنا لا أحلل من عندي، هل يربح الإسرائيليون هذه الحرب؟ هل يتحقق لهم نصر بيّن، حاسم ويحقق أهدافه وبأقل خسائر ممكنة فيما يتعلق بالعدو وبالجبهة الداخلية؟ هذه هي المسألة. المسألة الأساسية بالنسبة لإسرائيل هي هذه، ولا علاقة لها لا بترامب ولا بأوباما ولا بفلان أو علتان على الإطلاق، وهذا يعني بالتحديد أن ما تمثله المقاومة من قوة وما تمثله بيئة المقاومة من ثبات واحتضان كبير وعميق وقوي هو عنصر القوة الأساسي إلى جانب الجيش اللبناني، إلى جانب موقف بقية اللبنانيين واليوم أضيف إليهم إلى جانب الموقف الثابت والراسخ لفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، هذه عناصر القوة.
لماذا أقول البيئة الحاضنة الثابتة والصامدة التي أثبتت على مدى السنوات الماضية من خلال الامتحان السوري أنها بيئة قوية ثابتة حاضنة مؤمنة ومستعدة لأعلى مستويات التضحية. طالما عامل القوة هذا موجود، هذا هو الذي يردع إسرائيل عن الحرب، هو الذي ردعها 2007 و2008 و 2009 و 2010 و 2011 و12 و 13، 14، 15، 16، وهو الذي يردعها اليوم وفي المستقبل. نعم، إذا شعر العدو أن المقاومة وهنت وضعفت وتراجعت، أن بيئة المقاومة وهنت وتعبت، هذا سيشجع هذا العدو على المغامرة وعلى الإقدام، إذاً نحن اليوم في مواجهة كل التهديد والتهويل، ضمانتنا بعد الله سبحانه وتعالى عندنا، فينا، في وصايا شهدائنا، في الروح التي ألهمونا إياها، السيد عباس والشيخ راغب والحاج عماد، في مجاهدينا، في رجالنا ونسائنا وكبارنا وصغارنا وأطفالنا وثقافتنا وصمودنا، هذا هو الذي يحمي البلد وهو الذي يمنع الحرب، لا الفيتو الأميركي ولا الإذن الأميركي.
بالمؤشرات أيضاً التي تؤكد هذا المعنى، سأحكي بعض المؤشرات السريعة لأن الوقت لا يسمح أن نعطي تحليلاً كاملاً حول هذا الموضوع.
واحد: موضوع الأمونيا، خزانات الأمونيا في حيفا، صدر قرار قبل أيام أنه خلال عشرة أيام يجب إخلاء خزانات الأمونيا في حيفا. لماذا، وقد كان لها عشرات السنين هذه الخزانات موجودة؟ لأن المقاومة تحدثت عن هذه الخزانات وما تشكله من قنبلة نووية، جاء من يدلنا أكثر من هذا، أن هناك السفينة التي تأتي بالأمونيا وتوزع على خزان حيفا وعلى خزانات أخرى، إذا كنت أنا قلت عن خزان الأمونيا في حيفا يمثل قنبلة نووية، هم قالوا عن السفينة التي تأتي في البحر وتحمل الأمونيا إلى فلسطين المحتلة إنها تمثل خمس قنابل نووية. حسناً، هذه السفينة أين يمكن أن تهرب منّا، افترضنا أنهم أفرغوا خزان حيفا، أولاً هذا الخزان أينما أخذوه نحن إن شاء الله نطاله، طبعاً حيفاً أسهل لا يوجد شك، حيفا أقرب وأسهل، لكن هذا الخزان أينما أخذوه نحن نطاله.
حسناً، خبأتم الخزان، السفينة أين تريدون أن تخبئوها، تحت أي موجة تريدون أن تخبئواها. إذاً هذا العدو في مقابل مقاومة تملك القدرات وتملك الشجاعة لإستخدام هذه القدرات في أي مواجهة حقيقية هو يعمل ألف حساب، وعلى هذا الأساس إذاً يريدون أن يفرغوا الخزان.
طبعاً أهل حيفا شكروا حزب الله أنه كثر خيركم يا جماعة نحن أصبح لنا 20، 30 سنة نطالب ولم يرد علينا أحد.
أنا اليوم في ذكرى قادة النصر أدعو العدو الإسرائيلي ليس فقط إلى إخلاء خزان الأمونيا في حيفا وإنما أيضا أدعوه إلى تفكيك مفاعل ديمونا النووي.. إلى تفكيك مفعل ديمونا النووي.
هم لديهم معلومات كافية عن هذا المفاعل أنه عتيق وقديم ومهترئ "خالص كازه" ولا يحتمل ولا يحتاج لجهد صاروخي كبير وضخم، وهم يعلمون أيضا أنه إذا أصابت الصواريخ هذا المفاعل ماذا سيحل بهم، ماذا سيحل بهم وبكيانهم وحجم المخاطر الذي يحملها إليهم.
إسرائيل، كما قلت في السابق في موضوع خزان الأمونيا، هي تملك سلاحاً نووياً وتعترض على إيران، على برنامج نووي سلمي. ولكن نحن بفضل الله عز وجل وبعقول وشجاعة مجاهدينا وبقدراتنا الذاتية نستطيع أن نحوّل التهديد إلى فرصة. السلاح النووي الإسرائيلي الذي يشكل تهديداً لكل المنطقة نحن نحوّله إلى فرصة، نحوّله إلى تهديد لإسرائيل، لكيانها، لمستوطنيها، لمستعمريها، لغزاتها الذين يحتلون فلسطين المحتلة.
البعض اعتبر أن القرار الإسرائيلي بإخلاء خزان الأمونيا في حيفا مؤشر على قرب الحرب على لبنان، قد يكون ذلك أنا. لا أوافقه لكن أنا لا أتحدث بقطعيات وجزميات ولكن أنا أقول لهؤلاء بل هو مؤشر على ثقة العدو بالمقاومة في لبنان، على إيمان العدو بقوة وقدرة المقاومة في لبنان، وأنها عندما تقول تستطيع أن تنفذ ما تقول. إقرأوا هذه الدلالات قبل أن تقرأوا الدلالات باتجاه آخر.
مؤشر آخر أيضاً أريد أن أقف فيه عند هذه العجالة.
هو يريد شن حرب. الكل بات يعرف أن الحرب الجوية وحدها لا تحسم معركة ولا تصنع نصراً في أي مكان.
اليوم في العراق لو لم يكن هناك جيش عراقي وحشد شعبي وقوات مكافحة إرهاب وعشائر عراقية تقاتل، لو جاء أقوى سلاح جو في العالم لا يستطيع أن يحسم المعركة مع داعش.
اليوم في سورية لو لم يكن الجيش السوري والقوات الشعبية من مختلف الحلفاء تقاتل على الأرض السورية والشعب السوري يقاتل على الأرض السورية، فإن أقوى سلاح جو لا يستطيع أن يحسم معركة. طبعاً هو مؤثر بكل تأكيد وشريك في النصر، ولكن هذا بات معروفاً بعد حرب لبنان وبعد حروب غزة وبعد كثير من الحروب في العالم، هذا اليوم من الثوابت العسكرية والاستراتيجية.
حسناً. أرسلتم الطائرات، قصفت في لبنان، بمعزل عما سنفعله فيها. لكن ألا تريد (أيها العدو) أن ترسل قوات إلى لبنان لتصنع نصرا حاسما قاطعا يحقق لك أهدافك؟ ما هو مصير هذه القوات التي ستدخل إلى لبنان؟
أصلاً هو سيرسل قوات إلى لبنان عندما يهدد بالحرب. سأتحدث هنا بهذا المؤشر عن شاهدين:
الشاهد الأول في غزة 2014 لواء غولاني أيها الإخوة والأخوات من أفضل بل لعله الأفضل في ألوية النخبة في جيش العدو وقيل لي أيضا إنه من أفضل ألوية النخبة في العالم، من أفضل ألوية النخبة، ألوية المشاة والقوات الخاصة في العالم.
يحاول في حرب 2014 أن يدخل إلى حي الشجاعية في غزة، فيُمزَّق ويُذل ويفشل ويُهزم في حي واحد من قطاع غزة المحاصر والمكشوف كصحراء أمام عين العدو. ألويتكم هذه إذا جاءت إلى جنوب لبنان ما الذي سيحدث بها، ضباطكم وجنودكم ودباباتكم، لواء النخبة، لواء غولاني لحقت به الهزيمة البشعة في قطاع غزة بعد ماذا؟ بعد 2006، وهم أخذوا الدروس والعبر وأجروا معالجات ودربوا ألوية المشاة لديهم وألوية النخبة وجهزوها وسلحوها واستفادوا من كل عيوبهم وثغراتهم ونواقصهم في حرب تموز، ذهبوا إلى غزة ليروا نتيجة التدريب والتجهيز والمناورات بعد ثماني سنوات من حرب تموز، ليواجهوا هذه الهزيمة في حي الشجاعية.
أنتم الذين وقفتم لأيام طويلة على بوابات مدينة بنت جبيل بماذا تهددون "شو عم ترعدوا"، لمَ تخيفون الناس؟
الشاهد الآخر: ما يجري على الحدود عندنا. ربما الإعلام لا يسلط الضوء كثيراً على هذا الموضوع. أنا أتمنى أن يذهب الآخرون ويروا، ليس فقط المنار. من الجيد أن ترسل العلاقات الأعلامية وفوداً، وهذا يمكننا تنسيقه، ومنها وسائل اعلام أجنبية يذهبوا ويروا الإسرائيليين ماذا يفعلون على الحدود: الجدران العالية، اسمنت سميك للعديد من المناطق المهمة أو المؤثرة بالمعنى العسكري.
الإسرائيلي يبني الجدران، تلال يجرفونها وديان يغلقونها أعلنوا عن وضع خطط لحماية المستعمرات في شمال فلسطين المحتلة وناوروا على هذه الخطط لماذا؟
من سنة ال48 ما الذي بيننا وبين الكيان الإسرائيلي؟ بيننا وبين فلسطين المحتلة؟ هناك شريط شائك، فقط شريط.، لأن الإسرائيلي وقتما يشاء يقص الشريط ويدخل إلى أرضنا. هو الذي يحتل وهو من يهاجم وهو من يعتدي وهو القوي وهو المتفوق.
لأول مرة منذ العام 1948، لأول مرة، هذه من بركات هؤلاء القادة الشهداء، سادة النصر، وتضحيات كل المقاومين في لبنان، وليس فقط نحن، يبني جدراناً وينشئ سواتر ترابية ويضع خططاً دفاعية عن المستعمرات. ولسنا نحن فقط علينا وضع خطط دفاعية عن قرانا ومدننا، هو عليه وضع خطط دفاعية عن التلال والوديان والمستعمرات في شمال فلسطين المحتلة. إذا كنتَ (أيها العدو) لهذه الدرجة قوياً ومقتدر وعظيماً و"طحّيش" لمَ تشيد جدراناً وتلالاً وودياناً وحقول ألغام وما شاكل.
هناك شيء تغير، وهناك شيء تبدل بالعقل الإسرائيلي، بالعقل العسكري الإسرائيلي، بالنفس الإسرائيلية، بالوجدان الإسرائيلي. لم تعد المقاومة في لبنان هي مقاومة فقط تقف عندما تدافع عن بلدها، تقف وتقاتل وتدافع في أرضها. لا، لذلك أنا سأكتفي بهذا المقدار لأقول الناس ليريحوا أعصابهم، لا يتأثروا كثيرا بكل ما يقال ويكتب، كل هذا التهويل والتهديد والوعيد هذا كله نضعه في دائرة الحرب النفسية.
بالتأكيد هذا لا يعني أن نقول ليس هناك شيء. لا، المقاومة وما هو مطلوب من الدولة إن شاء الله عندما يصبح لدينا دولة حقيقية كما هو مطلوب من الجيش الذي أثبت مصداقيته في كل الظروف الصعبة، المطلوب من المقاومة أن تبني على أسوأ الاحتمالات.
على الناس أن يرتاحوا لكن على المقاومة أن لا ترتاح. المقاومة يجب أن تبقى دائماً حاضرة جاهزة "مرتّبة أمورها" تفتح عينينها وتفتح أذنيها، يدها على الزناد، والعدو يفهم ذلك، لأن هذا هو الذي يردع العدو.
بالتأكيد أنا أيضاً ـ غير الدعوة إلى تفكيك ديمونا ـ أريد أن أوجه رسالة أخيرة وأكتفي بهذا المقدار بالشق اللبناني مع العدو الإسرائيلي وهي: أنا أقول لقادة العدو لأنه يبدو أنهم بدأوا يخطئون بالفهم: أنتم في حرب تموز بنيتم أن لديكم معلومات كافية عن المقاومة فهجمتم وفوجئتم بالمفاجآت العديدة المعروفة، وقمتم بما يسمى بعملية "الوزن النوعي" التي فشلت وغيّرت مسار الحرب.
أنا أعلم ونحن في حزب الله والمقاومة نعلم أنكم تخططون لعملية وزن نوعي جديدة إذا حصلت حرب ما في يوم ما. وأنتم مخطئون عندما تفترضون أن معلوماتكم كافية. دائماً لدينا ما نخفيه، هذا جزء من عقيدتنا وجزء من استراتيجيتنا، من عقيدتنا القتالية واستراتيجيتنا العسكرية والأمنية، وستفاجأون بما نخفيه، وما نخفيه يمكن أن يغير مسار أي حرب ستكون حماقة لو أقدمتم عليها.
أيها اللبنانيون، أيها الشعب اللبناني الكريم والشريف والعزيز:
ببركة هؤلاء القادة الشهداء وإخوانهم وتلامذتهم ودمائهم وتضحياتهم يمكن أن تثقوا اليوم بقدرتكم وبقوتكم وبردعكم وبأنكم في عين العدو شيء عظيم وكبير، يجب أن تثقوا بهذا وتؤمنوا بهذا وتبنوا عليه الحسابات.
العنوان الثاني الموضوع الإسرائيلي من البوابة الفلسطينية. ماذا يجري الآن.
الآن إسرائيل تواصل عملية التهويد في أوسع نطاق، تهويد القدس، طرد سكانها، المزيد من الوحدات السكنية والمستعمرات لتغيير هويتها وفصلها عن الضفة الغربية وصولاً إلى منع الأذان ـ الآن مشروع قانون حكومة نتنياهو إلى الكنسيت ـ وصولاً إلى قانون سلب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، والاتجاه إلى بناء الآلاف من الوحدات السكنية في الضفة الغربية، الاستمرار بالقتل اليومي والاعتقالات اليومية، وأعمال الهدم للمنازل بشكل يومي، والتجريف للحقول. والآن مع ترامب، الحديث عن نقل السفارة الاميركية من تل أبيب إلى القدس. أهمية دلالة هذا الموضوع هو تثبيت القدس كعاصمة أبدية لهذا الكيان الغاصب، التخلي الأميركي عن فكرة حل الدولتين، الذي لنا نحن كمقاومة لا يعني شيئاً، ولكنه كان يمثل الأمل الوحيد للمسار التفاوضي ولمن يؤمن بهذا المسار.
الأميركيون، أمس ترامب قال نحن لن نضغط على إسرائيل، دعوا الفلسطينيين يتفاوضون مباشرة ويتفاهمون معهم، يعني ماذا ؟ يعني "عليكم خير". هل الاسرائيليون، بدون ضغط أميركي وبدون ضغط دولي وبدون ضغط عربي، وبدون أي ضغط، هؤلاء الصهاينة بثقافتهم وأطماعهم وجشعهم واستعلائهم وعلوّهم واستكبارهم، هؤلاء بالمفاوضات سيعطون الفلسطينيين؟ حتى الفتات؟
هذا يعني اليوم بعد اللقاء وما صدر عن اللقاء بين نتنياهو وترامب، حقيقة لا أبالغ إذا قلت إنه أمس أُعلن بشكل شبه رسمي وفاة المسار التفاوضي، أعلنت الوفاة، انتهى الموضوع، بالنسبة للإسرائيليين لا يوجد شيء اسمه دولة فلسطينية، تلك المؤتمرات ـ التي أتكلم عنهم ـ بداية العام، خطب فيهم وزراء جنرالات ونخب، بكل خطاباتهم لا يوجد شيء اسمه الدولة الفلسطينية، هذا غير وارد كخيار.
قبل سنوات كننا نقول واليوم أذكّر بما كنا نقول: المشروع الإسرائيلي لفلسطين وللفلسطينيين هو: خذوا غزة، وطبعا غزة تلك التي يجب أن تبقى محاصرة، بلا ميناء ولا مطار ولا حدود، ولكن خذوها لكم لأنها شكلت عبئاً على الصهاينة، أما بقية فلسطين فهي للصهاينة. أقصى ما يمكن أن يُعطى في الضفة الغربية هو حكم ذاتي إداري محدود مقطّع الأوصال، ستقطعه الآن آلاف الوحدات السكنية وانتهى الأمر. الفلسطنيون في الشتات، (لهم) التوطين أو الهجرة، في لبنان وفي سورية والأردن وحيث هم، أو الهجرة، والآن مفتوح في العالم، يعرض جنسيات على الفلسطينيين لكي يرحلوا. هذا أقصى شيء يعطيه الإسرائيلي: حكم ذاتي إداري محدود في الضفة الغربية المقطعة الاوصال.
أمس أيضاً، الإسرائيليون أنفسهم، المحللون أنفسهم، يتحدثون عن المراحل النهائية لتصفية القضية الفلسطينية. قد لا يكون في هذا الأمر أي مبالغة للأسف الشديد. وأساس مبادرة السلام العربية أو الحل في مبادرة السلام العربية التابع للعام 2002 يقوم على فكرة الدولتين، هذا الأصل انتهى، انسحق، سقط.
ماذا يقول القادة العرب، الأنظمة العربية الحكومات العربية، جامعة الدول العربية، أصحاب مبادرة السلام الذين قالوا بأن المبادرة على الطاولة ولن تبقى طويلاً، هل بقيت المبادرة على الطاولة؟ هل ما زالت موجودة بالاصل!؟ من يعترف بها؟
من الطبيعي أن يصل الإسرائيليون إلى المرحلة التي يقولون فيها إننا نحن نشهد المرحلة النهائية من تصفية القضية الفلسطينية، لأنه مع كل ما خدم به أوباما إسرائيل، الآن هي تقول إن ترامب أفضل.
حسناً، أما الدول العربية، أين الضغط العربي؟ بالعكس مسارعة إلى العلاقة مع اسرائيل تحت الطاولة وفوقها بدون خجل، تطبيع عربي، تطبيع خليجي، باستثناء بعض الدول العربية، تطبيع، وفود، إلى البحرين وإلى بعض الدول العربية، ويرقصون ويغنون، ويحملون السيوف، ولا يخجلون في البحرين هؤلاء الصهاينة، بأن يغنوا سنهدم المسجد ونبني المهيكل، وهؤلاء العرب الذين يرقصون معهم من البحارنة الذين هم من جماعة السلطة، وطبعا الجهلة الأغبياء لا يفقهون ماذا يقول هؤلاء الصهاينة، وأنا رأيي حتى لو فهموا، فهذا لا يقدّم ولا يؤخر، لأنه لم يعد هناك شيء له قيمة عند هذه الأنظمة وعند أتباع هذه الانظمة.
بالأمس صوت غريب، يمكن الكثيرون تساءلوا، يا جماعة أين يعيش هذا الرجل، من أي عالم أتى؟! عندما يذهب مثلاً فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون إلى جامعة الدول العربية، أعتقد أنه أزعجهم عندما حدّثهم عن القدس، وعن المقدّسات الإسلامية والمسيحية، وأزعجهم عندما ذكّرهم بمسؤولياتهم كدول عربية، وكعرب، عن فلسطين وعن المقدسات، وأزعجهم عندما حدّثهم عن المقاومة قبل ذهابه وبعد ذهابه، وأزعجهم عندما قال لهم إن الفكر الصهيوني استطاع أن يحوّل الحرب من مواجهة عربية اسرائيلية إلى مواجهة عربية عربية، تعالوا لتعالجوا هذا المشكل، ولكن "على من تلقي مزاميرك يا داوود؟!"
في هذا الوضع العربي السيء، نعم، من حق الإسرائيليين أن يتحدثوا عن بيئة استراتيجية ممتازة ومن حق نتنياهو بالأمس أن يقول لم يمر يوم في حياتي قبل الآن شعرت فيه أو اشعر فيه بأن الدول العربية لم تعد تنظر إلينا كعدو بل كحليف، هذه شهادة نتنياهو وصمة عار في جبين أغلب هؤلاء الحكام من ملوك وأمراء ورؤساء عرب، أغلبهم، باستثاء طبعا بعض القادة والرؤساء، الذين لهم موقف مختلف ويدفعون ثمن هذا الموقف المختلف، أليس هذا وصمة عار؟! ماذ ا يقول الشعب الفلسطيني؟ ماذا تقول كل فصائل المقاومة في فلسطين؟ كل الفصائل، من يؤمن بالمقاومة ومن يؤمن بالتفاوض، ماذا يقول ملايين الفلسطينيين في الشتات، ماذا يقول العرب الذين ما زال فيهم بقية شرف وشهامة وعروبة وكرامة، أين هو الموقف العربي؟ وأين هو الجواب العربي؟ طبعا لا جواب، الجواب في مكان آخر، المزيد من القتل في اليمن، المزيد من القتل في البحرين، المزيد من التآمر على سورية وعلى العراق، المزيد من البحث عن تحالفات لمحاربة الجمهورية الإسلامية في إيران، هؤلاء هم العرب اليوم، الحكام العرب.
حسناً، ماذا بقي من خيارات أمام الفلسطينيين؟
هذا لا يدعو إلى اليأس على الإطلاق، أنا أريد أن أقول للشعب الفلسطيني في ذكرى هؤلاء القادة الذين أحبوا فلسطين وعشقوا فلسطين، هكذا كان السيد عباس، هكذا كان الشيخ راغب، هكذا كان الحاج عماد، كانوا فلسطينيين أكثر من كونهم لبنانيين، السيد عباس كان فلسطينياً أكثر من كونه لبنانياً، والفلسطينيون يعرفون ذلك، والحاج عماد كذا هكذا وأيضاً الشيخ راغب، في ذكرى قادة المقاومة هؤلاء الذين كانت فلسطين عشقهم وحبهم وهدفهم وقضيتهم وأملهم، أقول للشعب الفلسطيني: هذا ليس مدعاة يأس، أن سقوط الأقنعة أمر مهم، "لو خرجوا فيكم لم يزيدوكم إلا خبالا"، سقوط الاقنعة، سقوط المنافقين الذين كذبوا عليكم لعشرات السنين بأنهم يدعمون فلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين، ما أهمية هذا؟ هذا يجوهر، ويدع الصفوف نظيفة، ويدع الناس مميزة، يضع الجبان والخائن والعميل والجاسوس والسمسار، يضعهم جانباً، ويقول للشعب الفلسطيني ولشعوب المنطقة، هذه الخلاصة الباقية، البقية الباقية من كل هذه الامتحانات والصعوبات، هي التي ستحرر فلسطين وتصنع النصر، بالعكس، هذا يجب أن يكون مدعاة للأمل وليس سببا لليأس، عندما تتمايل هذه الصفوف، فليخرجوا من الصفوف، كفاهم كذباً على الشعوب العربية وعلى شعوبهم وعلى الشعب الفلسطيني، فليقولون إنهم قبلوا بإسرائيل، وهم يطبّعون مع إسرائيل وهم حلفاء إسرائيل، وإسرائيل ليست عدواً.
يا أخي فليجب أي أحد نتنياهو، "وَلَو"! القليل من الشرف، القليل من الشهامة عند هؤلاء الملوك والأمراء والرؤساء العرب، فليقل له: كلا أنت كذاب، أنت ما زلت عدواً، لم تصبح حليفا، لا يجرؤون! "لا تآخذونني أخذتني العبارة بالعامية مثل ما نتكلم مع بعضنا في البيت".
هذا ليس مدعاة لليأس، هذا مدعاة للأمل لاحقاً، ليس على الشعب الفلسطيني أن يستسلم أبداً، عدم الاستسلام، مواصلة المقاومة، الإيمان بالمقاومة، الثقة بخيار المقاومة، وأنه يصنع الانتصارات، المقاومة حررت لبنان، وحررت غزة وتجارب التاريخ للمقاومات الشعبية في العصر الحاضر وطوال التاريخ، مسألة وقت، طول نفس، عض على الاصابع، تجربة الشعب الفلسطيني في هذا العالم كبيرة جداً، من أهم أشكال المقاومة التي تجري الآن في فلسطين هي انتفاضة القدس، التي يجب أن تتواصل، هذه العمليات الفردية من أهم أشكال المقاومة، من أهم وأعظم أشكال المقاومة، لأنه فرد واحد، لا ينتمي إلى مجموعة ولا ينتمي إلى تنظيم، في كل الأحوال، عندما يكون الفرد هو صاحب القرار والعملية والخطة وهو الذي يستطلع الهدف وهو الذي ينفذ الهدف وينفذ العملية، من يستطيع أن يصادر؟ أي عمل استباقي غير ممكن، وعندما يتنوع، شاب وشابة ومزارع وطالب جامعي وأستاذ من شرائح اجتماعية مختلفة، هذا هو الذي يرعب العدو ويهز كيانه، ويزلزل كيانه.
أنتم تملكون هذه الطاقة الإيمانية المقاومة الشابة الهائلة، التي عبّر عنها حتى الآن شباب وشابات فلسطين في انتفاضة القدس.
وأخيراً أيضاً أريد أن أؤكد لشعبنا الفلسطيني أن المنطقة لن تبقى كما هي، والعالم لن يبقى كما هو، لا أميركا ترامب ولا أميركا بوش ولا الجيش الاميركي، هو الجيش الأميركي هو من أتى وغزانا قبل عشرات السنين، وكل هذه المنطقة تتغير، ومشاريع تتهاوى وتسقط. ومن قلب المعاناة ومن قلب الفتن ومن قلب المؤامرات تولد أجيال وأجيال وأجيال من المجاهدين والمقاومين والمؤمنين الذين سيصنعون الانتصارات الحاسمة كما يصنعونها في كل يوم، وسيغيّرون وجه المنطقة وفق أمل ومستقبل واعد، وكل ما يجري من حولنا هي ليست إرهاصات تصفية القضية الفلسطينية، أبداً هي إرهاصات تصفية المنافقين الكاذبين على الشعب الفلسطيني.
أما القضية الفلسطينية فلا يمكن أن يصفيها أحد ولا يمكن أن ينهيها أحد.
فليكن توكلكم على الله عظيما وثقتكم بانفسكم وبشبابكم وشاباتكم كبيرا، ولتكن هذه المقاومة، وهذه العمليات، هذا الصمود هذا الثبات صادقا لله، في سبيل الله، في عين الله، والله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، هو وعد كل الصادقين والصابرين الصامدين بالنصر ووفى بوعده دائماً.
ثالثاً: تمر علينا اليوم أيضا الذكرى السنوية السادسة، ست سنوات، على انتفاضة الشعب المظلوم في البحرين. وما شهدناه في الأشهر القليلة الماضية ـ حتى لا نتكلم عن الماضي وعن السنوات الماضية ـ المزيد من ثبات القيادة والشعب.
العلماء في مواقفهم، في بياناتهم، في خطبهم، في توجهاتهم وتوجيهاتهم، هم أنفسهم، لم يتغيروا، لم يتزلزلوا، لم يضعفوا. منذ اليوم الأول يقولون ما قال هذا الشعب بأغلبيته. واقعاً هناك أغلبية شعبية في البحرين قامت وثارت وانتفضت وأخذت هذا المسار السلمي منذ البداية، ورُدّ عليها بالاحتلال السعودي للبحرين. اليوم البحرين ليست بلداً مستقلاً، هي بلد محتل. يقولون إنه تم استدعاؤنا من قبل الحكومة البحرينية، "ماشي الحال"، ولكن الآن هناك قوات سعودية في البحرين هي قامت بقمع الشعب البحريني وبقتل الشعب البحريني.
في الأسابيع القليلة الماضية، وفي الأشهر القليلة الماضية تواطأوا على قائد هذا الشعب، سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم، ولكن من حماه؟ حماه الله وحماه شعبه.
أين يوجد ـ بالحد الأدنى بعشرات السنين التي نحن عشناها، لا أعلم بالتاريخ ما الوضع ـ انه يوجد قائد في منزل وفي بلدة محاصرة بقوى الأمن وبالجيش وبالمدرعات ويحميه شعبه، يحميه رجال ونساء وشباب وشابات في ساحات الفداء، ما يزيد على 6 أشهر، في حر البحرين وفي برد البحرين، وفي الليل وفي النهار، هل يوجد نموذج كهذا في العالم؟ وبالصدور العارية وبالقبضات العزلاء لا يوجد لديهم شيء غير القبضة والصدر والتكبير والإيمان وأكثر من محاولة اقتحام سقط فيها جرحى وشهداء في الدفاع عن قائدهم وعن أنفسهم. هذا دليل على ماذا؟
عندما اقدم هذا النظام الطاغي على إعدام ثلاثة شبان، وأحدهم شاب صغير بالسن أيضاً، وكان يستطيع أن لا يعدمهم، يستطيع أن يحكمهم بالإعدام ويتركهم مع وقف التنفيذ لو كان هناك القليل من العقل والقليل من الحكمة ولكن يوجد غطرسة وليس فقط غطرسة ويوجد تبعية أيضاً. من قال إن هذا القرار من آل خليفة؟ هذا القرار من السعودية. كيف كان رد البحرينيين؟ قتل النظام شبّانهم من أجل إرهابهم، من أجل إسكاتهم، من أجل إرعابهم، ماذا قال عوائل الشهداء؟ ماذا قالت أمهات الشهداء؟ كلنا شاهدناهم على التلفاز، وكذلك أمهات الشهداء الذين قُتلوا قبل أيام، ماذا سمعنا من النساء الثكلى؟ ما رأيت إلا جميلا، ما رأيت إلا جميلا.
ليذهب هذا حمد في البحرين وليجلب بعض الخبراء ليشرحوا له إذا كان لا يفهم، ليشرحوا له، يجلب أطباء نفسيين ويشرحوا له، عندما يكون رد فعل امرأة ثكلت بولدها الذي قتل أو أعدم، بعد ساعات وليس بعد أسبوع، بعد ساعات، وتقول ما رأيت إلا جميلا، ليفهم من هو هذا الشعب الذي يواجهه والذي ينكّل به والذي يقمعه.
ثم نزول عشرات الالاف في ليلة واحدة بالأكفان من رجال ونساء، وهم لا يملكون سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم وليس في نيّتهم أن يستخدموا السلاح برغم تهديد السلطة، هذا مؤشر على ماذا؟
في الوقت الذي يرى هؤلاء الناس في البحرين سكوت العالم العربي والعالم الاسلامي والحكومات والقادة والمؤسسات الدينية، بل بالعكس، يرون سيل الفتاوى التي تُقدم لآل خليفة ولآل سعود لسحق عظامهم وسفك دمائهم وإعدام شانهم، ويرون سكوت العالم، ولكن إيمانهم بالله عز وجل عظيم جداً، إيمانهم بحقّانية قضيتهم، إيمانهم بقادتهم بقائدهم، إيمانهم بعلمائهم، ثقتهم بأنفسهم ورهانهم على المستقبل، على وعد الله وعلى غيب الله وعلى أن الله ينصر ويعين ويتفضل ويتدخل، هو الذي يجعلهم يواصلون.
أيضاً رسالة اليوم أن من يراهن على هذا الشعب أن يتعب، أن يهون، أن يستسلم، أن يضعف بعد ست سنوات، عليه أن يرى مشاهد هذه الأيام ومشاهد الأيام القليلة الماضية ليعرف أن النجاة للبحرين هي في الإصغاء لمطالب هؤلاء الناس المظلومين، لتحقيق هذه المطالب، لمعالجة وطنية حقيقية ضمن إرادة ورغبات هذا الشعب وقيادة هذا الشعب وشهداء وعوائل شهداء وسجناء وجرحى هذا الشعب العزيز.
العنوان الثالث أيضاً: في اليمن نحن نقترب من سنتين من الحرب على اليمن، الحرب الاميركية السعودية شبه العربية عدد من الدول العربية متورط حتى أذنيه في هذه الحرب ـ أنتم تعلمون أنني شفاف وأسمّي ولا تفرق معي ـ وفي مقدمها دولة الامارات التي تقدّم نفسها دائما بأنها دولة الحضارة والمدنية وغيره، هي جزء أساسي من هذا العدوان ومن هذه الحرب على الشعب في اليمن.
إذاً عدوان أميركي سعودي إماراتي شبه عربي، ومدعوم أيضاً من بعض الدول، من الإنكليز وغير الإنكليز، واسمحوا لي أن أضيف اليوم ـ كان في السابق الإخوة في اليمن يقول هذا وكنا نحن نتوقف قليلاً لنتأكد من المعطيات ـ المعطيات الحسية العلمية المادية تؤكد أن إسرائيل أيضاً شريك في هذا العدوان، شريكة مادياً ومعلوماتياً وتكنولوجياً، وبعض ضباطها وطياريها وأسلحتها وإمكانياتها ومخابراتها هي جزء من هذا العدوان.
عندما يتكلم نتنياهو عن الحليف، أين الحليف؟ إحدى ساحات الحلف الإسرائيلي السعودي هي في الحرب على اليمن بالوثائق والمستندات الحسية والمادية، هذا موجود.
هذه الحرب سيصبح عمرها سنتان، أي بعد شهر وعشرة أيام أو أحد عشر يوماً سيصبح عمرها سنتان. بدأت الحرب على أمل أن تحسم المعركة خلال أسبوعين أو أسابيع قليلة، لأنهم استضعفوا الشعب اليمني ودائماً هذه نظرة الاستعلاء تجاه بعض الشعوب أن هؤلاء فقراء ومن هذا القبيل وهؤلاء لا يوجد لديهم إمكانات ولديهم خلافات داخلية ودولتهم كيت ووضعهم كيت ونستطيع أن نهجم عليهم وأن نمسحهم وأن نغلبهم وأن نهزمهم وأن نفعل نصراً عظيماً ويخرج أحد ما في الرياض ليقدم نفسه على أنه جمال عبد الناصر الجديد للأمة العربية، ولكن جمال عبد الناصر (الجديد) ليس ضد إسرائيل بل ضد الشعب اليمني.
هذا سيصبح عمره سنتان، اليمنيون، الشعب اليمني بأغلبيته الساحقة التي تقاتل والتي تقف في وجه العدوان، نعم هناك يمنيون هناك احزاب يمنية ويمنيون سياسيون، هم ولاؤهم للسعودية وليس ولاؤهم لليمن ويتآمرون على شعبهم وعلى بلدهم، ما هي الحصيلة اليوم مثلا في جنوب اليمن، من الحاكم اليوم؟ يوجد دولة احتلال اسمها الإمارات ويوجد محافظات بالكامل تحت سيطرة القاعدة وداعش.
عبد ربه منصور الذي يريدون أن يفرضوه رئيسا على اليمنيين كأساس في الحل لا يمون على مدينة عدن، لا يمون على مطار عدن، جاء من السعودية منذ يومين إلى عدن من أجل أن يقوم بإجراءات، أمس كان هناك اشتباكات في مطار عدن.
هؤلاء الذين باعوا أنفسهم لاعداء وطنهم، سلّموا هذا الجزء من البلد للقاعدة وداعش ولدولة خارجية تتحكم بتشكيلاتهم وضباطهم وأمنهم واقتصادهم ونفطهم وموانئهم ومطارهم.
أما أغلبية الشعب اليمني ما زالت تقاتل وتواجه وتضحي وتثبت وتصمد، يوجد صمود أسطوري في اليمن. كل الذين قاتلوا ويعرفون بالعسكر يستطيعون بكل بساطة، جنرالات العالم اليوم، الذي لديه القليل من الفهم العسكري، عندما ينظر لما يجري في اليمن يفهم جيداً أن ما يجري في اليمن أسطورة، معجزة حقيقية، يصنعها الشعب اليمني والشباب اليمني والقيادة الشابة والشجاعة والشريفة في اليمن.
في المقابل هناك حصار، يوجد أقل شي 16 مليون أو 17 مليون يمني تحت الحصار منذ سنتين 16 مليون يمني عربي يا عرب، مسلم يا مسلمين، محاصر، وليس أنصار الله أو المؤتمر الشعبي أو الحكومة اليمنية أو فلان الحزب اليمني يقول هذا إنما مؤسسات الامم المتحدة والمنظمات الدولية تتحدث عن مجاعة في اليمن، تتحدث عن خطر المجاعة الذي سيطال الملايين، تتحدث عن عشرات الآلاف الذين ماتوا أو هم معرضون للموت من أطفال اليمن بسبب سوء التغذية والجوع.
أما زال هناك ضمير أو شرف أو كرامة؟ كلا ويخرجون ويصدرون فتاوى لحكام السعودية وحكام الإمارات وكل المعتدين على الشعب اليمني: اقصفوهم واقتلوهم ودمروهم ولم يتركوا شيئاً.
أمس مجلس عزاء نسائي قصف بالطيران فقضى النسوة ما بين شهيدة وجريحة. هذا أمام العالم كله، حصار، تجويع وقصف وقتل يومي ومجيئ بالمرتزقة من كل أنحاء العالم. هل تعتقدون أن الجيش السعودي هو الذي يقاتل؟ أبداً، جزء منه، هل تعلمون أين هو يقاتل؟ في المواقع التي تسقط تحت يدي شباب اليمن، الجيش واللجان الشعبية، هناك يقاتل الجيش السعودي، أما في بقية الجبهات أين يوجد جيش سعودي؟ يوجد مرتزقة من اليمن، من السودان ومن الأردن ومن باكستان ومن أفغانستان ومن أفريقيا وكل مكان في العالم، طالما توجد أموال في السعودية ويوجد دم عند الآخرين وهم فقراء تعالوا قاتلوا بالنيابة.
لكن ما هو الموقف اليمني، القيادة والشعب والجيش واللجان الشعبية، الإصرار على الصمود رغم الجوع، رغم الغارات، رغم القتل، رغم التدمير، لأن في اليمن شعباً يقول هيهات منّا الذلة، وأي شعب يقول هيهات منا الذلة سينتصر دمه على السيف، أياً يكن هذا السيف. هذه هي الحقيقة.
نحن سمعنا من خلال الكثير من اللقاءات والكواليس والذين يزورون السعودية ويلتقون بالمسؤولين هناك، يقولون إن السعوديين يعترفون أنهم أخطأوا في الحرب على اليمن وأخطأوا في الحسابات وأخطأوا في التقدير، ويبحثون عن الحل ويريدون حلاً يحفظ ماء وجوههم. اليوم، وكل يوم يقتل من الطرفين، يمنيون وسعوديون وعرب ومسلمون وتهدم بيوت، وتدمر أماكن ويجوع عشرات الآلاف من الأطفال، لماذا؟ فقط لأن هناك في السعودية من يجب أن نجد له حلاً يحفظ ماء وجهه ليصبح ملكاً في يوم من الأيام. هذه هي المعادلة.
ما هو الحل الذي يحفظ ماء الوجه؟ الحل هو أن يستسلم اليمنيون، أن يسلّموا السلاح وأن يسلّموا المدن ولاحقاً نبحث عن حل سياسي، وهذا رفضه اليمنيون، وهم يقولون أنهم سيقاتلون حتى آخر قطرة دم من أجل كرامتهم وعزتهم ووطنهم، ولديهم كل هذا الإيمان بالله عز وجل، وكل هذه الثقة بالنفس وبالنصر الآتي، ولديهم من العقل والمعرفة والعلم ما يستطيعون أن يطوروا به صواريخهم وأسلحتهم وإمكانياتهم وقدراتهم المادية والبشرية، وما داموا يملكون الإيمان والعزم لن ينتظروا أحداً في هذا العالم، سيواصلون وينتصرون.
أيها الإخوة والأخوات، طبعاً إنما أتحدث عن اليمن والبحرين فقط من أجل إثارة القضية، يا ليت لدينا ما نستطيع أن نقدمه لهم. من أجل أن نقول للعالم في لبنان هنا قي زاوية ما، في مدينة ما، صوت لبناني، صوت عربي، صوت مسلم يخالف كل هذا الإصطفاف المرتزق الخانع والخاضع الذي يقدّم الخدمات المجانية لأمريكا وإسرائيل في منطقتنا وعلى حساب شعوبنا وعلى حساب فلسطين.
أيها الإخوة والأخوات:
في هذه الذكرى العزيزة والغالية، نؤكد لسيدنا السيد عباس، لسيدتنا أم ياسر، العالمة، الفاضلة، الأم، المجاهدة، الحنونة، لشيخنا الشيخ راغب، لقائدنا الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية، للطفل حسين، الطفل البريء الذي قتل وذبح على طريق القدس، لكل قادتنا الشهداء وشهدائنا وجرحانا وأهلنا وشعبنا، نحن هنا باقون في مواجهة كل هذه المشاريع، في مواجهة كل هذه المشاريع التي تستهدف بلداننا وشعوبنا وأمننا ومقدساتنا وأمتنا ومستقبلنا، سواءً كان اسمها إسرائيل وهي مشروع أميركي متقدم في المنطقة، أو اسمها داعش، أو اسمها الجماعات التكفيرية، نواجهها بلا تردد وبلا وهن وبلا ضعف. ونحن اليوم أيضاً على طريق الانتصار في هذه المواجهة. كما انتصرت المقاومة في لبنان 1985 ومن خلفها محور المقاومة، سوريا وإيران، والمقاومة الفلسطينية وكل من يدعم المقاومة في العالم. وكما انتصرت المقاومة عام 2000 في لبنان، وفي حرب تموز 2006 ومن خلفها أيضاً محور المقاومة سوريا وإيران وكل من يدعم المقاومة في العالم، نحن الأن على بوابة الانتصار على المشروع الأميركي السعودي الإسرائيلي الذي اسمه داعش والجماعات التكفيرية بعد أن انقلب السحر على الساحر، وبعد أن خرجت الأفعى من السيطرة لتعتدي على أهلها وعلى أصحابها وعلى صنّاعها .
فقط أريد أن أقول لكم تابعوا جيداً ما يقال الآن في العالم وما قيل في الأشهر الماضية من مسؤولين أميركيين سياسيين ودبلوماسيين وجنرالات وأمنيين وما يقولوه الآن مسؤولون أتراك، أردوغان شخصياً تحدث أكثر من مرة أن داعش صناعة أميركية. ترامب هذا الرئيس الفعلي تحدث على مدى سنة أن داعش صناعة أوباما وكلينتون وصناعة أميركية. مسؤولون كبار في تركيا وهذا مسجل على تلفزيونات وشاهدوه على اليوتيوب، تحدثوا أوضح من هذا أن داعش صناعة أميركية – سعودية، المشروع أميركي، قرار داعش أميركي، لكن الثقافة والتمويل والإعلام والضباط والجنرالات وأجهزة المخابرات والفلوس وسلاح داعش سعودي في البداية، الآن انقلب السحر على الساحر، الأن خرجت عن السيطرة ، الآن لا أعلم ، هل أقول إن السعودية ما زالت على صلة بداعش أم لا يحتاج الأمر إلى تدقيق. لكن لا شك أنها سعودية المنشأ ، أن الصانع الحقيقي لداعش: أمريكا والسعودية لمصلحة إسرائيل ولمصلحة أميركا، والهدف تدمير العراق، تدمير سوريا، تدمير مصر، تدمير كل الدول التي تدمر داعش فيها الآن.
أنتم الذين تتحدثون عن عدم جواز الإفلات من العقاب، عندما يتهم أحد بقتل أحد في هذا العالم يقولون يجب أن يحاكم وعدم جواز الإفلات من العقاب. السعودية التي صنعت داعش هي التي تتحمل إلى جانب الإدارة الأميركية بالدرجة الأولى مسؤولية مئات الآلاف من الشهداء الذين قتلوا في العراق وفي سوريا وفي ليبيا وفي اليمن وفي سيناء وفي مصر. في نيجيريا فقط منذ أيام إعلان رسمي أن بوكو حرام المبايعة لداعش قتلت حتى الآن مئة ألف. الجرائم، المدن التي دُمرت، الشعوب التي مُزقت نفسياً، الجيوش التي دُمرت. أكبر الجنايات في التاريخ ارتكبت في هذه السنوات، من ارتكبها: داعش والجماعات التكفيرية. من صنع داعش والجماعات التكفيرية؟ أميركا والسعودية. هل يجوز أن يفلتوا من العقاب.
"خلصت الحكاية أنو هلق اكتشفوا" أنهم صنعوا تنيناً سيحرق الجميع بما فيها مصالحهم. أليس هذا يجب أن يكون موضع عبرة ودراسة وتأمُّل بالنسبة لكل الحكومات والدول والشعوب لتحسم موقفها. الحمد لله الذي منّ علينا البصيرة منذ اليوم الأول، لأننا ننتمي إلى هؤلاء القادة، لأننا من هذه المدرسة ولأننا من أتباع هذه المقاومة التي تملك من البصيرة والوعي وتراكم الخبرة والتجربة ما يجعلنا نفهم قبل حصول الأحداث ونحسم خيارنا.
للسيد عباس، لأم ياسر، للشيخ راغب، للحاج عماد، لكل القادة الشهداء، لكل الشهداء ، عهدنا مجدداً في 16 شباط، نواصل دربكم، نحفظ وصيتكم بعرقنا، بدمائنا، بفلذات أكبادنا، بصبرنا وتضحياتنا، ولن يكون إلا النصر الذي ستبقون سادته، وسادته إلى قيام الساعة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.